Uncategorized

رواية أتحداك أنا الفصل الثاني عشر 12 بقلم أميرة مدحت

 رواية أتحداك أنا الفصل الثاني عشر 12 بقلم أميرة مدحت

رواية أتحداك أنا الفصل الثاني عشر 12 بقلم أميرة مدحت

رواية أتحداك أنا الفصل الثاني عشر 12 بقلم أميرة مدحت

الحُبّ هو الأكثر عذوبة والأكثر مرارة.
وكأنه يحيا داخل كابوس سينتهي ما أن يأتي النهار، إلا أن النهار لم يأتيي ولن يأتي ما يحيا به واقع يتمثل أمامه فـ أنهار من الداخل كل ثوابته يرفض ذلك الواقع.
أخذ نفسًا عميقًا يعبئ صدره بالهواء لكن عبثًا، فالاختناق الذي يشعر به مصدره قلبه، جذوات محترقة تكويه بنيران الندم والوجع وليكن ملعونًا إن اعترض!، لم يستطع الإجابة وظل واقفًا دون حراك ليسمع صوت شقيقتــه “دينـا” يقترب:
-مراد، أخيرًا وصلت بالسلامة يا حبيبي.
تقوست شفتاه عن ابتسامةٍ متعبة وهو يستوعب وجودهمـا، فتح ذراعيه كي يحتضنهـا بشوق كبير، تنفست “دينا” بإرتياح، ترقرقت عيناها بالدموع وهي تقول بصوتٍ مبحوح:
-أخيرًا وصلت بالسلامة، أنا كنت دايمًا أعدة مرعوبة عليك، خايفة في يوم الباب يخبط وأسمع خبر وحش عنك.
لاح شبح ابتسامة باهتة على ثغره وهو يقول بلطفٍ:
-إزاي بس، ده أنا عايش علشانك.
ثم إلتفت بإتجاه “سلوى” مبتسمًا لها بهدوء:
-إيه أخبارك يا سلوى؟!..
أتسعت إبتسامتهـا وهي تجيبــه ببهجة:
-بقيت كويسة لما شوفتك بخير.
بخير!.. كلمة لم يشعر بهـا مُنذ أن إلتقى بـ”لينا”، والعجيب أن الجميع يعتقدون لمجرد عودته، إنه أصبح بخير، إتسعت بسمته المخادعة التي تخفي ألم كبير: 
-أنا فعلًا بخير.
أبتعدت “دينا” عن أحضانـــه تتمعن في تعبيرات وجهه بدقة، وقبل أن تتحدث وجدتــه يتراجع للخلف وعينيه مصوبة على ضابط ما، وهو يقول بجمودٍ:
-عن إذنكم.
تحرك “مراد” بخطى هادئة نحو الضابط الذي أستقبله بسؤاله:
-أخبار لينا إيه دلوقتـي؟!..
لم يتحرك وجهه الجامد، وظل الوجوم مصاحبًا تعبيراته وهو يقول:
-بقت كويسة الحمدلله.
صمت قليلًا قبل أن يسأله فجـأة بريبة:
-إنت عرفت منين إللي بيني وبين لينا؟!..
إبتسم الضابط إبتسامة جانبية وهو ينظر أمامه بشرودٍ قبل أن يرفع عينيه نحوه يجيبه بكل جدية:
-إنت ناسي أن إحنا أتدربنا على قراءة الوش والعيون، أنا شوفتك وإنت بتضربهـا، شوفت الوجع والغضب إللي فيك، بس ملحقتش أمنعك بسبب إشتباكي مع رجالة عماد، ده غير لما أتواصلت معانا قبل كدا وقولت أن لينا شخصية متناقضة، في حاجات بتعملهــا وفي حاجات مطلوبة منها من المافيا وبتوهم الجميع أنها نفذت، ده غير طلبك بإنك تحاول تعرف هي معاهم ولا ضدهم، كل الإهتمام ده ونظراتك ليها وإنت رايح تضرب عليهـا نار خلاني أشك، وأتأكدت فعلًا لما نطقت بالجملة دي ليك.
شعر “مراد” أن قدميه لم تعودا قادرتين على حمل وزنه الضخم، فجلس على أقرب مقعد وهو يقول بجمود خافت:
-أنا إيه إللي عملته في نفسي ده؟!.. بس لو رجع الزمن بيا كنت عملت نفس الحركة، كانت في نظري مجرمة، شيطانة في جلد إنسان، غضبي منها عماني، وفوقت لنفسي على أن القانون مع إللي زيها هو الموت، كنت عاوز أموت حبي ليهـا بنفسي، كنت عاوز أفكر نفسي أنها مجرد مجرمة، وأنا الظابط إللي مطلوب منه يقبض على إللي زيها ويقتل كمان لو لزم الأمر.
تنهد الضابط بحرارة وهو يقول:
-الخوف دلوقتي من أن الخبر ده يوصل للقيادة، ساعتها هتحصل مشكلة كبيرة بينك وآآ..
قاطعــه “مراد” بلهجة غاضبة:
-إللي يحصل يحصـل، مبقاش يفرق معايا حاجة خلاص.
إتجه “أدهم” نحوه ثم جثى على ركبته أمامه متسائلًا بقلق:
-مراد، إنت كويس؟!..
هدأ “مراد” قليلًا، ثم رمقه بهدوء مريب وهو يجيبــه:
-أنا كويس، بس ياريت يا أدهم تاخد دينا وسلوى يروحوا، أنا مش عاوز حد معايا، وكمان شوية هرجع البيت.
أشار له بتفهمٍ، ثم باغت بقول:
-تمام، بس خد بالك من نفسك، وياريت قبل ما تروح بيتك، تعدي عليا نتكلم شوية.
-هبقى أكلمك.
*****
في المساء، ظلت “لينا” نائمة لعدة ساعات متتالية دون قلق، بنفس الوقت دخل شخص غامض يرتدي زيّ طبي، ما أن رأها مستكينة هكذا، حتى أخرج تلك الإبرة المليئة بالمواد السامة، رفع يده قليلًا وقبل أن يدس الإبرة في المحلول وجدهـا تفتح عينيها، نظرت له بعدم إستيعاب وقبل أن تصرخ فيه، كان ألقى بالحقنة وسحب الوسادة يضعها على وجهها، يكتم به صراخاتها، تلوت بإنفعال وهي تحاول أن تتشبث بالحيــــاة.
ظنت أن ستلتقي اليوم بخالقهـا، وقبل أن تستلم لحالة الضعف، شعرت بدخول أحدهم إلى الغرفة، سمعت صوت “مراد” وهو يهدر فيه بغضب، وقد بدأ يسدد له اللكمات قبل أن يدخل الحراس يخرجونه من الغرفة، تحرك “مراد” نحوها يبعد عنها الوسادة، وهو يحدق في معالم وجهها الواهنة الشاحبة، شهقت “لينا” بعنف محاولة أن تتنفس بطبيعية، أحتضن وجهها براحتيـــه وهو يتمتم بخوف:
-لينا، لينا فوقي معايا، إنتي كويسة؟!..
رمقته بعيون واسعة وهي تلهث بشدة محاولة أن تبعد يديه عنها، أشتعل الرعب بداخله وهو يتحرك نحو الخارج يصرخ بصوته الجهوري:
-دكتور، دكتور بسرعـــة.
أتى كبير الأطباء وخلفه الممرضة، دخل كل منهمـــا ليبدأ الطبيب محاولة تهدئتهــا حتى يتم فحص حالتها بدقة، مسح “مراد” على وجهه بقوة، وقلبه ينهش بخوف، تراجع للخلف عدة خطوات قبل أن يخرج وهو يصرخ بالحراس بلهجة جهورية:
-أنا عاوز أعرف إيه الأستهتار ده؟!.. إنتوا أكيد بتستعبطوا؟!..
هتف أحد الحراس قائلًا بجدية خائفة:
-يا فندم إحنا مش عارفين كل الداكترة إللي هنا، والراجل ده مكنش باين عليه أي حاجة مريبة.
قبض على تلابيبـه وهو يهدر فيه بعنف:
-لولا دخلتي عليهـا كانت ماتت، كانت ماتت وكنت دفنتك بالحيا إنت وهو على الأستهتار إللي إنتوا فيه.
دفعه بعنف فـ أصطدم جسده بالحائط وهو يردد:
-أنا آسف يا فندم.
خرج كبير الأطباء من الداخل، متوجهًا مباشرةً نحو “مراد” الذي ألتفت إليه متسائلًا بقلق:
-ها، إيه أخبار لينا؟!..
أجابه بمنتهى الهدوء والعملية:
-ماتقلقش، هي بخير، ولقينا في الأوضة الحقنـة دي.
رفع يده بالإبرة ليضيق “مراد” حاجبيه بجدية، أستقام في وقفته وهو يشير بيده قائلًا بصيغة آمرة:
-أنا عاوز تحللي الحقنة دي، ونعرف فيهـا إيه؟!..
-تمام يا مراد باشا، نص ساعة وهقولك الحقنة كان فيهـا إيه بظبط.
أومئ برأسه بالإيجاب وهو يراه يغادر من أمامه وخلفه الممرضة، أستدار نحو الحراس قائلًا بلهجة مخيفة:
-حسابكم معايا بعدين.
سحب نفسًا حادًا قبل أن يتحرك نحو غرفتهـــا، ليجدها تعتدل في جلستها وهي تبعد خصلات شعرهـا للخلف، دنى منها بخطوات بطيئة وهو ينظر لهـا بقلبٍ متلهف، وقف قبالتهـا ليتفاجئ بصوتها قائلًا:
-أقعد يا مراد.
دون أن يتحدث جلس على طرف الفراش، لترفع رأسها نحوه وهي تنظر له بعينين جامدتين، ألتوى ثغرها بإبتسامة جانبية وهي تهتف بجدية:
-الكلام إللي هقوله، هيتقال مرة واحدة، عشان بعد الكلام ده، علاقتي هتقطع بيك للأبد.
أجابها بلهجة شبه حادة:
-وإنتي تفتكري إني هسيبك؟!..
أجابتـه بثقة:
-أنا إللي هسيبك يا مراد.
سألها بحدةٍ وقد أوشك على فقدان قدرته على التحكم في أعصابه:
-هتقدري تعملي كدا؟!..
-حتى لو مقدرتش، بس لو كان في قصة حب بينا فهي أنتهت بموقفك يا.. يا مراد!
زفرت بإختناق قبل أن تبدأ بالحديث الجاد قائلة بصوتهـا الهادئ:
-أنا كنت بشتغل مع أبويا من البداية في تجارة المخدرات، أتولدت وأنا شايفة قدامي البودرة والهيروين وكل حاجة تقدر تتخيلهـا، أشتغلت معاه بعد ما خلصت دراستي، الحاجة الوحيدة إللي رفضتها من أول يوم هي أن حد يلمسني، حاولت قبل كدا أنفذ لكن مقدرتش، وعشان أهرب مثلت أنه أغم عليا، وبعدها لو أضطريت أدخل بحد معايا أوضة النوم، أحطله منوم، ولما يصحى من النوم يا يلاقيني خارجة من الحمام، يا برا الأوضة، يعني يوم ما “روكان” أستدعاني، كنت حطيتله حباية منوم، ولو كنت خرجت بعد ما عملت كدا، كان حد من رجالته هيبلغوه، وأتشنق أنا ساعتها.
قطم عبارته مصدومًا وقد تجمدت عيناه على وجهها، شعر بدقات قلبه تتلاحق بقوة، ابتلع ريقه متسائلاً بذهولٍ:
-إزاي؟!.. إنتي بتقولي إيه؟!..
ظل ينظر إليها بصدمة وهي تبادله النظر إليه بهدوء، لتخفض عيناها أمام نظراته القاتلة في تعبيرها القوي، تابعت كلامها بألم رغم تلك الإبتسامة الصغيرة التي على وجهها:
-أمي أكتشفت أن أبويا تاجر مخدرات بعد ما خلفتني بسنتين، حاولت تهرب لكن قدر يوصلهـا، كان قدامها أختيارين، يا تموت يا تفضل ساكتة وتربيني، أخترت الأختيار التاني بشرط واحد، أني لما أكبر مشتغلش مع أبويا، وميكونش في علاقة بيني وبينه في الشغل، وافق لكن خلف وعده معاها لما كبرت وكنت أشتغلت معاه، لما جت تمنعني وتهرب عشان تفضحه وتلحقني من الحفرة إللي وقعت فيها، وصلتله أوامر بأنها تموت قدام عينيا، عشان يكون درس ليا لو فكرت أعمل زيها، حاولت أنقذها لكن رجالة داود منعوني، فضلت أصرخ فيه وهو بيرفع سلاحه ناحيتها، وفي لحظة كانت بتقع قدامي وبتنزف لغاية ما.. ما ماتت.
هدر “مراد” وهو لا يزال غارقًا في صدمته:
-ومن هنا فوقتي لنفسك فعلًا؟!..
هزت رأسها بالإيجاب وهي تُضيف بشرودٍ:
-فضلت سنة كاملة عايشة في صدمة وبرفض أي شغل، لغاية ما كان ناوي يدخلني مستشفى الأمراض العقلية، وقتها فوقت وبقيت بحاول أعرف عنه كل حاجة وعن شغله، لغاية ما بقيت أفضل عميلة عندهم، وبعدها لجأت لآريان، هو صديق طفولتي وكان بيحب والدتي جدًا، كان نفسه يبدأ حياة نضيفة، أتفقنا وعمل خطة هروب ليا من إنجلترا لمصر عشان أبدأ أعرف أشتغل مع مكافحة المخدرات، وبالفعل ده حصل وقابلتك.
نكس رأسه قليلًا قبل أن تبتسم بسخرية وهي تتابع:
-ولما مشيت من عندك كنت لازم أرجعله، لأن هو إللي ضرب عليا نار، وبعدها قابلتك تاني.
وبضيقٍ ظهر في تعبيراته وهو يسألها:
-ومحاولة قتلك دلوقتي وقبل كدا؟!..
وجهت نظراتها له مقطبة بعبوس:
-أنا حياتي في خطر مش من عصابة أبويا بس، تؤ عصابات تانية، واحدة منهم في اليونان وواحدة منهم في فرنسا ده غير إنجلترا، في منهم المنافسين لينا، وفي إللي كانوا بيتعاملوا معانا، إلي أذوني قبل كدا هما أللي كنا بنافسهم، لكن دلوقتي إللي كنا متحدين معاهم هما إللي هيأذوني.
نظر لها بجمود مستفهم فقال بصوته الرخيم:
-يعني حياتك في خطر دلوقتي؟!..
-أومأت برأسها تؤكد ظنه هامسة بفتور:
-أيوة، أنا قولتلك كل حاجة، دلوقتـي تقطع علاقتك بينا نهائي يا مراد.
قبل أن يهدر فيها بغضبــه، هتفت بتلك الجملة التي سمرته في مكانه:
-أنا عارفة إنك كنت ظابط من البداية.
اتسعت عيناه وقد تجمد محدقًا في الفراغ، ليهمس مبهوتًا بعد برهة بذهول عظيم:
-عارفة!!..
رددت ساخرة وهي تبادله ابتسامة متهكمة:
-أيوة، وحاولت أقولك، لكن السرية كانت أهم حاجة في مهمتنا، فمعرفتش أقولك.
ظل ينظر إليها عاقدًا حاجبيه بشدة، إلا أن الذهول كان ظاهرًا بعينيه ثم قال حانقًا بحدة:
-كان لازم تقوليلي يا لينا، كان لازم.
-مراد، خلاص أللي بينا أنتهى، أوعى تفتكر إنك لما رفعت عليا السلاح مكنتش أقدر أدافع عن نفسي، لأ كنت أقدر كويس أوي، لكن سبتك بمزاجي.
صمتت قليلًا قبل أن تقول بصوتٍ بارد للغاية:
-أنا سبتك تعمل ده، عشان أكرهك بضمير.
رفع عينيه المصعوقة ليتطلع إليها بصدمةٍ، اشتدت عين “لينا” بلهيبها المحرق فأستطردت كلماتها الثابتة كالخنجر الذي يعلم مكان الإصابة بالتحديدٍ:
-وعشان أنا عذراك يا مراد، مش هنتقم منك، لو مكنتش ظابط وشايفني بنظرة المجرمة، كنت عرفت أخد حقي منك كويس، لأن إللي يجي عليا أنا بمحيه من على وش الأرض.
همس بخفوت عادي غير مستوعب للصدمة:
-لينا.
-أطلع برا يا مراد، خلاص قصتنا أنتهت، وأنت إللي كتبت النهاية، لكن أنا كتبت الخاتمة.
يتبع…..
لقراءة الفصل الثالث عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد