Uncategorized

رواية ملك للقاسي الفصل الثاني والخمسون 52 والأخير بقلم فاطمة أحمد

  رواية ملك للقاسي الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم فاطمة أحمد

رواية ملك للقاسي الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم فاطمة أحمد

رواية ملك للقاسي الفصل الثاني والخمسون 52 والأخير بقلم فاطمة أحمد

رحلة حب 
____________________
واقفة في الشرفة العلوية ، ترقُبُ أضواء اسطنبول الزاهية و العناق الذي يسامرُ هُدْأة الليل 
تأخذها تلك الظِلالُ لتُراقِصَ الفرح ، مر أسبوع على قدومهم لتركيا ، 7 أيام لم تكن كما ارادت تماما فهاهو ينشغل عنها بعمله و يتركها تقضي النهار بطوله مع طفلتها و المربية التي أصر ادم على جلبها لكي تهتم بالصغيرة أثناء تجولهما في شوارع إسطنبول ، بعد الإنتهاء من أعماله طبعا …
تذكرت عندما غادرا الفيلا متجهين الى مطار طائرات الشافعي ، هبط من السيارة يمسك يدها بقوة تتبعهما المربية حاملة عشق بإنتباه اما السائق و المساعد فقد تولوا أمر الحقائب ،  كان المكان مليئا بالحراس الواقفين بإستقامة يحنون رؤوسهم عند مرور ادم عليهم ، ادم بهيئته العملية و النظارات الشمسية على وجهه الملتحف بثبات و صلابة ، بشموخ غريب يأسرها كلما ترى تأثيره على من حوله … فمن يراه لا يستطيع تخيله وهو برفقة حبيبته و زوجته ، عبوسه يتحول الى فرح و هدوؤه الى ضحكات ساحرة تزيد من وسامته ….
استأجر لهم بيتا بطابقين بِجوار نهر البوسفور  جميل جدا ، خشبي بألوان زاهية ، يطل على حديقة واسعة تحوي بين ثناياها أزهارا من شتى الأنواع و الألوان ، تماما كما ارادت دائما ، بيت الأحلام …
و هاهي الآن تنظُر إلى ذلك الجسر و قد تلون كل مابهِ بلون الشفق ، مستشعرة الملل و الوحدة في غيابه عنها ، ثم يأتيها حُضن امتطى أُهزوجة الجموح و قبلة تعتلي صهوة الشغف ، 
يراها كما لم ترى عين عاشق قط ، يمزجها مع جمالِ اسطنبول لوحة ، اختلطتْ ألوانها احمر قاني قطف من ثغرها زهرة ، مخملي ثمل من حقول وجنتيها نبيذ معتق ، زهري كثوبها المنسدل على جسدها مظهرا أجزاء منه في سخاء ، لتكتمل الصورة المركبة في ذهنها و تتنفس بعمق هامسة :
– انت جيت.
استدارت له تداعب لحيته الخفيفة بإصبعها تسبل عينيها بحزن :
– اسبوع كامل وانت بعيد عني هو ده اللي وعدتني بيه لو كنت عارفة كنت رفضت اجي معاك على فكرة.
دفن أنفه في شعرها يشم رائحة شامبو الفراولة المفضل لديه ثم همس بالجوار من أذنيها :
– مبتقدريش تبعدي عني ، مش اسبوع بس ولا بلد ، انتي مبتقدريش تبعدي عني بأوضة واحدة لليلة واحدة حتى.
كان يتكلم بثقة و غرور وكأنما يتفاخر بكونها متعلقة به حد النخاع ، ثقة أبهرتها منذ أن كانت صغيرة و هي ترى كيف يحادث غيره و عيناه تلمعان بوهج قوي ، عيناه الكحيلتان و التي قد ورثتهما عشق منه ، لكنها رغم ذلك إبتسمت مجيبة بذكاء وهي تضع يدها على صدره :
– وانت مستعد تقطع كل المسافات اللي بتبعدك عني ، صح ؟ 
إجابته كانت عبارة عن قبلة طبعها ادم على يديها ، ثم ردد وهو يدخلها الى غرفتهما :
– أعمالي خلصتها النهارده و فضيتلك ، من بكره رحلتنا هتبدأ بجد بس قوليلي الأول عشق نامت امتى ؟
– من ساعة كده نيمتها على السرير بتاعنا.
التف لها بغرابة :
– و ليه مخلتيش المربية اللي تنيمها المفروض ده شغلها. 
ردت عليه يارا بنبرة جادة :
– مش هستنى ست تانية تنيملي بنتي انت أصريت تجيبها عشان تساعدني تمام بس ده ميعنيش تعمل واجباتي كأم.
هز رأسه بتفهم وقال وهو يقبل طفلته بحنان هامسا :
– هنحتاجها بكره لأننا هنقضي اليوم كله برا ومش عايز اعتراض ولا كلام بتاع مش هاين اسيب بنتي ووو هي في أمان و انا جايبك معايا عشان نتسلى.
تنهدت بإستسلام ونزلت تجهز له الطعام وبعد إنتهائهما وجدته يغمز لها بخبث :
– تعالي دلوقتي عشان عندي كلام معاكي ….
________________________
هاهما يستيقظان للمرة التي لا تحصى كزوجين يتقاسمان روحا واحدة و ذاتَ النبض في جسديْنِ مُنْفَصِليْن ، صباح عاشق لشق قلبيهما ، هارب من القصص الرومانسية المنْسيَّةِ بين طيّاتِ كِتابٍ ما ، ظامئ للمطر في قصيدةٍ للربيع ، مُتلَأْلِىءٌ كَعينيهِما العاشِقتان ، مُضيء كشجرةِ ميلادٍ خلفَ نوافذِ العيد .
صباحي انتِ ومن دونك لا أكون ، صباحي وكل الصباحات لا تشرق علي إلا عندما تفتح هذه العيون …..
تطلعت بلهفة الى الشوارع من نافذة السيارة ثم حادت بعينيها نحوه قائلة :
– ياريت لو جبنا عشق معانا حرام نسيبها لوحدها.
ضحك عليها بتريث :
– هتتعب يا يارا يومنا طويل و الجو حر و هنروح لأماكن كتيرة. 
– الله هتوديني فين طيب.
– مفاجأة يا أميرة.
قالها بعبث و تابع القيادة حتى ركنها بعد دقائق :
– وصلنا.
شهقت بِعُيونٍ مُنبهِرة و قلبٍ فرِحٍ كقلبِ طفل : 
_ البحر ده حلو جدا ماشاء الله. 
همهم مبتسما لسعادتها : 
– ده اجمل شاطئ في اسطنبول و بيسموه شاطىء سولار أو شاطىء الشمس لأن كل حاجة فيه صافية و بتلمع زي الشمس … يلا ننزل.
ترجل من السيارة و هي خلفه تلف بصرها في المكان :
– ليه مفيش حد هنا ؟
رد عليها ببساطة :
– المكان في الوقت ده بيكون فارغ وانا اخترته عشان محدش يشوفك وانتي معايا … يلا.
ضحكت بفرحة و ركضت بعيدا عنه صائحة :
– هسبقك. 
وقف مكانه يراقبها و عيناه تشعان حبا ، يارا بثوبِها الفَيْرُوزي مثل مياه البحر الساحرة و قدميْها الصغيرتيْنِ الحافيَتيْنِ اللتيْنِ تُلامِسانِ تلك الرمال اللامعة بلون البريق في عيْنيها ، خَدُّها المتورد مِثْل بتلات الورد ، رِمشُها النازل كَظِلال الياسمين ، رسمتْ لوحةً تُضاهي بل تفوق البحر جمالا بالنسبة ل ادم الذي لم يُنْزِلْ عينيْهِ عنها و لم يُغريهِ منظرُ البحر و بهاؤُهُ ، 
كان يمشي خلفها و يتأمل جمالها ، براءتها ، عفويتها ، مرح الطِفْلِ فيها ، و اخيرا انتبه الى صوتها وهي ترفع طرف فستانها و تدخل الى الماء :
– اي الماية ساقعة !
حمحم و عدل ياقة قميصه ليذهب خلفها و يعيدها الى الرمال :
– اوعى كده هتبلي هدومك و تبليني معاكي.
– ايه ده احنا مش هندخل نعوم ؟
قالتها بتذمر وقد كتفت يديها فرد عليها بإستهزاء :
– افندم تدخلي تعومي و بعدين تمشي قدام الناس بهدومك المبلولة ليه فاكرة نفسك متجوزة مين يالا …. متزعليش هنبقى نعوم في المسبح الخاص بالفيلا لما نرجع المسا.
نفخت يارا وجنتيها بضجر :
– بس انا عايزة البحر.
عقد ادم جبينه وتكلم بلهجة آمرة :
– مينفعش يا حبيبتي بصي كام يوم كده و استأجر شاليه ع البحر لوحدنا و ابقي عومي براحتك.
– وعد ؟
– وعد.
هزت كتفيها ثم قالت بنبرة متحمسة :
– طيب يلا ناخد سيلفي هنا و هنقضي اليوم كله صور ايه رايك ؟
صمت قليلا يفكر ليزفر بهدوء :
– ماشي أمري لله بس اوعى توري الصور ديه لحد فاهمة.
ضحكت يارا على رفضه من إبداء شخصيته الطبيعية أمام الناس ورغم ذلك وافقت …. أخرجت هاتفها تلتقط لهما صورا عديدة و فيديوهات للذكرى  و قامت بإتصال فيديو للمربية لكي ترى ابنتها معها و جلست تحادثها وكأن الصغيرة تفهمها ثم قطعت الاتصال و نظرت لزوجها :
– هنروح فين دلوقتي ؟
غمز لها بعبث :
– مفاجأة.
ركبا السيارة و قادها وبعد مدة كان يتوقف عند ميناء اسطنبول ، توجه الى يخت معين ليرحب به العامل و يتكلم معه باللغة الإنجليزية عن الوجهة التي سيتخذانها ، كل هذا تحت انظار يارا التي نظرت له بذهول :
– موديني على فين و لوحدنا كمان انت استأجرت يخت ؟
– هيغلى عليا يعني ؟
اجابها بغرور و صعد ثم التفت لها يساعدها في الركوب وقفت يارا تطل على البحر و ادم يحضنها من الخلف ثم أعطى الإشارة للإنطلاق.
انطلق بِهِما اليخت وهو يشق مضيق البوسفور الجميل ، 
كانت المناظر خلابّة جِدا ، كأنّهُ نهر في الجنة وسط تلك المساحات الخضراء و القصور الرائعة بِفَنِّها المِعماري المُمَيز على حواف اليابسة ، استندت بظهرها الى صدر زوجها يحضُنُها و يُسَمِّي لها تلك المعالم الجميلة و الأثريّة .
رفع ادم اصبعه يشير الى إحدى المعالم :
– بصي ده قصر دولما باشا و اللي هناك اسمه حصن روملي ، أما البرج اللي يتوسط النهر احنا هنقف عنده بعد شويا و أحكيلك الأسطورة المُتعلقة بيه و ليه سموه برج الفتاة (Kiz Kulesi).
تطلعت الأخيرة للمناظر أمامها بتوهان ، لقد امتزج جمال الطبيعة بجمال ما صنعت أيادِي البشر من عُمرانٍ قديم و حديث ، و تاهت هي وسط كل هذا السحر اما ادم فكان مولها بالمرأة التي تستند عليه و تضم يديها على يديه فالمناظر حوله لم تسحره بقدرها …. لقد كان يرى الجمال عن طريق عينيها الامعتين و يدعو الله ان لا تختفي السعادة عنها …
ابتسم و أدارها اليه يداعب وجنتيها المكتنزتين :
– ايه الخدود اللي نفسي اكلها ديه يا مدام الشافعي.
تورد وجهها باللون الأحمر فهمست :
– متكسفنيش يا ادم.
انحنى عليها فجأة و ضم شفتيها بشفتيها في قبلة تفوق سحر الطبيعة حولهما ، تتجاوز عمق البحار و تجعل الرغبة لإمتلاكها تتدفق في عروقه فيصبح غير قادر على تحمل بعدها لكن لا المكان ولا الوقت مناسبان …
ابتعد عنها بعد شعوره بحاجتها التنفس ثم اسند جبينه على جبينها هادرا بصوته الرجولي :
– أنت شهية كنشوة القبل…
و أنا همسي يدعو للثمل …
أنت مترددة كدموع المقل …
و انا جريء لا أعرف الدجل …
لك الخجل و لي الغزل …
فأنت إمرأة و أنا رجل …
قاومت يارا خجلها من غزله الصريح و وطلعت لعيناه مباشرة تنتشي بتأمل وجهه الوسيم ، ثم قالت وكأنها إستدركت شيئا :
– ممكن سؤال ؟ انت ليه اتغيرت معايا من بعد سفرك لأمريكا قصدي يعني وانا صغيرة كنت بتقعد معايا و تكلمني صحيح مكنتش بتهزر و تلعب معايا بس بردو كنت لطيف … و بعد سفرك رجعت واحد تاني خالص تزعلني و تزعقلي ليه كده انت كنت بتعمل كده ليه ؟
التزم الصمت و راحت ذاكرته للأيام التي ق*سى فيها عليها و تسبب في دمو*عها كل مرة يراها فتجهم وجهه مغمغما :
– الصراحة … كنت شايف أنك بدأتي تتعلقي بيا كتير و تحبي تقعدي معايا وانا مكنش بتبقى عندي مشكلة بس بعد ما كبرتي عمر …. عرفت ان عمر بدأ يطلع علينا اشاعات و يتكلم عليكي بالباطل و في مرة قال لجدي سليم الله يرحمه اني بتقرب منك كتير وممكن تحصل بيننا حاجة غلط خاصة اننا عايشين مع بعض.
فغرت فاهها بصدمة :
– بجد ؟ امتى ده حصل انا مكنتش اعرف.
تابع بنبرة مؤكدة :
– عمر في الوقت اياه بدأ يخطط احم يتجوزك فطلع عليكي الاشاعات و كله عشان جدي سليم يصدق ان شرفك بقى في خطر و يرجعك ع البلد و يجوزك ليه انا الوحيد اللي كنت عارف لأني سمعته وهو بيكلم أبوه فقررت ابعد خوفا على سمعتك و بقيت ازعقلك و اشدد عليكي و غصب عني كانت بتطلع مني كلمات جا*رحة يعني مكنتش بتعمد اخليكي تعيطي و لما عمي احمد عرض عليا اتجوزك وافقت وانتي في الفترة ديه كنتي كرهتيني و على طول بنتخانق لحد ما جه اليوم اللي عرفتي فيه اني متجوزك و يا ستي عملنا فرح و جددنا عقد الزواج و بقى رسمي و بعدين … حبيتيني و حبيتك.
طالعته يارا بحب و تأثر ثم احتضنته بمشاعر جارفة :
– يا الله قد ايه انا بحبك … صحيح زعلتني و حتى بعد الجواز و الحمل فضلت تزعقلي على تصرفاتي بس بوعدك اني اثق فيك ولو قولتلي متعمليش الحاجة ديه انا مش هعملها والله العظيم.
ابتسم ادم مشددا على عناقها :
– وانا مش هخبي عنك حاجة و تبقى اشرحلك بهدوء وجهة نظري و مخلكيش تحسي اني مسيطر عليكي.
– يعني انت مش ندمان عشان حبيت واحدة اصغر منك بكتير و مش بتاعت مسؤولية اوي.
ضغط على وجنتها مجيبا بصفاء :
– عمري ما ندمت اينعم صحيح كنت مدايق لأنك من جيل الألفينات وانا من جيل التسعينات و تفاهمنا بيبقى صعب بس حبك كان و هيفضل احسن حاجة حصلتلي في حياتي.
بعد مدة وصلا الى البُرج ثم صعدا إلى الأعلى ، كانت الإطلالة رائعة ، تَكادُ تُرَى كُلَّ اسطنبول من هُناك  فقالت يارا بإعجاب :
– واااو المكان جميل جدا انا مستعدة اقضي حياتي كلها في القصر ده.
علق على كلامها بجدية :
– بس ده كان سج*ن مش قصر … بنت السلطان كانت محبو*سة فيه و ابوها هو اللي أمر بتشييده و حبسها.
– ليه هو مكنش بيحب بنته ؟
قالتها بتفاجؤ و عبوس فرد عليها :
– بالعكس كان بيحبها و بيخاف عليها جدا لدرجة حلم ان بنته هتموت بسبب لدغة أ*فعى في عيد ميلادها ال 18 قام حبس بنته في البرج ده لأنه بعيد عن الناس و صعب حد يوصله بس …
هتفت يارا بلهفة و خوف :
– بس ايه يا ادم ايه اللي حصل للأميرة ؟
طالع ملامحها المتأثرة من الأسطورة و قال :
– في يوم وصلتلها هدية عبارة عن سلة فاكهة و جواها ث*عبان قرصها و ما*تت في نفس المكان اللي اتحبست فيه سنين طويلة ، ومن كتر حزن السلطان على بنته سماه برج الفتاة و العبرة اللي بياخدوها الناس لما تزور البرج ده هو ان مفيش مفر من قضاء و قدر الله لو مهما أنكرت و عملتي احتياطاتك اللي كاتبه ربنا هيحصل.
هزت رأسها بإيجاب وقد عبست و تذكرت جميع أحزانها و أحبائها الذين فقدتهم  :
– فعلا مفيش مفر من القدر.
أدرك ادم انها تتذكر الأحداث الحزينة التي عاشتها فأمسك يدها الناعمة بيده الخشنة هاتفا :
– بس انتي قدري الجميل اللي بشكر ربنا كل يوم عليه…. يلا نكمل.
حاوطها بذراعه و صعدا مع العديد من السياح الى البرج ، كان مشهدُ إسطنبول من الأعلى و صوت النوارس التي تعزِفُ ترنيمة حُب للعُشاق ، جمال و صفاء نهر البوسفور ، عبثُ الرياح بذيل فستانها و بريقُ تِلك العيون العسلية ، كل هذا كان كَفِيلاً بأن يُلْقِي على قلْبِهِ وشْوَشَات ، تَنْظُمُ نبضَهُ على إيقاعِ أنفاسِها ، لِيَلْتَقِفَ الشهد الذي إنْسابَ مِنْ على شِفاهِها و يثمل و يغرق 
راسِمًا لوحة حُبٍ لِنورسيْنِ تعانقَا مع المغيب ، فَكانتْ تِلكَ القُبلةُ تفوقُ قُرص الشمس البُرتُقاليِّ لهيب ….
لتختم يومها بعبارتها باللغة التركية :
Seni Seviyoroum  ( أنا أحبك ).
كانت من إحدى أمنياتها الغريبة ان تتكلم بلغة لا يفهمها زوجها لكنها لم تحققها فهذا القاسي الذي أمامها تعلم العديد من اللغات و في صغرها كلما كانت ترى كلمة بلغة ما تذهب مسرعة لتقولها له فتجده يبتسم و يجيب عليها بنفس اللغة ، و اليوم أيضا خاب أملها وهي تراه يردد بضحكة :
–  Ben de Seni Çok Seviyoroum  ( وأنا أيضا أحبك كثيرا ). 
قهقه ادم وهو يراها تتأفف بضيق :
– يا ربي انت بتعرف تركي كمان. 
رفع حاجبيه بسخرية :
– يعني معقول اكون عارف كل مكان في تركيا عشان زورتها كتير و في نفس الوقت مبفهمش لغتهم ؟ 
مطت شفتها بتذمر و أرادت مجاكرته  :
– انا بعرف كام كلمة كده يعني مش اوي بس لازم تعلمهالي عشان لما اشوف ياماش كوشوفالي اقدر اكلمه و….
قطعت كلامها عندما رأت ملامح ادم تتغير للشدة هادرا بصوت قاتم صارم :
– تكلمي مين ؟ امشي يا حبيبتي قبل ما احلف نرجع مصر النهارده هو انا جايبك عشان تكلمي اللي اسمه ياماش ده.
ضحكت يارا محاولة اللحاق بخطواته الواسعة رغم انه يمسكها :
–  Çukur Evemiz Yamaç Babamiz. 
أخرجت هاتفها تلتقط لهم صورة فتنحنح محاولا إخفاء إبتسامته :
– طفلة مجنونة.
_______________________
مرت الأيام بسرعة و كان ادم كل يوم يأخذ زوجته الى وجهة مختلفة و يريها جمال البلاد التي حلمت بها طويلا و هاهي على أراضي مع من عشق قلبها.
صباح يوم جديد  على الساعة 10.
تململ في فراشه بكسل وهو يمد يده الى جانبه لكنه وجد مكانها باردا فتح عيناه متمطعا ثم نهض و اغتسل ليرتدي بنطال جينز ازرق و قميص أبيض رفع كميه لأعلى ، صفف شعره بعناية و ارتدى حذاء رياضي ثم نزل من غرفته و منه للحديقة ليجدها جالسة على الأرجوحة تضع عشق على قدميها و تتكلم مع رهف مكالمة فيديو صوت و صورة و عندما رأته قالت مبتسمة :
– ادم انا بكلم اختك و عايزة تشوفك.
ابتسم و جلس بجانبها ليسمع صوت شقيقته الصغرى تصيح بحماس :
– ابيه ادم وحشتني اوي ازيك عامل ايه. 
رد عليها برزانة :
– انا كويس الحمد لله وانتي عاملة ايه و بابا و أمي و تيتا كلكو بخير ؟ 
– كلنا بخير الحمد لله بس عايزين ترجعو بقى بقالكم اكتر من 3 اسابيع في تركيا ده انا لما كنت بسافر معاك يدوب نقعد اسبوع و نرجع.
تدخل يارا في الحديث :
-مش عارفة ليه انا شامة ريحة ح*سد اوعى عينك يا رهف.
ضحكت عليها و اجابتها بمزاح :
– انا مب*حسدش انا بقر وبنطق بس.
ضحكتا الإثنتان سويا ثم ابتسمت رهف بمكر :
– بس ايه الحلاوة ديه يا ابيه حضرتك بالكاريزما و الوسامة بتوعك هتقضي على نص بنات تركيا.
عبست يارا تنظر الى هيأته فضحك بخفوت هامسا لها في أذنها :
– متسمعيش كلامها هي عايزة تغيظك.
تابع حديثه مع أخته حتى أغلق معها و هنا استدارت الأخيرة اليه تقول :
– وانت ليه لابس اللون الأبيض ده انت عايز البنات تعاكسك ولا ايه ؟
طبع ادم قبلة بطيئة على وجنتها كان من شأنها ان تجعلها تنسى ما يزعجها :
– ميهمنيش الا بنت واحدة تعاكسني وهي انتي.
أسدلت يارا جفنيها بدلال فحمل نو الصغيرة عشق بين يديه يلاعبها مرددا :
– جهزي نفسك عشان هنروح لمكان حلو هيعجبك.
اتسعت عيناها بذهول :
– هو لسه في اماكن مروحنلهاش يا ادم ؟ ده حتى امبارح وديتنا انا و عشق الملاهي و كمان استأجرت الشاليه جمب البحر والله ده كتير.
رفع حاجبه برعونة :
– اول مرة اشوف واحدة بترفض ان جوزها يفسحها.
ضحكت يارا بخفة :
– لا مقصديش بس انا خايفة اتعبك.
غمغم بهدوء وهو يعبث بهاتفه :
– لا مش هتعب النهارده آخر يوم لينا في تركيا و بكره هنرجع يعني لازم نستمتع المهم خدي عشق و خليها مع المربية و اطلعي البسي وانا هستناكي هنا.
– طيب انا حضرتلك الفطار يلا اقعد افطر على ما اخلص.
بعد مدة كانا يصعدان الى اليخت و يتجه بها للأعلى ليجعلها تطل على البحر وهو يحتضنها من الخلف يسرق قبلات من وجنتيها و خديها من حين لآخر و بعد الابحار لِمُدّة ساعتيْن وصَلَا إلى جزيرة بيوك أَدَا ( الجزيرة الكبيرة ) ، كانت ساحرة كأنّها جنّةُ الله على الأرض و الأجمل ان هناك عرباتٌ تجرُّها الخيول في كل مكان فلا يوجد غيرها وسيلة للمواصلات.
نظرت له يارا بإبتسامة :
– تصدق إني تعبت من كتر ما بقول المكان ده بيجنن و ده حلو و ده رائع كل المعالم اللي هنا بتخلي الواحد مسحور بيها و ديه اول مرة اشوف جزيرة شكرا يا ادم. 
رد عليها بشيء من التفاخر وهو يضع نظاراته الشمسية لتكتمل صورته الوسيمة و الراقية :
–  You Welcome Baby ، ادم الشافعي مبيخادش مراته لمكان اقل جمالا منها.
لمعت عيناها بصفاء و نبض قلبها بعنف لغزله الجريء لتمسك يده و تشبك أصابعها بخاصته ، شرعا يتجولان في الجزيرة مع باقي السياح و يلتقطان صورا كثيرة لهما ثم رَكِبَا في إحدى العربات التي يجرها خيل شبهته يارا ب ادم في شموخه و قوته ، أعطى الأخير إشارة للإنطلاق و جلس بجانبها يحضُنُها و يلتقطُ الصور لهُما معا و لَها على حين غفلةٍ عندما تَتُوهُ بعينيْها الجميلتين نحو النافذة لترى المناظر الخلّابة ، أمضتْ يارا و ادم يوما من الأحلام ، أكملا تجولهما في الطبيعة الساحرة للجزيرة ، تمشيَا على الشاطىء ، لعِبَت بالرمال ، بالمياه ، و تناولا طعام الغداء في مطعمٍ بحريٍ راقٍ كانت قد رأته في إحدى الأفلام التركية الضخمة.
و في المساء ، فاجأها بإحضار فستان لم يكن مع الفساتين و الثياب و المشتريات التي إقتنياها معا ، فستان سهرة أسود لامع تبدو عليه الفخامة و الغلاء ضيق من الأعلى و يتسع بعدها بإتساع جميل متصلة به قطعة قماش تبدأ من الكتف الأيسر و تنزل للخصر محكومة بحزام بنفس اللون حتى تصل الى نهاية الفستان ، و حجاب طويل أبيض مع حذاء ذو كعب.
إرتدى الآخر بدلة سوداء مع قميص أبيض ناصع فتح أول زرين منه و حذاء اسود كما صفف شعره و أعاده للخلف في تسريحة أنيقة و أمسك يدها و أدخلها سيارته …
بعد فترة وصلا فقالت له :
– هو انت جايبني على فين.
– هشش.
همس ببرود و أكمل :
– مش عايز رغي يلا اتفضلي معايا.
زفرت بغيظ منه و ترجلت لتجد نفسها مبنى ضخم يقابلها وقفا أمام باب كبير مزخرف بالنقوش الذهبية ثم دخلا إلى قاعة عريقة، تغطّي جدرانها المرايا والإطارات الذهبيّة، يعلوها سقف مزدان بالرسوم الزيتّية، تتدلّى منه ثريّات ضخمة. 
حال دخولهما، راحت فرقة مكونة من ستة موسيقيين تعزف مقطوعة بهيجة الإيقاع لتحيّتهما، بينما سبقهما نادلان في كامل أبّهتهما إلى طاولة بيضويّة مجهّزة بديكور شبيه بديكور الأفراح. شرشف من الأورغانزا مشكوك بأقواس من ضفائر الورد.. وعلى وسط الطاولة تستلقي ورود أخرى وشمعدان ومقبّلات رفعت على قواعد فضّيّة. انتابها شعور بكونها مدعوّة إلى حفل زفافها.
سحب لها الكرسي لتجلس ثم جلس مقابلها و أشار للنادلين بإحضار الأطباق المتفق عليها سابقا ، أصناف تركية سمعت عنها و رأتها في التلفزيون أكثر من مرة لكنها لم تتذوقها يوما …
كان يبدو عليه الهيبة و الظهور الطاغي وهو يجلس بإعتدال يتناول برزانة ما أمامه و يرتشف من كأس العصير بينما يرمقها بنظرات غزل محببة اليها من حين لآخر ، لم ترى هذا الجانب منه سابقا ، رأته في حالاته الطبيعية و العصبية و الهادئة و المستبدة و ربما – الهمجية – عندما تندلع في قلبه نيران الغيرة او يسمع كلاما لا يريده بينما لم تسنح لها الفرصة من قبل لكي ترى شخصيته اللبقة ، شخصية رجل الأعمال ادم الشافعي الوسيم المثقف والذي زار عديد البلدان و تعلم لغات كثيرة و جالس أكبر الشخصيات العريقة ، كيف يمكن له أن يكون بهذه الرزانة و الجاذبية ؟ رجل مثله من المؤكد أنه مطمح للكثير من النساء الجميلات و الثريات إختارها من بينهن ، هي التي رغم الأموال التي تملكها إلا أنها عاشت حياة عادية كغيرها و ليست نادمة على ذلك ، فالجمال الحقيقي يكمن في البساطة ، ولذلك هو أحبها !!
أخرجها من قوقعة تفكيرها صوته الهادئ :
– بتفكري في ايه ؟ لو الأكل معجبكيش هطلبلك حاجة تانية. 
هزت يارا رأسها بنفي :
– لا عجبني بس كنت بفكر ازاي انت حققتلي كل أحلامي من غير ما اقولهالك ، لعلمك بقى في ايام مراهقتي كنت بتمنى جوزي المستقبلي يفسحني و آخر اليوم يعزمني على عشا نكون فيه لوحدينا مفيش حد يقاطع كلامنا ولا يشوش علينا بس يا ترى انت عرفت كل ده و بتحققهولي ازاي ؟ رهف اللي قالتلك صح.
إبتسم ادم بإيجاب :
– ايوة رهف اللي قالتلي انا سألتها على كل تفصيلة تخصك و عملتها لو محققتش لحبيبتي الصغيرة أحلامها هحقق لمين ؟
– بس مش ده كتير عليا.
قالتها بتوتر فوضع الشوكة من يده و حملق بها في صرامة :
– للمرة المليون بقولك مفيش حاجة كتيرة عليا انتي يارا ادم الشافعي و قبلها يارا احمد الشافعي صاحبة اسهم في شركة كبيرة و أراضي و عقارات اتعلمي تكبري نفسك احنا الحمد لله ربنا رزقنا بنعمته و الخير عندنا كتير مش غلط لو أنفقنا على نفسنا اللي يفرحنا مادام مبنعملش حاجة حرام فمش هسمع الكلام ده منك تاني مفهوم ؟
اومأت بسرعة فإبتسم مستطردا :
– صحيح الملجأ اللي باباكي الله يرحمه حلم يعمله طاقم المهندسين خلص تشييده النهارده.
نظرت له يارا بذهول و فرحة :
– بجد ؟ 
همهم بنعم و أردف :
– و هنعمل حفلة إفتتاح ليه الأسبوع الجاي و كمان فتحنا مدرسة لتعليم الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة و الأطفال اللي ظروفهم المادية مبتسمحلهمش بالدراسة ، و بخصوصك بحصتك من المشروع الجديد هتساهمي في بناء مسجد و عن قريب عايزين نفتح دار للعجزة طبعا و لأنك صاحبة الشأن قصدي لأن الفلوس من حصتك من الأرباح هتمضي على كام ورقة تخص المشاريع ديه. 
فغرت فاهها بدهشة من حديثه و كيف أنه قد حقق جميع أحلامها و أحلام والدها الراحل بتريث و سلاسة لم تكن تتوقع ان ينجز تلك المهام بهذه السرعة بل حتى انها ظنت أنه نسي الأمر من كثرة المشاغل و المشاكل لكنه لم ينسى كالعادة ادم ينفذ وعوده و يجعل أحلامها موجودة على أرض الواقع.
مدت يدها تمسك يده بشكر فقبلها لتقول مازحة :
– على فكرة انا هقرا العقد اللي هتبعتهولي قبل ما امضيه انت عارف بقت عندي فوبيا من الورق بتوعك.
ضحك بخفة وهو يعلم أنها تقصد عندما أرسل أوراق الطلاق مرتين لها حسنا يعترف أنه إرتكب خطأ فادحا بفعلته لكنه لن يكررها و الحمد لله انها تمسكت به و قالت ” الورق ده بله و اشرب مايته انا مش هطلق لأنك ملكي “.
عند إنتهائهما من تناول الطعام و المقبلات جاء النادلان ينظفان الطاولة ثم أحضر أحد العمال علبة قطيفة و أعطاها لآدم ليقربها من زوجته و يفتحها قائلا بحب :
– و ديه هديتك. 
– ايه ده ؟ 
قالتها يارا بإستغراب وهي تراه يخرج من العلبة سلسلة غريبة الشكل لكنها جميلة فأجابها :
– السلسال ده اسمه عقدة الحب الجزائرية.
عقدت حاجبيها بعدم فهم :
– اول مرة اسمع بيه ليه سموه بالإسم ده ؟
رد عليها ادم بعدما وقف خلفها ليلبسها إياها و يتأكد من ان لا احد يرى عنقها :
– من زمان كان البحارة الجزائريين لما يكونو طالعين في رحلة او مهمة بيصنعو عقدة من الحبل تعبر عن حبهم و يدوها لزوجاتهم في فترة غيابهم و كل ما كانت معقودة اكتر كلما تعبر عن حبهم أكتر و بعدين اتحولت عن طريق الحرفيين لسلسال مصنوع من الفضة او الذهب و ديه بترمز للحب الأبدي بين العشاق و السلسال ده ظهر في أشهر الأفلام الهوليودية و بيتباع في أكبر المحلات في لندن … و أنا حبيت اهديهالك عشان أعبرلك عن عقدة الحب بتاعتي ليكي.
فتحت يارا الكاميرا الأمامية للهاتف ترى مظهرها مع هذا السلسال الجميل ثم نطقت :
– بجد رائع شكله بيجنن يا ادم ! تسلملي يا حبيبي بس انت كده بتحرجني لأني مجبتلكش حاجة.
إبتسم مرددا وهو يغطي عنقها بحرص :
– انتي و بنتي أكبر هدية مفيش حاجة أغلى منكو بالنسبالي … و على فكرة السهرة ديه مينفعش تخلص من غير رقصة.
طالعته بوله فمد يده منحنيا بعض الشيء :
– تسمحيلي بالرقصة ديه يا أميرة ؟ 
هزت رأسها بنعم ووقفت فرفع هو يده يشير للموسيقيين بالمغادرة و تشغيل أقطوعة مسجلة …. وضع يداً أسفل ظهرها يخاصرها  كما لو كان يطوّق فراشة ، و مضى بها نحو حلبة الرقص لتحط بيدها على كتفه و الأخرى تمسك خاصته و تبدأ بالتمايل معه على أنعام موسيقى هادئة. 
كانا عاشقين يرقصان في قاعة تتضاعف فيها خطاهما بعدد مراياها ، فيزدحم بهما الحبّ نشوة. كيف القبض على هذه اللحظات الباهرة في بذخها ؟ لا تريد امتلاك المكان بل اللحظة ، هذا الدوار العشقي تريده دواراً أبديًّا. يده الممسكة بيدها تريد أن تستبقيها، كي تواصل الدوران إلى الأبد في عين إعصار النشوة ، بحركات أنيقة خفيفة متناغمة ، يملك حسّ الإيقاع و فن المسافة بين كائنين،والقدرة على أن يهدي إلى من يراقصها جناحين. 
توقف عن تدويرها و جذبها اليه دون أن يتوقف فهمست :
– طلعت الناس اللي كانت هنا ليه ؟
رد عليها ادم ببساطة :
– اكيد مش هخلي رجالة غريبة تتفرج على مراتي وهي بترقص !
– تعرف ان ديه تاني رقصة لينا ؟ اول رقصة كانت يوم فرحنا و حضرتك زعلتني ساعتها و خليتني أعيط.
علق على كلامها بهمهمة :
– كنت غيران عليكي عشان اضطريت اخليكي ترقصي معايا على الاقل بدل ما ترقصي مع بابا ، كان نفسي أخبيكي عن الكل و استمتع بجمالك و فستانك الأبيض ليا لوحدي.
حركت رأسها بابتسامة يائسة :
– يعني مش هتبطل غيرتك ديه ابدا ؟ مش معقول تغير عليا من باباك يعني.
ضحك ادم عليها :
– إعتبري ده تمن حبي ليكي و بهدلتي من اول ما عرفتك انتي حبيبتي ليا انا و بس مستعد اعمي عيون الناس عشان اشوفك لوحدي و اكسر ايد كل واحد تتمدلك و ادمر كل انسان بيفكر فيكي زي مانا بفكر انا حبيبك و ملكك و انتي ….
قاطعته بنبرة خافتة جذابة :
– و أنا حبيبتك و ملكك. 
إنحنى عليها يقبلها بعمق ثم إبتعد بعد ثوان و همس بأنفاس متسارعة :
– ملك مين ؟
أسندت جبينها على خاصته تتأمل عيناه بغرام لتقول في النهاية :
– أنا مــــــلـــــك لــلـــــقـــــاســـــي. 
_____________________
تمت بحمد لله.
اتمنى رحلتكم مع اسطنبول تعجبكم ❤

اترك رد