روايات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثالث 3 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الثالث 3 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي البارت الثالث

رواية سيد القصر الجنوبي الجزء الثالث

رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة الثالثة

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
حملقت “فرحة” بذعر للذي يفترش الأرض بجسده في سكون بعدما كان كالبركان المُلتهب منذ قليل، وانعقدت الكلمات بحلقها وشلّ تفكيرها عن التصرف للحظات، ثم تحررت من جمودها بعض الشيء وهرعت إليه تربت على وجهه بخفة ليستفيق، ولكن زايد لم يستجيب لأي من رجائها ودموعها، فصرخت بخوف وهي تنظر حولها وتضم رأسه لصدرها، حتى هداها الفكر لأن تبحث عن هاتفه بمعطفه وتتصل بشقيقه أو والده، وعندما بحثت وجدته، ولكن الهاتف مغلقًا، فسريعا ما ضغطت على زر التشغيل حتى فتح الهاتف واتصلت مباشرةً بوالد زايد، والذي أجاب ضاحكا بمرح ظنا منه أن المتصل “زايد”:
_ سايب عروستك وبتتصل بيا ليه ..؟!
ولكن ردت عليه فرحة بصراخ وهي تبك وتناشده بضرورة المجيء فورًا، ففزع ممدوح الذي لا زال بالفندق الذي اقيم به الحفل وكان على وشك المغادرة، فأنتبهت له زوجته نوران بنظرة ثاقبة ومترقبة كأنها تتأكد من وقوع كارثة لزايد وقالت:
_ ماله زايد يا ممدوح ؟ … مش المفروض خد عروسته ومشي !.

 

 

رد ممدوح ووجهه شاحب بقلق شديد وقال:
_ ارجعي أنتي مع الولاد وأنا مش هتأخر عليكم ..
وقبل أن تستفهم منه معنى حديثه غادر ممدوح المكان وأسرع لسيارته بالخارج وهو مشتت الفكر متسائلًا بحيرة وخوف ما حدث أدى لصراخ زوجة أبنه في أولى أيام زواجهما معًا ؟!..
أما عن ” نوران” التي تدرجت ابتسامتها لتصبح ضحكة واسعة شامتة، وتأكدت أن ولدها هيثم فعل فعلته ونفذ وعده لها، وحاولت أن تتصل به عدة مرات حتى صدمت حينما رد “فادي” بدلًا من هيثم وقال:
_ انا قدام القصر في العربية مع هيثم ..
والتفت فادي جانبًا وهو يتحدث ونظر لهيثم المُقيد وتابع :
_ لازم اتكلم معاكي يا ماما ودلوقتي ، ومش عايز بابا يعرف عن المكالمة دي حاجة.
تاهت الدماء من وجه نوران وقالت بخوف:
_ أنت بترد عليا ليه بدل هيثم ؟! .. هيثم فين يا فادي ؟!
صاح هيثم بحقد شديد وهو يحاول الخلاص من قيده:
_ تعالي وشوفي أبنك عمل إيه عشان محدش هيرحمه مني بعد اللي عمله معايا النهاردة ..
سمعت نوران صوت وصياح هيثم وهتفت بفادي في غضب شديد:
_ أنا راجعة حالًا على القصر، ويا ويلك مني يا فادي لو عملت حاجة في أخوك ..
واغلقت نوران هاتفها وهي تركض نحو السيارة الخاصة بها وأمرت السائق أن يعود بها على القصر مباشرةً…
***********
وبعد نصف ساعة وقف ممدوح بسيارته أمام المنزل الذي أشتراه زايد خصيصاً وكتبه باسم زوجته هدية كان سيقدمها لها وهما بشهر العسل ..
خرج من سيارته وهرع نحو الباب الذي كان مفتوحا وفرحة يبدو أنها أتت إثر سماعها صوت سيارة .. وقال بقلق شديد:
_ ماله زايد أبني حصله إيه؟!
جذبته فرحة للداخل وهي تبك وتتوسله قائلة:
_ نلحقه الأول ، زايد أغمى عليه وبحاول أفوقه ومش عارفة …
ولكن عندما دخلت المنزل مع والد زايد وكادت أن تشير للجسد المُلقى أرضًا في حالة إغماء دهشت وتجمدت من الصدمة ! .. لم تجد شيء ! .. منذ دقائق قليلة تركته ممددًا فاقدًا للوعي ، والآن لم يلمح له أثر حتى ! … نظر ممدوح لفرحة بريبة وقال :
_ أبني فيــــن …؟!
وقفت الكلمات بحلقها من الصدمة وعينيها متعلقة بالمكان التي تركته فيه، حتى صرخ فيها ممدوح متسائلًا:
_ بقولك أبني فين ؟!
ونظرت حولها بتيهة وكادت أن تجيب حتى سمعت صوت ارتطام أشياء ثقيلة بالأرض بالطابق الثاني للمنزل ، فركضت على الدرج وهي تقول:

 

 

_ يبقى على ما نزلتلك كان فاق وطلع فوق، لازم تلحقه قبل ما يعمل في نفسه حاجة ..
ووقفت فرحة أمام الغرفة الذي يصدر منها صوت صراخه والارتطام ودقت بقوة على الباب وتتوسل أن يفتحه :
_ أفتح الباب يا زايد ارجوك أفتح …
شاركها ممدوح في القرع وقال ولا مجال أمامه أو وقت أن يستفسر منها عن السبب وهو يسمع صوت أبنه بتلك الثورة والغليان وقال:
_ يا زايد أفتح الباب ..
ووقف صاحب القلب المحترق بوسط الغرفة وعينيه غارقة بالدموع، ويده تنزف بقوة وهو يلهث ويلتقط أنفاسه المتلاحقة بسرعة مميتة، وأصبح وجهه كقرص أحمر ملتهب كالجمر من فرط الغضب والقهر الذي يملأه ..
كأنها وجدت شفرة تدميره من جديد، كأنها ضغطت بكل قسوتها وقوتها على جرح غليظ لا يندمل ولا يقبل النسيان ..
فقد أتت بأبشع ذكريات الماض وأوقفتها امام عينيه ليعود لذلك المريض النفسي الذي احتجز بالمصحة النفسية لأشهر وسنوات .. كأن ما فات لم يمض عليه إلا ليلةً وضحاها ..!
وسقط على قدميه باكيًا بقوة عندما سمع صوت والده يترجاه ليفتح الباب، فصرخ زايد وقال بقهر:
_ مش عايز اسمعك .. أنت السبب في كل اللي حصل .. مش عايز أشوفك ولا اسمعك .. كلنا السبب في موتها…
وهنا تجمدت يد ممدوح وهو يدق على الباب، وابتعدت ببطء للخلف وهو ينظر بقوة وكأنه يرى شبحا ! … ولكن ما قاله زايد يؤكد أن ما فيه يرجع لتلك الذكرى السوداء … وابتلع ممدوح ريقه بتوتر ويديه ترتعشان وهما يضغطان على زر الأتصال بأحد الاطباء النفسيين الذين كانوا يتابعون حالة زايد في الماضي ولا زالوا على اتصال بممدوح لمتابعة أي انتكاسة قد تحدث … فقال ممدوح وهو يتحدث مع الطبيب:
_ دكتور محمود أرجوك عايزك حالًا دلوقتي ، زايد أبني جاتلة الحالة تاني …
ويبدو من صوت الطبيب أنه صدم مما سمعه، وقال :
_ معقول ! .. بعد السنين دي ؟! .. أنا كنت خلاص اتأكدت انه خف وتجاوز اللي فات .. !
قال ممدوح برجاء شديد:
_ ارجوك يا دكتور أنا محتاجلك دلوقتي تيجي ، أنت عارف وفاهم حالته من البداية ..
ووافق الطبيب على الحضور وأخذ العنوان ثم انتهى الاتصال ، وانتبه ممدوح لفرحة التي تنظر في جمود له والصدمة مرسومة على صفحة وجهها بوضوح ، فقالت وهي ترتجف :
_ جاتله الحالة ؟! … حالة إيه ؟! …

 

 

وسقطت دموعها بألم وتابعت :
_ هو زايد موت أمه فعلًا ؟! ..
اندفع ممدوح بوجهها مدافعا بشراسة :
_ مين اللي قالك الكدب والكلام الفارغ ده ؟! … زايد كانت روحه في أمه ، مكنش بيتحمل عليها الهوا حتى ، يبقى كلامك ده اللي رجعه لحالته تاني ، مين اللي قالك الكلام ده ؟! …
وقبل أن تجيب كان زايد يشتد صراخه مع ثورته بداخل الغرفة المغلقة ، فهرع والده للباب وهو يدق ويتوسل ليفتحه ولكن دون جدوى … فقرر ممدوح أن يتصل بفادي شقيقه ، هو من سيستطيع دخول تلك الغرفة بأي وسيلة … وأجرى الاتصال الذي وجده غير متاح الآن …
***************
وقفت ” نوران” أمام ولديها بالكراج بعدما وصلت للقصر ، وتقدمت مسرعة لهيثم تفك قيده وهي تتلفظ الشتائم لفادي قائلة:
_ يا حيوان !! … سايب أخوك بالمنظر ده وواقف تتفرج عليه لحد ما ارجع ؟! ..
وما أن تحرر هيثم من قيده بصعوبة حتى هجم على فادي وجره من ياقة بدلته بعنف وهو يلكمه ويلفظ السباب بأبشع الألفاظ ، فصرخت نوران وهي تحاول أن تبعدهما عن بعض وقالت :
_ أنتوا مش عاملين اي احترام لوجودي خالص كده ؟! … اقسم بالله لو كل واحد فيكم ما احترمش نفسه لتشوفوا مني وش تاني خالص عمركم ما شوفتوه!.
دفع هيثم فادي بعيدًا عنه وهو يلهث ، ثم أشار له وهو يتحدث مع أمه نوران وقال بغضب:
_ البيه أبنك خلى البودي جارد بتوع زايد المجرم يكتفوني ويحبسوني في العربية ، وجابني على هنا ، عشان مابوظش الفرح … أبنك اللي بتدافعي عنه وبتقولي لسه صغير مش فاهم حاجة !!! …
حدقت نوران بفادي الذي يتحسس فكه من ضربة هيثم له وهتفت به:
_ أنت عملت كده صحيح ؟!
بدا فادي يتأكد أن امه تشارك هيثم فيما يفعله وخططه الشيطانية واعترف قائلا بعصبية :
_ آه عملت كده ، ومش هسمح لمخلوق يأذي اخويا زايد تاني ، كفاية بقا حرام عليكم .. خليه يفرح شوية ! … أنتم عايزين منه إيه !! … هو بعيد عنكم ومش مركز مع حد غير نفسه وبس !.
تقدمت نوران اليه وصفعته على وجهه صفعة مدوية جعلت هيثم يبتسم بشماتة وهو يحدق بفادي، فالتمعت عيون فادي بالدموع وقالت أمه وهي تجره اليها من ثيابه :
_ أنت فاكر نفسك إيه ؟! .. خلاص كبرت وهتزعقلي وتصرخ في وشي وتعرفني الصح من الغلط ! … أنت حتة عيل ابن امبارح ولا فاهم أي حاجة … زايد اللي بتدافع عنه ده يوم ما يوصل لهدفه أول واحد هيدوسه تحت رجليه هو أنت ! .. وهيثم اللي بقيت شايفه شيطان وعدوك هو أخوك وضهرك … محدش هيخاف عليك زيه يا غبي ! ..
هتف فادي بعتف وهو يبك :
_ من أمتى وهو أخويا وضهري ؟! .. طول عمره بيقلل مني وبيتريق عليا ! .. أمتى خاف عليا ؟! .. أمتى وقف جانبي في حاجة حصلت ؟! … أمتى حسسني أنه أخويا ؟!
زايد هو اللي كان أبويا وأخويا .. كنت ببقى غلطان ويصلح ورايا ويغطي على غلطي ، مكنتش حتى بحتاج لأبويا لأن زايد كان موجود وواقف جانبي من غير حتى ما أقوله … تقدري تقوليلي هيثم أبنك كام مرة أفتكر أنه له اخ اسمه فادي ؟! …
وتدخل هيثم قائلًا بسخرية وحقد:

 

 

_ ماتحاوليش معاه، زايد غسل دماغه خلاص، بس أنا ليا تصرف تاني معاهم كلهم ..
غضب فادي من هذا التهديد الصريح وأشار لهيثم قائلًا بحسم:
_ أن كنت فاكر أن مش هقدر اكرر اللي عملته عشان احمي زايد تبقى غلطان يا هيثم، ومش هتردد أني احكي لبابا على كل اللي حصل بالتفاصيل … واكيد هيصدقني ..
صفعته نوران مرةً أخرى ورأى فادي وجه غليظ قاسٍ منها لم يره أبدًا، ثم قالت وهي تتظاهر بالبكاء:
_ عايز تروح تقول لأبوك على هيثم، واللي اكيد هيتهمني أنا كمان ! .. ويبقى أنت سبب طلاقي وخراب بيتي مش كده ؟! …. والله لو ده حصل لأغضب عليك ولا أنت أبني ولا عايزة أعرفك تاني لأخر نفس هتنفسه .. ممدوح لو عرف مش هسامحك يا فادي أبدًا…
وقلب نوران بدموعها الكاذبة الطاولة على صدق تصرف فادي، حتى انتبه فادي أن هاتفه يرتفع صوته بإتصال هاتفي، فتركهما واقفان واقترب للسيارة واخذ هاتفه، ليتفاجأ أن والده هو المتصل، وانتهى الإتصال بتلك اللحظة ليصدم فادي بعدد المكالمات الفائتة !… فقرر الاتصال بوالده، وعندما رد ممدوح صاح بفادي وقال :
_ اتصلت بيك كتير وأنت مش بترد ! … المهم ، تعلالي دلوقتي على بيت أخوك زايد ..
دهش فادي من ذلك الأمر وكاد أن يسأل والده السبب قال الأب بعصبية :
_ من غير استفسار مش وقته ، لما تيجي هفهمك .. ومتقولش لحد ..
أنتهى الإتصال وابتعد فادي عنهما دون كلمة، فقالت نوران بشك :
_ رايح فين ؟!
وقف فادي مكانه حائرًا ، ثم رد عليها بإجابة غير واضحة:
_ خارج … مش طايق اقعد هنا..
علمت نوران أنه يكذب، وأن ممدوح لربما طلب حضوره لذلك يذهب ، وتركته يبتعد بالفعل حتى التفتت لهيثم وقالت بلهفة :
_ أنت عملت إيه خلى ممدوح يسيب كل حاجة ويروح لزايد ، حصله ايه اللي مايتسماش ؟!
ضيّق هيثم عينيه مفكرًا بالتطورات التي حدثت وهو ليس على علم بها، ثم ابتسم بانتصار وقال :
_ يبقى اللي خططتله اتنفذ، حتى وأنا بعيد ..!
لم تفهم نوران جملته وتساءلت :
_ عملت ايه فهمني ؟! ..
أخرج هيثم هاتفه الشخصي وشغل مقطع فيديو كانت تحتفظ به نوران بعدما كانت تراقب من بعيد حالة أبن زوجها بالمصحة النفسية ، وكانت ستستخدمه ضده لولا خوفها من زوجها أن اكتشف الأمر، فشهقت نوران بذعر مما رأته ثم قالت بغضب شديد :
_ هو أنا كنت بوريك الفيديو ده عشان تاخده من ورايا ؟! …
قال هيثم بسخرية :
_ أنا مش فاهم ليه خليتي ممرضة تصوره بالشكل ده لما مش هتعملي بالفيديو ده حاجة ؟! ….
أجابت نوران وهي ترتجف خوفا :
_ لما فكرت ولقيت أن ممدوح مش هيسكت غير لما يعرف مين اللي ورا الموضوع ده ، ولو عرف أني اللي وراه مش هيكتفي بالطلاق ، الله اعلم ممكن انتقامه مني يوصل لفين ..! ، ليه يا هيثم عملت كده ؟! …
غضب هيثم من خوفها هذا وقال بحقد :
_ أنا مش عارف أنتي باقية عليه كده ليه ؟! … ياريتك كنتي عملتي كده مع أبويا كمان مكناش وصلنا للي احنا فيه ! ..
قالت نوران بغيظ :
_ أبقى على أبوك اللي كان بيضربني وكل يوم بيعرف عليا واحدة ؟! … ده أنا صحتي مااتحسنتش ونفسيتي هديت غير بعد طلاقي منه ! …
وتابعت وهي تتنفس بعمق علها تهدأ بعض الشيء :
_ أنا عارفة ممدوح كويس ، مش هيسكت غير لما يوصل لنهاية الخيط ويعرف أني ورا اللي حصل، وساعتها هتبقى الدنيا كلها اتهدت على دماغي … وبدل ما كنت تقصد تخرب بيت زايد هتخرب بيتي أنا !…
ابعد هيثم عيناه عنها بغيظ شديد وإزدراء ، ثم قال بمقت :
_ متخافيش ، هكون وراه في كل خطوة، مش هخليه يوصل لحاجة …

 

 

هتفت به نوران بعصبية :
_ أوعى تكون ظهرت نفسك في اللي حصل ! … أنت عملت ايه بالضبط احكيلي.
اغتاظ منها هيثم أكثر وصاح بها :
_ آه أنا اللي وريت فرحة الفيديو بنفسي، على تليفون مش تليفوني اصلا، ولو قالت كده هكدبها، لأن مافيش دليل أني كلمتها اصلا ، حتى البنت الكوافيرة اتعاملت معاها بحيث لو حد كلمها وسألها … والأوضة اللي فرحة كانت فيها مافيهاش كاميرات ، أنا كنت مرتب كل حاجة .. ولو يعني حصل وقالت أن انا اللي قولتلها هقلب عليها الترابيزة وهكدبها وهقول أنها حطاني في دماغها … فهمتي انا وصلتلها الفيديو بنفسي ليه ؟! ..
لم تطمئن نوران بقوله بل توترت أكثر وتوقعت أبشع السيناريوهات الممكنة الحدوث، فلا ممدوح بالرجل الساذج ولا زايد سيترك الأمر يمر مرور الكرام .. !
**********
وبالقصر الجنوبي …
أنتهى الأمر بجيهان بعد أن حثتها الطفلة ” أشهاد” على سرد بعض القصص قبل النوم لخلود الثلاث فتيات الصغيرات للنوم ، وكانت أشهاد كالطفلة ذات الأشهر وهي ترمي رأسها على صدر أمها وتتيه بغفوة في أمان وسكون …
نظرت جيهان لها وربتت بحنان على رأسها بابتسامة دافئة ، حتى سمعت ضجيج يصدر من الشرفة !
فتسحبت بهدوء وتوجهت لشرفة الغرفة لترى ما يحدث ، حتى وجدت الستون طفلا يتجمعون أمام البوابة الرئيسية للقصر ويصيحون بإتجاه الخارج ويشيرون إليه وكأنهم يرون شبحا .. فنظرت بإتجاه أنظارهم حتى رأت ذلك المجرم يقف خارج البوابة الحديد، وينظر لهم بنظرات توعد وتهديد، ويهز البوابة بعنف في محاولة مستميتة لفتحها !! ..
ابتلعت جيهان ريقها بخوف وهي تراه بهذه الحالة الشرسة والعدوانية، وإزداد خوفها عندما صاحت أشهاد بصرخة خوف وهي تقول:
_ في ايه ؟ .. العيال بيصرخوا كده ليه اكيد في حد غريب ! ..
هرعت اليها جيهان وضمت جسد أشهاد الصغير الذي يرتجف بقوة قائلة:
_ مافيش حاجة يا حبيبتي ، ده … ده الولاد بيلعبوا بس ..
قالت أشهاد وهي تهز رأسها برفض:
_ لأ … في حد غريب .. أنا عايزة أبويا .. حد يتصلي بيه .. ياريته ما سابنا ومشي .
دهشت جيهان للحظات وشعرت بغرابة في الأمر ، وقالت :
_ حاضر ، هخلي حد يتصلك بيه بس أهدي الأول ، وأنا هروح وأشوف في إيه ..
بكت أشهاد وهي تتمسك بجيهان قائلة بتوسل :
_ لا متسبنيش خليكي هنا ..

 

 

فضمتها جيهان بشفقة وحنان حتى انتبها لأصوات ضحكات طفولية صادرة من الخارج … وهنا ذهبت جيهان للشرفة مجددًا لترى ذلك المجرم يفر بعدما أصيب برأسه ويبدو أن احدهم دفعه بحجارة صوب رأسه … وابتسمت رغما عنها عندما رأت الأطفال يحملون صديقهم المناضل “شامي” بفخر ويهتفون مناصرةً له، فنزل شامي وهو يلوّح لهم ووقف امامه شاندو قائلًا وهو يضع يده غلى كتف شامي :
_ كنت عارف أنك قدها يا صاحبي … رزعته طوبة فلقت دماغه خليته مش عارف هو كان جاي من أي طريق…!
رد شامي بثقة :
_ دي حاجة بسيطة يابني … ادخلوا ناموا يا عيال واطمنوا ..
هتف عصفور به موافقا وقال :
_ أيوة يا كبيرنا هنام واسهر انت احمينا بقا…
جر شاندو عصفور وقال بغيظ:
_ كلنا هنسهر وهنحمي القصر، محدش يتحرك.
حاول عصفور الفكاك من يد شاندو كالارنب العالق، وقال معترضا :
_ واحنا نسهر ليه أنا عايز اتخمد .. الدنيا ساقعة.
قال شاندو له :
_ عشان كلنا مسؤولين عن القصر، وكمان نبقى صاحيين لو رجع تاني … لما نبقى كلنا موجودين هنقدر عليه ونشتته …
ودارت مجادلة مضحكة بين شاندو وعصفور جعلت جيهان تتسع ابتسامتها، ودخلت للغرفة تطمئن أشهاد التي استقبلت جيهان بذراعين مفتوحتان … وضمتها جيهان قائلة بأطمئنان :
_ يظهر كده أن شامي ضرب الغريب اللي كان عايز يفتح البوابة ، وخلاص مشي … اطمني ..
قالت أشهاد بابتسامة واسعة وهي تمسح دموعها :
_ شامي بيقدر على أي حد … كان دايمًا بيحميني ويدافع عني واحنا في الشارع ..
لم تفهم جيهان ما قالته أشهاد للتو، خصيصا أنها ذكرت أن لها أبًا وهو مالك هذا القصر المخيف ! … وقطع أفكارها صوت دق على باب الغرفة ، فنهضت جيهان وتوجهت لتفتح الباب ، حتى وجدت شامي وشاندو يقفان أمامها وقالت بقلق :
_ في حاجة حصلت تاني ؟
طمئنها شامي وقال :
_ لا مافيش ، بس مش هينفع تخرجي من القصر غير لما نتأكد أن الراجل ده بعد عن الطريق … مش هينفع تمشي والطريق مش أمان ..
ابتلعت جيهان ريقها وقالت متسائلة :
_ يعني مافيش أي حد هنا ينفع يوصلني ؟
قال شاندو بتأكيد :
_ الزعامة … هو الوحيد اللي يقدر يوصلك لأي مكان انتي عايزاه ومحدش هيقدر يبصلك بصة..
نظر له شامي بقوة كأنه يعاتبه على قوله، فصمت شاندو بضيق ، وقالت جيهان مستفهمة بتوجس:
_ مين الزعامة ده ؟!
رد عليها شامي بحيرة :
_ ده صاحب المكان، بس مش عارفين هيرجع أمتى، خلينا بس الأول نشوف الراجل المجرم ده هيرجع تاني ولا لأ … ارتاحي أنتي مع البنات وما تقلقيش، لما نلاقي الطريق أمان هنقولك.
شعرت جيهان أنهم يخفون شيء عن مالك هذا المكان، وأن هناك شيء خطير يلتف حول ذلك الرجل الغامض … فقالت وهي لا ترى أي مسلك أمامها سوى الموافقة :
_ خلاص ماشي ..

 

 

ودخلت جيهان الغرفة، حتى وجدت أشهاد تجلس بالفراش منتظرة عودتها، فتوجهت اليها مرة أخرى وشعرت للحظة بالأمومة اتجاه تلك الصغيرة المسكينة، فقالت أشهاد بحزن التمع بعينيها:
_ أنتي هتمشي ؟
ربتت جيهان على رأسها بلطف وقالت بصدق :
_ آه همشي يا أشهاد، بس مش دلوقتي ..
بكت أشهاد وقالت :
_ بس هتمشي في الآخر … أنا حبيتك أوي .
ضمتها جيهان وتعجبت من الرابط الغريب الذي علقها بتلك الطفلة وقالت :
_ وأنا كمان حبيتك أوي … أول مرة في حياتي أحب حد بالسرعة دي !.
قالت أشهاد لها برجاء يرق له القلوب :
_ يبقى ما تمشيش وخليكي هنا، صدقيني هو مش بيحب يزعلني وهيسيبك هنا معايا ..
تعجبت جيهان وقالت باستفسار:
_ تقصدي مين ؟!
أجابت أشهاد ببراءة :
_ بابا ..
وتابعت وهي تمسح دموعها :
_ هو بيكره أي حد غريب يدخل القصر، لكن لو كلمته عنك هيسيبك .. عشان عارف لو زعلت بعيط وعنيا بتفضل توجعني …
وهنا امتلأت جيهان بالشك والتوجس من ذلك الرجل الغامض الذي لم تره بعد، ولكن ما سبب وجود هذا الكم من الأطفال هنا ؟! .. لا يعقل أنهم جميها أطفاله ! ..
وكانت تريد أن تسأل ، وترددت في ذلك، حيث شعرت أنها تتدخل فيما لا يعنيها ، فقالت :
_ طب امسحي دموعك ويلا نرجع ننام تاني .
ابتسمت أشهاد وقالت وقد تحوّل حزنها لبهجة :
_ احكيلي بقا حكاية زي اللي حكيتيهالي ..
وتسربت براءة تلك البهجة لقلب جيهان وابتسمت بمحبة غريبة وصادقة لتلك الطفلة، خصيصا أنها تذكرها بالصغيرة ريميه وتشبع قلبها المشتاق لها ..
***********
ظل ذو اللحية السوداء يبحث عن ذلك الدواء حتى وجده بصعوبة … وعندما عاد لمصنع الملابس أخبره أحد العمال أن الكمية ستجهز تمامًا بمساء الغد … فتنهد أكرم بضيق وقرر العودة للقصر …
ولكنه وجد الزحام وعربات الشرطة لا زالت بالطريق ! … وهنا وقع الشك بقلبه أن الأمر أكبر مما يظن ويفكر، فسأل أحد المارة بالطريق والذي أخبره :
_ في جريمة قت*ل حصلت على الطريق، وواحد اتنقل المستشفى والبت اللي معاه متصابة، في ناس بتقول اتنقلت للمستشفى وفي ناس بيقولوا هربت، والطريق هيفضل كده ممكن لحد يومين كمان ! ..
فهم “أكرم” سبب أزحام عربات الشرطة وبعض الصحفيين ، ولكن العائق أمامه الآن هو كيف يمر من هنا والطريق تقريبًا مغلق ؟! …

 

 

فعاد لسيارته وقرر البقاء فيها حتى مساء الغد ، ربما استطاع إيجاد حل أو تنكشف الغمة ويعود الطريق خاليًا وينفض ذلك الزحام..
***********
وبمنزل زايد ..
كانت فرحة جالسةً على مقعد بعيد تنتظر خروج الطبيب من غرفة زايد، وذلك بعدما أتى فادي واستطاع دخول الغرفة بإعجوبة متسللا من الحديقة حتى الشرفة .. وظل مع الطبيب بداخل الغرفة ..
ورافقهم ممدوح أيضا .. وكانت جالسة كأن لا روح فيها بوجه شاحب هربت منه الدماء ..
وفجأة دبت فيها الحركة بخروج والد زايد وهو يندفع وجهتها ويسألها بعدما عاتبه الطبيب بعصبية :
_ أنتي عملتي في أبني ايه ؟! .. كل ما اجيب سيرتك يصرخ ورافض يشوفك ؟! .. قولتيله إيه خلتيه كده انطقي ؟! ..
تجمدت فرحة للحظات ثم قالت وهي تبك :
_ انا ما عملتش حاجة ، أنا وريته الفيديو اللي شوفته وصدمني وكنت عايزة أعرف لو كان حقيقي ولا لأ … شوفت زايد بيصرخ في الفيديو وبيعترف انه اللي قت*ل أمه …
صاح ممدوح بها في شراسة وقال بعدما فاق من صدمته بأن هناك مقطع مصور لأبنه بتلك الحالة :
_ محصلش ، ابني بريء وماعملش كده ، وبعدين فين الفيديو ده وجبتيه منين؟! ..
نظرت فرحة للهاتف المهشم الذي أصبح قطع متناثرة وقالت :
_ زايد كسر التليفون بمجرد ما شافه … وهيثم السبب ، حتى اسأل فادي أبنك ..
صدم ممدوح للحظات بما قالته فرحة، ثم قال :
_ لو كلامك ده صح أنا هيبقى ليا تصرف تاني مع الحقير ده، بس أنا مش هسامحك على اللي عملتيه في زايد أبني والحالة اللي وصلها .
كانت تبك وتنتفض من ما آلت إليه الأمور، وكادت أن تتحدث حتى أتى اليهنا فادي وقال وعينيه مليئة بالدموع شيء جعل فرحة تتجمد وتحدق فيه بذهول :
_ زايد مفتح عنيه ومش بيرد علينا ، والدكتور مصمم ياخده للمصحة وبيقول دي أعراض انتكاسة … ولو ده حصل يبقى كده زايد أخويا أنتهى …
ووجه فادي حديثه لفرحة بعتاب شديد وقهر ودموع:
_ كنت فاكر أنك هتكوني فرحته، بس طلعتي الخطوة الأخيرة لنهايته ودماره …
صرخت فرحة فيهما وقالت :

 

 

_ انا ماليش ذنب في اللي حصل، أنا مكنتش عارفة أنه هيوصل لكده ولا أعرف عن حالته شيء، أنتم كلكم خبيتوا عني اللي حصله … ولو في متهم يبقى مش أنا ..
واندفعت فرحة لغرفة زايد واقتحمتها رغم اعتراض كلا من ممدوح وولده فادي .. وعندما دخلتها وقفت مصدومة من الممدد على فراشه وينظر للفراغ كأنه ينظر لعالم آخر ولا يستجيب لحديث الطبيب …
وبتلك الدقيقة أتى ممدوح وجذبها بعصبية لخارج الغرفة حينما قال الطبيب بتصميم :
_ لازم يتنقل المستشفى حالًا …
فهتفت فرحة قائلة بصراخ :
_ لو اتنقل هفضل معاه مش هسيبه ، محدش هيقدر يمنعني أشوفه وأبقى جانبه ده جوزي ! …
صاح بوجهها ممدوح وقال :
_ وأنتي مين قالك أنك هتفضلي على ذمته بعد النهاردة ؟!
حدجته فرحة بذهول حتى نطق زايد بكلمات متقطعة تحت صدمة الجميع :
_ أنا … مش هروح …المستشفى ..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *