روايات

رواية يناديها عائش الفصل الثامن 8 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الثامن 8 قلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت الثامن

رواية يناديها عائش الجزء الثامن

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الثامنة

ولو كُنتِ ثآني أكسيدَ الكَربون؛ يسرُّني الإختنآق ُ بكِ . .❤
…..

رمقها بدر بدهشه،فوجدها تخرج القميص من حقيبتها وهي تقول بسخريه وضحك
— حلو صح! ده بقا اللي يستاهله أمير
نظر لها بدر بذهول وصدمه،ثوانٍ وتحولت ملامحهه للغضب الأعمى ليكور قبضة يده بقوه شديده حتى كادت أن تتمزق أوتار يده..بينما عائشه نظرت لهيئته التي بدت مخيفه من شدة الغضب،وتأملت قبضة يده بخوف؛ فتراجعت للوراء وهي تبتلع ريقها بخوف شديد مما سيحدث لها
اقترب بدر منها وعينيه لاتُنبئ بالخير بتاتاً،وبداخله يشتعل كالجمر من الغيره، وكأنه يريد أن يمزق هذا الأبله “أمير” إرباً لمساسه لخصوصياته،”عائش” تلك الفتاه التي اعتبرها بدر من مستحقاته منذُ أن كانت طفله بريئه بين يديه.
صوبت عائشه عيناها على قبضة يد بدر، خوفاً من أن يتهور ويُقبل على شيء يجعله يندم فيما بعد مِراراً
نطقت عائشه بصوت مهزوز من الخوف
— أبـيه بدر ! أنا…

قاطع بدر حديثها المذعور،بأن جذب القميص بغضب الوحوش وأسنانه تكاد تصدر صوتاً كالليث من شدة الإصطكاك،ثُم قطع القميص لنصفين وهو مازال يصوب شُعلة عينيه عليها بغضب المنتقم،حتى ساورتها المخاوف،بأن هذا الذي يقف أمامها،ليس بدر الشباب الطيب المهذب،وإنما هذا قد تملكت منه الغيره وامتلكه الغضب وفرض الإنتقام سيطرته على كيانه؛فلم يعُد يَعِدُ الحسبان لشيء،و كل ما يدور في رأسه الآن،هو أنها له فقط ولايجوز أن تذكر إسم رجلًُ آخر أو تنطق شفتاها غيرهِ
صرخ بدر بغيره وغضب جعلها تنتفض من مكانها بذُعر
— مفيييش أميييير…إياااكي تنطقي اسسمه تااني..فاااهمه يااعائش…هوولع فيييكي وفيييه
استجمعت عائشه شجاعتها لتصرخ بعِناد واستفزاز
— وااانتتت مااالك..وبعديين إش جااابك لـ أمييير…انتت فييين وهوو فييين…واظهرر بقااا على حقيقتك…هااا اظهرر على حقيقتك ياا سيدنا الشييخ..اناا مش عااارفه انت عماال تلف ورااياا وحااططني في دماااغك ليييه..اببعدد عنني بقااا…سيبنني في حاالي بقااا ده انت والله معندك دم…نفسي اعررف انت عاااوز مننني ايييه
خرجت الكلمات من بدر بدون وعي ليصيح بغيره

— عااوزك انتتي…من صغرك وانتي لياا اناا..انتي من حقي أناااا..فاااهمه..من حققي..أناا بحبك ياعاائش…بحبببببك
صمت بدر ليعلو صوت أنفاسه الغاضبه وكأنه يستوعب ماقاله للتو..بينما عائشه ظلت تنظر له بصدمه ودهشه تسترجع في أذانها ما وقع عليها من اعترافات لم تضعها في الحُسبانِ يوماً..
ساد الصمت لدقائق بينهما،فقط نظرات الصدمه والدهشه هي المسيطره على ذاك الموقف الذي لايحسد عليه بالمره،وكأن كل منهما لايكاد يصدق ما حدث،وكأن بدر في صدمه مما قاله دون وعي،أما عائشه تملك منها الذهول غير مصدقه من تُناديه عمي يعترف بعشقه لها.!
مسح بدر على وجهه بتوتر يحاول أن يسترجع هدوءه
تحدث بهدوء
— أنا اسف..عائشه أنا اسف..هو..هو بس أنا تعبان وأعصابي بايظه اليومين دول..ومكنتش اقصد اللي قولته…بصي أنا اه بحبك وانتي عارفه كده..بس بحبك زي ماتكوني بنتي أو اختي…اتمنى متفهمنيش غلط
قضبت عائشه جبينها بدهشه،ثم همست بتساؤل
— انت بتغير عليا !؟

أشاح بدر ببصره عنها،ثم نظر للسماء،مستنجداً ربه بألا يقع في مصائد العشق وألا يُخطئ أكثر من ذلك
أجاب بدر بحزن وهو ينظر للفراغ بشرود
— لازم اغير عليكي لأني بعتبرك زي هاجر اختي..مينفعش مخافش او مغيرش عليكي..أنا اللي مربيكي ياعائش..بعتبرك بنتي..لازم اخاف عليكي من أي حد..خصوصاً أمير..لأنه مبيحبكيش ياعائش..أمير عاوز يتسلى وخلاص
وقفت عائشه أمامه مباشرةً لتنظر في عينيه بحيره هامسه
— ليه بتناديني عائش !
غاص بدر في عينيها للحظات رغماً عنه،وقبل أن يوقعه الشيطان في الخطيئه،فرَ هارباً من امامها وهو يستغفر ربه مراراً بندم وألم على مافعله منذ قليل..
———————-

ألقت عائشه نظره حائره على ذاك القميص الذي قطعه بدر لنصفين،ثم انحنت لتأخذه وتلقي به في القمامه وهي تبتسم تلقائياً كلما تذكرت اعترافاته لها..
صعدت لغرفتها لتلقي بجسدها على الفراش متنهده بتعب وحيره،ظلت تفكر لدقائق في بدر بمشاعر جديده مضطربه،ثم أغمضت عينيها لتتنفس بعمق كأنها تحاول استرجاع ذاتها العنيده والمتمرده ثانيةً..لتنزل من الفراش وفي رأسها تلمع فكره شيطانيه،تشعل بها نيران غيرته حتى تتحقق من حُبه لها،أهو بالفعل مثل حبه لشقيقته،أو حُبًُ من نوعٍ آخر !
وقفت أمام المرآه تتأمل ملامحهها الجميله وجسدها الذي يلهث ورائه الكثير من شُبان جامعتها،تذكرت نظرات أمير لجسدها الراغبه فتبسمت بخفوت،لكن سرعان ماتلاشت تلك الإبتسامه عندما تذكرت نظرات بدر وهو يتحاشى قدر الإمكان النظر لها أو لجسدها على الرغم من عينيه التي تفضح عشقه لها..
همست عائشه بإقتضاب وهي تحرر شعرها البني المتموج لينسدل بروعه على أكتافها
— ازاي بيقول إنه بيحبني وهو اصلا مش مهتم لجسمي ولا شكلي..مش زي أمير…يعني أمير بيفضل يبصلي علطول بإنبهار كده محسسني إن أحلى واحده في العالم وبيفضل يقولي انتي جميله وكل حاجه فيكي حلوه…وبدر عمره ماقالي كده!
ضحكت بسخريه من نفسها مردفه

— بدر !! اييه ياعائشه..هتصدقي المعتوه اللي بيشتغل عند الناس ده! مهو قالك انه بيعتبرك زي اخته..شاغله دماغك بيه ليه..وبعدين ده لو اتجوز يخلف قدك يعني زي عمك اسمه عمو بدر…مش لايق عليا إن اناديله بدر من غير أبيه أو عمو…لكن امير…أمير ده يتحب وأنا مغمضه كده..كفايا ان بنات الجامعه كلهم هتموت عليه..وهو اختارني أنا من بينهم كلهم
تنهّدت بخبث لتتابع وهي تمشط شعرها
— هييييح..خلاص بقاا..هفكني من بدر الزفت ده ولا أكني سمعت حاجه وهخليني مع أميري…مع إني كنت ناويه اشوفه بيغير وبيحبني بجد ولاايه..بس الغلاف باين من عنوانه..ده عمره ماصاحب ولا حب في حياته يعني خام خالص هيحب ايه وزفت إيه..وبعدين أمير باباه رجل أعمال معروف وغني وعنده عربيه بتاعته وهيعيشني ملكه..يبقا اسيبه واروح للي بيصلح عربيات ! ههه ده مين الهبله اللي تعمل كده.!
انتهت من تمشيط شعرها،ثم نظرت بخبث ومكر لصورتها في المرآه،لتستقر على فعل فكرتها الشيطانيه وهي اشعال غيظ وغيرة بدر..
اجرت مكالمه تحوي إسم أمير،ليأتيها الرد بعد دقائق
هتف أمير بتأفف
— اييه يااعاائششه…كل ده تأخيير..أنا قاعد مستنيكي في شقة فارس أنا والشله بقالنا ساعه
عائشه بتوتر
— مهو..بصراحه..بابا تعب ومعرفتش أجي
أمير بغيظ وغضب

— يعني ايييه!! ومقولتيش ليييه!!
نظرت عائشه للهاتف بدهشه،فلأول مره يصرخ عليها،تذكرت في الحال صراخ بدر عندما اخبرها بأنه يغار عليها من ذاك الأحمق أمير
أردفت عائشه بتلقائيه
— أمير..انت بتحبني !
أمير بدهشه وغضب
–نعم!! عاائششه هو ده ووقته!! ولاا بتوهي الموضوع..بقوولك اييه عشان انتي عصبتيني وعلى اخري منك…هتيجي ولا لأ !!
بدا على عائشه الحزن والصدمه من رده المهين والجارح لها..هتفت بدموع
— لأ
صاح أمير منفعلاً
— أحسن..في ستين دااهيه
أغلق أمير الهاتف ثم ألقى به بعيداً وهو يزفر بضيق ويتأفف بغضب هاتفاً
— ماااشي يااعائشه..مسيررك هتقعي في اييدي وسااعتها مش هرحمك..مش أنا اللي أي واحده ربنا خلقها تستجرأ وتقولي لأ..واقسم بالله لأكون زكرى سوده في حياتك
أتت من ورائه صديقتهم مريم وصديقة عائشه المقربه بالأخص،لتحتضن أمير من ظهره هامسه كالحيّه
— متزعلش نفسك يابيبي..فكك منها خالص..هو اناا مش ماليه عينك ولا إيه
أمير بغضب

— البت دي لازم اكسر مناخيرها اللي رفعاها لسابع سما ولا أكن ابوها باشا ..فكره نفسها حاجه وهي متسواش جزمه قديمه..إن مكسرت غرورها وخلتها عبره لكل الجامعه مبقااش راجل
مريم بخبث ودلع وهي تدلك منكبيه
— أنا عندي خطه حلوه تخليها تجيلك راكعه
ابتسم أمير ابتسامه لاذعه مردفاً
–ايووه كده..طلعي النفسنه وغيرة البنات دي..هاا قولي
مريم بحزن مصطنع
— بقا كده ياأمير…بقا أنا اغير من المعفنه دي
أمير بسخريه
— لأ..متعكيش بقا..كلنا عارفين إن عائشه أجمل بنت في جامعة المنصوره…وبعدين ياقلبي انتي في كفه وهي في كفه تانيه خالص…انتي اللي في القلب يابت
ضحكت مريم بصخب ثم أردفت

— طيب اسمعني ياحبي..هتتصل بيها تقولها اني تعبانه أو عملت حادثه وهتقولها تيجي على بيتي وهكون مظبطه مع اهلي انهم يروحو يزور جدي وافضل في البيت لوحدي واتصل عليك تيجي وبعدين تتصل على عائشه تيجي وتشفي غليلك منها براحتك وانا هسيب البيت واخرج اقعد برا أمنلكم الطريق…ايه رأيك !!
اتسعت ابتسامة أمير الماكره ليصفق هاتفاً
— ياابنت اللاااعيبه…ده انتوو صنف يلااهوي..وقال اييه صحااب وبيست فرند..الصحااب في أجاازه هههه
ضحكت مريم بسخريه لتهتف بمرح
— هاا تحب نبدأ في الخطه دي إمتى !
أشعل أمير لفائف الحشيش خاصته مردفاً بمكر
–لأ…كده هنقع على جدور رقبتنا…أنا هخطبها بجد
مريم بدهشه
— ايييه !! تخطبها.!!
أمير بإيماء وهو يبتسم بـ شرّ
— هدخل البيت من بابه واكسر الباب على غرورها وجمالها اللي فرحانه بيه ده
….

رفعت عائشه صوت المسجل على أنغام محمد منير،ثم لفت وشاح على خصرها لتتمايل برقه ودلع وهي تدندن بمرح
— جالتلي برريدك ياا ولد عمي…تعاالااا دووج العسل ساايل على تِمي..على مهلك علي ماابحمل الضمهِ..على مهلك علي ده انا حيلة أبووي وأممي
انتهت بعد نصف ساعه من الرقص الشرقي بدلع وغناج لتصيح بمرح وهي تداعب خصلات شعرها
— عاااش ياااشوشو… تعرفي تخرجي نفسك من الإكتئااب بالرقص…اااه لو افتح سنتر لتعليم الرقص الشرقي اقسم بالله انافس لورديانا وجوهره…بس لولا بدر الزفت ده كان الواحد شم نفسه شويه
هتفت بتقليد ساخر
— متعمليش كده يااعائش…ربنا هيزعل منك ياعائش…الاغاني حرام ياعائش..البناطيل حرام ياعائش…متطلعيش شعرك برا الطرحه ياعائش…هتدخلي النار ياعائش…نينينيني…ياخي فلقتني…داهيه تاخدك وانت متخلف وراجعي كده…الدنيا بتطور وده عايش في جو الجاهليه بتاعه…اووف اووفر أووي
أطفأت صوت المُسجل عندما لمحت شاشة هاتفها تضيء باإسم أمير…تهللت أسارير وجهها لتصيح بمرح وسعاده
— امييري…كنت عارفه انك هتتصل تصالحني
أجابت عائشه على الفور
— ايه بتتصل عليا عشان تصالحني مش كده! قول انك مش قادر تستغنى عني..قول متتكسفش
أمير بضحك مصطنع

— أكيد طبعاً ياشوشو مقدرش استغنى عنك..أنا اسف ياحبيبتي وعندي ليكي خبر حلو هيخليكي تطيري من الفرحه
عائشه بلهفه
— قول ياأميري..اخلص مش قادره اتنفس
ضحك أمير بخبث مردفاً
— عرفي باباكي إني جاي اتقدملك بكره
صرخت عائشه بسعاده
— هييييه…قول والله! لولولوللللللي افرحي يااعرووسه اناا العرريس
لم يستطيع أمير تمالك نفسه،فضحك بشده على ردة فعلها الطفوليه والمضحكه ليساوره التردد قليلاً فيما سيفعله بها،فقد شعر للتو بقلبه ينبض بسعاده عندما سمع صرخاتها الفرِحه
اخرجه من شروده صوتها المسرور هاتفاً
— أمير انت بجد هتيجي تتقدملي بكره !
سيطر على أمير جانبه الخبيث ليردف بضحك
— ايوه ياقلبي…وعشان تصدقي كلمي مريم إسأليها..وابقي خليها تجيلك بكره عشان حاسس انك هتبقي مكسوفه وانتي بتقدميلي الشربات

ضحكت عائشه برقه لتهمس
— أمير..انت فعلاً أحسن حد عرفته في حياتي..أنا بحبك اووي..ومهما حصل مش هتخلى عنك
ابتسم أمير بسخريه مردفاً في نفسه بخبث
— وأنا فعلاً مش هتخلى عنك لحد ماأخد اللي عاوزه وساعتها هرميكي في أقرب باسكيت زباله
هتف بصوت مسموع
— يلا ياحبيبتي..هقفل بقا عشان أعرف أهلي
عائشه بسعاده
— ماشي ياأميري باي

أغلقت عائشه الهاتف ثم صاحت بسعاده لتهتف بمرح وهي تقفز على الفراش وتصرخ
— هيخطبنااااي..هيخطبنااااي…وهكسر عينك يااعمو بدرر…عشان تبقى تشتم أميري تااني…طب والله لأتصل احرق دمه..بس أروح أعرف بابا الأول
……………………………..

الاعتراف بالخطأ فضيلة، والتوبة من الذنب منجاة
💛
…….

دلف بدر للمسجد،ثم وقف عند حافة الباب يجوب بعينيه متفحصاً أركانه بدقه،فوجده خالياً،وحينذاك كان الوقت قبل الظهيره بـ ساعه،تنهد بإرتياح ثم هرول أمام القِبله لينحني بتضرع ثم أجهش وانخرط في بكاء تبكي له القلوب ليشهق بصوت رجولي عالٍ دوى في المسجد برِمتّهِ
— سااااعدني يااارب…أنا بغررق ياارب..سااعد قلبي ياارب قبل مايقع في الغلط ويجرجرني معااه…الحب لعنه وأنا اتصابت بيها…يااارب طلع عائش من قلبي وخلي حُبك بس…يااارب متعلقش قلبي بشيء زائل…وكلهم زائلون لامحاااله ياارب وانت الباااقي…انت الباااقي ياارحيم.ارحم ضعفي وقلة حيلتي….اااه يااارب اناا تعبت..فااض بيا يااارب وحااسس إن هعمل حجات تغضبك…ياارب قويني على نفسي وشيطاااني…يااارب أناا خاايف اضعف وابعد عن طاعتك…اللهم ياامقلب القلووب ثبت قلبي على ديينك…اللهم ياااامقلب القلووب ثبت قلبي على حبك وطاعتك…وارحم قلبي يااارب…ارحم ضعفي ياااارب…ااااه…ااااه يااارب…الرحمه…اللهم لاتكلني إلا نفسي طرفة عين يااارب انت القاادر قدرلي الخير حيث كاان…يااارب اناا تعباان اووي متسبنيش اغرق في الذنوب يااارب

بكى بدر بكاءًا مريراً لم يسبق له وأن بكى هكذا، حتى تورمت عيناه وأوشك قلبه على الهلاك من فرط الأنين والألم..ألم العشق وألم عصيانه لربه حين غاص بنظراته العاشقه في عين عائشه،كان على شفا حفرةٍ من الإنجراف في الخطيئه،لولا أن أتته إشارات الله كالمنبه تقظه من الوقوع في فتن الحب ومرار الإقتراب منه دون إذن شرعي،أو دون أن يحلل له..
لقد كان المشهد مؤثراً وحزيناً يثير ألواناً من اللوعه والحسره،وفي ذاك الوقت أقبل زياد هو الأخر مهرولاً على المسجد وقطرات الدمع قد جعلت الصوره مشوشه عنده،فقد جاء هو الأخر يبكي لربه.
من غيره ملجأ وملاذاً له ! من غير الله قد يلقي على قلبك السكينه ويشعرك بالراحه،من غير ربك سيطيب خاطرك ويغفر ذلاتك ؟!
بدا المشهدين متشابهين ولكن مع الإختلاف الطفيف بينهما،نعم كلاهما يبكيانِ بسبب ذنب ما يلاحقهما،ولكن الذنبين مختلفين،وكل ذنب له درجات من الغفران !
انتبه زياد لصوت بكاء عالي قوي يصدر من داخل المسجد..فحول بصره في كل ركن،ليلمح بدر يسجد عن القبله ويبكي ويردد بتوسل

— يااارب ساامحني…أنا غلطت ان اعترفتلها…غلطت لما قولتلها ان بحبها…بس غصب عني…والله غصب عني…عمري ماحلفت بيك كدب يارب..وانت شاهد على كل كلمه قولتها وشايف كل حاجه وحاسس باللي في قلبي…يارب مش قادر امحي عائشه من قلبي…ومحدش ليه على قلبه سلطان…مش بإيدي يارب…بس بحبها..ومش عارف اطلعها من دماغي او مش عارف اطلعها من قلبي اصلاً…ساااعدني يااارب..انا مش حمل أي ذنب…ياارب انا بحبك ومش عاوز اعصيك…يارب متكتبش على قلبي الشقاا والتعب…ساعدني انساها يارب…ساااعدني يااارب أنا مليش غيرك
ما أن سمع زياد توسلات بدر وبكاءه المرير لربه،سالت من عينيه الدموع في الحال وبكى هو الآخر بصمتٍ…ثم رجع للوراء ليقرر العوده للمنزل وترك المسجد بأكمله ليناجي فيه ابن عمه ربه كما يريد..
عاد زياد للمنزل كئيباً منكسراً وهو يجرّ خطى الخيبه وقد تملكه الحزن الشديد بل واذداد عليه كلما تذكر بدر ابن عمه في تلك الحاله التي يرثي لها،لم يكن يتوقع زياد إطلاقاً أن يصل بدر لتلك المرحله وهي العشق المميت..كان زياد دائماً يستمد الصبر والقوه من بدر..والآن بدر الشباب ذبُل وصار مثلهِ…مهلاً ! ليس مثله تماماً؛فزياد ذنبه أقبح بمراحل من ذنب بدر..
عكف زياد في غرفته حزيناً من نفسه وعلى نفسه ولما وصل لها..تذكر ذاك اليوم الذي أوصله لهذا الذنب القبيح..
تنهّد بحزن متزكراً ماضيه المرير،خاصةً ذاك التاريخ

” ٢٠٢١/٦/٢” يوم الأربعاء الساعه الثامنه مساءًا
حينما أرسل له صديقه فديو على تطبيق الواتساب وبالخطأ فتحه دون أن يعرف محتواه،ليتفاجأ بالإنحطاط الأخلاقي والعُري الذي بداخله،من مشاهد جريئه مخله لا تناسب ديننا ولاعرفنا..ولكن ماحدث هو أن زياد لم يستطيع التغلب على شيطانه؛فسمح له بالنظر لما حرمه الله ووجد زياد في تلك الفديوهات الإباحيه ملجأ لإشباع شهوته وزيادة متعته وقت الفراغ،دون أن يضع الحسبان لعين الله التي تراه في كل وقت وكل حين،دون أن يخجل ممن خلق له هذه العين وأهداه الرؤيه ولم يرزق بها البعض،ولكنه لم يشكر تلك النعمه بل وزاد على ذلك تورطه فيما هو عليه الآن…أخذته تلك المشاهد الإباحيه للإنجراف نحو طريق ليس له مخرج..طريق الهلاك الحقيقي..وزياد الآن يعتبر في هذا الطريق..
زفر مطولاً بضيق من نفسه على ماوصله له.. تمتم بغضب وحزن

— أنا السبب… أنا اللي معرفتش اختار صحابي.. أنا اللي صاحبت ناس كل حياتها حرام في حرام… خدت ايه يعني… هاا خدت ايه منهم يازياد غير الوساخه اللي انت لسه ماشي فيها… طيب افلام اباحيه وبطلتها.. مش عارف تبطل اللي انت ماشي فيه وبتعمله ليه يازياد! عارف ليه يازيااد! عشان انت ضعيف… شيطانك ونفسك الأماره بالسؤ غلبتك يازياد.. وانت اللي هتودي نفسك لجهنم يازيااد وهناك ابقى قول يارتني
ظل زياد يعاتب نفسه ويأنب ضميره بلوم وندم وهي يبكي في صمت،إلا أن اصفر محياه كالورس،وشحب وجهه وذبلت عيناه..ظل دقائق كثيره على هذا الحال حتى سمع صوت طرقات خفيفه على باب غرفته؛فكفكف دموعهه في التو ثم تصنع أنه يقرأ في قضايا المتعلقه بالمحاماه خاصته ليأذن للطارق بالدخول..ثوانٍ ودلفت نورا شقيقته وهي تقبل عليه لتحضنه بقوه وتصيح بمرح
— زياااااد…اناا فرحااانه…ربنااا استجاااب لدعاائي وبدر هيبقى من نصيبي..مش مصدقاااه
رجت الصدمه كيانه،فاابعدها عنه برقه ليهمس بحذر
— قولتي ايه !
أعادت نورا ماقالته بهدوء وسعاده حقيقيه كأن مبتغاها قد تحقق وهو كذلك بالنسبةً لها
طأطأ زياد رأسه بحزن قائلاً
— ده مين اللي قالك ان بدر هيتجوزك !

نورا بسعاده
–بابا قال إنه فاتحه في الموضوع من كام يوم كده وانهارده هيروح يقعد معاه في الورشه شويه ويشوف رأيه ولو وافق هنكتب الكتاب علطول..بس أنا متأكده انه هيوافق..هو هيلاقي أحسن مني فين
ابتسم زياد بحزن ثم تنفس بعمق مردفاً
— متعلقيش نفسك بحد يانورا…متعلقيش نفسك بأمل كداب…وياريت تطلعي بدر من دماغك وحافظي على قلبك..لحد يستاهله فعلاً
قضبت نورا حاجبيها بتعجب وإستغراب مردفه
— انت ايه اللي بتقوله ده! أنا مش فاهماك بجد
مسح زياد على وجهه بحزن ووهن ثم تحدث بنبره منكسره
— بدر وقع يانورا…بدر غصب عنه حب وعشق يانورا…بدر الشباب اللي الحي كله بيحكي بيه..وقع هو كمان يانورا…محدش ليه على قلبه سلطان..وقلب بدر بقا متحاوط بإسم عائشه يانورا…بدر ابن عمك بيحب عائشه يانورا
هبّت نورا واقفه تنظر له بدهشه لتهتف بصدمه
— زيااد…بطل هزارك البايخ ده…بقا بدر اللي حافظ القرآن وخاتمه أكتر من مره وماسك امام الجامع وعمره مابص لبنت…هيحب واحده زي عائشه !
عائشه اللي لبسها ومشيتها مشوها سمعة عيلتنا !! عائشه اللي بننكسف نقول انها بنت عمنا!!
هو بدر مجنون عشان يحب عائشه !!
زياد بحزن وحسره

— مقولتلك يانورا…محدش ليه على قلبه سلطان..الحب رزق يانورا…ورزق عائشه إن بدر الشباب حبها…الحب عامل زي البحر يانورا…اللي بيقع فيه ومبيعرفش يعوم بيغرق…وكلنا ساقطين سباحه في بحر الحب…كلنا بدون استثنا يانوراا…حتى أناا..حتى أخوكي غرق ومش عارف يطلع
تطلع زياد لشقيقته بحزن مردفاً بألم
— الحقي نفسك وانتي لسه على الشط..الحقي نفسك قبل ماتغرقي انتي كمان يانورا
نورا بصدمه وهي تهزّ رأسها بعدم استيعاب
— لأ…انت اكيد بتهزر…مستحيل بدر يبص لواحده زي دي!! عاائشه!! عاائشه اللي لبسها كله محزق ونص شعرها طالع من الطرحه تتحب! ومن مين..من واحد متدين وعارف ربنا زي بدر !
هتف زياد بنفاذ صبر ويأس
— نوراا..خلاااص..طيب منا فيا كل العبر ومع ذلك هاجر بتحبني…بس أنا…أنا مستهلهاش…الحب مش بالشكل ولاباللبس ولاحتى بالدين…بتلاقي مسلم حب مسيحيه واتجوزها عادي…مهو ده عندنا حلال في الدين يانورا…الحب الشيء الوحيد اللي بيحصل خارج إرادتنا…فمتسأليش حد انت حبيت ده ليه! لأنه مش بكيفه..قلبه هو اللي اختار ورايد…واحنا قلوبنا مصره تتعبنا وتعذبنا يانورا
جلست نورا على الفراش بقلة حيله لتهمس بدموع
— بس إحنا كلنا عارفين إن بدر بيهتم بعائشه ليه..كلنا عارفين السبب الحقيقي…كلنا عارفين إن عائشه أمها..
قاطعها زياد بنبره حاده
— نورااا…متخوضيش في اعرااض حد..الست ماتت الله يرحمها…وعائشه برغم اللي بتعمله بس دي بنت عمنا برضو..يعني من واجبنا نحافظ عليها مش نخوض في عرضها…ليها رب يانورا…احنا علينا ننصح وبس
نورا بغضب وغيره
— بس عمك محمود كل عمامك متبرين منه…من يوم مااتجوز ام عائشه وكله مقاطعه…مفيش غير بدر اللي بيوده بس..عشان صلة الرحم مش اكتر..وبدر حريص انه ميعملش أي حاجه تغضب ربنا…وبعدين بدر قايل كذا مره إنه بيعتبر عائشه زي اخته أو بنته…وتعالى هناا..قولي هيحبها ازاي وهي فرق بينها وبينه تلاتاشر سنه!
رمقها زياد بسخريه ليبتسم بحزن قائلاً
— السن عمره ما كان عقبه في الحب..وبعدين منا أكبر من هاجر بإحداشر سنه ومع ذلك بنحب بعض من واحنا أطفال
نورا بحيره وحزن

— ايوه…بس انت وهاجر وضعكم مختلف…لكن عائشه!…بدر يحب عائشه! لأ..انا مستحيل أصدق
تركها زياد ليخرج هامساً بيأس
–براحتك يانورا…بس اللي بيوقع في حفرة الحب مبيطلعش.. ولو طلع…بيطلع متكسر
اتجه زياد يمشي في الطرقات لايعرف إلى أين سيذهب،ولكنه ظل يفكر بتيه وشرود في هاجر..حبيبته منذ الصغر،وأول من نطق فؤاده بإسمها..يفكر في أن يضع حد لأفعاله القبيحه هذه،يريد أن يستعيد حبه ثانيةً،يريد أن تتحسن علاقته بهاجر مثل السابق،ولكن أولاً..عليه أن يمضي قدماً في إسترجاع ذاته من مهلكات التكنولوجيا التي أودت به للجحيم..
أما نورا ظلت تفكر فيما قاله شقيقها عن علاقة بدر بعائشه..وأنها ليست علاقه أخوه ورأفه فقط،بل أقوى من ذلك..!
أردفت نورا في نفسها بغيره وحزم
— بقا يسيبني أنا ويحب دي! ماشي يابدر أنا هعمل أي حاجه عشان توافق تتجوزني
تنهّدت بحزن لتتابع بأسى
— ياارب أنا دعيت بدر يبقا من نصيبي…يارب استجيب..أنا معملتش حاجه زعلتك ولامشيت مع حد في الحرام وبعمل كل اللي بتقول عليه يارب..يارب بدر يحبني زي مابحبه ويتجوزني..يارب
…………………….

إنّ بيوت الجنة تبنى بالذكر، إذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء 💚
………
اتجه بدر لورشته ومع كل خطوه يخطيها،يذكر الله جهراً وسراً ويتضرع بالخفاء فظل يردد بهمس وحزن على حاله
— استغفر الله…الحمدلله..الله أكبر..لا إله إلا الله..سبحان الله…يارب ساعدني ابعد عن أي معصيه…يارب اعمصني ونقيني من الخطايا والذنوب
في منتصف الطريق رنّ هاتفه،فنظر لـ إسم المتصل،ظل للحظات يقرأ الإسم غير مصدق أنها هي،فلأول مره تجري هي المكالمه وتهاتفه..
كاد أن يجيب ولكنه تذكر ذاك الوعد الذي قطعه على نفسه وهو ألا يحادثها أو يختلط بها ثانيةً..أغلق الهاتف ثم أعاده في جيبه..فصدى صوت الرنات ثانيةً وكانت هي بالفعل..
تنهد بدر بحزن ثم قام برفض الإتصال

تأففت عائشه بضجر لتهتف بغضب
— بتكنسل عليااا ياازبااله يااخداام…ده اقرف تمسحلي جذمتي..فاكرني بتصل عليك عشان اتأسفلك!! ههه غلبان اووي…داهيه تاخدك يابعيد اووف
القت بالهاتف على الفراش بملل،ثم اتجهت لغرفة والدها لتنظر له بضيق قائله
— بابا…اتعدل عاوزه اتكلم معاك في موضوع
اعتدل والدها بصعوبه من فرط التعب ثم همس
— خير يابنتي…قولي ياعائشه…عاوزه فلوس
رمقته عائشه بغضب ثم هتفت بإمتعاض
— لااأ فلووس اييه…هو اصلاً لو قولتلك عااوزه فلووس هتديني اكتر من اللي بااخده!..انت فلووسك كلها راايحه على العلااج…وانا محرومه من حجات كتير نفسي فيهاا…عاارف يابابا..انت لو مت..هيبقى احسن..على الاقل هاخد معاشك كله ليا لوحدي
قالت عائشه جملتها الاخيره تلك دون وعي منها،بينما والدها نظر لها بصدمه ثم أطبق عينيه بحزن يسترد أنفاسه بتعب من دائه الذي أوصله ليكون طريح الفراش
تنحنحت عائشه بخجل
— بابا…أناا…أنا اسفه مقصدش..يعني…
قاطعها والدها مبتسماً بحزن
— ولايهمك يابنتي…كلنا هنموت..ربنا يريحني قريب ياعائشه…عشان أنا اللي نفسي اموت وارتاح من العلاج اللي مبيجبش همه ده…بس دعوتي الوحيده هي إني اطمن عليكي واجوزك لواحد يحبك ويخاف عليكي
قاطعته عائشه لتصيح بمرح
— والواحد ده موجود يابابا…وكمان غني جداً وهيعيشني ملكه
ابتسم محمود بعفويه قائلاً
— ماشاء الله…بدر ربنا بيكرمه وغناه عشان محترم وجدع
عائشه بصدمه

— بدر ميين يابابا !!
محمود بتلقائيه
— بدر الشباب…ابن عمك..هو فيه غيره شاب على خلق ومتدين واي حد يتمنى يجوزه بنته!
أطبقت عائشه على أسنانها وشدَّت عليها غَيْظًا وغَضَبًا لتصرخ بغضب
— بدررر مييين وززفت مييين…بقااا عااوز تجووزني لوااحد معفن ززي دده..عاااوز تجوزني لوااحد معهووش شهااده وجااهل زي دده..بقاا أناا اللي في كلية هندسه اتجوز وااحد زي بدر…اتجوز ميكاانيكي !!؟ ليييه ان شاااءالله وااقعه من قعر الأوفه ولاايييه…اناا عمري مااشووفت أب زييك في حيااتي…عاوز ترمي بنتك لأي حد وخلااص…عاوز تجوزني لوااحد شبابه رااح عليه والشعر الأبيض بقاا ظااهر في شعره..عاوز تجوزني وااحد بناديله عمي !!
نظر لها والدها بصدمه شديده ثم أخفق بصره بحزن غزى ملامحه ليتمتم بدموع وحسره
— استغفر الله العظيم يارب…ربنا يهديكي ياعائشه..ربنا يهديكي ياابنتي
عائشه بغضب وقلة حياء
— ربنا يااخدك انت وبدر بتااعك ده..انا بجد زهقت منكم..بالذات انت يابابااا…انت مش أب اصلاً…انا مش حاسه إن ليا أب زي باقي البنات…رامي كل مسؤلياتك على بدر الزفت لحد مابقى يتدخل في حياتنا وواقفلي زي اللؤمه في الزور وكرهت نفسي وحياتي بسببه…اسمع ياباباا…أنا بحب واحد صاحبي في الكليه وهو بيحبني وهيجي بكره يخطبني وانت هتقوم من على سرير الميتين ده وتقعد زي البني ادمين زينا وتكلم معاه بأدب لأنه من عيله كبيره اوي..وتواافق…سممعت
أومأ محمود دون ان يتحدث،تاركاً لعينيه ترسل دموعها في صمت..
——————————-

التائب عن الذنب كمن لا ذنب له ❤
…..

دلفت روان لغرفتها بعد أن أخذت الطريق كله سب في روميساء وصديقاتها من فعلتها الحمقاء،وقفت روان عند حافة باب الغرفه تتطلع ببصرها تجاه المرآه بخوف…ابتلعت ريقها لتحث نفسها على الدخول مردفه
— جمدي قلبك كده ياروان…انتي طول عمرك جبل مبيتهدش ومبتخافيش من أي حاجه…خايفه المرادي ليه بقاا…عاادي هعتبره فيلم رعب بتفرج عليه وخلاص…مفيش حاجه تقدر تأذيني طول منا مش خايفه
تنفست بعمق لتحض نفسها على التقدم بثبات دون اهتزاز وخوف..
دلفت بالفعل لداخل الغرفه بعد أن أشعلت الضوء بها..ثم جلست على الفراش..لتخرج المصحف الذي حازت عليه من الطفل الصغير..ثم فتحته كأنها تحتمي به وتستجمع شجاعتها منه..فوقعت عينيها على آيه ثانيه تقول:
” (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)
قرأتها روان بصوت عالٍ،ثم توقفت للحظات تعيد قراءتها في صمت،ثم قرأتها ثانيةً بصوت عالٍ،وعادت لتتوقف وتقرأ كل حرف بتمعن وتدقيق…حتى نست الخوف تماماً وحل محله السكينه والإطمئنان..
تنهّدت روان بإرتياح وهي تنظر للمصحف بسعاده

— أنا عارفه ان معملتش حاجه صح في حياتي بس انا على يقين برحمة ربنا وإنه هيهديني ويخليني اتوب..لأني نفسي فعلاً أتوب…محدش واخد حاجه من الدنيا غير عمله..وانا نفسي اعمل حاجه حلوه في حياتي قبل ماأموت
نظرت روان لهاتفها للحظات وهي تفكر بشيء،ثوانٍ وفتحت الهاتف ثم دخلت على تطبيق الموسيقى لتحاول أن تحذف كل الأغاني عندها ولكن شعرت بأن يديها مكبله وشيء ما يمنعها..
وفجأه انطفأ نور الغرفه،فاانتفضت روان بخوف لتحاول نطق أي أيه من القرآن؛فلم تستطيع إستذكار أي كلمه،نظراً لعدم قراءتها لكتاب الله منذ مده كبيره،أي أنها هجرت القرآن واتجهت للمعازف والأغاني،لهذا السبب ترا تلك المخلوقات المخيفه ودائماً ما تراودها الكوابيس التي تثير في نفسها المخاوف..
نطقت روان أخيراً وهي تتحاشى قدر الإمكان النظر لكتلة الشعر السوداء في المرآه
— بسم الله…بسم الله الرحمن الرحيم…بسم الله
ظلت تردد اسم الله..حتى عاد النور كما كان والمرآه مثل ما هي،لم يحدث بها شيء
تنهّدت بصعوبه وهي تبتلع قطرات الريق الذي جف ماوءه في حلقها من شدة الخوف..
ألقت بالهاتف بعيداً ثم احتضنت المصحف بقوه لتتمتم بدموع وخوف
— أنا عارفه إن مستاهلش تحميني يارب عشان عصيتك كتير…بس أنا خايفه…خايفه اوي ياربنا ومليش غيرك اروحله…يارب سامحني واحميني

ظلت هكذا لساعه أخرى،ثم بعد أن هدأ الوضع تماماً،اعتدلت في جلستها لتستند برأسها على الوساد..لمحت كتاب ديني موضوع بجانب المصحف في مكتبتها الخاص بعنوان
“جهاد النفس”.،فقامت لتجلبه على الفور،ثم مسحت الغبار من عليه نظراً لعدم استخدامها لتلك الكتب منذ سنوات..حتى أنها لم تشتريه،بل هي تابعه لوالدها،عندما كان ملتزماً هو الآخر..
فتحت بتلقائيه الكتاب وبدأت تقرأ
— جِهاد النّفس، وهو من أصعب أنواع الصبر، حيث إن الإنسان قد يتنبّه لِما حوله من أحداثٍ وأشخاص، فيصبر على ما يُصيبه منهم، ولكن أن يصبر على مقاومة نفسه وشهواته وردعها عما تُحب، وإجبارها على الاشتغال بالطّاعات والعبادات وكلّ ما هو مفيد للإنسان في الآخرة، هو أمر يحتاج لصبر كبير، فالنّفسُ مجبولةٌ على حُبِّ الهوى والشّهوات والدّنيا، وهي تميل لفعل ما يُريحها، وترك كلّ ما يُتعبها، ولكن هذا هو الاختبار، فتعب النفس في الدّنيا سيأتي بالثّمار الحسنة في الآخرة، أمّا اتّباعها ومنحها ما يُرضيها لا يورث كسب الحسنات، بل قد يؤدي إلى الهلاك..
انتهت من قراءه تلك الأسطر التي بعثت بداخلها بصيص من الأمل أن يهديها الله لتكون على علاقه وطيده بربها..ملجأها الوحيد..
همست بتفاؤل
— أنا هعمل أي حاجه ترضي ربنا عشان يغفرلي ويسامحني…أنا مش ضامنه عمري…لازم اموت وربنا راضي عني..
—————————-

وصل بدر لورشته وبدأ العمل بها بجِد وهو يذكر الله ويرطب لسانه بذكره في كل ثانيه..
مرت ساعتان وهو منهمك في عمله،حتى فوجئ بمجئ عمه مصطفى يقبل عليه وعلى ثغره ابتسامه مشرقه
تنهّد بدر بهدوء،ثم مسح يده من الزيت وشحم السيارات…ليصافح عمه بترحاب وهو مبتسم كعادته،لايكشر أنيابه في وجهه أحد حتى لو تكتلت هموم العالم على أعتاقه..
أحضر له بدر مقعد ليجلس عليه ثم صاح بالعامل عنده
— اعمل كوبايتين شاي الله يرضى عنك ياسيد
امتثل سيد لأوامر بدر الهينه في الحال،ثم جلس بدر أمام عمه ليردف مبتسماً
— عامل ايه ياعمي
أجاب العم بسعاده
— في نعمه وفضل من ربنا يابني…قولي يابدر..فكرت في الموضوع اللي كلمتك فيه؟
بدر بإستفهام

— موضوع ايه.؟
أجاب مصطفى بعفويه
— الله…لحقت نسيت..معلش هعذرك عشان شغلك تقيل…بص يابدر…المثل بيقول اخطب لبنتك ولاتخطبش لابنك…وأنا للمره التانيه بطلبك لنورا بنتي…انا علفكره عرفتها بالموضوع وهي طايره من الفرحه..وأنا مش هلاقي احسن منك يابدر..أسلمله بنتي وحته مني وأنا مطمن
رمقه بدر بدهشه،ثم أطرق رأسه بحيره وخجل،ليغمض عينيه يتنفس بعمق،يحاول أن يجد مفر من كل شيء يطارده وأولهم حبه لعائشه،ولكن يخفق في كل مره يحاول نسيانها…عزم على محو صورتها من عقله وقلبه تلك المره..
رفع رأسه بتوتر ليتأمل أسارير وجه عمه المشرقه،ثم تنهّد بقلة حيله وحزن هامساً
— موافق

يتبع …

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا 

لقراءة جميع فصول الرواية اضغط على ( رواية يناديها عائش )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *