روايات

رواية ثري العشق والقسوة الفصل الرابع عشر 14 بقلم آية العربي

رواية ثري العشق والقسوة الفصل الرابع عشر 14 بقلم آية العربي

رواية ثري العشق والقسوة البارت الرابع عشر

رواية ثري العشق والقسوة الجزء الرابع عشر

رواية ثري العشق والقسوة الحلقة الرابعة عشر

أنا آسف لأنني سيء بالحب, لكنني أحببتك بكل ما أملك من سوء .
دوستويفسکي.
❈-❈-❈
منذ ما حدث أمس وبعد أن خمد غضب سامح قليلاً حاول أن يعتذر من زو جته التى ربما كان وجودها معه وفي حياته ظلماً لها .
ولكن يبدو أن زينب قررت استعمال وجهاً جديداً لم تجربه قط منذ أن ولجت لمنزله .
يبدو أنها حقاً أرادت اتخاذ رد فعل غير مألوف ، لذا فهي صامتة منذ ليلة أمس ، ومنذ أن طلب منها أن تغادر وبالفعل نزلت للأسفل وحاولت بحكمتها تبسيط الأمور على كلاً من نهى وعفاف ومن ثم صعدت هي وصغيرتها واتجهت لتراه وعندما وجدته نائماً أو يدعي النوم قررت تركه وتحركت إلى غرفة صغيرتها لتنام معها لأول مرة منذ زوا جهما .
ويبدو أنه أصيب بالأرق التام لذا تحرك ليصطحبها بعد أن نامت صغيرته وذهبت معه ولكن حين حاول سحبها إلى عالمه لم يجد منها تبادل مشاعر لذا قرر النوم بعد أن عانقها بصمتٍ تام لعل النهار يأتي وتأتي معه السكينة مجدداً .
وحين استيقظ صباحاً لم يجدها في فراشه حيث استيقظت قبله واتجهت توقظ صغيرتها وتحضر وجبة الفطور وهي في حالة سكون وهدوء لا يبشر بخير .
حاول التحدث معها أثناء تناول وجبتهما ولكنها قررت تجاهله ، لذا غادر منزله ونزل لورشة عمله وهو يفكر في حالتها ، ليجد حلاً سريعاً معها قبل أن تسوء الأوضاع بينهما فهو لا يفضل أبداً الخصام ، يحب احتوائها له ولا يريد سوى الهدوء والراحة ولكن حقاً يقف عند مسألة شقيقه عاجزاً عن تخطيها .
وها هو يصعد ليلاً إلى شقته بعد يوم عمل شاق ليجدها قد انتهت من روتينها اليومي مع والدته وصعدت مبكراً دون أن تنتظره على غير عادة .
دلف شقته يلقي السلام فابتسمت له صغيرته التى كانت على وشك النوم وردت زينب السلام بهدوء .
تحرك صوب الأريكة يجلس عليها وينظر لصغيرته الهادئة ليردف بحنو :
– إيه يا ريما عايزة تنامي ؟
اومأت له الصغيرة تردف بحب :
– أيوة يا بابا بس كنت مستنياك .
وقفت تقبله على وجنته ثم تحدثت بنعاس ونبرة طفولية محببة :
– تصبح على خير .
ابتسم لها وعانقها بقوة حانية يردف بحب وتأثر :
– وانتِ من أهله يا حبيبتي .
تحركت إلى غرفتها ووقفت زينب تلحقها فأوقفها بيده التى تمسكت بكفها يردف بهدوء وترقب :
– زينب عايز أتكلم معاكي .
سحبت يدها ببطء من بين كفه وتحدثت بنبرة باردة :
– هنيم البنت وجاية .
تركته وتحركت خلف ابنتها فزفر بضيق وقرر انتظارها في غرفتهما .
عادت له بعد دقائق وتحركت تقف أمام مرآة الزينة لتتهيأ لنومها جواره ، كان يستند على ظهر الفراش يتابعها ويتأملها وهى تفعل روتينها الشخصي اليومي .
جميلة في عينه تغنيه عن كل النساء ، هادئة وناعمة وحنونة امتلكت قلبه وجسده وعقله ، يحبها ولكن أحياناً الحياة لا تسير كما نتمنى .
انتهت بعد دقائق ووقفت تتحرك تجاههُ ثم جلست مجاورة له وتنفست بعمق لتنظر له قائلة بتساؤل ونبرة جادة لم تصل لعينيها :
– خير يا سامح سمعاك ؟
نظر لعينيها بعمق يبحث عن لمعة الحب ، يخشى انطفائها ذات يوم ، لا يحب ولا يفضل هذا البرود لذا زفر وتحدث قائلاً :
– أنا عارف إني إمبارح اتعصبت عليكي شوية بس غصب عني يا زينب ، إنتِ عارفة موضوع البني أدم ده بيحرق دمي ، خصوصاً لما عرفت أن أختي اللي بعتبرها بنتي راحت له ، كنت هتجنن ، متزعليش مني .
سحبت شهيقاً قوياً ثم زفرته ونظرت لعينه بتمعن ثم قالت بملامح يغلفها الجمود برغم قلبها النابض بعنف من قوة حبه :
– وطبعاً مطلوب مني كالعادة إني أطبطب وأقول ولا يهمك يا حبيبي وحصل خير واطيب وجعك ، مش كدة يا سامح ؟
قالتها بنبرة مضاعفة ليتعجب منها ، نعم كان ينتظر منها كلمات التسامح التى دوماً تغرقه بها ، كان ينتظر كلمات الحب والإحتواء الذي هو بحاجتهم الآن ، ولكن يبدو أنها حقاً وصلت إلى مرحلة يخشاها .
لتكمل حديثها وهى تنظر له بقوة قائلة :
– وأنا فين يا سامح ؟ ، أنا وجودي إيه في حياتك ؟ ، أنا موجودة بس علشان اطبطب عليك وأشيل وجعك واتحمل كلام طنط عفاف واطيب خاطر نهى واتحمل كرهك لأخوك ؟ ،، أنا فين من حياتك يا سامح ؟ ،، حقوقي فيييين ؟
صدمه حديثها ، هل حقاً تبحث عن حقوقها معه ؟ ،، هل هي تعطى لهذه العلاقة أكثر مما تأخذ ؟ ، وماذا عن حبه ؟ ، ماذا عن …. ؟
يبدو أنها محقة ، ربما ما يفعله معها هو واجبه تجاه علاقتهما ، ربما حبه واهتمامه بها ودفاعه عنها كل هذه أموراً مفروضة عليه ، لذا تحدث بتشتت وتيه وخوف من حالتها قائلاً :
– إنتِ كل حاجة في حياتي يا زينب ؟ ، إنتِ وريما كل حياتي ، بس أنا بحب أشاركك تعبي ، بحكيلك على أي حاجة مزعلاني أو مفرحاني لإنك نصي التاني ، مكنتش أعرف إني فارض نفسي عليكي أوي كدة .
التمعت عينيها بالدموع وقالت بنبرة متحشرجة وهي على وشك البكاء :
– إمبارح أنا جيت وراك علشان تشاركني تعبك ، جيت أتكلم معاك ونحكي لإنك نصي التاني ، بس إنت حكاية صقر عامية قلبك وعيونك يا سامح ، والنقطة دي بدأت تعكر حياتنا ، لأول مرة أحس أني غريبة عنك ، أول مرة أحس إني قليلة أوي لما قلتلي إنزلي .
قالتها بضعف وكأنها كانت ترتدي قناع قوة وسقط ، لذا فهو لم يتحمل ما أصابها فأسرع يسحبها إليه ويعانقها بقوة وخوف وندم ، لا يجب أن تصل بأفكارها إلى تلك النقطة ، هي مركز حياته وإن شعرت أنها مهمشة فمؤكد هذا خطأه .
ليعتصرها بقوة ويردف بصدق وحب :
– حقك عليا ، عمرك ما كنتِ غريبة أبداً ، أنا بس كنت خايف عليكي من حالتي ، أنا كنت مخنوق أوي ولقيتك بتدافعي عنه ومتحملتش .
مستكينة داخل صدره ولكن عيونها تبكي ، أجهدها هذا الوضع ، منذ أن تزوجته وماضيه يعيق سعادتهما .
ليكمل حديثه بنبرة مؤثرة :
– خلاص يا زينب أوعدك إني مهتكلمش في موضوع صقر ده تاني ، ولا هفتحه وهسيب نهى تعمل اللي يريحها ، المهم متزعليش .
ابتعدت عنه قليلاً تعاود النظر لعينه وقالت بهدوء وتروي :
– أفهمني يا سامح لو سمحت ، مش ده اللي أنا عايزاه ، أنا نفسي تفهمني وتفكر في كلامي ، نفسي تسيبني أشيل النقطة السودة اللي جواك دي ، خليني أحاول .
عاد يسحبها له ويتحدث كما لو كان اتخذ قراره :
– لاء يا زينب ، من هنا ورايح مافيش نقط سودا أصلاً ، خلاص أنا مش عايز لا فلوس ولا ورث ولا انتقام ، هنمحي كل ده ونكمل أنا وانتِ وريما وكل واحد يعمل اللي هو عايزه .
تنفست بعمق واستكانت عند موضع أنفاسه ، هذا الوضع ليس تماماً ما تريده ولكن لتتقبله مؤقتاً ، لذا لفت ذراعيها حول خصره تبادله أخيراً ليزفر براحة وينحني يقبل جبينها بقوة ويعتصرها بتملك وراحة ، يمكنه التنازل عن كل شئ سواها ، ليس بعد أن أتت ورممت جروحه .
بعد دقيقتين إبتعد عنها إنشاً واحداً يطالعها بعيون عاشقة ومشاعر تستيقظ حباً لها .
بادلته النظرات والمشاعر لينحني يلتهم شفتيها في قبلة ناعمة ، قبلة تشرح لها مدى عشقه وخوفه واحتياجه لها ، دوماً ما كانت لحظاتهما تلك تشرح لها كم هو يحبها ، تؤكد لها صدق حديثه لذا تستقبل كل مشاعره بمشاعرها الحنونة التى تنسيه أياماً وسنيناً عجاف ، تجعله يجرب حياة سليمة لم يعيشها في طفولته ، تشعره كما لو كان طفلها المدلل ليعطيها مكافأة تلك المشاعر والتى لم تكن سوى الوصول لقمة سعادتها .
❈-❈-❈
في ذلك الوقت في المطعم المجهز .
وبعد الإنتهاء من تناول الطعام .
بدأ صقر يتحدث عن تنظيمات الزفاف حيث أراده بعد شهراً واحداً من الآن ولكن اعترضت نارة بشدة على هذه المدة وبدلاً عن ذلك ستستمر خطبتهما عدة أشهر حتى يستطيعان دراسة طباعِ بعضهما جيداً .
وأيدتها في هذا القرار والدتها وحتى مايا كانت مثلهما لذلك أُجبر صقر ولأول مرة على القبول ، أجبر ليستمر في إظهار رقيهُ وتفهمهُ .
كان يخطط لسرعة الزفاف قبل أن يعلم ميشيل ولحتى يضمن وجودها معه ولكن الآن ليس عليه سوى الرضوخ لرغبتها لهذا عليه تنظيم أموره بشكلٍ آخر لتناسب طلبها هذا .
انتهوا من أتفاقهم لذا هاتفت آسيا عمر ليأتي إليهم وبالفعل أتى خارجاً فوقفت هي ومايا تردف برتابة :
– عن أذنكوا ،، أنا هروّح أنا ومايا وإنتوا اتكلموا شوية مع بعض ، وميرسي يا صقر على العشا اللذيذ ده .
وقف صقر يودعهما بينما نظرت آسيا لنارة قائلة :
– نارو أبعتلك عمر بالعربية يوصلك ؟ .
احتدت ملامح صقر وتحدث بنبرة متملكة وثبات :
– لا داعي سيدة آسيا ،، أنا هنا سأوصلها آمنة بعد قليل لا تقلقي .
نظرت له آسيا بترقب ثم نظرت لنارة التى أومأت لها بإطمئنان فودعتهما وغادرت مع مايا للخارج حيث ينتظرهما عمر .
عاد صقر يطالع نارة بتعمن ثم تحدث قائلاً بنبرة متلهفة يغلفها الثبات :
– أرى في عينيكِ الكثير من الأسئلة ،، هي أخبريني .
قالها وهو يعود للخلف ويستعد لإستجوابها بترحاب فأُعجبت بذكاؤه في فهمها وأومأت تقول دون مراوغة :
– حسناً لأبدأ من حيث الترتيب الزمني إذاً ، لقد رأيتُ أول أمس إمرأة تخرچ من ڤيلتك باكية ،، ولأول مرة يغلبني فضولي ولكن أعتقد أنني أستحق التفسير .
زفر بقوة ،، يعلم أنها رأتها ورأى ذلك عبر كاميرات المراقبة بعد أن تفحصها ليلاً ،، لذلك سيخبرها فهذا ليس بسرٍ وعليها أن تعلم لذلك قال :
– إنها شقيقتي ،، في هذا اليوم رأيتها للمرةِ الأولى ،، علمت بقدومي فأتت .
تفاجأت من حديثه مرددة :
– شقيقتك ؟ ،، كيف؟ ،، هل لديك أشقاء ؟
تحدث بثبات :
– نعم لدي أخ وأخت من والدي ،، والدتهما مصرية ،، ولكني لم أراهما أبداً ،، طفولتي معقدة قليلاً ،، سأخبركِ عنها في كل لقاء .
تحلت بالهدوء وسبحت قليلاً بأفكارها ثم عادت تتسائل بترقب :
– ولمَ كانت تبكي ؟ ،، هل أحزنتها ؟ .
تبدلت ملامحه الهادئة بأخرى قاسية وهو يردف بنبرة جليدية :
– كبرتُ دون أشقاء في أقسى الظروف والآن لم أعد بحاجة لشخصٍ يدعي الحب والحنان الزائف .
نظرت له برأفة برغم جليد صوته ،، إنه يعاني من فقدان الثقة وهي مشكلة كبرى ، وهذا يبرر لها رسالته أمس ، ولكن هل تستطيع التعامل مع تلك الصفة ؟ .
تحدثت في محاولة منها لتحريره من نظرية المؤامرة التى يتبعها قائلة :
– ولكني أعتقد أنها صادقة ،، لقد رأيت أحدهم ينتظرها خارجاً ،، لو كانت تدعي الحب الزائف لجاءت إليك مع من كان ينتظرها ولكنها دلفت إليك بمفردها ثم ركضت مسرعة تبكي ،، أعتقد أن بكائها ناتج عن صدمتها في استقبالك لها ،، هي توقعت أن تبادلها نفس الشعور ،، أظنها تحبك حقاً .
استطاعت أن تجعله يتراجع حقاً عن نظريته بل ويفكر هل حقاً شقيقته يمكن أن تحبه ؟ ،، ولكن كيف تحبه وهي لم ترهُ أبداً ؟ ،، هذا ليس منطقي ، هو لا يؤمن بالمشاعر عن بعد .
تابعت وكأنها تجيبه على ما يدور في عقله :
– يمكن أن تتأكد من ذلك ، إن كانت تحبك بصدق ستحاول دائماً الوصول إليك والسؤال عنك دون التطرق لمواضيع اخري ، إن كانت تحبك ستتجاوز ما حدث ولكن في المرة المقبلة إن رأيتها لا تحزنها ، لا تكن سبباً في دموع أحدهم .
تعمق في ملامحها قليلاً وجملتها تتردد على عقله ،( لا تكن سبباً في دموع أحدهم ! ) ، وجد أنه سيغرق في دوامة أفكار يبغضها لذا قرر تغيير مجرى الحديث حيث قال :
– دعك من هذا الأمر وأخبريني لمَ أردتِ مد فترة الخطبة ؟ ،، أعتقد أنه لا داعي لذلك .
نظرت له باستنكار مرددة :
– لا داعي لذلك ؟ ،، لا داعي لأن يستكشف كلٍ منا الآخر ؟ ،، حسناً حينها لا داعي للزواج أيضاً .
تفحصها بثقب ثم تحدث بثبات ظاهري :
– أمنية العاشق الإجتماع بمن يحبهُ وأمنية العاقل استكشاف من يحبهُ ، إذاً كلانا على صواب ، ولكن لأخبركِ شيئاً ، يمكن أن تكتشفيني في تلك الجلسة ولستِ بحاجة أشهر لذلك ، فقط عليكي توجيه الأسئلة الصحيحة وسأجيبكِ بكل صدق ، وإن كان الكذب طريقي فلن تكتشفيني لو مر على خطبتنا مئة عام .
اقنعها بحديثه ، فهو محق في ذلك ، حقاً هو غامض ويصعب كشف شخصيته ، ولكنها ليست من النوع المتسرع في قراراتها ،، هي متمهلة وتعطي لكل حدثٍ مساحته ، لذا قالت برتابة وهدوء :
– أؤيد حديثك ولكن دعنا لا نتسرع ،، فلنقل أنه الأنسب بالنسبة لي .
برغم ضيقه ورغبته في إتمام الزواج بأسرع وقت ، وسيفعل إلا أنه أومأ قائلاً :
– حسناً لكِ ما تشائين .
أومأت بارتياح ثم سحبت شهيقها لتبدأ في شرح ما رتبته ليلة أمس قائلة :
– والآن أريد أن أخبرك أمراً عنى ،، ربما أبدو غير ملتزمة وربما ارتدي ملابس لا تمثل ديني ولكني أحاول أن أستقيم ،، أسعى لذلك حتى وإن كان سعيي بطيئاً ،، ولهذا فأني لم أتطرق إلى أي علاقة مسبقة تماماً حتى وإن كانت مجرد إعجاب ،، قضيت سنوات دراستي أتجنب العشق والوقوع به وأركز فقط على هدفي الأساسي وهو أن أصبح في يومٍ ما أديبة ذات سمعة طيبة ،، ولكن جئتُ أنت وخالفت قانوني بأفعالك التى أستطعت من خلالها التأثير على حواسي ، ويبدو أنك لصاً ماهراً فقط تسللت إلى مشاعري بأفعالك التى كنت أقرأها في القصص الرومانسية ، ولهذا فأنت أول اللصوص الماهرين في حياتي .
– وأخرهم .
نطق بها بثقة وحزم وسعادة ، نعم هناك شعورٍ حديث الولادة يراوده ،، حتى أنه لا يعلم أن هذا الشعور هو السعادة فهو يجهلها ولكن يفسره كمن لا يحكمه قوانين ولا قيود ،، كالصقر الحر في سماء صافية ، شعور كما لو كان تحرر في حياته المظلمة تلك .
أما هي فقد رأت الغيرة والتملك في عينه وهذا ما يريده تماماً ،، لو إستطاع حتى أن يقيدها ويأسرها بنظراته لفعل ،، زفرت مطولاً ثم عادت تتحدث بعد تبادل تلك النظرات قائلة :
– إذا فليكن بيننا معاهدة ثقة ،، أنا أثق بكَ وأنت تثق بي .
مد يـ.ده اليمنى لها فتوترت لثواني ثم ناولته كفها الأيمن فقبض عليه بحنو يردف بنبرة مؤثرة :
– اتفقنا جميلتى .
ابتسمت بخجل وحاولت سحب يـ.دها من قبضته ولكنه تمـ.سك بها ورفع يـ.ده يشير لأحدهم فعادت الموسيقى تلطف الأجواء فقال بترقب :
– أتسمحين لي ؟
هل يتعمد وضعها في موقف حرج أم أن ما قالته لا يستوعبه بعد ؟ ، كيف سترقص معه ،، ستخجل حتماً خصوصاً في هذا المكان العام ، ثم أنه ما زال غريباً بالنسبة لها .
طال صمتها فنزع يـ.ده بهدوء يتناول كأس الماء المقابل له ويرتشف منه جرعةً تهدئ من ثورة غضبه الذي لمحته في نظرته فتحدثت بتروي وشفافية :
– بحثتُ عن أصغر تفاصيلي وعلمت صفاتى وكل ما أحبه وأكرههُ فكيف لا تعلم أنني أخجل ؟
لانت ملامحه قليلاً ،، حسناً لقد علم تلك الصفة أيضاً ولكنه لم يتخيل أن تصل بها إلى هذا الأمر البسيط ،، بالنسبة له .
نظر للنيل قليلاً ثم عاد إليها متسائلاً بترقب :
– إذاً ،، هل نذهب في رحلة نيلية على متن قاربٍ أم أيضاً ستخجلين ؟
لفت نظرها تتعمق في النيل ،، يبدو أنه قرأ أفكارها فهذا ما كانت تفكر به منذ قليل لهذا عادت له تبتسم قائلة :
– ليس لدي أي مانع .
أزاح مقعده للخلف ووقف ثم اتجه لها ومد يـ.ده بحب وبطريقة رومانسية راقية قائلاً :
– إذا هيا جميلتي .
ناولته كفها ووقفت معه وتوجها معاً إلى دَرَج في نهاية المطعم وسط ذهولها ،، نزلا معاً حتى وصلا سوياً إلى رصيف صخري مؤدي للنهر ،، ترتكز عنده عدة مراكب شراعية وقوارب بموتور ولكن من بينهم يوجد قارباً واحداً مميز وأنيق عن غيره .
قفز صقر على متنه بسهولة ومد يـ.ده لها فناولته يـ.دها بانبهار من ما تراه وخطت داخـ.له ثم جلسا سوياً يقابلان بعضهما ثم تحرك بهما المراكبي في رحلة نيلية قصيرة .
حولهما الأضواء تنعكس على المياة فتبدو كنجوم سابحةٍ في الفضاء وهما ينظران لبعضهما ،، ينظر لها بعينِ السعادة والراحة وهي تنظر حولها باندهاش وحالمية .
جالا النيل بالقارب سوياً واستمتعا إلى مايقارب النصف ساعة ، دار بينهما حديثاً عن حياتهما في إيطاليا ، تفاصيل عنها يعلمها مسبقاً وتفاصيل عامة عنه كحياته العملية وأفراد عائلته الذين يتجنبهم إلا ماركو المقرب له .
عادا إلى المرسى أسفل المطعم واستقر القارب فعبر صقر وساعدها لتعبر من عليه ثم صعدا سوياً إلى المطعم ليأخذ صقر سترته ويغادران المكان ولتستقل معه نارة السيارة ويغادرا عائدان إلى منزليهما .
❈-❈-❈
في ذلك الوقت
كانت آسيا تستريح في غرفتها بعد أن عادت بينما قررت مايا النزول للحديقة لترى قطة عمر .
بالفعل وصلت إلى ملحقه الخاص وطرقت بابه بخفة عندما وجدت النافذة مغلقة ، فتح الباب فوجدها فتساءل بترقب :
– خير يا أنسة مايا ؟
تحدثت وعينيها تجول داخل الملحق بتفحص :
– فين القطة بتاعتك ؟
التفت يناديها ولكنه وجد من تسرع للداخل لتأخذها قبل أن يستوعب ،، صُدم من فعلتها حيث وجدها تقف في منتصف الصالة تحمل القطة وتملس عليها بنعومة .
كانت ترتدي منامة حريرية أيضاً ولكن بسروال طويل يغطى ساقيها .
تذكر شيئاً ما كان قد نوى فعله لذا تحرك لغرفته بعد أن ترك الباب مفتوحاً .
عاد بعد قليل يقف أمامها وهي تدلل القطة فانتبهت له فتساءلت بنظراتها .
مد يده يخرج من جيبه قطعة من الشوكولاه غير مغلفة ويناولها لها فتعجبت منها ونظرت لها بتردد ثم رفعت رأ سها تطالعه متسائلة :
– إيه دي ؟
هز منكبيه قائلاً يدعي البراءة :
– دي شوكولاتا ،، طعمها حلو جربيها .
انكمشت ملامحها باشمئزاز قائلة وهى تعود للخلف خطوة مع قطتها :
– نو ، شكراً مش عايزة ، هو إنت شريها كدة أصلاً ؟
ابتسم قائلاً بمكر :
– أيوة ، واثق منها متقلقيش .
نظرت للشوكولاتا في يـ.ده بتردد ثم هزت رأسها برفضٍ تردف :
– لاء ميرسي مش عايزة .
تركها وتحرك لغرفته ثم عاد مجدداً يمد يده بأخرى مغلفة بعناية قائلاً بترقب :
– طيب اتفضلي دي .
نظرت له بشك وحملت القطة على يد واحدة وبالأخري تناولت الشوكولاتا تتفحصها وعندما تأكدت من تغليفها جيداً نظرت له بعدم فهم متسائلة :
– انت تقصد ايه ؟
ابتسم قائلاً بمراوغة :
– أبداً ،، بس الغلاف مهم لصلاحية المنتج ،، ولا إيه ؟
قالها وهو يترقب ملامحها فشردت قليلاً تحاول فهمه ولم تفعل بينما هو تحرك للخارج ليجلس في الحديقة فتركت القطة تقفز من يدها وتركض خلفه ووقفت هي ثابتة تحاول استيعاب لعبته إلى أن استشفت مقصده ففرغ فاهها وشردت تفكر في الأمر ،، يستحيل أن تأكل شيئاً مكشوفاً لا تعلم مصدره ،، مؤكد سيكون غير صالحاً ،، ولكن هي ليست شوكولاتا ،، هي غير قابلة للالتهام ، هي لا تقبل هذا التشبيه ، لذلك أسرعت للخارج تقف أمامه وهو يمسد على فراء قطته وينتظرها .
رفع نظره إليها مبتسماً فوجدها غاضبة تردف بحنق :
– أنت تقصد تشبهنى بالشوكلت صح ؟ ،، أحب أقولك أنى إنسانة مش سلعة ، تشبيهك غلط جداً على فكرة .
وقف يحمل قطته ثم هز منكبيه يردف قبل أن يخطو داخل ملحقه :
– انا مقصدش حاجة ،، أنتِ حرة في اختياراتك ، لإنك زي ما قلتي إنسانة مش سلعة .
تركها ودلف وأغلق الباب ووقفت هي تنظر لأثره غاضبة منه ومن نفسها ومن الجميع .
❈-❈-❈
في منزل نهى
تجلس بين طفليها يشاهدون التلفاز بينما هي شاردة تفكر في شقيقيها ، شقيقها الذي عاملها بجفاء وظنها طامعة وسامح الذي حزن منها ولكن طمأنتها زينب قليلاً .
يشغلها صقر الذي يشبه والدها كثيراً ولكن يمتلك ملامح قاسية ،، ترى من أوصله إلي تلك النقطة ؟
وهل سينتهي سعيها معه هنا ؟ ، عليها أن تثبت له أنه مخطئ في استنتاجه ، عليها أن تحاول مجدداً معه وتظهر حسن نيتها وحبها له ، ربما تربى بشكلٍ سئ جعله لا يثق بأحدٍ ،، هي لا تعلم ظروف نشأته ،، لتحاول مجدداً إن كانت حقاً تحبه .
خرج محمود من الحمام يتجه إليهم بعدما انتهى من تبديل ملابسه وجلس بينهم ينظر لملامح زوجته الشاردة ثم تحدث متسائلاً برغم عمله بما يشغلها :
– مالك يا نهى بتفكري في إيه ؟
نظرت له بحنو ثم نظرت لطفليها المشغولان بمشاهدة افلام الكرتون ثم قالت بنبرة هادئة :
– حاسة إن المفروض أحاول تاني مع صقر يا محمود ،، الرابط اللى بينا أقوى من كدة ، معقول بعد السنين دي كلها وأنا نفسي اشوفه واتعرف عليه ينهد كل ده بسبب مقابلة مقالش فيها كلمتين على بعض ؟ ، حتى لو هو فاهم غلط أنا لو بعدت عنه هأكدله إني كنت رايحاله طمع ،، المفروض إنى أحاول تانى معاه يامحمود ،، صح ولا أنا غلطانة ؟
نظر لحزنها وحيرتها ،، هو حزين على حالها ولو ترك الأمر له لما أرسلها مجدداً أبداً ،، ولكن يشعر أنه مكلف بتحسين علاقتها بأخيها ،، ربما لأن هذه رغبتها منذ سنوات ،، لذلك تحدث بتعقل :
– معنديش مانع تجربي تانى يا نهى لو ده هيريحك ،، بس تفتكري هيفرق معاه ؟ ،، إفرضي زعلك تانى ؟
تحدثت بهدوء قائلة :
– أنا بس هحاول أشرحله تفكيري أنا ومش هنتظر منه أي حاجة ،، هقوله على اللى جوايا وهمشي ،، يمكن يصدقني ،، أنا حاسة إن جواه حزن كبير أوي ، أنا كنت مفكرة إنه إتجوز وخلف بس ده لحد دلوقتي عايش لوحده .
أومأ محمود وشرد يفكر ثم تحدث باقتناع :
– معاكى حق يا نهى ،، بس خلينا منستعجلش بردو ،، اصبري كمان يومين كدة وحاولي تانى ،، بس لو المرة دي زعلك يبقى تنسيه تماماً ،، كدة إنتِ عملتى اللى عليكي وزيادة وهو الله يسهله بقى .
أومأت له ثم تمـ.سكت بيـ.ديه تردف بامتنان وحب :
– شكرا يا محمود ،، شكرا إنك معايا وبتدعمني ،، سامح أول ما عرف إنى روحتله اتعصب عليا وزعل منى ،، بس أنا حاسة إني هقدر أرجع صقر لينا ويبقى بينه وبين سامح ود ،، صقر في الأول والأخر أخونا حتى لو اتربى بعيد عننا ، لازم أحاول تاني .
❈-❈-❈
وصل صقر أمام منزل نارة وأوقف سيارته ثم التفت لها يردف بتفحص :
– هل نذهب صباحاً لتناول الفطور سوياً ؟ .
فكرت قليلاً ثم نظرت له قائلة :
– حسناً ليس لدي مانع ، ولكن لا تعتد على ذلك ، أنا لا أفضل اللقاءات المتكررة .
تعمق فيها وفي طباعها ،، مع كل موقف يكتشف بها أموراً جديدة تثير تعجبه لذا تحدث بغرور قائلاً :
– هذا كان قبل أن تقابليني ،، ومن الآن وصاعداً ستطلبين أنتِ لقاءاتي المتكررة .
ابتسمت عليه وعلى غروره ثم تحدثت وهي تستعد للنزول :
– تصبح على خير .
مد يـ.ده يوقفها حيث تمـ.سك بيـ.دها فعادت تلتفت إليه لتطالعه بترقب وتعجب ولكنها وجدته ينحني عليها يود تقبيلها فابتعدت فجأة تردف بصدمة وهي تدفعه :
– توقف .
وبالفعل تثبت مكانه ينظر لها بثقب ثم نظر للمكان من حوله فلم يجد أحداً فعاد إليها يقول ساخراً :
– لا داعي للخجل ، نحن بمفردنا الآن !.
اغمضت عينيها حتى لا تغضب ، حسناً يبدو أن أمامها الكثير لتشرحه له ،، عادت تنظر له ثم تحدثت بهدوء عله يفهم عليها :
– نحن لسنا بمفردنا صقر ، ثم أنى عندما أخبرتك أنني أخجل كان هذا ليس بسبب أشخاص حولنا ، ولكن خجلي نابعاً من نفسي ،، تلك الأمور لا تجوز بيننا الآن ،، لنتمهل إلى أن نصبح زو جين ، أتمنى أن تتفهمني حتى نكون متفقيّن دوماً ، من الآن وصاعداً سيكون بيننا حدود .
يجلس يستمع إليها ثابتاً مكانه ،، ينظر للا شئ أمامه ، كل ما قالته لم يزده إلا غضباً ، لم يعتد الرفض ولا الأوامر أبداً ،، لا يقبل أصلاً هكذا احتمال ، كل ما تقوله بالنسبة له هراءاً وغير مقنعاً خصوصاً بعدما ألبسها خاتم الخطبة يجد أن له الحق في تقبيلها على أقل تقدير ، ولكن رفضها كان كصفعة وهو لم يصفع أبداً ولم يتجرأ أحدهم على فعلها .
لم ترى عينيه وهذا جيد ولكن قبضته حول طارة القيادة وبروز عروق يده أكد لها شدة غضبه وهذا آثار دهشتها ،، لا يحق له أن يغضب من هذه الأمور ، ولكنها قررت تركه يصارع أفكاره لربما فهم عليها .
لفت تفتح الباب وتترجل ثم أوصدته بهدوء والتفتت تغادر دون المزيد من الحديث .
اختفت عن مرمى بصره فرفع عينه ينظر لأثرها نظرة حادة مخيفة ثم تحرك بسيارته إلى منزله وكل الذي قفز إلى عقله أنها رفضت قبلته وأمرته بإقامة حدود منذ بداية إرتباطهما .
❈-❈-❈
بعد ساعة نزل صقر إلى حديقة منزله حيث حمام السباحة .
توقف على حافته وخلع مأزره ليسقط أرضاً ، وقف ينظر للمياة ثم قفز بمهارة داخـ.لها حيث ظنّ أن بإستطاعتها إبتلاع موجة غضبه الذي يتأچچ داخـ.له الآن .
ترك نفسه للمياة تبتلعه دون مقاومة حتى وصل لقاع المسبح وجلس كأنه يتكئ في أرض ملعب كرة قدم وليس مسبح وتغمره المياة ، كل ما يتردد على عقله كلمتها حينما دفعته قائلة ( توقف ) .
تلك الكلمة التى ظنتها بسيطة أعادت إليه شريط حياته كاملاً ، حياته المظلمة التى يعيشها ،، أموره الخفية التى لا تعلم عنها شيئاً ويحاول بصعوبة أن يظهر لها أفضل وجوههُ رقياً حتى لا تُفجع ،، بات يخشى عليها من غضبه بعدما كان أكثر ما يخشاه هو علم ميشيل بها .
لقد وصل إلى مستوى أنه أصبح هو حاكم الغابة الذي يعطي الأوامر للجميع دون اعتراض فكيف تأتي هي وتعطيه أمراً بالتوقف ؟
متعجباً من حالته معها ، متعجباً من حبه لها ، لا يعترف بأن حبها يضعفه ويبرر أنه يسايرها فقط ، لذا فعزاؤها الوحيد هو جهلها بهويته الحقيقية ، نعم لربما تظن أن باستطاعتها توجيهه إلى ما تريده .
لا يعترف بكل ما قالته ولا يقتنع به خصوصاً بعدما ألبسها خاتم الخطبة وأصبح الأمر رسمياً ، ولكن ليهدأ وليتروى إلى أن يصل لمبتغاه ،، حينها سيكون لكل مقامٍ مقال .
أحس أن رئتيه على وشك الإنفجار فأسرع يقفز بقدمه ليسبح للأعلى حتى وصل لسطح الماء ليلتقط أنفاسه بقوة ويهدأ أخيراً ثم ابتسم إبتسامة خبيثة وبدأ يسبح بهدوء ذهاباً واياباً وسط المياة الباردة غير مبالياً بحرارة جسده وبالبرودة من حوله .
أما هي فتجلس متمددة على سريرها تنظر لسقف غرفتها وتفكر ، اليوم لم تقرأ كتاباً كعادتها فيبدو عليها الإرهاق بعد عودتها ، لربما حصلت على قدر كافٍ من السعادة الحقيقية فلم تعد بحاجة سعادتها الخيالية اليوم .
ولكن عقلها مزدحماً بالأفكار في عدة أمور محورها هو ، غموضه ، ثقته الزائدة بنفسه ، فصاحته وقوته وغضبه الذي رأته مقيداً منذ قليل ، سبحت بأفكارها للبعيد تتخيل هل يمكن يوماً أن يحرر غضبه هذا ويتسبب في أذيتها ؟ أم أن قوة حبه لها ستكون درعاً واقياً من غضبه ؟ ،، عليها أن تبحث عن الإجابة خلال فترة إرتباطهما وقبل أن تصبح زو جته رسمياً ، لتعيش معه الحب ولكن لتجعل عقلها ينظم قصة حبهما .
زفرت مطولاً ثم التفتت على يمينها تحتضن وسادتها الناعمة وتنام على الفور .
❈-❈-❈
في اليوم التالي
تململت نارة عندما أنبهها رنين هاتفها على اتصالاً من أحدهم ، ظنته صقر يوقظها ليفطرا سوياً كما قال لهذا مدت يـ.دها تلتقط الهاتف وتجيب بعيون ناعسة لا تتضح الرؤية بيهما قائلة بنعومة :
– ألو ؟
أجابتها خديچة بمرح :
– سلام عليكم يا نارو هانم ، شكلك كنتِ سهرانة إمبارح ، يالا فوقي علشان نويت أخدك معايا النادي .
استفاقت بعد أن استمعت لصوت خديجة واعتدلت تردف بترقب :
– ديچا ! ،، هي الساعة كام دلوقتي ؟
اجابتها خديچة بهدوء :
– الساعة ١١ يا نارو ،، يعنى اتاخرتي في النوم ،، يالا فوقي علشان تيجي معايا .
تنهدت نارة بحرج ثم أردفت معتذرة :
– أنا أسفة يا ديچا ، مش هينفع لأن صقر عازمني على الفطار دلوقتي .
تحدثت خديچة بهدوء وتفهم برغم يقينها بأن خروج نارة مع صقر لا يجوز ولكن لتتحدث معها بهذا الخصوص في وقتٍ لاحق لذا قالت :
– تمام يا نارو ولا يهمك ، خلاص يا حبيبتى تتعوض وقت تاني ، يالا أسيبك تفوقي علشان تلحقي مشوارك ، في رعاية الله .
زفرت بإرتياح لتقبلها للأمر قائلة :
– مع السلامة .
أغلقت معها ونظرت لهاتفها لربما هاتفها أثناء نومها ولم تسمعه ولكن لم تجد شيئاً لذلك مطت شفـ.تيها ووقفت متجهة للحمام لتبدأ يومها وتنتظر إتصاله كما أخبرها أمس .
في الحديقة
تجلس مايا على المقعد وأمامها لوحة رسمٍ بيضاء معلقة على حامل خشبي وها هي تنوي رسم تلك القطة الجالسة على العشب حتى أنها ناولتها كرات صغيرة لتتلاعب بهم يتسنى لها رسم تلك المنظر المفضل لديها .
بدأت بالفعل تحدد خطوط رسمتها باندماج وتركيز في هذا الجو الرائع .
بينما عمر كان قد ذهب ليرى السيدة لبنى ويطمئن عليها .
وآسيا تجلس ترتشف قهوتها على طاولة مقربة من مايا تراقبها بصمت وسعادة فيبدو أنها تعود لنشاطها رويداً .
بعد ساعتين تعجبت نارة من عدم إتصاله ، اتجهت لشرفتها لتتفقد شرفته من خلالها ولكنها وجدتها مغلقة ولا يظهر منها شئ .
فكرت قليلاً هل تهاتفه هي لتطمئن أم تتجاهل ،، قررت تجاهل الأمر فيبدو أنه غاضباً منذ ليلة أمس وفي تلك الحالة هي ليست مخطئة في أي شئ ، فليفعل كما يحلو له .
وبالفعل مر اليوم كاملاً دون أن يهاتفها حتى أو يظهر في الأرجاء .
❈-❈-❈
في اليوم التالي .
أيضاً لم يظهر أو حتى يراسلها ، لذلك تخلت عن قرارها وقررت الإطمئنان عليه وإن كان هذا رد فعل لما حدث وقتها ستأخذ موقفاً جاداً ولكن لتطمئن أولاً .
لذلك تناولت هاتفها وحاولت الإتصال به فوجدت هاتفه مغلقاً وهذا ما آثار ريبتها وتعجبها .
حل المساء وغابت الشمس وزيّن القمر السماء
ولم يظهر أيضاً حيث ظلت تراقب شرفته ،، لتقرر الذهاب لڤيلته وسؤال الحرس عنه .
تحركت بالفعل حتى وصلت إلى ڤيلته فوجدت ثلاثة من الحرس يقفون متفرقين .
اتجهت لأحدهما وتحدثت متسائلة بترقب :
– صقر فين ؟ ،، عايزة أشوفه .
تحدث الحارس المصري باحترام لعلمه هويتها قائلاً دون النظر إليها :
– صقر باشا من أول إمبارح مطلعش برا الڤيلا .
صُدمت من إجابته الباردة فقالت معنفة نظراً لبروده :
– يعنى إيه من أول إمبارح مطلعش برا الڤيلا ؟ ،، وانتوا إزاي متدخلوش تشوفوه ؟!
تحدث الحارس بثبات :
– دي أوامر الباشا ومحدش يقدر يخالفها يا هانم .
وقفت تنظر له بذهول ، أي أوامر تلك التى تمنعهم من رؤيته والإطمئنان عليه ، الآن تشعر بالندم .
حاولت التحلى بالهدوء ،، ولكن هناك شعوراً سيئاً يراودها لذا حسمت أمرها وقالت بحدة :
– إفتح البوابة .
أومأ يطيعها وفتح البوابة بالفعل وعبرتها تتجه للداخل وهو يتبعها حتى وصلت إلى باب الڤيلا وطرقت عليه عدة مرات ولكن لا رد وهذا أكد شكوكها وتفاقم قلقها لذلك نظرت له بقوة قائلة :
– معاك مفتاح ؟
هز رأ سه بلا فزفرت بضيق واتجهت تخطو للإتجاه الخلفي من الڤيلا حيث الباب الزجاجي المطل على المسبح ولكنها وجدته موصوداً أيضاً .
وقفت حائرة تفكر ثم نظرت له قائلة :
– ينفع تكسره ؟
وقف متردداً بخوف من رد فعل سيده الذي مؤكد لن يرُق له ما حدث ، والأدهى أن عصيانها أيضاً لن يرُق له ،، لذا هو لا يعلم أي الخيارين أرشد .
وعندما طال شروده نظرت حولها فوجدت على مسافة مقربة شواية طعام معلقاً بها عدد من السيوخ فأسرعت تخطو تجاهها وتلتقط إحداهما وتعود للباب الزجاجي قاصدة كسره فأوقفها الحارس قائلاً بتوتر :
– ثوانى يا هانم ، أنا هكسره .
توقفت وناولته السيخ الحديدي الذي استطاع كسر الباب الزجاجي به وفتحه لها فعبرت للداخل بحذر بعدما تناثر الزجاج أرضاً ، مرت ونظرت له ولكنه خشى أن يعبر مثلها فحدوده فقط الحديقة .
أما هي فتركته وخطت للداخل تنظر حولها بحذر وتنادي عليه ولكن لا رد ، المكان هادئ يضخ بالفخامة والغموض كشخصيته تماماً .
نظرت للدرج ولم تجد مفراً من الصعود للأعلى والتوجه إلى غرفته التى علمت مكانها من تصميم الڤيلا الذي يشبه تصميم ڤيلتها مع اختلاف بسيط في الديكور وبالطبع الأثاث .
توقفت عند باب غرفته تطرقها وتنادي بحذر وتوتر قائلة :
– صقر ،، إنت سامعنى ؟
لا رد ولا تفكير لديها فأسرعت تقتحم الغرفة لتجده ممتداً على فراشه ذاهباً في نومٍ كهفي عميق .
نظرت له بصدمة وأسرعت إليه تنظر لملامحه ثم وضعت يـ.دها على جبينه تتحسه وما حسبته وجدته حيث كانت حرارته مرتفعة جداً ويبدو أنه يعاني من حمى حادة نتجت عن مكوثه في المياة الباردة لوقتٍ طويل .
شهقت وآلمها قلبها حزناً على حالته ووحدته وحاولت إفاقته قائلة بنبرة متأثرة :
– صقر رد عليا ،، صقر سامعني ؟
فتح عينه يطالعها بنصف عين وببطء شديد وإعياء تحدث مبتسماً كأنه يردد كلمتها الأخيرة التى لم تتزحزح من عقله :
– توقفي .
عاد لنومه مجدداً فزفرت ووقفت حائرة تنظر له بشفقة ثم قررت الولوج إلى حمامه وملء حوض الإستحمام بالمياة الباردة فلن تقف هكذا وهي تراه في تلك الحالة المزرية .
خرجت مسرعة ونزلت للأسفل لتطلب المساعدة من هذا الحارس أو من غيره .
ولكن ما إن وصلت إلى الحديقة حتى تفاجئت بتلك السيدة التى رأتها مسبقاً والتى علمت أنها شقيقته تحاول مع الحارس ولكنه يرفض دخولها .
وصلت إليه ونظرت له بقوة قائلة بنبرة آمرة :
– أفتح لها .
تحدث الحارس بقلق لما يمكن أن يحدث معه :
– صقر باشا منع دخولها .
نظرت له نظرة حادة بسبب حالة هذا الملقي في الأعلى وأردفت بنبرة لا تقبل نقاش :
– افتح وعلى مسئوليتي .
لم يجد مفر سوى طاعتها وبالفعل فتح البوابة ودلفت نهى تطالعها بترقب ولكن فاجئتها نارة بالقبض على يدها وهي تسحبها وتعود للداخل مردفة :
– تعالى معايا بسرعة .
قالتها ثم نظرت مجدداً للحارس قائلة بأمر :
– أطلب دكتور فوراً .
تفاجئت نهى بهذه الجميلة ولكن لم يسعفها الوقت لتسأل من هي حيث أسرعتا كلتاهما للأعلى للتفاجأ بشقيقها يتمدد على الفراش ويهذي ببعض الكلمات الغير مفهومة .
تساءلت نهى بقلق وهي تطالع نارة :
– هو ماله ؟ ،، تعبان ولا إيه ؟
أومأت نارة تردف وهي تحاول مساندته ليصحو :
– أيوة تقريباً عنده حُمى ،، ساعديني بس ناخده على الحمام ، لازم ياخد دش بارد ينزل حرارته كدة غلط عليه .
ساعدتها نهى بالفعل واستطاعتا الإثنتين أن تسندانه وهو في حالة لا يعي ما يدور حوله .
دلفتا به إلى الحمام ثم حاولتا وضعه في حوض الإستحمام وما إن لمست المياة جسده حتى شهق وفتح عينه ينظر بوهن لهما ليبدأ بالإدراك رويداً رويداً حتى استعاد وعيه قليلاً .
جلس وغمرته المياة ووقفت نارة تنظر له وهو ينظر للأمام لا يعطي رد فعل بينما نهي توزعت نظراتها بينه وبينها وتساءلت بفضول :
– حصله كدة من إيه ؟ ،، وإنت تبقيله إيه ؟
لفت نارة وجهها تطالعها بتوتر ثم تحدثت بهدوء :
– أنا خطيبته .
عادت تطالعه وعندما وجدته ساكناً انحنت قليلاً ثم سألته بتوتر :
– صقر إيه اللى حصل ؟
لم يجبها بل أغمض عينه ،، يشعر أن رأ سه على وشك الإنفجار وجسده بالكامل مفكك كسيارة تم دعسها .
ولكن وجودهما هنا وهو بتلك الحالة المزرية لم يرق له أبداً لذلك تحدث بوهن وهو مغمض العينين :
– أخرجا الآن .
لم تفهمه نهي بينما أدركت نارة أنه يشعر بالضيق من وجودهما لذلك تساءلت بترقب :
– هتعرف تقف لوحدك ؟
أومأ دون حديث فتنهدت ونظرت لنهى قائلة :
– تعالى معايا نستناه برا .
أومأت لها وتحركتا معاً للخارج ثم نظرت نارة حولها فوجدت غرفة ملابسه الملحقة فقالت وهي تتحرك صوبها :
– ثوانى هحضرله هدوم نظيفة وننزل نستناه تحت .
تعجبت نهى من طريقتها وهي ليست سوى خطيبته ،، شردت تفكر تبدو معتادة على الوضع وعلى الڤيلا ولكنها لم تراها في المرة الأولي لذلك اعتقدت أنه وحيداً .
أسرعت نارة تبحث بين أغراضه لتنتقي له ملابس مناسبة .
أثناء بحثها وجدت خزنة تحتل جزءاً كبيراً من أحد الرفوف ولكن بالطبع لم تهتم وخرجت حاملة لقطع الملابس ثم وضعتها على طرف السرير ووقفت تزفر ثم نظرت لنهى التى تطالعها بتعجب فابتسمت لها وأردفت بعد أن فهمت نظرتها :
– أنا وصقر اتخطبنا من يومين ، وأول مرة أدخل هنا بس لأنه بقالوا يومين غايب وموبايله مقفول قلقت ، خصوصاً إن ڤيلتى هنا قصاد ڤيلته ، بس لما طلعت لقيته بالمنظر اللى شوفتيه ده .
تنهدت نهي بارتياح وابتسمت لها مردفة :
– اه يا حبيبتى ، مبروك لخطوبتكم ، أنا أخت صقر ، بس دي تانى مرة أشوفه ، بس أنا بحبه جداً من قبل ما أشوفه أصلاً .
استشفت نارة صدق حديثها ثم تحركت معها قائلة :
– طيب تعالي ننزل تحت ونتكلم براحتنا .
وبالفعل نزلتا للأسفل وجلستا سوياً في بهو الفيلا لتبدأ نهى في إخبارها عن لقائها السابق مع صقر وعن أمورٍ عامة عنها وعن شقيقها وأموراً تتعلق بالماضي .
في الأعلى خرج صقر بعدما جرد نفسه من ملابسه المبتلة والتف بمنشفة يخطو بخطوات ثقيلة يترنح تكاد رأ سه تتضخم من شدة الصداع .
اتجه يجلس على طرف الفراش ثم نظر ليمينه فوجد الملابس التى أعدتها له نارة .
زفر وبدأ يرتديها بوهن ونجح في ذلك بعد مدة ، كاد يعاود الوقوف ولكن خانته قدمه لذا مد يـ.ده للكومود وتناول علبة دخانه وأخرج سيجارة يضعها بين شـ.فتيه ليشعلها بالقداحة ويبدأ في سحب سمها إليه بشرود .
في الأسفل جاء الطبيب الذي أحضره الحارس فوقفت نارة تفتح لهما الباب الأساسي للڤيلا واستقبلته ودلف ثم نظرت لنهي قائلة :
– عن إذنك يا نهى هوصل الدكتور وارجعلك .
أومأت لها نهى بينما اتجهت هي والطبيب للأعلى حيث غرفة صقر فمؤكد قد انتهى من حمامه الآن .
طرقت الباب ونادت عليه فرد قائلاً :
– أدخل .
فتحت الباب ودلفت تردف وهي على عتبته :
– صقر الدكتور جه علشان يكشف عليك .
اغمض عينيه بضيق ، حالته الآن لا تسمح بالجدال ،، يشعر برغبة في قتل الطبيب والحارس الذي سمح بدخولهم وجميع من حوله ،، حتى هي أخطأت حينما استدعت طبيباً ولكن عليه الآن تقبل أخطاؤها بترحاب .
تحدث وهو ينظر للأمام ويدخن :
– حسناً .
وضع سيجارته في المطفأة على الكومود واتجه يتمدد على الفراش ودلف الطبيب ليفحصه بينما خرجت نارة تنتظره إلى أن ينتهي .
بعد الفحص خرج الطبيب حيث تنتظره وأملاها التعليمات وكيفية التعامل معه لحين معافاته من تلك الحمى الحادة التى أصيب بها نتيجة مكوثه في حمام السباحة لمدة طويلة وضاعف تأثيرها وحدته دون طعام أو دواء لمدة يومين .
غادر الطبيب والتفتت تحضر له حساءاً قبل تناول الأدوية التى سيحضرها الحارس .
أما هو فقرر النزول للأسفل ، وقف يستند على أعصابه ويتحامل ليخطو للخارج ومنه للأسفل .
وصل حيث تجلس نهي تتحدث مع زو جها بعد أن ظل جالساً مع طفليه ينتظرها فقررت مصارحته بما حدث .
نظر صقر على يمينه فوجد ناره تقف في المطبخ تعد طعاماً له وعلى يساره تجلس شقيقته تحادث زو جها فتعجب من وضع منزله ومن هاتان الإثنتان اللتان احتلتا حياته فجأة
إحداهما بتخطيطه والآخرى بتخطيط القدر .
أغلقت نهى مع زو جها لتنتبه لوقوف صقر خلفها يطالع نارة التى انشغلت في إعداد الطعام
تحدثت بحنو وهي تقف لتساعده :
– تعالى يا حبيبي اقعد متقفش كدة أكيد لسة تعبان .
تعجب من طريقتها بينما انتبهت نارة لتلتفت فتقابله ، نظرت له قليلاً ثم ابتسمت ليبعد وجهه عنها ويتجه يجلس على الأريكة المقابلة لنهى .
زفرت نارة والتفتت تكمل طعامها بصمت بينما جلست نهى مجدداً ونظرت له متسائلة بحنو وترقب :
– أحسن شوية ؟ .
تعمق في ملامحها التى تبدو مألوفة له ، ليس لأنه رآها مسبقاً بل هناك شيئاً ما يجذبه إليها ويبدو أن هذا الشئ هو رابط الدم بينهما .
أومأ بصمت فابتسمت بهدوء ثم تحدثت بترقب :
– صقر أنا كنت جاية أشوفك وأتكلم معاك شوية بس لقيت ناردين مخضوضة ولقيتك تعبان ، علشان كدة أنا هأجل الكلام وقت تاني ، بس أنا عايزاك تعرف حاجة واحدة بس ، أنا بحبك أوي من قبل ما أشوفك وكان نفسي أوي أقابلك دايماً ولولا ظروف حياتي أنا كنت سافرتلك إيطاليا أدور عليك ، وصدقني يا صقر أنا لا بصة لفلوسك ولا لمنصبك ولا لكل الكلام ده غير إنك أخويا ، ونفسي إنت وسامح وأنا نعوض بعض عن اللي فات وننسى الماضي يا صقر .
استمع لها برأس منخفض ، يعيد كلماتها ويقارنها بكلمات نارة مسبقاً عن كونها تحبه .
ثقته مهزوزة ولن يثق في حديثها بسهولة ولكن ليعطي لها فرصة ويأخذ كل إحتياطاته منها .
رفع نظره يطالعها قليلاً بصمت وكأن عينه أشعة فوق بنفسجية تفحص داخلها ليقرر أخيراً تحرير لسانه قائلاً :
– تمام .
كانت تلك الكلمة هي رده على ما قالته ، وبرغم بساطتها إلا أنها أسعدت نهى كثيراً ووقفت تردف باطمئنان :
– ماشي يا حبيبي ، أنا همشي دلوقتى علشان الأولاد وياريت لو احتجت أي حاجة تكلمني ، أنا كتبتلك رقمي هنا في الملاحظة دي .
قالتها وهي تسير على نوت صغيرة موضوعة على الطاولة ويجاورها قلم ، ليومئ لها بصمت أيضاً .
تحركت باتجاه المطبخ لتودع نارة التى استمعت لحديثها وسعدت به ، وقفت نهى تبتسم لها قائلة :
– عن إذنك يا ناردين همشي أنا بقى ، واتشرفت بمعرفتك ، خدي بالك من صقر .
التفتت نارة تبتسم لها وقد تملكها التوتر قليلاً فهي لا تحبذ بقاؤها معه بمفردها لتقول بترجي يشوبه الود :
– خليكي شوية أنا قربت أخلص ممكن نطلع سوا ؟
ويبدو أن نهى فهمت عليها وكادت أن تتحدث لولا تدخل هذا الجالس الذي قال بنبرة خبيثة دون النظر إليهما :
– أولادها أكيد محتاجينها .
تنفست نارة بقوة بعدما فهمت مقصده بينما شعرت نهى بالإحراج لتقول مودعة :
-أيوة فعلاً محمود مش بيسلك معاهم ، هشوفك إن شاء الله مرة تانية ، يالا سلام .
تحركت تغادر تحت أنظار صقر الذي تتبعها إلي أن خرجت ليلتفت ينظر حيث تقف نارة التى ادعت انشغالها في تفريغ الطعام وهي تواليه ظهرها .
كانت تشعر بنبضات قلبها تتقافز بسرعة عالية وتريد أن تنتهى لتغادر على الفور ، يبدو أن قلقها عليه هو من حركها ولكن تعلم أن وجودها هنا يعد خطأً ولا يصح لذا انتهت من صب الحساء في صحنه ووضعته على صينية معدنية والتفتت لتقدمه للتفاجئ به قد وقف خلفها مباشرةً يستند على حافة الحاجز الجرانيتي الذي يفصل بين المطبخ وبهو الڤيلا الواسع .
شهقت وارتدت وكادت الصينية تسقط منها لولا يده التى تمسكت بها ليردف بتعجب خبيث وبلغة إيطاليا هي الأسهل على لسانه :
– إهدأي جميلتي ؟ ، لم أقتحم خلوتكِ بل أنتِ من اقتحمتِ منزلي ، وكسرتي الباب أيضاً .
قالها وهو يميل برأسه صوب مكان الباب الزجاجي الذي أمرت الحارس بكسره لتقف تطالع عينه الماكرة بتمعن ليعود لها ثباتها الإدعائي وقد تركت الصينية بين يده وشبكت يديها لتخفي توترها قائلة بهدوء :
– فعلت ذلك بدافع قلقي عليك ، أنت تعيش بمفردك ولم أرَك بعد خطبتنا وحتى لم تهاتفني ، لذا كان يجب أن أتأكد من سلامتك قبل إصدار الأحكام فأنا لستُ من النوع المتسرع أو المسيئة للظنون .
تابعت النظر له لتستعير منه تلك النظرة الخبيثة وتردف :
– والآن أراك بحالٍ أفضل وتستطيع تدبير أمورك لذا لأصحح خطأي وأعود للمنزل في الحال ، وفضلاً حينما تنتهي من طعامك ودوائك سأكون في انتظارك في حديقة منزلي ، عن إذنك .
تحركت تخطو بخطوات سريعة تدل على توترها الذي لم يخفى عليه لذا حررها ، ود لو قبض عليها ولقنها درساً حاداً ورومانسياً على ما فعلته به خلال اليومين المنصرمين ولكن حينها لن يكون نفسه صقر الذي عرف بذكائه وصبره ، حينها سيكون خسر جزءاً من حبها له .
غادرت هي وزفرت براحة كمن أخذت حريتها عندما وصلت للحديقة أما هو فنظر للصينية التى بين قبضتي يده ثم للمكان من حوله ليبتسم على رتابتها حيث لم تترك فوضى في مطبخه .
وضع الصينية على الحامل وسحب إحدى المقاعد المعدنية ليجلس عليه ويبدأ في تناول الطعام مستمتعاً بمذاقه الطيب وعقله يفكر في كيفية إقناعها بسرعة زوا جهما دون إثارة أي شكوك ، فكلما كانت قريبة منه يجد قوة غريبة تمتلكه في سحبها إليه ليكسر عظامها ويسحق شفـ.تيها الثرثارة تلك .
❈-❈-❈
بعد وقتٍ خرج من باب ڤيلته الرئيسي يرتدي ملابس تليق به كمن يذهب للقاء شخصية هامة وهل لديه أهم منها ؟.
تحرك حتى توقف أمام الحارس الذي كسر الباب وأردف بعيون حادة ونبرة مخيفة :
– رأيتك من خلال الكاميرات تكسر باب منزلي .
تحدث الرجل وعينه لا تفارق الحشائش في أرض الحديقة ليبرر قائلاً :
– لقد كنتُ مجبراً سيد صقر ولو لم أكسره لكانت الآنسة ناردين كسرته بنفسها .
انحنى قليلاً ليهمس له بفحيح يشوبه الغضب :
– كنت أود ذلك لأجد سبباً يجعلني أقتلك ، ولكن أصبح تصرفك معها يعيقني ، لذا فلتدعو لها دوماً .
تركه وتحرك للخارج بعدما هندم نفسه يخطو بثبات تجاه ڤيلتها حيث تنتظره في حديقتها كما قالت .
عبر الفيلا دون عناء فقد بات من ضمن أهلها نسيباً وتحرك للجهة الخلفية بعدما أخبره الحارس أنها تنتظره هناك .
كانت منشغلة بـ ري الزهور التى زرعتها بنفسها ترتدي فستاناً محتشماً غير الذي رآها به منذ قليل .
هذا أجمل ، يليق بها اللون الازرق ، بل تليق بها كل الألوان ، لم تخلق الألوان للطبيعة بل خُلقت لتليق بها .
يبدو أنها في مزاجٍ جيد بعد أن اطمأنت عليه ، تنحني قليلاً عند زهورها لتباشرها بينما خصلاتها تتدلى وتنتشر حولها بطريقة ساحرة ليقف يتابعها ويتأمل نعومتها لثواني .
اعتدلت تضع سقي الماء مكانه بعدما توغل عطره لأنفها لتلتفت تطالعه بهدوء وثقة قائلة :
– حسناً لنتفق على شئٍ ما ، إما أن تضع عطرك هذا دوماً أو تتحدث عندما تأتي .
تقدم قليلاً بخطوات ثابتة وتحدث وهو يهز منكبيه :
– حسناً فعلت أحدهم دون إتفاق والآن دعينا نجلس ونتحدث ، فأنا ما زلت متعباً .
قالها بمكر وهو يجلس على تلك الطاولة لتتنفس بعمق وتتجه تقف أمامه قائلة برتابة :
– دعني أضايفك أولاً ، ماذا تحب أن تحتسي ؟
ابتسم لعينيها وتحدث بعمق :
– أحتسيتُ منذ قليل حساءاً مميزاً صُنع لي بحب ، ولا أود أن أتناول شيئاً يزيل أثره من فمي ، ليبقى قليلاً بعد .
استطاع أن يسكر مشاعرها لتطالعه بعمق وتردف مبتسمة :
– شكراً لك ، بالصحة والعافية .
أومأ إيماءة بسيطة وتحدث بثبات وهو يعدل من وضعية جلوسه :
– والآن أسمعكِ ؟
تنفست بقوة ونظرت لعينه بثقة لتبدأ في قول ما رتبته بعد تفكير :
– حسناً مثلما قلت سابقاً هناك أمور كثيرة مشتركة بيننا ، ومن ضمن هذه الأمور هو نشأتنا في دولة غربية ، ولكن لأخبرك عني أمراً ما لا أعلم إن كنت تعلمه أم لا .
– أعلمه .
قالها بثقة ليؤكد لها معرفته بكل أمورها ولكنها ابتسمت بثقة لعدم معرفته به قائلة :
– لو كُنت تعلمه ما فعلت ذاك الشئ يوم خطبتنا .
احتدت نظرته وتمعن فيها لتتابع برتابة ورقي :
– حسناً ربما لستُ ملتزمة دينياً كما أخبرتك سابقاً ، ولكني أحب ديني وأسعى لاستكشافه بنفسي بعيداً عن أي تعصب ، وكلما تعمقت في استكشافه زادني هذا تعلقاً به ، نعم كنتُ محظوظة بإرثه وبولادتي مسلمة ولكن كان علي البحث بنفسي في تلك المسألة حتى يطمئن قلبي ، لذا فإن رفضي لقبلتك يومها نابع من قناعاتي بأن هذه الأمور لا تصلح بيننا الآن .
استمع لها بصمت ، لم يحدثه أحداً من قبل عن الدين بهذه الطريقة ، ربما مر حديث والدته على خاطره الآن ولكن كان هذا منذ سنوات عدة دفنها ميشيل تحت أوهام أن الإسـ.لام دين الإرهـ.اب .
لتلاحظ رحيل عقله عنها فتتابع بهدوء :
– حسناً أعلم أنك مسلمٌ ولكن تبدو لست ملتزماً أيضاً ، ولأخبرك باعتقادي وهو أنني لم أكن أنتظر زوجاً متديناً ولكن دوماً رغبتُ بزوجاً متفهماً يزن الأمور بعقلٍ سليم ، رغبتُ في مغامرة فكرية أصل بها أنا وشريك حياتي إلى مرسى آمن ، ولكن تقلقني حقيقة نشأتُك في حياة مختلفة تماماً عن مساري ، فهل لديك ما يطمئن قلبي ؟ ،، هل ستكون متفهماً وعقلانياً لنخطي معاً نحو مسارٍ دينيٍ أفضل ؟
بدى حديثها مملاً بعض الشئ بالنسبة له ، بدى ليس له داعي ولكن هي تحاول تبرير تصرفها ، تحاول أن تضع حدوداً لعلاقتهما ، لديها قناعة هو ليس مقتنعاً بها تماماً ولكن ليكن لها ما تريده ظاهرياً ، ليحقق رغباتها ويعلق طعمه المسموم إلى أن تدخل مصيدته حينها يكن لكل مقامٍ مقال .
تحدث بنبرة مخادعة يغلفها الإطمئنان وكم كان بارعاً في ثباته حينما قال :
– دعيني أخبركِ أن برغم ديانة والدتي إلا أنها كانت حريصة على تعليمي للإسلام ، وربما ماتت وتركت لي تساؤلات عدة دفنت منذ زمن ، ولإعادة إخراجها من بين أتربة الحياة العملية والغربية يجب أن تقنعيني ، ولن يحدث ذلك إلا عندما تكون علاقتنا قوية وقريبة جداً فأنا رجلاً أحب الشرح المفصل والدقة المقدمة بطريقة رومانسية ساحرة وأنتِ إمرأة جميلة وناعمة وملتزمة ، لذا فأنا أجد صعوبة في حدوث ما تريدين إلا إذا أصبحنا زوجاً وزوجة .
يا له من ثعلبٍ بشريٍ ماكر ، حقاً شوش أفكارها وهي التي نادته لتطمئن ، هل هو الآن يريد الإيقاع بها في شباكه ثم التمرد أم حقاً يريد علاقة احتواء تساعده على فهم ما يجهله ؟
ليلعب على تشتتها ويتابع بنفس النبرة :
– دعيني أخبركِ شيئاً آخراً عني ، أنا ذلك المتفهم والعقلاني ، كوني مطمئنة ، وهذا ما سيثبته لكِ الزمن ، سأحاول فهم ما تشرحيه .
تنفست بقوة لتردف بعد ثواني بثبات :
– حسناً إذا ، هذا دليل أن فترة خطبتنا هي أسلم قرار ، ليرى كلاً منا جوانب الآخر .
تنفس ونظر لها بعمق ليردف بنبرة حانقة يغلفها البرود :
– حسناً ، يبدو أنكِ ثابتة على قراركِ بشأن مد فترة الخطبة ، لذا دعينا نضع حدودنا بطريقتي إذاً .
ضيقت عينيها متسائلة بترقب :
– كيف ذلك ؟
تحولت نظرته من الهادئة إلى أخرى غامضة وتحدث بثبات وثقل :
– لتكن تلك أول وأخر مرة تأتين فيها إلى منزلي ، ولتكن تلك أخر مرة آتي فيها إلى منزلكِ ، لنجعل لقاءنا الدائم في شرفتينا مساءاً وحديثنا عبر الهاتف .
تعجبت من شرطه وشردت تفكر ، يبدو أمراً غريباً حقاً ، كيف ستقبل ولمَ ؟
تابع بخبث يوضح مقصده :
– أسمعي ناردين ، أنتِ أول إمرأة تقتحم حياتي وتمتلكها ، وأنتِ أخر إمرأة أيضاً ، لذا رغبتُ في عيش حياتي معكِ منذ أن رأيتكِ ، أردّتُ التعبير عن حبي لكِ بطريقتي ، وبما أن طريقتي لا تناسب قناعاتكِ ليكن بيننا حدود ، حدود لنفسي فقط .
تنفست بعمق كأنها من كانت تتحدث وليس هو ، قلبها يقفز بسعادة من إعترافه بامتلاكها لقلبه ، وفهمت مقصده جيداً ، لذا أومأت تردف بقبول :
– موافقة .
❈-❈-❈
بعد عدة أشهر
حيث وصلنا لواقع أحداثنا وانتهينا من سرد الماضي وظل فقط أسبوعٍ على زفاف صقر ونارة .
لنرى ماذا ينتظرهما .

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ثري العشق والقسوة)

اترك رد

error: Content is protected !!