روايات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الخامس 5 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل الخامس 5 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي البارت الخامس

رواية سيد القصر الجنوبي الجزء الخامس

رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة الخامسة

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
ودققت النظر في وجهه القريب وشعره الاسود المشعث بفوضاوية ، ولكن عجبًا أن زاده ذلك وسامة وجاذبية!.. وشردت بعض الشيء في الأحداث التي مرت منذ ساعات مضت، فأرتسم على وجهها الحزن واليأس …
وعندما قررت النهوض وجدت شيء على الأرض جعلها تحملق بذعر ….!!!
وما مرت دقيقة إلا وكانت فرحة تتشبث بالنائم بكلتا يديها المرتجفتان وتترجاه ليستيقظ، فأنتفض “زايد” من مكانه وقد كان أقرب الظن أن هناك كارثة ستحلّ أو حلّت بالفعل.
ولكن ما رآه كان فأرًا صغير ينحدر بسرعة خاطفة من أعلى الـدولاب الخشبي حتى سقط على الأرض وتسلق مقعد قصير أمام الهيكل الخشبي للمرآة، ثم طاح مبعثرًا أدوات تصفيف الشعر وأحدث ضجيج مزعج..
وانتفضت فرحة صارخة واختبأت خلف ظهر زايد وهي تحاوط كتفيه وتشير للفأر وتقول بهلع:
_ قوم اضربه قبل ما يجي علينــا ….!!

 

 

كان سيبعدها عنه، ليس نفورًا، ولكن حتى لا تشعر بمقاومته ومعركته النفسية، فأزاح يدها عن كتفيه بشيء من القسوة والجمود، ولكنها عادت وتمسكت بكتفيه مرةً أخرى، وكانت بذات الوقت تتوسله لكي ينهض ويبعد عنها ذلك الشيء المخيف، فصاح بها وهو يلتفت قليلًا للخلف وقال:
_ اقوم أزاي وأنتي كده ؟!
وببداية الأمر لم تفهم ما يقصده تمامًا، ولكنها ادركت عندما وعيت لمدى قربها منه وشدة تعلّقها بكتفيه ..!
ارتبكت فرحة وابتعدت عنه حتى نهض زايد متوجها نحو المرآة، ولكن قفز الفأر وركض نحو حمام الغرفة، وصرخت فرحة وركضت مختبأة داخل الدولاب وهي ترتجف وعلى وشك البكاء ..
ولكن كان الفأر قفز مبتعدًا من النافذة الصغيرة للحمام، فوقف زايد ناظرًا له للحظات، ثم اقترب وأغلق النافذة الصغيرة وقد أنتهى الأمر ببساطة ..!
وعندما عاد للغرفة وجدها فارغة ولم ينتبه لها أثناء تسللها واختبائها، فظن أنها لربما اختبأت بغرفةً أخرى، وكان سيقطع تلك الخطوات البسيطة إليها، ولكن تراجع وعادت همته أدراجها فور شروق غضبه منها من جديد، فتنهد بعمق شديد كأنه يحاول استنشاق مكثف للهواء ليصل بقوة لقلبه المختنق .. وتوجه لخزانة الملابس لأخذ منشفة حتى فوجئ بها جالسةً تضم ركبتيها لصدرها وتحاوطهما بذراعيها في حماية … رفعت رأسها ذو الشعر الكثيف التي أكد عليها أن تتركه على لونه الأسود الفحمي دون تغيير، ونظرت له بتوجس وشفتيها ترتعشان من الخوف قائلة :
_ هو مشي ؟!
اضطرب بعض الشيء من تصرفاتها العفوية التي لا ينكر أنها تغويه وقال بثبات ورباطة جأش:
_ أطلعي ..
نظرت فرحة من مكانها الضيق لرحابة الغرفة بعينا مضطربتان واعادت السؤال قائلة بخوف حقيقي:
_ أنا عندي فوبيا من الفيران والصراصير، مابقدرش أشوفهم وأعصابي بتتعب.
كانت تبدو صادقة تمامًا، خوفها لا يعكره الخداع، ولا تشوبه شائبة التصنع والزيف، ومن أكثر منه يدرك معنى أن تضطرب النفس من شيء ؟! حتى لو كان تافهاً كرؤية فأر أو ما شابه ! .. كاد أن يتحدث ، ولكنه أن فعل ستشعر بتعاطفه معها، فنظر لها بحدة ثم ابتعد نحو نافذة الغرفة الزجاجية المغلقة وقال مواليًا ظهره لها :
_ نط للشارع .. اطلعي ..

 

 

تنفست فرحة الصعداء رغم أن جسدها ما زال يرتجف، وخرجت من الدولاب وشعرت ببعض الخدر في جسدها وهي تنهض، وانتفض وعيها عندما وجدته يقف قريبًا وبعيدًا بآن واحد !!!، وتذكرت مأساتها الكارثية معه..
وقالت مرتبكة لتشرح سبب مكوثها بتلك الغرفة:
_ جيت بليل آخد هدومي لقيتك آآآآ.. لقيت حرارتك عالية شوية، عملتلك كمادات لحد ما نزلت .. خوفت أسيبك لوحدك وسهرت جانبك.. معرفش نمت أزاي ..!
كانت كلماتها متتابعة، وأيضًا متقطعة، تتنفس بعمق وتوتر بين الجمل، كأنها تنتقي أفضل ما لديها من كلمات، ورغم صدمتها بما اكتشفته بالأمس، إلا انها لا تريده أن يثور بذلك الغليان المخيف مجددًا…
ومضى لحظات مرت طويلة وبطيئة الحركة حتى قال بصوتً أثار خوفها رغم هدوءه:
_ اللي حصل ده ما يتكررش، حتى لو شوفتيني بموت.
لم تكن إجابته صادمة، بل كانت أكثر من متوقعة، ولكن الصادم أنه لم يعد يترك لها مساحةً للرد !!، فقد ابتعد عن النافذة وأخذ منشفة من الخزانة وتوجه مباشرةً لحمام الغرفة!! ..
وسكنت فرحة قليلًا تنظر للفراغ بصمت، وتملّكا منها مشاعر الحيرة والحزن، سيكون أنفصالها عنه كحكم إعدام لسعادتها، هي تشعر بحدسها أنه بريء وظلم بتلك القضية، وهذا ما أكده والده وشقيقه بالأمس، حتى الطبيب كان يدافع عنه عندما أتى، ولكن يبقى الدليل الخطوة الأخيرة والحاسمة ..
********
تحامل الرجل العجوز على عصاه وتوكأ عليها بجسده المريض وقرر أن يذهب للقصر ليرى أحوال الصغار ويطمئن سيد القصر عليهم بعدما مرت ساعات طويلة وهو طريح الفراش، ولكنه ما أن بحث عن مفتاح البوابة أسفل الوسادة لم يجده !! .. وكرر المحاولة ولم يجد شيء أيضاً، فبدأ يشعر بالقلق وهو يقول بين سعاله الشديد:
_ يا ترى المفتاح راح فين ؟! .. لو مالقيتهوش هتبقى مصيبة وحلّت فوق دماغي ..!
ولم يجد له أثرًا، وهذا يعني أن الفتيات سيبقين مسجونات بالقصر حتى يأتي السيد ! … فخرج من غرفته المجاورة للبوابة الخارجية وقرر الاستعانة بالصبية حتى يفتح البوابة الداخلية للقصر ، وهنا فجع عندما وجد البوابة بالفعل على مصراعيها، وشعر بفزع واشتدت تجاعيد وجهه وهو ينظر للقصر المفتوح بابه على مصراعيه، وللمبنى الآخر المفتوح بابه أيضاً ويبدو أن لا أحد بداخله !! .. جف الريق بحلق العجوز وشعر بدوار وهو يتوجه نحو القصر ..
وبتلك اللحظة كانت جيهان تقطع الحلوى لقطع متساوية تكف الصغار كلهم، وكانت تتعجب من نفسها وهي تبادلهم المزاح والضحكات الرنانة، ولم تشعر بالوقت والمجهود الذي بذلته في أنهاء إعداد الحلوى بتلك الكمية الكبيرة .. وحينها قال شاندو محذرا الصغار من علو صوتهم وقال:
_ وطوا صوتكم شوية لعم مغاوري يصحى ويسمعنا.

 

 

خطف عصفور قطعة حلوى والقاها بفمه متلذذا بذوبان سكرها ومحتوياتها الشهية ثم قال:
_ عم مغاوري لو مشي قطر جانبه وهو تعبان ونايم مش هيسمعه.
تعجبت جيهان من حديثه وقالت :
_ مين عم مغاوري ده وهو فين ما شوفتهوش خالص ؟!
أجاب بقلظ وهو ينظر للحلوى منتظرا بشهية وشوق :
_ ده حارس القصر ، راجل عجوز ويدوب بيتنفس ..
ابتسمت جيهان للصغير وأخذت قطعة من الحلوى وقربتها لفمه، واستقبلها بقلظ بفرحة عارمة وابتلعها بفمه، حتى أثار صوت العجوز خوف الصغار وهرعوا نحو جيهان كطفل يركض لذراعي أمه، ونظر الرجل بريبة للحسناء الغريبة التي تقف بالمطبخ الفسيح وتعد حلوى رائحتها اخترقت أنفه منذ لحظات، وقال بتعجب :
_ أنتي مين يابنتي ؟!
ورغم خوف الصغار إلا أنها ظلت ثابتة وأجابته بهدوء:
_ أنا توهت عن طريقي و…
تدخل شامي بالحديث:
_ وطلع عليها مجرم وكان عايز ياخدها بالغصب، ضربناه أنا والعيال وخليناها معانا يا عم مغاوري .. ماتقولش أننا غلطنا ده أنت راجل صعيدي وجدع وماتقبلش تشوف واحدة في مشكلة وتسيبها..!
كان يقصد الصبي أن يحرج العجوز، ولكن العجوز فطن لذلك وقال بصدق:
_ لا مش غلطانين يا ولدي، بس انتوا عارفين اللي فيها، لو عليا أسيبها أنما يعني …

 

 

ولم يتابع، وبدأت تشعر جيهان بالخوف من هذا السيد المجهول الذي يرتعب منه الجميع، ولا يقبل الغرباء بقصره المخيف هذا !! … ترى ما وراء هذا الرجل المجهول؟! … لابد كارثة أو عقد نفسية أو طباعه هكذا ! …
وقطع تفكيرها صوت أشهاد وهي تتوسل العجوز:
_ سيبها معانا ياعم مغاوري لو كنت غالية عندك ..
وبدا على الرجل الحيرة والتردد في الموافقة، فقالت جيهان بكبرياء:
_ أنا بعتذر عن بياتي هنا امبارح، واضح أن وجودي مش مرغوب فيه، أنا همشي دلوقتي حالًا.
اعترض شاندو طريقها وقال برفض:
_ تمشي لوحدك أزاي في مكان مقطوع زي ده ؟! … لا حد مننا هينفع يجي معاكي ولا هينفع تمشي المسافة دي كلها على رجليكي لأقرب مواصلة من هنا ولوحدك ..!!
عجزت جيهان عن الرد من غمر حيرتها واضطرابها، فقال العجوز بطيبة :
_ خليكي يابنتي لحد ما نشوف حل وترجعي لناسك، بس يعني الخوف من …
قال عصفور وهو يسرق قطعة حلوى أخرى :
_ حتى لو الزعامة وصل مش هيشوفها، هنخبيها ..
قالت جيهان بضيق وقد شعرت أنها مصدرًا للمتاعب والازعاج:
_ لأ أنا همشي دلوقتي، هقف على الطريق لحد ما أي عربية تعدي واخلي صاحبها يوصلني ..
رد شاندو بعصبية :
_ وأفرضي كان زي المجرم اللي ضربناه هتعملي ايه وأنتي لوحدك ؟! … وبعدين اصلًا قليل أوي لما عربية بتعدي من هنا،
خليكي معانا لحد ما الزعامة يرجع ونكون فكرنا هنعمل إيه …
وافق العجوز وقال متابعا لحديث الصبي شاندو:
_ خليكي يابنتي ولما يرجع هنكون دبرنا حالنا ولقينا حل.
شعرت جيهان بشعور غير مريح بسبب هذا الرجل الغامض، بينما اعترفت لنفسها سرا أنها أحبت هؤلاء الصغار ووجدت شيء من السعادة الصادقة والمتعة معهم .. وقبل أن يتركهم العجوز أصر على عودة الصغار الذكور إلى المبنى المجاور، وتم ذلك بالفعل بعد توزيع الحلوى عليهم.
***********
أشارت “سمر” لسيارة أجرة لتقف وتقلها للمشفى، حتى وقفت سيارة وجلست سمر بالمقعد الخلفي وكادت أن تتحدث مع السائق وتخبره العنوان تفصيليًا حتى وجدت باب السيارة يُفتح ويجلس بجوارها “أمجد” .. نظرت له لوهلة فسأل السائق :
_ على فين يا أساتذة ؟!
ابتسم أمجد وهو يفرد جرنال ابتاعه منذ قليل وأختار مقالًا عنوانه مثيرًا للأهتمام للبدء في قرأته ثم قال العنوان للسائق، فسألها السائق وجهتها فرد عنها أمجد أيضا :
_ نفس العنوان يا أسطى. ..

 

 

تعجب السائق للحظة ولكنه لم يكترث كثيرًا للأمر وحرك السيارة متوجها للعنوان المطلوب، نظرًا لعدم رد سمر لتصحيح ما قاله أمجد ..
وظلت شاردة ناظرة عبر النافذة للمبان المتواترة أمام عينيها، ولكنها بعيدة عن كل هذا..
عالمها الآن وفكرها كله يتمثل بالجالس بجانبها، وتمسكه بها هل حبًا حقيقيًا، أم أنه تعلّق وهوس بها لرفضها الدائم له ؟!
ستجيبها الأيام على ذلك ..
***********
خرج زايد من الحمام وهو يجفف رأسه وتفوح منه رائحة عطر صابون اللافندر المنعشة، حتى وجد فرحة تدخل الغرفة بصينية تحتوي على أطباق طعام مُعدة بعناية وترتيب وتضعها على منضدة دائرية بقرب الفراش.
وقالت له برقة:
_ تعالى أفطر عشان تاخد العلاج، والدك رجع بليل بعد ما نمت أنت وادهولي ..
القى زايد المنشفة بأهمال وعصبية وهتف بها:
_ خدي الأكل ده واطلعي برا ، أنا مش عايز منك حاجة …!
كانت تتوقع عصبيته فقالت :
_ عارفة ، بس أنا خلاص حضرت الفطار ..
اغتاظ من ثباتها وتصميمها البقاء، واقترب منها حتى جذبها من مقعدها إليه بحركة سريعة وقاسية، ثم هزها بعنف وقال:
_ أنا حذرتك .. بس واضح أنك ما فهمتيش كويس، أنتي بالنسبالي أنتهيتي .. وجودك معايا هنا لهدف بمجرد ما يخلص هرميكي بعيد عني … ولحد ده ما يحصل اعتبريني مش موجود.
غضبت منه ومن قسوته عليها وقالت بأنفعال كاذبة لترد له الصاع:
_ أنا ما بحاولش اتقرب منك، لكن بما أن مافيش غيري أنا وأنت هنا فمن باب الذوق حضرتلك الفطار عشان تاخد علاجك .. لكن ده مش معناه أني بحاول معاك … أنت اللي فاهم غلط…!!
أشتدت قبضته عليها وهو ينظر لها بعنف وفي حيرة ايلقيها خارج الغرفة في الحال أم يستجيب لتلك الفكرة المجنونة التي سطوت على عقله في الحال، وسيطر على نفسه بأعجوبة وهو يسحبها لخارج الغرفة ويغلق الباب ..
ووقفت فرحة أمام الباب المُغلق ثائرة بعصبية لتعامله العنيف معها، وهجمت على الغرفة مرة اخرى بغضب شديد حتى وجدته يقف أمام النافذة شاردًا .. فهتفت به بصوتً عال وغضب:
_ الفترة اللي المفروض هكون موجودة فيها هنا معاك لازم تحترمني وتعاملني احسن من كده أنا مش جارية عندك ! ..

 

 

وظلت صامتا وساكنا مكانه ولم يعيرها ادنى التفاته، حتى اغتاظت منه أكثر واقتربت منه وهي لا تنكر خوفها من ردة فعله ولكنها صاحت:
_ مش كل ما هاجي اكلمك تطردني برا ؟! … أنا موافقة على الطلاق ومش هحاول اصلًا اقربلك بعد اللي عرفته وشوفته منك ..
وهنا كأنها ضغطت على زر تحوله للجنون، وانتفض عرق بجبينه وهو يلتفت لها وينظر لها بنظرات نارية، فادركت أنها تفوهت بحديث لا داع له الآن فقالت متوترة وهي تعدل ما قالته وتمتص غضبه :
_ زايد .. أنا فعلًا محتاجة اتكلم معاك بهدوء، عايزة قبل ما أمشي أفهم .. مش يمكن ..
كيف يخبرها أنه للآن لم يستطيع الحديث بهذا الأمر؟!
بعد تلك السنوات التي مرت وهو يفر هاربًا من ذكرياته وماضيه، كيف يخبرها وهو لا زال يفشل في مواجهة الأمر ؟!
الذي استطاع فعله بمهارة هو الهروب من الماضي .. ومن كل ما يذكره بأمه .. هي تريد مناقشة تفاصيل كانت ستجعله يتخلص من حياته يوما ما …
أجاب بألم شديد ظهر عليه:
_ طالما مقررة تمشي عايزة تفهمي إيه ؟!
قالت واستغلت الفرصة :
_ أفهم اللي حصل .. من حقي افهم وأعرف منك أنت بالذات.
أغضبته بقسوتها عليه، أم هذا يعتبر غباء منها ؟! … الشرح ليس بتلك البساطة التي تطلبها ؟! .. هل هي مدركة لسؤالها أم أنها الأهم لديها معرفة التفاصيل ولا يهمها مشاعره ؟! … جذبها اليه وهزها بعنف وهو يصرخ بوجهها:
_ أنتي دخلتي حياتي ليه وحبيتك في يوم من الأيام أزاي ؟! … أزاي ما شوفتش أنك غبية وأنانية ومابتفكريش غير في نفسك بصرف النظر هتدوسي برجلك على مشاعر مين ؟!
بقالي سنين كتير محستش أني غبي ومتسرع في اختياري لشيء قد اختياري ليكي !!
استفزها حديثه فقالت:
_ ما تزعلش .. الغلطة هتتصلح وهنتطلق، مش ده قرارك ؟!
للحقيقة … كانت تريده أن ينكر قرار أو يغيره عنادًا معها، هي للآن لا تتخيل أنهما سيفترقان، وفي خضم تهيتها وشرودها بعمق عينيه سرق زايد بعضا قد وصل أشده بعضا من حقه كزوج، جعلها في حالة جمود وتصلب !!
وأن لم تكن أخبرته يوما انها تحبه، فضعف مقاومتها له قد كشف له ذلك .. وهنا ابعدها عنه بنظرات منتصرة وواثقة، جعلتها تهتز من الصدمة مكانها، وتئن غضب والم بآنٍ واحد … وصدمها عندما صاح بحدة في وجهها :
_ أخرجي برا ..
ابتلعت فرحة ريقها وهطلت دموعها ونظرات عينيها الخجلى والهاربة منه، ثم قالت بغضب وهي تبك :
_ أنا بكرهك ..
وركضت من أمامه وهي تترك لدموعها العنان، وظل واقفا ناظرا لها وهي تبتعد وشاردًا … وادرك حد اليقين أنه لن يستطيع أبعادها عن حياته بتلك البساطة الذي كان يظنها بالأمس .. بل أن الأمر غدا اشبه بالمستحيل …!
ماذا يفعل ؟! ..

 

 

************
تفاجئت جيهان بالعجوز وهو يفتح غرفة كبيرة الحجم ومرتبة ترتيب لا بأس به، ولكن بها كآبة غريبة منتشرة بها وقال:
_ دي ألأوضة الوحيدة غير أوضة البنات اللي تنفع تنامي فيها، خليكي هنا على ما احضرلك مكان تاني ..
دلفت جيهان للغرفة ولاحظت وجود قطع ملابس رجالية ، فسألته :
_ هي دي أوضته ؟!
رد العجوز بصدق :
_ آه أوضته، بس ده مايمنعش أنك تباتي فيها براحتك على ما اشوفلك مكان تاني، اوضة البنات مافيهاش مكان ليكي ومش هتعرفي تاخدي راحتك .
تعامل العجوز معها بكرم وطيبة، فأمتنت له لأنها بالفعل لم تأخذ قسطا كافيا من النوم والراحة بغرفة الفتيات، ويبدو أنه ادرك ذلك … فقالت :
_ متشكرة جدًا يا عم مغاوري، مش عارفة أشكرك أزاي الحقيقة.
ابتسم العجوز وقال:
_ لو مكنش رافض اي غريب يدخل القصر لكنت اتحايلت عليكي تفضلي بينا، العيال الغلابة دول فرحانين بيكي أوي.
وتحدثت بصدق :
_ من القلب للقلب يا عم مغاوري، أنا كمان حبيتهم وخدت عليهم بسرعة، من زمان أوي ما ضحكتش زي ما ضحكت معاهم ..
شاركها الرجل عدة أحاديث ثم غادر الغرفة، وتقلبت عينا جينا بالغرفة وامعنت النظر بها، توحي بالكآبة، ولكن على ما يبدو أن صاحبها منظم لدرجة كبيرة .. ويبدو أيضا فارع الطول والحجم .. فقد كان قميصه المُعلق على مشجب خشبي يصل لركبتيها تقريبًا …!!
قررت جيهان أخذ دشا سريع قبل الخلود للنوم لبعض الوقت بهذا النهار، ولكنها تفاجئت بقطع المياه عن الصنبور فتنهدت بغيظ … وقالت :
_ خلاص هنام شوية وعلى ما أصحى تكون المية جت ..
وقبل أن تخلد للنوم سمعت صوت نقر على باب الغرفة، فتوجهت لتفتحه حتى وجدت الصغيرة وصيفة وهي تحمل فستان حريري طويل ساحر ويبدو لفتاة أكبر عمرا منهن وقالت :
_ غيري هدومك والبسي الفستان ده، فضلت ادور عليه لحد ما لقيته ..
اعجبت جيهان بالفستان الرائع وقالت بفضول:
_ فستان مين ده ؟
ابتسمت وصيفة لها وقالت :
_ بصراحة يعني ده بتاع أشهاد ، كان عاجبني ووصفتهولها وهو في المحل، ولما شامي عرف أنه عجب أشهاد جابهولها تاني يوم ..

 

 

نظرت جيهان للفستان وشعرت أن ثمنه يقدر بمبلغ ليس يسير على طفل مثل شامي ليبتاعه ، ولربما يكون سرقه !! .. ولكن ما باليد حيلة فملابسها متسخة ولا تملك غيرها بعد فقدان حقائبها !! .. وأخذته وهي تشكر الصغيرة بابتسامة .. وعندما ارتدته ووقفت أمام المرآة القديمة بالغرفة اتسعت ابتسامتها بأعجاب شديد .. فالرداء يجعلها تبدو وكأنها حورية فاتنة …
ولكنه به عيبًا، أنه يناسب فصل الصيف أكثر من الخريف، وتحتاج لبعض التدفئة …
فذهبت للفراش بعدما وضعت ردائها بسلة الملابس التي تنتظر التنظيف، ودثرت نفسها وتاهت في غفوة عميقة لم تستيقظ منها إلا عندما ودع قرص الشمس السماء وحلّت أول ساعات الليل … ولكن انقطعت الإضاءة فجأة أيضا، فتنهدت جيهان بضيق في فراشها وظلت تنتظر عودة التيار لتنهض وتأخذ حماما سريع ..
***********
استطاع “أكرم” بصعوبة التخفي من الصحافة بعدما غادرت سيارات الشرطة الطريق والبعض يردد اسم الفتاة التي هربت من ترداد الشرطة اسمها عندما وجدو هاتف نقال وأوراق خاصة بها في السيارة ” جيهان ” …
كان هذا الاسم يتردد بعقله وهو يسير منذ ساعات عائدًا للقصر، وقد بات وصوله يُعد قريبًا جدًا.. تقريبًا سيكن أمام القصر بعد نصف ساعة ..
********
ومر بعض الوقت
ودقت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وهي جالسةً على ذلك الفراش بهذا المبنى المخيف، نظرت أمامها وتنهدت ببعض الضيق من فقدانها لأغراضها وعجزها عن التصرف.
نهضت وتوجهت نحو النافذة وهي تسير ببطء حتى لا تتعثر بشيء، وتجدد لرئتيها الهواء، وبتلك اللحظة عاد التيار الكهربائي وانقطع بعد دقيقتان مرةً أخرى، فاطبقت شفتيها بغيظ وقالت:
_ مايه مقطوعة وكمان كهربا! … هما عايشين أزاي في المكان المخيف ده ولوحدهم كمان؟!

 

 

وكان ضوء القمر ينير عتمة الليل بعض الشيء، حتى طرأ لها فكرة عندما سقطت عينيها على المسبح القريب من نافذتها، وقالت لنفسها بابتسامة ماكرة :
_ بما أن كلهم نايمين ومحدش هيحس بيا، يبقى مافيش مشكلة من اللي بفكر فيه.
ولكن ما كانت تعرف أن الدقائق التالية ورغبتها الشديدة في قضاء بعض الوقت بمياه المسبح ستجعلها بمواجهة السيد المخيف وجها لوجه، التقطت منشفة سريعا وتسحبت من غرفتها في الظلام الدامس، حتى خرجت من المبنى المخيف هذا للهواء المنعش الطلق بالخارج.
وتوجهت مباشرةً نحو المسبح بردائها الحريري الفضفاض الطويل، ثم لمست خصلاتها السوداء الطويلة المصبوغ اطرافها بحماس للسباحة وهي تنظر للمياه بأنتعاش…. وتساءلت كيف ستسبح بالمياه وهي بذلك الرداء الطويل الذي حتما سيعيق حركتها؟!، وخشيت أن يستيقظ أحدًا من الصغار فجأة ويأت إليها، فقررت أن تسبح به وتستمتع بوقتها في حذر وترقب، بما أن المسبح بعيدًا عن غرفة الحارس ومبنى الصغار.
وقبل أن تلمس قدميها المياه وجدت ظلًا عملاق يقترب من مدخل البوابة الكبيرة التي يبدو أنها تُركت على مصراعيها دون غلق، ظلا ضخم ومخيف لا يبدو كحيوان، وانعقدت الكلمات في حلقها من الخوف، ولم تلاحظ أن التيار الكهربائي قد عاد إلا من مصباح صغير بعيد قد ادركت منه أن ذلك الظل ليس إلا رجل ..!

 

 

رجل مخيف بلحية سوداء طويلة كرجال الكهوف !
تمتمت جيهان برعب وهي تبتلع ريقها الذي جف تقريبًا:
_ اكيد المجرم رجع تاني أو ممكن يكون .. يكون اللي بيتكلموا عنه الولاد ..؟!!
سكتت وهي تحملق فيه بحيرة وتفكير عندما وقف أمامها يحدجها بنظرات ذهول وغضب لا مبرر له، ولم يسعفها التفكير إلا بالركض من أمامه بأقصى سرعتها، حتى ظن هو للحظة أن ما رآه وهمًا !
وتمنى أن يكون كذلك، لأن لو ما رآه حقيقة سيحدث ما لا يحمد عقباه.
وعندما دخل قصره الذي ليس اقل منه رعبا أضاء المصابيح ونظر بجميع الاتجاهات بدقة .. أن دخل غريبًا حصنه ستكن كارثة، ولا سيٌما أن كانت امرأة !!.
وبدأ يردد بعض الأسماء وينادي بصوتٍ كالرعد، وكأنه يصرخ!. بينما تلك التي ترتجف رعبا تتخفتى داخل كومة هائلة من الملابس والمفروشات التي تنتظر التنظيف، وتراقبه من بعيد بعينان مرتجفتان.
بأي غباء ساقتها قدميها لخارج غرفتها بتلك الليلة الموعودة لوصول …. سيد القصر الجنوبي.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *