Uncategorized

رواية ملك للقاسي الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم فاطمة أحمد

  رواية ملك للقاسي الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم فاطمة أحمد

رواية ملك للقاسي الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم فاطمة أحمد

رواية ملك للقاسي الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم فاطمة أحمد

إنتهى
___________________
بعد زيارتها المقا*بر خرجت يارا و اتجهت الى السرايا لرؤية جدتها ، بمجرد خروجها من السيارة التي يقودها السائق الموَظف من طرف ادم و رفع رأسها شعرت بإختناق كبير و كأن هذا المكان ليس نفسه الذي كانت تعشق المجيء إليه ، و صدقا لو للجدران لسان لكانت نطقت فورا و أقرت عن مدى الو*حشة التي تسكن كل جزء من السرايا بعد اكتشاف  الخيا*نة و الجرا*ئم و و*فاة كبير العائلة ، تنهدت يارا بأ*لم جسيم و دخلت لتصعد الى غرفة جدتها طرقت الباب ببطئ و دلفت بعدما سمعت الإذن.
كانت زهرة جالسة على سريرها ترتدي أسدالها و تغلق المصحف بعد تصديقها ، يبدو انها كانت تقرأ وردها اليومي من القرآن و هي قاطعتها هذا ما فكرت به الأخيرة قبل ان تشهق الجدة بدهشة و تمسح دموع وجهها قائلة :
– حفيدتي ايه اللي جابك اهنيه في حاجة ادم زين ؟
ابتسمت بخفوت تطمئنها :
– مفيش حاجة يا تيتا ادم لسه على وضعه وانا نزلت البلد عشان اروح ع الم*قبرة و ازور ماما و بابا و … جدي.
نطقت الكلمة الأخيرة بصعوبة فدمعت عينا جدتها مجددا و سألتها :
– جيتي لوحدك يا بنيتي ؟
اومأت يارا بنعم مردفة :
– لقيت عمو ابراهيم تعبان فمحبيتش اتعبه اكتر طلبت الاذن منهم و جيت مع الشوفير …. تيتا حضرتك كويسة ؟
سألتها بترقب وهي تطالع ملامحها الواهنة لتغمض الأخرى عينيها و تخفض رأسها بخزي :
– اني من فترة عرفت ان ولدي جت*ل اخوه و عمل جرا*يم كتيرة و جوزي اتو*فى من الجهر و حفيدي في المشفى هكون كيف يا بنيتي …. الحمد لله على كل حال.
تدفقت عبراتها الخجلة و أكملت وهي تمسح على وجه حفيدتها :
– مليش عين ابصلك ولا اروح اطمن على ادم و اجابل أمه و أبوه ، ولدي اللي ربيته معملش اعتبار لربنا و لعيلته و ارتكب جرا*يم في حجنا و حج نفسه إني مكسوفة …..
قاطعتها يارا وهي تمسك كتفيها برفق :
– متتكسفيش يا تيتا ده مش غلطك حضرتك إنسانة طيبة و بتخاف ربنا و بتحترم العلاقات مش ذ*نبك ان ابنك غر*ق في الحق*د و الط*مع و نسي عيلته محدش بيشيل ذ*نب حد وانتي مش مضطرة تتحملي أفعالهم.
هزت زهرة رأسها بآلية و قالت :
– ادم لسه على حاله ؟
اومأت و قد عاد القهر يتجسد على وجهها :
– مش راضي يصحى ، الدكتور قال ان الضر*بة اللي على دماغه و ضر*بة السك*ين ع صدره و بطنه خلته في وضع خطير و يعتبر انه كويس يعني على الاقل هو في غيبو*بة و مما*تش بس …. بس ادم واحشني اوي يا تيتا عايزة يفتح عينيه و اسمع صوته عايزة اطمن انه لسه معايا و مسابنيش انا خايفة …. خايفة يسيبني زي ماما و بابا والله المرة ديه مش هستحمل انا لحد دلوقتي مش عارفة ازاي قادرة اقف على رجليا بقعد اعيط كتير و ادعيله و اقول هيصحى بس اول ما اشوفه وهو نايم بحس روحي بتخرج مني و أملي بيطفي انا لأول مرة بحس بالضياع ده يمكن عشان متأكدة ان حالته ديه انا سببها ، لو سمعت كلامه و مطلعتش من البيت مكنش هيجي يدور عليا لو وثقت فيه كان موجود معايا دلوقتي.
زادت في بكا*ئها و أكملت :
– ادم استحمل كتير علشاني كان عارف من الاول بعمايل عم… علي و عمر و انهم هما اللي بعتو الشاب يتحر*ش بيا و خبى عليا و عليكو و رضي يلطخ صورته قدامكو و يكون هو الو*حش اللي ظ*لم مراته …. استحمل النو*بات اللي كانت بتجيلي و دعمني و حماني و مع ذلك موثقتش فيه و كان جزاه انه يترمى في المستشفى انا السبب يا تيتا انا السبب.
احتضنتها زهرة و ظلت تواسيها و تهدؤها حتى خفتت شهقات يارا و ابتعدت عنها تهتف بصوت مبحوح :
– انا همشي دلوقتي.
– واه يا حفيدتي تمشي فين في الوجت ده انت بعافية ارتاحي النهارده و بكره روحي السكة طويلة و هتتعبي اكتر.
ردت عليها في تريث :
– الساعة لسه 3 العصر يا تيتا وانا بحب اقضي وقتي مع ادم يرتاح لما بكون قريبة منه حتى لو وهو نايم …. بس انت مصممة متجيش معايا ؟
سألتها لتجيب الجدة وهي تطالع الغرفة بحزن :
– مجدراش ابعد عن بيتي و ريحة الحج سليم الله يرحمه إني برتاح اهنيه اكتر بإذن الله لما ادم يصحى هروحله اني بدعيله و بدعيلك كتير يا بنيتي.
اماءت يارا متفهمة رغبتها في عدم المجيء و مقابلة العائلة فهي حقا محرجة منهم و تعتبر نفسها مذنبة كذنب المجر*م علي لأنه إبنها لذلك لن تضغط عليها و ستنتظر الوقت الذي تلتئم فيه جراحها و تكون قادرة على مجابهة الوضع الحالي.
______________________
بعد ساعات طويلة.
دخلت المستشفى بخطوات مستعجلة لتلتقي بحنان في طريقها فقالت :
– طنط حضرتك لسه هنا ؟
تجاهلت سؤالها و صرخت عليها :
– انتي كنتي فين لحد دلوقتي ومبترديش على تلفونك ليه.
تفاجأت يارا من هجومها الذي تراه لأول مرة و ردت :
– انا جاية من البلد بعد ما خدت اذنكو كان في زحمة وانا اتأخرت غصب عني و مسمعتش التلفون لأنه فصل شحن.
زفرت حنان بقوة تحاول جمع اعصابها التي تشتت خوفا على زوجة ابنها ثم أردفت بحزم :
– ابقي اشحنيه قبل ما تمشي احنا مش ناقصين وجع دماغ.
تحركت من أمامها وقبل ان تتجاوزها أمسكت يارا يدها هامسة بشجن :
– ماما.
توقفت متجمدة لتتابع الأخرى برجاء :
– متعمليش كده ، متعاملنيش و كأني واحدة غريبة عنك و تتجاهليني انا متعودة طول عمري على حنانك و حضنك متحرمنيش منه ارجوكي.
لم تجبها حنان و نزلت دموعها المتألمة ف التفتت لها يارا و شهقت ببكاء :
– انا عارفة اني غلطت جامد بس كمان انا موجو*عة على حالة ادم هو كل حاجة ليا و عمري ما اتمناله الأ*ذى صح تهوري اللي خلاه يطلع من البيت بس مش انا اللي … اللي حاولت اقت*له انا واحدة عرفت ان ابوها ما*ت مقت*ول واللي قت*له هو عمها و جوزها دلوقتي مرمي في المستشفى ارجوكي مت*قسيش عليا اكتر من كده انا محتاجالك و محتاجة حضنك.
– انا مش زعلانة منك.
هتفت بها في خفوت و نظراتها المريرة انتقلت لنافذة باب الغرفة الزجاجية و التي يقبع بها ادم ، ثم تابعت :
– انا زعلانة من نفسي ومش طايقاها عشان عرفت اني مكنتش الأم الكويسة اللي الكل شايفني على الاساس ده ، انا واحدة جت على ابنها كتير و ظلمته و اعتبرته هو الغلطان دايما ، من لما ادم ارتبط بيكي وانا بحمله مسؤولية زعلك و دموعك ولا مرة فكرت هو حاسس ب ايه و ايه اللي خلاه يعمل كده …. ليه شدد خنا*قه عليكي ليه سابك شهرين في بيت جدك ليه اتخا*نق مع عمه و خد منهم الأسهم ليه رجع زعلك لما نزلتو البلد تاني مع بعض ليه منعك تطلعي من البيت ليه كان بيزعقلك حتى …. حتى لما حصلك نز*يف و دخلتي المشفى انا لومته و قولت اكيد هو زعلها عشان تنهار كده انا حبي الكبير ليكي و احساسي بالمسؤولية اتجاهك نساني في ابني وواجباتي كأم و خلاني اعاتبه في الرايحة و الجاية …. يارا انتي مرة سألتيني ليه ادم بالقسوة ديه ليه بيفضل يزعق و يعند و يخشن راسه و و يزعل اللي حواليه مع ان مفيش حاجة ناقصاه.
صمتت حنان قليلا تراقب ملامحها المندهشة من تصريحاتها ثم أردفت بلوم لنفسها :
– لان ادم ملقاش السند اللي بيستحقه أبوه كان على طول يخانقه عشان علي و أنا بلومه لأنه زعل باباه و زعلك و خلاكي تعيط ابني كبر و لقى نفسه ف آخر قائمة أولوياتنا و اضطر يحمي نفسه بنفسه عشان عارف انه مش هيلاقينا في ظهره و دلوقتي لما عرفنا غلطنا و عرفنا سبب تصرفاته هو موجود فين ؟ في المستشفى و داخل فغيبوبة ومش عارفين لو هيعيش ولا … ولا يموت.
– متقوليش يموت يا طنط انا عارفة انه هيصحى لو شايفيني لسه واقفة على رجليا فده عشان متأكدة انه هيرجعلنا.
انتفضت يارا تردد بقهر رافضة الفكرة التي يتداولها الجميع و أردفت بصوت اختنق بغصة :
– حضرتك كنتي نعم الأم و عمرك ما فرقتي بيني وبين ولادك يمكن انا كنت تقيلة عليكو بس انا اكتر واحدة عارفة قد ايه قلبك كبير و بيوسع الناس كلها … الست اللي بتعتني ببنت يتيمة و تاخد بالها منها و تكون ليها السند و الملجأ و متحسسهاش باليتم مستحيل تغلط مع ولادها و تكون أم سيئة ليهم ، و ادم محظوظ عشان هو ابن ست زيك صدقيني ….. متلوميش نفسك ، عن اذنك.
كادت تدخل الغرفة لكن حنان أوقفتها بسؤالها بإهتمام فطري :
– انتي كلتي و خدتي علاجك ولا لسه ؟
عضت على شفتها بتوتر و ردت :
– لا … احم مكنش ليا نفس اكل و نسيت العلاج.
سمعتها تزفر في حنق موبخة :
– مينفعش كده يا يارا انتي لازم تعتني بنفسك و بنتك ادم …. ادم لو كان معانا و عرف باللي بتعمليه هيضايق هو انتي مهمتك في الحياة تدايقي ابني حتى وهو نايم !!
رغم قسو*ة كلامها الا ان يارا التقطت اللهفة و الخوف خلف غشاوة التوبيخ ف ابتسمت ولم تعلق لكن حنان أكملت :
– الشوفير برا مستنيكي لما تخلصي ارجعي البيت و هتلاقي العشا جاهز و متنسيش العلاج سامعاني يا بنتي ؟
اومأت بسرعة قبل ان تغضب مجددا :
– حاضر يا ماما.
دلفت للداخل و رأت ادم نائما على فراشه و عدة خيوط موصولة به ، طنين الأجهزة يصدر بثبات منظم و رائحة الأدوية تغزو المكان ، وهو كالعادة ، ساكن لا يتحرك ولا يصدر ردة فعل تدل على استجابته.
سحبت الكرسي و جلست أمامه ، كانت هذه المرة الأولى التي تسمح لنفسها بأن تتأمله بكل هذا التدقيق ، لم تستطع من قبل تقبل حالته و شكله وهو غائب عن الوعي هكذا ، دائما تتهرب بعينيها منه هنا و هناك ، لكن الآن ستنظر له و تكلمه ، ستدقق في تفاصيله ولن تنهار عندما ترى آثار جر*وحه على صدره و رأسه و بطنه.
و على سيرة الجروح تذكرت يارا ذلك اليوم المشؤ*وم ، عندما اتصل و صرخ بها أنه سيأتي ليأخذها انتظرته كثيرا و غادرت رفيقاتها وهي لا تزال واقفة بمفردها ، وقتها خافت و اتصلت له ولم يجب عاودت الاتصال مرارا ولم يرد أيضا فكادت تجزم انه يتعمد تجاهلها لولا معرفة بأن ادم ليس بالرجل الذي يترك زوجته بالشارع بذلك الوقت المتأخر حتى لو كان غاضبا منها.
تذكرت عندما أخذت سيارة أجرة وهي تجهز الكلمات التي ستقولها له عندما يقيم القيا*مة عليها لأنها غادرت المنزل و ايضا لأنها عادت بعدما اتفق معها على أنه سيأتي إليها ، وبعدما وصلت للفيلا طلبت رقمه و رد …. لم تسمع صراخه و لعن*اته كما توقعت ، كانت لهثا*ته و أنفاسه المسحوبة بصعوبة هي ما تصل لأذنيها ، أخبرها أنه تعرض لهجو*م و هاهو يلف*ظ أنفاسه الأخيرة بعد تعرضه لط*عنات في أماكن متفرقة و تهشم رأسه ، وقتها انتفضت كأنما كهر*باء صعق*تها و بدأت تب*كي و تصيح بإنهيار تترجاه ان يعترف بأنه يمزح معها ، لكنه لم يفعل ، انقطع صوته و تعالت صرخاتها تشعر بنفس شعورها عند وفاة والدها ، لن تتحمل هذه المرة ستمو*ت معه !!
بعدها بساعات كان الجميع في المشفى ، بعد وصول ادهم و العساكر لمكان ادم الغا*رق في دما*ئه ، حينها تم كشف كل الأسرار و معرفة ان علي هو من قام بقتل والدها و ابنه كان شريكا له في جرا*ئم لم تحصيها من كثرتها ، وقتها انهارت ، صرخت ، بكت و تعرضت لإنهيار و نز*يف و لولا المهدئ الذي أعطوها إياه لكان توقف قلبها في لحظتها من كثرة الصدمات المتتالية عليها !!
و الآن هي جالسة أمامه ، تترجى بدمو*عها ان يستيقظ فقط ، ليصرخ عليها ، ليؤنبها ليوبخها ليسجنها حتى ! لا يهمها سوى استيقاظه و سماع صوته و رؤية نظرة الحب في عينيه ، ذلك الحب الذي تجاوز الحد فأصبح يشكل خطرا على حياته ، لقد ضحى بحياته من أجلها فضل أن يموت هو ولا يدافع عن نفسه ضد العصابة مقابل عدم إيذ*ائها من طرف من كان يقف أمامها ينتظر اشارة واحدة ليقتلها ، حسنا يارا تعلم جيدا ان ادم يعشقها لكن منذ متى جن بها لدرجة تفضيلها على نفسه ، اي نعمة رزقها بها الله ولم تدرك هي قيمتها الا عندما خسرتها !!
ها هو يرقد بلا حول ولا قوة ، قسمات وجهه مختفية خلف الشاش الملفوف حول رأسه و قناع الأكسجين ، تشعر بإحتباس أنفاسها وهي تمسك يده الساكنة بهدوء عجيب ، تشعر بسياط النا*ر تضر*ب قلبها دون هوادة ، و الحال أن ليس كل المو*تى يرقدون تحت التراب ، فها هي تتنفس رغم روحها الم*يتة !!
مسحت وجهها بكفها ثم احتضنت يده مجددا و همست :
– قبل سنة ونص او سنتين كده انا قضيت ليلة في بيتكو و كنت مايمة مع رهف فأوضتها و جربت خلخال اشتريته و روحت جري اوريه لطنط حنان بس كنت هخبط فيك وانت زعقتلي و اتخانقنا لحد ما وقعت و رجلي وجعتني ، انت حاولت تساعدني وانا رفضت و قولتلك حتى لو كنت بمو*ت متجيش جمبي ، هههه وانت رديت عليا متفتكريش ان همو*ت و أفديكي انتي مبتهمنيش وانا مستحيل اساعدك في يوم.
أزاحت د*معة تسببت في غشاوة لعينيها و قالت بإنكسار :
– بس انت ساعدتني بدل المرة ألف و ضحيت علشاني كتيير و انا كل مرة كنت بحط نفسي موضع الضحية و ألومك على اي حاجة بتحصل ، قولت عليك قا*سي و مست*بد و مبتر*حمش حد اتخانقنا و لومتك لأنك بتدايق عمي اللي بيحبنا كأننا عياله ، هه و طلع في الاخر حبه و كل حاجة تخصه وهم كبير و انت هو الحقيقة …. انت لوحدك.
قاطعها من وصلة حديثها رنين هاتفها و كانت رفيقتها فرح من تتصل ، طبعت قبلة على جبين ادم و خرجت لتجيب عليها :
– السلام عليكم يا فرح.
– و عليكم السلام ، ازيك عاملة ايه ؟
سألتها بهدوء و قد شعرت ببعض الحزن عليها فردت يارا :
– انا بخير … الحمد لله.
هزت رأسها بتردد و أردفت :
– انتي مش هتنزلي الكلية ؟
جفلت يارا و قالت بشيء من الانفعال :
– كلية ايه و جوزي في المست*شفى يا فرح !!
سارعت الأخرى تتلافى خطأها هاتفة :
– متفهمنيش غلط انا قولت يمكن لو جيتي تدرسي تنسي اللي بيحصل يعني و تلتهي مقصدش اضايقك.
هدأت يارا قليلا و رددت دون مبالاة :
– مفيش حاجة بتنسيني اللي بيحصل و لحد ما يفوق ادم مفيش حاجة هتهمني.
– اسفة !
نطقتها فرح بتلقائية ودون تخطيط ثم اد*معت عيناها و اخفضتهما بخز*ي و كأن الاخرى تراها ثم استرجع عقلها سبب مقت*ها الجسيم ليارا و غيرتها منها …
طعها من قوقعة شرودها كلام يارا :
– اسفة على ايه يا فرح ؟
حمحمت تستعيد رباطة شأجها و ردت :
– ااا … اسفة ع الحالة اللي انتي فيها دلوقتي وانا مش قادرة اساعدك.
ابتسمت يارا بصفاء متمتمة :
– كفاية ان بالك مشغول عليا و بتفكري بيا.
– احم انا هقفل دلوقتي عشان … عشان متعبكيش اكتر تمام خدي بالك من نفسك سلام.
نظرت الأخيرة لشاشة هاتفها بتعجب ثم هزت كتفيها و دخلت مجددا تقترب من ادم هامسة كأنه يسمعها :
– انا همشي دلوقتي عشان طنط و عمو ميقلقوش عليا و اوعدك كش ههمل علاجي تعرف انا عندي اخبار هتفرحك لما تسمعها …. هجيلك بكره يا حبيبي.
_______________________
تحت السماء السوداء الملتحفة بالنجوم المتلألئة بزهو و القمر يتوسطها لينير بضوئه وسط الظلام الحالك في هذا الوقت من الليل.
كان جالسا في شرفة غرفته على مقعد خشبي و يريح ساقيه على الطاولة أمامه بوضعية شبه مستلقي ، يطالع السماء بشرود وهو يمسك سيجارة بين أصبعيه الوسطى و السبابة يدخن دون وقف حتى سمع صوتها يصدر من الخلف :
– ابيه ادم حضرتك بتعمل ايه ؟
خرج من قوقعته و التفت لها بإستغراب :
– يارا ايه اللي جابك هنا ؟
رمقته بإبتسامة و ركضت تتخذ مقعدا بجانبه كرسيا لها و ردت :
– كنت بدور عليك و ماما حنان قالت انك في اوضتك نايم و انا جيت بالسر و اتفاجأت لما لقيتك صاحي … بتعمل ايه بتشرب سجاير ؟
– امممم.
همهم بجفاء دون النظر لها فعقدت يارا يديها أمامها قائلة بصرامة :
– بس انا معايا ربو و ممكن اخت*نق.
تأفف ادم و أجابها :
– يبقى اخرجي من اوضتي و انزلي لأبوكي تحت عشان متتخنقيش اعتقد انك انتي اللي جيتيلي بإرادتك.
تعمدت تقليده فرفعت صوتها متأففة :
– اووف اوووف.
احت*دت عيناه و نظر لها بتحذ*ير بعدما اطفأ سيجارته التي قاربت على الانتهاء و أخذ أخرى :
– مسمعش اوف ديه تاني فاهمة اتعدلي و يلا انزلي مينفعش تقعدي معايا في الساعة ديه.
عقدت يارا حاجبيها باستغراب و ابعدت شعرها الفوضوي عن جبينها و أرجعته للخلف مردفة :
– ليه بقى انا كنت بجيلك و اقعد على حجرك تقرالي قصة عادي مينفعش دلوقتي ليه حضرتك مش عايزني اقعد معاك ؟
لمعت عيناها بحزن أثار حفيظته فأطفأ السيجارة و غمغم بجدية :
– زمان كنتي صغيرة و عادي نقعد مع بعض انما دلوقتي الوضع اتغير انتي كبرتي خلاص !
زمت شفتيها بغير رضى معلقة :
– انت الكبير و عجوز مش انا انت عندك 23 سنة وانا لسه 13 !!
تجاهل الإجابة عليها ثم أخرج هاتفه يعبث به و ينتظرها ان تغادر لكن فاجأته بسؤالها :
– ابيه ادم بجد الأمو*ات بيبقو نجوم ؟
ثوان قضاها ادم ليستوعب كلامها ثم طالعها بعدم فهم :
– نجوم ؟ مين قالك الكلام ده.
ردت عليه و عسليتاها تتأملان السماء بحزن :
– سمعت فيلم كرتون و الولد قال ان مامته ما*تت و بقت نجمة بتبصله كل ليلة و بتراقبه يعني انا ماما روحها محبوسة جوا نجمة و شايفاني دلوقتي صح ؟
تطلعت له بنظرات تترجاه ان لا ينكر الفكرة فتنحنح و اعتدل في جلسته يجيبها بحذر :
– انا مبآمنش بأن الامو*ات بيتحولو لنجوم بس اللي بآمن بيه ان روح مامتك موجودة جوا قلبك و المحبة اللي كانت في عينيها بقت جوا عينيكي لو بصيتي المرايا هتلاقي نفسك شبه مامتك الله يرحمها و كل تصرفاتك شبهها عشان كده انا بقولك لما الأمو*ات ذكرياتهم بتفضل محبوسة فقلوب اللي بيحبوهم مش جوا نجمة.
شهقت يارا بتأثر من كلامه ثم أخفضت وجهها بخجل تهمس :
– على فكرة انا عارفة ان اللي بيمو*ت روحه بتطلع لربنا بس … حسيت اني محتاجة اصدق الفكرة ديه لكن حضرتك قولت كلام حلو صح ماما جوا قلبي و هتفضل جواه دايما ….. شكرا.
هز رأسه بآلية و قبل ان ينهض و يغادر أوقفته بكلامها :
– انت مش هتمشي و تسيبني صح ؟
– انا رايح الحمام و راجع !
رفعت رأسها له تجيبه بوهن :
– بقصد انت مش هتروح زي ماما و تسيبني لوحدي ؟
تعجب من حديثها الذي يبدو عامضا اليوم و رد ببساطة :
– الأعمار بيد الله ! بس انا اكيد مش هسيبك بإرادتي.
ضحكت يارا بفرحة غريبة و قفزت من مقعدها تهتف بصوت عال :
– وانا مش هسيبك يا ابيه ولو فكرت فيوم تتخلى عني افتكر اني ….. ااا انك عزيز عليا ولازم ترجع علشاني !!
بدأ صوت طنين رتيب مزعج يخترق حاجز وعيه رويدا رويدا لينتزع برعونة خلايا جسده من سباتها العميق و يدق أبواب حواسه بابا بابا معلنا عن وجوب عودته الى عالم الأحياء بحلوه و مره ، ارتعش جفناه في محاولة مرهقة لرفع الستار عن عينيه لينجح أخيرا فيستقبله سقف الغرفة الأبيض ….
أخذ يحدق به لوهلة من الزمن دون إدراك منه قبل أن يظهر أحدهم من العدم و يبدأ بتحريك شفتيه بكلام لم يستطع الأخير تبينه ف الصورة مشوشة و الصوت غير واضح ، ضيق ادم عيناه و حاول التركيز ليراه اخيرا ، انه زوج شقيقته الطبيب زياد يردد بلهفة بدت له مبالغا فيها :
– الف سلامة عليك انت كويس حاسس بحاجة ؟
حرك شفتيه يريد السؤال عن ماذا يحدث و أين هو لكن صوته احتبس داخل القناع الذي يغطي أنفه و فمه فأردف زياد بحذر :
– ادم انت اتعرضت لهجو*م وضعك كان خط*ير و بقالك شهر داخل في غيبو*بة …. فاكر اللي حصلك ؟ 
قطب ادم جبينه بعدم ادراك حتى بدأت خيالات ذلك اليوم تختر*ق ذاكرته بقوة …. خروج يارا من المنزل ….. معرفته بأن عمر بعث رجالا لقتله …. مغادرته ليبحث عنها …. ظهور قطاع طرق ملثمين هد*دوه بقت*ل زوجته اذا قاوم …. الهراوة التي نزلت على رأسه بعن*ف و الط*عنات في صدره و بطنه …. و أخيرا فقدان وعيه بعد اتصال يارا به ….
تشنج جسده برعونة عند تذكره التهديد و جاهد لينزع قناع الأكسجين متسائلا بحروف متقطعة :
– يا … يارا … يارا.
نظر زياد ناحية اليمين مبتسما :
– مراتك بخير و قاعدة جمبك.
بمجرد انتهاء كلامه شعر ادم بيد تحضن خاصته و شفتين تطبعان قبلة مختلطة بالدمو*ع على يده ، إنه يعرف صاحبتهما جيدا و ذلك الإحساس الخاص بها لا يمكن ان يخطئه ، ازاح رأسه الى الجانب و هنا رآها ، منحنية و تشدد قبضتها عليه كأنها تخشى هروبه و عيناها الغارقتان بالدموع تتوزعان على كل إنش منه تهمس بكلمات الشكر ، و من أنفاسها المحتبسة أدرك انها تحاول السيطرة على نفسها لكي لا تنفجر في البكاء الآن …. ترى ماذا حدث بالضبط في الأيام الماضية هل حقا قضى شهرا كاملا وهو نائم ؟ هل كشف كل شيء و علم الجميع حقيقة علي و عمر ؟ أين عائلته لماذا لا يوجد أحد هنا غيرها هل حدث شيء لوالده او والدته ؟؟
أما هي فكانت تهيم ، كما لو أن روحها تحررت من أصفاد الش*ر ، كما لو أن ألف شمس بزغت تنير عتمة سمائها ، كما لو أنها وجدت نفسها الضائعة أخيرا ، وجدتها عندما غسلت عيناه روحها و صوته المنادي بإسمها ركب أجزاء قلبها المبعثرة ، كانت متأكدة من أنه سيستيقظ ، صلت و دعت و أخرجت صدقات بنية شفائه و ها هو أملها يتجسد على هيئة الحقيقة عندما شعرت منذ قليل بيده تتحرك و شفتاه تطلقان همهمات ضعيفة لتنادي الطبيب على عجلة و تنتظر إفاقته ، فتتفتح براعم الروح المفطورة عند إستجابته ….
لاحظت يارا قسمات وجهه المتسائلة فقالت بخفوت :
– انا اتصلت ب طنط و عمو ابراهيم و اختك و هما في الطريق دلوقتي و تيتا معاهم …. ارتاح و متتعبش نفسك.
****** 
حضر الجميع ، و انقضت عليه والدته تحضنه و تبكي و تردد كلمات الشكر و حال البقية كحالها ، الكل كان سعيدا كأنما استيقاظه عيد عليهم الإحتفال به ، لم يتوانى أحدهم عن إظهار محبته الخالصة ل ادم و أولهم والديه اللذان لم يتوقفا عن تقبيل جبينه و يديه …
و مازن جلس طوال الوقت يمسح دمو*عه الصامتة و يسأله للمرة الألف ان كان بخير حتى نطق ادم بإرهاق :
– كفاية دمو*ع يا اخي انت ايه مبتزهقش انا تعبت مكانك.
قضب حاجبيه بضيق مجيبا :
– انت مالك يالا انا بعيط و فرحان بصاحبي ملكش فيه.
نطقت رتاج الواقفة جانبه :
– حمد لله على سلامتك يا بشمهندس ادم.
هز رأسه دون رد و انتبه الى يارا التي تأوهت بخفوت فهتف بقلق :
– مالك انتي حاسة بوجع ؟
– لا بس انا نعست و راسي وجعتني شويا.
علق ابراهيم بنبرة معاتبة :
– بقالها فترة طويلة مبترتاحش و قضت ليلة امبارح قاعدة جمبك طبيعي تتعب ، بنتي خلاص تريحي نفسك دلوقتي ادم فاق و بقى كويس الحمد لله لازم تاخدي بالك من نفسك و بنتك يا حبيبتي. 
ابتسمت بلطف وهي تمسك يد ادم :
– معلش يا عمو بس انا استنيت اللحظة ديه كتير مش تقدر اسيب ادم و اروح ارتاح.
ضغطت على أصابعه لكنها تفاجأت عندما أجفل ادم و أبعد كف يده عنها بنفور و اشاح وجهه عن مرمى عينيها ، حتى انه منذ استيقاظه يتجاهل كلامها و يتهرب منها لماذا يفعل هذا وهي من دعت صباحا و مساء ليفيق هل تذكر أحداث الماضي و خروجها دون إذنه لذلك غضب منها و يرفض النظر اليها ؟
لاحظت حنان البرود بينهما فحمحمت و قالت :
– ادم حبيبي انت ارتاح واحنا طالعين ماشي انده لأي حد فينا لو احتجت لحاجة.
استأذن مازن و رتاج و غادرا و قبل ان تخرج عائلته أوقف ادم زهرة متسائلا :
– جدي سليم فين مجاش ليه ؟
تسمر الجميع صامتا و كأن على رؤوسهم الطير ثم طالعوه بإرتباك غير مدركين لماهية وجوب فعله او قوله الآن ، و لحسن حظهم طرق الباب منتشلا اياهم من صدمتهم اللحظية ثم دخل ادهم و اقترب منه يردد بلهفة :
– ادم حمد لله على سلامتك انا مصدقتش نفسي لما قالولي انك صحيت بقيت عامل ايه دلوقتي حاسس بوجع او….
قاطعه بهدوء :
– انا بخير …. ايه اللي حصل بالضبط اليوم اياه و مين اللي جابني ع المشفى ؟
مرت ثوان قبل ان يجيبه ابن عمه متريثا :
– بعد اخر اتصال لينا عملت تتبع لتلفونك و قدرت اعرف مكانك ولما وصلت انا و العساكر … لقيناك مرمي ع الارض و غر*قان في دم*ك ف اتصلنا ب الاسعاف و جابوك المشفى ، يعني حالتك كانت خط*يرة جدا بس اتخطيت الخط*ر الحمد لله.
هز رأسه بشرود و تمتم بحذر بعدما وزع نظراته على الجميع :
– و … القضية !
اومأ الأخير بعملية :
– كل حاجة اتكشفت علي و عمر اتقب*ض عليهم و اللي هاجمو*ك كمان و محكمتهم قريبة انا حاولت اأجلها على قد ما اقدر لحد ما انت تفوق.
رغم ارتياحه و انتشائه بهذا الخبر الا انه خشي من ابداء انفعاله خوفا على مشاعر يارا و جدته اللتان تبلل وجههما بالدموع الآن عند ذكر سيرة عمه و ولده ، ترى كيف واجها الأمر عند كشف كيف استقبلا الخبر و ماذا فعلت زوجته عند معرفتها ان عمها الحبيب هو من قت*ل والدها ؟ و لماذا جده غائب هل هو في الصعيد ولم يستطع الوصول في وقت أبكر ام انه لا يريد رؤيته ؟
تأوه بأ*لم طفيف فوضع يده على صدره مغمغما بصوت أجش :
– جدي سليم فين مجاش يطمن عليا ليه ؟ 
ظل الجميع صامتا بشكل استفزه فعلم ان هناك ما لا يعلمه خاصة عند بكا*ء رهف و يارا و جدته …. جز على اسنانه بإنفعال و صرخ :
– ساكتين ليه ردو عليا !! 
– اهدا يا ادم !
قالها ابراهيم بلهفة وهو يقترب منه فأبعد الأخير يده عنه بفظاظة و دون وعي منه و تابع بنظرات مشتعلة :
– مش عايز يجي يشوفني ليه ؟ هو تعبان ولا زعلان عشان كشفت حقيقة ابنه و حا*قد عليا فهموني !!
نطق الجملة الأخيرة بإستفزاز ليجعلهم يجيبونه و يخبروه أين سليم و حقا نجح في ذلك عندما انتفضت زهرة مرددة :
– چدك طول عمره واجف مع الحق و مهيزعلش منك لما تكشف حجيجة العجارب اللي كانو عايشين ويانا تحت سجف واحد !
– يعني ايه … جدي حصله ايه ؟
قالها وقد تسارعت نبضاته بعن*ف و ظهر هذا على جهاز تخطيط القلب الموصول به فذ*عرت يارا و خافت من تعرضه لإنتكاسة عند تلقي الخبر ، رفعت رأسها لعمها تترجاه بالصمت لكن لا مجال للتهرب بعد الآن تنهد ابراهيم بعمق و رد ، بنبرة شابتها الدموع :
– لما جدك عرف ان علي و عمر ورا كل اللي حصل اتعرض لنو*بة قلبية ….. و للأسف مستحملش و اتو*فى بعد كام ساعة …. البقاء لله.
دقيقة … دقيقتان … ثلاث دقائق مرت و ادم متصنم يطالع نقطة في الهواء غير مدرك لما يدور حوله ، أحس بنفسه كما لو ان تيارا كهربا*ئيا قد هز كل خلية من جسده ، أو أحدهم رمى عليه دلو ماء بارد في جو مثلج ، أو حتى أصبح أصما و ما يسمعه الآن ينافي الحقيقة ، جده سليم كبير العائلة توفى ؟ هكذا بكل بساطة ؟
هز رأسه بإنكار هامسا :
– ما*ت … ما*ت ازاي … لا مستحيل.
زادت شهقات النساء البا*كية أما ادهم ف استدار للجانب يمسح الدمعة العالقة أسفل جفنيه يتابع حديث عمه ابراهيم :
– انت عارف ان كان مر*يض قلب و الدكتور قال اي ضغط عليه ممكن يعرض حياته للخ*طر ، و لما الحقايق انكشفت و عرف انك دخلت المستشفى افتكرك م*وت ف ….
لم يستطع إكمال سرد كيف توفى والده فإلتزم الصمت بينما غادرت زهرة الغرفة و لحقتها حنان و رهف تواسيانها ، ضغط ادم على موضع جر*حه متأوها بعنف فهتف والده قلقا :
– حاسس بوجع تحب انادي زياد يجي ….
قاطعه بصلابة معاكسة لملامح وجهه المنكسرة :
– اطلعو برا.
– يا ابني متعملش في نفسك كده ارجوك هتتعب اكتر.
كرر جملته بآلية :
– اطلعو برا عايز اقعد لوحدي.
بلل ادهم شفتيه و أشار لعمه للمغادرة ف ابن عمه الآن في حالة صدمة و ربما بقاؤه بمفرده يسمح له بالهدوء و استيعاب ما جرى في فترة غيابه ، بعد فراغ الغرفة أراح ادم ظهره على الوسادة خلفه و أسند رأسه على الجدار و حديث والده ينزل على ذاكرته دفعة واحدة فيجعل شريط حياته مع جده يمر بحركة متسارعة أمام عينيه ….
لم يكن مقربا كثيرا من سليم ، و ربما في أغلب الأحيان كانا يتشاجران و عندما يرفع صوته عليه يزجره جده بصوته القوي و يصفه بجملته التي تعود عليها ” قل*يل الأدب و الإحترام ” ، في الحقيقة ليس الوحيد من أطلق عليه هذا الوصف ربما معظم أفراد العائلة في الصعيد يتهمو*نه بإنعد*ام الأخلاق عندما يفقد أعصابه و يبدأ بالصراخ لكن لا أحد ينكر وقاره و قوة فرض شخصيته في أي مكان يدخله …. ” خليفة سليم الشافعي ” كما أسموه ، حتى جده كان يمدح شجاعته و ذكاءه و يخبره كم أنه يثق به رغم عدم إتفاقهما في الكثير من المواضيع.
آخر مرة رآه فيها كان عندما جاء من الصعيد ركضا بعدما علم ان يارا دخلت المستشفى و قبل مغادرته أوصاه عليها و قال له أنه يحبه و يعزه و يعتبره حفيده المفضل ليس عليه إلا ان يخفض صوته عندما يكلم الأكبر منه و يتريث ولا ينفعل بسرعة فالغضب عد*و الإنسان اللدود ، ليت ادم كان يعرف ان ذلك هو لقاؤهما الأخير ولن يراه مجددا ، ها هو تو*فى بنو*بة قلبية ولم يشهد على جنا*زته او يلمس وجهه للمرة الأخيرة ، مثلما حدث مع يارا عندما تو*فى والدها و تعرضت هي لإنهيار منعها عن حضور طقوس توديعه ….
و على سيرة يارا راحت ذاكرته الى ذلك اليوم ، لقد عصته و غادرت المنزل ضاربة تحذيراته عرض الحائط و أخبرته ببساطة انها مع صديقاتها ، هد*دته صباحا بترك المنزل فجاء المساء و هرع لها يخبرها انه سجلها في الجامعة ف اكتشف انها نفذت تهد*يدها ، لقد كادت تودي بحياتها و حياة ابنتهما بسبب عنادها و انعدام ثقتها به أما حياته فالأحسن ان لا يتحدث ، دخل في غيبوبة شهر و لم يشهد على اللحظة التي يسج*ن فيها عمه ما انتظره طويلا تحقق لكنه لم يكن موجودا حينها ، و الأهم و الأق*سى من هذا ان جده تو*في ….. تو*في تاركا اياه يعيش عذاب الضمير و يلوم نفسه على كل دقيقة شاجر فيها سليم و أغضبه …. و ربما يلوم نفسه لأنه لم يكن موجودا حينما مر*ض !!!
_____________________
في مساء اليوم التالي.
نظرت للمرآة في غرفتها تتأكد من هيأتها كانت ترتدي فستان خفيف باللون الأزرق السماوي الذي يليق على أجواء الربيع و حجاب أبيض يغطي على لون بشرتها البيضاء الشاحبة فيعطيها نورا بهت منذ دخول حبيبها المستشفى ، تنهدت يارا بإرتباك عند تذكره اتصال ادم و إخباره أن تأتي له بمفردها لأنه يريد التحدث معها بخصوص شيء مهم ، و لعلها تدرك ماهية الموضوع مؤكد انه سيفتح حديثا عن ذلك اليوم و يوبخها و مكن ان يصرخ عليها ايضا لكن لا بأس هي حقا لا تمانع يكفيها ان يخرج نفسه من القوقعة التي دخل اليها بعد إعلامه عن وفاة جده.
أخذت نفسا عميقا و أخرجته ببطئ ثم غادرت المنزل و ركبت السيارة آمرة السائق بالإنطلاق نحو المستشفى ، وصلت بعد مدة و خطت خطواتها الرواق الطويل متحمسة للدقائق التي ستقضيها معه بمفردهما ليقبل النظر لها فقط وهي ستتولى مهمة جعله يصفو ناحيتها ، مثلما كل مرة تغضبه و تراضيه !!
وقفت أمام الباب و قبل الدخول تفاجأت به يفتح و يخرج ذلك الرجل الخمسيني الوقور ، انه صلاح محامي العائلة الموثوق وهو من أوكلت له مهمة تعديل أوراق الملكية لينقل حصص أحمد الشافعي لها ، و كذلك هو من جلب لها أوراق الطلاق منذ شهور مخبرا اياها ان ادم وقع و ينقص إمضاؤها فقط !
تلجلجت عند رؤيته هاتفة :
– حضرة المحامي.
ابتسم لها بإحترام :
– مدام يارا اهلا بيكي.
وزعت بصرها خلفه و سألت :
– حضرتك بتعمل ايه هنا ؟ 
رد عليها بعملية :
– جيت اطمن على البشمهندس و اديه الورق اللي طلبه ، عن اذنك.
تابعت خطواته بشرود ثم نفثت أفكارها و دخلت الى زوجها ، وجدته بوضعية شبه مستلقٍ يسند ظهره على الحائط خلفه و طالع السقف بوجوم ، تنحنحت و جلست بجانبه مرددة بإبتسامة :
– عامل ايه حاسس نفسك أحسن دلوقتي ؟
ازاح بصره نحوها يحدق بها في برود غريب ف اعتدلت يارا في جلستها و أردفت :
– بص انا عارفة انك متنرفز مني بسبب اللي حصل بيننا آخر مرة ، و معاك حق مكنش ينفع اخرج من البيت الساعة 7 المسا من غير إذن و عنادا فيك ، عارفة كمان ان لولايا مكنتش اتعرضت لهجوم بس والله متوقعتش للحظة واحدة انك ممكن تتأذى بص انا …..
قاطعها ادم بصوت جاف أحزن قلبها :
– من زمان لما عمي احمد قالي اننا مش مناسبين لبعض و عقلياتنا مختلفة مقتنعتش بكلامه بس اتعصبت و سمعته و حاولت ابعد عنك لكن اتراجعت لما عرفت قد ايه بتحبيني و قولت فرق السن و طريقة جوازنا مش مهمة مش هتشكل عائق بيننا ، عملتي اغلاط كتيرة من اول عدم سمعان الكلام و التأخرات عن البيت و طولة لسانك و كنت بمسك نفسي عنك بالعافية و اقول معلش لسه صغيرة و ملهاش حد هفهمها بالهداوة و اشرحلها ان الزواج مش لعبة ولازم الطرفين يكون عندهم نضج ….. بس منفعش معاكي و كل مرة كنتي بترتكبي غلط أكبر من اللي قبله روحتي مع صاحبتك بعد الجامعة و انا رجعتك البيت ع الساعة 12 بليل …. اليوم اياه لما خرجتي مع رهف و إمي قولتيلي انكم رايحين لوحدكو بس اتفاجأت انكو رحتو مع زياد من غير ما تقوليلي …. خبيتي عني خبر حملك و نزلتي البلد و فضلتي شهرين مخبية عني و حطيتةني فموضع الغبي …. وقفتي مع عمك و ابنه ضدي و طولتي لسانك عليا و قالت معلش حامل و تعبانة و مينفعش اضغط عليها اكتر انا بحبها و هصبر عليها هيجي يوم تكبر و تعقل …. بس اليوم ده مجاش.
توقفت أنفاسها وهي تستمع لكلامه بتوجس بينما أكمل ادم :
– عرفت ان غلطي اكبر من أغلاطك كلها …. مكنش ينفع اتجوز واحدة اصغر مني ب 10 سنين هي من جيل و انا من جيل ، بنت مدلعة لسه مخلصتش ال 20 سنة اكيد مش هتكون قد مسؤولية الجواز بس لأول مرة مسمعش لعقلي و المنطق و اسمع لقلبي و النتيجة اهي قدامك.
نزلت خيوط دمو*عها بإنتظام و جاهدت لتهمس :
– يعني ندمان انك حبيتني …. و ضحيت بحياتك علشاني ؟؟
هز رأسه مغمغما :
– لو اتعرضت للموقف ده ألف مرة و خيروني بينك و بين حياتي مليون مرة هختارك انتي ان شاء الله ادخل في غيبو*بة سنة او اموت حتى مبيهمنيش طول ماانتي كويسة ، بس خلاص انا زهقت من تصرفاتك و قلة وعيك يارا انا مكنتش كده عمري ما فكرت اسامح حد غلط معايا او وسكت على اها*ناته اللي كان بيفكر يغلط معايا كنت بند*مه و اخليه يركع و يترجاني اسامحه كنت بفكر بعقلي و معرضش نفسي ولا حد من عيلتي للخطر لكن من لما …. من لما دخلتي انتي حياتي غيرتيني و أثرتي عليا بقيت طول الوقت مش مركز و استحمل دلعك و تصرفاتك الطفولية و الوم نفسي عشان بضايقك حتى أهلي بقو يلوموني على اي حاجة تحصلك و مع ذلك استحملت بس لحد هنا و كفاية….. انتهى.
صمت ساد إلا من أنفاسها العالية و المتسارعة و زفراته الثقيلة قبل ان يردد بخشونة :
– انا رجعت سجلتك في الكلية و اول ما تولدي بنتي بتقدري تعملي اللي عايزاه تدرسي متدرسيش تخرجي من البيت في نص الليل و تعندي و تكدبي و تتكلمي مع اي شخص مليش دعوة انا بحررك من قيودي.
طالعته يارا بصدمة و شعرت بالدنيا تدور بها لكنها تحاملت على نفسها و تمتمت بصوت متقطع :
– يعني ….. يعني ايه ؟
أغمض ادم عيناه مجاهدا ليقاوم نفسه ولا يحضنها ثم مد يده الى جانبه ووضع أوراق أمامها قائلا :
– بما انك كنتي بتقولي عليا مست*بد و ظا*لم و متم*لك و مر*يض قررت ارحمك و امنحك حريتك … انا مضيت خدي انتي كمان امضي على ورق الطلاق و يبقى كده خلصنا !!
يتبع..
لقراءة الفصل الخمسون : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!