روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الرابع عشر 14 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الرابع عشر 14 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الرابع عشر

رواية امرأة العقاب الجزء الرابع عشر

رواية امرأة العقاب الحلقة الرابعة عشر

اتساع عيناها كان ردًا كافيًا على جملته المغلفة بالهدوء المستفز .. ” صباح الخير يارمانتي !! ” يالك من مستفز .. كيف يمكنك التحدث بهذا البرود ، وكأنك لم تفعل شيء ! .
نظرت لابنتها التي تحدق بها بتعجب من غضبها ، فارتخت عضلات وجهها المتشنجة تدريجيًا ورسمت على وجهها ابتسامة مزيفة تجيب عليه بمضض :
_ صباح النور ياحبيبي
ثم فردت ذراعيها لابنتها تحثها على الانضمام بحضنها ففعلت الصغيرة فورًا .. هتفت جلنار بدفء :
_  صاحية بدري كدا ليه ياحبيبة ماما ؟
ردت هنا بحماس وفرحة :
_ بابي هياخدني معاه
رفعت نظرها لعدنان وطالعته بنظرة مشتعلة ثم عادت بنظرها مرة أخرى لصغيرتها وقالت بوجه لطييف تمامًا على عكس نظراتها له للتو :
_ ياخدك فين ؟
_ الشغل !
رفعت جلنار حاجبها باستغراب ثم ردت ببعض الجدية :
_ بس ياحبيبتي ده شغل وبابا مش هيكون فاضي يعني هتزهقي وحدك
هزت رأسها بالنفي وقالت بإصرار :
_ لا أنا هقعد مع بابي ومش هبعد عنه
ضحك عدنان وانحنى عليها من الخلف يقبلها من وجنتيها هامسًا بعاطفة جيَّاشة :
_ وهو بابي يقدر يبعد عن ملاكه لحظة أساسًا
وقعت عيناه بتلقائية على جلنار فوجدها ترمقه بنفس النظرات النارية ، لو كانت النظرات تحرق لحرقته مكانه ، أخفى ابتسامته المتسلية وهتف محدثًا ابنته لكن نظراته معلقة على الأخرى :
_ يلا ياهنايا عشان نقوم ونساعد ماما في تحضير الفطار وبعدين نلبس ونمشي
هنا بسعادة وحماس :
_ يلا ياماما
جلنار وهي لا تزال معلقة نظراتها على عدنان :
_ حاضر ياحبيبتي
استقامت من الفراش وتوجهت إلى الحمام وهي تتوعد له  .. بينما هو فظل جالسًا مكانه والصغيرة توقفت وانصرفت متجهة إلى غرفتها تفتح خزانة ملابسها الصغيرة تفتش بين ملابسها بحماس طفولي عن ما سترتديه .
دقائق قليلة حتى خرجت جلنار من الحمام ، وقفت وتطلعت له بغيظ واندفعت نحو باب الغرفة حين لم تجد ابنتها ، أغلقت الباب وعادت له ثائرة تطرح السؤال الأهم من الطريقة المعروفة التي جاءت بها إلى الفراش بجواره :
_ أنا مكنتش لابسة كدا إمبارح قبل ما أنام .. إنت عملت إيه ؟!
توقف من الفراش ببرود أعصاب تام وأجابها :
_ معملتش حاجة
جلنار :
_ لا والله امال مين اللي غيرلي هدومي !!
عدنان بنظرة وقحة وابتسامة لعوب :
_ أنا
افغرت فمها وعيناها وسرعان ما تحولت نظراتها إلى أخرى ملتهبة كسابقها وهمت بالرد عليه ، لكنه لف ذراعه حول خصرها وجذبها إليه ثم بدأ بالتحدث في براءة متصنعة  وبأنامل يده الأخرى يعبث في خصلات شعرها برقة ونظرات لئيمة :
_ لقيتك نايمة جمب هنا في الأوضة فشلتك وجبتك على سريرك جــمــبي في مكانك .. قولتي عايزة مايه جبتلك تشربي ومن غير ما تاخدي بالك بسبب إن النوم كان غالب عليكي المايه اتكبت على هدومك للأسف ، فجبتلك حاجة تلبسيها من الدولاب وكنت هطلع واسيبك تغيري وتلبسي .. بس إنتي اللي ندهتي عليا وقولتيلي تعالى ياعدنان ساعدني .. وأنا عشان قلبي طيب مقدرتش اشوفك محتجاني وملبيش طلبك وضعفت وساعدتك
رغم أن كل ما رواه لم يكن يستدعي الضحك أبدًا لكنها انفجرت ضاحكة .. ضحكة تحمل السخرية والاستنكار ، ظلت تضحك لنصف دقيقة تقريبًا حتى توقفت قليلًا وقالت من بين ضحكها بلهجة تحمل الاستهزاء :
_ كنت نايمة والمايه وقعت على هدومي وإنت ياعيني كنت هتسبني اغير وتطلع برا عشان إنت محترم أوي طبعًا .. روحت أنا ندهت عليك وقولتلك ياعدنان تعالى ساعدني ، ده أنا اللي قولت كدا صح ! ، وطبعًا زوجي البريء والمضحى والجميل ساعدني مضطر عشان ميرفضش طلبي !
رد عليها بنفس البرود وهو مبتسم :
_ بظبط كدا اضطريت .. إنتي عارفة أنا دايمًا بحب اساعد المحتاج
اختفت ابتسامته في لحظة وتحولت للوجه الآخر الذى كان كله غضب وغيظ ، ولكمته في صدره بعنف صائحة به بوجه أحمر من فرط الغضب :
_ وقح وقليل الأدب .. إزاي تقربلي هااا ، أنا قولتلك مليون مرة متلمسنيش
فشل في كتم ضحكته التي انطلقت بسيطة من بين شفتيه ، ثم انحنى بوجهه عليها وهمس في مكر أشد قاصدًا إثارة أعصابها أكثر :
_ متخافيش كنت مغمض عيني
_ عــــدنــــان
صيحة شبه عالية انطلقت منها وهي تشتعل من فرط الغيظ ، ثم دفعت يده عنها ورفعت سبابتها في وجهه تحذره بسخط حقيقي :
_ إياك تقربلي تاني فاهم ولا لا .. واحد متحرش
ثم استدارت واندفعت مسرعة إلى خارج الغرفة وهي عبارة عن جمرة نيران متوهجة بينما هو فعاد كلمتها الأخيرة ضاحكًا باستنكار :
_ متحرش !!!
                                    ***
 يعرف ويتجاهل .. يفهم جيدًا مدى الألم الذي اعاني منه ، لكنه يبعدني عنه .. لا يحبني ولن يفعل ! .. لم تكن كلماته بالأمس في سياق الحديث ، بل كان يقصد كل حرف وكلمة تفوه بها .. كان لدي بعض الشكوك حول معرفته بمشاعري تجاهه ولكنني الآن تيقنت من شكوكي .. لم يكتب لتلك المشاعر الحياة ، كنت فقط اتبع وهم منذ البداية .. متأملة انني بيوم قد افوز بقلبه ويصبح لي ، لكنني كنت اتوهم وخلقت عالمًا مزيفًا تعايشت فيه بمفردي ، ومن الواضح أن الآن يجب على مغادرته .. هذا العالم لا يناسبني وليس لي ! .
كانت تقف أمام المرآة تستعد للخروج .. قد ارتدت بنطال أبيض اللون يعلوه كنزة من اللون الأسود وفوقها جاكت من اللون البني ، وتركت خصلات شعرها تتطاير بحرية على أكتافها وظهرها .
خرجت من غرفتها واتجهت إلى أمها الجالسة على الأريكة أمام التلفاز تشاهد إحدى البرامج الصباحية ، انحنت عليها وطبعت قبلة حانية على وجنتها متمتمة :
_ صباح الخير يافوفا
التفتت ميرفت لها برأسها وردت بإشراقة وجه من رؤيتها لابنتها وهي كلها نشاط وحيوية هكذا :
_ صباح النور ياحبيبتي .. على فين كدا ؟
_ معايا محاضرة في الكلية هروح احضر بما إني ليا فترة مش بروح الجامعة
ميرفت بحنان أمومي :
_ طيب ياحبيبتي روحي وخلي بالك من نفسك
اماءت لها بالموافقة واستدارت بجسدها تهم بالانصراف لكنها توقفت مجددًا وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تستدير مجددًا نحو أمها وتقول بوجه جامد :
_ صحيح كلمي طنط نرمين وقوليلها إني موافقة
وقعت الكلمات على ميرفت وقع الرعد .. حيث قالت بصدمة حقيقية امتزجت ببعض الفرحة :
_ موافقة على رائد ؟!
_ أيوة ياماما .. ولما ارجع نبقى نكمل كلامنا .. أنا همشي دلوقتي عشان مستعجلة
ميرفت بسعادة غامرة :
_ طيب ياحبيبتي روحي عشان متتأخريش .. ترجعي بالسلامة أن شاء الله
                                       ***
كانت فريدة تقف بالمطبخ تقوم بتحضير كوب من القهوة لها ، ولم تشعر بأسمهان التي تسللت من خلفها ووقفت خلفها مباشرة هاتفة بصوت منخفض أقرب للهمس :
_ قريب أوي هتكوني برا القصر ده وابني بنفسه اللي هيرميكي منه
انتفضت فريدة بفزع على أثر صوتها والتفتت فورًا للخلف بقسمات وجه مزعورة ، لكن ثواني قصيرة واختفت علامات الزعر من على محياها ليحل محلها الغطرسة بعدما أدركت كلامها وقالت :
_ هيرميني أنا !! .. وده ليه بقى إن شاء الله
أسمهان بغل ونقم ملحوظ في عيناها :
_ اللي بتخططيله من ورانا قريب اوي هنعرفه وسعتها هترجعي للزبالة اللي جيتي منها .. وقريب أوي هعرف إيه اللي مخبياه وبتعملي أيه من ورا الكل ، ومبقاش أنا أسمهان الشافعي أما رميتك زي الكلاب برا القصر ده
ضحكت فريدة بسخرية وردت عليها في نظرات شيطانية ونظرة كلها ثقة :
_ معتقدش يا أسمهان هانم .. وأنا من رأي إننا منستبقش الإحداث يعني الافضل خلينا نتفاجيء بنهاية القصة هتكون إزاي بدل ما نتوقع على الفاضي
قبضت أسمهان على ذراعها بعنف وهتفت بوعيد يلمع في عيناها :
_ نهاية القصة معروفة من البداية .. مش محتاجة نستني ونتفرج بنفسنا ، نهايتها إن الزبالة بيرجع للزبالة بتاعته لأنه مهما عاش في النضافة هيفضل زبالة بأصله
 لم تثير كلماتها غضب فريدة التي على العكس كانت هادئة تمامًا وتطالعها بابتسامة مثلجة غير مبالية ثم ردت عليها وهي تهم بالانصراف :
_هنشوف يا أسمهان هانم .. عن أذنك
ثم سحبت يدها من بين قبضتها ورحلت بكل برود مما أشعل غيظ أسمهان أكثر وازدادت حقدًا وغلً لها ، متوعدة لها بالقريب العاجل أن تكون خارج حياتهم تمامًا للأبد ….
                                     ***
داخل شركة الشافعي تحديدًا بمكتب عدنان في الطابق الثالث ……
بينما كان يجلس على مقعده أمام المكتب ويقوم بإنهاء أعماله ، كانت هنا تجلس على الأريكة وتمسك بهاتف والدها تشاهد أحد أفلام الاطفال المشهور ( القط والفأر ) وبين آن والآخر تنطلق منها ضحكة طفولية وعفوية عندما تشاهد مشهدًا مضحكًا ، فيلتفت لها برأسه ويبتسم بدفء ويعود ويكمل عمله .
طرق الباب عدة طرقات خفيفة قبل أن ينفتح وتدخل ليلى وهي تمسك بيدها إحدى الملفات الخاصة بالعمل وتقترب من عدنان تقف بجواره وتقول برسمية :
_ الأوراق دي محتاجة توقيع حضرتك يافندم
التقط من يدها الملفات وتفقدها متمتمًا دون أن ينظر لها :
_ عملتي إيه في موضوع نادر ياليلى
ليلى بعبوس :
_للأسف مفيش أي حاجة في مكتبه وتصرفاته كلها طبيعية حتى الآن !
رفع نظره عن الأوراق ونظر لها وهو يهز رأسه بإيجاب وعينان شاردة تفكر بشيء آخر .. فطرحت ليلى سؤالها وقالت بتساءل واهتمام :
_ طيب حضرتك هتعمل إيه ياعدنان بيه الملفات دي مهمة جدًا وفيها صفقة بملايين !
ابتسم عدنان بنظرات غريبة ثم قال بثقة وصوت خشن :
_ إنتي لسا جديدة معايا ومتعرفنيش .. اصبري واتفرجي ياليلى هعمل إيه
لاحت ابتسامة على ثغر الأخرى .. نظرة كلها ثقة وتشوق .. بينما هو فقال وهو ينظر لابنته :
_ اطلبي ليا ولهنا يا ليلى غدا من المطعم
نظرت إلى هنا المنشغلة بالمشاهدة على الهاتف وابتسمت ثم رجعت برأسها ناحيته وقالت بود :
_ تحت امر حضرتك
عدنان بنظرة محبة :
_ هنون .. تعالى ياملاكي
تركت الهاتف من يدها فور سماعها لصوت أبيها وهو يطلب منها القدوم إليه .. توقفت وتحركت إليه حتى وقفت أمامه فحملها واجلسها على سطح المكتب أمامه وغمغم بحنو أبوي :
_ دلوقتي وقت الغدا جه .. وطنط ليلى هتجبلنا الأكل عشان نتغدا .. تحبي بقى ناكل إيه ياحياتي
انحنت ليلى عليه وقالت بمداعبة بسيطة شبه ضاحكة :
_ مش كبيرة عليا شوية طنط دي ياعدنان بيه
انطلقت منه ضحكة بسيطة ثم أجابها من بين ضحكته :
_ خلاص يا ليلي .. هخليها تقولك ليلى من غير أي حاجة حلو كدا
ليلى كاتمة ضحكتها :
_ حلو .. هااا ياسكرة تحبي تاكلي إيه النهارده ، ده بابي أول مرة يعملها ويتغدا في المكتب هنا .. وده عشان إنتي موجودة بس يعني استغلي الفرصة
تطلعت هنا إليها بخجل دون أن تجيب عليها ، وطال صمتها للحظات حتى انحنت على أذن أبيها وهمست في خفوت وخجل طفولي لطيف بنوع الطعام الذي تريده ، وكان صوتها واضحًا رغم محاولتها لإخفاضه حتى لا يصل لأذن ليلى التي سمعت ما همست به في أذن والدها جيدًا .. بينما عدنان فنظر لليلى وغمز لها باسمًا دون أن يتكلم لمعرفته بأنها سمعت كل شيء ، أماءت له بالموافقة الأخرى بابتسامة عذبة قبل أن تستدير وتنصرف .
فور انصراف ليلى نظر هو لصغيرته وقال :
_ هااا قوليلي كنت بتتفرجي إيه بقى ؟
هتفت هنا بلطافة لا تقاوم وقد عادت لطبيعتها على عكس الخجل الذي كان يهيمن عليها للتو :
_ Tom and jerry ( القط والفأر .. توم وجيري )
_ طيب إيه رأيك أول ما يجي الأكل نطلع وناكل فوق على الروف ، هيعجبك أوي
هزت رأسها بإيجاب في وجه مشرق بإبتسامتها الرائعة ، ثم عبست وقالت بحزن :
_ بابي ماما كانت زعلانة الصبح
_ ليه !!!
_ عشان أنا سبتها وحدها وجيت معاك
قهقه بقوة وأجاب على ابنته :
_ بجد !! .. طيب تعالي هنكلمها ونشوفها لسا زعلانة ولا لا
أمسك بهاتفه وأجرى مكالمة فديو بها .. وبعد لحظات من الرن المستمر انفتح الاتصال أخيرًا وثواني حتى ظهر وجهها بشاشة الهاتف ، كانت قاطبة حاجبيها من اتصاله حتى وجدته يهتف وهو يوجه الهاتف عليه هو وهنا ويقول باسمًا :
_ هنون بتقول إنك كنتي زعلانة ياماما الصبح عشان سابتك وجات معايا .. فقولنا نتصل ونشوف ماما لسا زعلانة ولا إيه بظبط
كتمت جلنار ضحكة عالية كانت ستنطلق منها ورسمت العبوس والضيق على وجهها بمهارة لتجيبه بتأكيد :
_ أيوة زعلانة ، يهون عليها تسيب مامي وحدها في البيت كدا !
ردت هنا على أمها بوجه حزين لعبوس والدتها :
_ خلاص مش تزعلي .. هنجبلك شيكولاته احنا وجايين
_ هتجبيلي قد إيه ؟!
فتحت ذراعيها على أخرهم وقالت برقة :
_ كتييييير أوي ، قد كدا .. مش صح يابابي ؟
أجابها عدنان ضاحكًا :
_ صح ياروح بابي .. تحبي نجبلك حاجة تاني ياماما واحنا جايين
_ لا كفاية الشيكولاته
تفوهت به جلنار وهي شبه ضاحكة ، حتى قالت بتذكر وجدية :
_ أكلتوا ولا لسا ؟
ردت هنا مسرعة وحماس :
_ لسا طنط ليلى راحت تجيب الأكل
هتفت جلنار باهتمام وحزم :
_ خلي بالك ياعدنان ومتجبوش أكل مش healthy وأهم حاجة تخليها تغسل إيدها كويس أوي قبل الأكل  وكمان …..
_ خلاص ياجلنار .. أنا عارف كل ده أكيد ، متقلقيش كل حاجة زي الفل الحمدلله .. يلا سلام هقفل عشان ورايا كام حاجة عايز اخلصها
ثم وجه الهاتف على وجه صغيرته وهتف :
_ يلا قولي باي لماما
لوحت هنا بيدها لأمها ثم كتمت بكفها الصغير على فمها ترسل لها قبلة في الهواء من خلف شاشة الهاتف ففعلت جلنار بالمثل وهي تضحك بحب ودفء .
                                      ***
دوى صوت رنين باب المنزل فور انتهائها من حديثها مع ابنتها وزوجها في الهاتف .. ضيقت عيناها باستغراب وظنته في باديء الأمر أنه ” حامد ” ، فاتجهت نحو الباب وفتحت في وجه معالمه عادية تمامًا .. حتى رأت أبيها أمامها فتحولت لنظرات الدهشة الممتزجة بالاستياء .
هتف نشأت بخفوت :
_ عاملة إيه يابنتي
جلنار بجفاء وصرامة :
_ جاي ليه !! .. ياترى هتسلمني لمين المرة دي كمان !!
_ أنا عملت كدا لمصلحتك ياجلنار
صاحت به منفعلة :
_ مصلحتي في إني أبعد عن عدنان وأطلق منه .. لكن إنت مش شايف كدا عشان طبعا مصلحتك إنت إني أفضل متجوزاه
هم بالاقتراب منها وهو يتمتم بتأثر وضيق :
_ يابنتي والله مبقيش يهمني حاجة .. أنا عايز ترجعي تاني لحضني ، كرهك ليا ده بيقتلني ، ولولا إني حسيت إن عدنان عايزك بجد مكنتش هسيبك في أمريكا معاه وأرجع
تقهقهرت للخلف حتى لا يلمسها ويقترب منها وقالت ضاحكة بسخرية :
_ عايزني !! .. هو فعلًا عايزني بس مش بيحبني ، عايزني عشان السبب اللي أنت أجبرتني اتجوزه عشانه
نشأت بصدق ونظرات مشتاقة لابنته :
_ لا المرة دي مختلفة صدقيني هو عايزك إنتي وبنته بجد اديله فرصة .. وكمان ارجعيلي يابنتي ابوس إيدك
اطالت النظر إليه واحست بأنها ستضعف أمامه .. رغم كل ما فعله بها سيظل أبيها ولن تتمكن من حمل الضغينة والكره له في قلبها ، ولته ظهرها وقالت بقسوة وصوت مبحوح :
_ امشي يابابا لو سمحت مش عايزة اشوفك وياريت متجيش تاني كمان ، أنت بعتني من الأول وتخليت عني فمتحاولش تمثل قدامي دلوقتي مشاعر الأبوة اللي ممكن تكون مش حقيقية أساسًا
تحرك خطوة نحوها حتى وقف خلفها مباشرة وبمجرد ما لمس كتفها بيده نفرت منه بتلقائية وقالت وهي تبتعد عنه أكثر :
_ قولتلك امشي من فضلك
توقف بأرضه للحظات طويلة يحدق بها بأسى وعجز ووجه يائس حتى أصدر تنهيدة حارة واستدار مغادرًا المنزل .. التفتت برأسها نحو الباب بعد رحيله وانهمرت على وجنتيها دموعها بحرقة وألم ، قلبها يؤلمها على كل شيء .. تريد مسامحته لكنها لا تستطيع ، نفسها الثائرة والمنكسرة لا تسمح لها بالصفاء وربما لن تصفو ! .
                                     ***
في مساء ذلك اليوم وداخل معرض آدم بعد رحيل جميع الزوار ……
انتهت جميع اللوحات المعروضة للبيع بالمعرض معادا واحدة .. كان يقف آدم أمامها يتأملها بسكون متذكرًا محادثته مع تلك الفتاة  ، جميع اللوحات تم بيعها  معادا هذه اللوحة .. لا يذكر أن أحد توقف أمامها وأعجبته سواها ، رغم أنها لم تعجبها وسخرت منها لكنها الوحيدة التي توقفت أمامها .. رأتها لوحة متزاحمة ومعقدة ولم تخطأ حين ربطت اللوحة به ، هي تشبه تعقيدات نفسه المتداخلة والتي لا يجد لها تفسير ، فأخرج تلك المشاحنات التي تعصف بروحه في هذه اللوحة .. التي لم ينتبه لها أحدًا سواها .
انتشله من شروده صوت صديقه ” زياد ” الذي هتف بسعادة وعين تلمع بوميض النصر :
_ مبروووك يافنان .. اللوح كلها اتباعت مفضلش غير اللوحة دي
_ مش هبيعها
رد زياد بتعجب :
_ هي إيه دي اللي مش هتبيعها
تمتم آدم وهو معلق نظره على اللوحة :
_ اللوحة دي
_ هتحتفظ بيها لنفسك يعني ولا إيه ؟!
لوى آدم فمه ورد بإيجاب وهو يهز رأسه ببساطة :
_ حاجة زي كدا
هتف زياد بمرح ضاحكًا :
_ مش مهم ياعم .. المهم هو نجاح المعرض ، مبروووك ياصاحبي
_ الله يبارك فيك
_ طيب أنا هسبقك واستناك برا بقى تمام
اماء له آدم بالموافقة وظل واقفًا كما هو يتطلع للوحة بتمعن ، حتى مرت دقيقة أو أكثر تقريبًا وهم بالاستدارة والانصراف لكنه لمح عقدًا فضي اللون به فصوص بيضاء لامعة على طول العقد كله .. انحنى على الأرض والتقطته ينظر إليه بتدقيق ، ظنه في باديء الأمر أنه سقط من إحدى الفتيات الذين مروا من أمام اللوحة ، لكن عندما عصفت بذهنه صورتها تذكر أنه لمح برقبتها نفس هذا العقد ، كانت ترتديه ويظهر بوضوح حول رقبتها البيضاء .. بقى للحظات وهو يحدق بالعقد حتى تأكد أنه لها فلاحت ابتسامة جانبية على شفتيه واعتدل في وقفته ثم وضع العقد في جيبه واتجه لخارج المعرض بأكمله بعد أن أطفأ جميع الأضواء .. ووقف أمامه من الخارج ثم أمسك بالباب واغلقه بالمفتاح جيدًا وسار باتجاه صديقه الذي كان بانتظاره في السيارة .
                                    ***
بعد مرور ساعات بسيطة ….
مجتمع هو ووالدته وأخيه على المائدة ويتناول الطعام بصمت .. عدم وجودها على المائدة معهم يثير جنونه ويحاول تجاهل الأمر ، لكن ثورانه الداخلي منعه من الصمود كثيرًا ، حيث فجأة القى بالشوكة التي بيده على سطح الطاولة وقال بعصبية :
_ منزلتش تاكل ليه دي كمان !!
زمت أسمهان شفتيها وقالت بعدم اكتراث :
_ معرفش .. سيبها ياحبيبي هي لو عايز كنت نزلت واكلت
عض على شفاه السفلية في غيظ متمالكًا أعصابه بصعوبة ، استقام واقفًا واندفع إلى الأعلى باتجاه غرفته ، تابعته أسمهان بأعين نارية وناقمة على فريدة أما آدم فتأفف بخنق وقرف ! .
فتح الباب على مصراعيه بعنف ودخل فوجدها تجلس على الأريكة وتمسك بهاتفها تعبث به ، اندفع نحوها وجذب الهاتف من يدها هاتفًا بزمجرة :
_ قاعدة هنا ليه !! .. الأكل لما يتحط ياهانم الكل يكون على السفرة
تعمدت عدم النظر إليه وقالت بتمرد :
_ مش عايزة اكل ياعدنان
_ ليه بقى إن شاء الله
ردت عليه بحنق دون أن تنظر له :
_ وإنت مهتم بيا كدا ليه .. كفاية شكك فيا وكأننا متجوزين إمبارح .. ولا قعدتك عندها تلات أيام مبتجيش البيت هنا وسايبني
انحنى بنصف جسده عليها وهمس في نظرة مميتة ونارية :
_ أنا مشكتش فيكي من فراغ
هبت واقفة وصاحت به بغضب ودموع حقيقية انهمرت على وجنتيها :
_ إنت بتعاملني بطريقة عمرك ما عاملتني بيها قبل كدا .. بعدت عني .. أنا مشوفتكش ليا تلات أيام غير امبارح في المعرض متخيل .. حتى مش بتتصل بيا ياعدنان ، وبتحاسبني دلوقتي على تغيري معاك .. طيب ما أنا اتغيرت بسببك ، شايفاك إزاي اتغيرت من وقت ما رجعت الهانم وأنت قاعد عندها علطول .. تفكيرك فيها علطول وخوفك عليها وكنت بتحجج وتقولي إنك خايف على بنتك ، بس الحقيقة كانت إنك زي ما خايف على بنتك خايف عليها كمان .. لما اتجوزتها وعدتني وقولتلي مستحيل يكون في قلبك واحدة غيري وإنك متجوزها عشان الطفل اللي نفسك فيه مش اكتر وبعدها هتطلقها .. وجابتلك الطفل اللي نفسك فيه .. طلقتها .. لا ، بالعكس بقيت أحس إنها بتسحبك واحدة واحدة من غير ما تحس ولا أي حد فينا يحس لغاية ما اهو أنت شايف بعينك الوضع وصل لفين .
توقفت عن الكلام وجففت دموعها ثم استكملت بصوت مبحوح وهي مطرقة أرضًا :
_ متحاسبنيش على حاجة إنت السبب فيها
لانت نظراته ونبرته أمام كلامها ودموعها ولوهلة رغب بضمها لصدره ليشعرها بحنانه مرة أخرى ويمطرها بحبه لها كالعادة ، لكن لا يزال الشك الذي تعشش في ثنايا يمنعه وبإمكانه القول أنه فقد جزء كبير من ثقته بها .
تنهد الصعداء بعدم حيلة وقال بنبرة لينة :
_ متعيطيش .. يلا تعالي ننزل عشان تاكلي
صرخت به بعصبية وعينان ممتلئة بالدموع :
_ مش عايزة اطفح ياعدنان .. سبني لوحدي لو سمحت .. أو اقولك روحلها تاني كمان أصلا مبقتش فارقة معايا من زمان اوووي
دهشه ردها عليها ، مما جعله يقف للحظات يتطلع إليها بعدم استيعاب واردف بابتسامة تحمل الاستنكار والصدمة بآن واحدًا :
_ مبقتش فارقة !!
اشاحت بوجهها عنه للجهة الأخرى بينما هو استمر في التحديق بها ينتظر منها أي توضيح ، لكن لا رد وفقط دوى صوت رنين هاتفه في جيبه فأخرجه وتطلع باسم المتصل وكانت جلنار .. القى نظرة مطولة عليها قبل أن يستدير وينصرف إلى الخارج مجيبًا على الهاتف شبه منفعلًا :
_ خير ياجلنار
أتاه صوت صغيرته العابس وهي تقول :
_ بابي إنت مش جاي ؟!! ، إنت قولتلي هتيجي ومش هتتأخر
مسح على وجهه متنهدًا وقال بخفوت في لطف :
_ أنا جاي ياحبيبتي متقلقيش ، استنيني ومتناميش
عادت البهجة لصوتها حيث ردت عليه بفرحة :
_ حاضر هستناك
في الداخل التقطت فريدة الوسادة الصغيرة والقتها بعرض الحائط هاتفة في صوت مبعثر وبائس :
_غبية إيه اللي قولتيه ده .. بدل ما تصلحي الوضع وتمحي شكه فيكي نيلتي الدنيا اكتر ، كان لازم يعني تنفعلي وتقولي اللي شايلاه جواكي !!
                                    ***
في مدينة كاليفورنيا بأمريكا تحديدًا داخل منزل حاتم ……
يجلس بغرفة مكتبه الخاصة وأمامه حاسوبه النقال ، يتنقل بين الصور بقلب منفطر ، اشتاق لها كثيرًا ولا ينكر هذا .. ومشاهدته لصورها ربما ترضى القليل من شوقه وتطفي النيران المشتعلة في صدره من فراقها ، حديثهم الأخير معًا وكلماتها لا تزال تتردد في أذنه .. هي لديها الحق بكل كلمة ، لم يكن موجودًا في الوقت التي كانت فيه بحاجة إليه .. وحين عاد كان الآوان قد فات .. لكن هذا لا يمحي حقيقة حبه لها وأنه لا يزال حتى الآن يريدها وقلبه يعاني من فراقها .
انفتح الباب وظهرت من خلفه نادين وهي تحمل فنجانين من القهوة ، فانزل غطاء الحاسوب قليلًا حتى لا ترى الصور ونظر لها مبتسمًا فقالت وهي تقترب منه وتضع القهوة على سطح المكتب أمامه :
_ شو عم تسوي ؟
حاتم ببساطة وهو يتلقط فنجان القهوة :
_ ولا حاجة .. ميرسي على القهوة
نادين وهي تدقق النظر به :
_ العفو .. بس ليش شكلك مو عاجبني في شي صار ولا شو ؟!
_ مفيش حاجة يانادين متقلقيش ، أنا مخنوق شوية بس
جلست على المقعد المقابل له واستندت بمرفقها فوق سطح المكتب واسندت كفها أسفل وجنتها متمتمة برقة تليق بجمالها المذهل :
_ ويا ترى شو السبب ؟
ابتسم لها وقال بغمزة مشاكسة :
_ طبعًا لما تبعدي عني ببقى مخنوق ومش طايق نفسي
قهقهت بخفة على مشاكسته وبادلته إياها وهي تتصنع الخجل :
_ لك عم تحرجني هيك والله
علت ضحكته الرجولية ، وبعد لحظات قصيرة تلاشت ابتسامته تدريجيًا وجمدت ملامحه ثم نظر لها وسأل بنظرات تائهة :
_ نادين هو إنتي شيفاني شخصية إزاي !
تعجبت من سؤال وطالت النظر في وجهه ومعالمه العابسة فتنهدت بحرارة وقالت بنعومة مبتسمة :
_ عم شوفك .. أفضل صديق وأخ وأب ، إنت بتعرف إني ما إلى حدا غيرك .. يكفي إنك ضليت جمبي في أوقاتي الصعبة وما تركتني بنوب لحالي ، يمكن ما قلتلك هاي الكلام من قبل بس حقيقي إنت كِل بنت تتمناك .. رِجال وقلبك كبير وكتير حنين وأهم شي إنك مخلص في حبك لأي شخص بحياتك .. يعني عن جد أنا ما بيكفيني اليوم كِله مشان احكي عنك واوصفك .. السنين اللي بينا ومواقفنا مع بعض هي ياللي بتحكي
امعن النظر بها في عينان تفيض حبًا صافيًا ونقيًا ، ربما سؤاله كان بدافع معرفته لجوانب شخصيته لربما يرضى ثورانه وعدم فهمه لمعارضة كل شيء له في حياته .. وظن أنه هو الذي يفسد كل شيء بأفعاله وجوانب شخصيته السلبية ، لكن لم يكن يتوقع أن يسمع منها كل هذا الكلام .
مد يده واحتضن كفها الناعم بين كفيه متمتمًا بنظرات دافئة :
_ وهفضل دايمًا جمبك لغاية ما اسلمك لعريسك بنفسي واكون مطمن عليكي
ظهرت ابتسامة شبه مختفية على شفتيها لم تصل لعيناها حتى وقالت بخفوت :
_ شو سبب السؤال ؟
_ مفيش سبب حبيت أسأل عادي .. بس دلوقتي أنا فهمت إنت مستحملاني ليه رغم عيوبي التي لا تحتمل
نادين بضحكة رقيقة ولطيفة :
_ أي مجبورة .. مو قدامي حدا غيرك .. لا عم امزح نحن اتعودنا على بعض ياحاتم وعيوبنا ما عادت بتضايق حدا منا .. بتعرف أنا بفرح وبحس بالفخر إني أنا الوحيدة ياللي بتقدر تهديك بوقت عصبيتك ولما يجن جنونك هيك وتضل تكسر وتصرخ بالكل
حاتم ضاحكًا :
_ يجن جنوني !!
_ ما تتريق على .. بدل ما اضربك والله
اماء لها بالموافقة كاتمًا ضحكته ، ثم رفع فنجان القهوة لفمه وارتشف منها ببطء وهتف بصدق :
_ تسلم إيدك على القهوة والله بجد
_ thank you ( شكرًا لك )
                                     ***
عودة للقاهرة بمصر …..
يقود عدنان السيارة وعقله مشغولًا بالتفكير في كلمات فريدة .. أو بالأخص في جملتها الأخيرة .. لم يعد يفرق معها !! .
أصدر تنهيدة حارة عندما وجد صوت رنين هاتفه يرتفع فمد يده وفتح الاتصال وكذلك مكبر الصوت ليجيب على ابنته .. وبينما هو منشغل بالحديث والقيادة كانت تسير شاحنة نقل ضخمة باتجاهه من الشارع الموازي واصطدمت بسيارته بقوة .. !!!
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد