روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس و الستون 65 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس و الستون 65 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الخامس و الستون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الخامس و الستون

قلبي و عيناك و الأيام

قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الخامسة و الستون

~… ليلة على النيل …~
دخلت حميدة الغرفة المكتبية التي تتشاركها مع شقيقاتها الثلاث، وقد جهزت لهن خصيصاً منذ بضع أيام.
جلست على مقعد مكتبها الخشبي واجلست الصغيرة على ساقيها وبدت شاردة قليلًا … حتى خطفت انتباه الفتيات الجالسات كل واحدة منهن أمامها حاسوب وكومة من الأوراق التي تحتاج المراجعة البسيطة.
فقالت سما وهي ترمقها بشك:
_ وشك مقلوب كده ليه يا حميدة ؟!
وانتقلت نظرة جميلة من على الصغيرة بمحبة إلى نظرة انتباه وقلق لحميدة وسألت باهتمام:
_ مالك يا حميدة مين زعلك؟!
حررت حميدة تنهيدة مشحونة بالضيق وقالت لتغير دفة الحديث:
_ مافيش حاجة … يمكن صداع بس.
ضحكت رضوى وقالت بشيء أقرب للسخرية:
_ لا أجمدي كده ده احنا لسه في الأول ! …
وقفت جميلة وقالت شيء قد وجدت الوقت المناسب لتخبرهن به:
_ بصراحة بقا أنا شايفة أننا بعد الجواز ننسى موضوع الشغل ده،
كفاية علينا المذاكرة وهم الجواز نفسه مش هيبقى الشغل كمان !
وافقتها حميدة بعدما لملمت تركيزها وعادت منتبهة لأقل التفاصيل:
_ أنا عن نفسي مش هشتغل دلوقتي خالص … أنا جيت معاكم بس الفترة دي عشان ماتبقوش لوحدكم، أخلص جامعة وبعدين نفكر في الشغل … لكن جواز وشغل ومذاكرة ليه يعني الشقا ده !
وأضافت جميلة لتوضيح سبب قرارها أكثر:
_ أنا لاحظت أن الموظفين اللي هنا بيتلمزوا علينا ! … عشان يعني مش معانا شهادة كفاية وشغالين بالواسطة … وبصراحة هي دي الحقيقة مش هنكر ! …. وهو لو كنا اشتغلنا في مكان تاني كنا بقينا لينا مكان لوحدنا كده وشغالين براحتنا وبمزاجنا كده ؟!
قالت سما رأيها الذي ادهش الفتيات:
_ وأنا مع رأيكوا ..
رفعت رضوى حاجبيها عليها بتعجب وقالت:
_ أنتي ؟! …. افتكرت انك هتعترضي زي كل مرة !
تنهدت سما بثقل ونهضت من مقعدها لتقف بوسط الغرفة امامهن وقالت:
_ جميلة عندها حق لما قالت اننا اشتغلنا هنا بالواسطة، مش ده اللي يرضيني، وبعدين أنا قلقانة على أمي ومش صح نسيبها لوحدها كده طول النهار !! ….. هرجع هنا تاني بس وأنا معايا شهادة اشتغل بيها … وخطوة الشغل بس اللي هتراجع فيها مؤقتا.
ضيقت حميدة عينيها بشك وقالت:
_ وأنتي ناوية تقعدي ٣ سنين جامعة تثبتي لآسر أنك تقدري تنجحي ؟! … يعني مش من تاني يوم جواز هتكونوا اتصالحتوا !
ضحكت جكميلة بضحكة عالية ولحقتها حميدة … بينما قالت سما بتعابير ثابته لا يظهر فيها شيء :
_ ده مش سوء تفاهم ومحتاج قاعدة صلح وينتهي يا حميدة!، دي نظرة هو شايفني بيها ولازم اثبت عكسها … ده لو ناوية فعلا افتح صفحة جديدة معاه وأقدر أنسى.
سألتها جميلة بصدق:
_ وأنتي ناوية تفتحي صفحة جديدة معاه؟
صمتت سما للحظات جعلت الفتيات ينظرن إليها بلهفة انتظار إجابتها … خاصة رضوى التي تسير على نفس الخطا مع رعد

 

وربما أزمتها معه أشد !
وتحركت سما تجلس على مقعدها ثانية … ثم أجابت:
_ ده يتوقف على صدقه معايا، … المسألة مابقتش أنهم مشيوا من البلد وسابونا … المشكلة بقت ابعد من كده بكتير، المشكلة الحقيقية أنهم حتى لو بيحبونا بس نظرتهم لينا ما اتغيرتش ! …. احنا أقل منهم في التعليم ودي الحقيقة اللي هتفضل مأزمة نفسيتنا طول الوقت.
اعترضت حميدة وقالت:
_ أنا شايفة أن العقدة بقت جوانا احنا ومش عارفين نتخلص منها ! …. بس طالما هنستثمر طاقتنا دي في شيء مفيد
ونكمل تعليمنا يبقى احنا كده ماشيين صح.
فقالت رضوى:
_ نفضل بس كام يوم كمان عشان شكلنا مايبقاش وحش وبعدين نقعد.
*********
مضت فرحة في القراءة في أحد الكتب التي وجدتهم بالمكتبة وسرحت تمامًا عن أي نظرات تختلسها ديمة إليها بين الفينة والأخرى.
وكانت تلك النظرات منها الساخرة والمستهزءة .. ففرحة فتاة بسيطة جدًا لا تلفت الانتباه لا من النظرة الأولى ولا من العاشرة حتى ! … فما الذي يغريه فيها لهذا الحد ؟!
لولا الصفقة الرابحة التي عقدتها مع زوجة أبيه لكانت رمت شباكها عليه واستغلت وجودها بقربه بهذا الوقت أفضل استغلال ممكن.
ولكنه يبدو بعيدا عن متناول يد أي امرأة سوى تلك الفرحة ذات الرداء الفضفاض والمظهر الأقل من العادي الغير مُلفت على الإطلاق!
وفي غمر معركة خواطرها تلك دلف عامل البوفيه وبيده صينية المشروبات المطلوبة …. قالت له ديمة دون حتى ان تنظر له:
_ سيب القهوة هدخلها أنا ..
غادر الرجل سريعا من المكتب وتعجبت فرحة مع وخزات الغيرة التي دهشت منها :
_ هو لازم السكرتيرة هي اللي بدخل القهوة ؟
ويبدو أن ديمة لم تحب طرح السؤال بهذه الصيغة فقالت بجفاء:
_ مش مفروض … بس اتعلمت ادخلها أنا عشان استغل الفرصة واسأل على أي حاجة واقفة معايا في الشغل … لأن ممدوح بيه مابيحبش حد يقاطعه كتير وهو بيشتغل في مكتبه.
واستشعرت فرحة أن ديمة استاءت من سؤالها فقالت معتذرة :
_ مش قصدي حاجة والله، بس أنا ما اشتغلتش سكرتيرة في شركات قبل كده ففي حاجات كتير مش عرفاها.
وابدت ديمة التفهم بينما ما كان بداخلها النقيض تمامًا، وقالت مبتسمة بزيف:
_ ولا يهمك … قدامي ربع ساعة بالضبط وأفضى وابدأ معاكي.
ونهضت ديمة لتهم بدخول القهوة لمكتب زايد، بينما لم تعترض فرحة طريقها وشعرت ببعض الضيق والخجل بالأمر … إذا سيكون عليها ومن ضمن واجباتها هذا الأمر ؟!
تنفست بحيرة وبدأ يتردد بعقلها خاطرة أن تذهب من هنا بلا عودة …. يبدو ما يحدث وكل شيء هنا لا صلةً له بها.
وعندما وضعت ديمة القهوة أمام زايد الذي كان منشغل تمامًا وأصابعه تتحرك بخبرة عالية على حاسوبه …قالت بصوتً ناعم:
_ قهوة حضرتك ..
هز زايد رأسه دون أدنى اهتمام يزيد عن كونها موظفة ليس إلا … واغتاظت ديمة من هذه الامبالاة … ونظر بانذار وتحذير لها وقال:
_ مش عايز فرحة تضايق من أي شيء ، ولو في حاجة مش عارفة تتعلمها ما تقوليلهاش عليها نهائي وسبيهالي أنا هخلصها.
ولولا نظرته الحادة لها لكانت طلت نظرة استهزاء من عينيها … ولكنها عوضا هزت رأسها ايجابًا وقالت بخضوع:
_ تحت امر حضرتك … ماتقلقش عليها، هفضل معاها لحد ما تتعلم كل شيء.
رفع زايد كوب القهوة لشفتيه وعاد لتجاهله التام لها وهو ينظر للحاسوب مرة أخرى وقال باختصار:
_ تمام.
صرّت على أسنانها دون اعلان ذلك على صفحة وجهها ومضت خارجة من المكتب وصوت حذائها يحدث ازعاج بهذا الهدوء … ومضت ديمة إلى مكتبها ونظراتها الجانبية لم تحيد عن مقعد فرحة، وتفحتصها بنظرات حاقدة حاسدة ..
وابتسمت بنفاق وقالت:
_ يلا نبدأ يا فرحة … متحمسة جدًا اعلمك.
ابتسمت فرحة لها بمجاملة وشكر وبدأت ديمة بأسهل الأمور، ورويدا رويدا كانت تقدم المزيد والمهم ثم الأهم … ومدحت ذكاء فرحة وسرعة استيعابها بشكل مبالغ فيه ويثير الريبة والشك !
وعندما انقضت ساعة أخرى رفعت ديمة رأسها عن الحاسوب التي تتدرب عليه فرحة وقالت:
_ ناخد استراحة بقا.
وافقت فرحة بترحاب وقالت:
_ ياريت … عشان المعلومات ما تدخلش في بعضها.
طلبت ديمة لها ولفرحة عصير المانجو الطازج وبدت وهي ترتشفه غارقة الفكر في طريقة التقرب الى فرحة وصدقاتها لتعرف ما يحوم حولها من غموض ….فقالت مبتسمة برقة:
_ أنتي مخطوبة يا فرحة ؟
تعجبت فرحة قليلا من السؤال المفاجئ ولكنها أجابت:
_ لأ .
رسمت ديمة على وجهها الاستغراب والدهشة وقالت:
_ اكيد الرجالة اتعموا ! …. واحدة في أخلاقك وفي جمالك مش موجود منها كتير دلوقتي …
وابتسمت فرحة لها بمجاملة سريعة، ولم تشعر أن ديمة مقتنعة بما تقوله بتلك الدرجة التي تؤكد بها … فقالت باختصار:
__ ده نصيب وهيجي في وقته.
ردت ديمة بموافقة:
_ عندك حق …. بأذن الله كلها اسبوع او اتنين بالكتير واسيبك وأنتي تمام التمام في الشغل … خصوصا أن مستر زايد موصي عليكي أوي … و…
وقبل أن تتابع ديمة حديثها المراوغ لتعرف حقيقة علاقتها بزايد … سعلت فرحة عدة مرات ولكن كان الأمر ليس إلا هروب من الإجابة على عدة اسئلة آتية تخص علاقتها بزايد … فقطعت عن ديمة استرسال الحديث.
فرمقتها ديمة بنظرة ضيقة ماكرة وعرفت أن فرحة ليست بالبراءة التي تظهر عليها … ولكنها قالت بتظاهر القلق:
_ استني هجيبلك كوباية مية …
وبعد قليل ارتشفت فرحة من يدها المياه واعقب ذلك عودة سريعة للعمل دون اجترار الحديث مرة أخرى.

 

 

********
وبفيلا عائلة جيهان …
كانت قد وصلت لمنزل والديها صباحا عقب ذهاب وجيه للعمل وأتت إلى سمر ….
ولاحظت سمر شرود جيهان وهن يجلسان بشرفة أحدى الغرف فقالت بقلق:
_ إيه واخد عقلك بالشكل ده؟!
انتبهت جيهان لحديثها وقالت بعد تنهيدة ثقيلة الهم وعبء الألم:
_ هيكون مين يعني غير وجيه ! …. المهم سيبك مني، فكرتي في االي قولتهولك ؟
برقت عينان سمر ببريق حائر يطيح به الألم كل لحظة … فقالت باضطراب:
_ مش عارفة أفكر … مش مستعدة ادخل تجربة تانية دلوقتي خالص … وبعدين أمجد حتى لو لسه بيفكر فيا بس عند موضوع الجواز وهيفكر الف مرة … وعنده حق !
تنهدت جيهان مرة أخرى وقالت بقوة:
_ لو بيحبك بجد واتفتحله طريق ليكي من تاني يبقى غبي لو ما اتمسكش بيكي … الحب مش بيجي في العمر كتير يا سمر … وممكن ما نقابلهوش خالص ! ….
قالت سمر بيأس:
_ بما أني اصبحت مطلقة فالمجتمع من هنا ورايح مش هيرحمني، ومش هقدر أدافع عن نفسي لكل حد هقابله، وحتى لو دافعت مش كتير هيصدقوني ! … أكيد أمجد هيفكر في كل ده …
قالت جيهان بعصبية :
_ ليه المطلقة بيتحكم عليها من نظرة الناس بالفشل ! … ليه الناس بتبصلها على أنها ارتكبت ذنب ! …. محدش بيفكر للحظة أنها ممكن تكون مظلومة وشالت فوق طاقتها؟!… كله بيحكم من غير ما يعرف حاجة ! … كله بيحكم حتى لو مالوش الحق أنه بس يسأل ! …. المأساة دي خلت ستات كتير أوي تستحمل الظلم عشان تبعد عن ظلم أكبر مستنيها لو اطلقت …
قالت سمر بكسرة:
_ مش هقدر أغير تفكير كل اللي حواليا …
هتفت جيهان بها والتمعت عينيها بالدموع:
_ أنتي لازم تقوي ! …. أنتي ما عملتيش حاجة غلط!، أنتي كنتي ضحية لواحد كداب ظلمك وكدب عليكي وعيشك في جحيم … ماتسمعيش لأي حد ممكن يهز ثقتك في نفسك … وبصي لبكرة وفكري في نفسك …
شعرت سمر أن جيهان تعاني شيء لم تريد الافصاح عنه، أو ربما لا تستطع قوله … دموعه عينيها تسبق كثير من الأحاديث …خاصة التي تشير للطلاق وأموره.
فأجابتها بصدق:
_ هقوى … بس محتاجة وقت، مش قادرة أفكر دلوقتي في ارتباط جديد.
صارحتها جيهان وقالت:
_ أنا مكنش المفروض أقولك على مقابلة وجيه وأمجد … بس أنا ست وأقدر أفهم مشاعرك أكتر من وجيه، حسيت أنك محتاجة تعرفي أن لسه في انسان مستني بس اشارة منك … انسان بيحبك بجد وباين في كلامه، بس طالما أنتي محتاجة وقت يبقى تمام … المهم ماتكونيش رافضة الفكرة بحد ذاتها ؟
ولكي تكون سمر صادقة مع نفسها قالت:
_ مش رافضة أمجد، بس محتاجة فترة هدوء قبل ما اقابله …
*******
عند نهاية دوام العمل بالمشفى جلست حميدة بسيارة يوسف تنتظره حتى يأتي …. وتمسكت بالصغيرة التي توسلت لأمها ليلى حتى تبيت معها هذه الليلة ووافقت ليلى على مضض …. ثم أتى يوسف وجلس بمقعد القيادة وبدأ يحرك سيارته دون ادنى كلمة لحميدة …
نظرت له حميدة بغيظ وتمالكت أعصابها حتى مضت بعض الدقائق وقالت بعتاب :
_ لسه زعلان يا يوسف ؟!
اخفى يوسف أي معالم للابتسامة الذي يشعر بها وقال بجمود:
_ آه
قالت الصغيرة وهي تشاكسه ليضحك:
_ كنافتي ما تزعلش.
وكان يوسف يضحك من اللقب الجديد الذي أتخذته الصغيرة في هتافها له …. فقال وهو يمرر يده على رأسها سريعا:
_ كنافتك مش زعلان منك يا ريمو….
قالت حميدة وهي تضحك :
_ لأ كنافتي زعلان !
صحح يوسف وقال:
_ أنا كنافة ريمو بس .. مش حد تاني !
ضحكت الصغيرة عاليًا وشاركتها حميدة ريثما أنه بدا عليه طيف من المرح …. فقالت بصوتً ناعم قصدته:
_ أنا اسفة .. خلاص بقا.
كتم يوسف ضحكته وقال بثبات:
_ مستحيل ..
اغتاظت منه حميدة وهمست للصغيرة بشيء …. ثم ظهر العبوس على وجه الصغيرة فجأة وقالت له:
_ يوسفي … أنا مخصماك .
رفع يوسف حاجبيه تعجبا وقال بدهشة:
_ وأنا زعلتك في ايه؟!
هزت الصغيرة رأسها بتصميم وقالت:
_ مش عارفة بس مخصماك … حميدة قالتلي كده.
سخر يوسف وقال:
_ كنت متأكد !
فردت عليه حميدة بضحكة واثقة:
_ ماشي … هنشوف بقا مين اللي هيصالح التاني ! … أنا وريمو اللي هنكسب ولا حضرتك !
قال بعينان ضيقة :
_ بتتحديني يعني ؟! …. اوك موافق …
وهمست حميدة بشيء للصغيرة جعل الصغيرة تضحك بقوة … فنظر اليهم يوسف خلسة وتأكد من هزيمته !
*********

 

 

وعند دخول المساء …
قد عادت جميلة منذ وقتّ طويل للمنزل ومعها شقيقاتها كل واحدة بسيارة زوجها ….. وانتظرت حتى خلت الردهة من الخدم وتسللت لقاعة الرياضة وبيدها كيس أسود يخفي بداخله شيء….
فتحت الباب بهدوء ثم استدارت واغلقته جيدًا بالمفتاح حتى لا يتسلل إليها ذلك الذي لا يعرف للحياء طريقا …
وتنفست الصعداء وهي تلتفت وعلى وجهها ابتسامة … حتى تجمدت عندما رأت جاسر يضع منشفة على كتفه العاري ويقف خلفها بابتسامة ماكرة ….
فقال بنفس الابتسامة المستفزة:
_ جيالي الجيم وبتقفلي علينا بالمفتاح ليه يا جميلة ؟! …. هو عشان أنا هنا لوحدي يعني ؟!
جف ريقها تقريبًا واستدارت سريعا كي تهرب ، ولكنه جذبها اليه وقال بضحكة ماكرة:
_ بتهربي ليه ضفدعة ؟! …. هو مش أنتي جيالي مخصوص في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟!
دفعته عنها وقالت بغيظ :
_ هجيلك ليه ما انت في وشي ليل نهار في البيت وفي الشغل ! …. بصراحة بقا أنا جيت العب رياضة، حاسة أني تخنت من وقت ما وصلت هنا وعايزة أخس شوية..
مرر جاسر عينيه عليها بدقة وابتسامة خبيثة ثم قال:
_ مش عايزك تخسي يا بطوط …
كتمت جميلة ضحكتها بالكاد وقالت وهي تتجه لأحدى آلات الركض :
_ الخسسان حلو ، عايزة أبقى رشيقة … وسع كده خليني اتمرن.
نظر جاسر للكيس الأسود البلاستيكي الذي بيدها وأشار له قائلا :
_ ايه اللي في الكيس الاسود ده ؟! …
قالت جميلة بثقة:
_ ده الترينج النبيتي بتاعي وكام سندوتش كده عشان بجوع بسرعة.
مرر جاسر يده على رأسه ثم ضحك رغما عنه بصوت عالي أغاظها … فقالت :
_ هروح اغير وأجي … ما اشوفكش هنا .
قال بغمزة من عينيه:
_ اومال مين اللي هيمرنك ؟! … أنا الكابتن هنا ….
قالت بثقة لم تكن تشعر بها حقا:
_ هتمرن لوحدي، اتعلمت من النت وجاية اطبق …
أشار لها وقال بحماس:
_ البسي الترنج النبيتي ده وتعاليلي …. بس على فكرة لو لسه جديدة في التمرينات هيجيلك شد ومش هتعرفي تروحي الشغل بكرة …
هزت جمياة رأسها وهي تتحدث بمنتهى الثقة وقالت:
_ لا أنا جامدة …
سخر منها وقال بتحذير:
_ مش حكاية جامدة … لو الجسم مش متعود على التمرين والعدات طبيعي يتعب في الأول دي مافيهاش جدال …. بس جربي مش هتخسري حاجة.
ذهبت جميلة على استحياء لحمام مرفقة بقاعة الرياضة الواسعة ، ثم وبعد دقائق خرجت ببطء وهي ترتدي ” الترينج” النبيتي وتلف رأسها بحجابها القصير … وعندما رأها وقف ناظرا لها مبتسما بنظرة ضيقة خبيثة للحظات ….. وتهربت من نظرته فقال:
_ الطرحة مش هتنفع في التمرين … انا جوزك لو ناسية يعني ومافيش حد هنا غيرنا اصلا..
قالت معترضة ولكنها كانت تحب أن تغيظه وتضحك لنفسها:
_ لا مش هشيلها …
لم يسمح لها لمزيد زمن الرفض ووجدت نفسها محمولة على ذراعيه حتى آلة الركض … ووضعها بجانبها ثم قال :
_ خلاص انتي حرة ! … يلا نبدأ …
أرشدها ببدء تمرينات أولية لتجهيز جسدها لتمرينات أخرى … ثم استخدمت آلة الركض بعد ذلك على سرعة متوسطة …. ورغم ذلك لهثت بأنفاس عالية وتصبب جبينها العرق الغزير ….
وراقبها جاسر بضحكة مكتومة وقال:
_ لسان طويل انما الحقيقة.. كريم كراميل !
*********
انتبهت كلا من وداد وابنتها سما لدق خفيف على الباب …. فنهضت سما وهي تحكم حجابها قبل أن تفتح بحركة روتينة ..وتفاجئت أن الطارق آسر !
ابتسم لها ابتسامة لطيفة ثم تحدث مع الأم وقال:
_ مساء الخير ..
أجابته وداد بألفة … فتابع آسر :
_ بعد أذن حضرتك هاخد سما اتكلم معاها شوية في الجنينة …
وأحبت وداد بشكل خاص سلوك الأدب في تعامل هذا الشاب، فهزت رأسها بموافقة اكيدة وابتسامة ودودة ….. فنظر آسر لسما وقال :
_ تعالي معايا يا سما …
وكانت سما ترتدي ما يليق أن تظهر به أمام شباب العائلة جميعهم … وخرجت معه مباشرة من الغرفة …. ثم أتى الصبي نعناعة لعمته وداد وقد لاحظ خروج سما مع آسر وقال بتعجب:
_ هو استأذن منك ولا ايه يا عمتي ؟
اومأت وداد بالايجاب فقال الصبي مجددا :
_ ماحستكيش بتقلقي منه زي ما بتقلقي من جاسر ورعد !
ضحكت وداد وقالت:
_ ده أنا قلقانة عليه ! … دي سما بنتي دي تعقد بلد وتطبخلهم نكد!
هم الصبي نعناعة للشرفة وهو يضحك على مقولة عمته ….. ثم راقب سما وهي تسير بهدى بجانب آسر بمدخل الحديقة وقال وهو يكتم ضحكته:
_ شوفي ماشيين أزاي ؟! …. دول مش واحد ومراته ولا حتى خطيبته … دول أسرى حرب مستنين التسليم !
ضحكت عمته وداد حتى احمرت عينيها والتمعت من الضحك.

 

 

************
وقف وجيه بسيارته عند مبنى عال لاول مرة كانت تراه ليلى …. قالت بابتسامة وهي تخرج من السيارة بواسطة يده:
_ المكان ده جميل أوي … أول مرة أشوفه!
وكان هذا المبنى يطل على النيل مباشرة ويبدو أنه شيد حديثا …. فقد كانت عمارته تعود للطابع الروماني القديم …. وصعد معها للمبنى التي كانت فكرته في الاساس هي مطعم يقدم الأكلات البحرية الطازجة …. بينما ما يميزه هو أن الأماكن به منفردة وبعيدة عن بعضها وذات أضواء خافته ….
أجلسها وجيه على مقعد مبطن بالقطيفة الأحمر وأمامها طاولة دائرية بيضاء زاهية اللون …. وجلس قبالتها وطلب بعض المشروبات سريعا …. ثم قال بابتسامة واسعة :
_ لسه مكتشف المكان ده امبارح ….. الميزة هنا أن مافيش حد معانا … تتكلمي، تضحكي، نتكلم براحتنا… محدش شايفنا …
نظرت حولها تتفحص المكان المضاء بإضاءة بالكاد تستطع أن ترى فيها الوان المقاعد .. وقالت بأعجاب:
_ فعلا جميل أوي …
وبعد قليل وضعت فتاة المشروبات وغادرت سريعا لأعداد العشاء واختفت عن الأعين … وتسلل لأذن ليلى نغمات موسيقية هادئة وساحرة وكأنها تأني من الموجات الممتدة على صفح مياه النيل الساقطة عليها ظلال أضواء متعددة كقوس قزح …
*********
وقفت فرحة بالطريق حتى توقف سيارة أجرة تقلها إلى منزلها … ريثما أن من الصعب أن تنتظر عربات الاتوبيسات الشعبية بهذا الوقت …. حتى ترجل زايد من سيارته بعدما وقف يراقبها طويلا … وكانت تدرك بوجوده وتتحاشى النظر اليه…. واقترب منها وهو يتحامل على العكاز ليصل اليها …. ثم وقف بالقرب وقال باهتمام واضح :
_ تعالي معايا هوصلك يا فرحة … اقصد يا آنسة فرحة …
ازدردت ريقها وأجابته بثبات:
_ ماينفعش اركب معاك عربيتك أنا أسفة …
ووقف لها سائق سيارة أجرة وقالت لزايد بنظرة رقيقة:
_ بعد أذنك ..
جلست فرحة داخل السيارة وما كادت أن تأخذ وضعيتها في الجلوس حتى وجدت زايد يجلس بالمقعد الفارغ بجانها … حملقت فيه بدهشة فقال للسائق:
_ اتحرك يا أسطى …
سأل السائق:
_ العنوان يا اساتذة ؟!
زمت فرحة شفتيها للحظات … رغم الأطمئنان الذي حل بداخلها بوجوده …. وأخبرت السائق العنوان وهي تلتفت لاتجاه النافذة وتتغاضى عنه وجوده … ولو كان بالتظاهر حتى !
وانتظر السائق عنوان الراكب الآخر فأخبره زايد بنفس العنوان ….
فتمتم زايد مبتسما بعدما تحركت السيارة:
_ فكرة كويسة …. حد يوصلنا احنا الاتنين !
وابتسمت وظنت أن ابتسامتها محجوبة عنه … ولكنها ظهرت في انعكاس وجهها على زجاج النافذة بجانبها … وغرق بها كليًا …

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *