Uncategorized

رواية أمسك بيدي فلتنقذني من الهلاك الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فرح طارق

   رواية أمسك بيدي فلتنقذني من الهلاك الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فرح طارق

رواية أمسك بيدي فلتنقذني من الهلاك الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فرح طارق

رواية أمسك بيدي فلتنقذني من الهلاك الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فرح طارق

“خليكِ يا چَيدا، محتاج لوجودك صدقيني..حتى لو هتفضلي ساكتة، بس خليكِ”.
ارتجفت يدها أثر سماعها لتلك الكلمات، يترجى منها البقاء وهي بالأساس تجاهد للرحيل! 
جلست مرة أخرى بصمت ظاهر خارجيًا يعكس كل شيء بداخلها! تلك الحرب الناشئة بين أن تخبره الحقيقة.. أم تصمت حتى يأتي الوقت المناسب!
ظلت جانبه.. جالسة بصمت، لا تقوى على الحديث؛ ف هي صدقًا وإن نطقت بشيء ف ستخبره بكل ما يحدث من خلفه.
انتفضت من أفكارها على صوت ياسين الذي فتح عينيه مرة أخرى بتعب
– قولتلك حتى لو هتسكتي، بس ذوقيًا منك اتكلمي؟
ضيقت حاجبيها بغضب نجح ياسين باثارته، ثم اردفت
– قصدك إني معنديش ذوق يا ياسين بيه؟
ابتسم بخفة وهو يعدل رأسه مرة أخرى، ويستند بها للخلف..في هدوء، فقد نجح في إثارة غضبها وسماع صوتها للحظات، ف هو كلما أراد في سماع صوتها، يفعل ذلك معها.. ثم يصمت مجددًا.
– وبعدين؟
قالتها چَيدا في ملل من تلك الجلسة الصامتة بينهم، قالت في وقت إنه قد يكون نائم.. لكنه مستيقظ الآن! لم يريدها الرحيل وايضًا تشعر بالملل من كونهم صامتين هكذا.
– قولي اللي بيدور جواكِ يا چَيدا ومش هتحسي بملل.
توترت من حديثه وهي تشعر به يوجهه لشيءٍ ما..ثم قالت بنبرة حاولت جعلها عادية
– حاجات زي إيه يعني؟ 
ارتسامة جانبية ارتسمت على وجهه، ثم أطلق تنهيدة متعبة 
– بتحبيني مثلًا؟ 
ثم أكمل حديثه وهو ينهض – بصي خلينا نست..
قاطع حديثه وهو يطلق تآوه..ويضع يده على صدره أثر الجرح وتلك العملية التي أجراها منذ يومًا واحدًا قط..
بينما نهضت هي بفزع تحاول معرفة ما به، قائلة كلمات مشتتة 
– الجرح حصله حاجة؟ أنت كويس؟ استنى هجيب الدكتور.
امسك ذراعها وهو يعدل نفسه على الفراش وهي تحاول مساعدته بتوتر، وصوت أنفاس عالية من كثرة خوفها عليه..وفي الوقت ذاته كان صوت ياسين 
– چَيدا.. أهدي أنا كويس..طبيعي الجرح لسة طري هحس بوجع، متخافيش.
طالعة صدره..ناحية الجرح خاصةً وانتقلت عينيها بين نظراته والجرح، بنظرات متوترة
– متأكد؟
– مش أنتِ معايا دلوقت؟
حركت رأسها بمعنى نعم، بينما أكمل هو.. بجملة جعلت وجهها يشرُق مرة أخرى، وتستعد هدوئها من جديد
– يبقى أنا كويس.
خرجت من شرودها وتفكيرها وهي تتنهد داخلها في تشتت وتخبط شديدان..لقد مر شهرين وهي معهُ، ظلت جانبه حتى تخطى مرحلت العلاج، وأصبح يقف على قدميه لدرجة أنها شعرت بأن هذا هو الوقت المناسب لاخباره بالشيء المختبيء الذي يجهل عنه حتى الآن.
شهران مروا على الجميع، عادت حياتهم لبعضٍ من الطبيعة ولكن ظل جزءًا بها مجهول حتى الآن، جزء حان وقتهُ لأن يظهر للجميع حتى تعود الحياة بشكل طبيعي كامل من جميع زواياه.
رجعت قبلهم ليان لمنزلها، كانت تعِش مع زوجها في سعادة، رغم ذلك الجزء بداخلها الذي يخبرها بأن هناك شيءٍ دائمًا يقلق سيف ويقلقها أكثر، لكنهُ رغم قلقه لازال يخفيه عنها! ظنت أنه فقط لعلاقته بوالدته التي لم تصبح جيدة حتى الآن..ف حاولت أن تغير من تفكيره وهي طوال الوقت تسأله عن كيف يشعر كلما اقترب موعد التقاءهم بطفلهم الأول؟ ها هي الآن بالشهر الثالث من الحمل، تحاول ربط ذاك الشيء بعلاقة سيف و والدته عله يشعر ببعض الذنب ويتجه إليها لمُراضتها..لكنه حتى الآن لم يفعل! 
بينما حور وفهد لازالت علاقتهم كما هي، مُنشغل هو بقضاياه وعمله، بينما هي برجوع الشركة مرة أخرى، وقوفها على قدميها وبناء كارير خاص بها، واسمها في السوق الذي حلمت به منذ الطفولة.
بتلك اللحظة بينهم، على صوت اللواء كامل حينما توقف بالسيارة في المكان المنشود واردف
– وصلنا .
– أنا خايفة من ردت فعل ياسين أوي.
أمسك يدها وهو يبتسم لها ..في محاولة لجعلها تطمئن
– متقلقيش، ياسين هيتقبل ده.
– شهرين عايشهم ف كدبة؟ هيتقبل إزاي؟ 
– چَيدا.. أنتِ أكتر واحدة عارفة حياتنا عاملة إزاي؟ دي مافيا يا چَيدا، عالم كبير طالما حطينا رجلنا فيه، مكناش هنخرج بالساهل! خاصةً وإن خروجنا منه كان متوقف على سيف..يا إما نجازف ونفكر ف حل يخرجنا كلنا سُلام، يا إما هنسيب سيف يتقتل وسطهم ونرجع! 
ياسين عارف قد إيه حياتنا على كف عفريت.
تنهدت چَيدا ثم تطلعت نحو فيلتم..بينما وضع كامل يده على كتفها، يحثها على الهبوط من السيارة.. وكأنه يعطيها القدرة للقدوم على فعل ذاك الشيء.
ترجلت  الإثنان من السيارة، ونظرت چَيدا نحو سيارة فهد ثم اردفت
– فهد وسيف وصلوا.
حاوط ذراعها وابتسم
– حلو مش هنستنى كتير..يلا بينا 
دلف الإثنين للفيلا، و وجدوا الجميع بالداخل يطالعهم بتساؤل لسبب جمعتهم تلك ما عدا سيف وفهد، اللذان يعرفان السبب المجهول الصادم للجميع.
نظرت چَيدا نحو ياسين، لتجده يطالعها بتساؤل، ثم نظرت لكامل الذي اردف
– أكيد كلكم بتسألوا إيه سبب اللمة السعيدة دي؟ هقولكم.
ابتسم كامل، ثم نظر نحو باب الفيلا، ليدلف للداخل شخصًا جعل الجميع في ذهول..عدا ياسين الذي سقط مغشيًا عليه؛ فلم يكُن الشخص سوى “مُـهـاب”
                                       • • • 
– مش هقدر! ياسين بالذات مستحيل أعمل فيه كدة..هضربه بالنار؟
تنهد فهد بنفاذ صبر واردف
– لو معملتش كدة هنخسر روحك وروح ياسين وسيف!
-طيب نعرف ياسين الخطة! هضحك عليه كل المدة دي؟ هيكرهني يا فهد وأنا مش هقدر أتخيل ده من دلوقت.
ثم نظر للواء كامل وأكمل
– أنا لما وعيت ملقتش معايا غير ياسين، كل حاجة ف حياتي، أنا نفسي مش هقدر اختفي ٣ شهور من حياته، وأبقى عارف إنه كارهني.. وأكل واتنفس وانام عادي! 
عارف يعني إيه تبقى طول حياتك وحيد، بين أربع حيطان..بسمع عن الونس بس عمرك ما جربته! بتشوف حكاوي الصحاب والأخوات وأنت معندكش.؟ أنا كنت بسمع ده عادي، مكنتش جربت الشعور ف كان الوجع أخف وأقل.
فاجئة لقيتني جربت كل ده! ياسين أنا عرفته وأنا عندي ١٨ سنة، شخص يتيم و وحيد عايش مع جدته اللي فاجئة بين يوم وليلة كانت بتضحك معاه وماتت! قابلت ياسين كل ده أتغير.. ده أخويا يا فهد مش صاحبي! مش هقدر شهرين يكون كارهني فيهم حتى لو تمثيلية.
– طب وأنا؟ أخويا اللي اتحرمت منه ٢٢ سنة ! عايزني اتحرم منه تاني؟ المفروض تبقى أكتر واحد حاسس بيا يا مهاب! وتقف جمبي لحد ما اقدر أخرج سيف من وسطهم سليم ويكمل حياته معانا.. أنت اكتر واحد عارف شعوري! ياسين مش اخوك مش من صُلبك وبتقول كدة، ما بالك بـ سيف؟ نفس فصيلة الدم! أخويا.. من صُلبي! أخ لحد دلوقت بشوفه ابني؟ يتقتل واخسره تاني عشان حضرتك مش قادر شهرين بس تمثل فيهم إنك ميت! 
قال فهد تلك الكلمات متتالية، صوت أنفاس عالية تملأ المكان، وسط صمت مهاب وكامل وهما يران انفعال فهد بذهول! لأول مرة في حياته يخرج عن ثباته..وينفعل لتلك الدرجة، ذاك الفهد المعروف عنه أنه كالجليد..بارد مثله تمامًا، انجرف الآن عن بروده؟
ظل الجميع صامتًا حتى هدأ فهد مرة أخرى، صمت عم على ثلاثتهم وهم يعيدون ترتيب أفكارهم من جديد، حتى قطع مهاب ذاك الصمت قائلًا بقرار حاسم للأمر
– إيه هي الخطة؟
ابتسم له فهد ثم بدأ بالسرد عليه ما سيقوم بفعله
– أنت صديق لـ مازن، هو عارف إنك متعرفش شيء عنه..هتبدأ تشككه فيك وأنك بتعمل حاجة غلط بعيد عن البوليس، واحدة واحدة هتزود الشك جواه لحد ما يتأكد إنك بتخونا، وقتها هيطمن ليك أكتر ويخليك معاهم.
أكمل اللواء كامل حديثه وهو يفتح الكاميرا أمامهم
– دي منال، عشيقة مازن وف نفس الوقت تبقى طليقة محمد، عم حور وليان، وأم كريم..من ضمن الفريق بتاعهم.
محمد وكريم ف أيد البوليس دلوقت، شيء مستحيل حد منهم يطلع من تحت أيدينا، عنينا هتتركز على مازن ومنال؛ لأنهم الباقيين من الفريق دلوقت ف مصر.. زائد إن معاهم شخص مُتخفي ده للتجسس على سيف، وده أنت أكيد هتعرفه لما تبقى واحد منهم.
استدار اللواء كامل لمهاب ،وابتسم لهُ واردف
– فهمت الشبكة؟ 
– وبالنسبة لـ اللي هعمله؟
– تركيزك دلوقت تاخد ثقة مازن وتكون زي ضله، تفهمه أنه من غيرك ولا شيء..طبعًا لأنك هتكون مع البوليس ف أكيد عارف كل صغيرة وكبيرة بتحصل معانا، ومن ناحية تانية أنت معاه.
– والخطوة التانية؟
اقترب منه فهد واردف بجدية
– يوم التنفيذ اللي هيتم فيه هروب مازن ومنال من مصر، وده نفس اليوم اللي هيتقتل فيه سيف..وقتها شيء مؤكد أن منال ومازن مش هيتحدوا للهروب، خاصةً إنهم هيكونوا عارفين إن البوليس هياخد واحد فيهم، ومنال شخصية أنانية أكتر من مازن، هتختار تسافر وهو يلبس قصاد البوليس، لأن ده طبعًا لو حصل..منال هتبقى اليَد اليُمنى ليهم برة مصر.
أكمل فهد حديثه وهو يضغط على الزر المُتحكم للتنقل من صورة لأخرى.
– ده جوز منال الوجه الخفي عن الجميع.
نظر مهاب لكامل الذي أكمل حديث فهد
– وطبعًا متخفي لأنه الشخص المجهول اللي اتبعت يصطاد سيف بصمت..واتجوز منال لأنها أكثر شخص خفي عن الجميع، وابعد حد ممكن يكون عليه الشك.
نظر مهاب للصورة وهو يحفظ ملامح الشخص..
كانت ملامحه حادة بشكل تام، من يرى نظراته الصقرية يعرف بأنه ليس بشخص عادي كـ باقي البشر، فور أن تنظر لعينيه تُوقن داخلك أن بِه شيءٍ مريب حقًا..
رفع مهاب رأسه عنه، لينتبه لحديث كامل
– اليوم اللي هيتم القبض فيه على مازن، منال وجوزها هيكونوا بيهربوا..بعد ما هيفضلوا يحاولوا يلاقوا سيف ومش هيقدروا، قصاد الجميع والكاميرا اللي موجودة ف هدوم مازن واللي هما هيكونوا حاطينها.. أنت هتضرب طلقة على ياسين، دكتور تخصص جراحة قلب هيوجهك تنشن فين بالظبط، عشان تعرف وِجهتك هتقتل وتصيب، وبا ترجعلك صاحبد تاني..وهنتلبس قناع حامي، لكل جزء ف جسمك، حتى وشك..متعلمش ياسين هيبادلك الرصاصة فين، لأننا هنبذل أقصى جهدنا نخليه يضربك بالنار..عشان تكون قصاد الكاميرا عند منال، إنك مُت فعلًا قصاد البوليس..وتقدر تعرف مكانهم فين، ونقبض عليهم.
اردف مهاب بتساؤل
– طب لو سافروا ف نفس اليوم برة مصر؟
– مش هيحصل، مش هيقدروا يسافروا من غير ما ينفذوا أهم مهمة عندهم..وهي إنهم يقتلوا سيف.
وضع فهد يده على كتف مهاب، واردف
– عارف اللي هتعمله صعب عليك، ومجهود كبير جدًا محتاج إنك تبذله، بس ياسين بردوا ف نفس الخطر.. لأنه للأسف لما كنا ف أوروبا..هو اللي خد الجهاز، وهو بردوا اللي ضرب “ريتشارد” بالنار لما حاول يضربني بالنار وسيف خد الطلقة بدالي، وريتشارد ده يبقى أخو مايكل..ومايكل إحنا قتلناه، ف بالنسبة ليهم بالعربي والعامي “ليهم طارهم عن ياسين”.
اقترب اللواء كامل منه واردف
– أنت قدها يا مهاب، وكلنا واثقين فيك، روح ياسين وسيف ف إيدك أنت دلوقت، وأنا و فهد وراك، وف ضهرك..وچَيدا كمان، هتبقى معاك.
– هي مش قدمت استقالتها؟
– ده عشان تبان قصاد الكل إنها بعيد عن البوليس وتقدر تتحرك براحتها معاك…
فهمت الخطة هتمشي إزاي؟
ابتلع مهاب ريقه بتوتر وخشية مما هو قادم عليه، واردف
– فهمت.
– بالتوفيق يا بطل.. وكلنا فخورين بيك، أولنا ياسين.
                                    • • • 
انتهى مهاب من سرد كل شيء على ياسين الجالس أمامه في فراش داخل إحدى الغرف بالمشفى، ف قد كاد أن يصاب بأزمة قلبية ! لولا أن لحقه الجميع وذهبوا به للمشفى.
اندفع مهاب على بين ذارعي صديق عمره، ورفيق دربه، وهو يبكي
– وحشتني يا ياسين، حصلت حاجات كتير كان نفسي احكهالك، عارف كام ريكورد سجلته ليك على الواتس اب وأنا بحكيلك حصل إيه ومسحته ف آخر لحظة وأنا بفتكر إنك مش هينفع تسمعه؟ ولا كام رسالة اتكتبت ومسحتها؟ 
أنا كنت أهبل وتايه أوي من غيرك! كنت كل يوم الصبح أمسك التليفون وافتحه واكتب رقمك اللي حافظه ومش حافظ رقمي أنا وأبقى خلاص هتصل عليك أقولك أنت مش بايت معايا ف البيت ليه؟ وبعدين افتكر واعيط واسكت! 
لكزه ياسين بظهره في خفة قائلًا بين دموعه
– انشف ياض مش كدة! مكنوش كام شهر.
– طب بذمتك عشتهم عادي من غيري؟
– عايز الحق يا مهاب؟
أكمل حديثه وهو يحرك كتفيه بلامبلالة : عشتهم عادي.
لكزه مهاب بغضب ثم ضمه ياسين لاحضانه واردف بعدما هدأت ضحكاته
– أنت عارف أنا أكبر منك بكام سنة بس! وبحسك ابني يا مهاب مش صاحبي ولا أخويا.
على الزاوية الأخرى، كان يدمع الجميع من حديثهم معًا، وهم يتمنون دوام علاقتهم ببعضهم البعض.
ذهب سيف نحو شقيقه، بينما فتح فهد ذراعيه استقبالًا لأخيه
– مش عارف اشكرك ازاي يا فهد، ولا حتى مهاب! وياسين..كلكم عملتوا كتير عشاني، رغم إنهم لو كانوا قتلوني ف أنا كنت أستحق ده.
– أنت كويس، جواك نضيف، الحياة حطيتك ف مُستنقع وقفلت عليك بالضبة والمفتاح، ورغم كل ده انت كنت بتجاهد تطلع منه، وده مكنش سهل..رضيت ف وقت عمر ما كان الرضا ممكن يكون عليك سهل، يكفي إنك أول ما لقيت الفرصة اديت ضهرك ومشيت من غير ما تفكر، حتى وأنت عارف إنهم ممكن يضربوك بالنار ف ضهرك..بس بردوا مشيت.
ضمه فهد بسعادة، وانضمت لهم چَيدا هي الأخرى، سعيدة بما يحدث حولها، علاقتها بشقيقيها، والدتها، خالها، حتى ياسين..قد تقرب منها كثيرًا في الآونة الأخيرة، حياتها باتت تُصبح مثلما تتمنى، ولكن ينقصها شيءٍ واحد قط..هو رجوع علاقة سيف بوالدتها فقط.
في مساء اليوم..
دلفت حور لمنزلهم، لتجد والدتها تجلس على الأريكة أمامها تحمل طفلها بين ذراعيها، نهضت بقلق واردفت
– إيه اللي حصل؟ ياسين كويس يا حور؟ ومهاب! إزاي ظهر فاجئة! فهميني يا بنتي.
جلست حور بجانبها، وقصت عليها كل ما حدث معهم، وما أخبرهم به مهاب..حتى انتهى الأمر برجوع ياسين ومهاب معًا، وذهب سيف بزوجته إلى شقتهم، والبقية اللي منازلهم..وها قد عادت هي لوالدتها مرة أخرى.
أنهت حديثها، ثم اردفت
– أنا طالعة اوضتي أريح شوية لأن اليوم كان مليان أوي من بداية الشركة لحد ما انتهى ف المستشفى.
نهضت حور واستوقفتها وفاء وهي تناديها بصوت خجِل
– حور.
– إيه يا حبيبتي؟
– هو بصي..
مدت وفاء هاتفها لابنتها، لتحمله حور وعلامات الاستفهام على وجهها، لتجد رسالة مبعوثة لوالدتها من نصف ساعة محتواها “بكرة هجيب المأذون واجي، أكيد حور زمانها رجعت البيت وعرفتك اللي كان بيحصل، وعرفتي أنا ليه كنت بعيد الفترة اللي فاتت..وف الحقيقة كانت عايز نبدأ حياة مع بعض بداية نضيفة مع ابننا يا وفاء، آه أنا اعتبرت مصطفى أبني..ولولا إنه حرام انسبه ليا كنت عملت كدة، وحور وليان كمان بناتي.
عارف هتفكري وتقولي ليه بتكلم بالثقة دي؟ لأني زي ما واثق من مشاعري ف أما واثق من مشاعرك، وأنا مش صغير عشان أكون تايه.”
نظرت لرسالة أخرى أُرسلت بعدها ” لو مردتيش هعرف إنك موافقة”.
ابتسمت حور بسعادة وحماس لتلك الكلمات الواضحة بأنه يعشق والدتها لا يحبها قط! 
رفعت رأسها لتجد والدتها وجهها مُحمر لكثرة خجلها من الأمر.
أم تخبر ابنتها بأن هناك رجل يعشقها! بل يرغب في الزواج بها؟! أمر لا يُحسد عليه حقًا! غير قادرة على النظر داخل عينيها..لكنها أخبرتها لأنها تشعر بأن ابنتيها شقيقتين لها، ليس لها غيرهم وليس ليهم غيرها أيضًا! فعلت الآن مثلما اعتادت أن تخبرهم كل شيء، لكنها لم تعلم أن تلك المرة ستكُن الأصعب على الإطلاق!.
جلست حور بجانبها مرة أخرى واردفت بهدوء حاولت اخفاء حماسها خلفه
– أنتِ موافقة يا ماما؟
– مش عارفة.
– مرضتيش ع الراجل يبقى موافقة!
– شايفة كدة؟
ضحكت حور على والدتها، ولم ترغب بأن تخجلها أكثر من ذلك، وضمتها قائلة بسعادة 
– مبروك يا أجمل وأرق واحن أم ف الكون كلوا.. وأفضل أخت وصاحبة كسبتها ف حياتي.
في اليوم التالي.
هل كانت تلك الزيجة الأولى بحياتها ؟ بالطبع لا ! بل هو ثالث رجل دلف لحياتها الآن وتزوجت به .! أحدهم كان أول رجل تلقاه في حياتها، تزوجت منه وانجبت “حور وليان” أما الآخر أنجبت منه “مُصطفى” على إسم زوجها الأول وأول رجل دلف لحياتها وشعرت بقربه بالهدوء والسكينة وراحة البال..
إذًا ما كم التوتر الذي تشعر به الآن ! 
هي ليست صغيرة بالعُمر ! بل ابنتيها البِكر قد تزوجا الآن، هل تخشى هي أن تكون معه تحت مسمى زوجته وتخاف ذلك؟ أم ذلك ليس سوى اثرًا تركهُ طليقها لها مما جعلها تخاف وتخشى كل الرجال؟
استدارت لهُ لتجدهُ واقفًا معها بالغرفة، يقف خلفها واضعًا يديه بجيوب بنطاله، ويطالعها بتلك النظرات الشامخة والثابتة لم تتغير! لمَ تتغير من الأساس وذلك ما يميزه ويزيد من جاذبية شخصيته بالنسبةٍ لها وللجميع!
تحرك بخطوات ثابتة نحوها، ثم وقف قبالتها..يُطالعها بنظرات لم تستطع تجديدها مما أدى إلى زيادة شعورها بالتوتر والرغبة بالرحيل من أمامه.
لحظات مرت من الصمت بينهم، لكن!
هل كانت اللحظة صامتة مثلما نظن؟ أم أن هناك شيء يسمى بلغة العيون وهي من تتحدث؟ عينيه تخبرها الكثير والكثير! هو بطبعه شخص رزين، صامت، لا تخرج الكلمات من فمه سوى للضرورة، تلك المرة التي تحدث بها أخذ أكبر صدمة في حياته وهو يجدها تخون كلماتهُ لها! ليلقي اللوم على نفسه ويعود لصمته من جديد..
هل هي أيضًا تستحق صمته ذلك؟ ليست مثلها.. وهو يعلم حق العلم واليقين بذلك، ولكن ما جُرح بداخله ليس بالسهل على عودته مرة أخرى، وإن أرادت فلتتحدث هي! لما هي صامتة هي الأخرى؟
– وحشتيني يا وفاء، وحشتيني فوق ما عقلك يصورلك ده!
قطع جميع أفكاره وهو يجد عينيه تُصوب نحو ثغرها، لينخفض برأسه وهو يقبلها في محاولةٍ لكبت جميع أفكاره الآن، ليتذوق تلك الشفاه ويأخذ صاحبتها معهُ لذاك العالم الذي أنشأه داخله فور أن رآها للمرة الأولى.
بينما كانت هي لازالت آثار جروح “محمد” لها منعكسة عليها، تأخذها وتُسيطر عليها بالكامل..لتجد نفسها تحاول دفعه بعيدًا عنها بكل ما تحملهُ من قوة داخلها.
بينما احاطها كامل بقوة أكبر ولكن كانت يديه حانية، ظل يمررها على جسدها بحنو حتى شعر بها باتت تهدأ بين ذراعيه..
ف كيف يجعلها تخاف منه وهو الذي أقسم داخله أنه سيمحو من داخلها كل ما مرت به؟
كيف يتركها الآن وهو منذ الوهلة الأولى التي رآها بها، وهو يتخيلها كل ليلة بين ذراعيه؟
كيف يبتعد عنها وهو قلبه ينبض لها عشقًا وشغفًا لقُربها؟ كيف! وهي التي أحيت قلبه من جديد..بعدما عزم على قتله ودفنه حتى لا يُحب أحد مرة أخرى، وجاءت هي حطمت قراره ذاك؟.
يتبع…..
لقراءة الفصل الثامن والعشرون والأخير : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية عنيد غير حياتي للكاتبة لبنى عبدالعزيز

اترك رد