روايات

رواية في حي الزمالك الفصل السابع 7 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل السابع 7 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت السابع

رواية في حي الزمالك الجزء السابع

رواية في حي الزمالك الحلقة السابعة

غَضَبٌ وَاِسْتِيَاءٌ 🦋✨

“نوح!!!!!” صدح صوت أفنان في القاعة وتعابير الصدمة باديه عليها، يفتح نوح عينيه على مصرعيهما ثم يضرب وجهه بيده.. تتوتر معالمها ويزداد الأمر سوءاً حينما يدلف رحيم إلى القاعة بإندفاع ويكاد يصطدم بأفنان لكنه يتوقف قبل أن يصدمها ولكنه يصدم كتفه بالباب.

“يلاهوي.. أنا أسفة..” قالت لرحيم ثم وجهت نظرها لنوح الذي رفع أحدى حاجبيه بنفاذ صبر.

“أنا اسفة جداً يا دكتور عالتأخير وعاللي حصل ده…”

“اتفضلي مكانك يا دكتورة.” قال بنبرة صارمة لتهرول نحو الداخل وتجلس في صف شبه فارغ، الجميع مازال ينظر نحوها ونحوهم لتشعر بوجنتها تشتعل حمرة وهذا نادراً ما يحدث! فأفنان ليست من النوع الذي يسيطر الخجل عليه.

“دكتور نوح.. أنا دكتور رحيم، اللي كنت مسئول عن التدريب قبل ما حضرتك تشرفنا.”

“اهلاً وسهلاً بحضرتك.” رحب به نوح بآدب ليصافحه رحيم برسمية، بينما اختبئت أفنان أسفل الفتى ذو القامة الطويلة أمامها وهي تلعن حظها السيء.. نوح ورحيم في المكانه ذاته!

 

انتهت فقرة التعارف وكان من المفترض أن يغادر رحيم القاعة ويذهب لعمله لكنه قرر الجلوس لبعض الوقت ليرى كيف يقوم نوح بعملية الشرح، كان يبدو من جلسته أنه غير مرتاح؛ بالطبع فلقد كان الفضول ينهشه نهشاً ليعرف ما علاقة أفنان بنوح.. ولما انصدمت لتلك الدرجة عند رؤيته؟!

حاولت أفنان جاهدة أن تصب تركيزها على الشرح بدلاً من التفكير في ما سيحدث فيما بعد حينما يسألها نوح من يكون رحيم الذي تبعها نحو الداخل وحينما يسألها رحيم من يكون نوح.

“كده يا دكاترة محاضرة النهاردة خلصت.. ده رقم تليفوني لو حد عنده أيه سؤال أو استفسار.” اردف نوح بنبرة هادئة قبل أن يكتب رقم هاتفه بواسطة القلم ال ‘Marker’

“اتفضلوا يا شباب على المعامل والدكاترة هيحصلوكوا.” اومئ الجميع بما فيهم أفنان التي توجهت سريعاً نحو الخارج، تبعها نوح ورحيم.

“أفنان..” جاءها صوت نوح لتقف وهي تُغلق عيناها بضييق قبل أن تلتفت لتواجهه.

“نعم؟”

“دكتورة أفنان.. اتفضلي عالمعمل بتاعك لو سمحتي.” كان هذا صوت رحيم الذي اقتحم المحادثة التي كانت على وشك أن تبدأ لتحمد الله داخل نفسها.

“معلش يا دكتور نوح أصل الشرح هيبدأ.”

“لا يا دكتور مفيش حاجة.” قال نوح بآدب وحاول كتم غيظه.

توجهت أفنان نحو المعمل وتوجه رحيم إلى المكتب حيث يجتمع سائر المُدربين.

“معلش يا دكاترة أنا عايز ادرب عملي.”

“غريبة يا دكتور رحيم.. ده احنا اتحايلنا عليك تاخد مجموعة من المجاميع بس أنت رفضت.”

“غيرت رأي، عندك مانع؟”

“لا معنديش.. ممكن تاخد..” صمت لبضع ثوانٍ وهو يفكر وفي الوقت ذاته ينظر إلى المجموعات وخطة التدريب.

“ممكن تاخد المجموعة التالتة.”

“لا، أنا هدرب الجروب الخامس.”

“واشمعنا الخامس يعني؟” سأل أحدهم بنبرة فضولية ليزفر نوح بضيق قبل أن يجاوب سؤاله بسؤال آخر.

“هو تحقيق يا دكتور ولا ايه؟”

“لا العفو يا دكتور.. خلاص تمام هحط حضرتك في المجموعة الخامسة.” ابتسم رحيم برضى وهو يرى اسمه يوضع بجانب المجموعة حيث توجد أفنان.

 

“مساء الخير يا جماعة..” اردف نوح فور إقتحامه المكتب لينظر نحوه رحيم بطرف عيناه.

“ايه مساء دي يا دكتور نوح؟ ده احنا الضهر.” تحدث أحدهم بسخرية وهو يبتسم.

“ما هو عشان احنا الضهر يا جاهل بقينا PM خلاص.” قال رحيم بحنق مُفسراً الأمر بدلاً من نوح.

“بعد إذنكوا أنا كنت عايزة ادرب جروب من جروبات العملي.”

“هو كله عايز يشتغل في العملي النهاردة؟ ما كنا بنتحايل على الكل، عايز مجموعة معينة بقى؟” سأل بنبرة مزيج من السخرية والجدية.

“ممكن أشوف القوائم وعددهم وكده.. وهختار واحدة، لو متاح يعني.” أخذ نوح يتجول بعيناه بحثاً عن اسمها حتى وجدها اخيراً.. في الصفحة الأخيرة؛ المجموعة الخامسة.

“ممكن أخد المجموعة الخامسة.” قال نوح ليعتدل رحيم في جلسته ويرفع أحدى حاجبيه في إعتراض.

“هو كله عايز المجموعة دي ليه؟!”

“هو في حد تاني عايز يبدل وياخدها؟”

“أنا.” اردف رحيم بثقة شديدة ليُغمض نوح عيناه محاولاً التحكم في تعبيرات وجهه وأعصابه كذلك.

“طب في إمكانيه إننا نبدل؟”

“لا.. Sorry، عن إذنكم.” تفوه بها رحيم وهو يستقيم من مقعده ويضبط بذلته ويغادر المكان سريعاً دون أن يسمح لنوح بالرد.

“ده أنت مستفز.” همس بها نوح من بين أسنانه.

ولو أول مرة تقريباً كانت أفنان شاردة معظم الوقت أثناء الشرح أو بمعنى آخر هي تستمع لما يُقال وتكتب ملاحظات وترى بعينيها التفاعلات وكيفية عمل الأشياء لكن عقلها لم يستطع ترجمة اياً من ذلك، لا تدري هل من حسن حظها أم من سوء حظها أن الذي يقوم بعملية الشرح قد انتهى؛ فهي تشعر بآلم شديد في رأسها وفي الوقت ذاته لا تدري ماذا سيحدث..

غادرت أفنان المعمل وتوجهت نحو الطابق الأرضي ومنه كانت على وشك المغادرة فهي لا تدري هل نوح سيرحل الآن أم لا.

“أفنان.. Wait ‘انتظري’.” أوقفها صوت رحيم لتصفع نفسها داخلياً لكنها تلتفت وتنظر إليه بإبتسامة صغيرة.

كنت عايز اقولك Thank you على ال Coffee وأننا اتكلمنا يعني.” قال بنبرة مُهذبه واثقة مع لكنة إنجليزية ثقيلة.

“على أيه بس.. وبعدين ده أنت اللي دافع لنفسك اساساً أنت نسيت؟”

“مش مهم مين اللي دفع.. مش ده قصدي اصلاً.”

“عالعموم You’re welcome عشان تعرف بس أني مثقفة وبتاعت لغات.” اردفت بمزاح وهي تضحك لكن سرعان ما تختفي الإبتسامة فور رؤيتها لنوح يغادر المصعد.

“الناظر جه..” همست بصوتاً منخفض لينظر نحوها رحيم بتعجب محاولاً فهم ما تقوله.

“طيب.. أنا لازم امشي.. سلام.” قالت وتحركت سريعاً مُبتعدة عن رحيم؛ ليس وكأنها تخاف من نوح.. فهي لم تُخطئ في أي شيء كل ما في الأمر أنها تحاول تجنب المتاعب والشجار قدر الإمكان.

“دكتورة أفنان استني.” بنبرة رسمية تحدث نوح لتقف مجدداً قبل المغادرة وهي تكاد تُجزم أن الباب الذي يُفتح تلقائياً على وشك أن يُسبها من كثرة اقترابها وابتعادها عنه كل ثانية.

“نعم يا نوح.”

 

“نعم يا نوح؟ عادي كده؟”

” لا.. بالمكسرات، عايز ايه يا نوح اخلص.” قالت أفنان بضيق وهي تزفر.

“وطي صوتك ده اولاً، ثانياً بقى متكلمنيش كده قدام الناس وثالثاً….” تحدث نوح بنبرة جادة وشبه غاضبة لتقلب أفنان عينيها بتملل.

“هو لسه في ثالثاً؟ لا بقولك ايه نتناقش في العربية بقى عشان رجلي وجعتني من الوقفة.”

“اتفضلي.” قال لتتجه إلى الخارج ويلحق بها، تدلف إلى داخل السيارة بعد أن يفتح لها الباب وهي تستعد نفسياً لشجار لا داعي له من الأساس.

“ممكن اعرف بقى ايه العبث اللي بيحصل ده؟”

“عبث؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.” قالت وهي تضحك ليزداد امتعاض وجه نوح.

“أفنان كفاية استفزاز وبرود!”

“أنا مش باردة.. أنا بس بتكلم بهدوء لكن أنت اللي متعصب.”

“ممكن اعرف مين ده؟ وبتتكلمي معاه بصفته مين؟!”

“اولاً يا نوح مش من حقك تعلي صوتك عليا، ثانياً بقى ده دكتور وبيشرحلنا ومفهاش حاجة لما اتكلم معاه أو استفسر عن حاجة في الشرح.” تحدثت أفنان بنبرة صارمة وجادة لم يعتد نوح أن تستخدمها معه.

“ووقفتكوا دي بقى كانت استفسار؟ كنتي بتستفسري عن ايه بقى إن شاء الله؟!” سأل نوح وقد ازدادت نبرته في الحده.

“وأنت مالك؟”

“هو أنتي بتتكلمي جد؟”

“اه بسأل بجد والله.. ده يخصك في أيه يعني؟” سألت أفنان بحنق وقد ارتفع صوتها نسبياً.

“عندك حق.. أنا أسف.” اردف نوح ثم دعس على البنزين بقوة لتتحرك السيارة بإندفاع وتكاد تصطدم أفنان ‘بالتبلوه’ الخاص بالسيارة.

“أنت اتجننت يا نوح؟ لو هتسوق كده يبقى تنزلني!”

“أنا أسف.. مكنش قصدي، حطي الحزام.” نفذت ما قاله دون أن تنبس ببنت شفة وقد ضمت حاجبيها في غضب، ساد الصمت طوال الطريق حتى توقفت سيارته أمام منزلها.

“سلميلي على خالتو.”

“يوصل.” قالت وهي تغادر السيارة وقد قررت أن تُغلق بابها بعنف لكنها تراجعت رأفة بالسيارة التي لا ذنب لها في كان نوح وغد.

طرقت الباب ببعض العنف لتفتح لها والدتها بقلق.

“ايه يا بنتي هتكسري الباب!” لم تعلق أفنان وتوجهت إلى غرفتها مباشرة فتلحق بها والدتها.

“مالك يا بنتي؟ وشك مقلوب ليه؟”

“مفيش.. مُرهقة وعايزة أنام.”

“لا استني أبوكي وأختك على وصول نتغدى كلنا سوا.”

“أنا هريح شوية ولما يبقوا يرجعوا ابقي صحيني.”

 

“على راحتك.” اردفت والدتها بعد أن اطلقت تنهيدة قبل أن تتجه نحو الخارج، تُبدل أفنان ثيابها وتتمدد على السرير خاصتها وهي تُفكر في كل ما حدث اليوم.. لم يكن الأمر يستدعي كل هذا الغضب والشجار، لكن نوح قد اثار غضبها حينما سمح لنفسه بتخطي المساحة التي رسمتها أفنان..

في وقت الغداء كان والد أفنان شارد على غير العادة، لم يُنهي حصته من الطعام كما كان يفعل في السابق.. شعرت أفنان بغصة في حلقها وهي ترى والدها بهذا الشكل..

“أنت كويس يا بابا؟”

“اه يا حبيبتي.”

“طب أيه يا حمادة مخلصتش طبقك ليه؟” سألت بمزاح وهي تحاوط والدها بذراعيها.

“شبعت يا حبيبتي…” اردف بلطف ثم غادر الطاولة لتختفي ابتسامة أفنان وتتبدل بحزن وقلق.

“ماما.. هو في حاجة جديدة حصلت؟”

“لا.. لكن الشهر الجديد خلاص هيبدأ وأبوكي قلقان من موضوع الفلوس ده..”

“يا رورو متقلقيش إن شاء الله هتدبر.. وبعدين يعني أنا وميرال كبرنا خلاص؛ يعني مش هنحتاج لبس مدرسة ولا شنطة مدرسة..”

“ايوا يا ماما وبعدين ما أنا بدأت شغل وإن شاء الله هسند معاكوا.”

“ربنا يخليكوا يا حبايبي.. المهم متشغلوش بالكوا أنتوا بالموضوع ده.” قالت والدتهم مع إبتسامة ممزوجة بالآسى، تذهب أفنان إلى حجرتها هي وشقيقتها وتتمدد على السرير وهي تزفر بضيق.

“مالك أنتي كمان في أيه؟”

“مفيش.. اتخنقت أنا ونوح.” اعتدلت ميرال في جلستها وسألتها بلهفة قائلة:

“اتخانقتي معاه ليه؟ أكيد زعلتيه صح؟”

“أهو ده اللي كنت عاملة حسابه، كله هيقف في صف نوح.”

“ما هو عشان أحنا عارفينك وعارفين نوح.. أكيد استفزتيه.”

“ده حقيقي فعلاً.”

“وليه بقى يا مُستفزة؟”

“عشان هو بيتحشر في اللي ملهوش فيه.. عملي حوار من اللا شيء حرفياً.” اردفت أفنان بإنزعاج، لتنظر نحوها ميرال ببعض الإمتعاض.

“وبعدين هتعملي ايه بقى؟ هتصالحيه طبعاً”

“اه هصالحه اه.. أنتي عبيطة يا ميرال؟ ده هو اللي غلطان اصلاً.”

“لا مش هو.” قالت بنبرة طفولية لتضحك أفنان على سخافتها وتقول:

“طب كلفي خاطرك واسأليني اتخانقنا ليه بدل ما أنتي داخله تدافعي وخلاص.” اردفت أفنان من وسط ضحكاتها لكنها تذكرت أنها لم تُخبر ميرال بشأن تحدثها مع رحيم في الأيام الماضية؛ جيد شجاراً آخر..

“اه صحيح اتخانقتوا ليه؟”

 

“هاه؟ ايوا يا ماما جايه.” لبت أفنان نداء والدتها الوهمي فوالدتها لم تذكر اسمها من الأساس لكنها فعلت ذلك لتهرب من إخبارها بالسبب الحقيقي للشجار..

للنتقل إلى داخل قصر حامد البكري، يجلس رحيم في غرفته وكأنه طير محبوس داخل قفص؛ فوجود والدته في المكان ذاته هو أشبه بالسجن..

فهو لا يمكنه أن يُقدم على فعل أي شيء دون سماع توبيخاً منها والذي عادة ما يكون باللغة الإنجليزية وباللكنة الثقيلة خاصتها.

“دكتور رحيم الهانم الكبيرة بتنده لحضرتك.” قالت الخادمة بعد أن طرقت الباب بخفة للتنبيه لكنها لم تدخل الغرفة.

“حاضر.. قوليلها أني نازل.” اردف رحيم وهو يستقيم من سريره، ينظر في المرآة فيجد أن خصلات شعره الأسود مُبعثرة فيُعيد ضبطها ويتأكد أن ثيابه تبدو جيدة قبل أن يتوجه إلى الخارج.

“رحيم.. تعالى هنا.” جاءه صوت والدته فور أن رأت خياله على الدرج.

“أمرك يا مامي.” قال ثم ذهب إلى الصالون ذو الأثاث الراقي باهظ الثمن، كان معظمة كلاسيكي ذو طراز إنجليزي أصيل، يجلس أمام والدته بهدوء تام.

“أيه رأيك في ال Beauty Queen ‘ملكة الجمال’ دي.” أمسك رحيم بهاتف والدته ذو الإصدار الحديث لتقع عيناه على صورة فتاة إنجليزية بالطبع، ذات خصلات شعر شقراء قد شقت بعض الأمواج طريقها إليها وزوج من العيون الزرقاء.

“أوه.. She is so pretty ‘إنها غاية في الجمال’ فعلاً..”

“طبعاً.. وهو ينفع اصلاً رأيك يبقى مُخالف لرأي؟”

“لا طبعاً..”

“أنت عارف إن اسمها على اسمي؟ إيڤلين.”

“لا مكنتش اعرف.. بس ممكن اسأل ايه الغرض من الكلام عن البنت دي؟”

“الغرض أنك هتقابلها.. وهتتعرفوا على بعض.” ضم حاجبيه بمزيج من الدهشة والإمتعاض قبل أن يقول:

“أمتى وليه؟”

“في إنجلترا.. ما أنت هتسافر هناك قريب.” اردفت بنبرة واثقة وكأن ما تقوله هو ‘تحصيل حاصل’

“بس أنا مش عايزة أسافر..”

“من أمتى يا رحيم ورأي حد غيري هو اللي بيمشي؟” سألت بنبرة واثقة وهي ترفع أحدى حاجبيها ليحمحم رحيم ثم يُردف:

“مش قصدي يا مامي أكيد.. لكن أنا مقدرش اسيب الشغل هنا وأسافر.”

“دي هتبقى أجازة For one month or something ‘لشهراً واحداً أو شيء من هذا القبيل’ “

 

“حاضر يا مامي.. هنشوف وقتها، عن إذنك.” قال نوح ونهض متوجهاً إلى حجرة المكتب خاصة والده.

“بابي، بعد إذنك عايزك في موضوع مهم.” اردف رحيم بإندفاع فور دخوله الحجرة ليُشير له والده بأن ينتظر فيُدرك رحيم أنه يتحدث بالهاتف.

“تمام.. خلاص أنا هشوف الموضوع ده.. مع السلامة، تعالى يا رحيم أقعد.”

“شكراً.. بابي كنت عايز حضرتك في موضوع.”

“أكيد اتفضل.. يا رحيم.”

“أنا تعبت من أسلوب مامي.. بتتحكم في كل حاجة وبتفرض عليا حاجات أنا مش عايزها وأنا مبقتش صغير!!!” بصق رحيم كلماته دفعة واحدة غير تاركاً مجال لإجابة والده أو ليتنفس هو شخصياً.

“اهدى بس يا رحيم، هو أنت أول مرة تتعامل مع والدتك يعني؟ ما أنت متعود على أسلوبها.”

“ايوا اتعودت بس أنا خلاص تعبت..” بنبرة مليئة بالخيبة والحزن قال رحيم لينظر نحوه والده بآسى ثم يُردف مع ابتسامة صغيرة:
“خدها على قد عقلها يا رحيم.”

“يعني ايه؟”

“يعني قولها أنك موافق عاللي هي عايزاه وأوعدك أني مش هخليها تغصبك على حاجة.”

“بدماغها الإنجليزية دي؟ أشُك.”

“خليك واثق فيا يا ولد، وبعدين المشكلة دي كلها بسبب أيه بقى؟” اردف والده وهو يُشعل لفافة تبغ بُنية عريضة فاخرة.

“عايزاني أسافر إنجلترا..”

“وأيه وجه الإعتراض؟ عايز تسافر فرنسا مثلاً؟ اللي أنت عايزه يا حبيبي.”

“لا.. الإعتراض إنها عايزة تفرض عليا بنت من هناك.. معنديش فكرة هي تعرفها منين، لكن أنا رافض.” ادرف رحيم ثم زفر بضيق..

“وأنت رافض ليه؟ مش يمكن البنت تطلع كويسة وتعجبك؟”

“اولاً She is not my type ‘ليست نوعي المُفضل’.. ” كاد رحيم أن يُكمل لكن قاطعه والده قائلاً:

“والله وكبرت يا رحيم وبقى ليك type.”

“أكيد يا بابا.. Everyone has a type، زي ما حضرتك بتحب الشعر الفاتح كده واللكنة الإنجليزية والطباع الصارمة.”

“ويا ترى ايه ال Type بتاعك بقى؟”

سأل والده وعلى الفور قفزت إلى عقله ملامح أفنان العربية الأصيلة، الحواجب الكثيفة السوداء، مع زوج من العيون الكحيلة الحادة، حتى تلك الحبوب التي اتخذت موضعاً في وجنتها قد جعلت ملامحها مميزة.. لكن تلك الفتاة الآخرى؛ إيڤلين.. هي ايضاً جميلة.. لكنها تُشبة دمية باربي من وجهه نظره.

“حضرتك هتشوفه بنفسك في يوم من الأيام.. وإحتمال يبقى قريب كمان.” قال وهو يقهقه بمزاح.

“ماشي يا سيدي اديني مستني على احر من جمر، على العموم متشغلش بالك بموضوع البنت دي.”

“حاضر.. شكراً يا بابي.” اردف رحيم وهو يستقيم من موضعه ويذهب نحو والده ليعانقه بلطف ويبادله الآخر.

 

مر يوماً كاملاً حتى جاء موعد التدريب وقد تحفزت أفنان لأنها ستقابل نوح في الشركة بعد ما حدث بينهم منذ يومان، لم يحاول مُراسلتها وهي لم تفعل بالطبع… وصلت إلى مقر الشركة وقد كان الإستياء بادٍ على ملامحها، وصلت إلى الطابق المنشود وأخذت تسير بخطوات مُسرعة نحو وجهتها لكنها توقفت حينما مر رحيم من جانبها.

“صباح الخير يا دكتور.” اردف رحيم مع إبتسامة صغيرة وقد قال ‘دكتور’ بحذف التاء المربوطة لأنه ببساطة قالها بالإنجليزية وليست بالطريقة المُعربة.

“صباح النور يا دكتور برضوا.” ردت التحية مع إبتسامة صغيرة.

“يلا ادخلي عشان متتأخريش.. See you soon ‘اراكِ قريباً’. ” قال ثم غادر لتتسع ابتسامتها قليلاً ثم تُكمل نحو وجهتها.

كانت القاعة شبه فارغة فيما عدا خمسة طلاب تقريباً، جلست أفنان في الصف الأول لغرض ما في رأسها.. فهي لن تجلس في الخلف وتحاول التخفي من مواجهة نوح فهي ليست بهذا الضعف، بعد عشرة دقائق تقريباً بدأ المكان في الإزدحام ودلف نوح إلى القاعة والذي بمجرد أن وصل أخذ يبحث بعيناه عنها في الصفوف الخلفية ولم يلحظ المُغفل أنها تجلس أمامه مباشرة.

“صباح الخير يا دكاترة، هنتكلم النهاردة في الشرح عن المسكنات أو ال Ananlgesia” انتبهت أفنان للشرح كثيراً وأخذت تدون بعض الملاحظات فهي لا تأمن غدر نوح فقد يسألها أي سؤال بغتة ويقوم بإحراجها أمام الجميع، فلقد فعلها عدة مرات في الجامعة.

انتهى الجزء الخاص بنوح بعد ساعة تقريباً وأكمل مُدرب آخر لمدة نصف ساعة إضافية، توجه الجميع نحو المعامل في إنتظار الجزء العملي.. جلست أفنان تعبث في هاتفها بملل حتى يأتي المُدرب لكن حاسة الشم القوية خاصتها أرغمتها على رفع عيناها بحثاً عن صاحب الرائحة التي عطلت المكان بأكمله..

“رحيم؟!” همست بها بإندهاش وهي تراه يرتدي المعطف الأبيض ويدخل المعمل وعلى وجهه ابتسامة جعلت مُعدل نبضات قلبها يرتفع قليلاً دون سبب واضح، تتسع إبتسامته عندما يقرأ شفتيها فيُدرك أنها ذكرت اسمه بهمس.

“مساء الخير يا دكاترة، أكيد كلكوا عارفني أنا دكتور رحيم.. اشتغلت فترة معاكوا في النظري وحبيت كمان نشتغل عملي سوا.” تحدث بنبرة هادئة بينما لم تُفارق عيناه عين أفنان التي سُرعان ما توترت ونظرت إلى الجهه الآخرى ثم وبخت نفسها؛ عاودت النظر نحوه بأعين واثقة بينما تستمع إلى ما يقول.
صدح في المكان صوت أغنية لأحد الفنانين الذكور والتي كانت ذو موسيقى صاخبة بعض الشيء ليلتفت الجميع نحو مصدر الصوت؛ أفنان.. أو بمعنى آخر هاتف أفنان..

“أنا أسفة جداً يا دكتور.” قامت برفض المكالمة والتي كانت من شقيقتها ميرال، تلك الحمقاء هي تعرف جيداً أن أفنان في التدريب، مرت دقيقة لتعاود ميرال الإتصال مرة آخرى واسكتت أفنان الهاتف مجدداً لتكرر ميرال المحاولة للمرة الثالث، لكن هذه المرة قد تسرب شعور القلق إلى قلب أفنان، فليس من عادة ميرال أن تُكرر الإتصال وايضاً من المفترض أن تكون ميرال في العمل الآن..

 

“دكتورة أفنان.. ممكن تخرجي تردي، هناخد كلنا بريك خمس دقايق يا دكاترة بس ياريت محدش يخرج برا المعمل.” هرولت أفنان إلى خارج القاعة لتتحدث إلى ميرال في الهاتف، حاول رحيم أن يُحافظ على خصوصيتها لكنه في النهاية استسلم لتلك الخصلة السيئة في بني آدم وهي “الفضول”.

وقف رحيم بالقرب من باب المعمل بينما تحدثت أفنان في الهاتف بتوتر:

“ايوا يا ميرال.. في حاجة ولا أيه؟”

“بكلمك كتير مردتيش.”

“ثواني بس هو مش المفروض أنك في الشغل؟ وأيه الدوشة اللي جنبك دي؟”

“بابا..”

“ماله بابا؟” سألت أفنان بصوتٍ عالٍ وبرعب، ينتبه رحيم ويقترب منها قليلاً.. لتُجيبها الآخرى:

“اهدي بس.. هو ضغطه عالي شوية..”

“طب أيه؟ هو كويس يعني؟ أيه اللي حصل؟”

“تيتا كلمته وبتطلب منه حاجات يجبهالها قالها أنه مش معاه فلوس دلوقتي.. اتخانقت معاه جامد وهو فضل يزعق ويقولها أن المصاريف زادت عليه وأن هو مش عارف حتى يصلح عربيته.. ده اللي عرفته.. في الآخر يعني ضغطه عِلي جامد وصحابه نقلوه المستشفى..”

“مستشفى؟؟!! أنا جايه حالاً.. ملعون أبو الفلوس اللي تعمل في أبويا كده…ابعتيلي اللوكيشن بسرعة..”

اردفت بنبرة مزيج من الغضب والإنكسار قبل أن تُغلق المكالمة سامحة لدموعها الدافئة التي حبستها بالإنهمار.. أخذت نفس عميق بينما يحاول عقلها إستيعاب ما يحدث.. عليها أن تأخذ الأذن من رحيم وترحل من هنا في الحال، تنفست الصعداء ثم كفكفت دموعها بيديها..
لا يجب أن يراها أحد وهي تبكي..

ألتفتت لتذهب إلى المعمل لكنها فوجئت برحيم في مواجهتها تماماً بينما يفصل بينهم مسافة صغيرة….

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *