روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الحادي عشر 11 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الحادي عشر 11 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الحادي عشر

رواية امرأة العقاب الجزء الحادي عشر

رواية امرأة العقاب الحلقة الحادية عشر

تصلبت بأرضها بقوة وقالت في نظرات كلها حقد وعيظ :
_ عايزاك تطلقها !
عقد حاجبيه باستغراب من جملتها .. والتزم الصمت لثواني معدودة حتى أردف ببرود :
_ مش هينفع
فريدة بعصبية :
_ ومش هينفع ليه بقى
_ عشان بنتي
تلونت عيناها بلون الدماء الحمراء .. ليست غيرة ولكنها نقم وضغينة تحملها لجلنار ، وربما خوفًا من خسارتها لكل شيء سعت في بنائه .
هتفت في نظرة مشتعلة :
_ عشان بنتك .. ولا عشانها هي ياعدنان !
انتصب في وقفته ووضع قبضتيه في جيبي بنطاله هامسًا :
_ هتفرق معاكي في إيه
_نعم !!
كان ردًا عنيفًا منها تبعه رده الهادئة بشكل مثير للأعصاب :
_ يعني متحطيش نفسك في مقارنة يافريدة
القى بكلماته ثم عبر من جانبها وانصرف .. بقت هي بأرضها تعيد تكرار ما قاله في عقلها ، وتتساءل ماذا يقصد ! .. جملته مبهمة لكنها تحتمل شقين ! .
التقطت عيناها كأس الماء الموضوع فوق المنضدة .. فمدت يدها وجذبته ثم ألقته على الأرض بكل غل وهتفت بوعيد شيطاني :
_ لا يمكن اسمحلك إنتي وبنتك تسرقي مني كل اللي بنيته .. استحملت حجات كتير وأولهم عدنان رغم عدم حبي ليه بس عشان اوصل لهدفي ، وإنتي دلوقتي عايزة تاخدي كل حاجة على الجاهز .. نهايتك قربت يابنت الرازي .
                                      ***
تجلس على الأريكة المقابلة للتلفاز والذي يعرض أحد مسلسلاتها المفضلة ، وجهها تعتليه معالم الحزن والعجز وعيناها فقط ثابتة على الشاشة لكن عقلها يفكر في حادثة الصباح .
بقدر قوتها إلا أن الطعن في الشيء الوحيد الذي يتبقى للفتاة .. أوجعها بشدة ، لا تعرف متى وكيف ومن الذي تناقل هذه الشائعات والاتهامات البشعة بين أهل حارتها .. لكن لا يهمها أحد بقدر خوفها على جدتها إذا عرفت بما حدث أو وصلت لأذناها تلك الكلمات القبيحة عنها .
منذ الصباح وهي تجاهد في الظهور بصلابة وتشدد على محابس  دموعها .. لكن حتمًا ستصل للحظة فاصلة وستنفجر بها لتفرغ عن نفسها ثقلها المؤلم الذي يقتلها .
خرجت فوزية من غرفتها وبحثت في أرجاء المنزل عنها فسمعت صوت التلفاز .. تحركت بخطواتها البطيئة نحو الصالون ورأت حفيدتها تجلس تشاهد التلفاز بسكون مريب .. تأملتها بنظرها من بعيد للحظات ففهمت فورًا أن بها شيء ليس طبيعي ، منذ أن عادت من العمل صباحًا وهي بحالة غريبة ليست على عادتها المرحة والمشاكسة ، واقنعت نفسها بأنه ربما من ضغط العمل وإرهاقه .. لكن جلوسها بهذا الشكل أصبح غير مُطمئن مطلقًا ! .
اقتربت منها وجلست بجوارها على الأريكة ثم هتفت بنظرة دقيقة  :
_ مهرة !
انتبهت لصوت جدتها فاعتدلت في جلستها بسرعة ونظرت لها تبتسم بابتسامة باهتة :
_ إنتي لسا صاحية يازوزا !!
فوزية بنظرات مترقبة لردها :
_ كنت رايحة انام وقولت اشقر عليكي الأول في اوضتك ملقتكيش .. هو في حد مزعلك ولا إيه ؟!
مهرة بمرح مزيف حتى أنه لا يحمل طريقتها الكوميدية كالعادة :
_ فشر مين ده اللي يقدر يزعلني
فوزية بحدة :
_ مهرة .. أنا مش هبلة عشان معرفش إذا كان في حاجة مضيقاكي ولا لا ، قولي يلا !
التزمت الصمت لثلاث ثواني بالضبط ثم قالت بأسلوب ساخر لا يلائم الوضع أبدًا :
_ الصراحة في .. المحفظة بتاعتي اتسرقت ، كنت بطلع الفلوس عشان ادي السواق الأجرة وجه واحد ابن حرام نتشها مني وجري
رفعت فوزية حاجبها مستنكرة كذبتها السخيفة بينما الأخرى فكأنها وجدت الفرصة لتنفجر بالبكاء حيث انهمرت دموعها وهي تبكي بصوتها المرتفع .. فاردفت فوزية :
_ إيه العياط ده !! .. امال كان فيها ملايين !
ردت عليها من بين بكائها وهي تخرج منديل من جيبها :
_ لا كان فيها ملبساية كنت هموت عليها
صاحت فوزية بها بغيظ :
_ بـــس .. محفظتك موجودة جوا على التسريحة يامهرة
توقفت عن البكاء فورًا وأدركت مدى سذاجتها  ثم نظرت لجدتها ورمشت بعيناها عدة مرات بدهشة ، لتقول بسرعة محاولة تفادي كذبتها وهي تجفف دموعها بظهر كفها كالأطفال :
_احلفي !
لم تجد الرد من جدتها ، فقط طالعتها بنظرة مشتعلة بينما مهرة فسكتت للحظة وقالت وهي تهب واقفة بابتسامة تصنعتها بمهارة :
_ حيث كدا بقى اروح اشوف الملبساية بتاعتي .. لاحسن واكلة دماغي من الصبح
ثم هتفت وهي تتجه نحو الغرفة في أسلوب ساخر منها :
_ جيالك ياغالية
                                     ***
منكمشة في فراشها .. ترفع ساقيها إلى بطنها متطورة كالجنين في رحم أمه ، وتأن بصوت منخفض من الألم الذي ينهش معدتها وبيدها تضغط على بطنها في محاولة بائسة منها لتخفيف الألم .. باتت عيناها حمراء كالدم وشفتيها تورمت بشكل مثير للقلق ، أما جسدها فكل لحظة والأخرى تجتاحه هزة عنيفة تنفضها في فراشها نفض .
التزمت الصغيرة الفراش بجوار أمها وأخذت تملس على شعرها في خوف بريء ونظرات مضطربة ، لا تفهم مالذي يحدث لكن ما تراه أن أمها ليست بخير ، فهي ملتزمة الفراش منذ دقائق طويلة وهي تتلوى من الألم وأصبح وجهها اللطيف متورمًا بشكل مثير للرعب .
أدمعت عيني ” هنا ” بخوف عفوي على أمها وسرعان ما وثبت من الفراش وهرولت لتجلب هاتف والدتها ثم عادت به إليها وتمتمت في صوت مبحوح :
_ كلمي بابي ياماما
ردت عليها جلنار بصوت خافت ممسكة بيدها الصغيرة وتقربها من شفتيها تطبع عليها قبلة رقيقة :
_ أنا هبقى كويسة ياحبيبتي
لم تكمل كلماتها وإذا برنين الهاتف يرتفع بين يدي ” هنا ” فنظرت فورًا إلى شاشته وتمكنت من معرفة هوية المتصل إنه أبيها من خلال صورته التي علت شاشة الهاتف ، مرت بأصبعها الصغير على شاشة اللمس لتفتح الاتصال ووضعت الهاتف على أذنها تهتف :
_ بابي ماما تعبانة
كان عدنان يقود السيارة في طريقه إليهم بالفعل ، لكنه أراد أن يتصل أولًا ليسأل إن كانوا يحتاجون لشيء ، وبمجرد سماعه لجملة طفلته وصوتها المتلهف فضيق عيناه بتعجب وقد تحولت نبرته من الهدوء إلى القوة :
_ ماما مالها ياحبيبتي ؟
تململت جلنار في الفراش عندما اشتد ألم معدتها ودون أن تشعر خرجت منها آه متألمة وصلت لأذنيه من الهاتف فقال فورًا بقلق :
_ ادي التلفون لماما ياهنا
مدت هنا يدها بالهاتف لأمها وقالت بنظرات حزينة :
_ خدي ياماما
كانت توليها ظهرها فرفعت كفها في إشارة لعدم قدرتها ورغبتها بالحديث فعادت هنا بالهاتف على أذنها وقالت بتلقائية :
_ مش عايزة
عدنان بصوت غليظ :
_ طيب اقفلي يابابا .. وأنا جاي دلوقتي
انزلت هنا الهاتف من على أذنها ووضعته على المنضدة الصغيرة المجاورة للفراش وقالت محدثة أمها في بريق أمل واطمئنان انبعث من عيناها الجميلة :
_ بابي قالي جي .. أول ما يجي هيجيب الدكتور وهتبقى  كويسة ياماما
ابتسمت لها جلنار بنظرات دافئة وأشارت لها بسبابتها أن تنحنى عليها وبمجرد انحنائها اقتربت من وجنتها ولثمتها بعاطفة جيَّاشة متمتمة :
_ ربنا يخليكي لماما ياحياتها
بقت الصغيرة ملازمة أمها في الفراش حتى صك سمعها صوت فتح الباب فوثبت من مكانها وهرولت إلى الخارج لترى والدها .. وجدته دخل وأغلق الباب ثم اندفع إلى الداخل مسرعًا نحو غرفة أمها ، فلحقت به مجددًا إلى الداخل .
دخل والقى نظرة سريعة على جلنار المتكورة في فراشها وتوليه ظهرها ممسكة ببطنها وجسدها ينتفض ، تحرك نحوها وجلس بجوارها على الفراش هاتفًا في قلق ملحوظ في نبرة صوته :
_ جلنار إنتي كويسة ؟!
هزت رأسها بالإيجاب وهي تحاول جاهدة في إخفاء وجهها عنه حتى لا يرى تورم شفتيها واحمرار عينيها .. خشية من تعنيفه لها .. سيعرف فورًا سبب التعب إذا رأى وجهها ، ولن تسلم من توبيخه وسيغضب بشدة .
شعرت بكفه الذي رفعه وملس على شعرها ثم امتدت أنامله إلى خصلاتها المتمردة وأبعدها عن وجهها متمتمًا بصوت لين :
_ بصيلي ياجلنار وقوليلي إيه اللي تاعبك .. اتصل بالدكتور عشان يجي طيب
تنظر له !! ، تعترف أنها تخشى من غضبه هذه المرة ، إذا عرف أنها أكلت الموز وهي لديها حساسية مفرطة منه ويسبب لها أعراض قاسية كالتي تحدث لها الآن ، ستكون ردة فعله عنيفة .. فمن أهم القوانين التي تسير بالمنزل منذ زواجهم هو عدم دخول فاكهة الموز مطلقًا ، بعدما تناولت منه ذات مرة وأصابتها أعراض قد تكون أشد وأعنف من هذه وتتذكر حتى الآن كيف كان وجهها يعتليه الزعر الحقيقي لأول مرة ، وهو يراها أمامه لا تتمكن من التقاط أنفاسها حتى وجسدها يرتعش بعنف ووجهها كله تورم وتتألم من ألم معدتها ، منذ ذلك اليوم وهو منع دخوله إلى المنزل وكانت تحذيرياته صريحة وقاسية إذا حدث واخترقت تعليماته .
لا تنظر له ولا تجيب فقط تدفن وجهها في الوسادة وتفكر في حيلة حتى تتخلص بها من بطشه .. عاد يهتف ولكن هذه المرة بحيرة من تصرفاتها وقال وهو يبعد خصلاتها المحيطة بوجهها :
_ جلنار !!! .. تعبانة من إيه ردي عليا !
ثلاث ثواني بالضبط حتى وجدت نفسها تهتف بتلقائية لتتهرب منه وهي لا تزال دافنة وجهها بين ثنايا الوسادة :
_ظروف
استحوذ الصمت عليه للحظات قصيرة وهو يرفع حاجبه متعجبًا ردها المبهم في باديء الأمر .. لكن سرعان ما ارتحت عضلات وجهه وفهم كلمتها ، فاخفى ابتسامة كانت ستنطلق على شفتيه والتفت برأسه للخلف إلى ابنته التي تقف أمام الفراش وتتابع والديها بنظرات بريئة كلها اهتمام وخوف على أمها ، ارسل لها ابتسامة عذبة فبادلته هي إياها بعفوية .. ثم عاد برأسه مرة أخرى إليها وانحنى على أذنها يهمس بمكر متمالكًا ضحكته :
_ والكسوف ده إيه .. هرمونات الظروف !!
نكزته بمرفقها في غيظ وتمتمت :
_ بلاش وقاحة
لا تزال تخفي وجهها عنه لا تريده أن يراها مما جعله يدرك إن الأمر قد لا يكون كما قالت فقط ، انتصب في جلستها ثم نهض والتف حول الفراش من الجهة الأخرى وهتف بلهجة صارمة :
_ طيب ارفعي وشك اللي مخبياه ده .. خليني اشوف الظروف دي مالها !
اجتاحها ألم لا يحتمل مما جعلها تتأوه بصوت مرتفع من الوجع .. وفجأة شعرت بأن معدتها تنقلص وتنطوي ورغبت في التقيء فوثبت من الفراش واقفة وهرولت نحو الحمام فورًا ، اختفى لين ملامحه وظهر محله الزمجرة بعدما توقع سبب الآمها ، استقام واقفًا ولحق بها إلى الحمام سامعًا صوت تقيأها القاسي ، اقترب ووقف بجوارها ثم مد يده يرجع خصلات شعرها للخلف وقد اتضح تورم شفتيها واحمرار عيناها أمامه .
لحظات حتى توقفت عن التقيأ فأسندها واتجه بها نحو المرحاض ووقفا أمامه ثم فتح صنبور الماء وغسل لها وجهها وهي لا تقوى على فتح عيناها من التعب وترتعش بين يديه .
انحنى وحملها على ذراعيه وخرج بها إلى خارج الحمام فاسندت رأسها هي على صدره وقالت باستسلام وألم حقيقى بعدما كشف فعلتها :
_ اتصل بالدكتور ياعدنان
وصل بها إلى الفراش ووضعها عليه بحذر شديد ، ثم أخرج هاتفه من جيبه ورد عليها بصوت حاد ونظرة كلها سخط لا تبشر بالخير :
_ هتصل بيه وليكي حساب معايا بعدين
خرج إلى شرفة الغرفة وأجرى اتصال بالطبيب وطلب منه حضوره في اسرع وقت ، ثم دخل مجددًا لهم واقترب من ابنته لينحنى إلى مستواها ويقول بهمس لم يصل إلى أذن جلنار  رغم محاولتها في سماع ما يقوله لها :
_ مين اللي جاب الموز ياهنايا ؟
ردت الصغيرة على أبيها ببراءة :
_ عمو حامد
كان وجهه متشنجًا بشكل مخيف من فرط سخطه ، انتصب في وقفته والقى نظرة ثاقبة على جلنار قبل أن يندفع لخارج الغرفة والمنزل بأكمله .
وقف على عتبة المنزل الداخلية وصاح بصوت جهوري :
_ حــــامــد !
وصلت صيحته إلى ” حامد ” حارس البوابة الرئيسية للمنزل ، فهب واقفًا من مقعده وهرول راكضًا إليه حتى وقف بمقابلته وقال :
_ نعم يا عدنان بيه
عدنان بعصبية وصوت مخيف :
_ أنا مش منبه عليك إن ممنوع الموز يدخل البيت ، ضمن أي طلبات تجيبها للمدام .
اجفل الآخر نظره أرضًا بأسف وقال باعتذار :
_ أنا آسف يابيه .. بس المدام هي اللي طلبت والله عشان بنت حضرتك ، وأنا موافقتش في البداية عشان وضع الهانم وتعليمات سياتك .. وقالتلي إنها مش هتاكل منه وأنا مقدرتش ارفض طلبها الصراحة
عدنان بصيحة رجولية عنيفة :
_ انا ميخصنيش كل الزفت ده .. كلامي كان واضح لما نبهت وقولت ممنوع يدخل البيت ، واللي حصل منك ده تجاهل لتعليماتي ، أنا سايبك هنا وسايب مراتي وبنتي أمانة معاك في غيابي وإنت تتصرف بالإهمال ده
حامد بحرج وضيق شديد من نفسه معتذرًا بصدق حقيقي :
_ حقك عليا ياعدنان بيه حضرتك عارف معزة الست هانم عندي إزاي ولا يمكن ارضى لها بالاذى أبدًا والله ، أنا بس محبتش اكسر بطلبها.. بس اوعدك إن اللي حصل  ده لا يمكن يتكرر تاني
رد عليه عدنان بزمجرة :
_ وأنا مستنيك توعدني .. اعتبر دي أول غلطة ليك والغلطة التانية هتكون بحساب عسير
هو حامد رأسه بالموافقة بينما عدنان فاستدار وعاد للداخل حيث زوجته وابنته ، متوعدًا لجلنار بعد أن تتحسن حالتها بسبب إهمالها في صحتها .
                                      ***
تمسك بهاتفها وتعبث به فقط دون أن تفعل أي شيء مفيد .. ملازمة غرفتها وفراشها منذ أيام ولا تخرج منها إلا قليلًا ، وبدأت والدتها تستاء من وضعها وحاولت أكثر من مرة فهم حالتها المزاجية والتحدث معها لكن الرد لا يتغير بكل مرة ( أريد فقط البقاء بمفردي لبعض الوقت ) .. ماسبب عزلتها المفاجئة أو حتى مزاجيتها الغريبة ، لا تعرف لكنها تشعر أن ابنتها ليست بخير .
أما هي ففضلت الابتعاد لأيام عن الجميع وبالأخص عنه ، تريد جمع شتات نفسها المبعثرة ، واستعادة روحها المهدرة بنار الهوى لسنوات .. هوى لم يجلب لصاحبه سوى الألم والشجن .
ستعاني وربما ستتعذب في محاولاتها التي ستجدها بائسة في بداية رحلتها ، لكن يكفي إهدارها لمشاعرها وروحها ، ولن يكون هناك أيضًا إهدار لكرامتها .
بينما هي تعبث في الهاتف على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي ، ظهرت صورته أمامها .. صورة التقطها بالمعرض بعدما انتهت جميع التجهيزات والافتتاح سيكون بعد غد كما تعرف .
 توقفت للحظة تحدق بصورته ، تتفرس ملامحه الوسيمة .. ابتسامته الجذابة التي تزين ثغره ، لم تشعر بنفسها سوى وهي تتأمل في صورته هكذا حتى وجدت أصبعها يضغط على ملفه الشخصي وتقلب في ملفه تشاهد صوره الأخيرة .
طرقة واحدة على الباب ثم انفتح ودخلت والدتها ، فأدركت ما تفعله بهذه اللحظة وأسرعت في إغلاق صوره وملفه الشخصي وتصنعت تصفحها لآخر الأخبار التي تظهر تلقائيًا في صفحة الفيس بوك .
اقتربت ميرفت منها وجلست بجوارها على الفراش وهتفت بنفاذ صبر :
_ وبعدين يازينة .. هتفضلي حابسة نفسك في الأوضة كدا كتير
زينة ببساطة :
_ لا ياماما .. ثم أولًا أنا مش حابسة نفسي ، أنا بس حابة اخد فترة استجمام مع نفسي بعيد عن الناس
ميرفت بعصبية :
_ وأنا من الناس دي بقى ولا إيه !!
ضحكت زينة بخفة وانحنت على أمها تحتضن وجهها بين كفيها وتلثم وجنتها بحب متمتمة :
_ لا طبعًا وهو أنا اقدر أصلًا .. ما أنا قاعدة معاكي أهو ياماما
_ قاعدة معايا فين .. ده أنا مش بشوفك في البيت غير كام مرة في اليوم ، طول الوقت حابسة نفسك في الأوضة
_ خلاص أنا آسفة وعد إني مش هقعد وحدي في الأوضة تاني .. حلو كدا ؟
تنهدت ميرفت بارتياح بسيط ثم قالت برضا :
_ أهاا حلو .. هتحضري افتتاح معرض آدم بكرا ولا كمان حابة تستجمي !
عاد العبوس يظهر على محياها وقالت بصرامة :
_ لا مش هحضر .. مش قادرة ومليش نفس الصراحة ، ابقى اعتذريله نيابة عني هو وخالتو
رفعت والدتها حاجبها بحيرة وقالت بنظرة دقيقة :
_ اعتذرله نيابة عنك ! .. ياسلام وده من إمتى بقى ، ده إنتي كنتي معاه في كل التجهيزات وكنتي متحمسة أوي ليوم الافتتاح
_ مش عارفة ياماما مليش مزاج احضر .. اعملي زي ما بقولك بس عشان خاطري
اطالت ميرفت النظر في ابنتها للحظات بشك وبلؤم ثم اعتدلت في جلستها وقالت بحدة مصطنعة :
_ اممممم .. طيب قوليلي بقى إيه اللي حصل
قهقهت وقالت ضاحكة :
_ ياماما يا لئيمة .. مفيش حاجة صدقيني أنا زي ما قولتلك عندي حالة مزاجية اليومين دول ومش عايزة اروح أي مكان
أصدرت ميرفت زفيرًا حارًا بعدم حيلة وقالت في نظرات حانية ومهتمة :
_ طيب ياحبيبتي خلاص مش هضغط عليكي .. بس متأكدة إن مفيش حاجة ؟
هزت راسها بالنفي وهي تبتسم بصفاء ، ثم انحنت معانقة والدتها في ثبات مزيف تتصنعه بصعوبة أمامها .. ابتعدت بعد لحظات عنها فتوقفت ميرفت وقالت بضيق على حالة ابنتها فكل ما قالته لم تصدقه واحساسها يخبرها بأن هناك شيء آخر تخفيه عنها :
_ طيب يلا تعالي ورايا عشان نتعشى مع بعض
_ حاضر
استدارت ميرفت وسارت باتجاه باب الغرفة وانصرفت ، فتنهدت زينة الصعداء بأسى ومسحت على وجهها بحنق ثم نزلت من الفراش واتجهت خلف أمها.
                                    ***
يجلس على مقعد أمام فراشها ويحدقها بعيناه الثاقبة ، بينما هي فتجلس على الفراش  وتستند على ظهره ، وتتعمد مفادة نظراته المشتعلة .
رحل الطبيب منذ دقائق قليلة وقد املى عليها تعليمات صارمة وجادة حول عدم أكلها لفاكهة الموز مرة أخرى .. وأوضح لها أن كل مرة ستكون الأعراض اقوى وأشد ، امتثلت لتعليماته وسط محاولاتها لتفادي نظرات زوجها القاتلة .
أخيرًا خرج صوته قاتلًا الصمت المهيمن على الوضع بينهم بعدما تركتهم هنا وذهبت لفراشها حتى تنام :
_ أنا ماسك نفسي منك بالعافية ياجلنار
هتفت بانفعال غير مقصود بسبب الأجواء المشحونة بالتوتر من نظراته :
_ خلاص ياعدنان قولتلك آخر مرة ومش هاكله تاني ، متفضلش تبصلي بنظراتك دي
اتسعت عيناه ببعض الدهشة من أنفعالها الغير مناسب لوضعها أبدًا ، تستخدم أسلوب الهجوم وهي في وضع الدفاع .. فتمتم بهدوء مزيف لا يزال يتحلى به أمامها :
_ صوتك ميعلاش عليا وخصوصًا لما تكوني غلطانة
جلنار بعناد :
_ أنا مغلطتش .. طلبت من عم حامد يجيبه عشان ” هنا ”  وقولت إني لو اكلت واحدة مش هتعمل حاجة ، متوقعتش إن واحدة بس هتعمل كل ده أكيد .. بعدين إنت مهتم ليه مش فاهمة .. على العموم أي كان السبب شكرًا على اهتمامك أنا بقيت كويسة دلوقتي ، ياريت تمشي بقى وتروح عند مامتك ومراتك
هذه المرة هدوءه لم يكن مزيفًا حيث لاحت شبه ابتسامة على ثغره وهو يطالعها بنظرة متفحصة ، آخر كلماتها أظهرت له مدى سذاجتها .. رغبت في أن تظهر له نفورها من وجوده لكنها فعلت العكس ولم يفهم من نبرة صوتها الرقيقة سوى الغيظ .
جلنار بسخط من تجاهله كلامها وابتسامته :
_ بقولك امشي يا عدنان
قرر أن يلعب بالأوراق الرابحة مثلها حتى يتحقق التعادل في مبارة تكاد تخرج منها هي رابحة بكل مرة ، فقال بهدوء أعصاب مستفز وبعدم اكتراث جسَّده بمهارة لاعب محترف :
_ ده بيتي يعني اجي وقت ما أنا عايز وامشي وقت ما عايز .. ثم متقلقيش وجودي مش هيأثر بحاجة عشان ممكن يكون عقلك خيل ليكي إني ممكن اقرب منك يعني ، أنا لو قربت منك فهيكون لسبب واحد وهو اللي اتجوزنا عشانه
التهبت عيناها بنيران الغضب .. وتحول وجهها إلى جمرة جعلت منه أحمرًا كالدم من الغيظ ، ولوهلة أحست بأنها تود التقاط كأس الماء الذي بجوارها وتلقيه عليه فتتخلص منه نهائيًا .. جملته الأخيرة لم تكن تثير الغضب بقدر ما استهدفت الإعماق فأوجعت بشدة .
وثبت من فراشها واقفة وثائرة ثم هتفت بقوة وثبات حاولت إظهارهم بصعوبة بعد جملته المؤلمة ، وبعينان كلها نقم واشمئزاز :
_ قصدك اليوم الأسود اللي اتجوزنا فيه .. أنا عمري ما ندمت على حاجة في حياتي قد ما ندمت على إني استسلمت ووافقت اتجوزك ، تعرف أنا ندمانة إن سمحتلك تلمسني أصلًا .. وبندم إن عندي طفلة منك ، كان نفسي أول بنت ليا تكون من راجل بحبه وبيحبني ويستحق إن مامتها تضحي بكل حاجة عشانه وعشانهم بس إنت متستهلش التراب حتى ، ودلوقتي متخيل إني ممكن اكرر الغلط مرتين واسمحلك تاني تقرب مني ويكون عندي طفل تاني منك .. يبقى بتحلم ، أحب اقولك إن إنت هتفضل النقطة السودا اللي في حياتي حتى بعد طلاقنا
تحولت الأجواء من الهدوء المميت إلى الثوران ، حيث هب واقفًا من مقعده وهتف بزمجرة صوته الرجولي وغيرة واضحة بعيناه :
_ وهو مين ده بقى الراجل اللي بتحبيه وبيحبك !
ابتسمت بسخرية ونظرة نارية كلها غل ، ثم قالت بتعمد في شراسة حتى تجعله يزداد اشتعالًا :
_ حاتم مثلًا !
تشنجت عضلات وجهه وتحول كوحش مفترس يستعد للهجوم على فريسته .. يعرف أن نطقت ذلك الاسم خصيصًا لتزيد من غيرته أكثر .
ججذبها من ذراعها يقبض عليه بعنف ويقول بنظرة مرعبة أمام عيناها مباشرة وبصوت يشبه فحيح الأفعى :
_ عشان يكون في معلوماتك ، إنتي كنتي ليا وهتفضلي ليا .. وإن مكنتيش ليا ياجلنار مش هتكوني لغيري ، خليكي فاكرة ده كويس أوي
لا تنكر أن تهديده ونظرته اربكتها ، ظلت تنقل نظرها بين عينيه الثاقبتين ، لم تخطئ حين وصفته بالعُقاب .. يشبهه بكل شيء ، يمتلك نفس العينان الثاقبة والشموخ الذي يسبح في نظراته دومًا .. صلب وقاسٍ ولا يرحم ، لديه من الشراسة والقوة ما تكفيه ليكون في الصدارة ! .
انزوت نظرها عنه و دفعت يده بعيدًا عنها في قوة ثم اتجهت إلى الحمام تاركة إياها يزأر كالأسد .
                                     ***
في صباح اليوم التالي …..
اتجهت فوزية إلى الباب وفتحت فوجدت أمامها صديقة مهرة وابنة حارتهم البالغة من العمر الرابعة والعشرون مثل حفيدتها .. فقالت ببشاشة :
_ أهلًا وسهلًا ياسهيلة ادخلي يابنتي
دخلت وقالت بعذوبة :
_ متشكرة ياخالتي .. إنتي اخبار صحتك إيه !
_ بخير الحمدلله يابنتي .. والله جيتي في وقتك لاحسن البنت مهرة مجنناني من امبارح وشكله في حاجة ومش عايزة تقولي ، بس يمكن تقولك إنتي
تنهدت سهيلة بضيق بعد تذكرها لما حدث بصباح الأمس فقالت بلطافة :
_ متقلقيش ياخالتي أنا هعرف مالها وهقولك .. هي فين ؟
أشارت فوزيه بيدها في اتجاه الغرفة متمتمة بقلة حيلة :
_ في الأوضة من وقت ما صحيت من النوم مطلعتش منها
_ طيب أنا هدخلها اشوفها وإنتي اعمليلنا كدا كوبايتين ليمون
من إيدك الحلوة دي عشان نهديلها أعصابها بيهم
ضحكت فوزية بخفة وأماءت لها بالموافقة في صفاء بينما سهيلة فاتجهت إلى غرفة صديقتها وفتحت الباب دون استاذآن حتى ! .. فوجدت مهرة جالسة على الفراش بسكون .
قالت مهرة بقرف :
_ أنا برضوا قولت هو مفيش غير واحدة بس اللي تفتح الباب من غير أذن كدا .. إنتي يابت ابوكي وأمك معلموكيش إني في بيبان بتتخبط الأول قبل ما تدخلي
قالت سهيلة مازحة بضحكة جريئة :
_  لا اصل احنا عيلة متفتحة
_ قصدك عيلة منحرفة
ضحكت الأخرى ثم بلحظة وفي وثبة واحدة وجدتها تجلس أمامها على الفراش وتقول :
_ طيب بصي بقى أنا جيت عشان اقولك كلمتين وسد غطاهم .. بكرا في مشوار وهتروحي معايا عشان مش حلوة اروح وحدي ، أما مشوار  إيه فهو مفاجأة
ثانيًا وده الأهم ، مش مهرة بنت رمضان الأحمدي اللي تفضل قاعدة في اوضتها ومتروحش شغلها عشان ست **** زي اللي اسمها بدرية دي قالت كلمتين ملهمش اي تلاتين لزمة
مهرة باستياء :
_ أولًا أنا مروحتش الشغل عشان حد .. ثانيًا أنا عرفتها مقامها كويس أوي واخدت حقي
سهيلة بانفعال على صديقتها :
_ اخدتي حقك آه بس كذابة .. إنتي منزلتيش الشغل عشان خايفة من نظرات أهل المنطقة .. دي مش مهرة اللي أنا اعرفها ، عشان صحبتي واختي اللي متربية معاها طول ما هي معملتش حاجة غلط متخفش من اتخن تخين فيكي يا بلد ولو حد قال كلمة تحط صباعها في عينه
اشاحت مهرة بنظرها عنها للجهة الأخرى وهي تهز قدميها بغيظ وحرقة ، ثم قالت بصوت خافت :
_ إنتي عايزة إيه يعني دلوقتي ياسهيلة
سهيلة بابتسامة عريضة وبشراسة :
_ عايزاكي تقومي تلبسي وتروحي شغلك .. وتمشي وإنتي رافعة راسك ومتقلقيش وراكي رجالة هنا يعني أي حد لسانه هتيعوج بالكلام عليكي في ضهرك هنقطعهوله
وتجهزي نفسك كمان مقدمًا لطلعة بكرا ، عشان دي مش أي طلعة
_ طلعة إيه ؟!
_ خليها مفاجأة احسن .. أو هي مش مفاجأة انا مش عايزة اقولك عشان عارفاكي فقرية ولو قولتلك هتقولي مش هروح
_ يعني إنتي عارفة إني لو عرفت مش هروح ورغم كدا عايزة تاخديني
سهيلة بمزاح وطريقة كوميدية :
_ آه أصل أنا بعيد عنك بنت لزقة ، بلزق زي الغرى كدا في البني آدم .. هتقولي مش هروح هفضل اون فوق دماغك لغاية ما تخبطيني بحاجة فوق راسي وبرضوا مش هيأثر فيا
_ قصدك جبلة يعني  !
_ بظبط كدا عليكي نور .. قولتي إيه بقى هتروحي أكيد صح !
اطالت مهرة النظر فيها بنظرات مشتعلة من الغيظ ، فتوترت الأخرى وقالت صائحة بخوف :
_ الليمون ياخالة فوزية بسرعة
                                     ***
طرقت عدة طرقات خفيفة على الباب حتى سمعت صوته وهو يسمح للطارق بالدخول ، فتحت الباب ودخلت فوجدته جاهزًا للخروج ويجلس على الأريكة الصغيرة بغرفتة الواسعة ويمسك بهاتفه يتطلع إليه كأنه ينتظر اتصال من أحدهم .
فسألته بحنو :
_ إنت مخرجتش ليه ياحبيبي ؟
آدم بخفوت :
_ مستني مكالمة ياماما وبعدين همشي
 تحركت نحوه ثم جلست بجواره وغمغمت بنبرة تحمل في طياتها اللؤم :
_ طيب أنا عايزة اتكلم معاك في موضوع مش هياخد دقيقتين
ظن أن الأمر هامًا وجادًا ، حيث ثبت كل تركيزه عليها وقال باهتمام :
_ خير ياماما اتفضلي
أسمهان بابتسامة خبيثة :
_ أنا لقيت ليك العروسة .. اكتر واحدة مناسبة ومفيش بنت هتكون احلى منها أو هتحبك زيها
تلاشت ابتسامته تدريجيًا من بداية كلامها وعندما وصلت لآخر كلمة فهم من هي الفتاة التي تقصدها ، فهتف منفعلًا برفض تام :
_ الفكرة دي مرفوضة تمامًا بنسبالي ، واللي بتفكري فيه ده لا يمكن يحصل
أدركت أنه فهم هوية الفتاة فقالت بعصبية مماثلة له :
_ ومرفوضة ليه يا آدم ، إنت هتلاقي فين بنت تحبك زيها ، وبنت خالتك يعني اكتر بنت مناسبة ليك
استقام واقفًا وصاح :
_ ماهي المشكلة إنها بتحبني وللأسف أنا عارف وحاولت اكتر من مرة ابادلها نفس المشاعر بس مش قادر ، ولو سمحتي ياماما متحاوليش تقربيها مني بأي شكل من الأشكال .. أنا مش عايزها تتعلق بوهم وبحاجة مش هتحصل .. وياريت كمان لو تطلعي موضوع جوازي ده من دماغك أنا قولتلك وقت ما الاقي البنت المناسبة ليا هاجي بنفسك واقولك إني هتجوز
هبت أسمهان واقفة وهتفت بسخط  :
_ وياترى البنت اللي هتختارها دي هتكون زي اختيارات اخوك كدا ولا إيه يا أستاذ
ضحك من وسط نيرانه الملتهبة ثم هتف بخفوت مريب وبنظرات نارية مثبتها على عينان والدته :
_ خلينا متفقين يا أسمهان هانم إن فريدة هي الاختيار الغلط ، لكن جلنار هي أكتر واحدة مناسبة لابنك .. وأنا وإنتي عارفين كويس أوي سبب كرهك ليها ، وده بيأكد ليا حاجة واحدة إنك لسا ……
لم تدعه يستكمل بقية عبارته حيث هوت بكفها على وجنته وصاحت بغضب :
_ اخرس .. إنت بتقول وبتفكر كدا ، أخص يا آدم أخص
ثم ألقت عليه نظرة أخيرة وهي تراه لا يزال يزيح بوجهه للجهة الأخرى بسبب صفعتها له و يتطلع أرضًا ، استدارت واتجهت لخارج الغرفة بأكملها ، وبينما كانت في طريقها إلى الأسفل .. ارتفع رنين هاتفها فنظرت إلى الشاشة تقرأ هوية المتصل وأجابت بدون تردد :
_ أيوة ياعدنان
عدنان بحزم :
_ فريدة موجودة في البيت ياماما
أسمهان بقرف وخنق :
_ أيوة مرزوعة فوق
_ طيب عايزك تخلي عينك عليها في كل حاجة بتعملها سواء جوا البيت أو برا طول ما أنا مش موجود وأنا عارف إن إنتي مش هتتوصي في حاجة زي كدا
توقفت عن السير ولمعت عيناها بشرارة شيطانية ثم هتفت بمكر :
_ هو حصل حاجة ولا إيه ؟
عدنان بخشونة :
_ محصلش بس تحركاتها وتصرفاتها مش عجباني الفترة دي وعايز اعرف النفس اللي بتتنفسه بيخرج امتى وبيرجع امتى
أسمهان بغل وهي تتلفت برأسها للخلف حتى تتأكد من عدم وجودها بالجوار :
_ حتى أنا حاسة إن في وراها حاجة ، متقلقش ياحبيبي هتفضل تحت عيني
ودعها وانهى الاتصال بينما هي فانزلت الهاتف من على أذنها وأخذت تضرب به على كفها بخفة وهي تبتسم بخبث وتتمتم :
_ شكل نهايتك قربت أوي يابنت الخدامة .. والعد تنازلي بتاعك بدأ ، فاضل بس بنت الرازي وابقى خلصت منكم إنتوا الاتنين
                                     ***
انتظم الجميع فور معرفتهم وصول رب عملهم .. من كان يمسك بيده شيء توقف بأرضه احترامًا له حتى يعبر والباقية جلسوا جميعهم أمام مكاتبهم الصغيرة ويتابعونه بعيناهم وهو يمر من أمامهم بهيئته وخطواته المربكة للأعصاب .. وبمجرد عبوره تنهد الجميع براحة .. وصل إلى  غرفة مكتبه وقبل أن يدخل تحدثت السكرتيرة الخاصة به ” ليلي ”  قائلة :
_ صباح الخير يافندم النهادره في ….
عدنان بلهجة قوية وهو يفتح الباب ويدخل :
_ الغي أي مواعيد مش فاضي اقابل حد النهارده
_ حاضر
دخل وأغلق الباب خلفه ثم نزع سترته عنه ووضعها على ظهر مقعده ثم جلس على المقعد .. وانحنى بجسده قليلًا على الدرج السفلي من المكتب وفتحه وأخذ يبحث فيه عن أحد الملفات المهمة ، فلم يجده ! .. ضيق عيناه بحدة ثم اندفع يبحث في بقية الأدراج بشيء من بشائر الغضب التي بدأت ترتفع لوجهه ، ولكن فجأة توقف عن البحث وهو ينظر على الدرج وعصفت بذهنه لحظة الأمس حين جلس على المقعد وأخرج من نفس الدرج إحدى الملفات ولم ينتبه أنه كان مفتوحًا بسبب تعجله .
تحولت نظراته وصاح بصوته الجهوري :
_ لـــيــلـــى
انتفضت ليلى في مقعدها بالخارج ووثبت واقفة بفزع على أثر صرخته الجهورية ، وفتحت الباب فورًا فقابلت منه صرخته وهو عبارة عن لهيب من النيران :
_ مين اللي دخل مكتبي وأنا مش موجود
ليلى بخوف ملحوظ :
_ محدش يافندم دخل
عدنان بصوت مرتفع وصل لجميع آذان الموظفين بالخارج :
_ محدش دخل إزاي يا أنسة في ملفات ناقصة من المكتب .. المفروض إن دي مسؤوليتك
_ والله يافندم مفيش أي حد دخل مكتب حضرتك في غيابك
_ شوفيلي تسجيلات الكاميرات فورًا وهاتيها ليا
اماءت له عدة مرات متتالية في خوف واندفعت للخارج مسرعة ممتثلة لأوامره .. بينما هو فظل يجوب بالغرفة إيابًا وذهابًا وهو بركان ثائر تفوح حممه البركانية على سطحه ، اختفاء ملفات كهذه ستكون خسائرها فادحة على امبراطورية الشافعي  .
                                    ***
توقفت بالسيارة أمام إحدى المنازل الضخمة .. ثم ترجلت منها وقالت محدثة السائق الخاص بها :
_ استناني هنا
_ حاضر يا هانم
قادت خطواتها إلى الداخل بخطوات كلها ثقة وشراسة وهي تتطلع من خلف نظارتها الشمسية إلى المنزل ، حتى وصلت إلى الباب فطرقت عدة طرقات قوية على الباب وبعد لحظات معدودة فتح الباب وظهرت من خلفه خادمة في مقتبل العشرون من عمرها .. انزلت جزء من نظارتها وحدقتها بنظرة متفحصة وهي تبتسم بسخرية ومكر فقالت الفتاة برسمية :
_ أيوة حضرتك عايزة مين ؟
ردت عليها وهي لا تزال تطالعها بنفس النظرة :
_ نشأت موجود
تعجبت الفتاة من نطقها لاسم رب عملها دون أي القاب كأنها تعرفه منذ زمن ولكنها ردت عليها بخفوت :
_ أيوة موجود .. اقوله مين ؟
انزلت النظارة من على عيناها وهتفت في شموخ :
_  أسمهان الشافعي
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد

error: Content is protected !!