روايات

رواية الشيطان شاهين 2 الفصل الأول 1 بقلم ياسمين عزيز

رواية الشيطان شاهين 2 الفصل الأول 1 بقلم ياسمين عزيز

رواية الشيطان شاهين 2 البارت الأول

رواية الشيطان شاهين 2 الجزء الأول

الشيطان شاهين 2
الشيطان شاهين 2

رواية الشيطان شاهين 2 الحلقة الأولى

بعد ثلاثة سنوات……
في احدى أكبر مستشفيات لندن…
طرق أيهم باب مكتب مدير المستشفى الدكتور
ألبير ليسمح له بالدخول، أدار مقبض الباب
ثم دلف ليقف له الآخر و يحييه باحترام مرحبا
به :”مرحبا دكتور أيهام…تفضل بالجلوس”.
أخفى الاخر رغبته في الضحك على هذا
الانجليزي الذي لم يستطع نطق إسمه بالطريقة
الصحيحة رغم مكوثه هنا لمدة ثلاثة سنوات
كاملة….
هتف أيهم رادا التحية و هو يهم بالجلوس
:”شكرا دكتور ألبير”.
إنحنى الآخر ليفتح أحد أدراج مكتبه
و يخرج احد الملفات ليضعه أمامه
قائلا باهتمام :”إذن دكتور أيهام… هل
مازلت مصرا على تركنا، في الحقيقة
أنا و بقية الطاقم الطبي الذين
يعملون هنا لا نريد خسارتك…فكما
تعلم أنت تعتبر من أهم جراحي المخ و الأعصاب
في هذه المستشفى حتى أن مجلس
الإدارة في آخر إجتماع إقترح مضاعفة
راتبك و قبول جميع مطالبك حتى تقبل
تجديد عقد عملك في مشفانا “.
أجابه أيهم باختصار و قد نمت على شفتيه
إبتسامة خفيفة:” دكتور ألبير.. اشكرك على هذه الفرصة القيمة و لكنني في الحقيقة أريد
الرجوع إلى بلادي..لدي زوجة و طفل صغير
و عائلة تنتظرني هناك “.
نزع البير نظارته ثم وضعها على سطح
مكتبه ثم تطلع في أيهم بتمعن قبل
إن يتحدث بصوت واثق :” مستر ايهام
أنا اطلب منك أن تفكر مجددا…إنت من الاطباء المحظوظين الذين وجدوا
فرصهم هنا في بلد متقدم كبريطانيا…تستطيع
جلب عائلتك و الإستقرار هنا من المؤسف ان
تضيع عملك بعد كل الجهود التي بذلتها لتصبح
رئيسا لقسم جراحة المخ و الأعصاب في احد اكبر
المستشفيات هنا….
أومأ له أيهم بتفهم و قد إرتسمت أمامه شريط
ذكريات ثلاثة سنوات متواصلة من العمل
و الجد المتواصل ليلا و نهارا حتى
تم إختياره لرئاسة قسم جراحة المخ
تنهد مطولا قبل أن يهتف بتصميم
:”اقدر ذلكم ذلك مستر البير و لكنني
لا أستطيع لدي ظروف قاهرة تجعلني
أعود لمصر…. لكن أعدك إن قررت
مغادرة مصر مرة أخرى فسوف تكون
مشفاكم اول وجهة لي”.
:”حسنا دكتور أيهم اتمنى لك التوفيق
في حياتك…و لا تنس ابدا ان هذا المستشفى
يرحب بك دائما”.
أنهى كلامه ليقف من مكانه ليمد
يده ليصافح أيهم بحرارة قبل أن
يمد له بملف يحتوي على أوراقه.
بعد ساعة…
وصل أيهم لشقته التي تقع في
احد الأحياء الراقية بلندن.. دلف
إلى الداخل بخطى رتيبة ليجول بنظره
أنحاء الشقة الباردة كبرود حياته منذ
اول يوم أتى فيه إلى هذا البلد.
رمى مفاتيحه و هاتفه على أقرب
طاولة إعترضته ثم توقف أمام
مجموعة من الصور المعلقة على
الحائط بطريقة أنيقة.
تحسس إحداها باصابعه و هو يبتسم
بشوق…. طفله الصغير “أيسم” الذي بلغ من العمر
سنتين و نصف كم يشبهه بعينيه
الزرقاء و بشرته البيضاء المحمرة و شعره
الأشقر الحريري…
لم يره سوى من خلال الصور
التي تبعثها له والدته كل أسبوع و التي كان
ينتظرها بفارغ الصبر إضافة لمكالمات
الفيديو…كم حلم بضمه و تقبيله و
إستنشاق رائحته الطفولية… كم تمنى
انه كان معه في لحظة ولادته يتذكر
جيدا ذلك اليوم الذي هاتفته فيه والدته
و أخبرته أن إبنه قد جاء إلى الحياة يومها
ظل لساعات طويلة يبكي كطفل صغير
ود لو أنه لم يفعل ما فعله سابقا حتى
فقد حق وجوده بقربهما كأي اب في العالم.
منع نفسه بصعوبه حتى لا يركب أول
طائرة متجهة نحو مصر ليكون معهما.
في كل مرة يتمنى لو يلمح وجهها الجميل
الذي إشتاق له حد الموت…منذ مجيئه
إلى هنا و قد تغيرت حياته كليا يتمنى
لو يعود به الزمن لكان الان في بيته
مع زوجته و طفله…
ندم بل يكاد يموت ندما في كل يوم
على أفعاله في الماضي.. كل يوم
يمر عليه يشعر و كأنه يموت بالبطيئ
يتعمد إرهاق نفسه في العمل لساعات
طويلة حتى لا يفكر…..
مسح دمعة خائنة سقطت من عينيه
رغما عنه قبل أن يشق طريقه لداخل
الشقة متجها نحو الحمام حتى
يتوضأ و يصلي صلاة الظهر…
في فيلا عمر الشناوى….
صرخت هبة بقهر و هي تدفع
باب غرفة نومها متجاهلة نداءات
عمر باسمها :”و الله حرام… انا إستحملتها
كثير و هي عمالة بترمي كلام زي
السم يمين و شمال… انا ذنبي إيه
مش كفاية اللي أنا فيه هو انا ناقصة”
أغلق عمر باب الغرفة وراءه ثم
إقترب منها محاولا تهدئتها كعادته
:”حبيبتي إهدي مينفعش كده ما إنت
عارفة ماما بتقول الكلمتين دول
كل شوية بس مش بتعمل حاجة”.
هبة ببكاء:” لا يا عمر المرة دي مامتك
مصرة على اللي في دماغها و عاوزة
تجوزك بنت صاحبتها اللي بتقول
عليها دي…مش بتسيب فرصة إلا
و بتعايرني عشان لسه ربنا مكرمناش
و رزقنا بحتة عيل يملأ علينا حياتنا “.
إنكمشت ملامح عمر و بان عليه الحزن
ليردف بنبرة مريرة تخفي ورائها إنكساره
:” قلتلك قبل كده خليني اقلها
الحقيقة… إن انا اللي.. مبخلفش…
أسرعت نحوه بخطوات متعثرة
لتقف أمامه واضعة يدها على
ثغره تمنعه من إكمال كلامه قائلة
بصوت متحشرج وهي تنظر داخل عينيه
:” مش عاوزة اسمع الكلام داه ثاني..انا
أهون عليا استحمل نظرات الناس
و كلامهم عليا و لا اسمع حد يجيب
سيرتك بكلمة…
شهق بقوة ليغمض عينيه براحة
عندما شعر براحتيها الناعمتين
تلامسان وجهه و رائحتها اللذيذة
تغلفه لتذيب قلبه الهائم بها عشقا
ليهمس بتوتر رغم ألمه:”بس إنت
ذنبك إيه….انا السبب في ألمك و
حزنك داه…الناس كلها لازم تعرف
إن إنت ملكيش ذنب…
قاطعته مجددا :” متقولش كده مافيش
حد له ذنب في اللي حصل داه قدر
ربنا.. إحنا نصبر و و ندعيه وهو اكيد
حيعوض صبرنا خير….
أومأ لها بإيجاب لتجذبه هبه لها
لتريح رأسه على كتفها مخففة عنه
بعضا من آلامه التي يختزنها داخل
قلبه المتعب منذ سنوات….
في فيلا الألفي….
تركض كاميليا وراء إبنيها التوأم آسر و أسيل
كعادتها محاولة الإمساك بهما بعد أن رفضا تناول
وجبة الخضروات الخاصة بهما و التي
تحرص كاميليا على إعدادها لهم كل يوم
و إجبارهما على تناولها….
بينما يجلس فادي الذي بلغ من العمر
سبعة سنوات على اريكة الصالون
يتناول صحنه رغما عنه.. و على وجهه
علامات التقزز…
إلتفتت نحوه كاميليا لتجده يرفع
الشوكة ببطئ نحو فمه و يغمض
عينيه حتى يتناول ما بها دون النظر
إليها..
صرخت بصوت لاهث بعد أن شعرت
بالتعب من الركض وراء الأطفال
:”حتى إنت يا فادي… و انا اللي بعتبرك
الكبير العاقل اللي بينهم اللي يشوفكم
و إنتوا عاملين كده بيقول بعذبكم”.
اكل فادي قطعة الخضر متنهدا بقلة
حيلة مستسيغا طعمها اللذي يشبه
طعام المستشفيات قائلا باعتراض
:”طعمها وحش يا مامي…اصلا مفيش
حد عاقل بيحب الخضار “.
أكمل كلامه بنبرة هامسة لتبرق عينا كاميليا
بغضب لتهدر:” إنتوا لسه صغيرين
و مش عارفين… الخضار اللي مش عاجباك
دي فوائدها كثيرة خاصة للأطفال…عشان
كده….
أكمل فادي معها بصوت منخفض بقية
كلامها الذي حفظه عن ظهر قلب :” و أطباقكم حتكملوها يعني حتكملوها زي كل يوم…مش كفاية
حرمت نفسي من شغلي و مستقبلي و قاعدة في
البيت عشانكم….يا رب صبرني انا كان مالي و مال الجواز و الخلفة كان يوم اسود.. “.
نظرت حولها باحثة عن المشاغبين
الذين لم يتجاوز عمر الواحد منهما
سنتين و النصف و اللذين بالكاد يستطيعان
المشي جيدا لتجدهما يقفان وراء والدهما
الذي كان قد وصل منذ بداية وصلة
ردحها اليومية….
إبتلعت ريقها بصعوبة و هي ترفع
عينيها تدريجيا لتلتقي بعينيه
التين رأت بهما نظرة وعيد بعقاب
مناسب لما تفوهت به من كلام غير
مبالية بمن حولها…
أخفت خوفها و هي تتقدم نحوه
تتظاهر بالشجاعة و اللامبالاة و قد برعت في
رسم إبتسامتها الساحرة المعتادة
على ثغرها قائلة بصوت مرح :”حبيبي
حمد الله عالسلامة…
تعلقت بعنقه تمرر اناملها بدلال على
صدره لتشعر باشتداد عضلاته تحتها
لتهمس في اذنه بترجي بصوت شبه باكي :” حبيبي
ارجوك بلاش عقاب قداهم انا آسفة
اصل الولاد جننوني…
إبتعدت عنه بعد أن قبلت وجنتيه عدة مرات
محاولة الحصول على رضائه لكن دون
جدوى… تجاهلها شاهين و هو ينحني ليحمل
الصغيرين بعد أن وضع حقيبة عمله
على الأرض ثم سار بهما نحو فادي
الذي كان يشاهد مايحصل بابتسامة
خفية فهو يعلم جيدا ما سيحصل
آتيا..
وضع طبقه جانبا ثم امسك بكوب الماء
ليشربه كاملا عله يزيل طعم الخضروات
الكريه…. وقف بعدها ليحصل على
قبلة والده اليومية.
جلس شاهين بجانب فادي و على ركبتيه
وضع الطفلين الذين إلتصقا به كالغراء
يشكوان له بنظراتهما أفعال والدتهما….
تنهد بقلة حيلة و هو لا يزال يطالعها
بنظرات غير راضية ليهتف بعدها بتهكم
:”هو كل يوم نفس الحوار…مش حنخلص
من موضوع الخضار داه”.
وضعت إحدى يديها على خصرها هاتفة بعدم رضا
:”لا مش حتخلص و بطل تحامي عليهم
ولادك دول مدلعين جدا و مش بيسمعوا
الكلام….
رفع حاجبيه نحوها بتهديد بعد أن نفذ صبره
ليتوعدها بعقاب شديد في سره على
وقوفها أمامه بهذا الشكل…لم تمر دقائق
قليلة على مرور خطأها الأول حتى تلته بخطأ
آخر أكبر.
زفر بحدة قبل أن يضع الصغيرين
أرضا لينادي بعدها على زينب
لتأخذهما إلى غرفتهما… إستغل
بعدها فادي الفرصة ليستأذن
للذهاب إلى غرفته و هو يشكر والده
في سره على إنقاذه له من إكمال طبق
الخضروات.
إلتفتت كاميليا حولها ببلاهة لتجد نفسها
وحيدة في عرين هذا الأسد الغاضب
الذي كان يرمقها بنظرات حادة
ليشير لها باصبعه آمرا إياها بالتقدم
نحوه…تصنمت مكانها بخوف وهي تتمنى
لو بإمكانها الهروب من أمامه والاختفاء
عن مرمى بصره..
تهدلت أكتافها بقلة حيلة لتسير نحوه
و هي تقوس شفتيها ببكاء…
راقب شاهين ملامح وجهها الممتعضة
بتسليةوهو يحاول كبح ضحكته، أشار
لها لتجلس فوق ساقيه لتطيعه على الفور
همس لها بصوت خافت يخفي في طياته
نبرة وعيد :”سمعيني كنتي بتقولي إيه
من شوية عشان مكنتش سامعك كويس”
فركت يديها بتوتر و هي تجيبه بتلعثم :”الولاد
مش بيسمعوا الكلام…. و مدلعين”.
شاهين بتفي :”تؤ اللي قبل كده… حاجة
كده على الجواز و الخلفة…..
رمشت ببلاهة عدة مرات لتبحث بسرعة
عن كذبة ما تنفذها من ورطتها قبل
إن تهتف بحماس زائف:”أحلى حاجة
في الدنيا و الله…..
قاطعها بحده و يديه تلتفان بقوة
حول خصرها :” كاميليا….
كتمت آهة متألمة لتعوضها بابتسامة
بلهاء:”قلب و عيون كاميليا…..
تجاهل محاولتها الفاشلة للتأثير عليه
:” كنتي بتقولي إيه؟؟؟
بصوت قريب للبكاء هتفت :”ما إنت
سمعتني كويس أنا قلت إيه… انا
مكانش قصدي بس الولاد حيجننوني….
رفع حاجبيه بمعنى عدم إقتناعه بحجتها
رغم نداء قلبه الذي يكاد يخرج من مكانه
تعاطفا معها لكنه بدل ذلك تصنع الحدة
:”مش عاجبك جوازك مني يا هانم؟ طيب
الظاهر وحشك العقاب اصلي بقالي
مدة مدلعك…..
أنهى كلامه و هو يقف من مكانه
ليحملها متجها للأعلى نحو غرفتهما
لتتعلق كاميليا بعنقه و هي تحاول في
كل خطوة تهدأته و إثناءه عن عقابها
بكلماتها الرقيقة :” حبيبي و الله آسفة
مكانش قصدي…ما إنت عارفني هبلة
و لما بفقد أعصابي بقول أي كلام….
عشان خاطري آخر مرة….
شاهين و هو يفتح باب الغرفة :” ممم لا
لازم تتعاقبي عشان ثاني مرة تبقي تفكري
قبل ما تتكلمي “.
أنزلها لتبتعد عنه مهرولة لآخر الغرفة
قائلة برجاء:”عشان خاطري و الله مكانش
قصدي…..
قاطعها و هو يعيد كلامها الذي تفوهت به
:” كان يوم اسود… ها….
كاميليا بنفي و هي تمسد أسفل ظهرها :”لالالا كان بامبي… أخضر فستقي..
أي لون عاجبك المهم العقاب لا… اصل
إيدك ثقيلة و بتعلم.. اااه
صرخت عندما وثب أمامها فجأة ليمسكها
بسهولة و قد إتسعت إبتسامته الشامتة
لتصرخ هي و تدفعه بجنون للتخلص منه قائلة
بصوت باكي:”و الله محاسمحك المرة دي
لو ضربتني…
ضمها نحوه بقوة لتغوض داخل جسده
لتخمد حركتها مثبتا رأسها بيده بعد أن
تأكد من هدوئها همس في اذنها بصوت
لين :” إهدي مش حعمل حاجة كنت بهزر
معاكي بس…و بعدين مش بيقولوا ضرب
الحبيب و إلا خلاص مبقتش حبيب..
شعر بارتعاش جسدها ليعلم انها تبكي
ليتنهد بنفاذ صبر و هو يجذبها برفق
لتسير معه و يجلسا معا على حافة
السرير…
حاولت دفعه عنها دون فائدة
ليحاوط هو وجهها بكفيه لاتتوقف
عن المقاومة مد انامله ليزيح دموعها برفق
قبل أن يهتف بنبرة حنونة و كأنه ليس
هو نفسه من كان يتحدث منذ قليل
:”
إنت اللي قلب….. و عيون… و روح…. شاهين و….. دنيته… كلها… متعيطيش..خلاص.. حقك… عليا
كان يقبل كل ما طاله من وجهها بعد كل
كلمة يقولها..عضت شفتيها بقوة
مانعة اي دموع أخرى من النزول…محاولة
السيطرة على مشاعرها التي تكاد
تفضح تأثرها بكل كلمة ينطق
بها….لتقول بدل ذلك :”لا إنت كنت عاوز
تعاقبني…..
صدرت منه ضحكة خافته قبل أن
يجيبها :” طب بذمتك ينفع الكلام اللي
قلتيه و قدام الولاد يقولوا علينا إيه
و خصوصا فادي….داه بقى كبير
و بيفهم.
كاميليا بنبرة متعثرة :”كنت زعلانة منهم…
شاهين و هو يلاعب ذقنها بابهامه
و في كل مرة يطبع قبلة رقيقة على عنقها :” بطلي تجبريهم ياكلوا خضار مسلوقة..طعمها وحش جدا
إتفقنا “.
:” حاضر… ”
غمغمت كاميليا بطاعة و قد بدت
مغيبة و كأنها في عالم آخر لا تستطيع مقاومته ليبتسم هو بسعادة ماكرة لنجاحه في كل مرة في السيطرة عليها و تمكنه بسهولة تامة من قلب حالتها كليا ….
أمام كلية الطب…
يجلس محمد في سيارته منذ حوالي
نصف ساعة ينتظر خروج نور ليقلها
إلى المنزل كما يفعل يوميا…
نظر إلى ساعته للمرة العاشرة قبل
أن يزفر بملل.. يقسم انه سينفجر
يوما ما من شدة غضبه من أفعالها
الطفولية المتهورة فكيف لا و هي
تكاد تفقد صوابه في كل مرة منذ
أن خطبها او بالأحرى منذ أن
عقد قرانه عليها أي منذ سنة
و بضعة أشهر بعد أن إستطاع
كسب الجميع بصفه للضغط
عليها لتمتثل نور رغما عنها لإلحاح كاميليا
و والدتها عليها حتى تقبل به
ليتحقق بذلك حلمه بها منذ أول يوم رآها فيه.
هدأت ملامحه الثائرة فور ان لمحها
تقترب من السيارة بخطى هادئة
بعد أن أشارت لصديقتها تودعها..
فتحت الباب لتركب بجانبه بعد أن
ألقت عليه التحية بنبرة مختصرة :”أهلا”.
هز حاجبيه بعدم رضا من برودها معه
رغم أنه تعود عليها و على طبعها
الجاف ليجيبها ببرود مماثل :”أهلا…
قاد السيارة بملامح متجهمة بينما
إنشغلت هي بهاتفها تقلبه باهتمام
غير مبالية باللذي يجلس بجانبها
ينتظر ان تعبره بكلمة واحدة….
تنحنح محمد بعد أن يئس من حديثها
ليسألها :” إيه رأيك نتغدى سوى… في
مطعم فاتح جديد و أكله تحفة مش بعيد
من هنا…
قاطعته ببرود تخفي ضيقها :” لا انا وعدت
ماما حتغدى معاها.. زمانها مستنياني هي
و كريم……
لوى ثغره بتهكم و كأنه كان متوقعا
لإجابتها:”كالعادة بتتهربي انا مش عارف
لحد إمتى حتفضلي كده “.
فتحت نور حقيبتها لتخفي بداخلها
هاتفها و هي تجيبه في نفس الوقت
:” مفيش داعي للكلام داه.. إحنا في كل
مرة بنفتح فيها الموضوع داه بتنتهي
بخناقة خلينا كده احسن”.
محمد :”أحسن…. احسن في إيه؟؟ ها
إحنا كلنا كده على بعضنا مش زي
أي طبيعين و لا كإننا مخطوبين بقالنا
سنة بتكلميني بالعافية و لا مرة
قبلتي نخرج نتفسح و إلا نقعد مع
بعض نتكلم و لا نتغدى…. رافضة
أي تواصل بينا لحد إمتي حتفضلي
كده “.
نور بضيق :” إنت عارف كل حاجة على
فكرة فمفيش داعي لكل العصبية
دي…انا كده و مش حيتغير و لو حضرتك
مش عاجبك الحال براحتك…كل واحد
يروح لحاله و نفضيها سيرة اصلي
بصراحة زهقت “.
مرر نظره بينها بين الطريق متفرسا ملامح
وجهها البريئة التي يهيم بها عشقا
ليزفر بقلة حيلة… مهما فعلت و قالت
لم يستطيع التفريط فيها بعد
ان تعذب في الحصول عليها.
:” إنت ليه كده…هاين عليكي قلبي عشان
توجعيه بالطريقة دي…. إنت لو تعرفي
أنا بحبك قد إيه مكنتش قلتي كده”.
غمغم بمرارة و عجز مكملا :”بقالي
سنين يشحت منك شوية حب
و إهتمام… دست على كرامتي
أكثر من مرة و بتجاهل كلامك
و معاملتك الباردة ليا كل داه عشان
لييييه… قوليلي ليييه”.
صرخ بقوة و هو يضرب مقود. السيارة
بعنف حتى كاد يخلعه من مكانه لتنكمش
نور على نفسها ملتصقة بنافذة السيارة
متحاشية النظر ناحيته حتى لا ترتعب
أكثر…. فمحمد منظره مخيف و هو هادئ
فكيف سيكون عندما يغضب..
عضت شفتيها عدة مرات محاولة
التفوه بأي كلمة تهدأ بها غضبه
لكنها فشلت لتهتف في الاخير
بتأتأة :”مح…. مد إهدأ….إنت
بتسوق”.
و كأنها بكلماتها تلك زادت من لهيب
ناره التي تشتعل داخله منها ليهدر
بصياح :”خايفة على نفسك….كالعادة كل اللي
يهمك نفسك و بس…. مش هامك انا
اولع بغاز انا و قلبي و مشاعري….
يا ريتني ما كنت قابلتك و لا شفتك
و لا قلبي تعلق بيكي…. يا ريتني ماحبيتك
يا نور…مكنتش ذليت نفسي لحتة عيلة
عشان تلعب بيا…
قطع كلامه و هو يوقف السيارة بهدوء
ليسند رأسه على الكرسي مستنشقا
الهواء بقوة عدة مرات…ليهدأ من نفسه
حتى لا يقوم بشيئ متهور يندم عليه لاحقا.
تكلمت نور بصوت منخفض :”طيب
خلينا ننزل نتغدا و بعدين نكمل كلامنا”.
صدرت منه ضحكة ساخرة عقبها قوله :”كثر
خيرك…البرنسس تنازلت المرة دي و قبلت
تتغدا معايا….
اجابته بهدوء:” محمد ملوش لزوم الكلام داه
إنت عارف إن أنا و إنت حكايتنا من الاول
كانت غلط…. أنا كنت صريحة معاك ومخبيتش
عليك حاجة من اول مرة كلمتني فيها…. قلتلك
إني أنا مش بحبك و طلبت منك إنك تنساني
و تدور على واحدة ثانية من مستواك و تليق بيك..
بس إنت اللي ركبت دماغك و اصريت عليا
و انا وافقت بس كان غصب عني مكنتش
مقتنعة.. ماما من جهة و كاميليا و جوزها من
جهة ثانية حتى كريم….كلهم حتى إنت
كنت كل اما اروح مكان الاقيك فيه حاصرتني
من كل الجهات و تحت الضغط داه كله أنا
سلمت ووافقت بس إنت كنت عارف يعني
إنت دلوقتي ملكش حق تلومني على حاجة
و انا كمان مش حجبرك تكمل معايا…
إلتفت الآخر نحوها ليوليها كل إهتمامه
مركزا على كل كلمة تقولها قبل أن. يتحدث
:”طيب ممكن افهم ليه؟؟ و متقوليليش
شكلي عشان دي حجة عبيطة و مش
داخلة دماغي……
اجابته و هي تحرك رأسها بنفي :” طبعا
لا….مش داه السبب بس في أسباب
كثيرة بتدل على إن حكايتنا غلط من الاول
زي الفرق الاجتماعي الكبير جدا اللي بينا
مثلا انا نور بنت سعيد محمود
اللي شغال عامل في محل صغير و إنت
محمد اللي من عيلة البحيري من أكبر واغنى
العائلات في البلد…
حولت نظرها نحو الشارع قبل أن تستأنف
حديثها من جديد بنبرة حزينة :”إنت
مشفتش إحنا كنا عايشين إزاي قبل
ما كاميليا أختي تتجوز شاهين الألفي
كنا…فقرا اوي مش لاقيين ناكل .. انا
كنت بستلف هدومي من بنات الجيران
لما يكون عندنا فرح او مناسبة…بالمختصر
انا من عيلة بسيطة و فقيرة و كل
حاجة عندنا هي ملك لاختي و جوزها
يعني…
محمد بعدم تصديق :”يعني إيه… يعني
إيه يا نور إنت مجنونة انا مالي و مال الكلام
داه انا عاوزك إنت…. بحبك إنت
حفهمك إزاي داه….و بعدين ما انا عارف
و عيلتي كلها عارفة ها في حجة ثانية
و إلا خلاص”.
بللت نور شفتيها قبل أن تنطق مدافعة
عن رأيها :”دي مش حجج دي حقايق
بكرة لما نتجوز حتفهم كويس أنا بتكلم
عن إيه و ساعتها انا إللي حبقى خسرانة “.
تنهد بنفاذ صبر من عنادها و رأسها اليابس
قائلا :” أنا لسه مستغرب من نفسي انا
جايب طولة البال دي كلها منين….و بسمع
كلامك الأهبل داه”.
نور بغضب :”كلامي مش هبل و إنت
عارف داه كويس … و الدليل اخوك
اللي تجوز بنت عمك و طلقها بعد شهرين
…وكان بيخونها مع كل ست يقابلها
و اهو بقاله ثلاث سنين لا حس و لا خبر
رمى إبنه و مراته…اللي هي بنت عمه
تقدر تقلي انا حيبقى مصيري إيه
لو حضرتك تجوزتني و رميتيني
زي ماعمل أخوك….
فغر محمد فاه بصدمة غير مصدق
لما يسمعه منها لأول مرة…هل وصل
بها التفكير لهذا الحد ان تظنه كأخيه أيهم؟
إحتقنت الدماء في وجهه أكثر و قد شعر
بأنه يكاد ينفجر في أي لحظة….
اعاد تشغيل سيارته من جديد متفاديا
قول اي كلمة ليسير في طريقه من جديد..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الشيطان شاهين 2)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *