روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الخامس والخمسون 55 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الخامس والخمسون

رواية امرأة العقاب الجزء الخامس والخمسون

رواية امرأة العقاب الحلقة الخامسة والخمسون

طالت نظراتهم المذهولة للطبيب بعد جملته التي تفوه بها !!!
تمتم الطبيب بوجه عابس :
_ الحمدلله العملية نجحت بس هو حالته خطرة ومش مستقرة يعني هيفضل تحت العناية المركزة لغاية ما الحالة تستقر .. ادعوله
انهى عباراته وألقى نظرة على عدنان يهتف في جدية :
_ ممكن لحظة يا أستاذ عدنان
سار عدنان خلفه كالمتغيبًا من فرط الحزن والألم .. وقف بجوار الطبيب بعد مسافة بعيدة عن مسامعهم ليهتف الطبيب في بعض اليأس والأسف :
_ في البداية دماغه مكنتش بتدي أي إشارة وكنا شاكين إنها حالة موت دماغ بس الحمدلله على آخر لحظة أدت استجابة .. بس للأسف الحالة مش مطمنة خالص ومش مستقرة
اتسعت عيناه بذهول وهتف بوجه مزعور :
_ يعني إيه .. هي مش المفروض العملية نجحت يادكتور !
_ نجحت بس أنا ببلغك بحالته .. لقدر الله لو حصل أي حاجة تكونوا مستعدين وعلى علم بحالته الصحية من البداية .. كل اللي هو محتاجه منكم دلوقتي الدعاء
وقعت أثر الكلمات عليه كالخنجر المسموم في أعمق يساره .. فبقى يحدق بالطبيب بسكون مريب وكأنه بعالم آخر .. تلك الاحتمالية حول فقدان أخيه لا يمكن لعقله استيعابها ويشعر بأن أنفاسه تضيق عليه وتخنقه .
رتب الطبيب على كتفه بحزن ثم ابتعد وغادر .. أسرعت إليه جلنار فور رحيل الطبيب لتقف بجانبه وتمسك بيده هاتفة في قلق :
_ قالك إيه الدكتور ياعدنان ؟!
التفت لها يرمقها بنظرات تائهة ثم انتقلت عيناه إلى أمه الجالسة على المقعد وغارقة في نجيبها وبكائها وعلى الجانب الآخر تلك المسكينة المنزوية بمفردها وتبكي بصمت وحرقة .. هو أيضًا يحتاج لبعض الوقت من العزلة حتى يتمكن من استعادة رباطة جأشه ويقف بصمود من جديد .
سحب كف يده من قبضتها ببطء دون أن يجيب واستدار وسار مبتعدًا عنها حتى اختفى داخل المصعد الكهربائي وغادر !!! ……..
                                  ***
عيناها عالقة على مياه البحر أمامها وهي تجلس فوق أريكتها المخصصة بمكانها المفضل ويديها تعبث بالهاتف في قلق حتى أجرت اتصال أخيرًا ووضعت الهاتف فوق أذنها تنتظر الرد ….
أجابت ميرڤت بصوت خافت :
_ الو يازينة
تمتمت بحزن وقلق حقيقي :
_ آدم بقى كويس ياماما ؟
ميرڤت بصوت يغلبه البكاء :
_ طلع من العمليات بس لسا حالته مش مستقرة انا قاعدة مع خالتك بحاول اهديها شوية
امتلأت عيناها بالعبارات لتجيب في أسى :
_ ربنا يقومه بالسلامة يارب
_ آمين ياحبيبتي آمين .. إنتي لسا في الكافيه ؟!
_ أيوة بس همشي دلوقتي .. اجيلك على المستشفى ياماما أنا قلقانة جدًا عليه
ردت ميرڤت برفض حاني :
_ لا ياحبيبتي متجيش أساسًا مش هينفع نقعد كلنا هنا وعدنان بس اللي هيفضل .. كمان شوية أنا وخالتك هنيجي البيت .. روْحي وخلي بالك من نفسك
زمت شفتيه بعبوس وردت بعدم حيلة :
_ طيب ياماما .. سلام
أنهت الاتصال وانزلت الهاتف لتلقيه بجوارها بخنق وتتنفس الصعداء في حزن .. سكنت الدقائق وراحت تتأمل المياه من جديد فقذفت صورة هشام في عقلها فجأة لتشعر بألم في أعمق ثناياها .. وتهمس في يأس وعينان دامعة :
_ فينك بس ياهشام .. معقول تسيبني كدا !!!
رفعت أناملها لوجنتيها تجفف دموعها المنهمرة بضعف .. تشعر بأن قلبها يحمل من الآلآم ما يكفي لقتلها .. حزينة وقلقة على ابن خالتها .. وقلبها ينزف دمًا على فقدانها لمفضلها ومعذبها .
التفتت برأسها للجانب في عفوية وكانت على وشك أن تشيح بنظرها وتعود للمياه قبل أن تلمحه يقف ببداية المقهى يتطلعها بثبات واضعًا قبضتيه في جيبي بنطاله .
تجمد جسدها ولجمت الدهشة لسانها فبقت تحدقه بعدم استيعاب ولوهلة ظنت نفسها تتوهم .. هل عاد لها حقًا أم عقلها الباطن يحقق لها مراد قلبها المعذب من غيابه ! .
أدركت أنها لا تتوهم حين رأته يتحرك تجاهها ويقترب منها بتريث فاستقامت واقفة والصدمة مازالت تستحوذها بالكامل .. تتابعه بعينان مشتاقة ومعاتبة وهو يقترب حتى وقف أمامها مباشرة .
دار بين عيناهم حديث لبرهة من الوقت وسط سعادة وعتاب و شوق .. لم تتمكن من حجب دموعها التي انهمرت بغزارة وراحت تلقى بجسدها عليه تعانقه بحرارة وتهتف بصوت باكي :
_ كنت متأكدة إنك مسافرتش وإنك مش هتسيبني
اغمض عيناه عندما تخللت رائحتها في أنفه .. وانتقل لعالم آخر لا وجود لبشر فيه سواهم ! .. اشتاق لها بشدة وذلك العناق ربما سيرضي شوقه قليلًا وسيكون مؤنث في وحشة شوقه لها !! .
أبعدها عنه بلطف بعد لحظات وغمغم بصمود مزيف .. فلو علمت ما يرغب بفعله لخشيته ! :
_ بس أنا مسافر بكرا يازينة والمرة دي مش راجع تاني للأسف .. بس محبتش اسافر من غير ما نودع بعض عشان كدا جيتلك
حدقته بذهول وعدم تصديق لتهتف ببعض الغضب :
_ إنت بعد كل الغياب ده كله راجع تقولي مسافر ومش هترجع مصر تاني
رد وقد انسدل ستار صموده المزيف ليقول بوجه حزين :
_ رجوعي من البداية كان غلط أساسًا يازينة .. كنت فاكر إني هرتاح لما ارجع بس تعبت أكتر !
تطلعته بدهشة وقالت :
_ طب وأنا !!!
طال نظراته دون أن يجيب عليها فأكملت هي منفعلة وفي عينان غارقة بالدموع :
_ هتسيبني وتمشي ! .. أنت مش مدرك أنا كنت إزاي الأيام اللي فاتت وأنا بحاول اوصلك ومش عارفة .. على أساس بتحبني !!!
لمعت عيناه ورد بمشاعر صادقة ونظرة ثاقبة كلها عشق :
_ بحبك لدرجة لا يمكن تتخيليها .. بس الحب ده مفيش منه فايدة غير العذاب والحزن .. وأنا بس الطرف المجروح فيه
أجابت بأسى :
_ هشام أنت فهمت غلط أنا مش بحب آدم .. وأدركت ده بعدين .. ماما كان عندها حق لما قالتلي إني موهومة واللي سمعته مني وأنا بكلم سمر مكنش حقيقي .. أنا كنت في وهم وفوقت وإنت السبب في كدا .. دلوقتي عايز تسيبني !
هشام بصوت مهموم :
_ زينة إنتي مش بتحبيني ده مجرد تعود .. وصدقيني لما اسافر هتنسي .. حزنك جايز كان تأنيب ضمير بعد اللي قولته ليكي مش اكتر .. متوهميش نفسك بيا أنا كمان !!!
ضيقت عيناها بصدمة واستياء ملحوظة لتردد جملته بنبرة مبحوحة واستنكار :
_ تأنيب ضمير !!!
غارت عليه تلكمه في صدره ساخطة وتهتف باكية بحرقة :
_ هشام إنت أناني وجبان .. اقولك على حاجة سافر أو اهرب بمعنى أصح .. سافر ياهشام أنا مش همنعك
ثم ابتعدت عنه وجذبت حقيبتها وهاتفها واندفعت تسير مبتعدة عنه لكن بعد خطوتين توقفت والتفتت برأسها تهتف في صوت موجوع  :
_ آه صحيح .. شكرًا على الوادع !
ألقت عليه نظرة أخيرة كلها حزن وعتاب والجديد أنه رأى لمعة مختلفة هذه المرة لما يراها من قبل .. جعلته يقف متسمرًا يتابعها وهي تغادر المقهي بأكمله مسرعة …..
                                     ***
استقامت مهرة واقفة حين رأت أسمهان تسير باتجاهها كالثور الهائج ونظراتها كلها غل وانتقام .. وحين وصلت لها جذبتها من ذراعها وصاحت بها دون شفقة :
_ إنتي لسا قاعدة لغاية دلوقتي .. ابني بين الحياة والموت بسببك .. إيه قاعدة مستنية تسمعي الخبر ولا إيه بظبط .. ده أنا هقتلك بإيدي لو ابني جرالته حاجة .. ادعي أنه يقوم بالسلامة لأن لو حصله حاجة صدقيني هقتلك
اجهشت مهرة في يكاد حاد بعد كلماتها ليس خوفًا منها ولكن قلقًا ورعبًا من أن يصيبه مكروه ولا يعود لهم .. دفعتها أسمهان بقسوة وصرخت بها :
_ غوري من هنا
رفعت مهرة يديها تمسح دموعها وتقف بقوة امام أسمهان تقول برفض :
_ مش همشي .. مش همشي غير لما اطمن عليه واشوفه بعيني
صاحت أسمهان بعينان حمراء كالدم من فرط البكاء :
_ إنتي مبتفهميش .. بقولك امشي متورنيش وشك هنا
هرولت ميرڤت مسرعة لهم وابعدت شقيقتها عن مهرة وهي تهتف برزانة وضيق :
_ أسمهان مينفعش اللي بتعمليه ده .. وهي البنت ذنبها إيه بس .. بعدين إنتي مش شايفاها منهارة من العياط والخوف عليه إزاي
ابتسمت بسخرية وهتفت بغضب وأعين نارية :
_ وهو إنتي صدقتي شوية الدموع دي ولا التمثيل اللي بتعمله ده .. أنا فهماها كويس أوي وعارفة إن عينها على فلوس ابني وفلوس عيلة الشافعي .. ودلوقتي جاية تمثل قدامنا حزنها وزعلها على ابني واللي جراله بسببها !
غرزت سهم بكلماتها المسمومة في أعمق يسارها فأخذت مهرة تتطلع إليها بألم وانكسار .. ليست في حالة تمكنها من الرد عليها ومجابتها تلك المرأة بالكلام كعادتها .. فقط اكتفت بدموعها الصادقة وهمسها المؤلم :
_ أنا مش بمثل .. أنا بحبه بجد بس للأسف إنتي اللي متعرفيش يعني إيه حب .. واحدة زيك مفيش في قلبها غير الحقد والغل مش هنتظر منها تفهم حبي أو ألم قلبي
أنهت عباراتها واستدارت وسارت مبتعدة لكي تغادر بينما أسمهان فبقت متصلبة بأرضها تعلق نظرها على أثرها  حتى شعرت بيد شقيقتها تجذبها ليجلسوا فوق المقعد وترتاح !!! .. واستمرت جملة ( متعرفيش يعني حب ) تتردد في أذنها بقسوة ……….
                                    ***
قادت خطواتها الهادئة إلى سيارته بعدما رأته يجلس بمقعده المخصص للقيادة ويرجع برأسه للخلف مغمضًا عيناه .
فتحت باب المقعد المجاور ودخلت لتجلس بجانبه ثم تغلق الباب وتتطلعه مطولًا بحزن حتى سمعت صوته يتمتم بخفوت دون أن ينظر لها :
_ أنا قولت لنشأت روحي الليلة دي إنتي وهنا واقعدي مع باباكي وماما هتروح عند خالتي .. وأنا هفضل هنا
زمت شفتيها بحنق ثم مدت يدها واحتضنت كفه بقوة هامسة :
_ إنت كويس ياعدنان ؟!
لم يجيبها ورد بسؤال بسيط :
_ هنا فين ؟
جلنار بنظرات دقيقة :
_ نامت .. سبتها مع بابا فوق
_ طيب اطلعي هاتيها وروحي مع باباكي
ضغطت على كفه بلطف وهتفت في جدية :
_ عدنان بصلْي !!
طال سكونه دون أن يستجيب لطلبها حتى بالأخير التفت لها بوجهه ورأت عيناه غارقة بالدموع ووجنتيه تحمل آثارًا لعبارات تركت بصمتها فوق بشرته القاسية !! .. لانت نظراتها وألمها قلبها فاقتربت منه فورًا ورفعت أناملها تمسح آثار عباراتها وتهمس بحنو :
_ آدم هيقوم بالسلامة .. أنا واثقة ومتأكدة من كدا ياعدنان والله
اشاح بوجهه عنها وقال في صوت مبحوح وعاجز :
_ اخويا بين الحيا والموت وأنا مش قادر أعمل أي حاجة .. عاجز ومش عارف اساعده حتى
مالت عليه وضمته إليها بحب لتهمس في حب ورزانة :
_ ادعيله .. وهو ان شاء الله بكرا الصبح هيفوق وحالته تتحسن
احتقن صوته بالدموع وهو يدفن وجهه بين ثنايا رقبتها وشعرها ويهتف بوجع :
_ الدكتور بيقولي انا ببلغك عشان تكون مستعد لو حصلت وفاة و…..
ردت بسرعة تمعنه من استرسال حديثه وبيده تملس فوق خصلات شعره الغزيرة :
_ بعد الشر ياحبيبي .. متقولش كدا هو هيقوم بالسلامة أن شاء الله .. خلي عندك يقين بالله
تابع بنفس نبرة صوته التي هزتها وهي تسمعها منه لأول :
_ ونعم بالله .. ونعم بالله .. يــــــارب
أبعدته عنها برفق وتطلعت في عيناه بدفء ثم دنت منه وطبعت قبلة مغرمة فوق وجنته لتهمس باسمة برقة :
_ أنت عارف آدم بيحبك إزاي .. ولما يفوق لازم يشوفك قوي وصامد .. هدي نفسك وتعالى يلا نطلع فوق مع بعض
حدقها بعشق مطولًا قبل أن يميل ويلثم جبهتها ووجنتها هامسًا بعاطفة :
_ وجودك جمبي يكفي أنه يقويني ياجلنار
ابتسمت وعانفته مرة أخرى في سكينة وغرام بينما هو فبقى ساكنًا بين ذراعيه يغمض عيناه وكأنه يستمد القوة منها ! …….
                                     ***
وصلت فوزية وسهيلة لمبنى المستشفى بعدما اتصلت بهم واخبرتهم بما حدث .. اندفعت فوزية ركضًا رغم سنها تقصد ( كافتريا ) المستشفى حيث توجد حفيدتها ووقفت عند المقدمة تنقل نظرها بين الطاولات تبحث عنها حتى وقع نظرها عليه تجلس على طاولة بمفردها ومتحركة في بكائها الصامت …
مروان إليها مسرعة وخلفها سهيلة .. استقامت مهرة واقفة فور رؤية جدتها وارتمت بين ذراعيها تبكي بحرقة وتهتف :
_ آدم حالته صعبة جدًا يا تيتا .. أنا خايفة جدًا عليه .. مش هقدر اخسره هو كمان
فوزية بإيجاز :
_ ربنا يقومك بالسلامة يابنتي
ثم أبعدتها عنه وراحت تتفحصها بيدها ونظرها في كافة جسدها تسلدألها باهتمام وقلق :
_ إنتي كويسة يامهرة .. طمنيني عليكي  !!
انهارت في البكاء وهزت رأسها بالنفي هاتفة :
_ مش كويسة ياتيتا .. ومش هبقى كويسة إلا هو يبقى كويس ويقوم بالسلامة
اقتربت سهيلة منها وملست على شعرها بحنو متمتمة في إشفاق على صديقتها :
_ هيبقى كويس يامهرة .. ربنا هينجيه ان شاء الله
نظرت فوزية بلطف :
_ يلا يابنتي نرجع بيتنا وأبقى الصبح ارجعي واطمني عليه
هتفت مهرة برفض قاطع وغضب :
_ أنا مش هتحرك من هنا .. آدم في الحالة دي بسببي ومش هسيبه غير لما اسمع صوته واتأكد بعيني أنه بقى كويس
فوزية في رزانة وحزن :
_ اسمعي الكلام يامهرة ومتتعبنيش يابنتي .. هتقعدي هنا تعملي إيه ده حتى أهله مش هيقعدوا أكيد .. الصباح رباح وابقى تعالى وأنا بنفسي هاجي معاكي كمان
مهرة بعناد :
_ مش همشي ياتيتا
ردت سهيلة بدلًا من فوزية تؤيد رأيها :
_ خالتي فوزية عندها حق يامهرة .. على الأقل عشان تريحي جسمك شوية وتغيري هدومك وتاكلي حاجة وتقدري تقفي على رجلك .. بعدين الصبح ارجعيله تاني
نقلت نظرها بضعف بينهم ثم همست ببحة تمزق القلب :
_ خايفة اسيبه
لفت سهيلة ذراعها حول كتفيها وضمتها إليه تحثها على السير معها برقة متمتمة في خفوت جميل :
_ متقلقيش وربنا هيشفيه ان شاء الله
سارت معها مرغمة وعيناها تذرف الدموع بصمت بينما فوزية فتنفست الصعداء بأسف وحزن على ما أصابه .. مهما كانت لا تحبه وترفض اقترابه من حفيدتها لكنه الآن مريض بسببها بعدما أنقذ حياتها .. ذلك المعروف لن تنساه له أبدًا ! ……
                                   ***
بصباح اليوم التالي ……….
كان يقف أمام غرفة العناية المشددة ينتظر خروج الطبيب حتى يخبره بتطورات حالة شقيقه الصحية .. وبعد دقائق طويلة نسبيًا من الانتظار خرج أخيرًا الطبيب وعلى عكس المتوقع تمامًا كان يبتسم باتساع وبوجه مسرور بشكل جعل عدنان يبتسم تلقائيًا ويسأله بحيرة :
_ خير يادكتور طمني عن حالته ؟
أجاب الطبيب بثغر متسع :
_ دي معجزة .. حالته تحسنت جدًا الحمدلله وكمان فاق بس هنصبر كمان شوية لغاية ما نخلص بعض الفحوصات ونطمن اكتر بعد كدا هننقله غرفة عادية فورًا
اتسعت عيني عدنان بذهول صاحبه سعادته المفرطة التي ظهرت بوضوح فوق معالم وجهه وهتف :
_ الحمدلله .. الحمدلله .. متشكر جدًا يادكتور
_ على إيه ده واجبي .. وألف حمدلله على سلامته
_ الله يسلمك
فور رحيل الطبيب رفع كفيه وراح يدفن وجهه بين كفيه يتنهد بعمق شاكرًا ربه بسعادة وراحة .. وبعد لحظات سمع صوت رنين هاتفه فأخرجه وتطلع في شاشته يقرأ اسم المتصل المدوّن بـ ( حاتم ) .. ضيق عيناه باستغراب وأجاب بصوت غليظ :
_ الو
حاتم بصوت جاد ومهتم :
_ أيوة ياعدنان .. ألف سلامة على آدم .. هو عامل إيه دلوقتي ؟
أردف بنبرة طبيعية :
_ كويس الحمدلله .. إنت عرفت إزاي ؟
_ أنا في الشركة جيت على أساس نتكلم في كام حاجة تخص المشروع .. بس ليلى بلغتني باللي حصل
عدنان بصوت رجولي جاد :
_ تمام آدم بس يقوم بالسلامة وهكلمك عشان نتقابل ونتكلم
حاتم بهدوء تام :
_ ماشي .. وحمدلله على سلامته
أجاب عدنان بنبرة مختلفة لا تحمل الحنق المعتاد في محادثاتهم معًا :
_ الله يسلمك .. متشكر ياحاتم على سؤالك
_ على إيه .. على العموم هنتظر اتصالك
انهى الاتصال رافعًا حاجبه بحيرة لكنه لم يكترث بالتفكير كثيرًا واتجه ليجلس فوق أحد المقاعد ينتظر خروج شقيقه ……..
                                   ***
بعد مرور ساعات قصيرة ……..
فتح باب الغرفة ببطء ليدخل رأسه أولًا ويلقي نظرة مبتسمة على شقيقه المتسطح فوق الفراش وقد بادله الابتسامة بعدما رآه …..
دخلت بجسده كاملًا واغلق الباب ثم تقدم من فراشه ومال عليه ليعانقه بدفء ويهتف :
_ حمدلله على سلامتك يا بطل
_ ابتسم آدم ورد بصوت خافت ومرهق :
_ الله يسلمك ياعدنان
جذب مقعد وجلس أمام فراشه ثم مد يده يربت فوق كفه بلطف متمتمًا :
_ عامل إيه دلوقتي ؟
آدم بنظرات زائغة :
_ الحمدلله كويس .. مهرة فين ياعدنان ؟
ابتسم فور سؤاله عنها وقال بنظرة دقيقة :
_ مش موجودة  تقريبًا جات جدتها واخدتها بليل
آدم بقلق حقيقي وضيق :
_ طيب هي كويسة ؟
ضحك وأجابه بمشاكسة :
_ جسديًا كانت زي الفل .. بس نفسيًا بقى اللي مش ولا بد كانت
هدر آدم ببعض الاستياء :
_ مش ولا بد إزاي يعني .. اتكلم ياعدنان مش وقت هزارك والله
قهقه وأجابه من بين ضحكه :
_ طيب اهدي خلاص .. ده إنت واقع على الآخر .. كويسة متقلقش بس كانت منهارة وزعلانة جدًا عليك
تنهد بخنق وقال برجاء :
_ اتصل بيها ياعدنان خليني اكلمها واطمن عليها .. أو تيجيلي عايز اشوفها
طالت نظرات عدنان له من بين ابتسامته وهو يسأله بالأخير في خبث :
_ إنت بتحبها بجد ؟!
هدر آدم مستنكرًا سؤال أخيه :
_ أمال كدا وكدا يعني .. واللي أنا فيه دلوقتي ده بنسبالك إيه !!!
استمر في التحديق به مبتسمًا بمكر .. حتى اقتحمت الغرفة فجأة أسمهان التي دخلت مهرولة واسرعت تجاه آدم تضمه لصدرها وتلثم شعره وجبته بعدة قبلات متتالية وسط بكائها وسعادتها برؤيته سالمًا :
_ حمدالله على سلامتك ياحبيبي .. كدا يا آدم ده أنا كنت هنجن من الخوف عليك يابني .. لو كان جرالتك حاجة مكنتش هستحمل
ابتسم لها بحب وتمتم :
_ بعد الشر عنك ياماما .. أنا كويس الحمدلله اطمني
اردفت بنبرة محملة بالغل والغضب :
_ ربنا ينتقم من اللي كان السبب !
فهم عدنان مقصدها فحدقها مطولًا بنظرة قوية قبل أن يهتف بكلمة واحدة فقط منذرًا :
_ مــــامــا
لوت فمها بازدراء بعد كلمته الحازمة وراحت تتمعن في آدم بحنو أمومي وابتسامة عريضة لتتبادل معه أطراف الحديث بفرحة وكان عدنان يتابعهم بصمت ويكتفي بالابتسامة فقط ………..
                                   ***
خرجت أسمهان من الغرفة بعد دقائق لتجيب على اتصال هاتفها من شقيقتها ولكن قبل أن تجيب لمحت نشأت الذي وصل للتو وكان يتحدث مع إحدى الممرضات ويضحك ويشاكسها بالكلام كما تعتقد !!! .
اشتلعت عيناها بنيران الغيظ وبقت تتابعهم بصمت على أمل أن يتركها ويذهب لكنه لم يفعل .. حتى طفح كيلها فاندفعت نحوهم ثائرة ووقفت خلف نشأت تهتف بقوة :
_ نشأت بيه ممكن لحظة
التفت برأسه لأسمهان التي تتطلعه شزرًا فرمقها بالامبالاة ثم اعتذر من الممرضة ورد عليها بسؤال جاد :
_ آدم عامل إيه .. عدنان بلغني إنه فاق وبقى كويس الحمدلله
آسمهان بانزعاج تام :
_ امممم فعلًا .. بس مش عيب على سنك وعلى اسمك ومركزك لما تقف تلاغي في بنت قد بنتك في نص المستشفى
ردد كلمتها بدهشة وعدم فهم :
_الاغي !!! .. بقولك إيه يا أسمهان أنا مش فايقلك ابعدي من وشي
إجابته مزمجرة بلهجة فظة :
_ طول عمرك عينك زايغة مش هتتغير
احتقن وجهه من الغضب وهتف بحدة :
_ أسمهان احترمي نفسك .. وبلاش تتخطي حدودك معايا
ابتعد من أمامها وهم بالتحرك لكن صابه دوار مفاجيء اختل توازنه على أثره ولحسن الحظ أن استند على الحائط قبل أن يسقط .. أسرعت إليه وقالت بفزع :
_ نشأت مالك ؟ .. إنت كويس ؟
بدأت الرؤية تتلاشى أمام عيناه ولم يعد يرى شيء سوى صورة مشوشة من الأشياء والأشخاص .. وشعر بارتخاء أعصابه وقدميه لم تعد تتحملانه وفجأة سقط على الأرض .. جثت بجواره وراحت تهزه تحاول افاقته وسط صياحها على أطباء وممرضين المستشفى وهي تهتف :
_ نشأت .. نشأت .. يادكــتـــور الحقني
                                    ***
خرج هشام من بناية منزله وهو يحمل حقيبة سفره وسار بها باتجاه سيارته ثم فتح الحقيبة الخلفية ليضعها بها ومن بعدها اغلق باب الحقيبة والتف حول السيارة لكي يستقل بمقعده المخصص للقيادة لكن فجأة همسة عالية باسمه وصلت لأذنه من الخلف كانت كفيلة حتى تسمره بأرضه :
_ هشام !!!
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد