روايات

رواية نصف الحكاية الفصل الرابع 4 بقلم ناهد خالد

رواية نصف الحكاية الفصل الرابع 4 بقلم ناهد خالد

رواية نصف الحكاية البارت الرابع

رواية نصف الحكاية الجزء الرابع

نصف الحكاية
نصف الحكاية

رواية نصف الحكاية الحلقة الرابعة

يوم رائع قضته برفقة زوجها، يوم مفعم بالحيوية والانطلاق، انعش روحها وعزز وجودها بالحياة، وهذا ما جعلها تتخذ القرار الذي اتخذته الآن، وهي تجلس امام هاتفها مقررة الافصاح عن حقيقة خبأتها لفترة طويلة، نفسًا عميقًا، واستعداد واهٍ، وصمود زائف، وهي تفتح كاميرا الهاتف لتسجل بثًا مباشرًا وهي تقول:
_ مساء الخير، وحشتوني….
صمتت لثانية قبل أن تكمل:
_ الحقيقة مش كلكوا، وحشني بس الي وحشتهم، الي مقالوش عني كلمة وحشة، الي محكموش قبل ما يسمعوا، أما الباقي فكلامي مش موجه ليهم خالص..
نظرت جانبًا حيث يقبع زوجها، يتابعها باهتمام، يشجعها بعيناه، ويدفعها نحو تكملة ما بدأته:
_ لما البنت نشرت صورتي معاها وانا بقصة غريبة شوية، اوي بمعنى أصح شعري زي الولاد زي ما البعض قال، كلكوا علقتوا، سواء بالسلب او بالايجاب، الحقيقة انا هعتب على الاتنين لأن الي دافعوا عني، دافعوا من غير ما يعرفوا ملامسات الموضوع، والي هاجموا، برضو هاجموا من غير ما يعرفوا حاجه…
التقطت انفاسها وهي تقول:
_ قولولي كده ازاي بتقدروا تحكموا على حد وانتوا جاهلين بالحكاية كلها؟ ازاي بتقدروا تعلقوا وتقولوا رايكوا وانتوا شايفين نص الحكاية؟!
وبالطبع البث المباشر لا يخلو من تعليقات المشاهدين، فالتقطت عيناها تعليق يقول
“ايه نص الحكاية في كده؟ أنتِ ظاهره قصة شعرك بشكل مش لطيف خالص بتقلدي الاجانب وخلاص، بعدين لو مش عاجبك الكومنتات كده مكنتيش اتصورتِ مع البنت وأنتِ عارفه انها هتنزل الصورة”
ضحكت ساخرة وهي تقرأ التعليق وبدأت هي تعلق:
_ نص الحكاية هتعرفيها لما اوضح كل حاجة، وبالنسبة إني كنت ارفض اتصور معاها، اعتقد دي منتهى قلة الذوق، ووقتها كومنت صغير منها تقول فيه اني رفضت اتصور معاها، كنتوا برضو فضلتوا تغلطوا فيا… فعلى أي حال كنتوا هتغلطوا..
نفس عميق اخر اخذته قبل أن تقول:
_ الحكاية كاملة هي الي هحكيها دلوقتي…
انا من فترة مهيمكوش قد ايه، اكتشفت اني مريضة سرطان، وبدأت رحلة معاناتي وعلاجي، شعري ده مقصتوش، هو وقع، لحد ما وصل للشكل ده، حرصت طول الفترة الي فاتت اني اعمل شغلي ومقصرش، ورغم تعبي كنت بداريه وانا واقفه قدام الكاميرا عشان محدش يلاحظ حاجه، عشان ببساطه ملكوش ذنب تعيشوا معايا معاناتي، ومؤخرًا مكنتش بظهر غير بشعر مستعار، بس اليوم الي البنت قابلتني فيه كنت خارجه من غيره برغبة جوزي، الي حب يحررني ولو ليوم منه، واقنعني اني شكلي حلو ولازم اتقبله في كل حالاته..
حانت منها نظرة اخرى لزوجها قبل أن تهديه ابتسامة رائعة، ممتنة لكل لحظه وقف فيها معها داعمًا اياها بكل ما يملك:
_ عشان كده يومها خرجت بالشكل الي متقبلتوهوش ده، وانا قاعده مع جوزي في مطعم جت بنت طلبت تتصور معايا، اترددت في الأول بس محبتش اكسفها، واتصورت معاها، وهي نزلت الصوره، ومن وقتها والدنيا قامت مقعدتش..
تنهدت بقوة ومن ثم قالت:
_ نص الحكاية الي اقصدها هو انكوا لما شفتوا الصورة حكتموا اني بقلد الاجانب وقصيت قصة شبه الرجال، والنص التاني الخفي الي متعرفوش عني حاجه، هو ان شكلي ده بسبب مرض مش منظرة مني… عمومًا انا قررت اني هقفل الاكونت لحد ما اكون كويسة، وارجع تاني شيري الي تعرفوها..بس حاجة اخيرة حابة اذكرها، ياريت تبطلوا تحكموا وانتوا متعرفوش غير نص الحكاية، اتعودوا متحكموش غير لما تعرفوا الحكاية كاملة، عشان نص الحكاية دايمًا ظالمه..
اغلقت البث المباشر ولم تهتم بأي تعليقات بدأت تظهر امامها مخالفة تمامًا لتلك السابقة..
شعرت بهِ يحتضن رأسها لصدره وهو يهمس لها:
_ هتعدي يا شيري، هتعدي وهتكوني كويسة وبخير وهترجعي احسن من الأول.
احتضنت ذارعه المحيطه لرأسها وهي تقول:
_ هتعدي مادام أنتَ معايا..
وبعد عامان مرت بالفعل كما وعدها… مرت لأنه لم يتخلى عنها لحظة كما اخبرته.
________________
تقدم، وطلبوا وقتًا للتفكير، اخذت وقتًا طويلاً ربما تجاوز الثلاثة اسابيع، لكن الأمر ليس سهلاً، لذا وقبل أن تقول قرارها طلبت طلب غريب بعض الشيء، حين طلبت أن تجلس مع والدته بمفردهما قبل أن تقول رأيها.
وها هي الجلسة التي طلبتها، ها هي الجليسة تجلس أمامها بملامح واجمة، يبدو عليها عدم القبول والرضى، وللحقيقة هي لم تتوقع غير هذا..
اخذت نفسها بهدوء وتروي قبل أن تبدأ في الحديث وهي تقول:
_ ازيك يا خالتي؟
باقتضاب اجابتها:
_ كويسة ياختي، أنتِ طالبة تتكلمي معايا ليه؟ انا مالي بموافقتك ولا رفضك هو انا العريس!
ابتسامة هادئة ورد:
_ أنتِ أهم طبعًا، عشان كده طلبت اقعد معاكِ أنتِ.
_ وخير عوزاني في ايه؟
تنهدت وهي تقول:
_ عاوزه اعرف رأيك، أنتِ موافقة على الجوازه دي؟ موافقة اكون مرات ابنك؟ عشان الحقيقة انا شوفت غير كده، ومعاكِ حق يعني مين هتقبل بيَّ عروسة لابنها.
انهت حديثها وهي تشير لذاتها بسخرية، فلم ترتدي شيئًا مختلفًا، نفس البنطال المهترئ ونفس القميص الرجالي، واكملت:
_ بس انا عاوزه اقولك انك لو مش موافقة بيَّ قوليلي، وانا هخرج حالاً اقول لابويا اني مش موافقة، مش هتجوز ابنك غصب عنك، ولا هتم بغير رضاكِ.
حديثها الانَ قلب الأخرى وعقلها، فتوترت قليلاً في حديثها وهي تجيبها:
_ بصي يابنتي أنتِ متتعايبيش، اخلاق واحترام ولسان حلو، لولا بس الي عملاه في نفسك ده.
ابتسامة باهتة زينت ثغرها وهي توضح:
_ بصي يا خالتي، انا هحكيلك اي حكاية لبسي الي اتغير فجأة من وانا عندي ١٤ سنة ده، وشعري الي قصيته بالشكل ده عشان اكون شبه الرجالة، انا ابويا معندوش غيري، وطول عمره كان نفسه في ولد، ولما وقع من كام سنه ومبقاش يقدر على الشغل مكانش قدامي غير اني انزل مكانه او معاه، اخفف عنه حِمل الشغل ليروح منا خالص، ولما نزلت بشكلي الطبيعي، ضفايري وفستاني البناتي، كنت بشوف نظرات وحشة اوي، ورمي جتت، رغم اني كنت لسه عيله، أمي خافت عليَّ لما حكيت لها، وهي الي غيرت شكلي كده، بس وقتها لبستني لبس واسع ودارت شعري بطاقية، لحد ما بقى عندي ١٧ سنه، وقتها انا الي قررت اغير شكلي كله، عشان اكتشفت ان الناس مش عارفه تتعامل معايا غير اني بنت، وفعلا لما قصيت شعري، وخشنت صوتي، وغيرت لبسي، واحده واحده نسيوا اني بنت اصلاً، واتعاملوا معايا اني زيهم، وده ريحني، وخلاني اعرف اقف لوحدي في المحل ميهمنيش.
التقطت أنفاسها قبل أن تكمل:
_ فكرك كنت مبسوطه وانا دافنة البت الي جوايا، مبسوطه وانا شايفه الي من سني اتجوزت وخلفت وانا مفيش أمل حد يعبرني بشكلي ده، بالعكس انا كانت بتعدي عليَّ ايام وليالي ما يعلم بيها غير المولى، بس الحياة كده… تنازلات، لازم تتنازلي عن حاجه عشان تاخدي حاجه تانيه، وانا كسبت رضا امي وابويا وسترهم مقابل خسارتي لانوثتي، وعمري ماندمت على اختياري…
ظهر التأثر جليًا على وجه الاخرى، وظهرت لمعة دموع في عينيها، لكنها لم تشاء أن توهم نفسها بتوقع خاطئ، فاكملت مبتسمة:
_ عمومًا، حضرتك معاكي قراري، لو رافضه الموضوع وده حقك، يبقى تقولي لابنك اني رفضت، ولو موافقة قوليله اني وافقت، عن اذنك يا خالتي.
انهت حديثها ووقفت ناوية الخروج من غرفة الجلوس، لكنها توقفت على الباب وهي تسمع صوتها يقول:
_ هنيجي نقرا الفاتحة يوم الخميس، يعني بعد يومين.
التفت لها بفاه فاغر، غير مستوعبة قرارها، هل قبلت للتو!؟
نهضت السيدة ووقفت أمامها وهي تقول مبتسمة:
_ بس تظبطي نفسك بقى، مبقاش في داعي تدفني البت الي جواكِ، هبعتلك فستان وصايا من محل اختي، وشعرك كده كده هيطول على ما ييجي ميعاد الفرح، وهبعتلك البت بنت اخويا لهلوبة في المكياج والحاجات دي، وبكره ننزل نجيب الدبل ونلبسها يوم الفاتحه ان شاء الله، قولتِ ايه؟
تهاوت دموعها بعدم تصديق تسألها:
_ أنتِ وافقتي؟
بابتسامة راضية كل الرضا:
_ اصل انا مشوفتش غير نص الحكاية، وهي شكلك والي عملاه في نفسك لكن مكنتش اعرف الي وراه ده، يعني اضيع من ايدي واحده زيك لابني، يوم ما هيقع مش هيقول أيّ عشان هتكوني في ضهره، يوم ما يضيق بيه الحال مش هتتبطري ولا تكرهي عيشتك معاه، عشان جربتي وعارفه ان الدنيا كل ساعه بحال، عشتي ايام ما يعلم بيها غير ربنا فأي حاجه جاية هتكون هينة بالنسبالك، بعدين أنتِ شلتي هم اهلك وعاونتيهم في محنتهم لسنين مش هتشيلي هم جوزك! وعلى فكرة هو قالهالي، قالي عوزاني اروح اتجوز واحده حلوه وطلع عيني بعدين هتبقي مبسوطه، انا دلوقتي بقول لا مش هبقى مبسوطة، واضح ان الواد ده كان عنده بُعد نظر فيكي.
انهت الاخيرة ضاحكة ضحكة صغيرة، تبعتها ضحكة خافته من “رضا” وضحكة اخرى قوية تصدح حولهما، ألا وهي ضحكة الحياة لها بعد سنين عجاف.
تمــــت بحمد الله

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية نصف الحكاية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *