Uncategorized

رواية لمن القرار الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم سهام صادق

  رواية لمن القرار الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم سهام صادق

 رواية لمن القرار الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم سهام صادق

 رواية لمن القرار الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم سهام صادق

تلك النظرة وحدها هي ما كانت تحتل عينيها…. نظرة ظنت إنها لن تلقيها يومًا نحو أحبابها ولكن هل نظرة الخذلان ترحل عن أعيننا مهما كنا وتخطينا
أطرق الحاج عبدالحميد عينيه أرضًا بعدما صعدت أبنته السيارة ورحلت مع سليم النجار، ذلك الرجل الذي وعده بحياة افضل لأبنته.. حياة سترى فيها النعيم والدلال… حياة ستكون فيها هي السيدة… منذ سنوات أتم زواجها لأن الزواج ستر للفتاة رغم صغر سنها واليوم يُزوجها بعدما أغرته الحياة التي ستعيش فيها أبنته
سار بخطوات متثاقلة وأكتاف متدلية لأسفل… ونظرة الخيبة والخذلان التي شيعتها بهما أبنته لا تفارفه… وللمرة الثانية كان يختار هو القرار لها 
– أنت رايح فين يا حاج عبدالحميد
خرج صوت جنات بعدما أنتبهت على رحيله… ولكنها لم تحصل على إجابه منه.. فقد اكمل خطواته راحلًا 
………… 
بناية راقية وشقة كان العنوان واضح منذ ترجلها من السيارة.. تحركت بخطوات بطيئة تنظر حولها بعدما أضاء إنارة الشقة وأغلق باب الشقة خلفهما … أقترب منها بخطوات ثابتة والسعادة تحتل عينيه..
 أغمضت عينيها فما سيكون المنتظر من العروس إلا إن تُلبي رغبات زوجها… ضمها إليه يهمس جوار أذنها
– قدمتله عرض إيه خليته يا وافق! 
تجمدت عيناه كحال ملامحه.. فارخي ذراعيه عنها.. فنفضت جسدها عنه بقوة واهية 
– سليم بيه لازم يقدم عروض عشان ينول اللي عايزه… ولا أنت رأيك إيه يا باشا
– فتون أنتي بتقولي إيه؟ 
خرج صوته بعدما رأي نظراتها نحوه وعاد يقترب منها يُلقي عليها سحره الذي جعلها ذات يوم لا ترى أمام عينيها إلا هو
– طبعا لازم تظهر الفارس المغوار… وراجل بسيط زي أبويا قدرت تلعب عليه… هعيشها أحلى عيشه… هساعد أخوها الصغير إنه يوصل لحلمه وينضم لنادي الناشئين اللي عمره للأسف ماهيقدر يوصله… هساعد باقي أخواتها في تعليمهم. 
ألجم حديثها لسانه فتراجع للخلف وعيناه مازالت عالقه بها … هو يريد لها حياة كريمة ولأهلها ولكنه لا يريد مقابل لشئ… لقد خانه القرار للمرة الثانية وها هو يُخطئ.. أفكاره تجعله يسقط في حفرة يحفرها هو بيديه
التمعت عينيها بالحقد تنظر إليه بنظرة شاملة ماقتة
– عرضت عليه يمسك المزرعه بتاعتك… لعبت معاه في أكتر حلم نفسه يحققه… الفلاح البسيط عايز إيه غير كده
إندفع صوبها يقبض فوق كتفيها فتلاقت عيناهم فهتف بعدما إستعاد ثباته قليلًا
– فتون والدك كان هياخدك من هنا… كنتي هتبعدي عن أحلامك…
إسترد أنفاسه المهدورة وأطرق عينيه يُتابع حديثه لعلها تفهمه 
– مقبلش عرضي للجواز في الأول خاف لتكوني نزوة في حياتي… مكنش قدامي حل غير كده… كان لازم أستخدم الطريقه ديه لأنها الطريقة الوحيدة اللي هتقنع ابوكي يا فتون
هتف عبارته الأخيرة وكأنه يقصدها… إنحدرت دمعة على كلا خديها سرعان ما ازالتهما
– وأنت عرفت تلعبها معاه صح… سليم بيه المحامي بيعرف كويس إزاي ياخد اللي عايزة بكل الطرق الممكنه
قطب ما بين حاجبيه يستمع لحديثها لا يُصدق أن التي تقف أمامها الأن هي فتون الصغيرة
– أنتي اتغيرتي أوي يا فتون
– الزمن بيغير يا باشا
هتفت بها وتقدمت للأمام بخطوات ثابته تبحث عن غرفة تستشعر فيها راحتها… وقد وجدت أخيراً الغرفة التي راقتها . وقف مكانه مصدومًا لا يستوعب ما حدث.. وبعدما كان يشعر بالزهو لنيله ما أراد إختفي زهوه وسعادته
تهاوي بجسده على أقرب مقعد يدفن رأسه بين كفيه
– كنت فاكرها هتجري تترمي في حضنك… للمرة التانية بتخسر يا سليم
………….
يخطف تلك النظرات خلسة ك اللص يُطالعها وهي تبتسم لصغيريه بعدما غفوا… يستمع لصوتها ووصاياها لمربيتهم  بأن تعتني بهم جيداً حتى تأتي إليهم صباحا ولكنها ستتأخر عن موعد مجيئها. 
غادرت الشقه فسمح لأنفاسه بأن تعود لطبيعتها… فقد عادت الحبيبه لعالمه… عادت لتسرق فؤاده وأنفاسه ثانية… عادت لتؤكد له أنه لم يكرهها يومًا… وفي حضرتها يكون رجل ضعيف
أسرع نحو شرفة غرفته يصوب عيناه نحو سائقه وهو يفتح لها باب السيارة وينتظر دلوفها… للحظات ترددت ولكن في النهاية أتأخذت مكانها فالطريق للحارة طويل
اغمضت عينيها واتكأت للخلف تسترخي قليلًا بعد يوم مرهق ولكنه كان لذيذ مع الصغار… الصغار الذين هم من دماءها.. صغار شقيقتها التي حاربتها يومًا لتنال الرجل الذي أحبته.. وهي تركت لهم الساحة وانتصروا في النهاية وضاع الحب كما يضيع دومًا في المعارك الصعبة. 
وقفت السيارة أخيرًا أمام البناية وقبل أن تنتبه على وقوفها وتترجل منها كان السائق يفتح لها الباب… طالع المشهد الكثير من الأعين المتربصة..شكرت السائق بخفوت وأسرعت في دلوف البناية تتجنب تحديق الناس بها وخاصة الرجال… ندمت على سوء أخذها إعتبار إنها لم تعد تعيش في تلك المناطق التي لا يهتم فيها الناس ببعضهم. 
– الأكل يا فتحي
التف فتحي نحو بسمة التي وضعت له صنية الطعام حانقة من تسخينها له للمرة العاشرة… طالعها فتحي متهكمًا بعدما القى بنظرة أخيرة نحو السيارة الفاخمة وهي تغادر حارتهم للتو وقد ترجلت منها تلك الجارة الدخيلة على حارتهم 
– حتت عربية… أما إيه بصحيح.. الواحد إمتى يطلع على وش الدنيا ويتنغنغ 
وابتلع لقمته والأحلام تراود مخيلته الطامعة… قطبت بسمة جبينها متسائلة بعدما غمست لقمتها في الطبق
– عربية إيه اللي كانت في حارتنا يا فتحي 
تأوهت بخفوت بعدما لطمها فتحي على يدها الممدودة نحو طبق الطعام 
– إيه مش فالحه غير ليل نهار تاكلي… مش بتشبعي 
ابتلعت غصتها مع تلك اللقمة التي استقرت في جوفها بمرارة.. نهضت من أمامه.. فرمقها غير عابئ بها 
– اعمليلي كوباية شاي…بدل ما انتي واقفه بصالي في اللقمة كدة 
طالعته بمقت ولكن تلك النظرة التي طالما أرعبتها جعلتها تتراجع… فجسدها لم يعد يتحمل ضرباته… اتجهت نحو المطبخ تصنع له كوب الشاي تتمنى داخلها أن يكون أخر كوب يرتشفه من الدنيا ثم رفعت يديها داعية الله أن يخلصها 
– يارب يجيلي ابن الحلال اللي يخلصني منك يا فتحي
– بسمة.. بسمة 
انبسطت ملامح بسمة واتجهت بعينيها نحو شباك المطبخ
– أنتي رجعتي امتى يا ملك 
وسرعان ما تذكرت حديث فتحي عن تلك السيارة الفارهة.. فتلاعبت بحاجبيها 
– هي العربية الفاخمة اللي كانت في حارتنا كنتي انتي اللي فيها 
لصقت ملك جسدها بجدار الشرفة المطله على مطبخ بسمة مازحة
– هو أنتوا الخبر بينتشر عندكم بالسرعة ديه 
التوت شفتي بسمة إستنكارًا تستند بذراعيها على النافذة الضيقة 
– ما أنتي سايبه العز وجاية تعيشي هنا…ده الواحده مننا حلم حياتها تمشي من الحارة الفقر ديه 
وأردفت بمقت من تأخر ابن الحلال الذي تنتظره منذ أن كانت في سن الخامسة عشر 
– أمتي يجي ابن الحلال ويخلصني من الحارة ديه 
لم تتحمل ملك سماع المزيد فانفجرت ضاحكة وقد صدحت ضحكتها بالارجاء ولكن سرعان ما تجمدت ملامحها بعدما استمعت لصوت فتحي 
– هروح اعمل الشاي لفتحي بدل ما يجي ويعلقني
ونظرت خلفها خشية من قدومه 
– هحاول اتسحب واجيلك… اعمليلي من العصير الحلو اللي بتعملي 
والقت عليها قبلة في الهواء قبل أن تغلق الشباك وتهرول في صنع كوب الشاي. 
اتسعت ابتسامة ملك.. ثم عادت تضحك دون توقف وهيئة بسمة المذعورة لا تترك مخيلتها 
التقطت هاتفها دون أن تنظر نحو رقم المتصل بعدما شرع في الرنين.
رفرف قلبه وهو يستمع لنبرة صوتها السعيدة… وبصعوبة هتف بعدما علم إنها أنتبهت أنه من يهاتفها 
– وصلتي 
أطلقت تنهيدة قوية ووضعت بيدها فوق دقات قلبها المتسارعه
–  بكرة هجيلهم وهفضل اجيلهم لحد ما تقتنع وتعرف إنهم محتاجني عشان أربيهم وأرعاهم 
– تصبحي على خير يا ملك 
أنهى المكالمة بعدما أدرك أن الحديث سيأخدهم لمنعطف مسدود… نظرت نحو هاتفها بعدما أغلق الخط بوجهها فاسرعت في دق رقمه 
– أنت ازاي تقفل المكالمه في وشي 
– اتنفسي براحه يا ملك
و رسلان أصبح يعرف معنى المراوغة بجدارة…التقطت أنفاسها بصعوبة وأخذت تهدأ رويدًا رويدًا 
– انا عايزة ولاد اختي يا رسلان… أنت شايف اتعلقوا بيا ازاي في أيام قليلة 
انتظرت جوابة الذي طال ولولا صوت أنفاسه لكانت ظنت إنه أغلق المكالمة للمرة الثانية… أبعدت الهاتف عن أذنها فقد مرت دقيقة وهي تنتظر سماع جوابه وقبل ان تهتف باسمه كان يعطيها الاجابه 
– و أنا مش هضيع ولادي يا ملك  ولا هضيعك انتي كمان… الصبر واتعلمته كويس و رسلان القديم خلاص إنتهى .. رسلان الجديد  مبقاش يعرف يعني إيه تضحية عشان يراضي اللي حواليه 
وها هي المكالمة يغلقها دون أن ينتظر سماعها… تجمدت عينيها نحو الهاتف… وعباراته تتردد في أذنيها
ثواني وكان الهاتف يُعلن عن وصول رساله… وتلك الرساله كانت مجموعة من الصور تجمعهما… وصورة وراء صورة كانت تُذكرها بالذكريات القديمة.. ودون شعور منها كانت تُقرب وجهه إليها تتأمل ملامحه وقلبها يعود ليخفق… يخفق بجنون.. يُذكرها أن هذا الرجل هو حبها القديم… هو حلمها الذي سُرق منها… سرقته ناهد  لتجعله زوج لأبنتها… رسمت لشقيقتها الخطة ببراعة وشقيقتها سارت عليها…تعمقت في النظر إليه وحديث ناهد الأخير عاد يخترق أذنيها 
” رسلان حافظ على سر مها… رسلان لم يترك صغيريه إلا لأنه كان مجروح كما جرحت هي فتركت لهم عالمهم ووافقت على عرض السيدة فاطمة وتزوجت من جسار” 
انتبهت على تلك الطرقات الخافته ولم تكن إلا بسمة.. أسرعت بسمة في الدلوف بعدما فتحت لها الباب 
– كنت هتقفش يا ملك… ده انا ما صدقت فتحي اتكيف ومبقاش حاسس بحاجة.. ملك مالك واقفه كده ليه 
اردفت بسمة متسائلة بعدما أدركت أن ملك لم تكن معها… اقتربت منها تنظر نحو الهاتف فوقعت عينيها على صورة ذلك الوسيم الذي تعرفه 
– دكتور رسلان… توم كروز في شبابه 
بهيام كانت بسمة تُطالع الصورة وتقلب شفتيها مقتًا
– ده لو البنات في المصنع معايا شافوا هيضربه عبده المقشف بالجذمة القديمة… 
واستطردت متسائلة 
– ملك انتي سمعاني
انتبهت ملك اخيرًا وقد نالت الذكريات منها وأخذتها لأيام ظنت إنها أنساها لها الزمن
– على فكرة الراجل ده بيحبك اوي يا ملك
تعلقت عينين ملك بها… فسارت بسمة نحو الأريكة تجلس عليها وتستطرد بحديثها
– لما عمي عبدالله جيه يعيش هنا وسطنا كان بيزوره يوميًا… سمعتهم مره كانوا بيتكلموا عنك وعمي عبدالله كان بيترجاه ميسيبكيش ولا يتخلى عن مها
واردفت بمقت وغضب وهي تتذكر تلك السيدة التي كانت سبب في كل ما حدث وقد علمت عنها عندما التقطت أذنيها بعض من حديثهم الذي أصبحت تفهمه اليوم بعد مرور هذه السنوات 
– الست ديه هي السبب… لو مكانتش حربت حبكم و دورت على سعادة بنتها وبس لكنها ست أنانيه وبنتها كمان زيها … أنتي طيبه اوي يا ملك.. رغم كل اللي حصلك منهم رجعتي عشان ولادها تربيهم
– مها مكنتش وحشه يا بسمة… ناهد على السبب
هتفت بها ملك واسبلت اهدابها تخفي دموعها
– عارفه يا ملك لو كنتي بتحبي جسار كان جوازكم تم… مافيش ست وراجل بيكون بينهم مشاعر ويقدروا يقاوموا غريزتهم
علقت عينين ملك بها.. ف الحديث لا يخرج إلا من إمرأة ناضجة ذات تجربة وليست فتاة في العشرين من عمرها… هي التي أتمت الثامنة والعشرين لا تعرف تلك المشاعر التي تقود نحو الرغبة
– لا اوعي تفهميني غلط
لفظت بسمة عبارتها وقد توردت وجنتيها خجلًا من نظرات ملك الفاحصة
– يقطعهم البنات معايا في المصنع مش وراهم حكاوي غير كده.. بقى عندي خبرة اد كده
ومدَّت يديها حتى تصف لها مقدار خبرتها.. وكالعادة عندما تشعر بالحنق من أمر ما تقلب شفتيها لاسفل 
–  وابن الحلال مش راضي يجي وسايب فتحي يبيع ويشتري فيا… بس هو اللي خسران 
والحديث مع بسمه كان يأخد منعطف أخر… منعطف يتقافز معه القلب من شدة الضحكات. 
…………..
فتحت عينيها بعدما شعرت بشئ غريب يسير فوق وجنتها… ابتسم وهو يراها كيف تحدق به وكأنها لا تستوعب الأمر… ردة فعلها كان يتوقعها مما جعله يتقبلها بصدر رحب فالطريق مازال طويلا بينهم
– أنت بتعمل إيه هنا؟ 
وبهدوء كان يسحب حاله من فوق فراشها يضبط من وضع ساعته
– عندك محاضرة بعد ساعة ونص … واظن مافيش وقت قدامك
التقطت هاتفها تُطالع الوقت… فانتفضت من فوق الفراش وانتصبت على قدميها تنظر نحوه بغضب
– عدي من الساعة عشر دقايق واخرتيني على إجتماعي
طالعته بذهول فمن هذا الرجل الذي أمامها اليوم
– عدي خمس دقايق
تركته مندفعة نحو المرحاض تطالع هيئتها في المرآة تلتقط أنفاسها… غادرت الغرفة بعد نصف ساعة ولم يعد أمامها أي وقت إضافي حتى تتدلل في خطواتها… ركضت نحو باب الشقة دون أن تهتم بشئ أخر فعقلها هذه اللحظة مع تلك المحاضرة وذلك المحاضر الذي لا يستطيع أحد الدلوف بعده 
– رايحه فين قبل ما تفطري
توقفت في مكانها واستدارت نحوه
– رايحه الجامعه ومتأخرة يا سليم باشا ومش عايزة افطر 
حاول تجاوز نبرتها المتهكمه واندفع صوبها…التفت تكمل سيرها ولكنه كان أسرع منها فالتقط ذراعها…
 ظنته سيمارس عليها سطوته كما كان يفعل بها حسن قديما وكما فعل هو تلك الليله وكما فعل الكثير منهم 
– مش هتمشي غير لما تفطري وبعدين انا هوصلك يا فتون
نفضت ذراعها عنه ترمقه بنظرة خاليه من أي شئ
– شكرا.. وفر حنانك لحد تاني مش الخدامين ولاد الفلاحين 
تجمدت عينيه ولكن سرعان ما استرخت ملامحه مجددًا
– قولت هتفطري يعني هتفطري… مش معقول اكون محضرلك الفطار بنفسي وترفضي ده… وبما اني راجل مش معطاء ومستغل فاعرفي الفرصة مش هتكرر تاني 
وكأنه فتح لها الطريق حتى تجد ما تصنعه في خيالها فتثبت لقلبها كم هو رجل مخادع وإذا ارتجف ودق في وجوده سيكون خائن ضعيف 
– عارفه دوري بعد كده مع سليم بيه النجار… هكون خدامه 
اجلسها عنوة فوق المقعد فطالعت الطاولة المعدة وكأن أحدهم أعدها وليس سليم النجار الذي إعتاد أن يخدمه الجميع 
– دورك إنك مراتي وملكة في بيتك يا فتون 
نفضت يده الممدودة إليها فسقطت الشوكة من يده 
– قولت مش عايزة منك حاجة…مش عايزة حاجة منك أنت بالذات 
وبسلاسة كان يُجيبها 
– فاضل على المحاضرة نص ساعة يا فتون 
تجمدت عينيها نحوه الطبق واسرعت في النهوض 
– لو مستنتيش عشان اوصلك مش هتوصلي في الميعاد خالص… غير دكتور تامر هيطردك 
فتحت باب الشقة دون أن تعبأ بهتافه… وكم كان حانقا من تصرفها…عقله يهتف به بأن لا يتهاون ولكن قلبه يطالبه بالصبر فهو من جعلها كارهة له.. فهو من إستغل والدها هو من وضع قانون صك ملكيته وهو من أرادها. 
من حسن حظه لم تجد سيارة أجرة ومن سوء حظها ندمت لرفضها عرضه … رأته وهو يصعد سيارته فاشاحت عينيها عنه 
فوقف بسيارته أمامها 
– فتون اركبي وبطلي عند… مصلحتك دلوقتي تروحي محاضرتك بدل ما انتي مضيعه اغلب المحاضرات وديما مطرودة منها 
صعدت حانقة فابتسم ولكن سرعان ما اخفاها حتى لا يزداد حنقها
– هتعملي إيه بعد الكلية 
لم تجيب عليه فعاد يكرر سؤاله ولكنها ظلت صامتة… تخبر حالها لا بد أن تُحارب ذلك الرجل وتثأر لحالها… 
دلفت المحاضرة متأخرة كالمعتاد ولكن تلك المرة لم تطرد منها..فالدكتور تامر أخبرهم اليوم أن لا أحد سيطرد من تلك المحاضرة لأهميتها ولكن بعد إنتهاء المحاضرة وإستدعاء دكتور تامر لها.. جعلها تعلم أن عدم طردها اليوم كان وراءه سليم النجار… فدكتور تامر صديق للعائله والكثير من الشكر والمدح في عائلة النجار وخاصة سليم وكم يعتبره اخ صغير له 
غادرت مكتب الدكتور تامر وسارت دون هدف … فانتبهت على صوت أحمس ثم اقترب منها يسألها بلهفة وقلق 
– انتي كويسه يا فتون… حقيقي من امبارح قلقان عليكي من ساعة اللي حصل وأنا مصدوم… مش ده نفس الراجل اللي شوفته في المطعم 
واستطرد في حديثه وهو يسير جوارها 
– أنتي كنتي تعرفيه مش كده يا فتون 
لفظت أنفاسها ووقفت قبالتها تطالعه 
– أحمس ديه حكاية طويله ومش حابه اتكلم فيها ممكن  
احترم رغبتها واطرق عينيه خجلًا من فضوله وثرثرته 
– هنفتح المطعم ولا خلاص كده 
والإجابة كان يحصل عليها أحمس وهم يمارسون مهمتهم في إعداد الطعام وترتيب المطعم 
…………. 
نظر نحو سائقه الذي دلف للتو وأطرق رأسه يخبره عن عدم قبولها بأن يصطحبها لوجهتها 
– رفضت يا بيه… ومشيت مع الواد إياه اللي شغال معاها في المطعم 
إنصرف السائق بعدما أشار إليه سليم بالمغادرة.. قبض فوق القلم حانقا..وشعور الغيرة يتغلغل داخله 
نهض عن مقعده وقد اتخذ قراره أن يذهب إليها ويرى بعينيه ماذا تفعل 
دلفت مديرة مكتبه تخبره عن وجود جنات ورغبتها في رؤيته..
وقفت جنات قبالته وهو كان خير من يعلم ماذا تُريد منه 
– ساعدتك إنك تتجوز فتون… وجيه دورك إنك تنفذ وعدك وتساعدني اخد ارض أبويا الله يرحمه من ابن عمه 
…………. 
تجمدت عينين جيهان نحو النادل الذي وقف يقدم لهم الطعام في ذلك المطعم الذي اختاره جسار لتناول غدائهم… إرتجف جسدها تنظر نحو يديها تفركهما في توتر 
– حببتي الاكل هنا هيعجبك حقيقي يجنن 
ابتسمت جيهان  حتى لا تشعره بشئ ورفعت عينيها نحو النادل الذي وقف يرمقها ساخرًا 
لم تمس من طبقها إلا القليل فعينيها كانت مع الواقف في أحد الأركان ينظر إليها بحقد وكأنه يخبرها إنه لن يتركها 
– مبتاكليش ليه يا حببتي
وضعت يدها فوق يده ورسمت فوق شفتيها إبتسامة هادئة خفت خلفها مشاعر خوفها 
– ماليش نفس… وعايزه امشي من هنا 
إبتسم وهو ينهض عن مقعده وقد مسح شفتيه بالمحرمة البيضاء 
– اوك يا حببتي هدخل الحمام وهرجع نحاسب ونمشي.. مع إن المكان هنا تحفه
إرتاحت قليلا ونهضت عن مقعدها حتى تغادر وتنتظره جوار السيارة… ولكن حركتها تجمدت وهي ترى ما تخشاه يتحقق جسار يقف يتحدث مع النادل وظهره إليها.. ابتلعت لعابها وهي تراه يلتف نحوها يرمقها بملامح جامدة 
تشبثت عيناها به تُحاول جاهدة أن تفسر ملامحه… لقد عاد إلى طاولتهم بعدما إستكمل خطواته نحو دورة المياة.. وبكلمات مقتضبة كانت تغادر خلفه المطعم تخشي ما هو قادم 
– هو أنت تعرف الويتر
وتوترت وهي تكمل باقية سؤالها
– أصل وقفته معاك كأنه يعرفك معرفة شخصية 
التفت نحوها فازدردت لعابها فعاد يركز بعينيه نحو الطريق
– معرفه قديمة.. أيام ما كنت بخدم في الشرطة
حدقت به جيهان طويلا تقلب رده المختصر في عقلها
– وأنت بتقدر تفتكر كل الناس اللي عرفتهم زمان
رمقها بنظرة خاطفة
– جيهان في إيه .. أنا شايف إن الموضوع ملهوش لازمه إنك تحققي في
جمدها جوابه فحاولت ضبط نفسها.. فما هذا الهراء الذي تفعله.. هو لم يقف معه إلا دقيقتين لا أكثر… صرخت داخلها لحالها حانقه من نفسها ترسم فوق شفتيها إبتسامة هادئة
– أسفه يا جسار أنا مش عارفه فيا إيه… إظاهر إن تأخيرها موترني شوية
واستطردت بحديثها حالمة تضع بيدها فوق بطنها
– لو كنت حامل يا جسار…
وقبل أن تردف بباقي عبارتها كان يعود بعينيه إليها
– اتمنى ده ميحصلش يا جيهان.. لاني مش عايز أطفال حاليا.. واظن إن إحنا إتفقنا على كدة
بهتت ملامحها فأكثر الأشياء التي أصبحت تعرفها عنه إنه لا يحب إجباره على شئ.. صحيح جسار حنون و رجل يعرف تماما كيف يجعل المرأة تشعر بكاملها إلا إنه ذو طباع سيئة.. ظنت إنها ستستطيع خداعه ولكن هيهات هو يعطيها ما يريد إعطاءه لها
زفرت أنفاسها تغمض عينيها وقد رفعت يدها عن بطنها.. فما الذي ستفعله عندما يدرك إنها خالفت إتفاقهم ولم تتناول تلك الحبوب
– أنتي قبلتي محمود قبل كده يا جيهان 
جف حلقها فابتلعت لعابها تنظر إليه تهتف بتعلثم 
– محمود مين؟ 
صوب عينيه نحوها للحظات وعاد يركز عيناه على الطريق يهتف ببطئ 
– محمود الجرسون 
– اعرفه منين يا جسار ومن أمتي أنا بعرف الناس ديه
تمتمت عبارتها بعصبية وسرعان ما أدركت فداحة فعلتها 
– مالك اتعصبتي كده ليه.. ده مجرد سؤال يا جيهان 
– بجد أنا اتخنقت يا جسار.. إحنا خرجنا نغير جو ولا خرجنا نتكلم عن الجرسون ووقفتك معاه 
هتفت عبارتها الأخيرة بتهكم.. فطالعها بعدما أوقف سيارته في جراح البناية التي يقطنون بها 
– أصله بيشبه عليكي.. 
تجمدت ملامحها ولكن سريعاً عادت لطبيعتها تشير نحو حالها 
– بيشبه عليا أنا.. لا أنا معرفش ناس بالأشكال ديه الصراحه 
وبدهاء إستطاعت إنهاء الحديث.. فانحنت قليلا تدلك جبهتها بتآوه 
– مش عارفه الصداع مش راضي يخف ليه… راسي هتنفجر 
زفر أنفاسه زفرات متتالية وترجل من سيارته نحوها .. ابتسمت وهي ترى يده الممدوة لها بعدما فك عنها حزام الأمان 
ضم خصرها إليه نحو المصعد إلى أن دلف بها الشقة… أعطاها مسكن وقد شعر بالضيق من حاله فكيف لسؤال هذا النادل الذي بالفعل  يعرفه قديما جعله يشك بزوجته 
” حاسس إن شوفت مرات حضرتك قبل كده فاعذرني من سؤالي ونظراتي عليها .. أصلها نسخه طبق الأصل من طلقيتي يا بيه” 
تمدد فوق الأريكة يطالع التلفاز بشرود وعقب سيجارته بين شفتيه… والعبارة الأخيرة تتردد 
” أصلها طبق الأصل من طليقتي” 
” أنا كنت متجوزه قبل كده يا جسار… أطلقت منه لأنه كان راجل وحش..ضيعني وحرمني من بنتي اللي معرفش عنها حاجة “
والعبارات تتدافق على عقله دون هوادة… تنهد بسأم ومسح فوق وجهه متمتما 
– أنت إيه اللي بتفكر فيه ده يا جسار… صحيح جيهان مش  نفس الصوره اللي كنت شايفها فيها بس هي بتحبك 
– جسار 
تعلقت عيناه بها بعدما هتفت اسمه وقد استيقظت للتو من غفوتها القصيرة
– بقيتي كويسه دلوقتي 
اقتربت منه بتمهل تتلاعب بحمالة ثوبها 
– يعني بقيت احسن يا حبيبي 
ومن نظرة عينيها إليه كان يعلم ما هو قادم… وإمرأة فاتنة تعرف كيف تصنع طرقها وتنفذ دورها.. اغوته بطريقتها.. ومع الوقت كان يستجيب لها ينهل منها كل ما تقدمه… وهي اكثر من سعيدة همست بأنفاس متقطعه 
– بحبك 
عاد ليغرق في لذته مبتسمًا وقد ضاعت كلمة حبها التي لا يراها في عينيها إلا إنها مجرد كلمة تنطقها وليس هو رجل أحمق أن لا يفسر الكلمة 
والحقيقه التي أصبح يدركها يوما بعد يوم… أن جيهان لا تحبه إنما حبها له حب مصطنع وإنها إمرأة ذو خبرة واسعة تعرف تماما إحتياج الرجال بل وبارعة بجدارة في الفراش بارعة لدرجة إنه أحيانا لا يصدق إنه يوما رأها أمرأة بريئة ظلمها أهلها في زيجتها في سن صغير وزوجها كان رجلا خسيس أذاقها المرار وما هي إلا ضحية 
غفت فوق صدره فاغمض عينيه وقد ضجر من تلك الأصوات التي تدور في عقله 
ازاحها برفق عنه ونهض.. فوقعت عيناه عليها في غفوتها 
– إيه اللي حصلك يا جسار مش ديه جيهان اللي كنت هتموت عليها 
والإجابة كانت مفقودة 
…………
حاولت النوم لمرات عديدة ولكن مهما حاولت فالنوم هذه الليلة بعيدًا عنها… التقطت هاتفها تفتح الرساله التي بعثها إليها بعدما حاول لمرات عديدة مهاتفتها 
” فتون مبترديش عليا ليه… فتون مضطر اسافر كام يوم هولندا.. في فلوس في درج المكتب عندك ولو عايزه تروحي تقعدي مع جنات معنديش مشكله والسواق هتلاقي مستنيكي تحت كل يوم.. اي حاجة محتاجاها كلميني وياريت لما اتصل تردي وبلاش جو الأطفال يا فتون… هتوحشيني ” 
كلمة وراء كلمة كانت تعيد قرائتها… ولكن عندما وقعت عيناها على اسم جنات إبتسمت في تهكم مرير فحتى جنات قد إستطاع شراء ولاءها له.. جنات التي كانت ضد سليم النجار أصبحت تخبرها إنه رجل رائع ومحب 
عادت بذاكرتها للساعات الماضية وقد استمعت لحديث جنات مع احمس في المطعم بعدما ظنت إنها ذهبت لجلب بعض الإحتياجات التي يحتاجها المطعم 
عادت لكي تأخد الورقة التي دونت فيها الأشياء حتى لا تنسى غرضً
” معقول يا جنات أنتي تعملي كده… أنتي مش عارفه فتون بتثق فيكي أد إيه…ده أنتي السبب الأساسي في خضوعها إنها توافق تتجوزه” 
” احمس الله يكرمك بلاش كلامك ده… متخلنيش اندم إني حكيتلك وطلبت مساعدتك…” 
تخشب جسدها وبصعوبة إستطاعت تحريك قدميها لتتوارى عن أعينهم..
 ابتعد احمس عن جنات يزفر أنفاسه بضيق 
” حرمتوها ليه  إن يكون ليها حق توافق أو ترفض… أنا مصدوم يا جنات “
صرخت به جنات حانقه 
” يييه أنت مالك مضايق كده ليه… لتكونش حبيتها يا احمس “
طالعها احمس بتوتر 
” انا برضوه كنت حاسه بنظرات إعجاب منك ليها… احمس أنا بعتبرك اخويا الصغير… فتون وسليم النجار حكاية طويلة وعجيبة وحكايتهم مهما طالت كانت هتتجوزه.. عارف ليه
وصمتت قليلا تلتقط أنفاسها بحزن عما فعلته ويؤنبها 
” لأن الناس اللي زي سليم النجار لما بتعوز حاجة بتاخدها… المطعم ده من أملاك سليم النجار… الجمعية اللي بتساعد فتون.. عمته هي أحد مؤسسينها يعني تمويل الجمعية من فلوس عيلة النجار.. حتى أهلها بتتكفل بيهم عمته… يعني حياة فتون كلها عيلة النجار متحكمة فيها… حتى خروجها من السجن لما اتلفقت ليها القضية سليم النجار هو اللي دفع الكفالة وخرجها زي الشعرة من العجين.. يعني عاجلا او آجلا.. فتون هتكون ليه… هو بيحبها وده اللي شوفته في عينه بس الله واعلم هيستمر الحب ده ولا هيكون مجرد نزوة ويكتشف بعد كده إنه اختار الزوجة الغلط اللي متنسيبش مكانته .. “
” حرام عليكي يا جنات… حرام عليكي.. إنتي عارفه فتون غلبانه وعلى نيتها وعمرها ما هتقدر تفهم الناس ديه… فتون طبعها طيب وغلبان… ده لولا وجودنا معاها مكنتش هتكون كده “
” احمس ارجوك كفايه.. ضميري بيعذبني ومش ناقصه كلام زيادة… لو سليم النجار اذاها هرجع اقفله من تاني وهكون جنات واحده تانيه معاها فلوس تقدر تقف في وش اي حد… أنت متعرفش ارض أبويا ديه تساوي اد إيه..”
هتفت عبارتها الأخيرة وقد استوحشت عيناها وهي تتذكر  تلك النظرة الساخطة التي رمقها بها ابن عم والدها عندما ذهبت إليه حينا إلتقت به في مقر عملها بشركة النجار.. وجعتها تلك النظرة المتكبرة ولو كانت نسيت قديما أمر الأرض التي ترك والدها حقه لله.. فهي لن تتركها .. فابن عم والدها رجل ثري بشدة ورغم ذلك ما زال رجل طامع جشع 
فاقت على صوت احمس 
” هتنقذيها بعد ما تضيع يا جنات” 
هتفت بشرود 
” هو بيحبها” 
” ديه إحتمالات” 
” اي شئ في الدنيا مبنى على الإحتمالات يا احمس.. هتقف جانبي ولا لاء يا احمس “
واردفت بتطلع نحو المستقبل 
” هساعدك تحقق حلمك وتفتح مكتب بعد ما تخلص جامعتك” 
عادت لواقعها تلتقط أنفاسها … الكل بحث عن مصلحته حتى جنات التي كانت قدوتها في يوما ما 
ضحكت ساخرة من نفسها فكل من إتأخذته قدوة كانت الأيام تثبت لها كم هي مغفلة 
نهضت من فوق فراشها الجديد في تلك الغرفة الفسيحة فلم يعد لديها مكان إلا هنا…هي وأهلها بالفعل تحت سيطرة سليم النجار
اتجهت نحو المرحاض تتوضئ وافترشت سجادة الصلاة تُسبح  إلى أن يحين موعد صلاة الفجر تدعو الله أن ينقذها من ذلك العالم المظلم الذي لم تعد تراه إلا غابة يُنهش فيها الضعفاء 
…………. 
تعلقت عينيها بعينين كاميليا وسرعان ما اشاحت عينيها عنها.. تجمدت عينين كاميليا للحظات ولكن عادت ملامحها تنبسط تهتف بتوتر 
– عامله إيه يا ملك 
و رد مقتضب كانت ملك تهتف به قبل أن تعود لدغدغت الصغار والضحك معهم… طالعتها كاميليا في صمت واتاخذت جانبا وقد وضعت لها الخادمة فنجان قهوتها بعد ترحيبها بها 
طال الوقت وكاميليا في نفس جلستها تطالع ملك مع الصغار وقد شعرت بتغير فيهما… الصغار يهتفون باصوات ليست مفهومه ولكن اخيرا أصبحوا كمن مثلهم سنًا
” ما.. ما” 
هتف الصغير عبدالله بتلك الكلمة التي إستطاعت تفسيرها كلا من كاميليا وملك التي سرعان ما اتسعت ابتسامتها وضمته إليها
– حبيب ماما 
وعندما وجد عزالدين الصغير أخيه بين احضانها القى عليها جسده الصغير يريد أن ينال أيضا هذا الدفئ 
التمعت عينين كاميليا بالدموع… هكذا تمنت لأحفادها أم وحياة طبيعية 
انصرفت كاميليا دون حديث… فهي تعلم تماما أن ملك لم تعود لحياتهم إلا من أجل الصغار 
وكما وعدت ابنها إنها لن تفتعل أي حديث يضايقها
صعدت سيارتها  واسترخت قليلا داخلها تطالع ما أمامها بشرود
سرعان ما تبدلت حالتها والتقطت هاتفها فقد حان الوقت لتنفيذ الخطه
” زي ما اتفقنا الأسبوع ده تنفذ اللي اتفقنا عليه.. مش عايزه تلاقي فرصة تقدر ترفض بيها”
والسمع والطاعه كان من الطرف الأخر الذي فور أن أغلق مكالمته وجد شقيقته تدلف الشقة فرمقها بمقت لعودتها مبكرا من عملها
– أنتي إيه اللي جابك دلوقتي
طالعت والدها الذي خرج من غرفته بتعب فاتجهت نحوه
– مالك يا بابا برضوه كليتك وجعاك… خلينا نشوف دكتور
– متقلقيش يا بنتي أنا كويس… أنتي إيه اللي رجعك من المصنع قبل ميعادك 
سلط فتحي عينيه نحوها ينتظر جوابها.. فزاغت بعينيها بينهما
– ياخوفي لتكوني عملتي مصيبة ما أنا عارفك
وكاد أن يقترب منها فاسرعت هاتفه
– روحونا من المصنع بدري… اصل صاحب المصنع ابنه خطوبته النهاردة
– عقبال فرحك يا بنتي
طالعها فتحي متهكما بنظرات فاحصة
– هو مين راضي بيها في الحارة…
– اختك مليون واحد يتمناها 
– ياريت واحد بس من المليون وأنا موافق اجوزهاله اه تغور من وشنا بدل ما جيبالنا الفقر 
التمعت عينيها بحقد تستمع لحديثه المتهكم الذي يطعن أنوثتها … ابتعدت عن والدها مقتربة منه بعدما رأت نظراته إليها… فابتلعت غصتها المريرة بعدما استحكمت حلقها
– أنت السبب محدش بيرضي يتقدملي عشان رد سجون ونصاب 
تجمدت عينين فتحي وسرعان ما كانت كفه فوق خدها
– بت عايزه تتربى صحيح
صرخت بقهر بعدما إجتذبها من حجابها يدفعها للأمام ثم للخلف
– محدش راضي بيكي بسبب شكلك العفش
ودفعها نحو غرفتها بقوة كادت تسقطها لمرات ووقف بها أمام المرآة المتهشمة
– ديه خلقة حد يبص عليها… خلقة تسد النفس
سقطت دموعها بقهر… فكل يوم تخبرها مرآتها إنها ليست جميله.. ليست كباقية فتيات الحارة لكنه هو السبب أيضا في رفض الخاطبين لها 
– ابعد ايدك عن اختك… يارب ترجع السجن تاني يا فتحي وتريحنا منك ومن شرك 
ارتطم جسدها بالأرض بعدما نفضها عن يده.. واتجه نحو والده يدفعه فوق كتفه 
– بتدعي عليا يا راجل يا عاجز أنت.. طب والله لاربيهالك 
اغمضت عينيها نحو ما هو قادم وصفعات فتحي تحط فوق جسدها… صرخت بألم بعدما دفعها بقدمه فوق بطنها ثم بصق عليها 
وكالعادة ينتهي الأمر بها هكذا.. ضمت جسدها بذراعيها بوهن وصوت والدها يعلو بالدعاء عليه مقتربًا منها يضمها نحوه اسفًا وقهرًا
– هسيبك لمين يا بنتي 
………….. 
– أنا مش عارفه مستحمله الذل ده ليه… بلغي عنه البوليس 
رفعت بسمه عينيها نحو ملك التي أخذت تضع الكمدات فوق كدماتها 
– فتحي شغال مخبر مع الحكومة يا ملك.. 
واردفت متآوه بوجع 
– وفي النهاية هكون أنا الخسرانه وهاخدلي علقة محترمة
تنهدت ملك بضيق وهي تطالع حالتها تلك 
– هبلغ عنه أنا 
– لا يا ملك اوعي… فتحي ده شراني ومؤذي هيأذيكي 
– ميقدرش… 
– اسمعي كلامي يا ملك.. لو حصلك أي مشكله عمر رسلان ما هيوافق تربى ولاده ولا هيجيبهم ليكي الحارة 
مسحت ملك فوق خدها بحزن على حالها 
– طيب قوليلي اعملك إيه… قلبي وجعني عليكي 
ضحكت بسمة ولكن سرعان ما صرخت متآوه 
– منك لله يا فتحي اشوف فيك ايام الأسبوع كلها 
دمعت عينين ملك من شدة الضحك 
– والله يا بسمه انتي ينطبق عليكي المثل اللي بيقول هم يبكي وهم يحزن 
– بقولك إية متعمليلي من العصير الحلو اللي بتعملي وتعالي فكري معايا في حل في المصيبة اللي عندي 
تأهبت كل حواس ملك إستعداداً لسماع تلك المصيبة.. فطالعتها بسمة مبتسمه
– لا متخافيش هي مش مصيبة أوي … أنا اتطردت بس من شغلي 
– يا شيخه حرام عليكي خضتيني 
هتفت بها ملك وابتعدت عنها حتى تصنع لها العصير الذي تحبه..
 اتبعتها بسمه تقص عليها ما حدث.. لوهلة ظنت ملك إنها تعيش في حكاية من حكايات المسلسلات التي تشاهدها مؤخرًا 
– بيتحرش بيكم وانتوا ساكتين 
أطرقت بسمة عينيها 
– اكل العيش يا ملك…
ورفعت عينيها نحوها بقوة
– بس أنا مسكتش فرجت عليه المصنع كله… وفي الاخر اتطردت بس اتطردت بشرفي 
واردفت بعدما رفعت يديها تدعي عليه 
– منه لله صبحي الكلب عامل زي الكلب السعران ما بيصدق يلاقي واحده ينهش فيها… هو أنا وحشه يا ملك 
طالعتها ملك بعدما لم تفهم سؤالها.. فاستطردت متنهده 
– لما صرخت وفضحته… قالي كويس إني بصتلك.. تعرفي يا ملك أنا نفسي حد يبصلي بصه حلوه… بصة الراجل للست أنتي فهماني 
…………….. 
في الصباح  وفي الموعد المحدد الذي اتفقوا عليه.. وقفت بسمه خلف إحدى السيارات تنتظر قدوم ملك..فلمحتها أتيه من بعيد فتنهدت براحة واعتدلت في وقفتها حتى تراها.. 
اقتربت منها ملك بعدما أزالت نظارتها عن عينيها ترمقها بنظرات فاحصة 
– لا مش معقول..أنتي كنتي مخبية الجمال ده كله فين يا بسمة 
هندمت بسمة ملابسها التي اعطتها لها  ليلة أمس تقلب شفتيها لاسفل بعبوس مصطنع 
– هو المثل بتاع لبس البوصة تبقى عروسة انطبق عليا ولا إية 
انفرجت شفتي ملك بضحكة صاخبة سرعان ما انتبهت لحالها فوضعت يدها على فمها 
– هموت من كتر ما بضحك ليل نهار منك 
واجتذبت ذراعها نحوها بعدما التفت بعينيها حولهما خشية 
– مش قصدي حاجة.. بس حقيقي أنتي جميلة أوي النهاردة… شوفتي كان مجرد إهتمام بالشكل بس
واردفت متسائله 
– فتحي شافك وأنتى خارجه 
لوت بسمة شفتيها إستنكارا 
– فتحي؟ ده بيصحي الضهر.. مش فالح غير إنه عامل فيها راجل عليا وليل نهار ضرب.. وهو قاعد في البيت وأنا أنزل اتبهدل عشان أجيب فلوس  
ودمعت عيناها رغما عنها وهي تتذكر صعوبة الإهانات التي كانت تتلقاها في المصنع من أجل لقمة العيش 
– وياريت عاجب 
ضمتها ملك نحوها تمسح عنها دموعها 
– محل العطور اللي هتشتغلي فيه محل راقي وفي مكان نضيف ومتقلقيش صاحبته معرفه قديمة وأنا موصياها عليكي 
ارتسمت ابتسامة واسعه فوق شفتي بسمة وسرعان ما كانت تعبر عن سعادتها باحتضانها بقوة دون إهتمام لتلك الأعين المتلصصه حولهم 
– أنا بحبك أوي يا ملك
……………
وكما اتفقت وحددت معه الوقت والمكان أتت.. وضعت فوق خصلاتها حجابً صغيراً… طالعت هيئتها في مرآة السيارة وزفرت أنفاسها بضيق 
– مش عارفه طلعتيلي منين يا محمود.. كنت فكراك مت وارتحت منك 
وتناولت تلك الحقيبة التي وضعت بها المال وترجلت من السيارة بعدما اغلقت إضاءتها 
التفتت حولها قلقً وقبل ان ترفع هاتفها تدق عليه كان صوته يأتيها من خلفها 
– جيبتي الفلوس 
رمقته بمقت وألقت نحوه الحقيبة 
– ياريت مشوفش وشك تاني 
صدحت ضحكته بقوة بعدما فتح الحقيبة 
– الفلوس اهي اخدتها..ياريت تبعد عن حياتي 
رفع عينيه عن المال محدقًا بها بحقد 
– بنتك ماتت… ماتت عشان مكنتش عارف اجيبلها الدوا 
قالها بغصة وبحرقة استوطنت قلبه منذ سنوات… خمس سنوات مروا ولم ينسى يومًا تلك المرارة 
القى المال عليها فتراجعت للخلف لا تستوعب فعلته 
– مال الدنيا عمره ما هيعوضني عن بنتي ولا مستقبلي اللي ضاع بسببك 
صمتت جيهان لثواني تنظر إليه وللمال 
– ومدام مش عايز فلوس جايبني ليه هنا 
– عشان أعرف حقيقتك يا هانم! 
التفت خلفها وقد ارتسمت الصدمة فوق ملامحها تنظر نحو الواقف على مقربة منهما 
– جسار! 
………….. 
دلفت الشقة بعد يوم طويل ومرهق..تجمدت في وقفتها وهي تستمع لذلك الضجيج القادم من المطبخ… سارت بخطوات بطيئة فبدء الأمر يتضح لها.. إنها أصوات ضحكات وهناك ضحكة طفولية تسمعها.. وقفت على أعتاب المطبخ فتعلقت عينيها بتلك الصغيرة التي تأكل طعامها بنهم وأمامها جهاز لوحي تشاهد عليه فيلمها المفضل من الرسوم المتحركة 
رفعت الصغيرة عينيها عندما شعرت بوجود شخص ما… رمقتها الصغيره في صمت
– خديجة مالك سكتي ليه يا حببتي… اجبلك العصير بتاعك 
التفت السيدة ألفت نحو الصغيره وقد فهمت سبب صمت الصغيرة 
– فتون 
بخفوت خرج صوت فتون وقد اقتربت منهما 
– مدام ألفت 
ابتسمت ألفت بسعادة وقد أدركت فداحة الخطأ الذي اقترفته للتو من نطقها لاسمها مجرد 
– أسفه ياهانم 
ولكن إقتراب فتون منها ثم إحتضانها لها.. جعلها لا تصدق فعلتها 
ضمتها السيدة ألفت بقوة وقد دمعت عيناها.. ابتعدت عنها فتون فمسحت السيدة ألفت دموعها تشير نحو الصغيرة التي أخذت تطالعهما بترقب 
– ديه خديجة بنت سليم بيه! 
يتبع..
لقراءة الفصل الثاني والثلاثون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً نوفيلا ورطة قلبي للكاتبة سارة فتحي

اترك رد

error: Content is protected !!