Uncategorized

رواية أغلال لعنته الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم إسراء علي

 رواية أغلال لعنته الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم إسراء علي

هي كـ أول قطرة مطر بعد الجفاف
هي كـ أول زهرة تتفتح بعد إختفاء الألوان
كـ أول فاكهة ناضرة تدخل جوفي تُمحي جوعي
هي كـ أول ورقة شجر تتساقط تُعلن عن بداية عاصفة
و تعاقبت على شتاء قلبي كـ فصول السنة
أليست رائعة هي!!… 
-كفاية ضحك و إبتسامات مُتخلفة… 
بـ خجل و غضب و وجنتين مُخضبتين بـ حُمرةٍ تؤنبه، تُغظيها إبتسامته و إنتصاره الذي حققه عليها بعدما إمتص منها إعترافها، رغم أن إعترافها كان ساذج غير مُباشر إلا أنها إعترفت و هو فَهَمَ ما توده
و وقاص لم يتوقف عن الإبتسام بل وضع يده على وجنتها لتُجفل و تُبعد وجهها، إلا أنه كان مُصرًا على وضع يده على وجهها، ثم الأُخرى و دنى مُقبلًا جبهتها و هتف و هو يُداعب وجنتيها بـ إبهاميهِ
-يكفيني الإعتراف دا يا كِنانة، و يكفيني إنك عارفة 
-تلوت أصابع يدها و سألت بـ غمغمة:عارفة إيه! 
-ضحك بـ خفوت و همس:معتش فيه هروب… 
عضت شفتيها بـ التناوب ثم رفعت رأسها في جُرأةٍ غريبةٍ عليها في الوقتِ الحالي ثم قالت بـ نبرةٍ مُحتقنة
-ما أنت هتتجوز إيزيل الصفرا
-قطب و سأل:إيزيل إيه! 
-هتفت بـ توضيح:الصفراااا… 
نظر إليها بـ لوم فـ مطت شفتيها و قالت بـ حنق 
-الله! بكدب أنا مش بتنزلي من زور… 
تنهد وقاص و أنزل يديه لتُحاوط ذراعيها ثم أردف بـ هدوء مُبتسم 
-كِنانة أنا قُلتلك فـ بداية كلامنا لو فيه ذرة واحدة، أو واحد فـ المية من مشاعرك ليا، مش هتردد ثانية و أجيلك 
-يعني هتتجوزها و تجيلي! 
-ضم شفتيه بـ غضب و قال يائسًا:أنتِ غبية… 
شهقت و فتحت فمها ثم ضربت كتفه قائلة بـ حدة
-بتعلمه متك
-دفعها بـ خفة و قال:على الأقل بتتعلمي حاجة… 
أخرجت صوت إعتراض من فمها و زفرت، ليُغمض وقاص عينيه ثم قال بـ صوتٍ أجش، عميق 
-كِنانة، أنتِ أول تجربة و أول واحدة فـ حياتي، تفتكري هعرف أكدب أو ألعب! 
-و أنا أعرف منين إنك صادق!!… 
إبتسم من زاوية فمه و أومأ كأنه يوافقها في الرأي ثم قال بـ هدوء 
-هتعرفِ فـ كُل تصرف معاكِ، و فـ كُل نظرة، و كُل وعد و كلمة هقولها… 
نظرت إليه من طرف عينها و ضمت شفتيها ثم تململت قائلة بعد زفرة ثقيلة 
-و لو حسيت بـ شك
-أكملها حديثها مُبتسمًا:لو حسيتِ بـ شك يبقى حقك تهربِ، إمشي و هتديكِ عُذرك… 
يُخيفها ليس لبساطة حديثهِ في التخلي عنها بل لثقته التي يمنحها لها في كلماتهِ الواثقة، كلماته التي يُخبرها بها أنه صادق، و أنه لن يخذلها و هذا أكثر إخافة من شخصٍ كاذب 
مال بـ رأسهِ ينتظر ردها، و بين ترددها و خوفها مما هي مُقبلة عليه، زفرت و قالت بـ نبرةٍ مُتلعثمة و غريبة عن كِنانة التي تعرفها 
-مـ ماشي… 
تفاجئت بـ إتساع إبتسامتهِ و حلاوتها المُذيبة لثلوج قلبها كـ حرارةٍ شديدةٍ جعلت وجنتيها تتوردان فـ أحنت رأسها إلى أسفل
وجدت يده تمتد ينتظرها لتضع يدها فـ وضعته بعد تردد و توتر، ليُشابك أصابعه من خاصتها ثم قال بـ صوتٍ جعل قلبها يرتجف، و هي شخصيًا على حافةِ الإنهيار
-الإيد دي مش هتسيبك أبدًا يا كِنانة و لا هتخذلك… 
حاربت إبتسامة لتخرج منها كـ أُنثى تسمع لأول مرة عبارات الوعد الغرامي، لتقول بـ قنوط زائف
-أحسنلك يعني
-إلتقط حقيبتها و قال بـ إبتسامة شقية:هخاف حاضر
-أخذت الحقيبة بـ عُنفٍ و قالت:متتريقش 
-أومأ مُطيعًا:حاضر… 
أحست بـ يدهِ مع كُل خطوة يخطوها إلى الخارج، أن يده تشتد عليها أكثر، تشعر و أنه يُحاول عدم إفلاتها يظن أنها ستهرب و هي ستفعل و لكن ليس الآن، على الأقل عندما ترتوي من القليل من المشاعر، هي لن تكون جشعة بل فقط ترتوي من تلك المشاعر التي لطالما قرأت عنها و رأتها فقط
القليل فقط يُرضي فضولها و ستهرب، هذا إن إستطاعت! 
********************
بعد مُنتصف الليل بـ ساعتين
نهضت كيان من الفراش بعدما أزاحت يد قُتيبة عنها بـ رفقٍ و إلتفتت إليه، كان يُشبه الطفل التائه الذي وجد والدته بعد طول عناء، بعد بحثٍ دام سنوات و أخيرًا وجد أمانه بين أحضانها، بكت دون أن يعلم و ليتها لم تُصر على البوح
قصّ عليها قُتيبة بعضًا من الذكريات الشنيعة منها هربه منه لمدةِ ثلاثةِ أيام و عند عودته لاقى عِقابٍ مؤذٍ نفسيًا أكثر منه جسديًا، كان هو والدته يتعرضان إلى العُنف الأسري بـ صورةٍ سادية مُقززة و لم يجدا ملاذًا يهربا إليه فـ إستسلما لمصيرهما العنيف
تنهدت و رفعت يدها تمسح عبرة فرت منها ثم مسحت على وجههِ بـ رقة ثم دنت و قَبّلت جبينه، وجدته يتململ فـ سكنت حتى عاود الهدوء، لتنهض كيان و إرتدت مئزرها الحريري و إلتفت حول الفراش خاصةً أسفل رأسه و سحبت المدّية بـ رفقٍ حتى لا يستيقظ
نظرت إليها بـ تعبيرٍ مُعقد و نظراتٍ حزينة ثم قبضت عليها بـ قوةٍ و أخذتها تُخبئها في مكانٍ يصعبُ الوصول إليه، هو لن يحتاجها بعد الآن، كما تلقت كيان العلاج النفسي هو أيضًا يجي عليه تلقي المُعالجة، إنها الآن أصبحت تفهمه و تفهم بعضًا من سلوكهِ العنيف و اللوم الذي كان يقع على عاتقهِ في كلِ مرة، أصبح من نصيبها الآن
ضمت المئزر و إتجهت إليه تجلس على طرف الفِراش و يدها تجد طريقها إلى وجههِ و تسير عليه بـ رفقٍ حتى وصلت إلى فكهِ الخشن، إبتسمت و حركت أطراف أصابعها حتى وصلت إلى شِفاه السُفلى و همست مُبتسمة شبه إبتسامة
-فهمك أصعب من الرياضة
-أنتِ اللي فهمك تقيل… 
شهقت كيان عندما سمعت صوته الناعس و حاولت التراجع من الصدمة و لكنه لم يسمح لها، فـ وضع كفه على يدها التي فوق وجنتهِ ثم فتح عينيه بـ كسلٍ و قال بـ صوتٍ أجش إثر النوم 
-رايحة فين! 
-عضت شِفاها السُفلى و سألت:صاحي من إمتى!… 
كانت مُتوترة أن يعلم بـ سرقتها لمدُيته و ترقبت إجابته التي جاءت بعدما أودع باطن كفها قُبلة بـ خمول
-حسيت بـ حد بيقعد جنبي… 
زفرت كيان و حاولت سحب يدها إلا أنه منعها، ثم جذبها من ذراعيها لتستلقي بـ نصفها العلوي فوق صدرهِ لتقول بـ حمحمة
-أحم، يلا عشان تنام
-إيه اللي صحاكِ فـ الوقت دا!… 
سألها و يدٍ منه تعبث في خُصلاتهِا فـ تُعيدها إلى الخلف و ظل مُحدقًا بها، لتعبث هي الأُخرى بـ أصابعها على صدرهِ ثم قالت كاذبة
-قلقت و دخلت أشرب
-رفع حاجبه و قال:بتكدبِ، أنتِ مطلعتيش من الأوضة أصلًا
-رفعت هي كِلا حاجبيها و قالت مُستنكرة:والله! و عرفت منين بقى!… 
إبتسم قُتيبة و داعب أنفها ثم قَبّله و قال بـ نبرةٍ عميقة
-حاسس بـ نفسك معايا فـ كُل خطوة يا كيان، فـ لما يبعد أكيد هحس… 
ذمت شفتيها بـ عدم رضا، ذلك الشخص يتعمد التلاعب بها بـ استخدام الكلمات العذبة و العابثة مثله تمامًا، تنهدت كيان و سألته بـ جدية و إهتمام
-أنت كويس! 
-أجابها بـ هدوء غريب:مكنتش كويس أكتر من دلوقتي… 
حاوط خصرها و وضع يده حولها مُشابكًا أصابعه مع بعضها لتعبس كيان و تهدر بـ عصبية خفيفة 
-على فكرة أنا بتكلم جد
– بـ الهدوء ذاته هتف:و أنا بتكلم جد كمان 
-نادته لائمة:قُتيبة!! 
-قلبه!… 
لن تصل إلى أي شيءٍ و هي في هذا الوضع الخطير، تستشعر حرارة جسده و نبضات قلبه الرتيبة بـ لحنٍ عذب فـ حاولت الهرب و لكنه لم يسمح لها، لتتنهد قائلة بـ إستسلام 
-قُتيبة عشان خاطري إتكلم جد شوية… 
أطلق قُتيبة زفيرًا حارًا ثم إعتدل في جلستهِ و لم تتخلَ قبضته عنها، ليجلس عاقدًا قدميه أسفله ثم قال بـ صوتٍ جاد و قوي
-كياني أنا لو مش كويس هقول أنا مش كويس، عُمري ما هكدب
-هتفت بـ المُقابل:لأ بتكدب يا قُتيبة، عُمرك ما حسستني إنك موجوع أوي قبل كدا، عُمرك ما شاركتني ماضيك دا… 
زفر و أدار وجهه بـ قنوط و لكنها لم تسمح له فـ أعادت وجهه إليها و إستطردت تحت أنظاره الساخطة 
-حتى ليلة اللي حصل و وقت ما إتقلبت حياتنا و أنا معرفتش أي حاجة، حتى خليتني أكدب عشانه مش عشانك، ليه يا قُتيبة حاطت نفسك فـ آخر القايمة ليه! 
-صرخ بـ حدة:عشان مش هاممني غيرك، عشان لما بتكونِ كويسة بعرف إني هكون كويس، أمانك هو أماني يا كيان، لو هكون مرتاح و أنتِ تعبانة فـ دا قمة العذاب… 
لم تُصدق ما تسمعه، ذلك الهوس المُميت بها يجعلها تشعر حقًا أن قُتيبة سيموت يومًا ما إذا إختفت أو تركته و هي لا تُريد له ذلك، فـ هدرت بـ قلقٍ قائلة 
-مينفعش أبقى مرتاحة و أنت متعذب، قُتيبة أنا ميهمنيش غيرك
-رد بـ عُنفٍ:و أنا ميهمنيش غيرك… 
مسحت كيان على جبهتها بـ حيرة و قلة حيلة ثم قالت و هي تضع يدها على وجنتهِ قائلة في آخر محاولة يائسةٍ لها 
-قُتيبة! لازم تفهم إنك محتاج تدي لنفسك حقها شوية، و أنا والله مش هسيبك… 
كاد أن يتحدث و لكنها حاوطت وجهه بـ كِلتا يديها ثم أكملت مُبتسمة بـ رجاءٍ
-جُزء من سعادتي لما أشوفك بتعمل حاجة لقُتيبة مش لحد غيره
-تشنجت عضلات وجهه و سأل:و الجُزء الباقي!… 
إبتسمت بـ إتساع، إنه حقًا كما وصفته، طفلٌ يحتاج عطفها و حُبها، يأخذ كُل قلبها دون ترك شيء لتعيش به، إعتقدت أنها طفلته و لكنها الآن عرفت أنه هو من كان طفلها، إقتربت من جبهته و قَبّلتها قائلة بـ صوتٍ عذب، إخترق درعه
-و الجُزء الباقي إني جنبك… 
وجدت ملامحه تسترخي و يبتسم ثم قال مُمازحًا بعدما إطمئن قلبه 
-على فكرة أنا بعمل حاجة لنفسي و أنتِ متعرفيش
-سألته بـ إهتمام:إيه! 
-أجاب بـ حماسٍ أسعدها:فيه واحد معرفة، هيفتح مصنع واخد توكيل ماركة عربيات، هبقى شريكه، هو بـ الفلوس و أنا بـ المجهود… 
إتسعت عينيها بـ سعادةٍ قوية ثم قفزت في مكانها بـ حماسٍ سائلة إياه بـ عدم تصديق
-بجد يا قُتيبة! أخيرًا هتشتغل بـ شهادتك اللي حلمت بيها! 
-نظر إليها بـ سعادة خالصة و قال هادئًا:أنا لو أعرف إنك هتفرحي أكتر مني كُنت قُلت من زمان
-عانقته كيان و قالت:أنا فرحانة لفرحتك
-بادلها العناق بـ آخر قوي و  رد:و أنا فرحان بـ فرحتك لفرحتي… 
ضحكت كيان بـ قوة ثم نظرت إليه و همست 
-أنا بحبك يا قُتيبة… 
لم يرد قُتيبة عليها بل أجابتها عيناه في صمتٍ من المشاعر القوية، التي لن تستطيع أبدًا أن تواجهها، و هو يعلم ذلك جيدًا و يُدرك غرقها أمام طوفانه و هذا ما يُسعده، لن يسمح لها أن تطفو أبدًا 
كُلما أرادت النجاة منه سيُزيد، سيُغرقها بـ أمواجٍ تُزيد من غرقها في القاع أكثر، هي كيانه و مأمنه و حياته فـ كيف يستطيع التخلي عنها؟ 
********************
بعد مرور أربعةِ عشر يومًا
قررت حوراء الخروج قليلًا، إنها تشعر كما لو أنها تُشارف على الموت فـ حاولت الحصول على بعض الهواء المُنعش، خاصةً و الشتاء في بدايتهِ و هي لطالما عشقت هذا الطقس 
صعدت السيارة مع سائق قد وفره والدها حتى لا تتحرك وحدها ثم طلبت منه الذهاب إلى المقابر لزيارة والدتها أولًا
في طريقها قد إشترت باقة من الورد و نباتات توضع أمام القبر ثم أكملت الطريق إلى المقابر، في كُل ثانيةٍ تمر كانت تشعر بـ خفقان مؤلم، يصعبُ عليها رؤية والدتها في القبر هكذا، قبل ثلاثة أشهر كانت تضحك و تُحادثها مُخبرة إياها أن تتناول دواءها و ألا تُهمله
كانت تبتسم مُخفية ما تشعر به من ألم في كُل مرةٍ تراها، و هذا ما يُخجلها أكثر هي لم تعلم بـ شأن مرض والدتها، مسحت حوراء وجهها ثم ترجلت بعدما وصلا
ترجل السائق أيضًا و حمل معها النباتات ثم ساعدها في وضعها أمام القبر و إنتظر إلا أنها قالت بـ خفوت 
-معلش يا عمو صلاح محتاجة أكون لوحدي شوية
-أومأ بـ طاعة و قال:أمرك يا هانم، هستناكِ برة المقابر… 
أومأت و إنتظرته يرحل ثم وضعت الباقة التي كانت تعتصرها طوال الوقت و هتفت بعدما قرأت الفاتحة 
-كدا تسبيني و تمشي يا ماما من غير ما تقولي!… 
إن كانت تنتظر إجابة فـ لن تأتي أبدًا، جلست أرضًا دون أن تأبه لإتساخ ثيابها ثم قبضت يدها على حفنة من الأتربة و قالت تُجاهد بُكاءها فـ خرجت نبرتها مُتحشرجة 
-والله مش مُعترضة بس ليه مسمحتليش أكون معاكِ!… 
هطلت عبرات فـ مسحتها بـ يدها النظيفة و أكملت و هي تُنظر إلى الأعلى 
-عُميّر قالي إن دي أكيد من رحمة ربنا، عشان كان عارف إني مش هستحمل…. 
ضمت رُكبتيها إلى صدرها و حاوطتهما بـ يديها ثم قالت و هي ترمي بـ رأسها فوقهما
-بس أنتِ وحشاني أوي، و محتاجاكِ أكتر… 
دفنت وجهها في رُكبتيها و بكت كثيرًا، و مضى الوقت دون أن تعلم، حتى سمعت صوت بوابة المقابر تُفتح و نظرت إلى الخلف لتجد السائق يدلف مُحرجًا ثم قال بـ إشفاق
-لاقيتك إتأخرتِ يا ست هانم فـ قُلت أطمن عليكِ… 
نشجت ثم مسحت وجهها بـ يدها و نهضت ثم قالت مُبتسمة إبتسامة باهتة
-أنا كويسة يا عمو، كُنت بتكلم مع ماما شوية بس
-إبتسم و قال:طب يلا يا هانم، البيه قلقان… 
أومأت و نفضت ثيابها بـ إهمال و تحركت خلف السائق، و إنتظرته يُغلق البوابة ثم صعدا إلى السيارة، تحرك صلاح و أوقفته حوراء قائلة 
-لو سمحت روح على العنوان اللي هقولك عليك
-تساءل عاقدًا حاجبيه:مش هتروحي! 
-لأ، هروح مشوار الأول
-أمرك… 
إنطلقا و في طريقهما كانت حوراء شاردة تُفكر كثيرًا و ما أخرجها من شرودها توقف السيارة فجأة، جعل جسدها يهتز و يرتد للأمام، تأوهت و هتفت سائلة
-خير يا عمو! 
-إلتفت صلاح إليها و قال:آسف يا ست هانم أنتِ كويسة؟ 
-أومأت و قالت:أيوة… 
نظرت إلى الأمام و حدقت بـ السيارة التي أمامهما ثم سألت بـ حيرة 
-هو فيه إيه! 
-معرفش، العربية اللي قدام دي وقفت فجأة، هشوف الغبي دا 
-حاولت حوراء أيقافه:بلاش يا عمو مشاكل… 
و لكنه لم يكن يستمع إليها فـ قد ترجل من السيارة و تبعته هي، تمنع أي شجار يحدث
وجدت من بـ السيارةِ التي أمامهما يرتجل و ظهرت علامات التوتر و القلق على وجههِ ثم سأل سائق حوراء 
-أنا آسف جدًا، حصلكوا حاجة؟… 
كان شخصًا في مثلِ عُمرِ والدها و يبدو أنه لم يقصد ذلك، تقدمت حوراء إلى جانب السائق و حدقت به و لكنها لم تتحدث فـ هتف الرجل
-العربية عطلت فجأة مني و معرفتش أدي إشارة
-تنهد السائق و قال:محصلش حاجة، حضرتك كويس!… 
حدق الرجل بـ حوراء كثيرًا و هذا جعلها تشعر بـ عدم راحة ثم قطع نظراته و تواصل بصريًا مع سائقها و سأله بـ إبتسامة خجِلة
-أنتوا اللي كويسين!… 
قبل أن يُجيب السائق نظر إلى حوراء و سألها بـ إهتمام عجيب 
-الآنسة الصغيرة كويسة!!… 
أومأت حوراء دون صوت و تدخل السائق قائلًا بـ نبرةٍ صلبة 
-إحنا كويسين، حضرتك تحب أساعدك! 
-نظر حوله و قال:لأ شُكرًا، هدور على أي ميكانيكي هنا
-أتمنى متطلعش مشكلة كبيرة… 
هتف بها السائق ثم إستدار إلى حوراء و هاتفها بـ لين
-يلا إحنا يا هانم
-تمام… 
إلتفتت حوراء لترحل و لكن صوت الرجل أوقفها من جديد و هو يقول بـ لُطفٍ
-آسف مرة تانية يا آنسة، و آسفة لو كُنت سببتلك أي خوف… 
إلتفتت حوراء إليه و نظرت إليه بـ إبتسامة فاترةٍ ثم قالت بـ لا مبالاة 
-لا أبدًا محصلش حاجة، يلا يا عمو… 
إستدارت عائدة إلى السيارة و إنطلقت بها، و أثناء مرورهما جوار الرجل حرك رأسه كـ تحيةٍ بـ إبتسامة لها فـ إبتسمت بـ إقتضاب و أغلقت النافذة، بينما ظل هو ينظر في إثرهما، و إبتسامته تتلاشى و يحل محلها تعبير مُبهم ثم صعد سيارته و إنطلق بها بعد فترة
********************
طلبت حوراء من السائق العودة مُخبرة إياه أنها ستتأخر و لكنه أبى قائلًا 
-مُش مُهم، هستنى حضرتك… 
تنهدت حوراء بـ حرارة و غضب، إن والدها يُصرف في حمايتها خاصةً بعد وفاة والدتها، لم يكن هكذا قبلًا، لتومئ بـ قلة حيلة ثم توجهت إلى داخل المقهى
كانت هذه وجهتها التالية تُريد الحديث مع نوح أو عُميّر و إن وجدت كيان فـ لا بأس، ما يهُم أنها تخرج من المنزل، بحثت عن عُميّر في الأرجاء و لكنها لم تجده، بل وجدت نوح يجلس جوار صديقه، و من بعيد خمنت أنه يعمل فـ زفرت بـ ثقلٍ ثم بحثت عن طاولة فارغة و إنتظرته ليفرغ من عملهِ
 و على الجانب الآخر 
-يا بني والله كدا الحساب مظبوط، إيه اللي ملغبطك! 
-حك نوح خُصلاتهِ و قال:كان فيه أوردر على ترابيزة تلاتة إزاي متحسبش
-رفع صديقه حاجبه و قال بـ تهكم:الأوردر اللي بتتكلم عنه دا يا سيدنا كان إمبارح قبل ما تسلم شيفتك، صباح الفل… 
تذكر الآن أنه قبل تسليم عمله لآخر كان يضع آخر حساب للطاولة في مُعاملات المقهى المالية أمس، ليضرب نوح جبهته و قال بـ إنهاك مُستنكر ذاكرته الضعيفة 
-تمام إفتكرت
-ضحك الآخر و إلتفت:اللي واكل عقلك… 
عند إلتفاته وجد حوراء تجلس ناظرة إليهما و حنيما إلتقت عينهما أجفلت و أدارت رأسها سريعًا، ليبتسم بـ خُبثٍ ثم تراجع بـ رأسهِ إلى الخلف و قال بـ مكرٍ و هو ينظر إلى نوح من طرفِ عينهِ
-اللي واكل عقلك وصل و قاعد هناك أهو… 
إلتفت إليه نوح بـ جبينٍ متجعد فـ أشار صديقه بـ رأسهِ إلى حيث تجلس حوراء، لينظر تجاه الإشارة، ليجدها تجلس جوار النافذة في ثوبٍ أسود يُثقل قلبه، ثم نهض سريعًا دون أن يلتفت إلى صديقهِ الذي قال مُمازحًا
-طب مين اللي هيخلص معايا الحساب طيب!… 
توجه إليها نوح من فورهِ و وقف جوار طاولتها ثم سألها بـ لهفةٍ و سعادة حمقاء جعلته يغضب من نفسهِ، كيف يشعر بـ السعادة لرؤيتها و هي حزينة و مُثقلة الكاهل هكذ؟ 
-حوراء إزيك!… 
إنتفضت حوراء مُجفلة لذلك الغزو المُفاجئ لشرودها و نظرت تجاه الصوت لتجده نوح ينظر إليها بـ إهتمام جعلها تبتسم إبتسامة باهتة و أثناء ذلك قال
-آسف، مكنش قصدي أخضك
-نفت قائلة:لأ أنا اللي كُنت سرحانة… 
أشار إلى المقعد أمامها ثم سألها بـ نبرةٍ هادئة 
-تسمحيلي أقعد! 
-وافقت على عَجل:طبعًا، إتفضل… 
جلس نوح فـ سألته حوراء بـ خجل 
-بعطلك عن شُغلك ولا حاجة! 
-لأ خالص، المهم أنتِ إيه أخبارك… 
تنهدت حوراء و تلاعبت بـ عبوة ورقية من السُكر بين يديها ثم قالت بـ نبرةٍ خاملة
-مش عارفة، بحاول عشان بابا، الحِمل عليه تقيل و أنا مش عايزة أتقل عليه أكتر
-إنفرجت أساريره قليلًا و قال:كويس يا حوراء، خليكِ قوية… 
همت أن تتحدث و لكنه وضع يده عفويًا على يدها و شدّ عليها ثم قال مُكملًا بـ صوتٍ يؤازرها
-وقت لما خسرت والدتي كان فيه حل من إتنين، يا أتخلى عن عيلتي، يا عن والدي و طبعًا مقدرتش أتخلى عن بابا… 
بدت مُهتمة لحديثهِ فـ أكمل و قد خفق قلبه أكثر 
-خسارة ماما فـ وقت صعب علينا، كان برضو صعب جدًا عليا و على بابا، فـ كان لازم أكون وقتها واقف جنبه، خصوصًا لما طلب إننا ننزل مصر وإتخلى عن كُل حاجة عشان مقدرش يستحمل العيشة هناك
-ليه مفضلتوش فـ بلد مامتك! 
-مط شفتيه و قال:بابا كان هناك عشان ماما، و هي إتوفت فـ مكنش فيه داعي يقعد هناك… 
يُشبهها كثيرًا و لكن هُناك فرق، أن نوح إستطاع أن يقف جوار والده، أن يكون قوي لأجلهما، و هي إختارت أن تكون ضعيفة كـ طفلةٍ بكاءة، تنهدت و قالت بـ شبه إبتسامة 
-ربنا يرحمها يا نوح، هي زمنها فخورة بيك 
-أتمنى دا… 
وضع يده الأُخرى على كفيها و ضغط عليهما ثم قال بـ صوتٍ حاني 
-حاولي تكوني قوية أنتِ كمان، والدك محتاجك و قلقان عليكِ
-إبتسمت و قالت بـ نبرةٍ حزينة:شُكرًا يا نوح، شُكرًا لأنك جنبي… 
وسط حديثهما وقف ظلٍ يحجم الضوء عن حوراء فـ رفعت رأسها سريعًا لترى عُميّر ينظر إليها بـ تعبيرٍ مُبهم و ملامح صلبة، لتهتف بـ صدمة 
-عُميّر!… 
رمقها بـ نظرةٍ لم تعرف ما هيتها، ثم إلتفت إلى نوح رامقًا يده التي تُمسك كفيها و سأل بـ صوتٍ جامد
-سايب شُغلك ليه! 
-نهض نوح و قال:كُنت خلصت 
-هتف عُميّر:أنت لسه فـ ساعات شُغلك، لما يجي وقت الإستراحة إعمل اللي عايزه، إتفضل على الشُغل… 
بهت وجه نوح، لأول مرة يتحدث معه عُميّر هكذا و لكنه أومأ ثم نظر إلى حوراء و إعتذر لتقول هي سريعًا
-لأ أبدًا، روح على شُغلك، آسفة عشان عطلتك… 
إنتظر عُميّر رحيل نوح ثم جلس مكانه و سألها بـ جفاء
-خير حصل حاجة!… 
عقدت حوراء حاجبيها و تفاجئت من نبرتهِ الجافة معها و لكنها قالت بـ نبرةٍ قانطة
-لأ مفيش، و على فكرة هو معملش حاجة أنا اللي عطلته، ثم إني كُنت جاية عشان أشوفك بس مكنتش موجود… 
و أدارت وجهها بعيدًا عنه، أخطأت حينما أتت إلى هُنا من الأساس، هو عُميّر و لن يتغير، تنهدت الذي أمامها ثم قال مُمسكًا بـ يدها و كأنه يمحو أثر يد الرجل الآخر 
-آسف مكنش قصدي أضايقك، أنا فكرت فيه حاجة… 
نظرت حوراء إلى يدهِ ثم إليه و لكنه لم يترك يدها، لتمط شفتيها بـ حنق و لم ترد، ليُعاود عُميّر الحديث قائلًا 
-خلاص بقى متزعليش، المُهم عاملة إيه! 
-زفرت و أجابت:كويسة، عُميّر أنا عايزة أسألك حاجة
-أنصت بـ إهتمام و قال:قولي
-حدقت به طويلًا قبل أن تسأله:هو في إيه بينك و بين بابا؟!… 
********************
وقفت على أعتاب البناية و أخرجت ورقة كُتب بها بعض الأشياء و هي تضع يدها على صدرها ثم قرأت بـ تعثر شديد نظرًا لعدم إتمامها تعليمها
-حاجة ليها، متكنش إتغسلت… 
وضعتها في حقيبته ثم عبست قائلة بـ حيرة 
-و أنا هعرف منين بس! مشوار تقيل على قلبي… 
زفرت و نظرت إلى الشُرفة الخاصة بـ الطابق الذي يسكن به إبنها ثم قالت بـ قنوط 
-شر لابد منه… 
همت تصعد و لكنها تردد قائلة بـ خوفٍ أصابها فجأة 
-بس لو قُتيبة فوق، هيشك فيا و مش هعرف أعمل حاجة… 
وضعت يدها أسفل ذقنها و فكرت حتى، أخرجت هاتفها القديم و قررت مُهاتفته و معرفة مكانه، بدلًا من ذلك التردد، بعد لحظات أتاها صوت قُتيبة الجاف 
-خير في حاجة ع الصُبح! 
-تمتمت بـ إستنكار:أعوذ بالله، دي طريقة تكلم بيها أُمك! 
-سمعت تنهيدة ثم قال:معلش أصلي مش فاضي
-قطبت و تساءلت بـ تهليل:ليه أنت فين! 
-أجاب بـ أقتضاب:مشوار و راجع، عايزة حاجة! 
-هتفت سريعًا:لأ خلاص
-طيب سلام… 
أغلق قُتيبة الهاتف دون أن ينتظر ردها، لتنظر هي إلى الهاتف بـ غضبٍ و قالت بـ حدة
-يووه! دا زي ما يكون ما صدق إنه قفل فـ وشي!!… 
و لكن هذا لا يهم، المُهم أن فريستها وحدها بـ الأعلى، وضعت الهاتف بـ حقيبتها الصغيرة ثم همت لتصعد الدرج قبل أن يوقفها صوتًا ما 
-لو سمحت يا فندم، هو قُتيبة شاهين ساكن هنا!!… 
إستدارت رجاء إلى مصدر الصوت لتجده رجلًا يُماثلها في السن، و من هيئته الراقية لا يبدو أنه من تلك المناطق الشعبية، لتقطب جبينها و تسأل بـ توجس
-خير أنت مين! 
-أردف بعد تردد:أنا معرفة قديمة لمراته…
يتبع…… 
لقراءة الفصل الرابع والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!