روايات

رواية امرأة العقاب الفصل السادس والخمسون 56 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل السادس والخمسون 56 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت السادس والخمسون

رواية امرأة العقاب الجزء السادس والخمسون

رواية امرأة العقاب الحلقة السادسة والخمسون

فجأة همسة عالية باسمه وصلت لأذنه من الخلف كانت كفيلة حتى تسمره بأرضه :
_ هشام !!!
التفت برأسه للخلف قبل أن يستقل بمقعده فوقع نظره عليها تقف على بعد مسافة منه وتلهث أنفاسها كأنها كانت في سباق للعدو ! .
اعتدل في وقفته واستدار بجسده كاملًا يتابعها وهي تتقدم منه ببطء حتى وقفت أمامه مباشرة وتطلعت بعيناه في ثبات وبعض الرجاء لتهمس :
_ متمشيش !
طالت نظراته الصامتة وسط ابتسامته الجانبية حتى رد متصنعًا عدم الحيلة :
_ مينفعش يا زينة الطيارة بعد ساعتين خلاص وهناك مستنيني في المستشفى في المانيا
عبس وجهها لكن سرعان ما اعتلته معالم الحدة والشراسة وهي نجيبه :
_ وأنا مش هسمحلك تمشي يا هشام
تراقص قلبه فرحًا على سيمفونية خاصة .. لم يكن يتوقع تمسكها به ورفضها القاطع لمغادرته وفراقهم ولذلك هي الآن تدهشه .. ولا بأس من المزيد من الدهشة ! .. حيث مال بوجهه علي قامتها الصغيرة مقارنة بقامته الطويلة والعريضة حتى أصبح في مقابلة وجهها تمامًا وركز عيناه على خاضتها يسألها بترقب ونبرة ذات معنى :
_ليه مش هتسمحيلي !
تعرقت وارتبكت من نظراته وقربه فبقت ساكنة ترمقه بصمت وعينان زائغة من فرط الخجل .. لم يسعفها عقلها ولسانها للإجابة فأطرقت رأسها أرضًا تتهرب من نظراته ومن الإجابة .. ضحك بصوت مكتوم وقرر اللعب على اوتارها قليلًا حيث رسم قسمات الغضب والضيق على محياه بمهارة وانتصب في وقفته ثم هتف :
_ مفيش سبب صح !!!
القى نظرة أخيرة ماكرة قبل أن يستدير ويهم بالاستقلال بمقعد سيارته في حركة مدروسة منه وبالفعل أسرعت هي تقبض على ذراعه حتى تمعنه من الرحيل فور ابتعاده وتهتف بعفوية :
_ لا في طبعًا !
اتسعت ابتسامته لكنه أخفاها بسرعة ورسم الجدية على وجهه قبل أن يلتفت بجسده لها من جديد ويردف :
_ إيه هو ؟!
ازدردت ريقها بتوتر وعيناها راحت تتجول بكل مكان حولها كالكرة الدوارة من شدة اضطرابها ثم بالأخبار خرج همسها ضعيف ومرتبك :
_ مش عايزة اخسرك .. محتاجة احس بوجوك جمبي ومعايا .. متسنبيش ياهشام أنا مفضليش غيرك إنت وماما .. لو بتحبني بجد قلبك مش هيطاوعك تسيبني وتبعد عني خصوصًا وأنا بترجاك
تأملها بأعين هائمة تطلق سهوم العشق وسط ابتسامته التي حكت أكثر من شفتيه .. ود للحظة أن يأخذها بين ذراعيها ويمطرها بوابل من قبلاته ولكن هيهات ! .
خرج صوته الرجولي ممتزج ببحة غرامية تذيب القلوب  :
_ آه لو تعرفي إنتي عملتي ايه في قلبي دلوقتي
أجفلت نظرها أرضًا خجلًا وسط ابتسامة رقيقة منها ثم لحظات معدودة وعادت تتطلع له بحماس طفولي وسعادة :
_ خلاص مش هتمشي صح ؟
لم يجيب واكتفى بابتسامة ونظرة أجابت بدلًا عنه جعلتها تقفز عليه فرحًا وتعانقه هاتفة :
_ كنت متأكدة
لم يبعدها عنه واستمر عناقهم لدقيقة كاملة كان هو غارقًا في سيل مشاعره وسط عناقهم وهي تعتليها السعادة بالكامل لنجاحها في ردعه عن الذهاب ووضع نهاية لذلك الفراق السخيف ! …..
                                  ***
فتح عيناه ببطء وصعوبة ليقع نظره أولًا على اللون الأبيض الذي يملأ الغرفة كلها وأول صوت سمعه كانت أسمهان التي هتفت بلهفة تحدثه :
_ نشأت إنت كويس ؟
مال برأسه تجاهها وطالعها للحظات بصمت قبل أن يحاول الاعتدال في فراشه والجلوس هاتفًا بصوت ضعيف :
_ أنا كويس يا أسمهان .. حد عرف إني تعبت ؟!
أسمهان بإيجاب واهتمام ملحوظة :
_ أيوة طبعًا عدنان كان هنا قبل ما تفوق وطلع يتكلم مع الدكتور وجلنار كمان طلعت معاه
 مسح نشأت على وجهه بغضب وقلق فور نطقها لاسم ابنتها وردد :
_ جلنار معاه !!
استقامت أسمهان من مقعدها واقتربت لتجلس بجواره وتهمس بضيق :
_ نشأت إنت كنت مخبي عننا ليه مرضك ؟
رقمها مبتسمة بسخرية ثم رد بجفاء :
_ عنكم !!! .. محدش ليه الحق أنه يعرف بمرضي أو لا غير بنتي .. وأنا مكنتش حابب اقولها دلوقتي
  ضيقت أسمهان عيناها باستغراب وخنق لتسأله :
_ قصدك إيه يعني ؟
اشتلعت نظراته بلهيب النيران واجابها بقسوة وصوت غليظ :
_ قصدي متمثليش الاهتمام قدامي يا أسمهان وإنك قلقانة ومهتمة لأمري .. إنتي مبيهمكيش حد غير نفسك
احتقنت بوجهها دماء الضيق والأسى فبقت تتطلعه بخزي دون أن تجيب حتى اقتحمت الغرفة جلنار التي دخلت وسارت تجاه فراش والدها لتجلس بجواره ثم عانقته بقوة وقالت بعتاب وصوت يغلبه البكاء :
_ ازاي تخلي عني حاجة زي كدا يابابا
استمرت نظرات نشأت ثابتة على أسمهان التي تجلس أمامه وبعد دخول جلنار استقامت واقفة والقت عليه نظرة أخيرة حزينة ثم انصرفت بسرعة .. ليبعد ابنته عنه ويحتضن وجهها بين كفيه هامسًا بحنو أبوي :
_ أنا ما صدقت إن علاقتي ببنتي رجعت زي الأول وإنك سامحتيني ياجلنار .. كنت عايز اعيش أيامي اللي فاضلة معاكي من غير توتر أو إني اشوفك دائمًا زعلانة عليا
امتلأت عيناها وسقطت دموعها لتقول بغضب من أبيها :
_ بعد الشر عليك متقولش كدا .. إن شاء الله تعمل العملية وتبقى زي الفل وترجع احسن من الأول
ابتسم لها بدفء وهبط بكفه ليمسك يدها ويرفعها لشفتيه يلثم ظاهره بلطف متمتمًا :
_ أنا مش عايزة حاجة تاني من الدنيا يابنتي .. كفاية إني اطمنت عليكي مع عدنان  وإنك سامحتيني و…..
ارتمت بين ذراعيه واجهشت بالبكاء الحارق تهتف بسخط حقيقي منه وعتاب :
_ متقولش كدا يابابا .. هزعل منك ومش هكلمك تاني بجد .. إنت هتبقى كويس أن شاء الله بعد العملية ، أنا واثقة
مال برأسه عليها وهي بين ذراعيه ولثم شعرها بحب مردفًا :
_ ان شاء الله ياحبيبتي .. ان شاء الله
                                     ***
التفت آدم برأسه تجاه الباب عندما سمع صوته ينفتح .. ثواني معدودة وظهر جسد أنوثي ناعم وممشوق من خلفه .. كانت فتاته الشرسة ترتدي بنطالها الجينز الازرق ويعلوه كنزة بيضاء بأكمام طويلة وترفع شعرها الناعم لأعلى بمشبك فينسدل على ظهرها كذيل الحصان .. حين تمعن ملامحها الجميلة رآها ذابلة وعيناها منتفخة من فرط البكاء .
تقف مكانها وتحدقه مبتسمة بعينان دامعة بها الراحة والسعادة وأيضًا الحزن !! .. بينما هو فراح يتطلعها بغرام وإشفاق على حالتها المزرية من شدة حزنها عليه .
تحركت أخيرًا بخطواتها إليه وجلست أمام فراشه على المقعد وعيونهم مستمرة في التحديق بصمت .. حتى انهمرت الدموع المتحجرة فوق وجنتيها بغزارة ودفعتها عواطفها لا إراديًا لإلقاء جسدها عليه ومعانقته بقوة وسط صوت شهقاتها وبكائها المرتفع .
غضن حاجبيه بدهشة وسرعان ما ابتسم بحنو ثم رفع كفه وملس على ظهرها برفق هامسًا :
_ اهدي يا مهرة أنا كويس قدامك أهو .. ليه العياط ده كله بس !
أجابته من وسط بكائها ونحيبها :
_ مكنتش هسامح نفسي أبدًا يا آدم لو كان حصلتلك حاجة بسببي
أبعدها عنه برفق وتطلع في عيناها بثبات هاتفًا بجدية :
_ أولًا إنتي ملكيش ذنب في حاجة ومش إنتي السبب .. لأن السبب في كدا هو في السجن دلوقتي وهياخد جزائه وهاخدلك حقك منه
تخيلها للحظة كطفلة صغيرة بسبب شفتيها المزمومتين للأمام وعيونه الغارقة في الدموع وهي تقول بأسف :
_ لو مكنتش جيت عشان تنقذني مكنش كل ده هيحصل
ابتسم بساحرية وقال في صوت غرامي :
_ ولو رجع بيا الزمن كنت هعمل نفس اللي عملته برضوا تاني .. بس مش هو ده موضوعنا دلوقتي.. خلينا في الأهم .. طمنيني عليكي إنتي كويسة الحيوان دي عملك حاجة ؟
استحوذ عليها الصمت القاتل فور تذكرها زواجها منه وكيف أجبرها أن توقع على تلك الورقة الباطلة .. فانهارت أمامه لا إراديًا وراحت تدفن وجهها بين ذراعيه تبكي بحرقة وألم .. إصابته بالفزع واسرع يسألها بارتيعاد وهو يرفع وجهها عن كفيها :
_ مهرة ردي عليا .. عملك حاجة ؟ .. اذاكي في حاجة ؟ .. ردي عليا متجننيش
هزت رأسها بالرفض وهي مستمرة بالبكاء فتابع ببعض الغضب :
_ طيب بتعيطي بالشكل ده ليه .. و فهميني مين ده ويعرفك إزاي ؟
حاولت تمالك زمام نفسها بصعوبة لترد عليه بالأخير في أعصاب متوترة :
_ هحكيلك كل حاجة يا آدم بس مش دلوقتي .. أول ما تتحسن وتبقى احسن وتطلع من المستشفى هحكيلك كل حاجة
آدم بحدة وصوت رجولي :
_ أنا كويس
مهرة بعصبية من عناده :
_ لا مش كويس إنت لسا تعبان .. وأنا متأكدة إنك هتتعصب لما احكيلك فلما تخرج هقولك
نظرته كانت مستاءة من عصبيتها ونبرتها العالية :
_ طيب وطي صوتك
_ إنت اللي عصبتني عشان كدا عليت صوتي
آدم مغتاظًا :
_ عايزاني أعمل إيه يعني لما اشوفك بتعيطي كدا أول ما أسألك عملك حاجة ولا لا
كادت أن تجيب عليه لولا دخول أسمهان المفاجيء .. ابتعدت مهرة بعفوية بسرعة عن آدم وصنعت مسافة كبيرة بينهم .. ولما تلاحظ نظراته المستنكرة والغاضبة من تصرفها .
احتقنت نظرات أسمهان وهتفت بقوة وصرامة :
_ إنتي بتعملي إيه هنا .. امبارح قولتي مش هتمشي غير لما تطمني عليه واديكي اطمنتي .. قاعدة بتعملي إيه لسا مع ابني !!!
خرج صوت آدم المتحشرج بلهجة منذرة :
_ مـامـا
أسمهان بعصبية ونبرة مرتفعة :
_ متقوليش ماما .. كفاية أوي يا آدم لحد كدا .. إنت مش شايف إنك مش بيجيلك من وراها غير المصايب .. وإنت في المستشفى بسببها .. الحمدلله إن ربنا حفظك ورجعك لينا بالسلامة وإلا مكنش هيكفيني عيلتها كلها .. ده إذا كان ليها أصل وعيلة أساسًا
انطلقت صيحة هادرة من آدم بغضب حقيقي ليردع أمه عن السخافات التي تتفوه بها :
_ مـــامـــا .. مهرة اعتبرها خط أحمر بنسبالي وإنتي اللي كفاية أوي .. من فضلك من هنا ورايح تتكلمي معاها بأسلوب كويس
رمقت مهرة أسمهان بنظرة نارية ومشفقة قبل أن تهب واقفة لكن قبضة آدم فوق راسها منعتها وقال بحزم :
_ اقعدي يا مهرة رايحة فين !
رسمت ابتسامة شبه خفية وقالت بهدوء :
_ لو سمحت يا آدم سيبني امشي
حاول الاعتدال في نومه ليتمكن من إيقافها لكن خرج منه تأوها عفويًا عندما ألمه جرحه لتسرع وتقول بقلق وتوسل :
_ ارتاح عشان خاطري يا آدم .. معلش أنا لازم امشي
ثم سحبت رسغها من قبضته ببطء وابتعدت لتسير باتجاه أسمهان وأثناء مرورها من جانبها توقفت وهمست بجانب أذنها :
_ اطمني أنا عند كلمتي والحمدلله اطمنت على آدم ومش هتشوفيني تاني .. بس خليكي فاكرة كلمتي كويس أوي إنتي مبتحبيش حد يا أسمهان هانم ولا حتى ولادك للأسف
تمكنت من تصويب سمهما في الهدف تمامًا حيث رحلت وتركته أسمهان متسمرة بأرضها بوجه مصدوم ومهموم .. بينما آدم فعاد لوضعية نومه الطبيعية بصعوبة وسط تألمه ونظراته المستاءة لأمه .
اقتربت منه لا إردايًا بحثها الأمومي وقبل أن تلمسه لتساعده نفر يدها بعيدًا عنه وقال منفعلًا :
_ أنا كويس .. شكرًا مش محتاج مساعدتك
رمقته بحزن وقالت في خفوت :
_ مسيرك هتفهم من الوقت إني كان عندي حق يا بني وإن البنت دي متنفعش ليك
حدقها بنفاذ صبر وخنق ثم مدد جسده كاملًا فوق الفراش وقال بجفاء وهو يشيح بوجهه عنها :
_ أنا تعبان وعايز أنام لو سمحتي يا ماما ممكن تسيبني ارتاح شوية
تنهدت بيأس وعبوس وجه ثم استقامت واقفة وتمتمت وهي تملس فوق كتفه بحنو :
_ طيب ياحبيبي ارتاح
ثم ابتعدت عنه وقادت خطواتها لخارج الغرفة بأكمله لتتركه يتأفف بغضب وعدم حيلة ! …….
                                    ***
في تمام الساعة العاشرة مساءًا …….
فتح عدنان باب المنزل ودخل وبينما كان منشغل بنزع حذائه وصله صوت صغيرته وهي تركض نحوه هاتفة ” بابي ! ” .. ضحك وانحنى بجزعه للأمام لكي يتلقاها فور وصولها له ويحملها فوق ذراعيه كعادته .
قبَّل وجنتيها بحب وهتف ببعض الحزم :
_ قاعدة صاحية ليه لغاية دلوقتي ياحبيبتي .. احنا مش معانا حضانة بكرا ولا إيه !!
أماءت برأسها في إيجاب ثم ردت بعبوس طفولي :
_ أصل مامي قاعدة في البلكونة في اوضتها وزعلانة معرفش ليه .. إنت زعلتها يابابي ؟
اتسعت عيناه بدهشة ورد بحيرة :
_ لا طبعًا مزعلتهاش ياقردة .. هي قالتلك إني زعلتها !
هزت رأسها بالنفي وقالت وهي تحك ذقنها بتفكير :
_ لا مقالتش .. بس أنا تخيلت كدا
رد بذهول من أجابة صغيرته وانزلها من فوق ذراعيه ليقول بحزم حقيقي :
_ تخيلتي كدا ! .. طيب يلا هعد لغاية خمسة يا هنا لو ملقتكيش في السرير في اوضتك فوق إنتي عارفة أنا هعمل إيه !!
ردت برجاء وعيون طفولية مستعطفة :
_ طيب احكيلي حدوتة الأول
سكن في لحظة ضعف أمام نظراتها لكنه حاول الحفاظ على صرامته حيث هتف :
_ متبصليش كدا مش هضعف .. مفيش وقت للحواديت .. الوقت أتأخر خلاص والمفروض تنامي
اقتربت منه وعانقت قدميه هاتفة بتوسل وشفتين مزمومتين للأمام بعبوس :
_ عشان خاطري يابابي .. عشان خاطري أنا هنون حبيبتك !
 ابتسم تلقائيًا بعاطفة جيَّاشة .. تلك الشيطانة الصغيرة تدرك نقاط ضعفه وتستغلها أفضل استغلال .. أطلق زفيرًا حارًا ثم رد مغلوبًا على أمره وهو يبتسم :
_ طيب موافق خلاص بس اروح أشوف مامي الأول زعلانة من إيه وهجيلك
قفزت فرحًا بسعادة وقالت :
_ ماشي .. بس متتأخرش
عدنان بعدم حيلة وهو يضحك :
_ حاضر
ارسلت له قبلة رقيقة في الهواء ثم استدارت وهرولت ركضًا على الدرج تقصد غرفتها .. بينما هو فلحق بها وقاد خطواته إلى غرفتهم .
فتح الباب بهدوء ودخل ثم اغلقه خلفه وتحرك نحو شرفة الغرفة حيث تجلس هي .. جذب مقعد وجلس بجوارها هامسًا في ريبة :
_ مالك ياجلنار ؟
سألته بضيق دون أن تنظر له :
_ ليه مقولتليش على مرض بابا
تنهد الصعداء بعمق فقد كان متوقعًا هذا السبب منذ البداية وبالفعل لم يخيب ظنه  .. حيث أجابها برزانة :
_ دي كانت رغبته يا جلنار وطلب مني مقولكيش وأنا احترمت رغبته عشان كدا مقولتلكيش
جلنار بضيق وعينان دامعة :
_ بس ده مش دور برد عادي يا عدنان .. ده ورم في المخ وإنت شوفت بنفسك ازاي تعب في المستشفى الصبح والدكتور قال العملية لازم تتم في أقرب فرصة وخلال الأسبوع ده
احتضن كفها بين يديه وهدر بنظرة كلها ثقة وآمان :
_ متقلقيش إن شاء الله هيخرج منها بخير .. أنا اتكلمت مع الدكتور وقالي إن العملية نسبة نجاحها كبيرة الحمدلله ومفيهاش خطر على حياته وهو حالته مش متأخرة بس الأفضل أنهم يسرعوا في التدخل الجراحي واستئصال الورم عشان متحصلش مضاعفات والحالة تسوء اكتر
انهمرت دموعها فوق وجنتيها بغزارة وقالت وسط بكائها :
_ أول مرة أحس إني خايفة على بابا بالشكل ده .. عمري ما تخيلت في مرة إنه ممكن يجي يوم وابقى خايفة اخسره زي ماما
فرد ذراعيه وضمها لصدره ثم رفع يده وملس فوق شعرها بحنو هامسًا :
_ ادعيله ياحبيبتي وان شاء الله ربنا يشفيه ويقومه بالسلامة
_ يارب ياعدنان يارب
عم الصمت بينهم لبرهة من الوقت قبل أن يبتسم هو ويقول بخفوت :
_ عارفة رغم كل المشاكل اللي بينا أنا وهو واللي احيانا بتوصل لعداوة بس لما عرفت بمرضه اضايقت وقلقت عليه زيك واكتر كمان يمكن
ابتعدت عنه وطالعته بصدمة لترد :
_ بجد !!!
ابتسم وأماء لها بالإيجاب لتكمل هي بعبوس :
_ كنت هقعد معاه النهارده بس رفض وصمم امشي وقالي إنه كويس .. قلقانة عليه !
_ اطمني أنا لسا مكلمه قبل ما ارجع البيت وكان كويس الحمدلله
رفعت يدها وملست فوق وجنته ولحيته برقة مردفة في عشق :
_ ربنا يخليك ليا يا عدنان
دنى منه ولثم جانب ثغرها متمتمًا :
_ ويخليكي ليا يارمانتي
جلنار باهتمام حقيقي وقلق :
_ آدم عامل إيه طمني عليه ؟
عدنان مبتسمًا براحة :
_ الحمدلله كويس واحتمال يخرج بكرا كمان لو حالته اتحسنت اكتر
ردد ” الحمدلله ” بخفوت في ابتسامة نقية حتى سمعته يقول بنبرة حادة :
_ أنا بكرا نازل اسكندرية ورايا شوية شغل ضروري وهرجع بليل متأخر
جلنار بريبة وقلق :
_ في حاجة حصلت ولا إيه ؟!
_ لا ياحبيبتي لا ده شغل بس مستعجل ولازم اخلصه في اسرع وقت
هزت بالإيجاب باسمة ثم اقتربت منه ومالت بجسدها عليه لتسند رأسها فوق صدره وذراعها تلفه حول رقبته مغمضة عيناها بتلذذ وراحة وهي تشعر بلمساته الرقيقة والساحرية سواء بأنامله أو شفتيه ! .
                                    ***
توقفت زينة أمام باب المنزل وقبل أن ترفع أناملها لتطرق عليه أوقفها صوت رنين الهاتف فوضعت يدها داخل حقيبتها واخرجته .. ثم تمعنت النظر مبتسمة في اسم المتصل وأجابت مسرعة :
_ نعم
هشام بنبرة غرامية :
_ وصلتي البيت ؟
زينة بابتسامة عريضة عينان لامعة بوميض جديد :
_ اممممم وقدام باب البيت
هدر بخفوت يذيب القلب :
_ طيب ابقى سلميلي على فوفا
_ حاضر يوصل أي طلبات تاني يادكتور هشام !
ضحك وأجاب بمداعبة :
_ حلوة دكتور هشام دي .. عمومًا لا مفيش طلبات تاني يا زينو .. تصبحي على خير
زينة ببسمة خجلة :
_ وإنت من أهله
أنهت الاتصال معه وانزلت الهاتف من فوق أذنها تحدق به بابتسامة بلهاء وسعيدة ثم أسرعت وطرقت الباب بشكل متتالي وبقوة .. وفورًا بعد لحظات فتحت لها ميرڤت وهي مفزوعة وقالت :
_ إيه يا زينة وليه اتأخرتي كدا يابنتي
غارت عليها وعانقتها بقوة هاتفة في فرحة غامرة ووجه مشرق :
_ مامتي يا مامتي .. هشام مش هيسافر خلاص
تهللت أسارير ميرڤت وابعدتها عنها بسرعة لتعلق الباب وتقول بفضول :
_ بجد .. إزاي وحصل إيه !
ابتسمت بخجل وقالت في عين لامعة :
_ عشاني !
ضيقت ميرڤت عيناها بعدم فهم واستغراب فقبضت زينة على بها وجذبتها معها للداخل هاتفا بحماس :
_ تعالي معايا وهحكيلك كل حاجة
سارت ميرڤت خلفها وهي تضحك على ابنتها بدهشة من تصرفاتها المختلفة والجديدة !!! ……
                                    ***
بعد مرور يوم كاملًا …………
خرجت جلنار بالصباح الباكر من متجر لألعاب الأطفال بعدما قامت بشراء لعبة لصغيرتها .. وأثناء خروجها اصطدمت بأحدهم لم نلاحظه وعندما رفعت رأسها لتعتذر صدمت لفريدة أمامه وتطالعها مبتسمة بسخرية لتقول :
_ معقول جلنار الرازي بنفسها دي ايه الصدف دي
رمقتها باشمئزاز جلنار وازدراء قبل أن تهم بالانصراف لكن الأخرى قبضت على ذراعها لتوقفها هاتفة :
 _ مستعجلة ليه يا جلنار استنى لحظة
رمقتها شزرًا وجذبت يدها من قبضتها بعنف متمتمة في تحذير وغضب غادر :
_ أياكي تلمسني تاني فاهمة ولا لا .. وياريت كمان متخلنيش اشوفك يافريدة
ضحكت وقالت بخبث :
_ لا ما إنتي هتشوفيتي كتير أوي الأيام الجاية
تأففت جلنار بنفاذ صبر وعيناها مازالت تتجول على فريدة بخنق حتى وجدتها تبتسم بشيطانية وتقول :
_ هو إنتي متعرفيش ولا إيه ؟!
تفحصتها جلنار بنظرة كلها اشمئزاز واستحقار قبل أن تجيبها بعدم اهتمام ونفاذ صبر :
_ لا معرفش ومش عايزة اعرف حاجة يافريدة
أنهت عبارتها واستدارت لتهم بالانصراف لولا جملة الأخرى المفعمة بالنصر والخبث وهي تهتف :
_ عدنان كان عندي امبارح في اسكندرية واتكلمنا مع بعض .. يعني جهزي نفسك عشان عهدك هيخلص من قبل ما يبدأ حتى وأنا وعدنان هنرجع تاني لبعض !
تسمرت بأرضها بفعل الدهشة وبقت ساكنة مكانها لوقت طويل .. ما بين الريبة والاستنكار حتى أثرت الثقة بالأخير واستدارت لها وهي تبتسم هازئة وتقول بقوة ومكر :
_ إنتي عارفة كويس أوي يافريدة إنك مبقتيش موجودة بالنسبة لعدنان أساسًا وإنتي لو آخر ست في الدنيا كلها مستحيل يرجعلك
ألقت كلماتها كالخناجر التي استهدفت المنتصف حيث تصلبت فريدة وبقت تتابع جلنار وهي تنصرف بعينان كلها غل ووعيد ………….
                                     ***
طرقت أسمهان باب غرفة آدم عدة طرقات خفيفة قبل أن تفتحه وتدخل بهدوء .. وجدته يجلس فوق فراشه ويمسك كتاب يقرأ به في تركيز .. فتنهدت بعمق وابتسمت ثم اقتربت وجلست بجواره متمتمة :
_ وبعدين يا آدم هتفضل ماخد على خاطرك مني كتير كدا بسبب البنت دي
ترك الكتاب من يده وزفر بقوة .. استحوذ عليه السكون لنصف دقيقة يفكر في قراره الذي اتخذه حتى نظر إلى أمه بالأخير وقال في ثبات :
_ ماما
_ نعم يا حبيبي
آدم بلهجة حازمة دون تردد :
_ أنا هتجوز مهرة
صابتها الصدمة للحظة قبل أن تصيح بغضب وعدم استيعاب :
_ نعم !!!
آدم بثبات أنفعالي وهدوء أعصاب غريب :
_زي ما سمعتي كدا .. أنا بحبها وهتجوزها !
صاحت به منفعلة وبعينان نارية :
_ إنت اتجننت .. تتجوزها إيه !! .. بعدين إيه ناوي تتجوز واحدة متجوزة !
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد