روايات

رواية الأربعيني الأعزب الفصل السابع 7 بقلم آية محمد رفعت

رواية الأربعيني الأعزب الفصل السابع 7 بقلم آية محمد رفعت

رواية الأربعيني الأعزب البارت السابع

رواية الأربعيني الأعزب الجزء السابع

الأربعيني الأعزب
الأربعيني الأعزب

رواية الأربعيني الأعزب الحلقة السابعة

لم يتفاجئ “عاصي” بوجود “قاسم” بمنزله، فهبط للأسفل بثباتٍ، متجاهلاً ندائها المتكرر بصوتها الشبه مسموع، فكان ردة فعله بالنسبة إليها غريباً، كانت تظن أن الإختباء هو الحل الأمثل في تلك المواقف، ولكنها وجدته يهبط لمواجهته، تسللت “لوجين” لحافة سور الدرج، ثم مدت رأسها من خارج أعمدته المعدنية لتراقب ما يحدث بوضوحٍ، إتجه “عاصي” لمقعده دون أن يعبئ بيديه الممدودة لتبادل السلام فيما بينهم، فسحبها بغيظٍ وهو ياول الحفاظ على هدوئه بشتى الطرق، فبدأ بالحديث أولاً:
_أنت أكيد بلغك إني روحتلك الشركة وحاولت أقابلك أكتر من مرة ولما معرفتش النهاردة جيتلك لحد عندك ومن الواضح إنك عارف سبب زيارتي ليك.
تعمق بنظراته تجاهه، ليجيبه بعنجهيةٍ:
_حبيت إنك صريح من البداية لإني في الحقيقة معنديش وقت ولازم أخرج.
إبتلع تلك الإهانة عن قصدٍ، ثم سأله بشكلٍ صريح:
_فين “لوجين” يا “عاصي”؟
رفع حاجبيه باستغرابٍ، وبمكرٍ قال:
_مين ” لوجين”، آه دي عروستك اللي هربت يوم الخطوبة!
ظهرت تكشيرة جانبية على شفتيه وهو يقول باستنكارٍ:
_قصدك اللي أنت خطفتها.
رد عليه دون مراوغة وقد إحتدت نبرته:
_إنت متأكد إني عمري ما أنزل لمستواك الوضيع ده ، أنا إتصرفت زي أي راجل شايف بنت محتاجة مساعدة.
إحتد الحديث بينهما فلم يصبح للين طريقاً بينهما، وخاصة حينما أهدر”قاسم” بتهديدٍ صريح:
_لا لما تخرج معاك بالطريقة الغريبة دي يبقى خطف وأنا عايزك تعرف إن اللي عملته ده هيوقعك في مشاكل أنت مش أدها، ممكن ببساطة أرفع عليك قضية وإتهمك بخطف خطيبتي ولو الإعلام شم خبر مش هيتوصوا وده هيأثر عليك وعلى شغلك.
تجهمت ملامح “عاصي” حينما إستمع لتهديده الجريء، فضبط أنفاسه المندفعة ليقول بخشونةٍ:
_أعلى ما في خيلك إركبه، القضية اللي بتهدد برفعها دي مش هتاخد بيها حق ولا باطل وخصوصاً بعد شهادة خطيبتك اللي هتبين للصحافة أد أيه أنت معندكش كرامة وبتجري ورا واحدة مبطقش تبص في خلقتك.
ورفع صوته الماكر متابعاً توبيخه:
_يعني الليلة دي إنت اللي هتشيلها مش أنا.
ثم إنتصب بوقفته،ليتابع حديثه بإهانة تعمدها:
_ياريت بعد كده متجيش هنا من غير ما تاخد معاد..
ثم أشار بيديه تجاه الخادمة التي أسرعت لترى ماذا هناك، فأمرها بصرامةٍ:
_مع الباشا.
وقفت إهانته كالشوكة العالقة برئتيه، فنهض عن المقعد ثم وقف مقابله ورفع عينيه إلى وجهه يتحداه بتصميمٍ:
_إنت اللي بدأت بالحرب يا باشا.
وإتبع الخادمة حتى وصل لباب القصر الداخلي، فغادره بخطواتٍ سريعة، والنيران تكاد تحرق وجهه، فما أن صعد إلى سيارته حتى أخرج هاتفه ليملي أوامره بتحذيرٍ صريح:
_ راقبه كويس وكل تحركاته تبقى عندي أول بأول.
*****
إنفرجت شفتيها على مصراعيها في صدمةٍ مما حدث، فأسرعت بالهبوط للأسفل، فابتلعت ريقها ببطءٍ لتمنح نفسها الفرصة حتى تستجمع جأشها ثم نطقت في ترددٍ قلق:
_عرف إني هنا!
لاحت على وجهه إبتسامة ساخرة:
_أمال هو جاي ليه!
تساءلت بخوفٍ وهي تتنفس بصعوبةٍ بالغة:
_إنت مش هتسلمني ليه يا “عاصي” صح؟
قطع المسافة بينهما، ثم مال نحوها برأسه، لتشعر بأنفاسه قريبة منها وهو يؤكد لها بهمسٍ جاد:
_أنا عمري ما هتخلى عنك يا “لوجين” وقولتهالك أكتر من مرة.
رفعت عينيها التائهة تجاه، فالتقت بنظراتٍ عينيه العميقتين التي تبث لها الأمان منذ أول لقاء جمعهما، فكأنها نفذت لداخلها لتحتضن خوفها، هو بالنسبة لها كالبطل الخارق، فمنذ طفولتها وفرض عليها “قاسم خلدون” رغماً عن أنفها، فلم تشغل ذاتها يوماً بأن تترك لقلبها حرية الاختيار مواصفات الرجل الذي تتمنى الزواج منه يوماً، فكيف ستحلم بالزواج من فارس الأحلام وهي مقيدة بسجن هذا المستبد؟ ربما ما يحدث لها الآن جعلها تعشق سمات هذا الرجل الأربعيني الذي أثار دهشتها بتصرفاته التي لا تنبع سوى من رجلٍ نبيل، انسحبت “لوجين” من هذا اللقاء الذي استهدف مشاعرها ليبرك حواسها تجاهه، فسألته لتهرب من محاصرة هالته التي تفرض ذاتها بحضرته:
_أنت رايح على فين؟
اهتدى لوجهته بعدما تناسى تماماً إلى أين سيذهب، فقال وجسده ينحني تجاه الطاولةٍ ليجذب هاتفه ومفاتيح سيارته:
_”إيمان” بتولد ولازم أكون جنبها.
عقدت حاجبها وهي تتساءل بدهشةٍ:
_معقول دي لسه مكلمني من ساعة وحضرت نفسي عشان هخرج معاها هي و”عائشة”!
بسخريةٍ أجابها:
_الحاجات دي مفهاش ترتيب ولا إتفاقات.
وكاد بالتحرك فاستوقفته حينما صاحت بلهفةٍ:
_ثواني.
استدار تجاهها فوجدها تهرول للأعلى، لتعود إليه بعد لحظاتٍ حاملة بين يدها حذائها، بطريقة مضحكة وكأنها طفلة صغيرة تخشى أن يتركها والدها ويرحل دون أن يصطحبها معه، دنت منه وهي ترتدي حذائها على عجلة لتشير إليه:
_أنا جاية معاك.
حك ذقنه النابتة بإنزعاجٍ من طريقتها، فمنحته نظرة حادة توحي بما سيحدث له إن رفض الأمر، لذا أرغم على قبول دعوتها الإجبارية، فأشار بيديه تجاه الباب الخارجي:
_إتفضلي.
ابتسمت وهي تتجه للخارج بانتصارٍ، فصعد لسيارته ليتحرك بها تجاه المشفى ومن خلفهم رجال “قاسم خلدون”.
*********
صراخها تسبب له بحالة مزمنة من الصداعٍ، فأعدل من وضع الكمامة الطبية على فمه وهو يصيح بها بانفعالٍ:
_إهدي يا حبيبتي كده مش هينفع صدقيني.
أمسكت برقبته وهي تصرخ بألمٍ:
_بالله عليك يا عمر ساعدني، أنا حاسة إن في سكينة بتقطع بطني.
تأوه ألماً من غرس أظافرها في جلد رقبته، فردد بصوتٍ متقطع من الغضب:
_قولتلك أكتر من مرة أنا متخصص بالأمراض النفسية والعقلية، ممكن أساعدك لما تخفي وتقومي على رجلك أعالجك من حالة الجنان دي لكن حالياً انتي محتاجة دكتور نسا وتوليد.
ازداد حدة صوتها، فنزع يدها التي تستهدفه رقبته ثم قال بتعصبٍ شديد:
_أنا هطلع أستنى بره أحسن ما رقبتي تطير.
وتركها وغادر للخارج يلهث وكأنه ركض لمسافاتٍ طويلة، وما أن وصل “عاصي” و”لوجين” للمشفى، حتى علموا من الاستعلامات بمكان الجناح الخاص بالنساء والتوليد، فصعدوا سوياً للاعلى، ليجدوا “عمر” يجلس بالخارج على أريكة معدنية قريبة من غرفة العمليات ولجواره إحدى الممرضات التي تضع اللاصقات الطبية على رقبته وتقوم بمعالجته، والأخر يصرخ ألماً ويهمس بصوتٍ واهن:
_حطيها براحة الله يكرمك.
ثم تطلع لها متسائلاً بخوفٍ:
_رقبتي اتبهدلت جامد؟
نفت ذلك بهزات رأسها المخادعة، فمنحها إبتسامة خبيثة قبل أن يتغزل بها :
_شكراً على اهتمامك بيا وبجرح رقبتي.
وكاد باستكمال كلماته اللطيفة، ولكنه انتفض حبيما استمع لنداء يعلم صاحبه جيداً:
_عمـــــــــــــر!
نهض من جوارها سريعاً ثم اتجه ناحية “عاصي” الذي يناديه بعصبيةٍ، فلعق شفتيه وهو يردد بارتباكٍ:
_أنت جيت يا “عاصي”.
ثم تطلع جواره وهو يرسم ابتسامة بلهاء:
_إزيك يا” لوجين”… عاملة أيه؟
منحته إبتسامة ساخرة قبل أن تمتم باستهزاءٍ:
_أنا كويسة، إنت اللي شكلك متبهدل خالص!
وبخبث استطردت:
_بس أنا شايفة إن الممرضة عالجتك على أكمل وجه، متفانية في شغلها أوي الولية دي.
أصبح وجهه قاتماً بصورةٍ ملحوظة، فقال بتلعثمٍ ونظراته تراقب رد فعل “عاصي”:
_دي كانت بتطهرلي جرح رقبتي، لحسن”إيمان” أحياناً لما بتتعصب بافقد التحكم في أعصابها.
ضحكت بصوتٍ مسموع جذب انتباه عاصي إليها بشكلٍ أدهش “عمر”، فشعر بأن رفيقه على وشك الوقوع بالحب للمرة الثانية، قطعت تلك اللحظة خروج الطبيبة من غرفة العمليات، فدنت من”عمر” لتخبره:
_دكتور” عمر”، الولادة الطبيعية هتكون صعبة عليها،فأنا شايفة إننا نلجئ للقصرية أفضل.
قال بقلقٍ شديد:
_إعملي اللي أنتي شايفاه صح يا دكتورة بس أهم حاجة “إيمان”تكون كويسة.
أكدت له برفقٍ:
_متقلقش هتقوم بالسلامة إن شاء الله.
وعادت لغرفة العمليات مرة أخرى، ليتبعها “عمر” بعد أن صمم الانضمام اليهما، ففي طبيعة الحال زوجته في سبات عميق بفعل المخدر، فلن تستطيع إلحاق الأذى به مجدداً.
*******
بالخارج
إختار “عاصي” الجلوس على الأريكة القريبة من الجناح المتخصص للجراحة، فجلست “لوجين” لجواره حينما ألمتها قدميها من الوقوف، أصبح المكان فارغ من حولهما، يسوده صمت قاسي وكأن المكان لا يوجد به سواهما، فحانت منه نظرة جانبية تجاهها، تخفي حولها تردد بما يود قوله، إلى أن قال بثباتٍ تام:
_إنتي ليه بتكرهي “قاسم” ؟
رفعت حاجبيها بدهشةٍ من سؤاله، فأوضح مقصده حينما قال:
_أقصد إنه مفهوش عيوب خطيرة، رجل أعمال ناجح وابن عمك وفوق كل ده بيحبك بجنون..
ابتسامة شبه ساخرة رسمت على محياها، فتحررت كلماتها التي اصطحبتها وابل من الدموعٍ جعلته في حيرةٍ من أمرها، وخاصة بأنه إعتاد على تلك الإبتسامة التي ترسمها دوماً على وجهها:
_يمكن لأنه مش سايبلي حرية الإختيار ودايماً بيفرض نفسه علي، ومن وأنا صغيرة وهو دايماً بيتسببلي بالإحراج قدام أصدقائي، لو شافني بتكلم مع حد بيكسره رقبته وبيأذيه بكل السبل، وأخرهم كان دكتور جامعي كان متقدملي فقولت أدي لنفسي فرصة ولأول مرة كنت بفكر أرتبط بشكل جدي، ولما روحت الجامعة تاني يوم إتفاجئت إنه توفى في حادث غامض وطبعاً مش محتاجة أقولك مين اللي ورا الحادثة دي!
لمس “عاصي” جزء من معاناتها المخبأة خلف وجهها البريء، وخاصة حينما استكملت حديثها بوجعٍ ينطوي خلف رقة صوتها:
_حتى بابا كل ما بقوله إني بكرهه ومش عايزاه كان بيحرص إنه كل مرة يشرحلي إني لو متجوزتهوش أيه اللي هيحصل فينا، لأن كل حاجة في إيده هو وعمي، فالجوازة دي بتصب في مصلحة العيلة اللي لازم أفكر فيها ومفكرش حتى في نفسي!
ومسحت دموعها بأطراف يدها وهي تستطرد بإنكسارٍ:
_يمكن يكون فعلاً مش وحش للدرجة دي، بس هو اللي زرع الكره جوايا بسبب أفعاله الاجرامية، وحبه إنه يتملكني بأي طريقة كانت وكأني سلعة رخيصة بتتباع وتشتري.
وبعزمٍ شديد أضافت:
_مش هو ده الشخص اللي أنا عايزاه، مش مناسب ليا ولا عمري هحبه ولا هحترمه في يوم من الأيام.
ومسحت العالق بأهدابها وهي ترسم إبتسامة صغيرة:
_سيبك مني،وقولي أيه السر ورا تعلقك بحبيبتك حتى بعد ما ماتت إزاي قدرت تفضل مخلص ليها كل السنين دي؟
نغز صدره بوخزاتٍ مؤلمة، فور تذكره زوجته وحبيبته الراحلة، فالتقط نفساً مطولاً حبسه داخله لفترةٍ طويلة قبل أن يجيبها بكلمات تشتق معاني العذاب بأكملها:
_عشقها زي المخدر اللي بيكون صعب التخلص منه، مجرد تردد ذكرياتها بعقلي بيخليني أحس دفء بيديني القوة إني أواجه برد مشاعري القاسية.
تحمل الألم الذي يضرب قلبه واسترسل بصوته الرخيم:
_وجع فراقها مكنش بنفس حدة وجع قلبي وأنا بشوفها بتواجه الموت كل يوم ، وخاصة بعد ما إتغلب السرطان على جسمها كله، ومعتش عندها طاقة إنها تحاربه.
انسدلت دمعاتها على وجهها وهي تستمع لكلماته الصادقة التي نقلت لها صورة مصغرة عما خاضه، فتغلبت عما يحاربها من حزنٍ عميق ثم قالت:
_إدي لنفسك فرصة أن تدخل حياتك بنت تنور عتمة قلبك اللي عايش حبيس ليها.
ابتسم وهو يجيبها ساخراً:
_تفتكري إني محاولتش أعمل كده!، فكرت كتير في فكرة الإرتباط كل ما بكبر في السن بس للاسف مقدرتش ، وأحياناً بفكر بتمعن في عمري اللي قضيته بالشغل عشان أوصل للي وصلتله وبسأل نفسي مين اللي هيورث كل ده بعد موتي! والأهم من ده كله إزاي هخلد إسم عيلتي؟
ورفع كتفيه باستسلامٍ:
_حاولت بس مقدرتش، لإني بمجرد ما ببص لأي ست بحس إني ارتكبت جريمة عقابها أسوء مما أتخيل!
ابتسمت “لوجين” ثم أخبرته بإعجابٍ شديد:
_ياريت قدري يجمعني براجل يحبني زيك.
رفع عينيه تجاهها فصفن بها لدقائقٍ، شعر بهما بأنه استعاد جزء من حياته، تلك الفتاة غامضة بكل ما تحمله معنى الكلمة، من يراها يظنها طفلة ساذجة رغم عمرها المعقول، وأحياناً يشعر بأنها امرأة ناضجة تمتلك من الحكمة والعقل ما يجعلها تحكم عالمه، انقطع فترته الوجيزة بتأملها حينما تسلل لمسماعهما صوت بكاء رضيع، وبعد قليل خرج “عمر” يحمله بين ذراعيه بابتسامةٍ يتخلالها دمعات الفرحة والسعادة، ليضعه بين يد “عاصي” الذي فشل بالتعامل معه، وكأنه يحمل شيء رقيق يخشى أن ينكسر بين يديه الخشنة، فحملته عنه “لوجين” وهي تهمس بفرحةٍ:
_جميل أوي ما شاء الله، هتسميه أيه يا “عمر”؟
انتقلت نظراته تجاه رفيقه ليجيبها دون تردد:
_أنا و”إيمان” إختارنا الاسم قبل كده .. هنسميه” عاصي”.
اتجهت نظراته المندهشة لرفيقه، فربت بيديه على كتفيه وهو يردد بحنانٍ:
_بتمنى يكون زيك في يوم من الأيام.
منحه ابتسامة هادئة وقال بتمني:
_ربنا يباركلك فيه ويحفظه من كل سوء.
انقطع الحديث بينهما حينما خرجت “إيمان” من غرفة العمليات، فتتبعوها لغرفتها، لتدنو منها “لوجين” ثم قالت بلهفةٍ:
_حمدلله على سلامتك يا حبيبتي..
ابتسمت رغم محاربتها للألم:
_الله يسلمك يا روح قلبي.
ثم نقلت نظراتها لأخيها لترغمه باشارتها على التطلع تجاه “لوجين” التي تحمل الصغير بكل حب وحنان، لتعود لترشيحاتها الصامتة من جديد، هز رأسه باستسلامٍ لعدم تغيرها بعد، وإنحنى ليطبع قبلة صغيرة على جبهتها وهو يهمس باستهزاءٍ:
_حتى وإنتي تعبانه وبتموتي بتفكري في الموضوع ده!
همست بتعبٍ بدى بنبرتها المتقطعة:
_بالي مش هيرتاح الا لما تتجوز، فإتعود بقا على طريقتي اللي مش عجباك دي لحد ما تفرح قلبي ببنت الحلال اللي تستاهلك..
انحنى “عمر” تجاههما ليتساءل بقلقٍ،ونظرات شكوكه تتوزع بينهما:
_في أيه؟
دفعه “عاصي” وهو يشير له بصرامةٍ:
_موضوع خاص بين الأخت وأخوها مالك بيه!
حدجهما بنظرةٍ منفرة، ثم غادر للخارج وهو يردد بسخطٍ:
_خدوا راحتكم، وأنا هروح أشوف الدكتورة هتخرجها النهاردة ولا بكره.
وفور خروجه استأذنت”لوجين” هي الاخرى بحجة رغبتها باحتساءٍ كوب من القهوة، ولكنها بحقيقة الأمر فضلت الانسحاب حينما شعرت بحاجة “إيمان” بالحديث مع أخيها على انفراد… فهبطت لكافيه المشفى الخاص، لا تعلم بأن هناك من تلقى الأوامر بخطفها حينما تسنح لهم الفرصة بذلك، ومنحتهم تلك الفرصة ببقائها بمفردها دون “عاصي”.
*******
بالأعلى.
فور خروج “لوجين”، استغلت “إيمان” بقائها بصحبة أخيها بمفردهم، لذا استدعت الحزن ليتبع نبرة صوتها:
_هتفضل لحد أمته تتجاهل طلبي وأمنيتي يا “عاصي”؟
زفر في سئمٍ من عودتها لنفس الموضوع الذي لا ينتهى أبداً، فقال بانزعاجٍ:
_إنتي مش بتملي من الكلام في الموضوع اللي مش بيتقفل ده؟
انجرف تفكيره تجاه نقطة هامة، فاسترسل حديثه بعد فترة من الصمت:
_استني استني، في العادة بنقطع الكلام في الموضوع ده فترة متقلش عن سنة أو أكتر، أول مرة تتكلمي عن جوازي في نفس الأسبوع تقريباً.. قوليلي في أيه؟
ابتسامة رقيقة رسمت على محياها قبل أن تخبره:
_يمكن لإني لقيت العروسة اللي تليق بيك بجد المرادي، ومن اللي أنا شوفته إنت مش بتعترض على وجودها جنبك أغلب الوقت.
ضيق عينيه وهو يتساءل بذهولٍ:
_تقصدي مين ؟ ” لوجين”!
هزت رأسها بتأكيدٍ وقد ازدادت ضحكاتها، فرمش بعينيه عدة مرات وهو يردد بعدم تصديق:
_مش مصدق اللي بسمعه ده، إنتي شايفة المجنونة دي لايقة عليا!
قالت والضحك يتابعها بحديثها.:
_لا شايفاك مهتم بيها، ومديها الفرصة إنها تقرب منك ويمكن ده لأنها مسيطرة على مكانة خاصة بقلبك.
كور يديه بعصبيةٍ حتى أبيضت من فرط ضغطه عليها، فعادت لتستعطفه لكلماتها من جديدٍ:
_أنا عارفة إنك هتفضل تحب”هند” لأخر نفس خارج منك، بس أيه المشكلة لما تحتفظ بحبها جواك وفي نفس الوقت تسمح لواحدة تانية إنها تدخل حياتك!
نهض “عاصي” عن مقعده ثم هم بالخروج وهو يردد ساخراً:
_إنتي لسه مرجعلكيش وعيك بالكامل، هرجعلك تاني بس لما تأثير المخدر يخرج من جسمك كله.
وأغلق الباب من خلفه، ثم ألقى بثقل جسده على أقرب أريكة استراحة قريبة من غرفة شقيقته، فعلى الرغم من تماسكه الشديد أمامها الا أن قلبه رق لحديثها، وكأنه لمس شيء كان يجهله، نعم هي تمتلك جزء من الحقيقة فمازال يتساءل ماذا فعلت به تلك الفتاة في أيامٍ معدودة!
كيف استطاعت أن تجبره على مساعدتها والأغرب من ذلك كيف صرح لها عن وجع قلبه بمنتهى البساطة في حين أنه لطالما حرص على دفنه بداخله، وكأنه لا يخص أحداً سواه هو، ثمة شيئاً غامض يجذبه تجاهها، شيئاً لم يعد يفقهه أو يعلمه!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الأربعيني الأعزب)

اترك رد

error: Content is protected !!