روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثاني 2 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثاني 2 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثاني

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثاني

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثانية

~…التحدي الجميل…~
اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
مزق البرق صفحة السماء الحالكة بالعتمة….ورعدت الغمائم گ أسود تتنازع ببعضها..والبعض الآخر يتناوش من بعيد مشجعـًا القتال فيما بينهما….!
ومطر الليل يأتي بالدفء أحيانـًا ! ..خاصةً بالقلوب التي يملأها الحنين
دقت الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل ..وذهب ليل كان مقداره عشرة أعوام بالنسبة له….
وفي ظل السكون بمكتبه….وبزاويةً ما فيه… على بُعد ليس أقل من مترين بين سريرها وبين النافذة الزجاجية المغلقة.. الذي يقف ثابتٍ أمامها يتأمل وابل من المطر الذي يضرب النافذة ويحجب عنها حقيقة قسوته…
يقف هو كأنه يجمع شيء تائه به …أو يفرق شوق عنيف غمر روحه منذ رؤياها من جديد… حتى يستطع أن يقف أمامها دون أن يطرف بريق اللهفة بعينيه..ولا أن يترك هذا الميل إليها يعود..
وحلم سريع مر أمام عينيه في أقل من الدقيقة…
وهو يركض إليها في عناق طويل لا فراق فيه..وأعتراف آخير كالحقيقة المثبتة لا ريب فيها…
ولكن يظل الحلم حلم ويُنقل تحت قضاء القدر إلى أن يتحقق.
يا الله..لما كل هذا الحب في قلبه لخائنة ؟!
ثقيل هذا الحمل من العشق والانتقام …
ودّ لو يصفع صوت بداخله صاح منذ ساعات أنه لن يتذكرها مجددًا …سخرية من الثقة بأنفسنا لهذا الحد !
أين القوة على الرحيل من شيء وهذا الشيء داخل القلب كالأنفاس؟!
أغمض عينيه بقوة وبتنهيدة أخذ منها بعض القوة على المواجهة…والقلب يقسم أنه لن يضعف….كاذب يا قلب ويعرف!
كانت ليلى تغمض عينيها في ثباتٍ تام …وبجانبها أبنتها النائمة أيضًا…
كأنها تختبر الغفوة الهادئة بعد غربة نفسية ذاقت مرارها طيلة عشرة أعوام ….
ويحدث أن تكون الغربة…غربة من ذاتك..وتبتعد عن كل آمالك وطموحاتك…..لتستطع التأقلم فقط مع واقع ارحم ما فيـه ..أنك تشعر بالوحدة…!
رويدًا رويدًا بدأت تفتح عينيها …ونهض الإدراك مع ايقاظها ببطء…حتى انتفضت من مكانها عندما نطق لسان الرعد مرةً أخرى…وصرخت الطفلة بجانبها ويديها المرتعشتين تبحث عن سبيل لـ طيف لمسة من أمها….أخذتها ليلى بين ذراعيها بضمة خاطفة ….وبدأت الطفلة تهدأ بالفعل …
ثم ذهبت نظرتها اتجاه اليمين… للرجل الضخم الذي يقف عند النافذة…يضع يديه في جيبي بنطاله ويواليها ظهره في سكون….وقفته المعتادة !… الحادة كالسيف ..!
لم تنسى شيء يخصه حتى لو طرفة عين…رغم أنها كافحت كل تلك السنوات كي تنساه !
لو أنها كانت تجر أكياس ضخمة من الرمل في قلب الصحراء لكان عليها ارحم مما عانته بتلك السنوات العشر!
خرج اسمــه من بين شفتيها رغمـًا عن كل شيء قال لها سابقـًا توقفي عن ذِكره لكي لا يُختم على روحك بالخيانة :
_ « وجيــه….»
فتح عينيه من شروده بتلك اللحظة…لم يستدير مباشرةً …تلذذ بخفاء بصوتها الذي كان يظن أنه لن يسمعه مرةً أخرى…ملأ قلبه من وجودها كي يصدق أنها حقًا هنا…بجانبه!
حبيبة الروح..ليلى
ومعذبته التي هجر قلبه إليها ..وسكنها..وتركه هو !
استدار ببطء…لكن القسوة أخذت راحتها على ملامحه من جديد…ونالت من عينيه في لحظة ! وضرب الجليد كافة انحاء معالم

 

وجهه…
وضعت ليلى أبنتها التي تاهت في النوم من جديد على الفراش الصغير بغرفة مكتبه…لا تعلم أن كان يستخدمه للكشوفات ام لغرض الاستراحة السريعة..
وربما أرادت ان تهرب بعينيها لبعض الوقت قبل أن تواجهه… فلا شك بأن طيف الماضي سيتحدث الآن.
في اقترابه رغم الاتزان والثبات شيء خفي يركض إليها…ابتلعت ريقها بقوة وجسدها ينتفض عندما نهضت ووقفت على قدميها….وقفت حافية القدمين برداء أسود طويل محتشم…حتى حجابها كان أسود اللون ..طويل الأطراف…غضٌ الملمس
زادت في الوزن بعض الشيء …امتلأت أنوثة أكثر من ذي قبل رغم شحوب بشرتها قليلًا….ولكن يبقى هذا الشيء الغريب بعينيها الذي يخطف بوادر أي حديث يكاد يقوله…يخطف انتباهه للحظات…يديها الاثنان خاليتان من أي خاتم أو “دبلة”
كانت تلك ملاحظاته وهو يقترب ..خطوة خطوة…ومع كل خطوة تبتلع ريقها وتحاول أن تنظر له ولكنها تخشي أولًا نفسها…..حتى لتلتحق بنظراته الحبيبة.
تبقّى خطوتين …ووقف..!
منطقة أمان للحفاظ على هالته الظاهرة بالسيطرة ..حتى لا تكتشف أنه يقاوم شيء ما .
قــال أخيرًا بصوت جليدي…هدر دون علو ! دون أن يحدث ضجيج ..ولكنه قادر أن يجعلها ترتجف أكثر من هدير الرعد التي تسمعه…..وقال :
_ « قصة زي الغصة ….كانت قصتنا ..لكن مكنتش عارف أنها بالنسبالك هتكون حدوتـه تحكيها لولادك !
الشاطر وجيــه ؟! كام مرة ضحكتي لما أفتكرتيني؟! »
صدمت من معرفتـه بهذا الشيء…ربما أخبرته صغيرتها بالصدفة! فتلك الصغيرة أحبت بطلها الخارق بالقصص وتبحث عنه بكل غريب…ولكنها لن تستطع الافصاح بذلك ……قال وجيه هذا وامتلأت عينيه سخرية بنكهة ” المر ” …ونطقت عينان ليلى دمعة قبل الحديث…قبل أن تتفوه بحرف ….
ارتعشت شفتيها وهي ترفع رأسها وتنظر لها بكسرة…وهمست قائلة بصوتٍ ضعيف قريب من البكاء :
_ « ولا مرة افتكرتك وضحكت! …..ولا مرة …»
قالــت ذلك ورددتها بقصدٍ….نبذة صغيرة عن صدق وحقيقة لابد أن تخفيها…كي تبعده عن لعنة حلّت بها منذ سنوات…
لم تكن ابتسامته بها أي شيء من البهجة…بل مرادف للألم والعذاب ذو الكبرياء الرافض للدموع..
أقترب تلك الخطوة الداعية للخطر بثباتهما الاثنان ..وأشتد الغضب بصوته وهو يقول :
_« وبنتك عرفتني منين؟! ولا يمكن حد تاني..بنفس الاسم!! »
أطرقت ليلى رأسها للأسفل في دموع وعجز عن أخباره أن لا رجل احتل قلبها غيره ….ولكنه استقبل دموعها بموضع اعتراف بالتهم !
أنقذها دخول الممرضة عندما كاد يتحدث بغلظة..ويغرز قلبها بشوك الاسئلة …دقت الممرضة سريعاً ودلفت للمكتب في الحال وبيدها جهاز لقياس الضغط ….نظرت لـ “ليلى” بابتسامة لطيفة وقالـت :
_ « أخيرًا صحيتي ! شكلك كنتِ تعبانة وما نمتيش بقالك أيام…»
توجهت بالحديث لـ “وجيه ” الذي ابعد عينيه عنهما الاثنان في غضب صامت ….وقالت الممرضة له :
_« عايزين حضرتك في قسم العناية يا دكتور … أنا قولتلهم زي ما قولتلي…أنك مع حد تبعك…»
نظر وجيه للممرضة بعصبية وود لو يصفعها على ذلك الأفصاح …تعجبت الممرضة من نظراته وابتعدت خطوة بقلق ثم قالت لـ ليلى سريعاً :
_« الزيارات خلصت للأسف وممنوع البيات في المستشفى للزوار …»
ابتعد وجيه عنهما وتوجه لمكتبه الخشبي …سحب “البالطو” الأبيض من مشجب مخصص له بجانب المكتب حتى استمع لحديث الممرضة وتظاهر بعدم الاكتراث :
_« المسجد بتاع المستشفى برد أوي عليكي.. الدنيا بتمطر جامد والأغطية اللي هنا خاصة بالمرضى ….شكلك تعبتي من البيات فيه ليلة امبارح ! »
كان يرتدي معطفه الأبيض فتوقف عندما انتبه لهذه الجملة!
لماذا تبيت ليلتها هنا ولمن يا ترى ؟! أين زوجها ؟!
لم تسنح له الفرصة ليتابع اسئلته…كانت ليلى تتحدث مع نظرات جانبية خاطفة ومرتبكة ناحيته…وكرهت أن يعرف حاجتها وضعفها بهذه الظروف…
ما كانت أبدًا تلك الفتاة التي هي عليها الآن …
حملت أبنتها بحركة منفعلة وارتدت حذائها بعصبية ثم قالت بصوتٍ غاضب به لمحة بكاء :
_« هبات في أي مكان …مش مهم البرد …»
خرجت من مكتبــه في الحال …وقف للحظة ينظر اتجاه الباب في ضغطة ساحقة على أسنانه…منذ ثانية واحدة كانت هنا..رأفت به الصدف بهذه الدقائق من لقاء انتظره سنوات! يا لسخائها ! ولسخريتها…!
وخرجت من مبنى المشفى ومضت اتجاه المسجد ووجهها غارق بالدموع ….
كان المسجد صغيرٌا ومكون من طابقين صغيرين…الأول خاص بالرجال …والعلوي خاص بالنساء..فصعدت للطابق الثاني الذي ترتفع فيه البرودة نظرًا لخلوا المكان سوى من السجاد الأخضر وارفف عليها عدة مصاحف…
ولكن حمدت ربها على هذا المكان الذي رغم برودته يملأه الطمأنينة والسكينة… يقين بأن الله لا يترك العبد الذي ترتفع يديه للدعاء والنجدة….لبيك اللهم
دخلت بهدوء ووضعت ابنتها النائمة بزاوية بعيدة عن المصلّين وذهبت لتتوضأ.

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
يلتف حوله ثلاثة أطباء بقسم العناية..كان منهما طبيب الماني يتحدث بلغة انجليزية طليقة …. جاهد وجيه ليخطف أطراف الحديث في شدة إرادته بالذهاب والبحث عنها…
رؤيتها فقط…وجودها فقط أكثر من كافي..
انتهى الحديث بينهما ….مع الاتفاق على خطة علاجية لبعض المرضى ..وأتى وقت المرور على بعض مرضاه…
سلّمت ليلى عقب إنهاء صلاتها …رفعت يديها بالدعاء والدموع تغرق وجهها…انتبهت لها امرأة عجوز مسؤولة عن كل ما يخص المكان …وانتبهت للطفلة الصغيرة النائمة التي يبدو عليها الرجفة من البرد…اقتربت العجوز اليها وأتت معها بغطائها الخاص …ثم تمددت بجانب الطفلة وفردت الغطاء على اثنتيهما في صمت …
هدتها ليلى بنظرة امتنان صامتة …لا سبيل للحديث والعجوز تتهافت عينيها على الغفوة …
اطمأنت على ابنتها ثم شعرت بقوة كبيرة من البكاء لا تناسب هدوء المكان وتلك النائمين ..
تسللت للخارج دون ان يشعر أحد وكم احتاجت لأن تصرخ عاليـًا … وتقل كل شيء مر عليها …
تذكرت عينيه التي القت عليها وابل من التهم …هو لا يعرف أي شيء… لا يعرف حبيبها أي شيء …
قصدت الحديقة التي يبث فيها بعض الاضاءة من بعيد ….
دلف وجيــه لمكتبه في حركة سريعة … ظن لبرهة أنه سيجدها ! ولا يعقل أن يبحث عليها بنفسه أو يرسل احد للبحث عنها!
دخلت الممرضة التي كانت تحدثه أثناء وجود ليلى …وبيدها هذه المرة عدة تقارير طبية..
قالــت وهي تفحصهم :
_ « التقارير اللي طلبتها مني جاهزة يا دكتور …..و ….»
قاطعها وجيـه ببعض التردد في السؤال :
_ « هي راحت فين …؟ »
أشارت الممرضة ” منى” لما بيدها وقالـت :
_« التقارير ؟ معايا أهيه يا دكتور…! »
زمّ وجيه شفتيه بنفاذ صبر من غبائها …وقال متحكمـًا بأعصابه :
_« مش التقارير…اللي اغمى عليها وكانت هنا ! »
قالــت منى بعدما فهمت قصده :
_ « راحت المسجد….صعبانة عليا والله ..»
التفت وجيـه كليـًا لها ..وتساءل بلهفة :
_ « ليـه ؟!! »
ضمت الممرضة منى شفتيها في هزة خفيفة من رأسها دلالاه اليأس :
_ « حالتها صعبة أوي..والدها عمل حادثة وكان معاه طفلين وماتوا تقريبـًا ولادها….هو دخل في غيبوبة وربنا يستر عليه ….حالته ما تطمنش …ده غير انها شكلها مالهاش حد ….»
أطرفت عينا وجيه بصمت دون أن يتفوه بكلمة.. ..فتابعت منى مستفيضة بما تعرفه عن ليلى :
_« كانت عايزة تكلم حضرتك عن مصاريف المستشفى…يعني بصراحة هي مش هتقدر تدفعها دلوقتي ….»
شرد وجيه بعض الشيء ….تعجب من الحالة التي وصلت إليها…ولكن ينتهي به الأمر لنفس النقطة…أين زوجها ؟!
تساءل في وضوح هذه المرة:
_ « هي لوحدها؟ مافيش معاها حد ؟! أخ مثلًا …أو زوج ؟ »
كان يعرف أن ليس لديها أشقاء ذكور ولكنه راوغ بالسؤال… فأجابت الممرضة منى :
_ « والله ما أعرف ..ما سألتهاش »
اغتاظ منها … هل من بين ثرثرتها لن تعرف هذا الأمر بالذات ؟! …عاد إلى مكتبه وجلس وهو يقول :
_« قولتيلي أنها عايزة تكلمني…ابعتيهالي…افهم منها الموضوع »
توجست الممرضة “منى” بقلق …فهي من طرحت الأمر وليس ليلى …لم تعتقد أنه سيسرع في التلبية بهذه السرعة!
قالــت بتلعثم :
_« خلاص ..بكرة الصبح هقولها..»
هتف وجيه بتصميم وبعصبية :
_ « دلوقتي …»
كشرت الممرضة بغيظ وقالت :
_« يا دكتور تلاقيها نامت ! هو في حد يتناقش مع حد الساعة واحدة بليل ؟! »
نهض وجيـه من مقعده بعصبية فأسرعت منى مبتعدة ..وقالت بموافقة وتراجع :
_ « دقيقة وهتلاقيها عندك …»
عاد لمقعده بنظرة ثابته….هو نفسه لأول مرة لا يعرف ماذا يفعل…ولو رأى غيره يفعل ذلك لكان انتقده وسخر منه…
ولكنه هو الحب …!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
احتمت ليلى أسفل سيقان شجرة كبيرة تمتد فروعها الطويلة … بكت بكل ما تستطيع من قوة..بصقت بعض من قوة الصراخ التي تسكنها …
لمحتها الممرضة وهي في طريقها للمسجد ….فاقتربت إليها قائلة بحماس :
_ « كويس أني لقيتك بسرعة ….أنا قولت لدكتور وجيـه أنك عايزة تكلميه على مصاريف المستشفى…وشكله وافق…وطلب تروحيله وتكلميه بنفسك وتشرحيله..»
تجمدت ليلى في مكانها وهي تنظر بصدمة للممرضة…هذا ما كان ينقص ! فهتفت بغضب ودموع عينيها تنتفض :
_ « أنتِ أزاي تسمحي لنفسك تعملي كده من غير ما تقوليلي ؟! أنا ما قولتلكيش تكلمي حد !! ولا عايزة مساعدة من حد ! »
اغتاظت الممرضة منى وقالت لها :
_ « أنتِ طلبتي مُهلة عشان تقدري تدبري تكاليف المستشفى…وأنا بحسن نية اتكلمت بدالك مع دكتور وجيه وهو شاف حالتك بنفسه ! أنا غلطانة يعني ؟! انتوا كلكم بتزعقولي ليه ؟! »
لا فائدة في المناقشة مع تلك الفتاة التي يبدو حقاً أنها تصرفت بعفوية…استجمعت ليلى بعض من قوتها ثم احكمت حجابها وذهبت إليه …ولكن هذه المرة بشكل أكثر قوة وقدرة على الوقوف أمامه…
تحتمل أي شيء غير أنه يشفق عليها …!

 

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
كان يدق بقلمه على جسد المكتب في شرود حتى اقتحمت ليلى مكتبه …..رفع نظرته لها في ثبات… ثم ترك القلم ورجع بظهره للخلف على المقعد….
كان يبدو عليها الغضب …واضح جدًا
قال في هدوء تام اغضبها أكثر وهو ينظر لعينيها مباشرةً :
_« اتفضلي اشرحيلي ظروفك…..»
رمته بنظرة عاتبة كانت مدتها ثانية واحدة ثم هتفت بغضب :
_ « أنا مش محتاجة مساعدتك…ولا عايزاك تساعدني…ومش هشرحلك حاجة…أنا هاخد أبويا لمستشفى تانية ودلوقتي حالًا ….
وبعدين اشرحلك أنت ليه ؟! أنا طلبت اتكلم مع المدير هنا أو اي حد من الإدارة ؟! »
ضيق عينيه عليها بقسوة…لو حقا ظاهريًا اتضح أنه يستغل الموقف لصالحه ولكن الحقيقة أنه يحاول أن يساعدها بالفعل….لا يريد الانتقام منها وهي بذلك الضعف..
يريدها ليلى التي تركته منذ عشر سنوات..بكل قوتها وقسوتها..
نهض من مقعده وصوت أنفاسه أربكها …وقف أمامها قائلًا :
_ « لمعلوماتك…المستشفى دي والدي شريك فيها ومعاه اتنين شركا كمان…يعني اعتبريني صاحب قرار هنا….مش بس دكتور »
ابتلعت ريقها بدمعة انزلقت من عينيها رغمًا وقالت :
_ « كل اللي بطلبه منك عربية أسعاف تنقل ابويا لمستشفى تانية…مش هخليه هنا….ومش طالبة أكتر من كده ..»
أطرق وجيه بقبضته على المكتب بعنف وهتف :
_ « أبوكي في غيبوبة لو ناسية ! أي محاولة لخروجه من هنا بسبب عنادك ممكن تعرض حياته للخطر !
لسه الجبروت ماليكي !
لسه العند جواكي !
حتى لأقرب الناس ليكي !
اتنازلي ولو مرة عشان غيرك يعيش ! »
هربت بعينيها من نظراته المحدقة بها بشراسة وكل رمقة تذكرها بما فعلته به….قالت بصوت مرتجف :
_ « ما تدخلش اللي فات في وضعي دلوقتي…اللي فات أنا نسيته ونسيتك ونسيت عشر سنين من عمري معاهم …»
ضغط على نواجذه حتى انتفخت عروق رقبته من الغضب وهتف :
_ « للدرجادي حبتيه؟ ولا اصلًا كنتِ بتحبيه وبتستغفليني؟!
بنتك كانت اصدق منك لما قالت عني أني بقيت “حدوته”»
أطرقت ليلى رأسها للأسفل ببكاء مكتوم حتى أنفعل وجيه أكثر وصاح بمرارة واتهام :
_« لما أنتِ نسياني …ليه وأنتِ على ذمة واحد تفكري في واحد تاني وتحكي عنه حواديت كمان ؟!
ولا خلاص الخيانة بقت بالنسبالك عادي وممكنة ! »
انتفض جسدها من الاتهام الظالم وهتفت ببكاء وحدة :
_ « أنا اطلقت من سنة ! ما حكيتش لبنتي حرف عنك وأنا على ذمة طليقي! ولا كنت اقدر افكر في أي شيء تاني اصلًا لا أنت ولا أي حد ! وأعتبر الحدوتة دي صدفة اسم مش مقصودة..»
رد بسخرية لاذعة رغم أن شيء به ارتاح لجملتها الأولى :
_« كنت احتياط يعني ! حقيقي أنا استاهل….لأني في يوم فكرت أني ادخل واحدة زيك حياتي…غلطة الحمد لله الف مرة أنها مكملتش للآخر…»
وقال قراره الآخير ببريق الكبرياء بعينيه :
_« قرار خروج والدك يخص الدكتور المشرف على حالته…لو وافق يبقى تتفضلي مع الف سلامة وهبعت معاكِ أكبر عربية أسعاف مجهزة فيها والدك لأي مستشفى …..وده اعتبريه الصفحة الاخيرة ما بينا…واتقفلت بأخلاقي…أنما لو رفض فتحترمي قراره وما تنطقيش بعدها…تقدري تتفضلي من مكتبي …»
استدار عنها بعد هتافه…
وكان بهتافه لمحة طرد ! وتعرف أنها احتدت بالحديث وأخفت أشياء كان يظهر بعينيه لهفته لمعرفتها…ولكن النتائج المتوقعة لقرارها من بينها نتائج وخيمة تنذر بالخطر…

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
منذ أن خرجت من مكتبه وهو تائه بالفكر…يعاتب نفسه على هذا الميل رغم أرادته القوية بالانتقام …!
كيف البشر ينتقمون ؟!
كيف يقسون على أحبتهم ؟!
كيف يجمد قلبه أمامها وهو مليء بها…؟!
يعرف أنه يستطع إيذائها ولكن سيطاله الأذى أيضا…رفع هاتف مكتبه ليجري اتصال هام…
اتصال هو الفيصل الآن…
مع الطبيب المُختص….!!
دلف لمكتبه بعد دقائق..امرأة في آواخر الثلاثين من عمرها…
فاتنة … يبدو من مظهرها انها لم تنفك عن الاعتناء ببشرتها وبشعرها الأشقر الطويل
اقتربت ” چيهان ” بمعطفها الأنيق من الكتان الأحمر ووقفت أمام مكتبه بابتسامة ليست صافية تماما …ثم قالت :
_ « ممكن اتكلم معاك شوية ؟ »
تفاجئ وجيه حقاً بوجودها… فقد أصبح انتباهه في اتجاه واحد فقط….تحدث بلياقة وقال وهو يشير لها بالجلوس :
_« اكيد….»
لاحظت شروده وهي تسأله …وجلست أمام مكتبه في ارتباك …ثم قالت :
_« وجيه…أنا عمري ما سببتلك مشاكل سواء لما كنا متجوزين…أو في شغل المستشفى بعد ما اطلقنا…أنا مكنتش متخيلة أني ممكن أقول كده في يوم من الأيام …بس أنا أتمنى أننا نرجع لبعض ..»
صدم وجيـه للحظة من قولها رغم أنه من المفترض أن لا يتفاجأ كثيرًا …فجميع تصرفاتها واهتمامها به بالفترة الآخيرة كان يكشف ذلك….لم يجد إجابة يجيب به حقاً …
الأمر مُحرج للغاية…والإجابة تحتاج كثير من اللباقة .
تابعت چيهان بارتباك وهي تنظر باتجاه آخر غير عينيه:
_ «بعد ما اطلقت ..ارتبطت مرة واتنين وتلاته…كلهم كانوا طمعانين فيا وفي ورثي …أنت الوحيد اللي محستش لحظة أنه طمعان في أي شيء يخصني….»
التمعت عينيها بدموع وهي تضيف :
_« احساس وحش أوي لما ألاقي محدش بيقرب مني غير لمصلحة ….حسسوني أني ما اتحبش لنفسي…. وأني من غير فلوسي ولا شيء !! »
رد وجيــه عليها موضحـًا:
_ « يمكن أنتِ اللي كنتِ بتختاري غلط ؟ »
هزت احد كتفيها بحيرة :
_« يمكن…مش عارفة ….بس أنا اتعودت أن يكون حد جانبي…ولما بابا مات لقيتني تايهة ومش فاهمة حاجة حواليا …مابقتش عارفة أفهم حد..ولا حتى نفسي…أكتر قرار خدته ومرتاحة فيه أني اتكلم معاك … عشان واثقة فيك ..»
نهض وجيه من مقعده وهو لا يجد اجابة مناسبة للرفض حتى لا يجرح شعورها…وقف أمام النافذة ليخطفه مشهد آخر…
ليلته تقف تحت المطر مستسلمة تمامًا ويبدو إنها تبكِ!
تحدثت چيهان لمدة خمسة عشر دقائق…يقسم أنه لم ينتبه لكلمة واحدة مما قالتـه!!
نطق وعينيه لا تحيد عن ليلى وشاردًا تمامـًا بها وحدها :
_« لو سمحتي يا چيهان…الموضوع ده ليه وقت أنسب من كده نتكلم فيه …دلوقتي ماينفعش نتناقش خالص ! »
سخر شيء بعقله…لماذا كل السبل تكن على مصراعيها عندما توجد ليلى فقط !
تخضب وجه چيهان ببعض الاحراج..هي تعرف أنها ليس هذا المكان او الوقت المناسب للتحدث فيه..ولكنها ستنتظر ..فعلى أي حال ..أخبرته وانتهى الأمر.

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
عادت ليلى لداخل المسجد وجلست مستندة بظهرها للحائط …ونال منها الحنين للماضي حتى عادت بذكرياتها عشرة أعوام…
*** عودة بالزمن لـ ١٠ سنوات ماضية ***
محل لبيع الزهور…وتصوير الأوراق والمستندات… مع أضافة الهدايا المرتبة بالأرفف… وبعض الكتب المطروحة بأرفف أخرى…
كان عدة أماكن بمكانٍ واحد.. ومنفذ بيع واحد به فتاتين يعملان فيه.
أما عن زقزقة العصافير التي ترنم بصوتها الشجي الحزين فحدث ولا حرج ، كأنها تُشارك الألم الصامت لتلك الشاردة الجالسة على مقعد من خشب الخيزران.
جلست فتاة أخرى قبالتها تُسمى ” إيمان” بعدما جرّت مقعدٍ آخر وقالت بمواساة :
_« هتفضلي على الحالة دي لحد أمتى يا ليلـى ؟! أختك بقالها تسع شهور متوفيـة وأنتِ حتى ما غيرتيش الأسود! »
اعتلت أمارات الكآبة على وجه ليلى وقالـت بتنهيدة:
_« مش عارفة ألوّن ! بس مش ده السبب الوحيد في حيرتي …»
أطرفت إيمان عينيها بفضول وقلق ثم تساءلت:
_« في حاجة حصلت؟ …»
ازدردت ليلى ريقها بمرارة كأنها تبتلع الخمط المر….وتنهيدة غائرة العُمق بكل ثقل هذا الحِمل والهم الثقيل بصدرها وأجابـت:
_« أبن عمي “صالح” و جوز أختي الله يرحمها….كلم أبويـا الأسبوع اللي فات…. عايز يتجوزني! ….المصيبة الكبيرة أن جدي لأول مرة يكلم أبويا بعد السنين دي كلها… وخيره أني لو ما اتجوزتش ” صالح” هيفضل غضبان عليه لحد ما يموت! »
فغرت إيمان فاها من الدهشة… ثم اغلقت فمها بتقطيبه ارتقت على محياها وقالت بتعجب:
_« هو جدك مكنش ده كله لسه كلم أبوكي ؟!…رغم جواز أختك من أبن عمك من خمس سنين؟! »
شعرت ليلى لبرهة أنها ضاقت من متابعة هذا الحديث…. ولكن تابعت علها تنفض من على عاتقها هذا الهم واستطردت:
_« لأ مكنش كلمه..صالح اتجوز أختي لأنهم كانوا بيحبوا بعض وجدي مقدرش يرفض…. ولا عرف يضغط على أبويا…بس النهاردة بيستخدمني عشان يرجّع أبويا للبلد…طب أوافق أزاي واحط نفسي في جحيم واحد مش قادرة ولا هقدر أنسى أنه كان جوز أختي!
واحط أبويا في دايرة انتقام ثأر وأعرضه للخطر من تاني! »
طرحت إيمان سؤال آخر لتفهم الأمر أكثر :
_« طب وأبوكي موافق؟! ..»
التمعت عينيّ ليلى بالعبرات التي مرت ساخنة على بشرتها الخمرية اللامعة وقالت بصوت متهدج:
_« أبويا محتار وبيفكر…بس أنا شايفة ميل الموافقة في عنيه ! بالذات أن الموضوع مش بس كده…ده عشان ولاد أختي كمان يتربوا في حضني من غير ما تيجي واحدة تقسى عليهم…هو ده الكلام اللي متوقعة اسمعه منه قريب….»
جالت إيمان بفكرها لمدة دقائق وأعادت نظرتها بيأس إلى ليلى وقالت:
_ « مش عارفة أقولك إيه….يُستحسن ما تفكريش كتير في الموضوع ده وسبيها على الله…تعالي نقوم نخلص شغلنا قبل ما بنت صاحب المحل تيجي وأنتِ عرفاها…أنسانة لا تُطـــاق …»
أنتهى دوام العمل لهذا اليوم..وعادت ليلى لمنزلها …لتجد جارتها السيدة ” أم سلمى ” تركض من منزلها ويبدو عليها الخوف..أوقفتها ليلى بقلق وسألتها فأجابت السيدة ببكاء :
_« سلمى أغمى عليها يا ليلى …هروح اجيبلها دكتور يشوفها ..»
ذهبت السيدة في عجالة بينما ركضت ليلى لبيت سلمى مباشرةً….كانت سلمى صديقة الطفولة لها ولشقيقتها المتوفاة أيضاً…لذلك ازدادت عرى الصداقة بالأخص عقب وفاة شقيقة ليلى الكبرى …” صافية ”
دلفت من باب الشقة المتروك على مصراعيه وتوجهت لغرفة سلمى فوجدتها تجلس على فراشها وتبكِ بكاء شديد!
قالت ليلى بغيظ :

 

_ « خضتيني عليكي …»
رمقتها سلمى سريعاً ومسحت عينيها ثم اجابت بصوتٍ متهدج :
_« كنت مضايقة شوية …معرفش وقعت من طولي كده أزاي !! »
جلست ليلى بجانبها وقالت :
_ « طب فضفضي…احكيلي اللي مزعلك…»
ردت سلمى باختصار :
_« مافيش ..عادي يعني …»
هتفت ليلى لتحسها على الاعتراف :
_« يابنتي قوليلي اللي مضايقك يمكن اساعدك !! »
ضيقت سلمى عينيها لدقيقة في هدوء ثم نظرت بمكر لـ “ليلى” وقالت :
_ « فعلًا أنتِ تقدري تساعديني….»
وبدأت تؤلف قصة من نسج خيالها فنهضت ليلى بغيظ وقالت :
_ « يعني إيه يطردك من المحاضرة! هو أنتِ شغالة عنده ؟! ده عايز يتهزأ ! »
قالت سلمى ببكاء مصطنع :
_« يمكن لو عرف أني تعبت مثلًا يبطل يطردني…روحيله وقوليله أني اغمى عليا بسببه وشوفي هيعمل ايه..ده يمكن يجيلي هنا كمان ….»
ابتسمت نظرة سلمى بسذاجتها فقالت ليلى برفض :
_ « اروحله ! أنا لو روحتله هبهدله مش هسكت …»
توسلت سلمى حتى وافقت ليلى على مضض وهي تعرف أنها لن تكتفتي بإخباره فقط بل وسترد له أهانه صديقتها….
وفي اليوم التالي ..تركت عملها وذهبت حتى مبنى الجامعة…وقفت تنظر لبوابة الدخول وتردد بخفوت :
_« طب أنا معرفهوش ولا أعرف حتى شكله إيه اللي موقفني كده ؟! »
شاهدت تجمع من الفتيات يتحدثون أمام المبنى بينما فتاة أخرى وحيدة تقف بعيدًا وكأنها تنتظر شيء…قالت ليلى لنفسها :
_ « هروح أسألها…»
توجهت ناحية الفتاة وطرحت السؤال عليها فأشارت الفتاة في الحال خلف ليلى …استدارت الأخرى لتجد رجل ثلاثيني للتو ترجل من سيارته ويحمل حقيبة أوراق في يده تزاحمت عليه أنظار الفتيات فجأة وبإعجاب شديد….
يسير في طريقه بثقة ونظرة عينيه للأمام باتزان وكأنه ينظر لنقطة لا يحول عينيه عنها…بينما لم يلتفت لما حوله بما فيهم هي…
شردت قليلًا …حتى تفاجئت أنه أختفى داخل المبنى فزمت شفتيها في غيظ من نفسها ومنه !
راقبت حرس البوابة حتى استطاعت التسلل وسط أحد المجموعات دون أن ينتبه لها الحرس واستطاعت الحرم الجامعي…..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
رتب وجيه أوراقه وبعض الأشياء بمكتبه ثم خرج متوجهـًا لأحد القاعات الدراسية ليبدأ أولى محاضراته لهذا اليوم….
قبل أن يدخل وجيه إلى القاعة الكبيرة المليئة بالطلاب بكلية الطب…. تسللت فتاة من جانبه ودخلت قبله ثم استدارت وقالت له بنظرة عدائية :
_« هدخل أنا الأول ! …»
ضيق عينيه بحدة وكاد أن يجيب بعصبية لتصرفها الغير لائق حتى ابتعدت ليلي بخطوات واثقة !
جلست ودفعت حقيبتها على طاولة المقعد الدراسي مما احدث صوت ازعج من حولها….
جلست ليلي وهي تنظر له بعداء غير مفهوم!
تحكم بأعصابه ثم بدأ المحاضرة وبعد عدة دقائق من الشرح نظر إليها بصمتٍ لدقيقة ثم قـال:
_« أنتِ ؟….قومي أوقفي وقولي كنت بقول إيه…»
تظاهرت ليلى بالثبات وعدم الاكتراث بينما ارتجفت بداخلها من الخوف، كيف تردد ما قاله وهي لم تنتبه ولو لحرف واحد!
وما أتت لهنا إلا لشيء واحد…..ويبدو إنها كانت في شدة غبائها عندما فكرت في أهانته ورد ما فعله بينما كان من المفترض أن تخبره فقط ما حدث لسلمى…غبية !
وقفت وهي تبتلع ريقها في توتر ثم أجابت ببساطة:

 

 

_ « وقفت …»
أغضبه تجاهلها لبقية سؤاله فكرر :
_ « قولي كنت بقول إيه؟ بالتفصيل …»
أجفلت ليلى عينيها بارتباك حتى قالت لنفسها ” أتت الفرصة إليها لترد له الصاع” ….قالت بثبات:
_ « مخدتش بالي….قول أنت اللي أنت قولته تاني كده ؟ »
هتف وجيـه بعصبية :
_« تعالــي وهاتي شنطتك معاكي ..»
حملت حقيبتها ثم هبطت الدرجات البسيطة للمدرج وتوجهت إليه بنظرة حادة فقال مطالبًا:
_ « الكارنيه؟ »
شحب وجهها فقد بدأت تخاف حقـًا وتلعثمت وهي تجيب:
_« مش معايا …»
رفع وجيه حاجبيه بدهشة ثم قال:
_ « وأزاي دخلتي؟! »
ضحكت عندما تذكرت محاولة تسللها من البوابة وقالت:
_ « اتسحبت بصراحة ودخلت…هو أنت متعرفش؟! »
بدأت الطلاب في الضحك فنظر اليهم بحدة حتى ساد الصمت مرةً أخرى وعاد إليها بعصبية متسائلًا:
_ « أعرف إيه؟! »
كتمت ضحكتها وهي تستعد للهروب :
_« أنا مش طالبة هنا أصلًا ….»
تابعت وهي تكتم ضحكة أخرى كادت أن تفلت منها :
_« وجيت عشان ازعقلك وأمشي بصراحة وأردلك اللي عملته بس كفاية عليك كده….»
ركضت من أمامه في شدة دهشته مما يحدث بينما صوت خطواتها الراكضة تردد بالمكان …نظر والغضب يملأ وجهه ثم خرج من المدرج….
بعد مرور دقائق كانت تقف بمكتبه بعدما منعها حرس البوابة أن تخرج وذلك عقب اتصال وجيه بأحدًا منهم لأن يمنع فتاة تسللت دون انتباههم للداخل واعطاه مواصفاتها…فشدد الأمن حراسته حتى استطاعوا تحديد الفتاة …
* بمكتبه بالجامعة *
ابتلعت ليلى ريقها بخوف شديد وما كانت تدرك أنها ستقع بذلك المأزق واندفاعها الأهوج ….
قالت له بقلق:
_« أنت زعلت ولا إيـه ؟! »
جلس على مكتبه في هدوء وثقة وارجع ظهره للخلف في نظرة متفحصة للخوف النابض بعينيها …ثم قال باختصار:
_« أظن أنتِ عارفة إيه اللي ممكن يحصلك بسبب غبائك ؟ …»
هزأت رأسها بالإيجاب وقالت بصدق :
_« آه عرفت…. بس ما هو أنت برضو مستفز وتغيظ! »
هتف بعصبية:
_« لمي لسانك ! »
قالت سريعـًا وأسف:
_ « أقصد حضرتك…مستفز وتغيظ…»
تطلعت به لتجد أنه يشتد غضبًا فأدمعت عينيها وقالت موضحة سبب ما فعلته:
_« أنت زعقت لسلمى صاحبتي ومشيتها من المحاضرة عشان دخلت بعدك بعشر دقايق …ورجعت البيت وفضلت تعيط من الصبح للمغرب! »
لم يعرف لما أراد أن يبتسم …فقال:
_« وبعدين ؟ …»
تابعت ليلى ببكاء:
_« وبعد المغرب…روحتلها …ما هي جارتنا وكده، لقيت أمها بتجري في الشارع….»
تساءل وجيه باهتمام:
_« حصلها إيه ؟! »
أجابت ليلى بغيظ وهي تبكي:

 

_ « ما اتغديتش! »
نهض وجيه من مقعدة بعصبية وأشار للباب بحدة قائلًا:
_« اطلعي برا …»
هتفت ليلى مرة أخرى وقالت:
_ « وفضلت قاطعة الأكل من العياط لحد ما أغمى عليها عاجبك كده يعني! أنت السبب ! »
قال بسخرية وهو يقف أمامها بقامته الطويلة :
_« وأنتِ بقى اللي جاية تنتقميلها؟! تفتكري بذكائك كده أن ده سبب كفاية يخليها تدخل في الحالة دي؟! مع أني ما طردتش حد أصلًا !! »
نظرت له بغيظ وقالت:
_ « كنت جاية أفهم اللي حصل لكن لما شوفتك صدقت…أنت بتخوف ومش بتستنى حد يكلمك!! بتمشي زي القطر ! »
نظر لها بصمت حتى استأذنت بارتباك:
_ « سلام عليكوا …»
قال بشعور غامض من اللهفة ليبقيها:
_ « رايحة فين؟! »
أشارت للنافذة خلفه وقالت:
_« هروح شغلي…أصلي بشتغل في محل الورد اللي جنب الجامعة…عندنا مكنة تصوير كمان وكتب…و. »
تراجعت بتوتر من نظرته الثابتة والصامتة عليها وقالت بقلق :
_ « خلاص أسفة…»
ابتعدت ببطء حتى وقفت أمام باب المكتب واندفعت بعد ذلك راكضة واختفت تمامـًا عن ناظريه….
ظهرت ابتسامة على شفتيه ويبدو أنه أخفاها طويلًا…
نهض ولملم اوراقه من على المكتب والابتسامة كانت تتسع على شفتيه كلما ترددت كلماتها بخاطره.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
روت ليلى كل ما حدث بمرح لصديقتها سلمى عبر الهاتف وهي تجلس على المقعد الهزاز بـ ” محل الزهور ”
حتى تفاجئت أن سلمى تعنفها بعصبية :
_« هو أنا قولتلك ادخلي الكلية واعملي كده يا غبية ؟! أنا قولتلك قوليله بس ! شكلي إيه دلوقتي قدامي صحابي ! »
قطبت ليلى حاجبيها في ضيق ثم قالت بعتاب :
_ « ما أنا قولتله اللي أنتِ عايزاه بس بصراحة مقدرتش…وهو أصلًا مسابليش فرصة اكلمه قبل ما يدخل المحاضرة ده شبه القطر محدش عارف يوقفه ! »
تابعت في غيظ :
_« وبعدين زعلانة ليه هو مش طردك من المحاضرة ؟! »
هتفت سلمى وقالت باعتراف :
_« لأ ما طردنيش وكانت أشتغالة استريحتي ؟! »
أغلقت سلمى الاتصال بعصبية بينما تجمدت ليلى من الصدمة…نظرت لها إيمان “زميلة العمل ” وقالت بعتاب :
_ « دبستي نفسك في حوار مالكيش فيه وبقيتي أنتِ كمان اللي غلطانة ؟! ياريت تتعلمي بقى من الموقف ده ! »
وضعت ليلى الهاتف وبعينيها بريق الندم والعبوس …صمتت لدقيقة حتى قالت :
_« عندك حق يا إيمان…أنا غلطت ولازم أعتذر …وبصراحة هو كان محترم معايا حتى لما كلمته بقلة ذوق…»

يتبع…

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *