Uncategorized

رواية أغلال لعنته الفصل التاسع عشر 19 بقلم إسراء علي

 رواية أغلال لعنته الفصل التاسع عشر 19 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل التاسع عشر 19 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل التاسع عشر 19 بقلم إسراء علي

لا أتذكر قلبي إلا إذا شقه الحب نصفين
أو جف من عطش الحب
أحببتك مرغما ليس لأنك الأجمل بل لأنك الأعمق
فعاشق الجمال في العادة أحمق…
إرتد عُبيدة إلى الخلف من الصدمة و كذلك إيزيل المعنية بـ الأمور التي تفاجئت بـ هذا القرار الذي يمُسها و الذي أُتُخِذَ عنوة دون رأيها، نهضت إيزيل و تقدمت من عمتها و قالت بـ نبرةٍ تُنبئ بـ خطورة
-مين اللي هيتجوز مين!
-أجابت عمتها بـ هدوء:وقاص هيتجوزك عشان نرجع حقك يا إيزيل…
ضحكت إيزيل رُغمًا عنها ثم نظرت إلى عُبيدة الذي لا يظهر عليه أي رد فعل ينتمي أنه على قيد الحياة ثم قالت بـ إستنكار
-و جوازي من وقاص هو اللي هيرجع حقي يا عمتو!!…
إقتربت منها إحسان ثم وضعت يديها على ذراعيها ثم قالت بـ قوة و هي تشد يدها عليها من حين لآخر
-مين اللي هيحميكِ من الحيوانات دي! سعيد مكتفاش بـ إنه يهددك لأ و هدد إبني و كان هيقتله…
نظرت إيزيل إلى يد عمتها ثم إليها و قالت بـ نبرةٍ جامدة
-و دا مش سبب كافي يخليكِ تبعدي إبنك عني، لأ و يطردني من الشركة!
-شهقت إحسان و قالت بـ إستنكار غاضب:أكل الحقوق مفيهوش خوف، إتعلمت كدا من مُحيي الدين، و إسمعي يا إيزيل مش معنى إني ساكتة يبقى مش بعمل حاجة…
حدقت بها إيزيل بـ عدم تصديق ثم إنتظرت المُتبقي من حديث عمتها و التي قالت بـ صوتٍ بدأ يرق و يتغلف بـ الحنان
-يا بنتي أخويا مات و سابك أمانة عندي و معرفتش أقف قدام العيلة، بس عشان إتجوز مامتك اللي مش على مزاجهم
-تنهدت إيزيل و قالت بـ نبرةٍ ميتة:بس أنا إتنازلت عن حقي، و هتنازل عليه أكتر لما أشوف وقاص بيتأذي بـ سببي…
و على صوت الحديث الدائر بينهما خرج وقاص و أنهى ما يحدث بـ حديثٍ واحد لا تقبل النقاش حتى إنها أسكتت إيزيل
-تقدري تقوليلي هتدافعي عن نفسك إزاي و أنتِ إتطلقتِ و طليقك حتى ميعرفش إيه اللي بيحصل! و بنتك مش خايفة عليها يا إيزيل!!
-تلعثمت قائلة:هو، هو ميعرفش حاجة، و أنا محكتش…
إقترب وقاص من إيزيل و نظر إلى عُبيدة من طرف عينهِ فـ وجد ملامحهِ مُتجهمة بـ شدة، و أحس بـ الحُزن لأجلهِ و لكنه لن يتراجع ثم أكمل
-لو شايفة إنك هتتحملي ذنب، فـ لأ إعتبريه تاري يا إيزيل، محدش يأذيني بـ الغباء دا و هسكت
-صرخت إيزيل:كفاية صراعات و ضرب و خناق على ورث ولا ليه لازمة، أنا لو بصيت على حاجة فـ كُنت ببص على العيلة، اللي هربت منها لواحد عشان أكون معاه العيلة اللي بتمناها و برضو ملقتهاش…
أخرجت إيزيل نفسًا مُرتجف و إرتعشت يدها ثم أكملت و يداها تتهدل جوارها
-مش عايزة صراع على الفاضي، لو على الورث اللي أكلوه فـ الله الغني، أنت مديت إيدك و ساعدت مرة يا وقاص و مش مُجبر تساعدني تاني، و أنا راضية
-هتف وقاص بـ خشونة:و أنا مش راضي…
قبضت على يدها و ضحكت ثم قالت و هي تضرب فخذيها بلا حول أو قوة
-مش لازم ترضى، أنا مُكتفية يا وقاص، بنتي و أمي و أنا بخير و إحنا راضين الحمد لله
-كان هذا صوت عمتها و هو يقول:و إحنا مش هنرضى بـ الظُلم، دا مال يتيم كلوه عليكِ من زمان، و غير كدا بتتساومي على حقك أصلًا…
زفرت إيزيل و قالت بـ نفاذ صبر و قد بدأت تفقد أعصابها، هي لم تُرِد يومًا صراعات تُشبه تلك، حتى تهديده لسعيد و أنها ستستعيد حقها ما هو إلا تهديد واهي حتى لا يقتنص الفُرصة و ينقض عليها مُستغلًا خوفها
-مش ناقصة عداوات يا عمتو، صدقيني والله مش عايزة حاجة مُمكن تكون سبب فـ أذاكوا، و بعدين بنتي مش هقدر…
لم تُكمل حديثها فـ قد تقدم عُبيدة و قاطع حديثهم قائلًا بـ صرامة و حزم
-نتكلم فـ الموضوع دا بعدين، مش وقته
-إلتفتت إليه إيزيل تصرخ:مش من حقك تدخل…
نظر إليها عُبيدة بـ نظراتٍ أجفلتها ثم حول نظرته إلى رُكنٍ بعيد و قال مُبتسمًا و كأنه لم يتحول إلى وحشٍ مُنذ لحظات
-تعالي يا أسيل، عشان تروحوا، الوقت إتأخر…
شهقت إيزيل و إلتفتت إلى حيث تقف أسيل، و وجدتها تقترب منها و على وجهها ملامح الخوف و التردد فـ إنحنت و إبتسمت إبتسامة لم تصل إلى عينيها
-تعالي يا حبيبة ماما، هنروح
-نظرت أسيل إلى الوجوه من حولها وسألت:أنتوا بتتخانقوا ليه يا ماما!
-مسحت إيزيل على خُصلاتهِا و قالت:مكناش بنتخانق يا روحي، بس كُنا بنهزر بـ صوت عالي، يلا نروح!…
أومأت أسيل و أمسكت إيزيل يد إبنتها و نهضت، ثم إلتقطت حقيبتها و تحركت تجاه الباب دون أن تُودع أحد، فـ هتف وقاص بـ صوتٍ قوي
-كلامنا مخلصش يا إيزيل لسه…
أشار عُبيدة بـ يدهِ علامة ليتوقف عن الحديث ثم قال و هو يتبع إيزيل
-كفاية كدا يا وقاص، مش وقته
-أنت رايح فين!
-أجاب و هو يلتقط مفاتيحه:هوصلها، مش هسيبها لوحدها فـ وقت زي دا…
و أنهى عُبيدة حديثه وإتجه يتبع إيزيل، و لا يعرف سبب تلك المشاعر المُتخبطة ما بين غضب و عدم إرتياح، و لكن ما هو مُتأكد منه أنه لا يُريد من وقاص أن يتزوج إيزيل
و هذا ما يجعله يشعر بـ الغرابة لماذا الغضب و الحيرة؟
********************
فتح عُبيدة السيارة لتصعد إيزيل ثم في الخلف رفع أسيل و قَبّلها ثم وضعها و وضع حزام الأمان، ثم توجه إلى مقعدهِ و إنطلق في صمتٍ تام، مشاعره لا تزال تقتله و لا تجعله قادرًا على مواجهِ ما يعتمل داخله، لأول مرة يقف حائرًا أمام شيءٍ مجهول
لطالما كان عُبيدة من أؤلئك الذين يعرفون جيدًا ما يُريدون، يستطيع أن يواجه مشاعره، مُستقبله، مَنْ يُريده و من لا يُريده و لكن معها تبخر كُل ذلك و أصبح يقف كـ التائه في مدينةٍ كبيرة لا يعلم عنها سوى اسمها
و هذا يقتله و يجعله غاضب من نفسه و منها و من وقاص الذي الأحمق الذي يعرض الزواج عليها في وقتٍ حرج له، في وقتٍ كان يُربت ما بـ داخلهِ و يُرتب تلك المشاعر المُراهقة التب بدأت تندلع داخله
-معلش لو كُنت إنفعلت عليك فوق…
لم ينتبه أولًا لحديثها و لكنه إستدار بـ رأسهِ إليها و عقد حاجبيه و كأنه لا يعلم ما تعنيه، فـ أعادت إيزيل حديثها و كُل صلفها و غرورها يتهشم أمامها
-يعني فوق لما كُنت بتحاول تنقذ الموقف…
رفع حاجبيه عندما تذكر ثم إبتسم شبه إبتسامة و قال بـ نبرةٍ رخيمة
-لا أبدًا، محصلش حاجة، أنا فاهم…
حديثه كان مُبهم و هي تفهم ما يفعله، لأجل صغيرتها المشغولة بـ الهاتف و اللعب عليه، لتتنهد إيزيل و تنظر من النافذة فـ جاءها صوت عُبيدة الذي جاء مُطمئنًا بـ غرابة
-كُل حاجة هتتحل إن شاء الله…
نظرت إليه و لا تعرف أن نظراتها إمتزجت بـ الإمتنان و شيءٍ آخر، و قرأه هو بـ وضوح و إتسعت إبتسامته، لتبتسم هي الأُخرى ثم قالت و هي تنظر إلى أسيل
-أجمل حاجة كانت هي، و إتعلمت برضو إن التسرع فـ قرارات و إني أمشي ورا قلبي من غير تفكير هيوقعني، بس التجربة بطلع منها مُستفيدة…
لا تعلم لِمَ تقُص عليه هذا و لكنه بدى يستمع بـ إهتمام و كأنه يلتهم حديثها فـ أكملت إيزيل شاردة
-لما بابا إتوفى كُنت صغيرة و حاولت كتير إني أقرب من عيلة بابا بس ماما كانت بتمنعني، و كُنت بزعل، و لما كبرت فهمت هي عملت كدا ليه، ملقناش جنبنا غير عمتو إحسان و وقاص…
إبتسمت و تلاعبت بـ خاتمٍ في إصبعها و قالت مُكلمة و بدأت معالم وجهها تختفي منها الإبتسامة
-هو اللي وقف جنبي عشان يرد حقي و معرفناش برضو، الكُترة تغلب الشجاعة، فً عشان يريح ضميره، إداني منصبك اللي كُنت المفروض تاخده…
تجعد جبينه لتلك الذكريات المُخجلة و تنتحنح ثم قال بـ صوتٍ مُغمغم
-ما خلاص بقى اللي كان كان و فهمت
-ضحكت و قالت:على فكرة مش قصدي حاجة، أنا بفهمك إن وقاص إنسان جميل و بيحاول يرضي ضميره حتى لو مكنش أذاك فـ حاجة…
تجهمت ملامح وجهه و قبض على المقوّد دون أن تلحظ ثم سألها بعد تردد و صراع داخلي لم ترَ منه سوى السؤال الذي خرج مكتومًا إلى حدٍ ما
-و هتوافقِ على الإقتراح!
-أجابت بـ إندفاع:لأ طبعًا، مُستحيل أورط وقاص فـ حاجة، و كفاية الذنب اللي محمله لنفسه…
شعوره الداخلي و ثوراته هدأت، و سيطر على إبتسامهٍ كادت أن تشق وجههِ فـ أكملت إيزيل
-أنا عارفة إن بيعمل كدا عشان إحساسه بـ الذنب، بس مقدرش أخليه يتخلى عن حاجات و يحط نفسه فـ موقف صعب عشاني، كفاية اللي عمله
-إبتسم من زاوية فمه و قال:زي ما قلتِ، وقاص بني آدم جميل و بيحاول يساعد الكُل، حتى ولو على حساب نفسه…
إستدارت إليه إيزيل و حدقت في ملامح عُبيدة الوسيمة بـ خشونة، عينيه الزرقاوين بـ جمالٍ مُخيف تستطيع سبر أغوارك بـ سهولة، و الشيب الذي خط شعره فـ أضاف إليه هيبةٍ، و أخلاقه التي يتمتع بها و التي تجعله هدف دسم لأي فتاة جعلتها تبتسم ثم قالت بـ نبرةٍ صادقة
-و عرفت مين اللي زرع كُل دا فـ وقاص
-سأل بـ تعجب و لم يعِ أنها تتحدث عنه:مين!
-عبست و قالت:و مين اللي أخد باله من وقاص و عمتو و أسعد غيرك!…
لأول مرة يشعر أنه قام بـ إنجاز يستحق الثناء، كُل ما فعله قبلًا كان بـ دافع حُبه لوقاص و أبيه، و لم يكن يعلم أنه شيء سيتذكره أحد أو يفهمه بـ هذه الطريقة فـ إبتسم و قال
-أنتِ شايفة كدا!
-طبعًا و مش شايفة غير كدا، أنا اللي فهمتك غلط
-مازحها قائلًا:و جرحتِ مشاعري، أنتِ متعرفيش عيطت أد إيه فـ أوضتي لما روحت…
ضحكت إيزيل بـ قوة حتى أن خُصلاتهِا تناثرت من حركة رأسها، فـ حدق بها مذهولًا، متى كانت بـ هذا الجمال الصارخ؟ و كيف لم يلحظه سابقًا؟ من المُمكن أن يكون لاحظه و لكنه تعمد غض الطرف عنه نظرًا لِما لاقه من أسلوب فظ
توقفت إيزيل عن الضحك و نظرت إليه من جديد، كانت تحتاج حقًا إلى شيءٍ بسيط يُبهجها و قد فعل، و قبل أن تتحدث فاجئها عُبيدة قائلًا بـ نبرةٍ عذبة مع إبتسامة جميلة
-ضحكتك حلوة جدًا، متبطليش ضحك…
و ختم حديثه بـ نظرةٍ جعلت عينيها تتسع و تحمر خجلًا بعد وقتٍ طويل من الخجل، و أدارت وجهها، تضع يدها على فمها تُخفي إبتسامة تُشبه في حلاوتها حلوى غزل البنات، و لكنه قد لاحظها و إنتهى الأمر
ليُعلن القدر عن دقات عقارب جديدة تسير عكس الإتجاه و تركي بك إلى زمنٍ يُخبرك
“أن لا شيء هُنا سوى الحُب!”
********************
في مساء اليوم التالي
بعد إنتهاء العزاء و كان آخر يومًا به
توجه قُتيبة إلى حيث يتواجد رفعت ثم صافحه و قال بـ نبرةٍ خشنة
-البقاء لله
-رد عليه رفعت بـ تعب:و نعم بالله، شُكرًا لوقفتك جنبنا و آسف على آآ
-قاطعه قُتيبة قائلًا:معملتش غير الواجب، بنتك كانت فـ أمانة مراتي و أمانتها تبقى أمانتي بـ الظبط…
أومأ رفعت بـ صمت، لقد تعجب حقًا لزواجها من قُتيبة، لقد تركها و كان يعلم أنها ستتزوج رشاد و لكن ماذا حدث لا يعلم
صافح رفعت أحدهم ثم وجه حديثه إلى قُتيبة الذي يقف جواره
-تقدر تاخد كيان، معلش فرقتك عنها كتير…
غمغم قُتيبة بـ شيءٍ غيرِ مفهوم، يبدو أنه لا يعلم أنه قضى ليلته أمس معها هُنا، لذلك آثر الصمت و إنتظر نزول كيان، التي أتت بعد فترة قصيرة و معها حوراء التي تقدمت من قُتيبة و قالت بـ نبرةٍ ضعيفة، شاردة
-شُكرًا على وقوفك جنبي، مش بس دلوقتي، لأ فـ كُل وقت
-رد قُتيبة:أهم حاجة، ترجعي تاني حوراء بتاعة زمان…
مدَّ قُتيبة يده لكيان التي وضعت يدها بها ثم قال بـ صوتٍ أجش
-يلا نروح!
-أومأت بـ تردد:ماشي…
و قبل أن يرحلا وجدا من يقترب منهم، فـ رفع قُتيبة رأسه ثم غمغم بـ نفاذ صبر و غضب أوشك أن ينفجر
-يا صبر أيوب…
تقدم الرجل منهم ثم صافح رفعت و قال بـ تعاطف
-البقاء لله يا رفعت باشا، ربنا يصبركوا
-رد عليه رفعت بـ خفوت: نعم بالله…
كان قُتيبة يُمسك يد كيان بـ قوة و إقترب الرجل منه ليصافحه ظنًا منه أنه أحد أقارب رفعت و لكنه توقف مذهولًا و إتسعت عينيه بـ دهشةٍ و بصره يتركز على كيان، حينها تململ قُتيبة و زمجر بـ عُنف ثم وقف أمامه يمنع عليه الرؤية ثم قال بـ صوتٍ مُخيف رغم إنخفاض نغمته
-فيه حاجة!…
كان الرجلُ شاردًا يكاد ينتهي العالم و هو لا يزال على وقفتهِ، قبل أن يستعيد تركيزه ثم قال بـ إعتذار
-لا أبدًا، هي الأنسة شبه حد أعرفه
-قربها قُتيبة منه ثم قال بـ نزق:المدام، هي اسمها مدام مش آنسة…
رفع الرجلُ حاجبه و أومأ، فقط دون أن يتحرك، لذلك زفر قُتيبة و إلتفت إلى رفعت و حوراء قائلًا على عجل
-أنا هستأذن، سلام عليكم…
ثم إلتفت و رحل يجر كيان وراءه و كأنما يركض، فـ إلتفتت إلى حوراء و قالت بـ أسف
-خلي بالك من نفسك و من باباكِ يا حوراء، و أنا هكلمك كل شوية…
أومأت حوراء و لوحت لها، ثم إندثرت في أحضان والدها، و ذلك الرجل يُتابع إختفاء كيان قبل إن يلتفت إلى رفعت و يسأله
-أنا عارف إنه سؤال مش فـ وقته، بس مين دا!
-أجاب رفعت بـ ضيق:هو مش وقته فعلًا، بس هو حد معرفة
-تنحنح الرجل في حرج و قال:آسف
-ولا يهمك، بعد إذنك…
تركه رفعت و تحرك مع حوراء إلى الأعلى بعدما ترك مُهمة إنهاء العزاء لشقيقهِ فـ قد أصابه التعب و يُريد النوم و إبنته في أحضانهِ تعوضه عن رفيقة دربهِ التي تركته وحيدًا
********************
وصلا المنزل بعد وقتٍ طويل، كانت كيان بها تشعر بـ تعب رهيب و خففه هو، كان يُقربها منه، يُحاوط كتفها و يتلاعب بـ خُصلاتهِا ثم يضع قُبلةً على جبينها و يُخبرها هامسًا
-تحبي أشيلك!…
فـ تضحك رُغمًا عنها و يضحك معها ثم يُخبرها مُتخابثًا بـ همسٍ آخر أشد خطورة
-والله بتكلم جد…
تنظر إليه و تبتسم و كأنها عادت صبية و هو ذلك المُراهق المُغازل بـ عبثيةٍ مُحببة ثم تنفي قائلا بـ الهمس ذاتهِ
-لأ مش مستاهلة…
و يشُد من يدهِ عليها و يودعها قُبلةً أُخرى ثم يترجلا من الحافلة ثم يصلا إلى منزلهما، فتح قُتيبة الباب و أضاء الإضواء و إبتعد لتدلف هي، و حدقت في الأرجاء و للأسف يجب أن تعترف أنها إشتاقت المنزل و إشتاقته أيضًا
أجفلت عندما عانقها قُتيبة من الخلف ثم قَبّل خلف أُذنها و همس بـ صوتٍ أجش، مُخيف
-وحشتيني و وحشتي بيتك…
لم ترد كيان إنها لا تزال في حيرةٍ من أمرها، و غيرت الموضوع قائلة
-بس عجيبة البيت نضيف!
-قهقه و وضع كفه فوق كفها و قال:منا كُنت بحافظ على نضافته عشان متعبكيش…
إستدارت بـ رأسها و نظرت إليه بـ نصف عين ثم قالت بـ تشكك
-شكلك عامل مُصيبة…
أبعد رأسه عنها ثم رسم تعابير بريئة و قال
-أنا!!! خالص
-أنذرته بـ تحذير:قُتيبة!!…
أدارها إليه ثم حاوط خصرها و قال واضعًا جبينه على جبينها
-عايز أكل من إيدك، مكلتش أكلة عليها القيمة من ساعة أما مشيتِ
-صرخت قائلة و هي تُحاول التملص منه:لاااااء يا قُتيبة، مش هيحصل تاني
-قَبّل وجنتها و قال بـ إستعطاف:عشان خاطري…
زفرت كيان بـ تعب، ثم قالت و هي تبتعد عن ذراعيهِ بـ حنق قد بلغ مبلغه معها
-إوعى هغير و أدخل…
إنفرجت أساريره و قَبّل ثغرها مُتحمسًا، يبدو أنه كان يتضور جوعًا الأيام الماضية، تفاجئت كيان و لكنها أومأت ثم دخلت الغُرفة تُغير ثيابها ثم خرجت إلى المطبخ
ما أن دلفت و أضاءت الأضواء حتى شهقت و إتسعت عينيها صارخة و هي تلتفت إلى قُتيبة
-نهارك إسود و منيل! إيه اللي حصل فـ المطبخ دا!…
يبدو أنها إكتشفت الكارثة التي إفتعلها الأيام السابقة، إقترب منها و نظر إلى المطبخ، ليشهق قائلًا بـ تفاجؤ
-مين اللي عمل فـ المطبخ كدا!…
تخصرت كيان و إلتفتت إليه قائلة بـ نبرةٍ تُنذر بـ الشر
-والله! تحب أعرفك مين اللي عمل كدا!
-قرص أنفها و قال:لأ عارف، و يلا إعملي الأكل عشان جعان
-مش هنضف الزفت اللي عملته دا
-سألها بـ إستنكار يُثير الغيظ:يعني هتعملي الأكل على كدا!
-ولا دي هعملها كمان…
ضحك قُتيبة و تركها بعد أن رمقها بـ نظرةٍ تُفيد ستفعليها كياني، نظرت خلفه بـ نظراتٍ مُحتقنة و ضربت الأرض بـ قدميها و إضطرت آسفة أن تبدأ في غسل الأطباق، لِمَ أجبرها على الزواج منه؟
الحقيقة هو لم يُجبرها، لن تكذب لقد تزوجته لأنها أرادت ليس لأنه حطم إرادتها في الإبتعاد عنه، و كيف السبيل لـ الإبتعاد و هي لا تُريد؟ يا إللهي لهذه الفوضى الكبيرة التي يُحدثها قلبها والأنكى أن عقلها يبدو و كأنه يئس منها فـ قرر الدخول في بيات شتوي و رُبما سُبات أبدي
تنهدت كيان و هي تقف بـ المطبخ تغسل الصحون الذي خلفها الفوضوي، الكاره للنظام، ثم مسحت يدها و إتكأت بهم إلى حافة الحوض و تنفست الصعداء، لقد آلمها ظهرها لطول المُدة التي وقفت بها
-إتمردتِ و فـ الآخر نضفتِ الدنيا…
فجأة إستمعت إلى صوتهِ البغيض في نظرها و تشنج جسدها للحظات و لكنها سيطرت على إنفعالاتها ثم إلتفتت إليه بـ برود و قالت
-عشان عايشة مع همجي، مبيعرفش يحافظ على نضافة المكان…
رُغمًا عنها تفادت النظر إلى هيئته العضلية التي بناها في السجن و خارجه و هو يقف أمامها بـ كنزة داخلية و كنزته السوداء يعقدها حول خصره فوق سروال قصير يصل إلى رُكبتيه و شديد الضيق، و تنفست بـ توتر و قد بدأ وجهها يتورد غيظًا لا خجلًا لأنها تعلم أنه ما يفعل ذلك سوى لإثارة غيظها و شيئًا آخر خبيث تعلمه جيدًا و الأشد غيظًا أنها تُريد ما يُريده و لكنه لن يأخذه بـ هذه السهولة
سمعته يقول بـ برود مُغيظ مع إبتسامة بغيضة و هو يضع يديه في جيبي بِنطاله
-و أنضف ليه و أنا عارف إنك أنتِ اللي هتنضفِ
-هتفت بـ إستياء و غضب:اللي إختشوا ماتوا
-ضحك قُتيبة و قال:منا لسه عايش قُدامك…
لم ترد كيان و هي تعلم أنها لن تنتهي من حوار عقيم، فـ نزلت مئزرها ثم حاولت الخروج من المطبخ و لكنه أعاق خروجها مُمسكًا بـ ذراعها، ليهتف بعدها وهو يُقربها منه
-طب إيه! مش ناوية تعطفِ على قلبي المسكين بـ حتة سُكر
-صفعت يده و قالت بـ حدة:إوعى، و إمشي من قُدامي
-هتندمِ
-تملصت كيان منه و قالت:ملكش دعوة لما أندم إبقى تعالى و قطم فيا…
زم قُتيبة شفتيه و تنهد ثم إبتعد عنها و تركها تمر، ليستدير بعدها قائلًا بـ ملل
-طب إبقي هاتيلي معاكِ دوا للقلب…
إستدارت كيان مُجفلة ثم حدقت به مليًا قبل أن تسأله بـ نبرةٍ قلقة
-ليه؟!
-أجاب و كأنه شيئٍ عاديٍ:أصلك تاعبة قلبي…
عادت كيان ثم ضربت كتفه و قالت بـ نبرةٍ حانقة
-خلي عندك دم حرام عليك…
تعجب قُتيبة لصوتها و حاول تهدئتها إلا أنها أبت أن تفعل، لتركل ساقيه قائلة بـ صوتٍ هادر لا ينتمي لأُنثى
-مبسوط كُل شوية و أنت تاعبني كدا! مرة تعبان مرة جعان مرة وحشتيني
-أمسك يديها و هدر:كيان إهدي…
حاولت التملص منه و لكن بلا فائدة لتعود و تصرخ
-مش ههدى أنا تعبت يا قُتيبة و أنت سبب تعبي…
تصلبت ملامح وجهه و تجمدت كأنه تمثال حجري شديد القسوة ثم هتف بـ صوتٍ جامد
-سبب تعبك!!…
أومأت و تهدلت رأسها بـ يأس قبل أن ترفع رأسها باكية، و هو حقًا لا يعرف سبب إنفجارها المُفاجئ، ثم هتفت بـ نبرةٍ شاردة، بعيدة كُل البُعد عنه
-كُنت مفكرة إني هبطل أحبك، كُنت مفكرة بـ اللي عملته هكرهك…
ربت على خُصلاتهِا يُخفف عنها ثم جذبها إليه يُعانقها فـ تشبثت به كـ طفلةٍ تائهة وجدت أبيها بعد عناء، و تركها تُخرج مكنونات قلبها و هو سيتقبل كُل ذلك بـ صدرٍ رحب
-قُلت كتير و حاولت بس مقدرتش يا قُتيبة
-هدر بـ خشونة مُخيفة:و لا أنا قادر أبعدك عني…
أومأت تُؤكد على حديثهِ ثم أكملت و يديها تتشبث بـ كتفهِ العاري
-حُبك ليا مرض يا قُتيبة، و مرض مش هتشفى منه غير بـ موتك…
حاولت الإبتعاد عنه و آبى هو في البداية و لكن تركها بعد مُدة بـ مساحةٍ صغيرةٍ فقط تسمح بـ رفع رأسها له و النظر إليه ثم أكملت و هي تبتسم بـ ألم
-حُبك ليا هتشقى بيه طول حياتك و كأنه لعنة بتطاردنا إحنا الإتنين…
أمسك وجهها و هدر بـ شراسة رافضًا مبدأ الإبتعاد عنها، رافضًا ما تنوي قوله
-أنا راضي بـ شقايا معاكِ، مشتكتش و مش هشتكي، و لو مفكرة إني هبعد و أسيبك يبقى بتحلمي…
إبتسمت بـ ألم أكبر ثم أبعدت يدها عن كتفهِ و حاوطت وجهه قائلة بـ إستسلام جعل الذهول يكتنفه و ضربات قلبه تُغادره
-و أنا مش عيزاك تبعد، مش عايزة أعيش ثانية من غيرك…
فغر فمه يُحاول الحديث و لكن كيان وضعت يدها على فمهِ تمنعه ثم قالت بـ سُرعة قبل أن تخونها شجاعتها
-أنا بحبك يا قُتيبة و حبيتك و هفضل أحبك، يمكن دا الحُب الوحيد اللي أعرفه فـ حياتي…
يتبع…… 
لقراءة الفصل العشرون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد