روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل التاسع و العشرون 29 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل التاسع و العشرون 29 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت التاسع و العشرون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء التاسع و العشرون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة التاسعة و العشرون

~… قرار بالرحيل …~
خرج العمدة من غرفة إبنه نعناعه وتوجّه إلى غرفة الفتيات مباشرةً ….. دق على باب الغرفة أولًا واستأذن للدخول ، حتى سمع صوت حميدة لكي يدخل… اعتدلت سما ورضوى التي كانتا ممدتان على الفراش ، واستدارت حميدة بنظرات دهشة وتركت ترتيب خزانة الملابس …. أما جميلة كانت تهم بأغلاق النافذة ولكن تركتها ووقفت تنظر لخالها ببعض القلق …
كان مجيء العمدة لغرفتهن خصيصاً أمر لا يحدث إلا نادرًا ، ويبدو أنه يريد قول شيء لا يريد أحد معرفته سواهن ! ….
قالت حميدة بقلق :
_ خير يا خالي … في إيه ؟!
جلس العمدة على مقعد خشبي قديم بالغرفة بعدما أغلق الباب بهدوء ، ثم اتكأ على عصاه الخشبية وقال :
_ أسمعوني كويس في الكلمتين اللي هقولهم يا بنات.
نظر الفتيات لبعضهن في شك وقلق ، فأضاف العمدة بنبرة فيها بعض التحذير:
_ بما أن الدكاترة طلعوا ولاد عمامكم ، مش عايزكم تغيروا معاملتكم معاهم ولا ياخدكم العشم ، يعني هيفضل الحال على ما هو عليه ، كأنهم أغراب برضو.
انكمش ما بين حاجبي حميدة بشك ونظرت لجميلة في تساؤل ، فطرحت جميلة سؤال مُلح بعقلها للعمدة:
_ غريب كلامك يا خالي ووراه حاجة ! ، كأنك مش رايد تقولها ! … أنت شوفت منهم حاجة ؟
رفع العمدة كف يده بنفي وقال :
_لا والله …حرام الظلم ، بس الوضع دلوقتي اتغير ، يعني انتوا ولاد عم واكيد هيحصل بينكم كلام ، فحبيت أنبهكم … محدش عارف في إيه بكرة !.
تلك الجملة الأخيرة زرعت بقلب الفتيات الحيرة والشك ، فنهض الرجل وأتمّ حديثه بنظرات حادة تحذيرية:
_ ما أشوفش واحدة فيكم بتتكلم مع حد فيهم ، ولو حصل مش هتعدي على خير …وأنا عارف ومتأكد من أخلاقكم …بس برضو كان لازم أقول الكلمتين دول…. يلا… تصبحوا على خير .
خرج العمدة من الغرفة وخيم الصمت بين الفتيات لعدة دقائق …. قالت حميدة بضيق :
_ لأ كده أنا شكي زاد أكتر !، في إيه بيحصل واحنا مش عارفينه ؟!
جلست جميلة على فراشها بنظرات بها كثير من الحيرة وقالت :
_ هو في حاجة اكيد …. خالي كان عارف انهم ولاد عمامنا وعزمهم وعادي وكلنا اتلمينا ! ، أشمعنى دلوقتي بيحذرنا !.
ردت رضوى بعينين ملتمعتان من الدموع وكأنها بقولها تأمل أن تكون هذه الحقيقة:
_ يمكن حس أنهم معجبين بينا ، أو حد فيهم يعني ناوي يخطب واحدة فينا … فعشان كده حط حدود من الأول!.
شردت سما بطيف لامع بعينيها واخمدت تلك الموجة الجارفة من المشاعر بداخلها ، فأجابت جميلة على رضوى:
_ ممكن … عمومًا كل شيء هيتعرف … بس المهم أمي تعرف الموضوع ده ..
قالت رضوى بارتباك :
_ أنا قولتلها عليهم ، ما زعلتش ولا حاجة … ولا حتى اتفاجئت !
تنفس الفتيات الصعداء من هذا الخبر ، ثم همّت كل واحدة منهن بالنوم في فراشها …

 

*******
ظلت ليلى تنظر بصمتٍ مؤلم وباكِ لإبنتها التي رفضت ااذهاب لها ، تطلع وجيه بألم لها وقال :
_ يوم أو يومين وهتبقى تمام … هي دلوقتي نفسيتها تعبانة واللي حصل مش قليل على طفلة زيها !
هزت ليلى رأسها بيأس وبكاء وقالت :
_ اللي حصل ! … أنا مش فاكرة حاجة ! … كل اللي قادرة أفتكره لما اتصلت بيا امبارح ! .. أنا كمان حاسة أني في حاجات كتير نسيتها ! …
كاد وجيه أن يتحدث مجيبًا حتى دخلت الطبيبة مروة للغرفة بعجالة ، نظرت لليلى بدقة وضيق بعينيها ، ثم نظرت لوجيه قائلة :
_ بعد أذنك يا دكتور وجيه عايزة حضرتك لحظة …
نظرت ليلى لمروة بغموض … وتشاركا نظراتهما لبعض الوقت … وكا أن خرجت مروة من الغرفة وتبعها وجيه …وقفت أمامه قائلة بضيق وحزن :
_ ده اللي كنت عاملة حسابه ، أنا سمعت اللي قالته قبل ما ادخل ، أنا حزينة أوي عشانها.
تنهد وجيه وهو يضم الطفلة النائمة على كتفه بحنان وقال بحزن:
_ لأول مرة أحس أني عاجز عن أي حل أو تصرف مناسب !.
زفرت مروة بعصبية ثم قالت :
_ يا دكتور المهم دلوقتي انها تخرج من المستشفى ، وجودها هنا مش هيساعدها في العلاج ، هي محتاجة علاج نفسي … والأهم تفضل جانبها .. ما تحسسهاش أنها مريضة ، اتعامل معاها عادي.. بس بحذر برضو.
هز وجيه رأسه بموافقة وقال :
_ صح … بس المصيبة الأكبر أن والدها توفى ! … مش عارف هوصلها الخبر ده أزاي ؟! ولازم تعرف !
اغمضت مروة عينيها بزفرة حادة وقالت بضيق :
_ الخبر هيبقى كارثة على حالتها … وللأسف لازم تعرف فعلًا ، هتبقى مشكلة لو عرفت بعد فترة ! … أستر يارب.
تنهد وجيه بحيرة وعذاب من مواجهتها ثم قال :
_ ريميه رافضة تروح لأمها ! ، متمسكة بيا وبتتنفض حتى وهي نايمة ! …
نظرت مروة للصغيرة بعطف ثم قالت :
_ البنت زي أمها محتاجة هدوء وأمان ، مش هقدر احكم على حالتها دلوقتي .. لازم أشوفها بعد كام يوم على ما تستريح أعصابها … هل بس خوف من اللي مرت بيه وهتنساه لما تهدى وتطمن …. ولا الموضوع اكبر من كده، وهنا هندخل في مشكلة أكبر من ليلى نفسها ! …. دي طفلة ، يعني أصعب وفيه مليون احتمال… بس أن شاء الله تعدي على خير.
قبّل وجيه رأس الصغيرة برقة شديدة ، ثم قرر شيء وتمنى أن يسير ما خطته دون عقبات.
*****
وعند الشروق بصباح اليوم التالي …
نظر الجد ” رشدي” لحقيبة سفر كبيرة قد أمر أحد الخدم في ترتيب بعض من ملابسه بداخلها …. وقال بقلق :
_ وجيه اتأخر أوي وحتى ما اتصلش بيا خالص ! ، ولازم اسافر ضروري البلد عشان احسم الأمر قبل ما يعملوها ويرجعوا ! ….
دقت جيهان على باب غرفته وسمح لها الجد بالدخول…. دلفت وعلى وجهها مظاهر القلق وقالت :
_ وجيه مش في المستشفى ومحدش عارف راح فين ! ، اتصلت بيه كتير تليفونه مقفول .
أزداد قلق رشدي وقال بخوف :
_ اومال راح فين ؟! … أبني فين ؟!
كادت جيهان أن تجيب حتى ارتفع صوت رنين هاتفها الذي لا يزال بيدها …وأجابت سريعا بلهفة :
_ الو ؟
الطرف الآخر :
_ مدام ليلى وبنتها مش موجودين من امبارح يا فندم ، أنا اتأكدت ورجعت أقول لحضرتك ..
ضيقت جيهان عينيها بنظرات غاضبة شرسة واغلقت الاتصال بعصبية واضحة …. ثم هتفت قائلة ببكاء :
_ رغم أني ما رفضتش جوازه منها بس هو راجل زي كل الرجالة والخيانة طبع فيه ! … تقدر حضرتك تفسرلي عدم ظهوره لحد دلوقتي؟!، وفي نفس الوقت ليلى وبنتها ما رجعوش الفندق من امبارح؟! … ليه بيعمل فيا كده ؟! هو ده جزائي أني ما وقفتش قصاده ولا منعته يتجوز ؟!
هو ده العدل اللي وعدني بيه ؟! …
تشتت عقل الجد رشدي لبعض الوقت ، فأبنه ليس بهذا الاستهتار أو المراهقة ليفعل ذلك دون إخبار أحد ؟! …فقال بحيرة :
_ أستني بس يابنتي … يجي الأول وتعرفي منه … مش يمكن محصلش اللي في دماغك ! ..
صاحت جيهان بصراخ وبكاء قائلة:
_ مش عايزة أعرف حاجة ولا عايزة اكلمه … بس أبقى قوله أني مش مسمحاه ، وقوله أنه جرحني بجوازه من ورايا ومن غير ما أعرف ! … أنا كنت موافقة!…. حتى لو غصب عني بس وافقت !، يبقى ليه التصرفات دي ؟!
تصرفه ده دليل على أن كل وعوده مالهاش أي لازمة …ويا ويلي من اللي جاي.
لم يجد الجد رشدي أي شيء يدافع به عن وجيه ،ريثما أنه لا يعرف سبب تأخره ، وأن كان سرًا يتمنى أن يكون هذا ما حدث غوضٍ عن أي سبب آخر يسبب الأذى.
رمقته جيهان بغضب وخرجت من غرفته راكضة وهي تكتم فمها من البكاء ….
أتى احد الخدم له بعد ذلك فقال له الجد :
_ خلي السواق يجهز العربية عشان هسافر …
أخذ الخادم الأمر وغادر الغرفة ، فقال الجد بقلق :
_ لازم اسافر النهاردة بأي شكل ، ماينفعش استنى والاقي أحفادي فجأة راجعين بعد ما كشفوني ! ، ومش عارف وجيه فين ! … ومش من عادته يعمل حاجة من ورايا ! …
أضاء هاتف الجد باتصال وأخذه مجيبًا عليه بلهفة :
_ أنت فين يا وجيه ؟! …
رد وجيه على ابيه وقد أجرى اتصال من هاتف د.مروة بعدما اكتشف اختفاء هاتفه ..وقال :
_ أنا بخير يا بابا أطمن … حصلت حاجة امبارح كده أخرتني …بس بليل هتلاقيني عندك بأذن الله ..
قال رشدي بصرامة :
_ هي ليلى معاك ؟!
تعجب وجيه من معرفة أبيه بالأمر فأجاب :
_ آه معايا ! …ليه ؟!
قال رشدي بعصبية :
_ يبقى عندها حق جيهان تتجنن ! ، بقى كده يا وجيه ؟! ليلى معاك بتعمل ايه ؟! ما تقولش إنك أتجوزتها من غير ما تعرفنا ؟!
زفر وجيه بحدة وقال :
_ لأ ما اتجوزتهاش … ليلى كانت مخطوفة هي وبنتها ! ، موضوع يطول شرحه لما ارجع هحكيهولك … بس أنا مش بالتفاهة ولا الجُبن اللي يخليني اخبي شيء في كل الأحوال هيحصل قدام الكل!.
تنفس رشدي الصعداء وقال بارتياح :
_ كنت عارف أنك اعقل من كده … أنت بخير يابني ؟ وهي وبنتها بخير ؟
اجاب وجيه :
_ الحمد لله كلنا تمام … خلصنا من مصدر القلق اللي كان مسببلها رعب ، رغم أن اللي جاي مش سهل …. بس مسيرها هترجع ليلى اللي عرفتها زمان.
لم يفهم رشدي ما يحاول قوله وجيه ، فأجل التوضيح لوقتٍ آخر ثم قال :
_ أنا مسافر للبنات ، رعد جرجرني في الكلام لحد ما عرف الخطة ويوسف بعتلي رسالة بعدها أنهم بيتفقوا يرجعوا قبل ما ادبسهم … مضطر اسافر بأسرع وقت.
قال وجيه بجدية :
_ من رأيي تسيبهم … الجواز بالذات ماينفعش فيه إجبار !، أنا محدش أجبرني على جوازي من جيهان ومع ذلك تعيس معاها ، مابالك أنت بتجبرهم كمان ! …. ارجوك سيبهم يختاروا بنفسهم.
رفض رشدي بقوة وقال :
_ اللي فهمته من كلام رعد أن اصلًا كان في مشروع خطوبة ! ، يعني مافيش إجبار أهو ! ، وبعدين أنا مش هتنازل عن اللي بفكر فيه يا وجيه ، عشان احس أن أبني مرتاح في تربته وبناته في البيت اللي اتولد وكبر فيه … وبين أهله في أمان.
شعر وجيه بحزن شديد بنبرة أبيه ، فلم يشد عليه في النصيحة وقال :
_ أنا قولتلك رأيي ، ومش هقدر أقف قدامك للأسف … أتمنى ما تحصلش مشاكل .
طمأنه رشدي قائلا بابتسامة ماكرة :
_ هتعدي زي اللي قبلها بأذن الله ، أنا أعرف مصلحتهم أكتر منهم.
لم يروق وجيه حديث أبيه كثيرًا ولم يعلق عليه … وأنتهى الأتصال في سلام … حتى أتت السيدة العجوز مدبرة المنزل ودلفت راكضة لغرفة الجد وقالت :
_ ست جيهان بتحضر هدومها وبتقول هتمشي يا بيه ! ..
وضع الجد رشدي هاتفه على الفراش وتوكأ على عصاه العاجيه وقال وهو يهم بالخروج :
_ طب أنا هروحلها ..
******
دخل الجد رشدي ببطء للغرفة المفتوح بالها على مصراعيه ، ونظر لجيهان التي تبكي وتلقي ملابسها بعنف داخل الحقائب …وقال :
_ وجيه اتصل بيا .
استدارت جيهان بعينان باكية ونظرات حادة له …وقالت بعنف :
_ إيه قرر يطلقني ؟! … مش هستغرب ! …
اقترب منها الجد ببطء ثم وقف على بَعد خطوات منها وقال :
_ وجيه ما اتجوزش ليلى ، ليلى وبنتها اتخطفوا امبارح وده سبب انه اختفى … وجيه مش جبان عشان يروح يتجوزها من ورانا وأنا قولتلك كده..!
لم تهدأ جيهان كثيرًا ، فقد كان لهفته علبها ومحبته لتلك اليلى تنهش قلبها وتدميه ، فقالت وهي تصر على أسنانها بغيظ وغضب :
_ طبعا لازم يختفي ، يهد الدنيا لو غابت عن عينه لحظة ! ، أنما أنا أختفي ولا أمشي حتى عادي ! … مش فارقة كتير !.
أخذ الجد رشدي نفسا عميق قبل أن يضيف أي كلمة … ثم قال :
_ وجيه ما خانكيش ! ، هو بيحبها من قبل ما يعرفك ! ، هو سابلك الاختيار والقرار ..وطالما قررتي تبقي يبقى مالوش داعي خلق المشاكل من أقل موقف … أنتِ كده هتحولي حياتك وحياته وحياة المسكينة ليلى لجحيم ! .
ضحكت جيهان بمرارة ثم قالت بعذاب واضح :
_ ليلى مسكينة ! …. لما هي مسكينة أنا أبقى إيه ؟!
قال رشدي بجدية :
_ أنتِ بتختاري اللي مش مناسب ليكِ يا جيهان ، وبتحاربي نفسك قبل ما تحاربي اللي حواليكي ! … ليلى عانت كتير في حياتها اكتر منك بكتير … كفاية أنها اتجوزت واحد زي المجرمين عذبها سنين على ما عرفت تطلق منه.
صمت جيهان وأدارت عينيها المليئة بالمرارة والاستهزاء بما يصفه رشدي من معاناة ليلى … فختم الجد حديثه وقال :
_ أظن مش تصرف عاقل أنك تمشي بعد ما عرفتي سبب تأخيره ! ، هو جاي بعد كام ساعة … أبقي افهمي منه اللي محتاجة تعرفيه وأتصرفي بعقل .

 

*******
وفي المندرة …. عند الساعة الثامنة صباحاً.
تأمل يوسف ما يفعله رعد وهو يجمع أغراضه جميعها مرةً أخرى ، وقال بغيظ :
_ هو مش احنا اتفقنا وخلاص ! ، ليه بتلم حاجتك تاني ؟!.
اغلق رعد الحقيبة وقال :
_ المرادي مش مسافر ، بس مش هقعد في المندرة ، هروح اقعد مع الفريق .. حتى لو هنام على الأرض ، أنا هنا مش مرتاح !
قال جاسر بمكر :
_ قصدك خايف !، قول أنك خايف تفضل هنا ترجع في كلامك ! ، وبتبعد وكده ..
لم يرد عليه رعد وحمل حقيبته وقال بعصبية :
_ أنا فكرت كتير ولقيت ده انسب حل ليا على ما نمشي، كل واحد حر !..
خرج آسر من الحمام وهو يجفف رأسه ، ثم نظر لرعد وضحك قائلا :
_ كنت عارف أن ده اللي هيحصل ، شكلك واقع يا دوك وخايف تضعف !.
لم يكترث رعد لقولهم وأخذ حقائبه وخرج من المندرة متوجهًا لمكان القافلة… راقبه الصبي نعناعة من بعيد وهو يطعم الماشية بالحظيرة … وقال بغضب :
_ عشان يبقى أبويا يصدقني !.
ومرت ساعات النهار واقترب قرص الشمس عن المغيب ….
ضغط جاسر على رعد ليعود معهم ولكن الاخير رفض وصمم ، فأقترح جاسر عليه أن يأتي معهم ويشاركهم طعام العشاء، ثم يعود … واستطاع اقناع رعد بصعوبة شديدة.
دخلوا المندرة وبينهم ضحكات بإستثناء رعد .. حتى صدموا الشباب للوهلة الأولى بوجود الجد رشدي ومعه العمدة والصبي نعناعه بالمندرة !! …
زم رعد شفتيه بغضب شديد وقال للشباب :
_ مش قولتلكم ؟! …
وقف الجد وبيده عصاه ، ثم اقترب منهم قائلا بمزاح :
_ بقى دي مقابلة يا أوباش بعد الغيبة دي ! … وحشتوني يا كلاب .
ابتسم يوسف ابتسامة ماكرة وركض إلى جده وعانقه بقوة قائلًا :
_ وأنا أقول نفسي اتفتحت ليه للأكل ! … حسيت أنك هنا ! .
لكمه جده بخفة وضحكة …. ثم قال رعد بضيق بعدما عانقه سريعا بجفاء:
_ كنت هجيلك …. بس أنت سبقتني ! …
فهم جده مغزى الحديث وقال بقوة :
_ جيتلكم أنا بنفسي … عشان تعرف أن لو عايز حاجة بعملها …
لاحظ جاسر وآسر الحدة المتصاعدة بين جدهم ورعد …فتدخلا الاثنان واضفوا على المقابلة بعض المرح والترحيب بالجد …. فقال العمدة :
_ طب أستاذن أنا بقى … يلا يا نعناعه …
قال الجد :
_ أنا جاي معاك يا عمدة … أشوف بنات أبني … وحشوني أوي أوي ، أنا جاي ومقرر أني مش هبعدهم عني تاني .
ونظر للشباب جميعهم … فضاق جاسر من تحدي جده الصريح لهم ! ، ريثما بأمر خاص بكل شاب فيهم ولا يحق لأحد التدخل في اختياره ! ….
ذهب العمدة ومعه الجد رشدي ونعناعه ووقف الشباب الثلاثة ناظرين لرعد التي تبدلت ملامحه لكتله من جحيم الغضب ! ….
وقال بما لا يقبل النقاش :
_ لو جبتولي الدنيا بحالها توقفني دلوقتي محدش هيقدر …أنا مسافر دلوقتي يعني مسافر .. أظن واضح من كلام جدكم النية والقرار ! .
صمت جاسر للحظة ثم قال برفض:
_ مش صح يا رعد اننا نمشي ، كده هنحطهم كلهم وأولهم جدك في موقف مش تمام ، خصوصا انه على اقل تقدير هيلمح بموضوع الجواز …
ووافق يوسف وآسر رأي جاسر ، فتطلع بهم رعد بغضب وقال قنبلته المفاجأة :
_ ماشي …طالما ما وفتوش بوعدكم ليا وكلكم هتبقوا عليا فأنا هسافر بس مش راجع البيت … وهقدم استقالتي من المستشفى كمان ، هسيبلكم كل حاجة وماشي ومحدش هيعرفلي طريق.
صدم الشباب من حديثه ، جذبه جاسر من معصمه قبل أن يبتعد وقال بعصبية :
_ أنت بتقول إيه انت اتجننت ! ، يعني إيه كلامك ده ؟! .
صرخ به رعد بعنف وقال :
_ يعني اللي سمعته يا جاسر ، لو كلنا كنا ايد واحدة جدك مكنش هيقدر يوقف قصادنا بالذات المرادي ، لكن تراجعكم ضعف موقفي وقراري … وهيتعمل معايا زي ما اتعمل مع عمك مصطفى وهيطردني ! …. يبقى أمشي بكرامتي احسن… !
قلق يوسف من حديث رعد وأصراره ، فهو يعرفه حق المعرفة ، أن صمم على شيء بهذه الطريقة سينفذه مهما كانت العواقب …. فقال له برجاء :
_ عشان خاطري يا رعد أهدى … أول مرة أشوفك كده ! ، محدش هيجبرك على حاجة .
قال رعد بسخرية :
_ بأمارة إيه يا يوسف ؟! … تقدر تقولي احنا أختارنا إيه في حياتنا كلها ؟! ..فكرني يمكن ناسي ! … لا معلش مش هسمحله المرادي يجبرني على الجوازة دي … أن كنت اعترفت أني فكرت فيها وعجبتني شوية فده مش معناه أننا ينفع نتجوز … لا هي شبهي ولا هتفهمني ! … دي واحدة أقصى طموحاتها تعمل الأكل وتنضف البيت ! …
فتح باب المندرة بقوة وظهر الصبي نعناعه وعلى وجهه الغضب … وهتف برعد قائلًا :
_ اللي اقصى طموحاتها تعمل الأكل دي أنضف واحسن منك ، أنت ما تستاهلش حتى ضفرها عشان حتى تفكر تتجوزها … انا هقول لأبويا على اللي سمعته ده … ولو واحد فيكوا خطب بنت من بنات عمتي مش هقعدله في البلد بحالها … احنا مش

 

هناسب عيال !.
وغادر الصبي بعدما قاله ما قاله … وضع يوسف يده على وجهه بصدمة ثم قال لرعد :
_ أنت هديت كل حاجة على دماغنا كلنا … الله يسامحك.
قال جاسر قراره:
_ حضروا شناطكم … ماينفعش نفضل هنا ، وإلا هتحصل مشكلة كبيرة ….
يوسف بصدمة أعنف :
_ أنت بتقول إيه ؟!
هتف جاسر به :
_ زي ما سمعت … يلا يا يوسف ، وإلا اصرارك على وجودك هنا هعتبره انك غدر بينا … بعد الكلمتين االي سمعناهم دول مالناش مكان هنا … هتيجي معانا ولا ؟
تنفس يوسف بألم وضيق شديد … وأن قرر البقاء واصراره على خطوبة حميدة سيضعهم بموقف سخيف خصوصا بعد قرار الجد الواضح معالمه …
قال بضيق ويأس :
_للأسف…. جاي معاكم..

يتبع..

اترك رد

error: Content is protected !!