روايات

رواية الغزال الباكي الفصل السادس عشر 16 بقلم إيمان كمال

رواية الغزال الباكي الفصل السادس عشر 16 بقلم إيمان كمال

رواية الغزال الباكي البارت السادس عشر

رواية الغزال الباكي الجزء السادس عشر

رواية الغزال الباكي الحلقة السادسة عشر

رمقها بعيناه تفيض بالحب، والترجي بالا تتركه شريد وحده بدونها، اجمع حروفه الأبجدية وقال:
– طب خليني معاكِ بصفة صديق، يمكن اعرف ابدل الحزن ده في يوم لفرحه، و وعد مني مش هتكلم في طلبي ده غير لما احس منگ بالقبول، اوعدگ.
– بس..
– مفيش بس، لو في يوم حسيتي أني تجاوزت حدود الصداقة امنعي أي قرب من ناحيتي، اديني فرصه واحده ومش هتدمي.
اومأت له اخيرا بعد ما عذبته بترددها وصمتها؛ فردت بتلگ الايماءه روحه وجعلتها ترفرف سعادة بأول خطى خطاها في تحقيق حلمه معها، تفوه بحماس قائل:
– وأول حاجة هقولها بحق صداقتنا انگ في اقرب وقت لازم تنزلي شغلگ، ولو مش حابه ترجعي شركتگ ممكن نشوف شركة تانية تشتغلي فيها، انتِ الف شركة تتمنى انگ تشتغلي معاهم.
– طب نأجلها شوية اكون استرديت ثقتي.
– مفيش تأجيل تاني، ثقتگ هترجع باجتهادگ في عملگ.. هتلاقي روحگ بين رسوماتگ وتصاميمگ، صدقيني الشغل هو الحل الوحيد، تحبي ابحثلگ على عمل؟
– لأ مفيش داعي، هتواصل مع صديقة ليا في المكتب واشوف ممكن أرجع ولا مليش مكان.
– ممتاز جدا، دي أول خطوة حقيقية في التعافي وايجاد الذات.
رمقته بنظرة شكر، هز عيناه بحب لها؛ كأنه يقول لها لا داعي للشكر بين الأحباب، كم تمنى ان يبث في تلگ اللحظه شوقه وحبه لها، لكنه وعدها بالا يبوح ولا يتحدث، فكيف طاوعته شفتاه بأن يتفوه بهذا الوعد؟ فكيف له أن يغلق قلبه ويخرس صراخ نبضاته بحبها حين تكون بالقرب منه ؟!
ظلت عيناه تحدثها في صمت، و”غزال” تستقبل شرارة حبه في صمت دون ان تعلق بحرف مكتفيه بهذا الفياض الذي تراه يجري داخل محراب عيناه، تمنت ان تنعم به ولو للحظة واحده؛ لكن هناگ الاف الأسباب تعوق الوصول له، ظلت في حالتها الشارده تفكر فيما سيحدث في الأيام القادمة، انتبهت لصداح رنين هاتفها، اخرجته من حقيبتها و وجدته والدتها تطمئن عليها، وسألتها عن سبب تأخرها، فأجابت أنها ستبلغها حين تأتي، اغلقت الهاتف، ونهضت استعدادا للذهاب، شاور على النادل ودفع الحساب، وقام بايصالها لمنزل والدتها حيث إقامتها هناگ، وعندما وصلا، ترجلت من السيارة فقال لها:
– هنتظر منگ مكالمه تطمنيني فيها عملتي اية في موضوع رجوعگ للشغل.
– حاضر.
اغلقت باب سيارته، و ودعته بابتسامه ثم صعدت لشقتها، وحين رأتها والدتها القت عليها وابل من الأسئلة، فجلست “غزال” وسردت لها كل شيء، كانت الأم واثقة في نبل اخلاقه، واثنت عليه بحب وتقدير لموقفه، وشجعتها بأن تعطي فرصة لنفسها وله، ربما يكون للقدر رأي آخر، لم تعلق لحديثها وتوجهت نحو غرفتها تبدل ملابسها وذهنها مشغول فيما حدث، استلقت على فراشها طالبه الراحه لو قليلا، ظلت تهاجمها كل حروفة وكلماته، وتلاحقها نظراته وترجاته لها، اغمضت مقلتيها لتهرب من تلگ النظرات، فتجسدت صورته امامها، فرأته بكل تفاصيله بطريقة مفصله لم تشاهدها من ذي قبل، شاهدت عمق جمال عيناه… وسامته التي لا احد ينكرها… رشاقته، وجسمه الرياضي.. ايقنت واعترفت أنه جذاب حقًا بلا أدنى شگ… فتحت عيناها لتنفض تلگ الصوره والتخيلات، وقامت لتجلس مع والدتها.
بينما كان “أمان” اثناء سيره في طريق عودته لمنزل والدته، هاتف اخاها “سند” وقص عليه ما حدث أثناء مقابلته معها، فقد أراد أن يكون صريح معه لأبعد حد، حتى يطلعه على كل جديد يطرق بينهما، سعد جدا “سند” لصراحته معه، وتمنى له ان يحقق حلمه في التقرب منها، وطالبه بالصبر عليها حتى تجتاز كل أحزانها.
وفي المساء هاتفت “غزال” صديقة كانت تعمل معها في مكتب خاص بالانشاءات العقارية والديكورات، وحين أتاها الرد قالت لها:
– ازيگ يا مشمشة، وحشاني كتير.
– غزال يا بت الأية فينگ يابنتي، من وقت ما اخدتي اجازة طويلة من الشغل محدش شافگ ولا سمع صوتگ يا ندله، مع اني رنيت كتير عليكي، وانتي مردتيش.
– معلش يا مشيرة سامحيني، ظروف والله كانت اقوى مني.
– خير حبيبتي؟
– الحمدلله على كل حال، لما اشوفگ هبقى احكيلگ، أنا كنت بس عايزاكِ تسألي هل في امكانية اقطع الإجازة اللي اخدتها وأرجع الشركة؟
– والله انتِ بنت حلال مصفي، حظگ حلو، إحنا كان عندنا نقص في المهندسين وكنا هنعمل إعلان، هكلم بكره مستر أشرف، وأن شاء الله خير، ولما يرد عليا هتصل بيكِ ابلغگ. واخبار فؤاد اية، لسه في الشركة اللي اشتغل فيها لما ساب المكتب هنا؟
ردت باقتضاب قائلة:
– مشيرة احنا اطلقنا من شهور، ومعرفش عنه حاجة غير ان بعد طلقنا سافر تبع شركته.
– مش ممكن، معقول؟!
مستحيل، بعد كل الحب اللي كان بينكوا، تنفصلوا كده؟ دي الكلية كلها تشهد على لفه ومطاردته ليكِ !!
انا مش قادرة استوعب.
– كل ده كان وهم يا مشيرة، وصحيت منه على كابوس، يالا الحمدلله اني فوقت، وكل شيء قسمة ونصيب، هننظر منگ مكالمه بكره، عشان بناءًا عليه احدد هعمل اية في خطواتي الجاية.
– خلاص ياحبيبتي، بكره هسأل وابلغگ، سلام ياروحي.
جلست على فراشها ودعت الله أن يسهل أمرها وتعود لعملها وتثبت فيه كفاءتها كما كانت من قبل.
انتظرت إشراق الصباح بفارغ الصبر، وتحدثت بالفعل صديقتها “مشيرة” ووافق على اعادتها نظرًا لمعرفته بكفاءتها، وطلب منها ان تأتي اليوم للعوده واستلام عملها، شكرته بشدة، وخرجت لتبلغها بهذا الخبر السعيد، قفزت لأعلى من شدة سعادتها، ونهضت وبدلت ملابسها على عجل، وقبل أن تغادر منزلها هاتفت “أمان” وابلغته بأنها سوف تستلم عملها الآن، بارگ لها وسعد لفرحتها، وعلم بعنوان الشركة، ووقت انصرافها، قبلت والدتها التي دعت لها ان يفتح لها ابواب الرزق والخير، ثم توجهت لعملها، وقابلت المدير الذي رحب بقودمها وامر مديرة مكتبه بأن تصلها لمكتبها مع صديقتها “مشيرة” في نفس الغرفة، وحين دلفت بالداخل وقع عيناها على شيء لم تتوقعه، جعل كل وجدانها تسير بداخله الوجفه من فرط السعادة، اقتربت من مكتبها، وامسكت باقة الورد الچوري وقرأت الورقه المدسود بداخله…
“مبارگ عليكِ أول يوم عمل، تمنياتي لكِ بالتوفيق واثبات النفس، فـ انتِ تستحقين كل الخير حبيبتي وصديقتي الغالية..
امضاء
أمان
ظلت تقرأ رسالته أكثر من مره،
لفت شرودها انتباه” مشيرة” فسألتها متعجبه:
– اية يا بنتي واقفه متنحه ليه كده؟
ومن مين الورد الحلو ده؟
ابتلعت لعابها وردت عليها بتوتر ولم تجد تبرير إلا أن من آتى بهذه الباقة المرسله من اخاها، ثم جلست تنتظر تحويل العمل إليها لتبدأ، نهضت وتوجهت بالقرب منها والفضول ينساقها لمعرفه ما تخفيه عنها، ولماذا ترتدي هذا الزي الأسود الكامل في أول يوم لها، اخرجت “غزال” تنهيدة آآه من داخل جوفها، وصلت نيران حرقتها لها، جعلتها تترك ما كان بيدها من عمل لتسمع لما سترويه من الآلام، وبالفعل قصت معاناتها بالاحتفاظ لبعض العناوين والتفاصيل لنفسها، ادمعت وانسالت العبرات من مقلتي “مشيرة” تعاطفًا معها ثم ضمتها بحب قائلة:
– ياااه يا غزال كل ده مريتي بيه يا حبيبتي، عشتي فترة صعبه اوي في حياتگ، كان الله في عونك يارب، ويصبر قلبگ على فقدانگ لابنگ، بس عمري ما كنت اتخيل ابدا أن فؤاد يطلع واطي بالشكل ده.
– واكتر مما يتصور ويتخيل عقلگ يا ثناء، منه لله سيبگ من سيرته وخلينا في الشغل، شوفي محتاجة مساعدتي في اية وأنا تحت امرگ.
دقائق مرت وجاءت مديرة مكتب المدير وقدمت لها العمل المطلوب انجازه، اخدته بقوة وحماس وبدأت في دراسته بكل دقة.
ومرت ساعات العمل، ولم تشعر “غزال” بمروره بتلگ السرعة، لملمت اوراقها، وامسكت حقيبتها وهبطت لتتوجه لمنزلها، وعندما خرجت من البناية وتحركت لتعبر الجهه المقابله، لمحت ببصرها الواقف على بعد امتار منها، مستندًا بظهره على سيارته، مرتديًا نظارته الشمسية التي زادت من وسامته، اقتربت منه متفاجئة بوقوفه قائلة:
– أمان !! اية اللي موقفگ كده ؟!
نزع من امام عيناه منظاره، وتلألأت ضو عيناها وسبحت داخل مقلته، وتزايدت من اشتعال شراره حبه وتوهجت، ثم قال بهيام:
– مكنش ينفع موقفش استناكِ وانت خارجة في أول يوم شغل ليكِ.
– واقف من بدري؟
– مش كتير، حوالي ساعتين، ولو هنتظرگ العمر كله مش كتير عليكِ.
رمقته بعطف، ولوم من نفسها لعذابه، لكنها ما زال قلبها الحزن ساكنه، فماذا تفعل امام فيضان حبه الذي يغمرها به، يعاملها كأنها طفلته الصغيرة الذي ينتظرها في اخر يومها الدراسي ليشاركها الحديث ومعرفة ماذا فعلت طوال يومها، هربت الحروف من ثغرها، فلم تجد كلمات تشكره بها، ظلت ترمقه في صمت وعيناها من تشكر، وتقول مالا تسطيع ان تبوح به، بلعت لعابها لترطب حلقها وقالت:
– مرة تانية بلاش تقف كده، تبقى تطلع، او تستنى في الكافتيريا جوه.
تحولت ملامحه للعبوس والحزن، واقترب ليفتح لها باب السيارة، وهمس لها قائل:
– وبأي صفه يا غزال اطلع؟
هتعرفيهم بيا تقولي اية؟
لما يبقى من حقي وليا صفه اطلع، اكيد مش هقف منتظرگ تحت بالشكل ده.
حزنت لحاله ولم تستطع الرد، دلفت وجلست بجواره على المقعد، وحين فعلت ذلگ، ارتدى منظاره ليخفي حزنه حتى لا تحزن من اجله، وتحرگ ليجلس في موضع السائق وادار محرگ السيارة وانطلق قائلا برجاء:
– ممكن بالمناسبة الحلوة دي نروح نشرب اي حاجة، وبعدين اعزمگ على الغذاء، ارجوكِ بلاش ترفضي؟
– مش مسئلة أني أرفض، بس خليها نشرب حاجة والغداء مره تانية اكون مبلغه ماما، عشان هي لسه متصله بيا وبتقولي أنها منتظراني على الأكل، معلش تتعوض يا أمان.
– تمام نعوضها مره تانية، مقدرش ازعل طنط مني، تحبي نروح مكان معين؟
– لا براحتگ اي مكان.
– اوگ، احكيلي بقى على يومگ كان عامل أية؟
تتهدت بسعادة وقصت بحماس له كل شيء، فقد كان “أمان” لها مصدر الاحتواء في كل لحظات حياتها، لم يغفى اي موقف تحيا به بدون يشاركها فيه، كان مستمعًا جيدًا لها بكل حواسه منصتًا لكل جملها، فهو يعشق نغمة رنين صوتها فتكون بالنسبه له أروع من اي سيمفونية تغنت عبر الأزمان، فهي مصدر سعادته؛ لا بل هي الحياة كلها، إذا فرحت تضحگ له الدنيا وإذا حزنت يسود الظلام كل أيامه..؟!
وصل عشقها حد الجنون، نظرة منها تشعره بأنه تملگ الكون وأمير هذا الزمان. قضيان وقت معًا يسوده التفاهم والنظرات المتغلفه بالحب من جانبه.
* * * * * * * * * * * * * * * * *
اخذ وقت طويل حتى تخطى فقدان ابنه وحين استفاق “فؤاد” قرر أن يعيش حياته ويستمتع بملاذ الدنيا الباقي من عمره، فمن بعد ما حدث له فلن يبكي على الاطلال بعد اليوم، انشغل بتأسيس شركته بأسس وقواعد منظمة؛ حتى تنافس اكبر الشركات، اختار فريق عمل ممتاز وبعناية فائقة، وبعائد مادي كبير ليضمن اخلاصهم له في العمل، فقد كان كل ما يسعى إليه أن ينغمس في العمل بكل ما أوتي من جهد ليهرب من احزانه والتفكير فيما مضى.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
لاحظت “غزال” كل يوم عندما تنتهي من عملها تلمح سيارته عن بعد، وحين يلمحها ويطمئن عليها أنها استقلت سيارة، يتحرگ خلفها كالحارس الأمين دون أن يقترب منها، لكي لا تفهمه خطأ بأنه يضغط ويأثر عليها بوجوده، لذا كان يكتفي بمراقبتها يوميا وذهابها لعملها، لا تنكر “غزال” أنها أحبت اهتمامه المبالغ وتصرفاته معها التي تحاوطها في يومها، فاليوم الذي لا تلمحه او تراه لم يحتسب من عمرها.
واظبت على الذهاب للنادي مع ابناء أخيها، على أمل أن تلتقي به، وكان “أمان” دائما يسمع لنداء قلبها ويلبيه بكل حب، تم التعارف في ذات يوم على ابنه وحدث الفه عجيبه بينهما، احبها “فادي” بشدة وشعر معها بحنان أم افتقده زادت مع التقاءها به في كل مره، يترگ والده وتقوم هي بمتابعة تمرينه، وطعامه، حينها كان يتمنى “أمان” أن يدوم وجودها في حياته وتكون زوجته الحبيبه وأم لابنه تعوضه عن حرمانه، وحلم بأطفال عديدة تنجبهم ليكون اسعد اسره يضمهم تحت جناحه، ومن اجل هذا الحُلم الجميل؛ سيبذل قصارى جهده لتحقيقه في يوم ويصبح واقعًا يحيا برفقتها.
ومرت أيام تليها أيام و”غزال” تنجذب اكثر وتتوغل في علاقتها مع “أمان” وابنه الذي أصبح جزء مهم في حياتها، دائما تلتقي به في النادي، وفي ذات مره كانت جالسه برفقتهما “فادي” موجهًا حديثة لوالده:
– بابي انا عايز اتفسح يوم في الفيوم، انت وعدتني انگ هتوديني قريب.
ابتسم له وقال وعيناه مصوبه نحوها هاتفًا:
– من عيوني يا فوفا، هاخد اجازة يوم من الشغل ونروح، اية رايگ ياغزال لو تيجي معانا تقضي اليوم هناگ، وممكن نكلم سند لو يحب هو واسرته؟
– بصراحه انا عمري ما روحت الفيوم خالص، يعني هيكون فيها اية يشجع ؟!
– ازاي تقولي كده ؟!
الفيوم دي بلد ولا كل البلاد ، فيها أعظم الأماكن اللي ممكن عينگ تشوفها، الفيوم يعني السحر والجمال، تحسي وانتِ جوه الفيوم بره الدنيا كلها، انا مش عارف ازاي لحد دلوقتي مرحتهاش ده الكل يتسابق على زيارتها، لأنها مش جمال في الطبيعة وبس كفاية احساسك بالأمان وانتِ جوه قلب الطبيعه، زي قرية يونس، بحيرة قارون، محمية وادي الحيتان، قرية ماضي الاثرية وغيره كتيير.
رمقته بذهول لما قال و وصفه لجمالها وروعتها، تعجبت لماذا لم تفكر يومًا في زيارتها لتشاهد هذا الجمال الساحر، عندما طال صمتها استفاقت على لمسة يد ناعمه صغيرة تلامسها قائل في استعطاف وترجي:
– وحياتي عندگ يا غزالة تيجي معانا، هتتبسطي اوي صدقيني، عشان خاطري…
هل هتوافق غزال على الرحله دي؟
وياترى لو راحت اية اللي هيحصل هناك؟
هل هترفع راية الحب والاستلام، ولا هتستمر في المكابره والعناد؟

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الغزال الباكي)

اترك رد

error: Content is protected !!