روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الخامس والعشرون

رواية امرأة العقاب الجزء الخامس والعشرون

رواية امرأة العقاب الحلقة الخامسة والعشرون

لأول مرة تسمع تلك الجملة منه .. هل حقًا يعتذر منها !! .. والآن !!! .. رغم أنه اعتذار ليس بوقته تمامًا وأنه كان عليه أن يفعله منذ وقت طويل إلا أنها تطلعت في عيناه فرأت الحزن والأسف الصادق ، نبرته العذبة لا تزال تتردد في أذنها .. طالت النظرات بينهم حتى قطعت هي اللحظة وهمست بهدوء :
_ آسف على إيه ؟
كان ذراعه لا يزال حول خصرها وبيده الأخرى أمسك بكف يدها يحتضنه بين كفه الضخم هامسًا في ندم :
_ على كل حاجة .. انتي عندك حق أنا فعلًا أناني ودلوقتي بدفع تمن انانيتي دي
لمسة يده اذابت الكثير وأثرتها بسهولة لا تصدق أن من يقف أمامه هو ” عدنان ” صاحب القلب المتحجر .. هل يعترف لها بخطأه حقًا ! .. يبدو أن حقًا الخراب الذي خلفته تلك المشؤومة لم يكن هينًا .. لمعت عيناها بالعبارات وردت عليه في ابتسامة تحمل القليل من السخرية مع الكثير من الألم :
_ يااااه .. دلوقتي بتقول الكلام ده .. اتأخرت أوي
عدنان بصوت خافت وجميل :
_ عارف إني اتأخرت بس حبيت أوضح ليكي ندمي حتى لو بمجرد كلمة .. كنت زي الأعمي ودلوقتي فتحت عيني وبدأت اشوف حجات كتير مكنتش شايفها
رغم سعادتها بكلماتها لكنها لن تخنث وعدها مع ذاتها .. ستستمر في تنفيذ العهد حتى يحين الوقت المناسب ، تفهم جيدًا ألمه وندمه أنه فضل الأخرى عنها .. لكن ماذا إن كانت هذه مجرد مشاعر زائفة خرجت منه بلحظات عجزه وحزنه عندما شعر بحاجته لها .. هل سيتراجع ويتخلى بعد أن يستعيد رباطة جأشه أم سيستمر أثر الكلمات في الوجود والتجديد .. لا تعرف ويأسفها الاعتراف أنها تخشي الوثوق به ! .
استجمعت رباطة جأشها وابتسمت بلطف في وجه لا يحمل ضغينة أو غضب ، فقط ملامح هادئة وصوت ناعم خرج منها مع ثبات استمدته من أعماقها بصعوبة :
_ فاهمة ياعدنان .. بس أنا من وجهة نظري ياريت نأجل الكلام في الموضوع ده بعدين .. إنت دلوقتي مرهق وتعبان وأنا كمان عايزة أنام
ليس أحمق حتى لا يقرأ في عيناها نظرات الحزن وعدم الثقة .. لا تثق بكلامه وربما لا تصدقه حتى ولن يلومها فلديها الحق .. وكيف تأتي الثقة بين علاقة مبنية على اتفاقيات ورقية منذ البداية ! .
لم يضغط عليها ولم يتفوه بحرف آخر فقط ابتسم بدفء وانحنى عليها قليلًا يطبع قبلة رقيقة على جانب جبهتها هامسًا :
_ تصبحي على خير
بادلته الابتسامة لكن بأخرى باهتة وابتعدت من أمامه بعد ثلاث ثواني بالضبط واتجهت إلى فراشها تسطحت عليه وتدثرت بالغطاء وهي توليه ظهرها وتحدق بالفراغ أمامها في سكون تام .. تشعر بحركاته وهو يرتدي ملابسه دون أن تراه وبعد دقيقتين بالضبط سمعت خطوات قدمه تتجه نحو الباب وباللحظة التالية كان يفتح الباب وينصرف بعد أن اغلقه خلفه .. هبت فورًا جالسة وهي تعلق نظرها على الباب بتفكير تتساءل بين نفسها ( هل غادر المنزل أم خرج ليجلس بالخارج أو بالحديقة ! ) .. أزاحت الغطاء عنها ووقفت على قدميها ثم تقدمت بخطواتها نحو الباب تسير بتريث حتى لا تحدث أي ضجة .. وصلت عند الباب وامسكت بالمقبض وانحنت بجزعة للأمام وهي تديره ببطء شديد وكانت على وشك أن تجذب الباب إليها لكن دفعه هو من الخارج ودخل .. شهقت بفزع وتراجعت للخلف وهي ترمقه باضطراب بسيط .. فضيق عيناه متطلعًا لها باستغراب وقبل أن يسأل ما بها هتفت هي مسرعة بتوتر ملحوظ :
_ كنت رايحة اشرب
نزلت بنظرها إلى جسده فوجدته يرتدي بنطاله الأسود وفوقه قميصه المماثل للون البنطال وفوق قميصه جاكت جلدي لونه بني .. فسألت بعفوية :
_ إنت هتمشي تاني ؟!
اماء برأسه في إيجاب ثم اندفع نحو طاولة التسريحة يتلقط من فوقها مفاتيح سيارته ويعود في طريقه نحو الباب وهو يحدثها بنبرة رخيمة :
_ الصبح بدري قبل ما تصحي هنا هاجي .. عايزة حاجة ؟
هزت رأسها بالنفي ورغبت بأن تسأله إلى أين سيذهب لكنها كتمت سؤالها في نفسها وتابعته بصمت وهو يغادر ، وفور سماعها لصوت غلق باب المنزل استدارت واتجهت لشرفة غرفتها تنظر منها فتراه وهو يستقل بسيارته وينطلق بها .. وسؤال واحد يتردد في ذهنها تطرحه بفضول ( هل يذهب لها ؟! ) .
                                    ***
أوقف حاتم السيارة على جانب الطريق .. ثم نظر لها وابتسم متمتمًا بنبرة عادية :
_ كلي وأنا هنزل أقف شوية برا
اماءت له بالموافقة وفور نزوله التقطت الكيس الممتليء بالطعام وأنواع مختلفة من الحلوى قام بشرائها لها عندما أخبرته أنها جائعة بعد انتهاء اجتماع العمل وعودتهم في طريق المنزل .
فتحت الكيس وأول شيء وقع نظرها عليه كان الآيس كريم .. لمعت عيناها بنظرات مشتهية وجذبته فورًا تفتحه وتبدأ بأكله في استمتاع وتلذذ .. وبسبب تركيزها المنصب كله على الآيس الذي بيدها لم تلاحظ نظراته لها من الخارج وهو يلتفت برأسه للخلف يتطلع إليها بتعجب وهي تلتهم الآيس كالأطفال ، اتسعت ابتسامته حتى ملأت وجهه يمعن النظر بها مستغلًا فرصة عدم ملاحظتها له ، بعد لحظات قصيرة قرر العودة للسيارة فتحرك باتجاه باب مقعده وفتحه ثم دخل واغلقه وهو يتطلع لها باسمًا ويهتف بمشاكسة :
_ بالهنا والشفا واضح إنك جعانة أوي فعلًا
أماءت له بالإيجاب وهي تهتف بعفوية :
_ مش أوي .. بس الآيس طعمه كتييير طيب
حاتم ضاحكًا :
_ أه ما أنا لاحظت إنه عجبك
تطلعت فيه بتلقائية وهدرت بحيرة :
_ أنا ما راح أكل كل هاد وحدي طبعًا .. ليش ما بتاكل معي ؟!
_ لا مش جعان كلي إنتي والباقي خليه اتسلي عليه براحتك
زمت شفتيها بيأس ثم رفعت الأيس لفمها تأكله برقة .. هم هو بأن يحرك محرك السيارة وينطلق لكنه ألقى نظرة أخيرة عليها فانتبه لجانب ثغرها الذي تلطخ بقطعة صغيرة من الآيس فابتسم وهو يرمقها مطولًا ثم مد يده يجذب منديل من عبوة المناديل الصغيرة الموضوعة في الدرج الصغير للسيارة ويمده لها .. فتطلعت هي ليده الممدودة بمنديل ورقي في حيرة ليضحك ويغمز لها بخبث متعمد منه وهو يشير بيده الأخرى على جانب ثغره .. رفعت أناملها بتلقائية لجانب فمها تتحسسه وفورًا فهمت ما يقصده فجذبت المنديل من يده بقوة ومسحت فمها بإحراج متمتمة في غيظ :
_ غليظ !
_ بتقولي حاجة ؟!
_ لا ولا شيء
ضحك بخفة ثم نظر أمامه وحرك محرك السيارة انطلق بها يشق الطرقات .. فهتف محدثًا إياها في لؤم بعد دقيقتين من الصمت :
_ صحيح هو إنتي اتضايقتي ليه الصبح لما خالتي قالتلك إني عايز اتجوز
رمقته بشراسة وهتفت :
_ ما قالت إنك بدك تتجوز .. ولا شو إنت غيرت رأيك من الصبح لهلأ !
رفع حاجبه بدهشة بسيطة من انفعالها السريع وهدر ضاحكًا :
_ طيب براحة اهدي في إيه هتاكليني !
اعتدلت في جلستها وردت بهدوء وثبات انفعالي متصنع :
_ أنا هادية
حاتم باستنكار وهو يضحك بقوة :
_ هو كدا هادية .. امال لو متعصبة هتعملي فيا إيه !
نادين بغيظ مكتوم :
_ لك إنت ليش بتسألني وأنا لشو اتضايق يعني !! ، سوي ياللي بدك ياه بتتجوز بتهاجر بتحب شو دخلني فيك أنا
الغيرة المتأججة في صدرها لم تتمكن من أخفائها وهو فهم جيدًا أنها تشعر بالغيرة فقرر سكب القليل من البنزين حتى تزداد النيران اشتعالًا .. هتف بمكر وهو يغمز :
_ يعني إنتي معندكيش مانع اتجوز !!
أوشكت على الانفجار من فرط الغيظ والغيرة .. فجاهدت في تمالك أعصابها قبل أن تجيب لكنها فشلت لتهفت منفعلة :
_ لك اتجوز شو بيخصني أنا ! .. إنت عنجد انسان غريب والله
سمعته يقهقه بقوة يطلق ضحكته الرجولية المرتفعة والساحرة ويرد عليها من بين ضحكته :
_ أنا برضوا اللي غريب ! .. طيب اجهزي بقى عشان قريب كدا تحضري فرحي
رمقته بقرف وهي تشتعل من الغيرة واردفت بصوت ساخط وساخر بنفس اللحظة :
_ والله .. وشو كل هاي الثقة كأن البنت ياللي راح تتجوزها منتظراك قدام باب البيت .. حاتم أنا ما بدي اجرح مشاعرك بس إنت عم تتوهم أساسًا ما في بنت راح تتطلعك
ضحك بقوة وأجابها بنظرة جانبية خبيثة :
_ متأكدة ؟!!
أماءت برأسها في ثقة ونظرات تحدي فأكمل وهو يبتسم بلؤم :
_ أصل في واحدة قبل كدا قالتلي إنت أي بنت تتمناك .. تعرفيها ؟!
جزت على أسنانها بغيظ وقالت بابتسامة سمجة :
_ كانت عم تكذب عليك .. برأي ما تصدق هاي الكلام مرة تاني ولا تفكر بالجواز لأن وقتها راح تزعل عن جد لما تلاقي كل البنات عم ترفضك
رفع حاجبه بلؤم دفين ولا تزال الابتسامة تزين ثغره فأوقف السيارة جانبًا وانحنى عليها يهمس بنظرة اربكتها :
_ نادين
ذابت في نظرته ورمقته بهيام دون أن تجيب فوجدته يكمل همسه بصوت رقيق مع ابتسامة رائعة ونظرة بمثابة تعويذة سحرية :
_ تتجوزيني ؟
لجمت الدهشة لسانها .. ورمشت بعيناها عدة مرات في صدمة .. حتمًا أنه يمزح لا يمكن أن يكون جادًا ! .. تابع هو تغيرات وجهها ووجنتيها الحمراء وصدمتها وهي لا تفهم شيء فابتسم وهتف ضاحكًا بمداعبة :
_ إيه مرفضتنيش ليه ؟!!
يمزح كما توقعت .. لكن هل يتلاعب بمشاعرها حتى لو لا يعرف شيء عن حقيقة ما تضمره له في قلبها .. لم تتمكن من ضبط انفعالاتها فانفعلت وهي تهتف بعصبية :
_ حاتم إنت عم تستخف دمك .. هاد الشيء مافيه مزح
غضن حاجبيه بدهشة من عصبيتها الحقيقية .. لم يكن يقصد أن يغضبها حقًا فقط كان يشاكسها بالكلام كما اعتادوا معًا .. اعتدل في جلسته وهو يجيب عليها باعتذار :
_ أنا آسف مقصدش اضايقك والله .. متوقعتش إنك هتتعصبي كدا !
نادين بحزم وهي تشيح بوجهها عنه :
_ بليز اتحرك بالعربية وخلينا نرجع البيت .. أنا تعبت وبدي أنام
كان سيجيب عليها لكن الغضب الذي يعتلي ملامحها كان حقيقيًا وجديًا فلم يرغب في زيادة سوء الوضع حيث تنهد بخنق وعاد ينطلق بالسيارة من جديد وهو يلقي عليها نظرة من آن إلى آن يرمقها بنظرات ندم وأسف .. يبدو أنه كان سخيف حقًا لكنه يقسم لها أنه لم يقصد !! .
                                   ***
فتح باب المنزل ودخل ثم اغلقه خلفه .. كان شخصًا بالخارج وبمجرد أن خطت قدمه ذلك المنزل أصبح شخصًا آخر .. احتدمت نظراته وتشنجت عضلات وجهه بغضب عارم .. لكنه رغم ذلك نجح في البقاء هادئًا .. يقسم أنه لو أطلق الوحش الجامح والجائع المتعطش للدماء الذي بداخله ستلفظ أنفاسها الأخيرة على يديه ..
تحرك باتجاه الغرفة الذي زج بها بداخلها في صباح اليوم واغلق عليها وتركها .. مد يده في جيب بنطاله وأخرج المفتاح ثم وضعه في القفل يديره لجهة اليسار ليفتحه ويدخل فيجدها جالسة على الأرض منكمشة بخوف وهي تحتضن ساقيها إلى صدرها وتهز قدمها بشكل لا إرادي نابع عن توترها وخوفها .. لم يستغرب هيئتها فيبدو أن هذا كان تأثير الغرفة الضيقة والمغلقة التي حبسها بها .. ابتسم بعدم شفقة واغلق الباب بالمفتاح من الداخل ثم أخرجه وأدخله في جيب بنطاله مجددًا وتحرك باتجاهها في خطوات مريبة ثم جثى على ركبتيه يجلس القرفصاء أمامها ويغمغم بسخرية في قسوة :
_ لا اجمدي كدا ده هما كلهم كام ساعة بس اللي سبتك فيهم في السجن ده .. لسا هتقعدي كتير هنا لغاية ما تحسي إن روحك هتطلع
رفعت نظرها وتطلعت له بعينان دامعة تتوسله بصوتها المبحوح :
_ متعملش فيا كدا ياعدنان ابوس إيدك .. طلعني من الأوضة دي .. إنت عارف إني بخاف من الأماكن المغلقة
تجاهل توسلاتها وابتسم بعد رحمة وهو يسألها ببرود تام :
_ احساس صعب أوي مش كدا ؟!
هزت رأسها بإيجاب وعيناها تنهمر منها الدموع بصمت ، فتتلاشى الإبتسامة من على شفتيه تدريجيًا ويصبح ذلك الشبح الذي رأته بالصباح .. التصقت بالحائط أكثر في خوف من بطشه وهي تسمعه يغمغم بهمس مرعب :
_ وأنا كمان كانت صعبة أوي عليا .. لما اكتشف إن مراتي والست اللي شايلة اسمي تتطعني في ضهري .. اللي كنت بتمنى يكون عندي أولاد منها وكنت بحبها ومستعد أعمل أي حاجة عشانها طلعت في الآخر ****** وبتستغفلني وبتخوني .. عارفة أنا حاسس بإيه دلوقتي .. حاسس بنار قايدة جوايا والنار دي اول حد هتحرقه هي إنتي .. طعنتيني في شرفي .. في أكتر حاجة ممكن توجع الراجل
سكت للحظة قبل أن تتغير ملامحه ويتطلعها كشيطان بنظرات كانت كفيلة لبث رجفة بسيطة في سائر جسدها ثم يكمل همسه لكن بابتسامته الشيطانية المخيفة :
_ كام مرة ؟!
ترتجف بخوف أمامه وعلى محياها تظهر معالم الدهشة من سؤاله ، ومن فرط خوفها سالت دموعها بغزارة على وجنتيها دون أن تجيبه .. فقبض هو على فكيها بعنف وانحنى عليها يهمس بالقرب من أذنها في صوت جعل جسدها يرتعش :
_ كام مرة نمتي في حضنه وخنتيني معاه .. ولا أقولك تعالي نلعب لعبة حلوة إنتي تقوليلي من إمتى بتخونيني معاه وأنا اخمن بعدين بنفسي
زاد انهمار دموعها لكنها لم تكن بصمت هذه المرة حيث ارتفع صوت نجيبها وبكائها وهي تشهق برعب .. فانتفضت كالذي لدغها عقرب فور سماعها لصرخته الجهورية بها :
_ من إمــــتـــى ؟
ترتجف في أرضها بقوة وتبكي بشدة ، ليخرج صوتها مرتعش وهي تكذب عليه :
_ من تلات شهور
رأته يبتسم مرة أخرى .. تقسم أنها تخشاه أكثر حين يبتسم .. فتلك الابتسامة تصيبها بالزعر لأن ما يتبعها لن يكون سوى خروج الوحش مجددًا .. أجابها بضحكة ساخرة ومريبة :
_ تؤتؤتؤ الكذب مش في صالحك أبدًا .. وكمان بتحاولي تستغلفيني تاني وده عقابه أشد .. خلينا نعيد السؤال للمرة التانية ونشوف الرد هيتغير ولا لا .. من إمتى بتخونيني ؟
كانت نظراته ونبرته تحمل في طياتها التحذير الحقيقي من الكذب عليه مرة أخرى وإلا ستكون العواقب وخيمة وقاسية جدًا .. فابتلعت ريقها بخوف وهمست بعد لحظات من الصمت بصوت ينتفض كجسدها :
_ بـ.. ـعد ما اتجـ..ـوزت جلنار
وقعت الجملة عليه كالبرق .. تجمد بأرضه والصدمة تعتلي وجهه كله .. تخونه منذ زواجه .. منذ أربع سنوات !!! .. كيف لم يشعر بها ولم يكشفها .. هل كان مغفل وأعمى لهذا الحد ؟!! .. كيف خدعته هكذا وجعلته لا يشعر بشيء ؟!!! .
غلت الدماء في عروقه وتقوصت ملامحه لتعطي إشارة الخطر القادم .. فَقَدَ السيطرة على وحشه الجامح وأصبح هو الوحش حيث نزل بكفه على وجهها في عنف فسقطت هي على الأرض وهي تصرخ بخوف وتبكي .. جذبها من خصلات شعرها وهو يصرخ بها كالمجنون :
_ من أربع سنين يا **** .. هقتلك يافريدة واخد روحك بإيدي يا *****
عاد يصفعها مرة أخرى على وجهها بكامل قوته ، فقدت صعدت لعيناه غمامة الغضب السوداء ولا تجعله يرى أمامه ولا يدرك ما يفعله حتى .. سالت دماء فمها وانفها من أثر صفعاته لها .. ووسط صراخها وبكائها وجموحه الذي يصبه عليها .. تراخت مقاومتها وفقدت وعيها معلنة تغيبها عن الواقع .
فاق هو بعد أن وجدها أغمضت عيناها ، تطلع بوجهها ليرى فمها وأنفها يسيل منهم الدماء .. استقام واقفًا وابتعد عنها وهو يمسح على شعره .. رغم قذراتها وما فعلته إلا أنه استنكر ما فعله بها ، جعلته يرفع يده ويأذيها وهو قط لم يأذي أنثى من قبل .. تراجع للخلف وجلس على الفراش ، ثم انحنى للأمام دافنًا رأسه بين كفيه وهو يزمجر من بين شفتيه ، ساقيه تهتز بعنف وبركانه يحرقه من الداخل .. فرفع رأسه واستقام واقفًا يتلقط كل ما تقع يده عليه ويلقيه بعرض الحائط يكمل إفراغ غضبه على الأشياء .. وبعد لحظات توقف وهو يلهث كالذى كان في سباق للعدو .. غادر الغرفة وتركها فمجرد النظر إليها يجننه .. جلس على الأريكة بالخارج لدقائق يحاول الهدوء وإخماد النيران المشتعلة في صدره لكن دون فائدة .. وبعد ما يقارب الخمس دقائق هدأت ثورته قليلًا فتوقف وضغط على نفسه ليعود لها بالداخل .. ولحسن الحظ أن كان يوجد بالغرفة زجاجة عطر قديمة قليلًا لكنها ستفي بالغرض .. حيث نثر القليل منها على يده وقرب يده باشمئزاز وقرف من أنفها حتى تستيقظ وبعد لحظات قصيرة فتحت عيناها تدريجيًا .. بمجرد ما أدركت صورته أمامها انتفضت ووثبت جالسة تلتصق في الحائط برعب .. لكنها لم تعد ترى ذلك الوحش الجامح الذي غار عليها منذ قليل .. حيث كان يتطلع لها بغضب وقرف امتزج بنظرات البغض الحقيقي .. ثم استقام واقفًا وسار باتجاه الباب ليخرج ويغلقه خلفه بالمفتاح يتركها من جديد حبيسة سجنها الصغير والمخيف .
                                     ***
تسير ذهابًا و أيابًا وهي تمسك بهاتفها في يدها وتضرب على كفها به في قوة بسيطة .. والقلق والغضب يهيمن عليها .. فالتفتت تجاه آدم وصاحت به في عصبية :
_ عدنان مش بيرد عليا .. أنا هتجن
آدم بهدوء :
_ سبيه ياماما ، هو اليومين دول مش في وضع لا يتكلم ولا يتناقش مع حد
صرخت في انفعال وغضب هادر :
_ اسيبه عشان يروح يعمل حاجة في الحيوانة دي ويضيع نفسه !
_ مش هيعملها حاجة متقلقيش
ضمت أسمهان قبضة يدها بغيظ وتهتف بغضب هادر :
_ بقى بنت الخدامة والقذرة دي تخدعنا كلنا وتطلع بتخون ابني .. وكانت بتمثل قدامنا كلنا دور الحب والإخلاص
ابتسم آدم وقال بسخرية في استياء بسيط :
_ مش القذرة دي كنتوا إنتي وهي حبايب
أسمهان بسخط :
_ أنا ابدًا ما اعتبرتها مرات ابني .. وكنت من البداية رافضة جوازه منها .. قولتله دي واحدة قذرة من الشارع وبيئة متنفعش لينا ومش من مستوانا وهو اللي صمم عليها ومسمعش كلامي وفي الآخر عملت إيه عضت الإيد اللي اتمدتلها .. طلعت كل همها الفلوس .. وفوق ده كله حاولت تقتل ابني
سكتت للحظات تأخذ أنفاسها قبل أن تهتف بعين مشتعلة بنار الحقد :
_ هي قاعدة فين ؟!
آدم بخفوت وهو يهز كتفيه لأعلى :
_ معرفش .. ابنك أكيد مش هيقولي وداها فين يعني
اتجهت أسمهان وجلست على مقعد وثير وغمغمت بحزن على ابنها وضيق :
_ هو لو كان سمع كلامي بس من البداية مكنش ده كله حصل .. لكن هو صمم يتجوزها ولما فكر يتجوز تاني برضوا اتجوز بنت نشأت اللي زي ابوها بتجري ورا الفلوس .. بس أنا مش هسيب ابني ليها هي كمان عشان تدمره كفاية اللي عملته فريدة الحقيرة
هب آدم واقفًا ثائرًا فور سماعه لجملتها الأخيرة وقد نجحت في إخراجه عن إطار هدوئه حيث صاح منفعلًا :
_ إنتي مش بتدوري على سعادة عدنان .. إنتي بتدوري على سعادتك إنتي .. لأن لو يهمك سعادته فعلًا هتسيبه يتهنى مع بنته ومراته ويصلح علاقته بجلنار هو مبقيش ليه غيرهم دلوقتي .. لو خسرها هي كمان سعتها فعلًا هيتدمر ، أنا مبقتش عارف اقولك إيه بجد أنا تعبت
انتهى من كلامها واندفع لأعلى متجهًا إلى غرفته .. بينما هي فبقت تعلق نظرها على أثره بسكون وجفاء !! …..
                                    ***
في صباح اليوم التالي ……..
كانت لا تزال ” هنا ” نائمة  وجلنار كان الصداع الشديد يضرب برأسها منذ استيقاظها مسببًا لها الآمًا لا تحتمل .. حاولت كثيرًا تحمل الألم وتجاهله لكن الأمر أصبح لا يطاق ، فارتدت ملابسها وقررت الخروج لتذهب إلى الصيدلية القريبة من المنزل .. تقوم بشراء الأقراص المضادة للصداع وتعود بسرعة قبل أن تستيقظ ابنتها .
خرجت من المنزل وسارت في الحديقة متجة نحو البوابة الرئيسية ، فلمحت من بعيد عم حامد يجلس مع أثنين من الرجال ويتبادلون أطراف الحديث باستمتاع وضحك .. كانوا ذو بنية ضخمة وعريضة كأنهم رجال مصارعة .. ضيقت عيناها بحيرة ولكنها لم تبالي كثيرًا فحين يعود ستسأله عن هؤلاء الرجال .. همت بالعبور من البوابة لكن فورًا وثب أحدهم واقفًا ووقف أمامها يهتف باحترام :
_ آسف يا هانم بس مينفعش تطلعي
_ نعم !!!
هم حامد واقفًا وابعده من أمامها بنظرة حادة ثم تطلع لجلنار وغمغم بود :
_ عدنان بيه منبه أن ممنوع حضرتك تطلعي من البيت إنتي وهنا
التهبت نظراتها وهتفت بغضب :
_ أنا مليش دعوة بكلام عدنان .. خلي الاتنين اللي واقفين دول يا عم حامد يبعدوا من وشي بالذوق احسن
حامد بأسف ونبرة مؤدبة :
_ يابنتي دي تعليمات عدنان بيه ومنقدرش نكسرها
نقلت نظرهم بينهم في نظرات نارية وهي تشتعل من الغيظ فرفعت هاتفها واستدارت مبتعدة عنهم تنوي الاتصال به وهي تهتف بنبرة محتقنة :
_ خلينا نشوف البيه بتاعكم ده !
همت بأن تضغط على زر الاتصال لكنها التفتت بجسدها للخلف فور سماعها لصوت البوابة وهو ينفتح وثم يدخل هو بسيارته .. وقفت عاقدة ذراعيها أمام صدرها تنتظره أن يوقف السيارة وينزل منها ، وفور نزوله رمقها باستغراب ثم التفت برأسه تجاه حامد الذي زم شفتيه للأمام في عدم حيلة ففهم من نظرته ما حدث .. اتجه نحو جلنار التي تتطلع إليه بعصبية وأمسك بذراعها في لطف وهو يحسها على السير معه هامسًا بلهجة شبة آمرة :
_ تعالي معايا جوا يلا
استقرت في عينها نظرة ملتهبة وهي تهمس بسخط :
_ سيب ايدي
لم يكترث لها واحكم قبضته على ذراعها وهو يأخذها معه للداخل وتسير هي معه مجبرة رغم محاولاتها البائسة في إفلات ذراعها من قبضته .. أخرج المفتاح وفتح الباب ثم دخل وادخلها معه ليغلق الباب بيده في هدوء ثم يحررها من قبضته وهو يهتف :
_ أنا مش قولت مفيش خروج من غيري
جلنار بانفعال :
_ وهو إنت عايز تحبسني ولا إيه ، كمان هو ده اللي ناقص !!
أجابها بهدوء متصنع وهو يبتسم بريبة :
_ صوتك ميعلاش عليا ياجلنار
اندفعت نحوه ووقفت أمامه مباشرة تقول بتحدي وهي تثبت نظرها في عيناها بشجاعة :
_ هعلي صوتي براحتي .. هتعمل إيه يعني ؟!
هو أساسًا يغلي منذ أمس ولا يريد أن يلحق بها لهيب نفسه المشتعلة .. فتمالك أعصابه وهتف بنفس نبرته الهادئة والمزيفة :
_ كنتي عايزة تروحي فين ؟
_ مش لما تقولي إنت الأول مين الرجالة اللي برا دول وبيعملوا إيه ومش عايزاني أخرج ليه !
_ جاوبي على السؤال كنتي رايحة فين ؟!
لا يجيبها ولا يحاول حتى اعطائها سبب واحد لما يفعله ، فإذا كان هو يعاند فهي أشد عنادًا منه ، استدارت وسارت للداخل وهي تهتف بعناد :
_ طالما مش عايز ترد عليا وأنا كمان مش هرد
إن زاد النقاش بينهم أكثر من ذلك ستكون النتائج سيئة .. قرر هو تجاهل الأمر وكأنه لم يحدث ثم هتف بصوت رجولي غليظ :
_ أي كان سبب خروجك إيه .. اديني بقول تاني مفيش خروج من البيت ياجلنار إلا معايا واللي حصل برا ده ميتكررش واضح الكلام ولا أعيد تاني
طفح الكيل وثارت من السخط حيث التفتت له وصاحت بغضب هادر :
_ يعني مش كفاية مستحملة كل حاجة منك وكمان عايز تحبسني من غير سبب
اقترب منها وغمغم في نبرة عادتها لطبيعتها :
_ طالما قولتلك ممنوع تخرجي يبقى أنا أكيد ليا أسبابي .. بعدين أنا مش حابسك لو عايزة تروحي مكان يبقى معايا أنا
هدأت ثورتها قليلًا واجابته بخفوت :
_ وهي إيه أسبابك بقى ؟!
عدنان متأففًا بنفاذ صبر من الحاحها :
_ لغاية دلوقتي معرفتش نادر فين ومش بعيد يحاول يأذيكي إنتي و هنا ، فلغاية ما اعرف مكان **** ده تسمعي الكلام ومن غير جدال
لوت فمها بتهكم ولم تتفوه بحرف آخر ، فقط أصدرت تنهيدة حارة واستدارت على وشك الذهاب لغرفتها لكنها رأت هنا تنزل من الدرج وهي تفرك عيناها بنعاس وتهمهم ببعض الكلمات الغير مفهومة .. وحين وصلت لآخر الدرج رفعت رأسها ورأت أبيها فسارت نحوه في بطء وهي مستمرة في فرك عيناها ، انحنى عدنان عليها وحملها فوق ذراعيه لاثمًا شعرها بحنو هامسًا :
_ صباح الفل والياسمين يا ملاكي
القت برأسها فوق كتفه والدها مغمضة عيناها بتكاسل فداعب أنفها بسبابته في رفق متمتمًا :
_ يلا فوقي يابابا عشان نفطر مع بعض
أماءت برأسها في إيجاب دون أن ترفع رأسها عن كتفه أو تفتح عيناها حتى فاتسعت ابتسامته وسار بها باتجاه الدرج يصعد للطابق العلوي ثم يسير نحو غرفتها ويدخل الحمام المحلق بها .. انزلها على الأرض وهتف بلهجة شبه آمره لكنها لينة وهو يبتسم :
_ يلا اغسلي وشك
لا تستطيع مقاومة شعور النوم الذي يهيمن عليها .. ترغب بالعودة مرة أخرى إلى فراشها وحين كانت تفكر في هذا .. فتح هو صنبور الماء وادخل يده تحت الماء يبللها ثم ينثر الماء بلطف على وجهها في مشاكسة .. فتهتف هي باستياء طفولي :
_يوووه يا بابي
كانت جلنار قد دخلت الغرفة قرأته يقف عند باب الحمام يستند بكتفه عليه ويجيب على هنا بحزم مزيف :
_ بلاش دلع يلا .. ولا تحبي اتصل بمس صابرين واقولها متجيش
فتحت عيناها بدهشة وبلحظة فر النعاس من عيناها لتجيب علي أبيها بفرحة غامرة :
_ هي مس صابيين ( صابرين ) جاية
_ امممم جاية عشان تديكي الدرس في البيت
وثبت فرحًا وهي تصرخ ( هييييه ) .. بينما جلنار فضيقت عيناها بدهشة واقتربت منه تقف بجواره تهدر بتعجب :
_ إنت كلمتها وقولتلها تيجي ؟!
التفت برأسه نحوها وغمغم بإيجاب :
_ أيوة كلمتها .. هتديها دروسها هنا لغاية ما ترجع الحضانة
طالت نظرتها إليها لثواني معدودة دون أن تجيب فقط توميء برأسها في صمت .. لكن نظراتها لم تكن راضية أبدًا .. ورغم ذلك هو تجاهل نظراتها وكأنه لا يلاحظها .
                                   ***
تجلس مهرة على مقعد وتتنقل بعيناها تتفحص كل جزء حولها في تلك الشركة الضخمة والرائعة .. شعرت بالسعادة والحماس عندما تخيلت فكرة أن تُقبل في هذا العمل وكل يوم تأتي لهنا ! .. بينما كانت تلك الأفكار تجول بذهنها قاطعها صوت السكرتيرة وهي تهتف برسمية وتشير بيدها إلى غرفة المدير التنفيذي ( عدنان ) :
_ آنسة مهرة اتفضلي
أماءت برأسها في موافقة وهبت واقفة فورًا ثم سارت باتجاه الغرفة .. طرقت طرقتين متتاليتين وانتظرت حتى سمعت صوته يقول ( ادخل ) .. أخذت نفسًا عميقًا وفتحت الباب ببطء وبعض التوتر ثم دخلت واغلقته خلفها والابتسامة تعلو وجهها باتساع .. وباللحظة التي وقع فيها نظرها عليه كأن دلو من الماء المثلج سكب فوق رأسها ، مرت ثلاث ثواني وهي تحدق به بدهشة وعندما رأته سيهم برفع رأسه عن الأوراق التي أمامه استدارت بجسدها مسرعة توليه ظهرها وتهمس لنفسها وهي تقوس وجهها وحاجبيها وكأنها على وشك البكاء :
_ لا أنا أكيد بيتهأيلي .. مش معقول يكون هو يعني .. هعد لتلاتة وابص بسرعة وان شاء الله ميطلعش هو واكون اتصيت في نظري .. 1 .. 2 .. 3
ثم التفتت برأسها بسرعة تلقي نظرة خاطفة عليه ولم تكن تتخيل ، فعادت بوجهها للأمام مرة أخرى وهي تهمهم بصدمة وارتباك :
_ تغيير في الخطة .. نعد لتلاتة ونجري
بينما آدم فبمجرد ما التفتت برأسها ولمح وجهها اعتلت وجهه معالم دهشة وهتف :
_ مهرة !!!
هرولت هي باتجاه الباب وكانت على وشك أن تمسك بالمقبض وتفتحه لتفر لولا أنه استقام واقفًا واسرع إليها يجذبها من ذراعها هاتفًا :
_ خدي رايحة فين .. إنتي بتعملي إيه هنا ؟!
اضطرت على النظر له وهي تبتسم ببلاهة وتقول :
_ لا مؤاخذة شكلي دخلت أوضة غلط
وهمت بأن تفتح الباب وتغادر بينما هو فضغط على ذراعها يمنعها من التحرك هاتفًا :
_ استني بقولك أوضة غلط إيه .. هو CV اللي في معايا ده ليكي بجد ؟!!!!
توترت وخجلت بشدة لا تعرف لماذا ، فوجدت نفسها تجيب عليه بالنفي وهي تطلق ضحكة سريعة بطريقة كوميديا :
_ لا سرقاه .. سيبني بقى ياعم الله يكرمك
مد آدم يده واغلق الباب مرة أخرى بعد أن فتحت جزء منه وهتف بحزم بسيط :
_ ما تثبتي يابنتي .. مالك مش على بعضك كدا ليه .. CV ده بتاعك إنتي ولا لا ؟!
أصدرت زفيرًا حارًا وأماءت له بالإيجاب فلاحت على شفتيه ابتسامة تحمل القليل من الدهشة وهو يترك يدها :
_ لا الصراحة اندهشت .. CV بتاعك جميل أوي .. تعالي اقعدي
لم تبتسم ولم تبدي أي ردة فعل فقط تتطلع إليه في ذهول وعدم فهم ، فطرحت سؤالها الأهم بضحكة تشبه السابقة لكنها ساخرة :
_ وبعدين في الليلة الطين دي بقى .. إنت مش رسام وفنان بتعمل إيه هنا !! .. ولا استني متقولش ، أنا هرد عليك بطريقتك .. مهرة اقعدي وكفاية كلام لو سمحتي
قالت جملتها الأخيرة وهي تقلده تمامًا في طريقة التحدث مما جعله يضحك بتلقائية ويهتف من بين ضحكته :
_ لحقتي تعرفي تقلديني كمان .. طيب يلا اعملي زي ما قولتي بما إنك عرفتي أنا هرد عليكي بإيه
تنهدت بعدم حيلة وهي تبتسم ثم سارت باتجاه المقعد المقابل لمكتبه وجلست عليه فتسمعه يتمتم بجدية :
_ ده مكتب المدير التنفيذي عدنان الشافعي اللي هو اخويا في العادة أنا مش بدخل هنا إلا لما يكون مش موجود ويكون في حاجة ضرورية وحظك النهارده إنه مش موجود ولقتيني أنا .. بس خلينا في المهم دلوقتي لو على حسب CV بتاعك اللي موجود قدامي ده فكل اللي موجود فيه جميل أوي ومؤهلاتك وخبراتك السابقة في مجال العمل ده رائعة .. إنتي كنتي شغالة في شركة قبل كدا ؟!
_ أيوة اشتغلت لفترة في شركة أدوية وكنت شغالة في قسم الحسابات برضوا
_ جميل
انحنت للأمام على سطح المكتب تستند بكفيها عليه وتقول بحماس :
_ إيه هو أنا كدا اتقبلت خلاص !
_ أعتقد إنك جاية عشان الإنترفيو مش تعرضي CV بتاعك بس وخلاص
ضحكت بلطافة وهي تقول تجيب عليه بعفوية :
_ يعني أصل أنا قولت بما إننا نعرف بعض فممكن تعدي موضوع الإنترفيو ده واتقبل في الشغل .. وسايط وكدا يعني ههه
بدأت تثير غيظه حيث رد عليها بحدة بسيطة :
_ مهرة كلمة تاني وهقولك إنتي وCV بتاعك برا
كتمت على فمها وهي تهتف باعتذار حقيقي وخوف من أن يطردها حقًا :
_ لا لا خلاص هسكت أهو والله .. اتفضل عشان نبدأ الإنترفيو
مسح على وجهه متنهدًا الصعداء في عدم حيلة ثم بدأ مقابلة العمل معها وهو يسألها عدة أسئلة وكانت تجيب عليه برسمية تامة وجدية .. بعد أن تخلت تمامًا عن مزاحها وأسلوبها الطبيعي .
                                      ***
كان جالسًا على مقعد عريض ووثير بالصالون وبيده فنجان القهوة يرتشف منه ببطء ، وهي تجلس على الأريكة المقابلة له تمسك بأحد الكتب وتقرأ فيه بتركيز .. فقد وصلت المعلمة منذ قليل وتعطي الدرس الآن لصغيرتهم في غرفة الضيوف .
كانت عيناه ثابتة عليها يتأملها في سكون .. ويفكر أنه كل اهتمامه وحبه كان منصب لتلك الخائنة ولم يمنح لزهرته إي اهتمام .. وفي حين أنه أهدر الوقت عبثًا في تجاهلها من أجل فريدة .. كانت الأخرى تتمتع بين أحضان ذلك الوغد ، تخونه وهو لا يشعر بها .. مهما حاول أن يشرح لها بالكلام مدى شعوره بالندم الآن لن يجدي بنفع .. لقد فات الآوان على الكلمات .
رفعت جلنار نظرها بتلقائية فالتقت بعيناه التي تتأملها بغرابة ، توترت لوهلة وسرعان ما اخفضت نظرها مرة أخرى للكتاب لا تعطي لنظراته اهتمام فوجدته يهتف بنبرة دافئة :
_ لو لسا حابة تخرجي ممكن لما تخلص هنا الدرس اخدك واوديكي
هزت رأسها بالرفض تجيب دون أن تنظر له :
_ لا شكرًا مش عايزة خلاص
وضع فنجان القهوة بجواره على المنضدة الصغيرة وانحنى بجزعة للأمام يغمغم بترقب لردها :
_ مش عايزة تعرفي عملت إيه مع فريدة ؟!
جذب سؤاله انتباهها فتركت الكتاب من يدها وردت بجفاء :
_ تؤتؤ عشان مش مهتمة اعرف أساسًا
القت بجملتها عليه ثم استقامت واقفة وسارت باتجاه الدرج تصعد لأعلى قاصدة غرفتها حتى تقطع الحديث معه .. بينما هو فتأفف ماسحًا على وجهه وبعد دقيقة بالضبط توقف هو الآخر يذهب خلفها .. صعد الدرج وسار نحو غرفتهم وعند وصوله فتح الباب ودخل فلم يجدها لكنه سمع صوت مياه الصنبور في الحمام ، تحرك إلى الأريكة وجلس فوقها ينتظر خروجها .. وبعد دقائق قصيرة خرجت وهي تجفف وجهها بمنشفة بيضاء صغيرة .. تجاهلت وجوده وأكملت طريقها باتجاه الفراش لكنه قبض على رسغها ليوقفها متمتمًا :
_ بتتجاهليني ليه !!
لم يعجبها ضعفها أمامه بالأمس عندما اعتذر منها .. هي لا تعترف بذلك الاعتذار ولم تصدقه ولن تدعه الآن يضعفها مجددًا .. تمتمت ببرود :
_ أنا مش بتجاهلك .. إنت اللي عايز تشوفني بتجاهلك
استقام واقفًا وتقدم منها مغمغمًا :
_ قولتلك قبل كدا إنك فاشلة أوي في الكذب وخصوصًا عليا
ابتسمت بمرارة وهدرت وهي تسحب يدها من قبضتها :
_ يارتني كنت بعرف أكدب فعلًا
  استدارت وهمت بالابتعاد لكنه أمسك بكف يدها في لطف هذه المرة .. أثرت بها لمسته واستاءت من هذا فوجدت نفسها تلتفت له من جديد وتصرخ به بعصبية وهي تسحب كفها بعنف :
_ قولتلك مليون مرة متلمسنيش .. بكره لمستك ياعدنان .. فاهم ولا لا بكرهها وبكرهك
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد

error: Content is protected !!