Uncategorized

رواية هاربة من الماضي الجزء السادس 6 بقلم يمنى عبد المنعم

 رواية هاربة من الماضي الجزء السادس 6 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية هاربة من الماضي الجزء السادس 6 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية هاربة من الماضي الجزء السادس 6 بقلم يمنى عبد المنعم

تعالى رنين جرس الباب بإصرار… تأفف بضيق وهو ينظر بساعته بنعاس شديد قائلاً بحدة:- ده مين المزعج ده اللي جايني من الصبح.
فتح الباب بضيق… وما أن رأى وجه الشخص حتى كسى الإصفرار الشديد وجهه وتصبب جبينه بالعرق وطار النوم من عينيه… ولم يمهله منير الوقت الكافي للتفكير الكثير أو التحدث إليه، بل باغته بلكمةً قوية في فكه…
قائلاً بغضب:- أنا هخلص عليك يا كلب…. تراجع بخطواته المتعثرة إلى الوراء من أثر هذه الضربة… ولم يمهله منير أيضاً الوقت الكافي للتألم.
فإذا به يتمسك به من كتفيه ويضربه بركبته في بطنه حتى صرخ صلاح من الألم قائلاً بوهن:- أنا عملت إيه لكل ده يا منير…
عاقبه بركلةٍ أكبر في بطنه حتى صرخ يترجاه… قائلاً:- كفاية يا منير…. كفاية انا معملتش حاجه… بقى معقوله تضرب ابن خالك كده.
ذم منير شفتيه بقوة وهو يجذبه نحوه بخشونه قائلاً بصوتٍ غليظ غاضب:- إخرس خالص متجبش سيرتي على لسانك، ده أنا لو بإيدي كنت خلصت عليك وريحت الدنيا كلها من شرك… يا مجرم… بس خسارة أدخل فيك دقيقة واحده السجن…
هتف به بوجع قائلاً برجاء:- طب أرجوك كفاية أنا تعبت نتفاهم الأول.
كان يضربه بدون أدنى شفقةً أو رحمة من جانبه قائلاً بانفعال:- أنا مش هسيبك إلا لما أجيب حق البنت المسكينة اللي انت ضحكت ونصبت عليها ها.
هنا اتسعت مقلتيه بصدمةٍ عارمة قائلاً بعدم تصديق:- بنت مين تقصد… فصفعه بقوة أودته أرضاً بعنف قائلاً بقسوة:- القلم ده يمكن يفكرك بيها ولا تكون فاكر إن المسكينة المظلومة دي ربنا هيسيب حقها يضيع مع واحد زيك عديم شرف وكرامة.
بُهت وجهه بشدة وحاول نزع نفسه من قبضتي منير دون فائدة تذكر عندما هجم عليه مرة أخرى.
قائلاً بألم:- طب إهدى وأنا هفهمك على كل حاجه…. فركله في بطنه فتعالت عندها صيحاته من شدة الألم.
فقال له منير بغضب:- هتفهمني إيه يا مجرم طول عمري بنبهك من واحنا في الجامعة ومفيش فايدة فيك… إنت إيه يا أخي الإجرام في دمك.
تألم بشدة ثم ترجاه قائلاً بلهجة ضعيفة:- طب هفهمك بس اصبر…. صرخ به بعنف قائلاً: هتفهمني إيه يا مجنون انت، هتفهمني انك نصبت على المسكينة بعد ما وثقت فيك…
نجح صلاح من نزع نفسه هذه المرة أخيراً… غير قادر على فهم كيف وصلت كل تلك المعلومات إلى منير قائلاً بصدمةٍ وذهول:- انت شفتها فين…!!!
هتف به بحدة غاضبة:- وانت مالك بتسأل ليه ها… ولا عايز تعرف مكانها وتبلغ عنها مش كده.
شحب وجهه كثيراً وتردد في إجابة سؤاله… ودون أن ينتبه أمسكه منير بكفيه من مقدمة ثيابه بعصبية.
فوضع في صلاح ذراعه يحمي وجهه الذي امتلأ بالكدمات الكثيرة، قائلاً بوهن:- أرجوك أسمعني طيب الأول.
ذم شفتيه مغتاظاً منه قائلاً بلهجة صارمة:- قدامك بس خمس دقايق تقول فيهم كل حاجه بعد كده بقى انت الجاني على نفسك.
ابتلع صلاح ريقه بصعوبة بالغة محدقاً به بنظراتٍ زائفة قائلاً بنبرة يشوبها الخوف:- ليال أبوها كان على صلة قرابة من بعيد من أمي…. وكنت بعرفها من فترة كبيرة وعرفت انها عايشه لوحدها في بيت جدتها اللي تولت رعايتها بعد ما أبوها مات.
وعرفت كمان إن ليها ميراث كبير يقدر يطلعني لفوق زي ما أنا عايز.
فبدأت اتقرب منها أكتر… وزاد قربي ليها ووثقت فيه بعد ما جدتها ما ماتت وبقت لوحدها فده عطاني فرصة إن اكسب وقت للي بخطط ليه طول الوقت، واقترحت عليها نعمل مشروع كبير.
كانت مترددة في الأول بس بعد كده اوهمتها إني بحبها وده سهلي الموضوع كتير أوي، وعملتلي التوكيل بسرعة كمان…. وعن طريقه أخدت كل اللي ورثته وكتبته بإسمي بيع وشرى.
كل هذا يتابعه منير بوجه عابس غاضب يريد قتله والفتك به عن كل حرف تفوه به.
ضغط بشدة أكبر على رقبته كأنه ينوي خنقه هادراً بانفعال:- كل ده يا مجرم تعمله بالمسكينة دي بدون ذنب عملته… قولي يا سافل على جريمة القتل اللي مقولتهاش فاكرني مش عارفها.
جحظت عيناه بشدة من كثرة ذهوله… فقد ظن أنه لن يعلم عنها شيئاً، لكن العكس هو الصحيح.
قائلاً بصدمة:- انت… انت… عارف عنها، فهزه بشدة من ثيابه قائلاً بعصبية:- طبعاً عارف كل مصايبك يا مجرم…. بقى معقوله ليال البنت البريئة تقتل.
جف حلقه وتصبب جبينه بالعرق من الرعب الذي أصابه جراء هذا السؤال.
فضربه منير في فكه ليجيبه على تساؤله.
قائلاً بغضب:- رد يا حيوان… رد يا جبان..
صرخ به يترجاه قائلاً بوجع:- هقول…. هقول…. انا أخدتها في يوم عمارة لسه جديدة وخلتها تظن إن دي العمارة اللي هنعمل فيها مشروعنا سوا وهيه طبعا صدقت وفرحت … ولما حاولت تمشي من المكان علشان ملقتش حد غيرنا…. شربتها عصير وحطيتلها مخدر وأوهمتها إنها قتلت واحد لما صحيت علشان لما تكتشف اللي حصل مني متقدرش تبلغ عني الشرطة.
اتسعت عيونه كثيراً متذكراً حديثها عن إخباره بالحقيقة وتوقفها عند شربها العصير.
ففهم منها أنه حدث معها شئ آخر تخفيه عنه خجلاً منه أو شيءٌ آخر لا يدري ما هو.
ضم منير شفتيه بقوة قائلاً باهتمام بالغ:- يعني الراجل عايش أكيد…. وعملت إيه وهيه متخدرة انطق….
ابتلع صلاح ريقه بصعوبة وقلبها ينبض بسرعة… متذكراً أنه كان يلامس وجهها وجسدها بأنامله بطريقةٍ بشعة كالذئب الجائع لفريسةٍ سهلة وجدها بطريقه دون تعب…
فكثيرا حاول معها أن يقترب منها لكنها كانت تصده وتبتعد عنه متعللة بأنه لابد من زواجها منه الأول قبل أن يلمسها.
وضعت غادة طعام الغداء على المائدة قائلة ليال: يالا كُلي يا حبيبتي متتكسفيش مني إنتِ زي أختي الصغيرة بالظبط.
خجلت منها قائلة بهدوء ظاهري:- مش مكسوفه ولا حاجه وهاكل أهوه.
بدأت بالفعل تأكل وعيني غادة تراقبها وهي تبتسم لها تطمئنها، وولدها يقول:- ماما خلي طنط ليال تلعب معايا بعد ما ناكل.
ضحكت غادة قائلة:- بس طنط مش صغيرة علشان تلعب معاك.
وقبل أن يجيبها ردت ليال قائلة بحنان:- لأ عادي كُل الأول واحنا نلعب سوا يالا.
ابتسمت والدته قائلة:- شكله اتعلق بيكِ بقى… تنهدت بأسى قائلة بصوتٍ مخنوق:- يمكن علشان عايش وحيد ملوش اخوات يكلموه… وانا أكتر واحده حاسه بيه.
شعرت غادة بأنها محقه فيما تقول، وأحست بأنها ستبكي من خلال دموعها الحبيسة قائلة بلهجة حانية:- انا عارفه أن ظروف ابني مشابهه لحالتك ورغم كده أنا بحاول أعوضه ده وأنتِ كمان لازم تكملي دراستك ومتوقفيش وأكيد ساعتها هتقدري تقفي على رجليكِ من تاني وتشتغلي ومتحتاجيش لحد.
انهمرت دموعها التي تحبسها منذ قليل قائلة بألم:- إزاي أكمل وأعيش كل ده وانا متهمة بجريمة مش فاكره عنها أي حاجه.
هنا استمعوا إلى صوتٍ جاد يقول:- بس أنتِ بريئة يا ليال.
إلتفتت كلا منهما باتجاهه، وهبت غادة من مقعدها وأخذت طفلها وغادرت المكان قبل أن يستكمل حديثه.
فقد فهمت من نظراته المتفحصة لها بأنه يريد أن تتركهما بمفردهما.
تجمدت أطرافها في مكانها دون أن تقوى على التفوه بأي حرف… اقترب منها منير وجلس أمامها قائلاً بلهجة حاسمة:- صلاح اعترف بكل حاجه وجات الشرطة وأخدته وهيتحاكم على كل حاجه عملها فيكِ…
زاغ بصرها على محياه غير مصدقه ما تفوه به قائلة بذهول:- مش معقول أوام كده… طب وجريمة القتل.
زفر بضيق قائلاً لها بهدوء مفتعل:- أنتِ مقتلتيش أي حد ياليال هوه أجر واحد عمل نفسه مقتول قدامك علشان يفضل ضاغط عليكِ على طول وتسكتي ومتبلغيش عن كل جرايمه في حقك.
بُهتت ليال من استماعها لكل ذلك وأنها بالفعل بريئة مما حدث معها منذ ثلاثة أشهر مضت…
والتي مرت عليها كأنها ثلاثة سنوات… وستسمح لها الحياة من جديد فرصة استكمال تعليمها التي أوقفته رغماً عنها.
قائلة بنبرة مرتعشة:- يعني…. يعني…. خلاص… بجد هعيش حياتي من جديد، من غير خوف من صلاح ولا تهديده ليه طول الوقت.
اومأ منير برأسه بالإيجاب قائلاً بجدية:- طبعاً يا ليال وهتكملي تعليمك كمان وانا وعدتك إني هقف جنبك وهساعدك…. بس الأول لازم تكملي علاجك النفسي مع الدكتور طارق.
هزت رأسها سريعاً بالموافقة قائلة بتوتر:- انا مش عارفه اقولك إيه ولا أشكرك إزاي يا مستر منير…. حضرتك وقفت جنبي في وقت الكل اتخلى عني… من أول ما عرفوا أن خلاص مبقاش معايا فلوس زي الأول.
تنهد منير وعيونه على عبراتها التي انهمرت غزيرة دون أن تنتبه لها قائلاً بهدوء:- ليال امسحي دموعك مش عايز ألمحها تاني، وكمان متشكرنيش تاني بعد كده مفهوم.
مرت عدة أيام كان يصطحبها منير بعربته للمشفى لاستكمال علاجها النفسي… وأخذها للدار ذات يوم بناء على رغبتها.
والتي ما أن رأوها هؤلاء الأطفال من الصبية والبنات حتى تجمعوا حولها فرحين بقدومها إليهم وبالأخص الفتاة التي كانت تسأل عنها.
احتضنتها ليال بحب قائلة بحنان: وحشتيني اوي يا حبيبتي.
ابتسمت الفتاة بسعادة غامرة قائلة بفرحة:- وأنتِ كمان انا كل يوم بسأل عنك ميس صفاء.
ضمتها إليها بحب قائلة:- وانا جيتلك أهوه لانك وحشاني كتير أوي.
تهلل وجه الطفلة الصغيرة قائلة باهتمام:- طب أنتِ هترجعي تقعدي معانا تاني ومش هتسبينا.
فوجئت ليال بهذا السؤال وتوترت من أجل الصغيرة خوفاً من حزنها من جديد.
أنقذها منير في هذه اللحظة قائلاً بثبات:- لأ مش هترجع بس طبعا هتيجي تزوركم باستمرار.
عبس وجه الفتاة كثيراً فاقترب منهما وعيني كل منهما عليه… ارتبكت ليال من نظراته التي استقرت على محياها وهو ينحني امام الصغيرة مردفاً:- وعلشان خاطرك يا أموره إيه رأيك أعملكم رحلة وتنقي إنت بنفسك المكان اللي يعجبك كمان.
كسى وجه الطفلة البريئة سعادة لا توصف بعد أن امتلأ قلبها بالحزن من فراق ليال…
حدقت به ليال بحيرة متساءله هل هو بالفعل جاد وحاد الطباع على الدوام…. مثلما يبدو عليه من شخصيته ومظهره الواضح بذلك وبجلاء كما قابلته للمرة الأولى.
أم أنه يُخفي بداخله إنسانٌ طيب القلب… لديه رحمه بمن حوله وبالأخص من يجدهم بحاجةٍ إليها.
فقالت الفتاة بسعادة:- أنا عايزة أروح الأهرامات والملاهي.
ابتسم منير بهدوء قائلاً بلهجة حانية:- وأنا موافق… يالا روحي قولي لأصحابك.
هزت الفتاة رأسها سريعاً بالإيجاب قائلة بفرحة غامرة:- هروح اقولهم أوام.
انتقل منير ببصره من جديد صوب ليال والذي اعتدل واقفاً أمامها قائلاً بخفوت:- هتروحي الرحلة معاهم ولا هتسبيهم يروحوا لوحدهم معايا.
خفق قلبها كثيراً بدقاتٍ ناعمة لا تعلم لماذا قائلة بتردد:- هـ… هروح طبعاً، بس… بس خايفة.
تطلع إليها بتساؤل قائلاً باهتمام:- وخايفة من إيه…؟ تنهدت بحيرة وابعدت بصرها عنه قائلة بخفوت:- من مواجهة الناس من تاني.
اقترب منها بخطواتٍ مدروسة خشيةً أن تهابه من جديد.
قائلاً بهدوء ظاهري:- ومين قال ان حد هيقدر يكلمك وأنتِ معايا… ثم إنه الدكتور طارق طمنا آخر مرة وقالك لازم تخرجي من عزلتك دي وتواجهي أي حد…. علشان مع الوقت ترجعي لحياتك من جديد.
لمعت الدموع بعيونها الواسعة التي عادت تحدقان به من جديد… قائلة بصوتٍ موجوع:- غصب عني يا مستر…. غصب عني انا بقالي كتير بيضحك عليا ومش بسهولة أواجه الناس من تاني.
شعر منير بنفسيتها المرهقة من كثرة ما عانته وبسبب صلاح الذي لو كان بيده لقتله من أجلها…. علها ترتاح عندما تجده قد فاضت روحه إلى بارئها.
لكنه ترك عقابه لله والقانون فابالتأكيد سينال عقابه من الله أولاً ثم القانون ثانياً.
قائلاً بهدوء:- طب يالا نروح البيت شكلك تعبتي النهاردة.
ظلت طوال الطريق بعربته شاردة… وهو يتأملها بطرف خفي… شاعراً بداخله بالعديد من التساؤلات الكثيرة بداخله ورغبته الدائمة في الوقوف بجوارها والدفاع عنها كلما كانت بحاجةٍ إليه.
قائلاً بهدوء:- مالك يا ليال سرحانه في إيه…؟
هزت رأسها سريعاً بالنفي قائلة بتردد:- لا أبدا مفيش…
أجابها باعتراض قائلاً:- مفيش إزاي وانت منطقتيش بحرف واحد من ساعة ما خرجنا من الدار.
أغمضت عيونها تحاول أن تبدو هادئة على عكس ما تشعر بداخلها.
فوجُوده بالقرب منها الفترة الأخيرة قد أصبح يزعجها فقلبها دائماً ما يرتجف بمجرد أن تتحدث إليه أو تراه حتى.
قائلاً باستسلام:- خلاص أنا مش هجبرك على إنك تتكلمي معايا…
أشاحت ببصرها نحو زجاج السيارة تتأمل الناس بالخارج بشرود… هرباً من إلحاح عينيه.
التي تريدها أن تتحدث عن ما يدور بخُلدها.
أما منير فقد تزايدت علامات الاستفهام بداخله على هذا الصمت المميت من جانبها وبخاصةً.. عندما يكونوا بمفردهم.
كأنها لا تزال تخشاه إلى الآن لنفس السبب الذي كانت تصرخ من أجله… كلما شاهدته عن قرب.
وصلت العربة إلى المنزل.. تركها تسبقه إلى الداخل، استقبلتهم شقيقته غادة…. مبتسمة لكن ابتسامتها تلاشت عندما تركهم منير صاعداً إلى غرفته.
اندهشت غادة من فعلته قائلة باستفسار:- في حاجه حصلت ياليال.
هزت رأسها سريعاً بارتباك قائلة بخفوت: لأ مفيش حاجه أمال فين عمر.
ابتسمت لها بحنان قائلة:- في أوضاع ادخليله لغاية ما أكون جهزت الغدا.
وقف منير في حجرته شارد الذهن يحدق من وراء باب الشرفة الزجاجي… متأملا المكان بالخارج على غير عادته.
هامساً لنفسه بتعجب:- يا ترى مالك يا منير…!!! ليه بقيت مهتم بكل تفاصيل حياتها…. حتى كلامها معاك…. عايزها طول الوقت معاك، تكلمها وتكلمك… وقدامك على طول متفرقش عينيك ولو للحظة واحده.
زفر بضيق من طريقة تفكيره بها، واضعاً يده على شعره يتحسسه بحنق.
عائداً أدراجه إلى الوراء قليلا مبتعدا عن باب الشرفة هارباً من أفكاره هذه…. إلى أوراق تخص عمله موضوعه على منضدة مستطيلة الشكل بغرفته.
جلس على المقعد يقرأ ما بها لينشغل بها أفضل لديه الآن.
أخرجه من هذا كل صوت طرقات هادئة على باب الحجرة.
فتحه فتفاجىء بوجود ليال أمامه… رقيقة المظهر كما عهدها تقول باضطراب:- الغدا جاهز تحت.
ثم تركته وانصرفت على الفور كأنها تهرب منه كما ظن بها منذ قليل.
تأفف بحنق من تصرفها هذا ورغم ذلك هبط خلفها ليرى ماذا حدث… كي تتغير هكذا بغتةً معه، بعد أن عادت تدريجياً تتعامل معه بطريقة تبدو طبيعية، بعد أن مضت فترة طويلة في علاجها النفسي.
أثناء تناولهم للطعام ظلت ليال على حالها صامتة ولم ترد إلى على حديث الطفل الصغير إليها.
ضبط أعصابه كثيراً حتى لا يتهور لفعل شىء ما يندم عليه…. وقرر التحدث إليها بعد ذهابهم إلى الرحلة… ليرى نهاية لهذه الحيرة التي تعتريه الآن.
تحدث إليها بهدوء قائلاً:- إيه رأيك يا ليال تشتغلي بجانب الدراسة.
بهتت من هذا الطلب المفاجئ حتى أن غادة هي من تحدثت بحماسة قائلة:- فكرة جميلة يا منير إيه رأيك يا ليال.
ارتبكت قليلا هامسة بقلق:- وهوه ينفع اشتغل وانا بالوضع ده… وكمان مين اللي هيرضى يشغلني وانا لسه ثانوية عامة.
تنهد منير قائلاً بهدوء مفتعل:- متشغليش بالك بالنقطتين دول أنا عندي واحد صاحبي هيرضى يشغلك عنده ها إيه رأيك.
صمتت ليال شاعرةً بحيرة كبيرة تعتري قلبها الصغير قائلة بخفوت: طب وهشتغل إيه.
رفع منير أحد حاجبيه قائلاً بلهجة حاسمة:- أنتِ بس وافقي وسيبي الباقي على ربنا.
ابتسمت غادة تشجعها بقولها:- دي فكرة حلوة أوي متضيعهاش من إيدك.
شردت بذهنها تفكر قائلة لنفسها:- وليه لأ يا ليال يمكن بالشغل ده تهربي من محاصرته ليكِ طول الوقت…. وبعدها تقدري تبعدي عنه وتستقلي بنفسك وتعتمدي على ربنا…. ده غير إنك بعد كده تقدري أوي تاخدي شقة قريبه من شغلك… تعيشي فيها لوحدك بعيد عن أي ضغوط تأثر عليكِ.
حثها منير على التحدث من جديد قائلاً بتساؤل:- ها قولتي إيه…؟
تنهدت ببطء قائلة بصوتٍ خفيض: موافقة.
ابتسم بارتياح هذه المرة قائلاً باختصار:- تمام من بكرة الصبح تجهزي نفسك… هيعدي عليكِ جابر يوصلك للشغل… بعد ما أديله خبر بالموضوع.
أتت لتسأله أين مكان هذا العمل وفي أي اختصاص ستعمل… أو أي معلومة تفيدها لكنه لم يُمهلها الوقت لذلك.
إذ تركهم وغادر المكان منتهياً من طعامه…. تنهدت بضيق بسبب عدم إعطاءها وقتاً كافياً للحديث إليه عن هذا العمل الجديد.
وضعت غادة يدها على كفها قائلة بود:- ليال متشغليش بالك بأي حاجه ومنير هيقوم باللازم.
ابتسمت لها ابتسامة باهته وهي تومأ برأسها بالموافقة… وأخذت تشغل نفسها بالتحدث إلى الطفل الصغير.
تجهزت ليال في صباح اليوم التالي إذ رأت من نافذة حجرتها.
جابر يصل بسيارة ما أمام المنزل بانتظارها كما أخبرها بالأمس.
هبطت بالأسفل بخطى متوسطة وقفت غادة باستقبالها وهي تبتسم لها بحنان قائلة بحب:- صباح الخير يا ليال عملتلك كام ساندوتش تفكري بيهم في الطريق.
هزت رأسها باعتراض قائلة بتردد:- صباح النور… بس أنا مش جعانه.
ألحت عليها قائلة بتصميم:- هتاخديهم يعني هتخاديهم مفيش حاجه اسمها مش هتاكلي… يالا حطيهم في شنطتك بسرعة.
وافقت ليال على ذلك وودعت غادة بعدها وأسرعت بمغادرة المنزل.
ابتسم لها جابر ليطمئنها قائلاً بلهجة حانية:- اركبي متقلقيش من أي حاجه.
اومأت برأسها بالموافقة واستقلت السيارة من الخلف.
وصلت بهما العربة أمام شركة للمقاولات….
ترددت بالترجل من السيارة… فحثها جابر بالهبوط قائلاً:- انزلي متخافيش زمان… هبطت بالفعل وسارت خلفه إلى داخل مقر الشركة.
وهي تتلفت حولها بإعجاب إذ أعجبتها مقر الشركة كثيراً… قائلة لنفسها بعدم استيعاب:- معقوله أنا هشتغل هنا…. بقى معقوله الدنيا هتضحكلي من تاني وربنا يعوض صبري خير بعد كل اللي شفته في حياتي..
ايقظها جابر من تفكيرها الشارد هذا مشيراً بيده باتجاه غرفة باب مغلق قائلاً:- يالا إدخلي هنا متخافيش صاحب الشغل مستنيكي جوا وهتفهمي منه كل حاجه.
قال ذلك وانصرف وتركها تتلفت حولها بقلق بالغ فقد رأت العديد من الموظفين بالشركة مابين رجال ونساء وفتيات كلهم في مكاتبهم.
خطت بخطواتها الثقيلة باتجاه الباب وهي تقرع عليه بتوتر.
فقال رجل من الداخل بصرامة:- إدخال… فتحت ليال الباب باضطراب.
ثم دلفت للداخل ببطء وعينيها تبحثان عنه بترقب.
فوجدت شخص ما يوليها ظهره جالساً على مقعد مكتبه… ممسكاً بمجموعة من الأوراق بين يديه.
حاولت أن تبدو طبيعية نوعاً ما وهي تتحدث… فسعلت بصوتٍ خافت كي ينتبه إليها قائلة بتردد:- السلام عليكم….
إلتف الشخص فجأة بمقعده الدوار مواجهاً لها… فاتسعت مقلتيها بصدمة كبيرة…. وزاد شحوب وجهها قائلة بذهول وتعجب:- إنت….!!!!
يتبع..
لقراءة الفصل السابع : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
اقرأ أيضاً رواية مصيبة اقتحمت حياتي للكاتبة سارة سمير

اترك رد

error: Content is protected !!