Uncategorized

رواية سرغائب الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم سماح نجيب

                                           رواية سرغائب الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم سماح نجيب

رواية سرغائب الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم سماح نجيب

 رواية سرغائب الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم سماح نجيب

 انبعثت
تلك الكلمات من ذلك الذى يقف على الباب جاعلا كل من بالغرفة ينظرون اليه
نظرة لا تخلو من الصدمة التى امتزجت بالدهشة أيضاً ،فابتسم أمير ابتسامة
خفيفة وتقدم حتى وقف بمنتصف الغرفة قائلا:
–مالكم يا جماعة مش مصدقين ان عايز ابقى شاهد على عقد الجواز

خيم الصمت على الحاضرين إلا أن المأذون مد يده له بالقلم قائلاً:
–تمام يا أستاذ هات بطاقتك اتفضل أمضى يا بخت من وفق رأسين فى الحلال

أخذ
أمير منه القلم يخط اسمه فى خانة الشهود ليكون بذلك الشاهد الثانى على عقد
الزواج رفع رأسه يبتسم بخفة على محيا ثراء المصدوم قائلا:
–مبروك يا ثراء مبروك يا أيسر

فهى
لم تظن أن يفعل أمير ذلك فهى كانت تعلم مدى تعلقه بها ولكن أن يأتى الآن
ويرحب بزواجها من أخر فهذا لم يخطر بذهنها على الإطلاق إلا انها استطاعت
القول:
–الله يبارك فيك يا أمير

أقتربت فيروز من ابنتها تحتضنها بابتسامة قائلة:
–ألف مبروك يا حبيبة ماما ربنا يتمم بخير يارب
فرت
من عينيها أيضًا دموع الفرح فهى بعد أن تحدثت مع زوجها وعلمت بشأن حب
أبنتها وأيسر لم تشأ ان تعترض فهى بالسابق قد أصابها ذلك العشق الذى أصاب
قلب ابنتها
فتقدمت منها ضحى أيضا تحتضنها هامسة فى أذنها بنبرة ممازحة:
–مبروك يا ثراء جيتى علشان خطوبتك من أمير راجعة متجوزة أيسر مفيش واحد ابن حلال يتجوزنى انا كمان علشان مدخلش على بابا بايدى فاضية

صدرت ضحكة من فم ثراء على مزاح صديقتها فهمست لها قائلة:
–خلاص نشوفلك والمأذون اهو وكل حاجة تمام
ظلت
ثراء تمزح مع صديقتها بصوت منخفض ولم تسيطر بعد على ذهولها أو سعادتها فما
كان تريده وتتمناه قد أصبح حقيقة فهى الآن زوجة من أصاب قلبها بسهم العشق

أقترب أمير من أيسر فأنحنى بجذعه قليلا يقترب من وجهه قائلا بنبرة منخفضة لم يسمعها سواه هو وأيسر:
–أنت
عارف يا أيسر انا بكرهك قد ايه لو قولتلك مش هتتخيل بس علشان خاطرها هى
وعلشان تبقى مبسوطة أنا مستعد ادوس على قلبى بس صدقنى لو خاب ظنها فيك مش
هتفلت من ايدى ومش هتعرف انا ممكن اعمل فيك إيه

رسم أيسر ابتسامة ساخرة على جانب ثغره قائلاً بنبرة متحدية لا تخلو من غضبه من غطرسة أمير:
–والله
أن كان على الكره فمن القلب للقلب رسول وبلاش تهديداتك دى ماشى انت لسه
متعرفش انا مين او ممكن أعمل ايه ومتتغرش بالمظاهر يا ابن الصواف وان كان
عليها فهى بقت مراتى ومش هسمحلك انك تقرب منها او تفكر فيها تفكير ميعحبنيش
ماشى

مد أيسر طرف أصابعه يعدل من ياقة قميص أمير بعد أن انتهى من
حديثه لينفض أمير يده عنه يناظره بنظرات أشبه بنظرات جحيمية فهل تجرأ الآن
على تهديده والسخرية منه أيضًا

اعتدل أمير فى وقفته بعد ان ربت جمال على كتفه قائلا بابتسامة:
–أنت طلعت شهم جدا يا أمير وجنتل مان كمان وابن أصول

ابتسم أمير له ليعاود النظر لأيسر وهو يقول :
–انا
علشان خاطر ثراء وسعادتها أنا مستعد أعمل أى حاجة حتى لو هكون الشاهد على
جوازها وإن شاء الله أحضر الفرح بس بعد العريس ما يخف ان شاء الله

نظرت
ثراء لأمير من منظور أخر اليوم فهى دائما كانت ما تكره عجرفته وغروره
الزائد الا ان اليوم اكتشفت خصاله الحميدة فنظرت إليه قائلة بابتسامة:
–شكرا يا أمير على كل حاجة وأنا سعيدة ان اتعرفت عليك

بادلها أمير الابتسام متغافلا عن ذلك الذى يتابع نظراتهم ويود لو أن يقوم من مكانه ليدق عنقه فأراد اثاره سخطه أكثر
–متقوليش كده يا ثراء انا الأسعد محظوظ جدا أيسر أن فى جوهرة زيك بقت من نصيبه جوهرة ميقدرش قيمتها أى حد

اذدردت
ثراء ريقها من إطراء أمير لها فتحول نظرها سريعاً الى زوجها الذى بادلها
بنظرة غاضبة من عيناه الخضراوتين التى اصبحت لونها أشد قتامة وهو يرى ذلك
الأرعن مازال يخبرها بإطراءه الذى يعلمه هو عن ظهر قلب
________
ضرب
الضابط تلك المنضدة الصغيرة الموضوعة بجوار فراش عباس بالمشفى الذى يرقد به
لتلقيه العلاج بعد إصابته بطلق ناري فى قدمه بغضب عارم فهو يحاول أن
يستخلص منه أى معلومة تدله على من يكون العقل المدبر لخطف ثراء فهتف بغضب
عارم قائلاً:
–يعنى انت مش عايز تنطق وتقول مين اللى قالك تعمل كده رد يا عباس احسن ليك

إلا
أن عباس يتهرب منه متذرعاً بذلك بالألم الذى يشعر به يحاول ان يكسب مزيداً
من الوقت حتى يتسنى له الهرب من المشفى فمتولى حر طليق ولاشك انه سيحاول
إخراجه من هنا فرد قائلا:
–يا باشا مفيش حد حرضنى اعمل كده غير الشيطان يا باشا ابوس ايدك انا تعبان ورجلى بتوجعنى ارحمنى يرحمك ربنا

اقترب منه الضابط يضع يده بجيب بنطاله قائلاً :
–الشيطان!
وماله يا عباس احنا هنجيب الشيطان ونأدبه ونتوبه ونتوبك انت كمان ولو كنت
فاكر انك هتحاول تهرب متفكرش فى اتنين عساكر واقفين قدام الباب وانتى فى
الدور التالت الا اذا كنت عايز تنتحر بقى يا عباس وتنط من الشباك

حك
عباس رأسه بتفكير فالضابط قد سد كل منفذ يستطيع هو أن يستغله للهروب من
المشفى فهو لا يملك فعل شئ قبل ان تتماثل قدمه للشفاء لم ينقذه شئ من غضب
ذلك الضابط سوى دلوف الممرضة قائلة:
–لو سمحت حضرتك ممكن أديله الحقنة والدوا بتاعه

أشار
اليها الظابط ان تنتهى سريعاً مما تفعله اقتربت من فراش عباس لحقنه استغل
عباس انشغالها بتحضير إبرة المحقن فسحب هاتفها من جيبها بدون أن تشعر او
يلاحظ الضابط ذلك فأخفاه حتى لا يراه احد بعد ان انتهت الممرضة وخرجت من
الغرفة عاود الضابط سؤاله ثانية:
–ها مش ناوى تتكلم برضه ياعباس

تظاهر عباس بالتثاؤب فى محاولة منه لصرف الضابط فهتف بصوت يغلب عليه النعاس:
–يا باشا شكلهم ادونى حقنة فيها منوم وهنام انا مش شايف قدامى

اغمض
عباس عينيه فلم يجد الضابط جدوى من حديثه معه الآن فخرج من الغرفة يلقى
أوامره لمن يقفون على باب الغرفة من أجل حراسة عباس قائلا:
–فتحوا عينيكم كويس وخلوا بالكم انتوا فاهمين

رفع الرجلين يديهم بالتحية العسكرية قائلين بصوت واحد ورسمية:
–تمام يا افندم

انصرف الضابط زفر عباس براحة بعد مغادرته فاخرج الهاتف الذى سلبه من تلك الممرضة يبتسم بخبث:
–يا حلاوتك يا واد يا عباس لسه برضه دماغك شغالة

نظر
للهاتف بانتصار فهذا سيكون السبيل لهروبه من هنا والهروب أيضاً من الزج به
بالسجن فهو ليس على استعداد ان يتخلى عن حريته من أجل أحد فإن لم يكن
بالمستطاع نيل حريته سيحرص على جر قدم كل من كان متواطأ معه فى هذا
الأمر..!!!
________
خرج منير من غرفته على صوت الضجيج المنبعث من
الصالة فرأى أشرف مضطجع على الأريكة يرتدى سروال قصير تاركاً جزعه الاعلى
عارياً فاصطبغ وجه منير بالغضب الشديد فصرخ به بصوت حاد:
–ايه ده معلى التليفزيون لما صوته جايب آخر الدنيا وكمان قاعد مش لابس هدومك ايه القرف ده ما تلم نفسك شوية بقى يا أخى

اعتدل أشرف الا انه مازال مرتكزا بجسده على ذراعه يضع من الحلوى الموضوعة أمامه فى فمه قائلا بعدم اكتراث:
–والله انا قاعد فى ملك اختى واعمل اللى اعمله ان شاء الله اقعد من غير هدوم خالص انت مالك أنت

اقترب منه منير يوكزه بكتفه بغيظ قائلا:
–هو ايه اللى مالى ده انت ناسى انك عايش مع ناس غيرك فى البيت وانت ماشى زى الطور اللى قاعد فى زريبة كده

هب أشرف واقفاً بعد سماع توبيخ طليق شقيقته له فأقترب منه يقبض على مقدمة ملابسه قائلا:
–هو مين ده اللى طور انا بس ساكتلك علشان راجل كبير لكن غير كده متعرفش انا ممكن اعمل فيك ايه

–سيبه يا أشرف احسن يموت فى ايدك ويحسبوه علينا راجل
هتفت
فايزة بتلك الكلمات وهى تخرج من المطبخ تحمل بيدها أحد الأطباق المملوءة
بمختلف أنواع الفاكهة وبيدها الاخرى تحمل ثمرة من ثمرات الخوخ تقضمها بعدم
أكتراث لملامح منير الغاضبة وتلك الحمرة التى كست وجهه من فرط غضبه وضعت
الطبق على الطاولة وجلست هى على الأريكة التى كان مضطجع عليها أخيها منذ
دقائق فاستطردت قائلة:
–أقعد يا أشرف يا حبيبى يلا جبتلك الفاكهة اللى انت بتحبها وخلينا نكمل الفيلم بلاش ازعاج وقرف

ترك
أشرف منير وجلس بجوار شقيقته مد قدميه يضعها على المنضدة أمامه يقضم من
الفاكهة بتلذذ يعلو صوت ضحكاته هو وشقيقته على ما يرونه من افلام كوميدية
على شاشة التلفاز

تركهم منير عائدا الى غرفته أغلق الباب خلفه فأغمض
عينيه بتعب لتتسل دمعة من عينيه فماذا يفعل هو الآن وكيف سيكون الحال عند
عودة ابنته فهو يجب ان يجد حلاً بسرعة فهو لن يأمن على أن تعيش ابنته وسط
هؤلاء البشر الذين تجردوا من كل معانى الأدب والخجل فارتدى ملابسه وخرج من
المنزل فهو يجب ان يجد مكان يأويه هو وابنته فلو وصل به الأمر أن يقيم
بالشارع فهذا افضل من ان يقيم برفقة فايزة وشقيقها ..!!!
______
كلما
سمع أيسر صوت أمير وتلك الثرثرة التى لم يكف عنها منذ أن وطأت قدمه الغرفة
تزداد قسمات وجهه تشنجاً فهو قد وصل إلى حافة صبره الآن فهو لم يعد
بامكانه سماع كلمة أخرى منه ،نظر اليه أمير بإنتشاء وهو يرى ملامح وجهه
العابسة

فنظر إليه قائلا بسماجة:
–أيه يا أيسر مالك أنت تعبان نجيبلك دكتور وشك مصفر ليه كده

ابتسم أيسر ابتسامة صفراء وهو يعض على نواجزه من الغيظ قائلا:
–لاء انا تمام بس الجو البارد اللى فى الأوضة خلانى بس مضايق

هتفت ثراء وهى تتقدم من الفراش تسحب الريموت الخاص بجهاز التكييف قائلة:
–هظبطلك درجة حرارة التكييف

نظر أيسر اليها ليعاود النظر لأمير الجالس برفقة جمال وزوجته قائلا:
–حتى لو عملتى ايه الجو برضه بارد بااااارد

علمت
ثراء ما يلمح به وانزعاجه من وجود أمير فهى رأت الغيرة مرسومة بعينيه ولكن
اتسعت حدقتيها عندما وجدته يمد يده يتناول المزهرية الصغيرة الموضوعة على
الكومود كأنه يريد قذفها بوجه أمير فهتفت بصوت منخفض:
–أيسر أنت هتعمل ايه

نظر اليها أيسر وعلم ما تفكر به فهتف بغيظ قائلا:
–ايه كانت هتقع بعدلها
ثم استطرد هامسا لنفسه:
–نفسى اقوم اكسرها على دماغ ابن الصواف

بعد
خروج كل من كان بالغرفة ظلت هى بمفردها مع من أصبح يسمى الآن زوجها ظلت
واقفة مكانها كأنها تخشى ان تتقدم خطوة اخرى وتجد ان ما حدث لم يكن سوى
سراب لاتعلم ماذا تفعل هى الآن؟ وهو أيضاً لايجد ما يقوله عندما حاول مد
يده لاخذ كوب الماء من على الكومود بجوار الفراش سبقته يدها تناوله إياه
فنظر اليها قائلا:
–شكراً

شكراً..ما تلك الكلمة التى تفوه بها هو
الآن فهى ليست بانتظار شكره او امتنانه فهى راغبة فى سماع كلمة أخرى تلك
الكلمة التى مازال صداها يتردى فى قلبها وأذنيها لاتعرف لماذا رغبت الآن
بالانصراف فعندما وصلت للباب سمعت صوته يناديها:
–ثراء استنى

أدارت رأسها اليه بصمت منتظرة ماذا يريد منها؟او ماذا يريد أن يقول؟ فأشار اليها بالاقتراب قائلاً:
–تعالى

ذهبت
إليه كالمنومة مغناطسياً فأشار اليها بالجلوس بجواره على الفراش فجلست
مقابل له مد يده اليها فأراحت يدها بكف يده الدافئ لم تمنعه عندما رفع يدها
الى فمه يقبل باطنه قبلة ذهبت بالبقية الباقية من قلبها فسمعت تلك الغمغمة
التى امتزجت بتنهيدة شوق وهو يستطرد قائلا:
–بحبك يا ثراء وعمرى ما حبيت حد زى ما بحبك او هحب حد غيرك

فهى
ولا شك فى عالم الأحلام الآن فهل هذا هو أيسر الذى تراه يبوح لها بكلمات
العشق والشوق الذى ربض بين ثنايا قلبه هل هو نفسه ذلك الرجل الذى لم ترى
منه سوى الجمود والبرود فهو كجبل جليد أشرقت عليه الشمس فاذابته بحرارتها
بعد ان انتهى من تقبيل باطن يدها وضعها على تلك الندبة الذى اعتلت قلبه
تاركة أثارها بجسده قائلاً:
–انتى دوا جروحى يا ثراء اللى علمت فى قلبى من زمان جروحى اللى كانت مكتوبة عليا قبل ما أتولد فى الدنيا دى

لم
تفهم ثراء الشق الأخير من حديثه فأين ذهب عقلها الآن ؟ فحلقها أصابه جفاف
شديد غير قادرة على الحديث وعينيها على اتساعها ،فرفع أيسر حاجبه متعجباً
من تصنم ملامحها بعد حديثه فمد يده يربت على وجنتها الوردية قائلاً:
–ثراء ثراء انتى سمعانى

رفعت يدها تمسك كف يده الذى يربت به على وجهها قائلة بابتسامة خفيفة:
–براحة يا أيسر ايدك تقيلة

أغلق أصابعه على أطراف أصابعها يأسرها بين كفه قائلاً بابتسامة:
–شكلك مصدومة زى ما تكونى فقدتى الوعى بس عينيكى مش مغمضة

قبل ان ترد عليه سمعت ثراء طرق على باب الغرفة وقدوم إحدى الممرضات بالطعام له نهضت ثراء تاخذ منها المنضدة المتحركة قائلة:
–شكرا ليكى خلاص سبيها هنا

غادرت الممرضة قأقتربت ثراء من الفراش ووضعت الطعام أمامه قائلة بحب:
–يلا علشان تأكل وتاخد دواك علشان تخف بسرعة

عادت للجلوس على طرف الفراش تتأمله ولكنه لم يمد يده لتناول الطعام فنظرت إليه بتساؤل:
–مش بتاكل ليه الأكل مش عاجبك اخليهم يجبولك حاجة تانية تاكلها

أزاح
المنضدة المتحركة المحمولة بالطعام جانباً فحاجته الآن لها هى وليس لتلك
الأشياء فما يريده منها أن تسد رمق قلبه الذى كثرت به الندوب والجروح فمد
يده سحبها من معصم يدها الذى مازال يحمل ذلك السوار الذى أهداها إياه بحفل
يوم ميلادها وجدت نفسها تصطدم بصدره فربما سبب له ذلك ألماً شديداً ولكنه
لايعطى بالا لذلك فهو يريد أن يشعر بقربها منه فبات يرى أدق تفاصيل وجهها
ورأى أيضاً بؤبؤ عينيها العسليتين يزداد أتساعاً فهمس بصوت مثير:
–انا
مش جعان قد ما انا مشتاق لقربك اللى قعدت احلم بيه من أول عينى ما وقعت
عليكى وقلبى دق ليكى عشت اتعذب وانا شايف أمير ده بيقرب منك وبيقولك كلامه
الحلو اللى كان زى السكاكين بتقطع فى قلبى وأنه كان خلاص هياخدك منى كان
هياخد الحاجة الوحيدة الحلوة اللى فى حياتى انتى احلى ما فى عمرى كله يا
ثراء

تأمل ملامحها المتسمرة وعينيها التى علقت بوجهه لاتعرف كيف
زحفت يدها حتى اراحتها على صدره راغبة فى ان يسمع إياها المزيد مما يقوله
فكلماته كرزاز المطر الذى يروى روحها التى كانت كأرض جدباء أصابها الجفاف
من انتظار بوحه لها بما يكنه لها تعلقت أصابعها بكتفه ومازالت تجيل ببصرها
بملامحه التى نضحت بعشقه لها وجدت نفسها تهتف بصوت هامس:
–أنا بحبك يا أيسر

كم
رغبت فى اسماعه تلك الكلمة وها قد حان وقتها فما عساها أن تفعل وقد أتاح
لها القدر تلك الفرصة فهى الآن زوجته شرعاً وقانوناً ولكن يجب عليها عدم
الإنجراف خلف تلك المشاعر التى توقدت بقلبيهما فلابد من إتمام حفل الزفاف
أولا حتى يعلم الجميع أنها أصبحت ملكه فرغبت فى الابتعاد فوجدت ذراعه
الملتفة حولها تأبى ذلك فهتفت بضعف مزج بخجلها ولا تنكر خوفها أيضاً قائلة:
–أيسر خلاص بقى سيبنى حد يدخل دلوقتى يقول إيه

زاد
توترها مخافة أن يدخل أحد الآن ويراها على ذلك الوضع وهو محتضن إياها
بساعدين ربما شعرت أنهم على وشك أسرها بقيود بعثت الدفء بقلبها من تملكه
الظاهر لها فكم تمنت ذلك الحصار ولكن ليس بمكان يستطيع احد التطفل عليهم
–لاء
مش هسيبك يا نور عيون أيسر وروح أيسر وقلب أيسر ونبضه وشمسى اللى نورت
الضلمة اللى كانت ساكنة قلبى قبل ما اشوفك واعشقك ثم أنتى ناسية انك بقيتى
مراتى

قالها أيسر وعيناه مسحت كل أنش بوجهها المشرق الذى ربما زاد
اشراقه أكثر بسماعها حديثه الذى كان كالدواء الناجع لندوب قلبها التى
خلفتها برودته وعدم اكتراثه بها سابقاً فدفعته بيدها على صدره فى محاولة
منها أن تبعده عنها فضغطت بدون قصد من على جرحه فلم يحتمل هو ذلك فصدر عنه
أنين منخفض متألم فشهقت ثراء بقلق تستطرد قائلة:
–أيسر فى ايه مالك بتتوجع ليه انت تعبان فى حاجة بتوجعك قولى اناديلك بابا الجرح بيوجعك رد عليا

أبتسم أيسر على تلهفها الواضح فى معرفة ما أصابه فحاول طمئنتها قائلا:
–متقلقيش يا حبيبتى أنا كويس بس انتى دوستى بايدك على الجرح فوجعنى بس انا كويس

التقطت
أنفاسها براحة بعد سماع حديثه فخفضت وجهها خجلاً فما الذى يحدث لها ؟ رأى
ابتسامتها الخجولة عاوده الشعور بتأنيب ضميره فهى لا تستحق الخداع ولكنه لا
يملك شئ سواه حتى يستطيع الوصول الى مبتغاه فهمس بداخله وعيناه تتأمل
وجهها الصافى:
–سامحينى يا ثراء سامحينى يا حبيبتى أنا مش قادر أقول على
اللى جوايا قبل ما أوصل للى انا عايزه بس اوعدك ان هييجى وقت واقولك كل
حاجة بس دلوقتى مش عايز افكر فى حاجة غير انك ليا وبقيتى ليا أنا وبس يا
ثراء

حاول أيسر إخماد ذلك الصوت الصارخ باعماقه بأنه يجب مصارحتها
بحقيقته ولكنه لن يفعل الآن فربما سيأتى الوقت لفعل ذلك ولكنه متيقن ان ذلك
الوقت ليس الآن..!!!
______
ظل شريف ” البوص” يذرع الأرض ذهاباً
وإياباً وبيده سيجاره الذى كان على وشك حرق أطراف أصابعه بدون أن ينتبه
تأففت تلك الجالسة من حركته الزائدة التى أصابتها هى الأخرى بالتوتر فهتفت
بضيق قائلة:
–شريف اقعد بقى حرام عليك خيلتنى معاك ووترتنى يا أخى أكتر ما أنا متوترة

توقف شريف عن الحركة ينظر اليها بضيق مماثل هاتفا بنزق:
–هو
ده اللى هامك يا سيرين مش همك المصيبة اللى حلت على دماغى ولسه هتتطربق
أكتر لو عباس اعترف عليا ولا مسكوا متولى وقر بكل حاجة هو كمان

نهضت سيرين من مقعدها تقترب منه تمسك كتفيه تحاول تهدئته قائلة:
–شريف
اهدى محدش من الرجالة دى يعرف شكلك الحقيقى ولا حتى اسمك يعنى اطمن قلقك
ده ملوش داعى أنت عارف ايه اللى انا خايفة منه بجد ومرعوبة كمان

عقد شريف حاجبيه بتفكير قائلا:
–خايفة من ايه يا سيرين فى حاجة جديدة حصلت

تركت سيرين كتفيه توجهت الى تلك النافذة التى تطل على الخارج تأملت لبرهة أمواج البحر الهائجة قبل ان تقول:
–خايفة
عزام يعرف ان انا اختك وان احنا اللى كنا بنبعتله تسجيلات الفيديو ونهدده
علشان ناخد منه فلوس صدقنى لو عرف مش هيرحمنا جايز دكتور جمال كان رحيم بيك
لما سلمك للبوليس زمان ومعملش فيك حاجة لكن عزام مش زى اخوه عزام جبار
يعنى ممكن يخلص علينا من غير بس ما عينه ترف يعنى ده اللى ينطبق عليه المثل
يحطك فى بوقه ويحلف انه ما شافك

سحق شريف سيجاره بيده غير آبه بما أصابه من لسع نيران السيجار لاصابعه قائلا بحقد:
–عارف
ان عزام مش سهل انا العيلة دى لازم انتقم منها على السنين اللى قضتها فى
السجن لازم ناخد منهم فلوس قد اللى كنت هكسبها من شغلى القديم بس دلوقتى
حاسس ان كل حاجة بتخرج عن السيطرة وكل ده بسبب الحارس بتاع بنته لازم
اللعبة ترجع لقواعدها تانى

فالنيران بداخله تشتد اندلاعاً فهو أقسم
على الانتقام من تلك العائلة فهو من أراد لشقيقته أن تتقرب من عزام الرافعى
وتتزوجه ليضع مخطط لابتزازه والحصول منه على أموال تعوضه تلك السنوات التى
قضاها بالسجن ترافقت خطته تلك مع ذلك المخطط الذى وضعه لخطف ثراء
والانتقام من جمال هو الآخر ولكن كان دائما جمال سعيد الحظ بوجود ذلك
الحارس الذى كان يحول بينه وبين تنفيذ مخططه

أدارت سيرين رأسها له قائلة:
–واللى
انت متعرفعوش بقى ان الحارس ده مبقاش حارس لبنت الدكتور جمال وبس لاء دا
بقى جوزها كمان يا شريف ابوها جوزهم وكتب كتابهم النهاردة

اتسعت حدقتيه بعد سماع حديث شقيقته قائلاً:
–اتجوزها وأنتى عرفتى ازاى يا سيرين

ابتسمت سيرين بسخرية قائلة:
–انت
ناسى أن أنا أبقى مرات عزام عرفت منه كل اللى حصل وان الدكتور جمال فسخ
خطوبة بنته من أمير الصواف وجوزها لأيسر الحارس بتاعها الراجل دى غريب جداً
بقى يسيب واحد غنى زى أمير الصواف ويجوزها لواحد بيشتغل عندهم

ظل
شريف ” البوص” يضرب الجدار بيده بغضب مكبوت فهو ليس له دراية بذلك الأمر
فكيف حدث ذلك فالأمور بدأت بالتداخل والتعقد فهو لم يأمن جانب ذلك الحارس
وهو يعمل لديه فما باله وهو أصبح الآن صهر جمال وزوج ثراء أرتمى شريف على
مقعد خلفه يضع رأسه بين يديه بتفكير فلابد من إيجاد مخرج من هذا المأزق
فانتقامه لابد ان يصل الى نهايته..!!!
_______
ظلت ثريا هادئة المحيا
وهى تجلس برفقة فيروز ولكن قلبها مازال يحترق بلهيب الحقد وهى تستمع لما
قالته فيروز فهى قصت عليها كل ماحدث فى المشفى بداية من إصابة أيسر حتى عقد
قرانه من ابنتها فارتسم بمخيلة ثريا ماحدث ماضياً فكأن الزمن يعيد ماحدث
معها هى وجمال عندما فضل عليها تلك الجالسة برفقتها وتركها من أجلها

فابتسمت ثريا ابتسامة لم تصل إلى عينيها قائلة:
–يعنى جمال هو اللى جوزهم كمان جوزك ده مش هيتغير أبدا دايما كده عنده العاطفة غالبة على تصرفاته

أتسعت ابتسامة فيروز عند ذكر زوجها فقالت بعشق تجلى بنبرة صوتها المتهدجة:
–جمال
طول عمره مفيش فى حنيته أو أنه يعمل الحاجة اللى تخلى اللى حواليه مبسوطين
وثراء عنده بالدنيا ومافيها علشان كده لما عرف أنها بتحب أيسر محبش يكسر
قلبها وقلبه وأنا كمان مقدرتش أقول حاجة لأن شوفت فى عيون ثراء الحب اللى
حبيته لأبوها

طحنت ثريا أسنانها خلف شفتيها الأنيقتين المطبقتين بارستقراطية التى اعتاد الجميع أن يراها بها فهتفت بداخلها بكره:
–وأنتى
كنتى السبب زمان يا فيروز لما اخدتى منى الراجل الوحيد اللى حبيته وفضلك
عليا واتجوزك وسابنى أنا بس أنا برضه عرفت انتقم لنفسى إزاى وحرمتكم من
ابنكم لازم تتدوقوا حرقة قلبى انا كمان

لم تخرج من حديثها مع نفسها إلا على دلوف ثراء التى هتفت بابتسامة:
–السلام عليكم ازيك يا طنط ثريا أنتى وصلتى أمتى

اقتربت منها ثراء تقبلها على وجنتيها فردت عليها ثريا قائلة:
–لسه
جاية النهاردة وكنت جاية اعتذر ان معرفتش احضر خطوبتك فمامتك حكتلى اللى
حصل وان الخطوبة متمتش واتجوزتى الحارس بتاعك ليه كده يا ثراء هو ده مقام
بنت عيلة الرافعى تتجوزى واحد شغال عندك جوزك كان لازم يبقى من الأكابر
علشان يشرفك ويشرف عيلتك

عقدت فيروز حاجبيها من حديث ثريا المفعم
بتلك النفحة من الكبرياء والغرور التى تراهم هى منها فهى تعلم أنها معتدة
باصول عائلتها ولكنها أول مرة ترى جانبها المتكبر شأنها شأن عزام ولبنى

إلا ان ثراء سبقتها القول بثقة نابعة من عشقها :
–وأيسر
يشرف أى حد يا طنط ثريا كفاية انه ضحى بنفسه علشان يحمينى وكان على طول
جمبى هو عندى أحسن من أى ابن أكابر الانسان بأخلاقه مش بفلوسه وعن اذنكم
علشان عايزة ارتاح شوية قبل ما أرجع لجوزى فى المستشفى

تركتهم ثراء تتجه صوب غرفتها فقابلتها ضحى أمام الباب فقالت ممازحة:
–اهلا بعروستنا القمر انتى رجعتى من المستشفى أمتى وقدرتى على بعد حبيب القلب كده بسهولة

وكزت ثراء ضحى بكتفها قائلة :
–بس يا بت أنتى بقى هو اللى اصر عليا ان أجى ارتاح غير كده مكنتش سيبته وكمان عايزة اخد شاور وانام شوية وارجعله تانى

هزت ضحى رأسها بحالمية قائلة:
–يا سلام على الحب اللى ولع فى الدرة يا سعدية

ولجت ثراء الى الغرفة تسحب ضحى من يدها قائلة بنفاذ صبر:
–مش وقت خفة دمك وربنا ادخلى بقى خلينى أشوف هعمل إيه

اتجهت
ثراء الى خزانة ملابسها سحبت ثياب نظيفة لها وولجت إلى الحمام جلست
بالمغطس تنعم بالهدوء حتى كانت على وشك ان يغلبها النعاس فرأت ان تنتهى من
حمامها الآن وبعد ان انتهت خرجت وجدت ضحى تتسطح على الفراش مغمضة العينين
فربما هى الاخرى بحاجة إلى النوم فهتفت بمزاح:
–اه يا جبانة نمتى قبل ما ترغى معايا قبل ما أنام بس ماشى

قامت
بتمشيط شعرها أمام المرآة وهى تتذكر أيسر عندما كان يتملكها بين ذراعيه
حتى كادت أن تشعر بذوبان قلبها ،انتهت وارتمت على الفراش ولكن عيناها تأبى
أن تنام فظلت مسهدة:
–وبعدين انا مش عارفة انام ليه كده مع ان كنت هموت وانام

ظلت تحدث نفسها حتى حزمت أمرها وقامت بارتداء ملابسها لتذهب إلى المشفى
لم تفكر كثيرا فوجدت نفسها تصل الى المشفى الذى يرقد به أيسر

فى ذلك الوقت كان أيسر ينظر لصورة والدته التى يحتفظ بها دوما بحوزته قائلا :
–خلاص
يا أمى هانت واخد حقك من اللى ظلمك وظلمنى لازم عزام الرافعى يشرب من نفس
الكاس اللى شربك وشربنى منه لازم يدوق العذاب والذل اللى دوقناه ويدفع حساب
اللى عمله بالفوايد كمان بس اللى مضايقنى أن خبيت الحقيقة على دكتور جمال
وبنته هم فعلا ميستهلوش أن اخدعهم بس مش قدامى حل تانى غير كده انا برضه
مرضيتش اتجوز ثراء باسمى المزيف واتجوزتها باسمى الحقيقى علشان ميبقاش
جوازنا باطل لأن انا بحبها ويمكن حبها هو اللى برد النار اللى فى قلبى بس
كل عينى ما تشوف عزام والعز والجاه اللى هو عايش فيه وبسببه أنا وأنتى
عيشنا فى فقر وذل النار بتولع فى قلبى تانى النار اللى عارف انها هتحرقنى
وتحرق ثراء قبل منى بس خلاص مبقاش ينفع ارجع عن كلامى أنا بشر مش ملاك
علشان أسامح

سمع أيسر صوت طرقات على الباب فأخفى سريعا الصورة
بجيبه فحمحم قليلا قبل ان يأذن للطارق بالدخول فسمعت ثراء صوته ادارت
المقبض تدلف الغرفة باستحياء قائلة:
–انت عامل ايه دلوقتى

تعجب
أيسر من عودتها إليه بهذه السرعة فهو أصر عليها بأنها يجب ان تنال قسط من
الراحة فالقلق والتوتر قد ترك أثاره على وجهها ولكنها عادت فهتف قائلا:
–انتى رجعتى بسرعة ليه كده انتى لحقتى نمتى

اغلقت ثراء الباب فأقتربت من الفراش قائلة:
–الصراحة حاولت انام بس معرفتش المهم أنت كويس دلوقتى

اعتدل أيسر بجلسته قائلاً:
–انا الحمد لله كويس بس انتى اللى باين عليكى الإرهاق يا ثراء كان لازم تنامى وترتاحى وكنتى تيجى براحتك

أطرقت ثراء رأسها أرضاً قائلة بخجل:
–طول ما أنت كويس انا هبقى كويسة يا أيسر

كيف
يخبرها هو الآن أن كلما سمع صوتها او رأى ملامح وجهها التى ارتسم عليها
العشق يزيد من شعوره بآلام شديدة تمزق فؤاده مد يده يجلسها بجواره يريح
رأسها على كتفه السليمة قائلاً بهمس:
–حبيبتى

شد على كتفيها بقوة
وهو يرى الآن ذلك المستقبل الذى ربما سيصبح كابوساً عندما تنجلى الحقيقة
او عندما تعلم بما ينوى هو فعله من أجل خوض تلك المعركة التى اندلعت
نيرانها ربما منذ قبل ميلادها هى ،شعر بسكونها فنظر إلى وجهها وجدها مغمضة
العينين هل نامت هى الآن؟

فنادى باسمها بصوت منخفض حتى لا يفزعها:
– ثراء حبيبتى أنتى نمتى

وجدها
تمرغ وجهها بكتفه كأنه وسادة وجدتها أخيراً وستنال راحتها فذلك الدفء الذى
تشعر به كفيل بجعلها تغرق فى سبات عميق فهمهمت بنعاس:
–لاء انا صاحية أهو منمتش

لم
يشأ إزعاجها فلينعم بقربها قبل أن تأتى سنينه الخاوية من وجودها جواره قبل
رأسها واغمض عينيه هو الآخر الا انه سمع صوت لم يضعه بحسبانه الآن
–الله ايه الحلاوة دى يا أيسر والمشهد الغرامى الجميل ده دا أنت مطلعتش سهل بقى

فتح
أيسر عيناه الخضراوتين بعد سماعه ذلك الصوت الذى علم هو أن اليوم لن يمر
مرور الكرام بدون حدوث مشادات كلامية وربما أيضاً عراك..!!!!
يتبع…..

لقراءة الفصل الرابع والعشرون : اضغط هنا 

                                                            لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

 

اترك رد

error: Content is protected !!