Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم زيزي محمد

في مساء اليوم التالي، دخلت شمس شقتها هي وأنس دون المرور على منال اولاً وذلك بسبب تأخير الوقت في عودتهم لإنهاء سليم بعض الأعمال الخاصة بالمحل الجديد بالأسكندرية، ركض أنس صوب غرفته بسعادة جعلت شمس تشعر براحة لاتخاذها أهم قرار بحياتها رغم أنه يعارض بعض الأفكار التي تملكت منها الفترة السابقة.
انتظرت صعود سليم خلفها وعلى وجهها ابتسامة خبيثة لما حيكت له من مفاجأة ستطيح بسعادته لاعتقاده بإنهاء تلك الفجوة بينهما.
ظهر أمامها وهو يدفع حقيبتها نحوها، فأمسكتها ودفعتها للخلف ووقفت حائلاً له، تمنع دخوله للشقة، فظهر الاستفهام على وجهه:
– في إيه يا شمس عايز ادخل!.
–  تدخل فين يا سليم!.
ردت ببرود استفزه لدرجة أنه أشار على الباب بضيق:
– ادخل شقتي يا ماما.
أشارت إليه في استنكار لحديثه:
– يا إيه..
جز فوق أسنانه بعنف مخرجًا حروف جملته بضيق:
– ادخل شقتي يا حبيبتي.
أشارت إليه كي يعيد تكرارها مجددًا، فامتثل 
لطلبها رغمًا عنه لشعوره بالإشمئزاز لفعل تلك الأمور التافهه من وجهة نظره:
– ادخل يا حبيبــتي.
مدت يدها تداعب ياقته بدلال اندهش له، قائلة برقة:
– روح قلبي يا سولي..انزل نام تحت بقا.
ردد خلفها في بلاهه:
– أنام فين؟!
– تحت في بيتكوا.
أجابت ببساطة تخفي خلفها ضحكة حاولت كتمها من رؤيتها لملامحه الصادمة منها.
– أنام تحت ليه وأسيب بيتي لمين؟!
– ينفع يا حبيبي واحنا مخطوبين تنام في نفس الشقة!.
 ولأول مرة ود أن تخرج كلمات نابية عقب حديثها ولكنه منع نفسه بصعوبة قائلاً:
– انتي صدقتي نفسك ولا ايه يا شمس.
– سليم.
ردت بصرامة أدهشته للغاية وكأنها والدته تذكره بوعد قطعه على نفسه، فتشبث بالباب بعدما حاولت إغلاقه:
– شمس احنا ممكن نمثل مخطوبين وانتي في اوضة وانا في اوضة…لكن انزل انام تحت لا مينفعش ومن رابع المستحيلات.
هزت كتفيها بدلال وهي ترفض رأيه تبرر وجهة نظرها بساذجة:
– لا ما انت مش مضمون الصراحة.
– نعم!.
قالها بصدمة، فأغلقت الباب أثناء غفلته وهتفت من خلفه:
– تصبح على خير يا حبيبي، وزي ما اتفقنا مش هتقول لحد خالص اننا نرجعنا لبعض.
قبض فوق الباب محاولاً دفعه وخاصةً أنه نسى مفاتيحه بالداخل معها..استمع لصوت إغلاقها الباب بالمفاتيح تعلن صراحةً عدم موافقتها لدخوله بعد قرارها الجديد.
ترك نفسه لفكرتها شاعرًا بالضيق وهو يتجه نحو شقة والدته، هابطًا بجذعه العلوى يجذب المفتاح من تحت السجادة الصغيرة الموضوعة أمام الباب، دخل الشقة في هدوء كي لا يثير جلبة توقظهم، فرأى والدته كانت تنهي من صلاتها وفور رؤيتها له، اندفعت تصيح بسعادة ترحب به بعد غياب طال لأيام لم تتعود أن يغيب عن مرمى بصرها كل تلك الفترة.
– نورت يا حبيبي رجعت امتى؟
رد بهدوء زائف لعلمه أنه سيقوم كالاحمق باختلاق كذبة نظرًا لقواعد زوجته المصون، بعدما قطع وعدًا على نفسه كي ينفذ جميع متطلباتها ويثبت مدى حبه الكامن بقلبه لها، فاضطر ليقول:
– رجعنا من شوية.
ركزت على حديثه بسعادة قائلة بنبرة غير مصدقة:
– شمس رجعت معاك، الحمد لله يا حبيبي الأمور اتحلت أخيرًا.
زم شفتيه وهو يجيب بضيق: 
– متحلتش اوي..المهم أنا عايز أنام، في اوضة فاضية انام فيها.
قبضت ما بين حاجبيها بعدم رضا لدلال شمس الزائد، وخاصةً حينما رأت لوعة ابنها وهو كضائع من دونها فأشارت نحو غرفة زيدان قائلة:
– ادخل اوضة زيدان تقريبا مش هيرجع النهاردة وأنا ليا كلام تاني مع شمس، وبكرة هوضب اوضتك.
تركها تفعل ما تحلو لها، فلم يهمه الأمر كثيرًا، متجاهلاً لهفتها البادية في نبرتها، وتحرك نحو الغرفة ينزوي بها رغم اعتراضه عليها.
ولكن من شدة تعبه اتجه فورًا صوب الفراش يرتمي بجسده عليه، رافضًا أن يعطي لنفسه فرصة للتفكير بمرهقته التي قررت أن تزيد من فترة بعدهما كي تعذبه، أغلق عيناه للنوم أخيرًا ففكرة العودة للمنزل وهي معه عظيمة وكأنه قطع نصف المباراة والباقي سيكون سهلاً وسيتغلبه حينما يرضخ لبعض متطلباتها البسيطة.
أما شمس فكانت تتراقص بسعادة في شقتها وهي تدور حول نفسها، تستقبل أيامها الجديدة المليئة بالروح التي طالما افتقدت لها مع سليم نظرًا لجموده الدائم معها، ستلاعبه كلاعب كان يتلقى الهزيمة دائمًا وبالنهاية استفاق مقررًا مرواغة خصمه بعدما علم بنقاط ضعفه محققًا اهدافه بسهولة ويسر كان يفتقد لها.
                                  ***
بعد مرور عدة ساعات…
فتح سليم عيناه فوجدها أمامه بهيئتها التي تخطف أنفاسه كمراهق وقع بصره على محبوبته، حتى أنه خيل له أنها خيال من شدة اشتياقه لها، فمد يده لها كي يتأكد من وجودها أمامه بالفعل وليس حلمًا جميلاً قرر أن يداهمه مستغلاً غيابها عنه، وحتى لو كان حلمًا سيرفض الاستيقاظ منه، توهم له أنها  تحركت بالفعل بجانبه ومدت رأسها نحوه تقبله بشغف داعب قلبه في جنون وخاصةً مع استمرار همساتها له بكلمة ثارت مشاعره بسببها..
– بحبك يا سولي، بحبك اوي.
لم يشعر بنفسه سوى وهو يردد نفس الكلمة لها، مستمتعًا بإحساس لن يتكرر أبدًا، وفي ظل خضم مشاعره أُغلقت الإضاءة البسيطة فجأة والتي كانت تسمح له برؤيتها الضعيفة والتي كان راضي عنها.
وانفلتت هي من قبضته حتى أنه شعر بأنه يمسك الهوا بين يديه، استغرق دقائق في استيعاب ما حدث له، حتى مد يده وأشعل الإضاءة بالغرفة يبحث عنها بلهفة وشوق، لم يجد سوا فشعر بالضيق من نفسه فبدا متوهمًا بسببها، ولكن لمسة شفتاها التي تركت أثارها على ثغره مازالت الخيط الضعيف الذي يكاد يقسم بسببه أنها كانت هنا تقبله.
نهض سريعًا وخرج من الغرفة متجهًا صوب شقته كي يتأكد من ظنونه..طرق الباب عدة مرات حتى فتحت شمس وآثار النوم تداعب جفونها قائلة:
– في إيه!.
اندفع بجسده نحوها يحتضنها قائلاً:
– لما أنا واحشك يا شمس ليه البُعد أصلاً.
ابعدته عنها بعدم فهم قائلة:
– في إيه يا سليم مالك.
شعر بالضجر منها ومن مرواغتها له فقال:
– مش انتي كنتي تحت من شوية وكنتي….
لم يستطع أن يكمل حديثه بسبب عبوس ملامحها وكأنها لا تفقه عما يتحدث عنه، فبتر باقي حديثه لشعوره بالإحراج منها، هل يخبرها بأن التوهم أصابه بسبب ما تفعله به؟!، فبالتأكيد كبريائه منعه من ذلك..وتركها وغادر الشقة ولم يتفوه بأي كلمة اخرى…
– سليم أنت كويس؟!
سألته بقلق، فرد بخفوت وهو يهبط الدرج بعصبية:
– زفت.
أغلقت باب الشقة وفور أن أحكمت إغلاقه حتى تراقصت بسعادة بعدما قررت أن تفعل شيء مجنون وتدخل شقة والديه بحذر تبحث عنه، كي تثير جنونه نحوها، حقًا لم تتخيل نفسها تفعل هذا الجنون البعيد كل البعد عن شخصيتها الهادئة،  ولكن جمود زوجها يستحق ذلك تمردت على خوفها، ودخلت الغرفة على أطراف أصابعها تستغل الإضاءة البسيطة وتقوم بإثارة مشاعره الجامدة حتى ينصهر الجبل الجليدي المحاوط لها، ولكنها شعرت بتماديه وخاصةً بعدما تأكدت من فرط إجهاده..فأغلقت الإضاءة من جانبها وانطلقت تختفي وسط الظلام تخرج من الباب ومنه إلى شقتها في سرعة عجيبة تملكت منها ودقات قلبها كانت تقرع كطبول الحرب بسبب مشاعرها المضطربة بين سعادة ممزوجة بالحب والخوف… شعور لذيذ جربته ولن تكرره بالتأكيد، اجهاد سليم لن يتكرر ثانية، في المرة السابقة ستقع فريسته ولن يحق لها الفرار.
                                   ***
في صباح اليوم التالي.
كانت شمس تجلس مع منال بالمطبخ وملامح منال كانت كفيلة بعدم رضائها لما تفعله بولدها…فبالرغم أن هناك فجوة بينهما بالنهاية هو ابنها، ولكنها سكتت على مضض وقررت ألا تتدخل مثلما طلب منها محمد من قبل، فهو كبير لدرجة أنه يستطع أن يتحكم بحياته بالطريقة التي يراها سليمة وتحديدًا أنه يسعى لعلاقة سوية من أجل طفلهما.
 غاب مع والده لساعة كاملة تحدثا بها بأمورًا عدة لم يتطرقا بها إلى موضوع انفصاله، وهذا ما أسعده كثيرًا منه معبرًا عن امتنانه بطريقة صامته تلقاها والده بصدر رحب، فهو الوحيد المتقبل سليم بكل عيوبه والتي لا يراها عيوب من الأساس، سيظل هو الأقرب والأوفى والأجدر لعائلته من خلفه، لم يمل من القاء كلماته من حين لآخر يخبر سليم بمدى فخره به، رغم أنه كان لا ينطقها قديمًا ولكن الآن ولده يستحقها وخاصةً بعد المجهود الذي بذله سليم معهم.
خرج سليم من غرفة والده متجهًا صوب المطبخ وهو يخبر والدته بضرورة ذهابها لوالده..فذهبت على الفور، مما جعل شمس تبتسم بخبث لعلمها ما سيحدث الآن على يده من محاولات للامساك بها، وبالفعل تقدم منها مختصرًا الخطوات بينهما محاولاً محاوطتها بأي شكل داخل حصنه المنيع.
– اوعى عيب تمسكني كده.
 هتفت بها برقة ودلال كاد أن يصيبه بجنون فحاول مجددًا محاوطتها لخصرها بتملك شعر بحاجته له:
– على فكرة عادي احضنك كده في الخطوبة.
فلتت منها ضحكة صغيرة وهي تطالعه بمكر:
– ده اللي هو ازاي يعني أنهي خطوبة دي وفي شرع مين!.
– شرع المتجوزين يا شمس.
رد ببساطة جعلتها تستفز منه:
– سليم متضايقينش احنا مخطوبين بجد مينفعش تحضني، فين الاشتياق اللي ما بينا.
– تحبي اوريكي الاشتياق من عرفي، ووقتها هزعلك مني.
زفرت بحنق منه وراحت تدب الارض بقدمها تطلب منه التمسك بقليل من التهذيب أمامها:
– عيب احنا مخطوبين مينفعش تكلمني بالاسلوب دا!.
 صاح سليم باعتراض قائلاً:
– أنا كلمة خطوبة دي بتعصبني.
-طب ابعد بجد علشان لو حد شافنا هيقولوا إيه.
حاولت دفعه عنها بقوة فتركها أخيرًا بعدم اكتراث  زائف:
– هيقولوا بتحاول تغري جوزها علشان يرجعها وهو رافض.
رفعت حاجبيها وهي تنظر له بصدمة قائلة باعتراض واضح:
– نعم!، هو مين ده اللي رافض.
– تفسري إيه قعدتي تحت معاهم يزن وزيدان النهاردة هيرجعوا ويفكروا كدا.
– أصلاً كلهم عارفين اننا مخطوبين!.
توسعت عيناه بذهول رافضًا فكرة أنها أخبرتهم بتلك اللعبة الساذجة بينهما، وخاصةً أن هيبته ستطيح أمامهم بأفعالهما المراهقة التي ستبدأ بها شمس.
– ازاي تقوليلهم سر ما بينا.
كانت جملته تحمل عتابًا لها وكأنه يلقي اللوم على صديقة طفولته، فردت بتعنت ترفض إلقاء اللوم عليها:
– لا بقا ما هما لازم يعرفوا، علشان نبرر سبب وجودك تحت.
– فركش، أنا مش عاجبني اللعبة دي، فكري في حاجة تانية.
انغمست عيناها في العناد وهي تطالعه، ترفض حديثه فزم شفتيه بضيق وهو يبحث عن فكرة ما ترضي مشاعرها الطفولية وتنهي تلك العقبة التي ارتسمت أمامه، فلأول مرة يشعر بغبائه أمامها بعدما لم يدرك سر نبرتها الغامضة وهي تخبره بعودتها له بكل بساطة هكذا.
وعندما لمحت منه تردده البادي عليه في اتمام شيئًا هي كانت تتوق له، راحت تتقدم منه، تتمسك بدلالها الذي يجعله مسلوب الإرادة معها يفعل ما يحلو لها:
– كده يا سولي تزهق من أول كام ساعة.
تذمر مقاطعًا لها وهو يصحح الكلمات لها:
– من أول يوم يا شمس..يوم جديد قررتي تبعدي عني فيه.
أغلقت عيناها باستمتاع لجمال حديثه البريء  والذي أحدث جلجلة بمشاعرها، فراحت تنصهر بين يديه كالحمقاء دون أن تعير الانتباه لمخططها الذي بدأ بالتصدع حينما اقترب منها سليم أكثر وبدأ بمداعبة وجنتيها بشفتيه بنعومة رفرفرت على اثرها فراشات قلبها بسعادة واستسلام لم تستفيق منه سوى على صوت يزن وهو يقترب من المطبخ فدفعت سليم بعيدًا عنها وراحت تنشغل بالاطباق، ظهرت ملامح الصدمة على وجهه منها حتى أنه استفاق على صوت يزن المشاكس لهما:
– اوباااا، ينفع اتنين مخطوبين يقفوا في المطبخ لوحدهم، لا لا لازم محرم معاكوا.
دخل وعلى وجهه ابتسامة عريضة اغتاظ سليم منها، وخاصةّ حينما قال له بهمس:
– تحب اغمض عيني واعمل نفسي مش شايف، أنا اخوك ستر وغطا عليك.
لم يتفوه سليم بكلمة أمام وقاحته المعهودة واكتفى فقط بإرسال نظرات الغضب لها، مردفًا في غيظ:
– حطيتني تحت ايده مش هخلص منه.
قالها وخرج من المطبخ وفور خورجه اندفعت شمس تشن هجومها على يزن:
– متطولش لسانك يا يزن…سليم ممكن يقتلنا ويخلص.
– ولا يقدر يعمل حاجة ده يخاف مني يابنتي.
ارتفع صوت سليم مناديًا إياه بعصبية جعلته ينتفض سريعًا:
– ايوا جاي اهو.
فضحكت شمس بعدما أدركت أن الغيرة اصابته بسبب وجودها مع يزن لوحدهما.
                                 ***
انتفضت فاطمة بسبب طرقات الباب المتتالية، فتحت الباب فورًا بقلق فرأت ليال تقف غاضبة تخرج الحروف النارية من جوفها الملتهب بسبب افعال سيف بها:
– اخوكي فين؟!
– نايم جوا هو عمل حاجة!.
سألتها فاطمة بقلق من هيئتها المريبة تلك، فازاحتها ليال عن طريقها وهي تتجه صوب غرفته بلا تفكير بلا انتظار:
– ده عمل حاجات وحاجات.
– ربنا يستر منك يا سيف، يكونش قالها مش هسيب اختي ولازم تقعد معانا…تؤ ما حقها بردو ترفض.
همست بها فاطمة بتفكير بعدما لم تستطع تفسير هيئتها تلك، فاستفاقت على اغلاق الباب بقوة خلفها واستمعت لصياحها الذي اخترق حاسة السمع لديها مما جعل تتسمر مكانها بصدمة من أخيها:
– أنا تعملي فرحي في الحارة.
بالداخل كانت ليال تتوهج ككورة نارية على وشك الانفجار من شدة الضغط عليها، غير مراعية هيئته النائمة حيث كان يتوسط فراشه وجسده العلوي عاري، بقي مصدومًا منها ومن دخولها المفاجيء فلم يجذب الغطاء عليه حتى صاحت بانفعال وهي تعطيه ظهرها قائلة بتوبيخ:
– البس تيشرتك بلاش قلة أدب.
– والله ما حد قليل الادب الا انتي.
قالها بانفعال وهو يرتدي سترته سريعًا، ثم تابع حديثه بغيظ:
– داخله عليا اوضتي وبتقولي قلة أدب.
التفتت له تقول بعصبية مفرطة:
– ما هو من عمايلك، أنا فرحي يتعمل في الحارة.
– وإيه يعني الفرح يكون وسط أهلنا وناسنا ده أنا جايبلك الليثي وبوسي.
رد بفظاظه جعلتها تندهش وهي تكرر خلفه باستنكار بات واضحًا على ملامحها:
– جايبلي إيه يا سيف!.
– الليثي وبوسي.
رد في بساطة جعلت الدماء تغلي بعروقها فاقتربت منه قائلة بتهديد:
– والله يا سيف لو ما رجعت عن اللي في دماغك، لاهرب منك وافضحك وقتها.
جذبها نحوه فاندفعت بجسدها تستند بركبتيها فوق الفراش تطالعه من قرب حيث كان يحاوط خصرها مردفًا:
– التهديد ده مش في محله وانتي بين ايديا دلوقتي.
حاولت دفعه قائلة بغيظ:
– ارجع عن اللي في دماغك أنا على جثتي فرحي يتعمل في الحارة فاهم ولا لا.
– تيجي ندخل في رهان ونشوف مين كلامه هيتنفذ.
كانت إجابته تحمل العناد، فباردت هي بالرفض لتوترها وهي تحت قبضته:
– الرهان حرام.
– سبحان الله على التقوى والايمان!.
رد ببرود، فشعرت بانتفاخ أوداجها بغيظ:
– أنت عايز تجلطني ده منظر واحد بيحبني.
جذبها نحوه أكثر قابضًا عليها بين ضلوع صدره فضربت أنفاسه بشرتها وجعلتها في حالة من الخدر:
– بعد الشر عليكي، لو عايزاني الغي كل حاجة براحتك، بس أنا كده هبقى  بكسر وصية أبويا.
همست بنبرة متقطعه من فرط ثوران مشاعرها في تلك اللحظة وهي بين يديه بهذا الوضع المهلك لقلبها الذي كان يضع حروفه الاولى في قاموس العشق والغرام.
– وصية أبوك انك تعمل فرحك في الحارة.
– اه عايزاني اكسرها يا لولو.
حركات رأسها برفض وهي تطالعه، متلاعبًا بمشاعرها كيفيما يشاء، كتم ابتسامته بصعوبة وقرر الابتعاد عنها:
– أنا هخرج قبل ما فاطمه تدخل.
تركها على الفراش تحلق وحدها في سماء الحب بعد أن كان ممسكًا بيدها، فهمست بنبرة تجاهد إخراجها طبيعية:
– هو ضحك عليا إزاي.
بينما بالداخل نادت فاطمة سيف قبل أنا يدخل للمرحاض تشير نحو سترته:
– سيف حبيبي اعدل التيشرت لابسه بالمشقلب.
نظر لنفسه غير مصدقًا حماقته وهو يخرج بسعادة لانتصاره عليها، مرتدي ثيابه بهذا الشكل المهين له.
                                   ***
مساءًا جلس سليم بالمحل الكبير بعد قضاءه معظم وقته بين محلاته يتابع الحسابات بعد غياب طال لأيام…شعر بالفخر لقواعده الصارمة بالعمل وعدم تهاون العاملين بنظامه فاستكملت محلاته في نجاحها دون خسارتها حتى في غيابه فاطمئن على مستقبل اخواته وولده الوحيد في ظل عدم وجوده بجانبهم.
 وقع بصره على دخول شمس للمحل بخطوات واثقة دون اذنه، تعجب بعض العمال لظهورها أمامهم بسبب قلة تواجدها من الأساس، وإن ظهرت تدخل في عجلة وهو يحاوط كتفيها متجهة صوب المكتب وكأنه حارس شخصي يحرس حضرتها من أي اغتيال.
– ايه اللي جابك هنا، وازاي تيجي لوحدك.
– عادي نزلت وركبت تاكسي وجيت.
جلست أمام مكتبه وعلى وجهها ابتسامة سعيدة:
– معجبنيش الفستان اللي أنت بعته علشان فرح سيف، فقولت انزل واختار معاك فستان تاني.
كاد أن ينفلت لجام لسانه ويمطرها بكلماته الغاضبه، هو لن يقبل أي تصرف طفولي خارج المنزل، راسمًا لها حدوده حتى لا تنفجر غيرته بوجهها مسببًا لها المشاكل.
– ومن امتى ذوقي وحش يا شمس؟!
أشارت على نفسها باستنكار قائلة:
– أنا قولت ذوقك وحش، أنا قولت معجبنيش بس وده وارد يحصل، فقولت ليه لأ يا شمس ما تنزلي وتروحي لسليم تخرجوا تنقوا واحد سوا، أهو أنا بشارك تفاصيل حياتي معاك.
هز رأسه بإيجاب مستنكر لحديثها وعلى وجهه ابتسامة ساخرة:
– بتشاركي لدرجة انك بتنزلي من غير أذني صح!.
– هو احنا مش مخطوبين….
اوقفها في الحديث قائلاً بتهديد ممزوج بالصرامة:
– يمين الله لو نطقتي الكلمة دي تاني، لابوظ اي اتفاق ما بينا، أنا خلقي ضيق مبيستحملش.
تجاهلت حديثه بعدما روادها فكرة تحمست لها فقالت:
– سليم إيه رأيك أنزل اشتغل معاك هنا، مفيش أي واحدة هنا كلكوا رجالة، انت محتاج وجه حسن، ومفيش حد زي ممكن يدير المحل ده.
– ده أنا هشوه الوجه الحسن ده علشان تفكري كده تاني.
رد في شراسة أخافتها وجعلتها تنكمش على نفسها:
– انت عنصري اوي على فكرة.
تخلى عن هدوئه في ظل استمرارها باستفزازه:
–  أنا عنصري وزفت والغي الفكرة دي خالص.
هتفت بضيق زائف تحذره من تماديه في عصبيته:
– أنت بقيت تتعصب اوي على فكرة، ودي مش فترة خطوبة حلوة.
نهض من مكانه متجهًا نحوه وهو يشير لها:
– أنا بقول كده بردوا احنا نتجوز على طول.
ظهرت ابتسامتها الصافية له فابتسم تلقائيًا لها، وغمزت له بطرف عينيها:
– فاكر اول مرة قولتلي بحبك كانت هنا، اقعد وقولها تاني.
دنى منها قائلاً بنبرة عبثية:
– عندي مكان خطير وهيعجبك اوي هقولهالك فيه…تيجي نروح.
نظرت له بشك، فبادر بالحديث وهو يثبت حسن نيته:
– هنجيب الفستان الاول ونروح مع بعض المكان ده نعيد أمجاد الخطوبة ايه رأيك.
نهضت بحماس رغم ان هناك شك بداخلها حول تلك النبرة العبثية الغامضة والتي لن تسفر إلا عن مُناوشات رومانسية لطيفة منه.
يتبع ……
لقراءة الفصل الخامس والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد