روايات

رواية براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2) الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم أميرة مدحت

رواية براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2) الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم أميرة مدحت

رواية براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2) البارت الرابع والعشرون

رواية براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2) الجزء الرابع والعشرون

براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2)
براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2)

رواية براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2) الحلقة الرابعة والعشرون

أتسعت عيناه من هول الصدمة، تصلبت أطرافه وشعر أن دقات قلبه توقفت عن النبض للحظة، أغمض عينيه بقوة ثم فتحهما ليتأكد مما ألتقطته أذنيه، نظر له غير مصدق متسائلاً ببلاهة :
_حـامل!!..
هز الطبيب رأسه مُبتسمًا، سحب نفسًا عميقًا وزفره على مهل، حرك رأسه بإبتسامة مشرقة ثم أشار بيده قائلاً :
_الحمدلله، ألف حمد وشكر ليك يارب، شُكرًا جدًا يا دكتور على تعبك.
قال الطبيب “سامح” بودًّ :
_مفيش تعب ولا حاجة، المهم ألف مبروك.
بادله إبتسامة وهو يرد :
_الله يبارك فيك.
أخرج عدة أوراق نقدية من جيب سترته ثم أعطاه له وهو يشكره، تحركا ناحية باب المنزل بخُطوات هادئة ثم فتح “إيهاب” له الباب وهو يودع الطبيب بإبتسامة شاكرة، أنصرف الطبيب فـ أغلق الباب ثم مسح على شعره بقوة غير قادرًا على الإستيعاب، سار بخُطوات متعجلة نحو غُرفته، فتح باب الغُرفة بعد أن رسم على وجهه علامات الجدية، أعتدلت “مُنى” في جلستها وهي تحدق في وجهه الجاد بتوجس، سألته بريبة :
_في إيه يا إيهاب؟؟.. الدكتور قال إيه؟؟..
نظر لها بملامح غير مفهومة، صمت للحظاتٍ قبل أن يُجيب بنبرة عادية :
_قال إنك حامل.
ذُهلت.. صُدمت.. شهقت بعدم تصديق مرددة :
_إيـــه !!.. إزاي ؟؟..
أخفضت عيناها وهي تحاول الإستيعاب، سألها “إيهاب” بوجهٍ جامد :
_إنتي نسيتي قبل كده تاخدي الحباية؟؟..
ردت عليه على الفور بدون تفكير :
_لأ، أنا مفيش ولا مرة نسيت أخد الـحـ..
بترت عبارتها بغتةً حينما تذكرت ذاك اليوم الذي نست فيه أن تأخذها، أخفضت نظراتها وعضت على شفتها السفلى وهي تقول بأسفٍ :
_آسفة، بس أنا فعلاً نسيت مرة.
رفعت عيناها ناحيته لـ تسأله في شئ من الخوف :
_إنت مضايق مني؟؟.. بس أنا والله ما كان قصدي وكمـ…
قاطعهـــــا بصوتــه الجاد بعد أن رفع حاجبيه للأعلى :
_ومين قالك إني مضايق؟؟..
بلعت ريقها بخوفٍ وقلبها يُكاد يقف من كثرة القلق من ردة فعله بعدما علم تلك الحقيقة، تابع بإبتسامة مشرقة :
_أنا صحيح كنت مش عاوز أخلف دلوقتي، بس ده مش يمنع إني أسعد واحد فالدنيا عشان إنتي شايله حتة مني ومنك!!..
لمعت عيناها بـ بهجة لـ يُضيف بتنهيدة :
_في فرق يا حبيبتي إني عاوز أأجل خلفة، وإني مش عاوز أخلف أصلاً، أنا كنت عاوز أقضي أكبر وقت معاكي من غير مسؤلية العيال، بس ربنا أراد أننا نخلف، هنعترض!!..
جلس بجوارها على الفراش ثم جذبها من خلف عنقها ليسند جبينه على جبينها قائلاً :
_أنا بحبك يا مُنى، وصدقيني أنا أسعد إنسان فالدنيا دلوقتي.
نطقت “مُنى” بعد صمتها الطويل :
_آخر حاجة أتوقعها إنك تقول كده، أنا أفتكرتك هتضايق!!..
قال بهمسٍ جـاد :
_في ناس بتتمنى النعمة دي، ومش قادرة تطولها، لما ربنا يبعتلي النعمة دي، المفروض أعمل إيه؟؟.. أكيد لازم أبقى أسعد واحد فالدنيا.
قال كلمته الأخيرة وهو يبعد جبينه عن جبينها، لـ يضم جسدها بداخل أحضانه، تنهد تنهيدة حارة، ثم رسم على محياه إبتسامة واسعة سعيدة، قَبّل عنقها قُبلة صغيرة.. رقيقة.. ناعمة..، ثم أخذ يستنشق عبيرها الذي يجعله في حالة جنون، تعلقت به بذراعيها وهي تقول بخفوت :
_ربنا يخليك ليا يا إيهاب، أنا بحبك أوي.
رد عليها وهو مغمض العينين :
_أنا أكتر يا روح إيهاب، ربنا يقدرني إني أحافظ عليكي إنتي وإبني، وأسعدكم على أد ما أقدر.
تابع بهمسٍ :
_أنا عرفت إيه هي السعادة لما دخلتي حياتي، يا أحلى حاجة حصلتلي فالدنيا دي.
**************
أتجه “عزّ الدين” بصحبة زوجته إلى العيادة النسائية حسب الموعد المتفق عليه، رحبت بهم الممرضة وأصطحبتهم لغُرفة الكشف لمعرفة نوع المولود، تحمس كثيراً لـ رؤية قطعة منه ومن معشوقتهُ تنبض بالحياة، تمددت “ياسمين” على الفراش بينما وقف “عز الدين” مستقيماً، رحبت بهم الطبيبة ثم جلست على مقعدها المجاور للفراش، وقامت بوضع السونار الطبي على بطن مريضتها بعد أن كشفت على جزء من ثيابها، فبدأت الممرضة تؤدي عملها بدقة، دقائق صغيرة للغاية مرت.. فتساءل “عزّ الدين” بقلق :
_إيه الأخبار؟؟..
ردت الطبيبة بجدية :
_كله تمام يا مستر عز، الجنين نموه طبيعي ومفيش مشاكل في العمود الفقري.
تنفس بإرتياح ثم نظر لمعشوقته مُبتسمًا بحماس بيّن، تابعت الطبيبة بإبتسامة :
_واضح إنه هيطلع شقي.
سألتها “ياسمين” بدهشة :
_هو ولد؟؟..
حركت رأسها إيجابياً مرددة بهدوء :
_أيوة.
ألتفتت برأسها نحو “عزّ الدين” تطالعه بدهشة، بينما زادت نبضات قلبه بشدة، حاول تمالك نفسه بصعوبة، يشعر بأن قلبه يرقص من شدة السعادة، دقيقتان وكانت أنصرفت الطبيبة والممرضة، عدلت “ياسمين” كنزتها، في حين أنتظر ذهابهما، ليجلس على طرف الفراش، حدق فيها مطولاً بنظرات مليئة بالشغف وهو يردد :
_أنا فرحان جدًا يا ياسمين، فرحان أوي، حاسس إني خلاص هطير من السعادة.
ألتقط كفها بين راحتيه هامسًا :
_أنا مش قادر أصدق.
أدمعت عيناها تأثراً قائلة بسرور :
_وأنا كمان، مش مصدقة خالص، أنا فرحانة أوي يا عز.
أحنى رأسه عليها مقتربًا من شفتيها ليهمس بصوت واثق:
_أستعدي، آخر الأسبوع هنسافر، وإن شاء الله هقدر أسعدك.
أغمضت عينيها من قربه الهالك لها، شعرت بأنفاسه الحارة تلهب صفحة وجهها، وشعرت أيضاً وهو يطبع قُبلة حــــارة على شفتيها، أنحبست أنفاسها، بينما هو يبث لها حبه وعشقه الجارف لها، تراجع عنها بعد لحظات خوفًا من دخول الطبيبة عليهم، قال لها بنبرة لا مثيل لها من العشق :
_بحبك جدًا يا بنت صابر .
فتحت عيناها ببُطء، وقبل أن يتحدث.. صدح صوت رنين هاتفه، فـ أمتعضت ملامحه بشدة، أخرج هاتفه من جيب بنطاله موجهًا بصره الحاد على أسم المتصل، لانت ملامحه بدرجة متوسطة عندما رأى أن المتصل هو الضابط المباحث الذي يتابع معه كل شيء تخص “رأفت الحديدي”، ضغط على زر الإيجاب ثم وضع الهاتف على أذنه مجيباً :
_آلو.. أيوة، في جديد؟؟..
أجاب الضابط بصوت أجش :
_الخطة خلاص أتلغت، رأفت الحديدي أتقبض عليه من ساعتين.
هب واقفًا وهو يتسائل بصدمة رغم حدة نبرته :
_إزاي؟؟..
رد عليه الضابط وهو يمط شفتيه للجانب :
_إبنه جه وبلغ عنه بجريمة قتل عمد، وكان ضحيتها “عباس”، وقال عن مكان الجُثة، ولما فتشنا في المكان إللي قال عليه لقينا ٣ جُثث لغاية دلوقتي، والله وأعلم في جُثث تانية ولا لأ.
رفع حاجبيه للأعلى مردداً بذهول :
_يعني طائف رأفت الحديدي هو إللي بلغ عن أبوه؟؟..
أكد له الضابط ذلك الخبر، فهتف الأخير بصلابة :
_أنا جاي حالاً.
أغلق الهاتف بعدها، ثم وجه نظراته الواثقة ناحية “ياسمين” التي تطلع إليه بفضول، هتف بإبتسامة منتصرة :
_مش قولتلك هنرتاح قُريب.
سألته بتوجس :
_قصدك إيه ؟؟..
لاحت إبتسامة مريحة على ثغره وهو يستشعر إحساس الخلاص من هذا الهمّ، رد وقد تقوس فمه للجانب بإبتسامة قاسية :
_رأفت الحديدي أتقبض عليه.
**************
خرجت “روان” من مقر الشركة وهي تتنهد بضيق، فـ مُنذ ما حدث وهي تشعر بذلك الإحساس، ولا تعلم السبب!!.. أستقلت إحدى السيارات الأجرة وبعد عدة دقائق وصلت لمنزلها المتواضع، أعطته بعض من النقود ثم تحركت لـ داخل البناية، دخلت المصعد وهي تطلق زفيرًا حارًا، ثوانٍ أخرى مرت وكانت أمام عتبة منزلها، فتحت باب منزلها ولكن شهقت بفزع حينما جذبها “طائف” من معصمها فجأة بدون مقدمات، دفعها للداخل ثم أغلق الباب بيده الأخرى وهو مازال قابض على معصمها، حدقت في عينيه التي لا تزال ظالمة ظلام دامس، هتفت بنبرة خافتة :
_طائف.
هتف بنبرة قوية :
_أبويا أتقبض عليه خلاص، أتقبض عليه يا روان.
هتفت بعدم إستيعاب ونظرات مصدومة :
_إيـــه؟؟.. إنت بتقول إيه يا طائف؟؟..
صاح في وجهها :
_بقولك أتقبض عليه، أنا بلغت عنه.
لم تتحدث، فالصدمة عقدت لسانها عن اللفظ، هتف بعينين حزينتين رغم قوة لهجته :
_عاوزة إيه أكتر من كده؟؟.. قوليلي ؟؟..
نطقت بهمسٍ وقد أدمعت عيناها :
_مش عاوزة حاجة، طائف أنا كنت خايفة منه وبس!!.. تحب أعملك إيه؟؟..
صرخ في وجهها بقهر :
_عاوزك تحبيني!!..
أشارت بيدها مرددة بصدق :
_طب أنا فعلاً بحبك، وبحبك جدًا فوق ما إنت تتصور يا طائف.
تخدرت أحزانه، وسكنت أوجاعه مع أعترافها بحبها له، أرخى “طائف” قبضته عن ذراعها متراجعًا بجسده للخلف، تهدجت أنفاسه بقوة، بينما قالت “روان” بإبتسامة راضية :
_أنا كنت خايفة من أبوك، بس أنا بحبك يا طائف من زمان، وأنا واثقة أن نصيبنا مع بعض يا طائف.
تسائل بعشق الذي أرهقه :
_يعني إني فعلاً بتحبيني!!..
هزت رأسها إيجابياً وهي ترد دون تفكير :
_طبعًا.
أقترب منها متسائلاً بصوتــه الخفيض :
_يعني تقبلي تتجوزيني؟؟..
أرتجف جسدها بعد تلك المشاعر التي أجتاحتها، خانته عبراته غير مصدقًا، فـ وضعت يدها على صدغه تمسحها برفق قائلة بنبرة نابعة من فؤادها :
_طبعاً موافقة يا طائف.
**************
جلس “عزّ الدين” في غرفة ضابط المباحث منتظراً حضور عدوه، بعد معرفته ما حدث، أنفتح الباب وترك المجند “رأفت” ثم أغلق الباب، أرتكزت نظرات “عزّ الدين” المنتصرة عليه، بينما الأخير ينظر له بثبات زائف، تحدث هو أولاً قائلاً بسخط :
_جاي ليه يا إبن السيوفي؟؟..
أضاف وهو يشير بإصبعيه :
_أوعى تفتكر إني وقعت خلاص، أنا مش لوحدي، أنا ورايا ناس مش هيسبوني.
هتف “عزّ الدين “بثقة :
_قصدك على منصور والـ Boss بتاعه؟؟..
خيم الصمت على المكان، إبتسامة قاسية واثقة أعتلت ثغره، هب واقفاً ليقف قبالته مكملاً بفحيح :
_إنت أتخدعت يا رأفت.
بلع ريقه بصعوبة، أنحشر صوته في جوفه، وبدا واهناً للغاية حينما سأله :
_قصدك إيه ؟؟..
تحدث من زاوية فمه قائلاً ببساطة شريرة :
_أقصد أن منصور يبقى واحد من رجالتي، والـ Boss يبقى أنـا، أنا الـ Boss يا رأفت يا إبن الحديدي.
أتسعت حدقتاه وهو يقول بصراخٍ هادر :
_إنت كـداب!!..
تابع “عز الدين” بخشونة :
_لأ دي الحقيقة، أنا عملت كده، عشان تُقع لما تستلم شُحنة المُخدرات فـ يتقبض عليك.
أضاف بسُخرية :
_بس متوقعتش أن إبنك هيبلغ عنك.
حملق فيه بصدمة غير مصدق، تهدل كتفيه وسقطت يداه بجانبه وقد إزداد شحوب وجهه، سقط “رأفت” أمامه على رُكبتيه ثم وضع يده على صدره ناحية موضع القلب وصرخ بألم واضح :
_آآآآآآآآآآآآآه !!!..

كانت الساعة تدق الثامنة مساءً، حينما عاد “طائف” إلى منزلـه، تنفس بـ عُمق وهو يشعر شئ من الضيق والحُزن، فقد علم مُنذ ساعة بأنه تم نقل والده إلى المشفى بعد إصابته بـ جلطة في القلب، حُزن عميق سيطر على تعابير وجهه رغم جموده، أحنى رأسه حُزنًا، أخذ يصدر تنهيدات مريرة، وظل على تلك الحالة المنكسرة لـ بعض الوقت، كان ينتفض فؤاده من بين أضلعه كلما تذكر حقيقة والده السيئة.
بعد قليل، حرك رأسه ينفض تلك الذكريات عن رأسهِ، نهض من مكانه متوجهًا نحو غُرفته، فـ جسده منهكًا وهو بحاجة إلى راحة، ولكن قبل أن يتجه إلى غُرفته، أستمع إلى صوت رنين جرس باب المنزل، نفخ بضجر ثم سار نحوه بخُطوات بطيئة، أمسك بالمقبض وأداره فـ أنفتح الباب على مصراعيهِ، ظهر “إيهاب” من خلف الباب وعلى ملامح وجهه القلق، رمقه “طائف” بتعجب وظهر ذلك بوضوح في لهجته حينما قال إسمه :
_إيهاب!!..
دخل “إيهاب” المنزل وهو يتسائل بتبرم :
_إيه يا طائف؟؟.. بقالي خمس ساعات بتصل بيك وموبايلك مقفول!!..
رد بإقتضاب :
_معلش، الموبايل فصل شحن.
كاد أن يغلق الباب ولكن منعه “إيهاب” بذراعه وبقوله :
_إستنى، في ضيوف معايا.
رفع حاجبيه بدهشة :
_ضيوف!!..
ألتفت “إيهاب” بجسده نحو الباب وهو يُصيح بصوته الرجولي القوي :
_تعالوا يا جماعة.
ضيق “طائف” عينيه بإستغراب وقد أعتراه الفضول، تلاشى ذلك التعجب وأحتلت ملامحه الذهول عندما وجد الذئب يدلف داخل المنزل برفقة زوجته، أتسعت عيناه أكثر وهو يرى زوجة “إيهاب” تدخل برفقة معشوقتهُ “روان”، إشتعل الحماس بداخله حينما رأها بينما هي طأطأت رأسها بخجلٍ، رمقهم بنظراتٍ مذهولة عاجزًا عن التفكير، أشار لهم بإتجاه غُرفة صالون، فـ تحرك الجميع وهو خلفهم.
دقيقة واحدة.. وكان الجميع جلس وعلى شفتي كُلاً منهم بسمة صغيرة ماعدا “عز الدين” الذي قال وهو يسترخى أكثر في جلسته :
_طبعًا مستغرب وجودنا هنا.
حدق فيه “طائف” بتوتر حائر، في حين تابع “عزّ الدين” بإبتسامة واثقة :
_إحنا هنا عشان نبقى جنبك.
زوى ما بين حاجبيه متسائلاً بإستغراب :
_مش فاهم!!..
رد “إيهاب” عليه موضحًا بإبتسامة :
_طائف، أوعى تفتكر إنك لوحدك بعد إللي حصل لأبوك، إحنا كلنا معاك، إنت شخص كويس جدًا، عندك مبادئ وقيم مش موجودة في الزمن ده، وربنا مش هيسيبك أبدًا لوحدك.
تابع “إيهاب” وهو ينظر حوله :
_وإحنا كمان مش هنسيبك.
قالت “ياسمين” بحماسٍ :
_طب خلينا ندخُل في الأهم.
رمقها “عز الدين” بـ عينيَّ مُخيفة، بعد أنا هاجمت نار الغيرة قلبه قبل صدره وجسده، بلعت ريقها بصعوبة بالغة وتراجعت بجسدها للخلف لكي تسند ظهرها على مسند الأريكة، بينما سأل “طائف” بإستغرابٍ أشد :
_وإيه هو الأهم؟؟..
ردت “مُنى” عليه وهي تنظر بإتجاه “روان” :
_إحنا عرفنا إنك بتحب روان، وهي كمان بتحبك أوي.
تلقائيًا منه نظر بإتجاهها، إبتسم إبتسامة مشرقة وهو يرى خجلها الواضح، بينما تابعت “مُنى” مُبتسمة :
_وعشان كده، إحنا جينا وبنقترح، أن كتب كتاب يبقى بعد بُكرا، إيـــه رأيـك؟؟..
تورد وجه “روان” وتدفقت الدماء الدافئة في عروقها، أرتسمت إبتسامة واسعة على ثغره غير مصدقًا ما يسمعه، خفق قلبه مُتحمسًا، قرر الذئب أن يتلاعب بـ أعصابه، حيثُ قال بـ حاجب مرفوع وهو يقول بمكرٍ :
_مالك؟؟.. شكلك مش موافق، فـ أنا بقـو….
وجد ذاته يهب واقفاً صارخًا بـ :
_لاااااااااااأ !!..
حدق فيه الجميع بإبتسامة ذات مغزى مليئة بالتسلية، عاد “طائف” يجلس على المقعد وقد أنتبه لـ فعلته، إبتسم بحرج وهو يخلل أصابع يده فروة شعره تنفس بـ عُمقٍ لـ يضبط أنفعالاته محفزًا نفسه على النهوض مرة أُخرى وعلى التحرك نحوها.
نهض من مكانه بالفعل وهو يُردف بـ :
_أنا عن نفسي موافق جدًا جدًا.
أخفضت “روان” رأسها بخجلٍ جامح، تحرك نحوها وعيناه لا ترى غيرها، لأولُ مرة يرى هذا الإشراق الذي بداخل نظراتها المُتحمسة، وقف أمامها ثم أنحنى بجسده لـ يلتقط كف يدها، رفعت رأسها إليه وهي تقف، تلاقت أعينهم العاشقة، بدأ “طائف” بالحديث حيثُ قال وهو يرسم إبتسامة مُفتعلة على شفتيهِ :
_المهم إنك إنتي تبقي موافقة.
ردت بدون تفكير :
_ولو أنا مش موافقة كنت هاجي هنا من الأول؟؟..
قال بأنفاس مُتقطعة :
_أنا حقيقي مش قادر أصدق، يعني تقبلي تتجوزيني ونكمل حياتنا إللي جاية مع بعض؟؟..
قال كلماته الأخيرة مُتسائلاً بنظرات الشغوفة بـ حُبها، حبست العبرات في حدقتيها وهي تومئ برأسها :
_موافقة طبعـًا.
همس بعذوبة :
_طب سامحيني فإللي هعمله دلوقتي.
قبل أن تتسائل عن مقصده كان أحنى رأسه على جبينها لـ يطبع قُبلة مطولة عليه، أستشعرت سخونة أنفاسه على بشرتها كما دبت القشعريرة جسدها، أرتسمت علامات الإندهاش على محياها وقد أتسعت عيناها إتساعًا طفيفا من الصدمة، أخترق صوتـه الهامس أذنها وهو يقول بـ نعومة :
_بحبـك يا روان.
**************
بعد مرور ساعة، كان “عزّ الدين” يدلف خارج المرحاض، كان عارياً لا يرتدي سوى بنطال، أعتدلت “ياسمين” في جلستها على الفراش عندما وجدته خرج، إتجه نحوها ثم جلس بجوارها مُبتسمًا، وقعت عيناها على ذلك الوشم المطبوع على صدره ناحية موضع القلب، مدت أناملها تتحسس هذا الوشم وهي تهتف بهمسٍ خافت :
_على رغم إني سعيدة إنك عملت إسمي بالوشم على صدرك، إلا أنا مش حباه عشان الوشم حرام.
سكت للحظاتٍ قبل أن يُجيب بصوتٍ جدًّ :
_أنا كنت حابب أشوف أسمك دايمًا، فـ عشان كده عملت إسمك بالوشم على صدري، أنا مكنتش أعرف أن الوشم حرام وإنك مش حباه.
قالت بصوتٍ خفيض وهي تبعد يدها عنه :
_ماشي.
نظر لها نظرةً أخيرة قبل أن ينهض من مكانه متوجهًا نحو خزانة ملابسه، جذب من داخلها تيشرت باللون الأسود وأرتداه بهدوءٍ، عاد إليها ثم جلس أمامها مرددًا :
_أنا كنت تعبت الفترة إللي فاتت، بعد ما أعدائي ظهروا من جديد.
إبتسمت “ياسمين” مرددة بثقة :
_بس قدرت تحافظ عليا وعلى نفسك، وخليتهم يبعدوا.
سحب نفسًا عميقًا ثم قال وهو ينظر في عينيها مُباشرةً بتعبٍ :
_خُديني في حُضنك، أسحبي تعبي بـ حنانك وبـ حُبك.
أتسعت إبتسامتها وهي تنظر له بحنان، لتثني ساقيها أسفلها، وضع رأسه عليهما ثم لف ذراعيه حول خصرها دافنًا رأسه بـ بطنها، أخذت تغرس أصابعها بـ خُصلاته الغزيرة تتلاعب بها بحنوٍ لـ يثير الخدر بجسده وغط في سُباتٍ عميق، فهي ملاذه!!..
**************
بعد مرور يومين.. في المساء.. بداخل قصر عائلة السيوفي.
كان الجميع متواجد لذلك اليوم التاريخي بالنسبة إليهم، كانوا مُنتظرين حضور المأذون، وما هي إلا دقائقٌ معدودة وكان قد حضر رجاله بـ صحبة مأذون، أصطحبهم “عزّ الدين” لـ غُرفة المكتب، أشار “إيهاب” للمأذون وهو يأمره بالشروع في إجراءات عقد القرآن، بينما جلست “روان” قبالة “طائف” والذي بداخله الكثير من الحماس والسعادة، هتف للمأذون :
_يالا يا شيخ أبدأ بسُرعــة.
رد عليه المأذون بهدوء :
_الصبر يا إبني، إن الله مع الصابرين.
نفخ “طائف” بنفاذ الصبر، تابع المأذون وهو يوجه أبصاره ناحية “روان” :
_هل أنتِ العروس؟؟..
حركت رأسها بدون أن تنبس بكلمة وعلى وجهها إبتسامة مُبهجة، أمسك المأذون بـ دفتره مرددًا :
_على بركة الله، أين البطايق؟؟..
أخرج “طائف” من جيب بنطاله بطاقته وكذلك هي أخرجتها من حقيبة يدها الصَّغيرة، ووضعتها على الطاولة، بدأ المأذون في كتابة بياناتهم في الدفتر الخاص به ثم أخرج منديلاً قماشيًا أبيض اللون، هتف بصوته الهادئ :
_”وخلقنا لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعلنا بينكم مودة ورحمة”، إيدك يا إبنتي.
بسطت له يدها وكذلك “طائف” الذي قبض على كفها، وضع المأذون المنديل على كفيهما ثم بدأ بـ عقد قرآنهما.
دقائقٌ وكان تم عقد قرآنهما، أمر “عز الدين” كبيرة الخدم بتوصيل المأذون، في حين أحتضن ” إيهاب” “طائف” وهو يهنئه بسعادة، هتف “عزّ الدين” بخشونة :
_يالا يا جماعة، إخرجوا إنتوا، وسيبوا طائف مع روان شوية.
حركت “ياسمين” رأسها مؤكدةً قوله :
_عندك حق، يالا بينا.
خرج الجميع من غُرفة المكتب فـ لم يعد يتبقى سوى “طائف” و”روان”، كانت جالسة وبشرتها متلونة بتلك الحُمرة الطفيفة، تنفس بـ عُمقٍ وهو يدنو منها ممتعًا أعينه بجمالها، أمسك برسغها برفق فنهضت من مكانها ناظرة إليه ببهجة واضحة، حدجها بأعين مشتاقة قبل أن يحتضنها بقوة، دفنت رأسها بداخل صدره وهي تهمس بإسمه دون وعي أو شعور، أستشعرت بالأمان الذي أفتقدته، تذوقت السعادة التي لم تشعر بها منذ سنواتٍ، ظلا هكذا لبضع دقائقٌ حتى تراجع عنها، وضع يده على وجنتها مرددًا بصوته العذب :
_أخيرًا يا روان بقيتي مراتي.
إبتسمت بسرور مُجيبه :
_وأخيرًا إنت كمان بقيت سندي وأماني.
أحتضن وجهها بين راحتيه مؤكدًا بهدوءٍ :
_وهفضل طول عُمري أمانك وسندك، وكل حاجة حلوة هعملها ليكي، إنتي تستحقي أي حاجة حلوة.
لمعت عيناها مستشعرة بـ صدقه، فأضاف وقد أرتفعت تنهيدة العشق من صدره :
_إنتي لحقتيني، كنت هدخُل في طريق نهايته معروفة، بس على آخر لحظة ظهرتي من غير كلام وكأنك كنتي مستنياني، وخدتيني من إيدي وقلبي على الطريق الصح.
برقت عينيها بوميض مغرٍ مليئ بالسعادة، وتشكل على شفتيها إبتسامة ساحرة حفزته على تقدم بتلك الخطوة، أحنى رأسه ببُطء عليها، فـ أغمضت عينيها مستسلمة لما سيقوم به، شعرت به وهو يقبّلها قُبلة رقيقة.. ناعمة، وضعت كفيها على صدره العريض بعد أن أستسلمت، أحاسيس جديدة عليها أجتاحتها فلم تعد تشعر بما حولها، تراجع عنها محاولاً ضبط أنفاسه لاهثة، هتف برقة :
_بحبك يا روان.
ردت عليه بصوتٍ خافت :
_وأنا كمان يا طائف بحبك أوي.
**************
_غمضي عينيكي يا مُنمُن.
قالها “إيهاب” بعد أن رسم بسمة مليئة بالحماس على ثغره، أغمضت جفنيها بقوة لتؤكد له أنها لا ترى شيئًا، ثواني صغيرة وكانت تشعر بأنفاسه الحـــارة تلهب عنقها، هتف بهمسٍ مغرٍ :
_فتحي يا روح إيهاب.
فتحت عينيها ببُطء ثم أخفضت نظراتها لتجد أنه ألبسها قلادة فضية تحمل حروف إسمها بالإنجليزية، ويبدو عليها أنها قلادة ثمينة، شهقت “مُنى” هامسة بعدم تصديق :
_إيـــه ده؟؟..
تابعت بصوتٍ متقطع متسائلة :
_طب ده بمُناسبة إيه؟؟..
رد بإبتسامة لا مثيل لها :
_بمُناسبة إنك حامل يا مُنمُن.
أحتضنته “مُنى” بقوة مرددة بعشق :
_مهما وصفت إني بحبك أد إيه وفرحانة أد إيه مش هعرف.
أحتضنته بقوة فأستشعر ضمتها المليئة بالحنان الصادق والعاطفة بجسده وقلبه، هتف بصدقٍ :
_أنا بنفذ وعدي ليكي، وعدتك زمان لما قولتلك، طول ما أنا عايش، هفضل عايش عشان بس أسعدك.. أسعدك إنتي وبس يا مُنى.
**************
دلف “عزّ الدين” داخل غُرفته وهو محاوط خصر “ياسمين”، كان على وجهها السعادة على ما حدث وما يحدث حولها من الأخبار السارة، حرر خصرها من ذراعه وهو يسألها بعد أن عقد ما بين حاجبيهِ :
_إنتي فرحانة كده ليه؟؟..
ردت عليه بسعادة عارمة :
_سعيدة عشان خاطر مُنى، أنها حامل!!.. وسعيدة بردو عشان روان، بصراحة هي غلبانة أوي.
أقترب منها وهو يقول بإبتسامة :
_والله مفيش حد غلبان غيرك.
أرادت تحميسه وأن تسعده هاتفة :
_لأ طبعًا، إزاي أبقى غلبانة وإنت جنبي دايمًا يا ذئب.
جعلت قلبه يتراقص فرحًا بـ عبراتها العميقة والغير متكلفة، لم يُعد بينهما مسافة، هتف بإبتسامة لئيمة هامسًا بمكرٍ :
_طب تسمحيلي بشوية عسل؟!..
وقبل أن تهمس بحرف كان يجذبها إلى صدره ويقبلها بجنون أفقدها كيانها، لـ تبادله جنونه على أستيحاء، أبتعد بعد لحظاتٍ بأنفاس لاهثة، غمغم وهو يحرك رأسه :
_قلبي وجعني من عشقك يا بنت صابر.
دقيقة من الصمت وكان يتحدث بصوته رجولي أجشَّ :
_فاضل خمس ساعات على ميعاد السفر.
حدقت فيه بصدمة قائلةً :
_إيـــه؟؟.. طب أنا هاروح أحضر الشُنط.
وقبل أن تتحرك كان يمسك بمعصمها مرددًا بجدية :
_أنا حضرتها النهاردة لما كنتي مع روان ومُنى.
هزت رأسها إيجابيًا وهي تطلق زفيرًا، في حين تابع “عزّ الدين” بإبتسامة :
_نسيت أقولك على حاجة، كنت عاوز أقولها بقالي يومين.
ضيقت عينيها متسائلة بفضولٍ :
_خير؟!..
أتسعت إبتسامته وهو يُجيب برومانسية :
_أنا بحبك.
ردت عليه بإبتسامة ساحرة :
_أنا أكتر يا عز.
أشار بإصبعيهِ مرددًا بجدية :
_لأ أنا أكتر يا ياسمين.
هزت رأسها نفيًا مؤكدة قولها :
_لأ أنا أكتر.
أحتدت لهجته وهو يقول :
_شوفتي؟!.. إحنا مش متفقين أهو، إحنا لازم نسيب بعض.
رفعت حاجبيها قائلة بثقة عالية :
_هو إنت تقدر أصلاً؟!..
رد عليها “عزّ الدين” بإبتسامة مشرقة مُجيبًا بـ تأكيدٍ :
_لأ طبعًا، ده أنا أموت فيها.
هتفت بنبرة تلهف :
_بعد الشر.
تأمل “عزّ الدين” عينيها التي تفيض عشقًا، دنا منها لـ يحتضنها بقوة، أغمضت عينيها لـ تشعر بالأمان في أحضانه، ولـ تستمع إلى دقات قلبه النابضة لأجلها والتي لا تنطق سوى بإسمها، عانقها بقوة أكبر ووجهه في عنقها يستنشق عبيرها، أستنشق أكبر قدر ممكن من عطرها، هو حقًا أدمنهــا، لا يُزال وسيظل يعشقها حتى آخر أنفاسه، ذلك العشق أصبح يسري في شرايين كُلاً منهما كالدماء.
وسيظــل دائمــًا أمــــام الجميــــــع ذئبٍ شـــرسٍ، ولكـن أمامهـــــا ذئـبٍ عـاشـــقٍ.

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية براثن الذئاب (على ذمة ذئب 2))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *