روايات

رواية سند الكبير الفصل الحادي عشر 11 بقلم شيماء سعيد

رواية سند الكبير الفصل الحادي عشر 11 بقلم شيماء سعيد

رواية سند الكبير البارت الحادي عشر

رواية سند الكبير الجزء الحادي عشر

رواية سند الكبير الحلقة الحادية عشر

مسكت يده برعب من الأجواء حولها تحتمي به و تحاول أن تحميه، هلع أصابها ليسقط قلبها أرضا لم تتوقع أن يصل الموضوع لهنا، ضغطت على يده أكثر تمنعه من الحركة، ليرمقها بغضب أعمى قبل أن يبعد يده عنها صارخا :
_ ابعدي خليني أوقف المهزلة دي…
حركت رأسها نافية و هي تتعلق به أكثر و أكثر مردفة من بين أنفاسها :
_ أنا خايفة…
لأول مرة يشعر كم هو ضعيف أمامها، خوفها، دموعها، ارتجاف جسدها جعل قلبه يرق بل يخضع إليها، بلحظة ضمها إلى صدره محركا كفه على خصلاتها، لعلها تهدأ و يهدأ هو الآخر، مشاعر كثيرة ضربت بداخله، ارتفعت شهقاتها أكثر ليضمها أكثر، وعد بحاجة للأمان و هو بأشد الحاجة لهذا العناق..
ابعدها عنه قليلا رافعا وجهها إليه بحنان مردفا :
_ متخافيش بس لازم أنزل لهم قبل ما حد منهم يتهور و يضرب جزاز العربية…
ترجته بدون حديث ليأخذ سلاحه من سيارته و ينزل إليهم مشيراً بيده لأعلى، توقف الرجال عن ضرب النيران فهذا سند الكبير، نزل الشيخ هو الآخر من سيارته متعجبا من وجود سند هنا اقترب منه قائلا :
_ سند يا ولدي مش المفروض تكون نايم في خيمتك، بتعمل إيه هنا دلوقتي…
أجابه سند بجدية :
_ وعد كانت مريضة شوية و كنت رايح بيها أقرب مستشفى لقيت واحدة من حريمكم ساعدت وعد و هي معاها في العربية دلوقتي أكيد بتدوروا عليها…
رأي معالم الارتياح على وجه الرجل و كأنه عاد للحياة بعد إنقطاع أنفاسه، أرتاح هو الأخر من تلك الكذبة متمنيا من الله إنهاء الموقف على ذلك، أشار الشيخ لرجاله بالرحيل ثم عاد للحديث مع سند ببعض العتاب :
_ مش كنت تقولي يا ولدي كنا أكيد هنلقى حل، البت اللي مع مراتك دي تبقي العروسة يعني فيها قطع رقبة لو كانت اختفت أكتر من كدة…
بداخل السيارة…
مع هدوء المكان استطاعت أخيرا التوقف عن البكاء، نظرت لتلك الفتاة الباكية بنواح بشفقة شديدة، عاجزة عن مساعدتها و إخراجها من جحيم الجهل و العادات و التقاليد، اقتربت منها قليلا ثم أردفت بعد أن أزالت دموعها :
_ متخافيش أنا جنبك للنهاية و مستحيل أسمح بالجوازة دي لو وصل بيا الحال أبلغ البوليس، كفاية عياط أرجوكي أنا أعصابي بقت في الأرض…
ضربت الفتاة على صدرها عدة مرات بعويل مردفة بصوت مكتوم :
_ أبويا برة و موتي هيكون قصاد القبيلة كلها، يا ريتك خلتيني أموت نفسي بدل اللي هيحصل فيا دلوقتي…
ندمت على تهورها و عدم تفكيرها بخطوة خطيرة مثل هذه، إلا أنها اردفت بقوة :
_ و أنا بقولك الجوازة دي أنا فيها يا قاتل يا مقتول…..
بخارج السيارة…
أردف سند بقوته المعتادة :
_ طول عمري أعرف إنك عادل يا شيخ، بس النهاردة شوفت حاجة أنت تعرف إن عقابها عندي الموت، قبيلتك كلها تحت رعايتي من أكبر نفر لآخر نفر من امتا في بنت بتتجوز غصب يا شيخ، و بلاش كذب رجالتك مشيت مفيش داعي للف و الدوران….
ارتبك الشيخ لعدة لحظات، توتر من نظرات سند القاتلة حاول ابتلاع ريقه الجاف، ماذا يقول إنه لأول مرة يغصب فتاة على الزواج بعد معرفته لعشقها لسند الكبير، قال بتبرير :
_ يا ولدي البت صغيرة و مش عارفة مصلحة نفسها و أنا أبوها عارف الصح لبتي فين، عريسها كبير شوية بس راجل يعتمد عليه و هتكون آخر حريمه بدل ما تاخد شاب بعد كام شهر يتجوز عليها…
وضع سند سلاحه خلف ظهره قائلا بأمر :
_ الجوازة دي مش هتم و قول للقبيلة كلها إن ده أمر من سند الكبير، خد بتك و ارجع القبيلة بتاعتك و أنا جاي وراك لو لقيت فيها خدش الحساب هيكون معايا، و الفرح عايزه يفضل منصوب سند الكبير هيكون العريس….
_______________
خرجت معه لأول مرة من كفر عتمان الكبير، تحدق بالأماكن من حولها بسعادة و انبهار شديد، كل شي رائع جداً يخطف الأنفاس، أوقف السيارة أمام منزله الذي غاب عنه سنوات ناظرا إليها بحنان مردفا :
_ يلا يا همت يا حبيبتي عشان تشوفي شكل بيتي و بعدين نتفسح…
هل ستنزل بهذا الحي الغريب أمام هؤلاء الأشخاص؟!.. تجمعت الدموع بداخل عينيها برعب و ما هي إلا ثواني و انفجرت بالبكاء، نظر إليها بهلع قبل أن يقول :
_ مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه؟!..
زادت شهقاتها الخائفة و هي تنكمش حول نفسها بالمقعد، تريد سند أين سندها و مصدر أمانها الوحيد، حركت رأسها رافضة اقتراب حمد منها صارخة :
_ ابعد عني يا وحش أنا عايزة سند مش عايزة أنزل معاك في مكان، سند قالي عيب مفيش بنت محترمة تدخل بيت ناس تانيين، أنت وحش يا محمد و عايز همت تبقى وحشة زيك…
مشفق عليها، خائف من انهيارها بأي لحظة، يتمنى فقط لو يعلم ما حدث لها بفترة غيابه لتعود لنقطة الصفر من جديد، حاول الاقتراب منها إلا أن حالتها لم تسمح بذلك، نظر للمكان حوله بتوتر فالناس تحاول معرفة من أين هذا الصريخ، أغلق باب السيارة جيدا و الشباك مشيراً لها بالهدوء قائلا :
_ اهدي أنا مش عايز منك إلا الهدوء بقى كدة يا همت تزعلي محمد منك و تقولي له كلام وحش، ده بيتي و أنا مش غريب و أمي و أختي فوق و بابا كمان يا ستي يعني في ناس مش حاجة وحشة.
ظلت كما هي ترفض أي حديث هي لا تراه أو تسمعه، عقلها مشوش تحاول معرفة أين رأت تلك السيارة، جسدها بالكامل يرتجف و عقلها يحاول العودة إلى سابق قوته، يحارب من أجل التخلي عن الضعف ليعلم أن العالم من حوله يتحرك، حمد، حمد، حمد، اسم يسبب إليها ألم شديد يأكل قلبها و يزيد من أشياء ربما قررت الهروب منها بالجنون…
أردفت بأنفاس مختنقة :
_ حمد ساب همت يوم الفرح، وقعت على الأرض و الناس فضلت تقول حاجات وحشة، في دكتورة وحشة قربت منها و عملت حاجات حاجات، أنا كرهت حمد عشان هو ظالم… أنا أنا بردانة و عايز أروح لسند…
أهو حقير لدرجة أن يدخل فتاة بتلك البراءة و النعومة بخطته الحقيرة؟!… إذا كان هو حقير فشقيقها أشد حقارة عندما دبر لقتله بليلة زفافه على شقيقته، سحبها بقوة بين صدره لعل النيران المكتومة بداخله تقلل من برودة جسدها، ضربته بصدره عدة مرات لتبتعد عنه قائلة :
_ أنا بكرهك يا حمد بكرهك بسببك خوفت من الناس و بسببك قررت أعيش في نظر الكل مجنونة بدل ما أبقى العروسة المعيوبة اللي عريسها سابها يوم الفرح، أنت ايه اللي رجعك رجعت تاني ليه عشان نبدأ الحب من الأول و في الآخر تهرب زي عوايدك صح؟!…
الصدمة ألجمت لسانه و عقله، هي ليست فاقدة للأهلية هي كما قالت اختارت بكامل ارادتها الجنون لتهرب من نظرات الناس و كلماتهم السامة، أشار إليها بتردد مردفا :
_ همت أنتي كويسة و مفيش فيكي حاجة…
ألقت عليه صدمة أخرى مع سقوط كفها بكل قوتها على وجهه، نيران تحرقها، ذكريات و أيام تخيلت أنها إنتهت، عاشت سنوات بنظر الجميع العروس التي فقدت عقلها بعد هروب العريس، يوم وراء الآخر حتى صدقت كذبتها و تعايشت معها، كفى وجع لهنا يكفي كسر قلب و عناء لا نهاية له…
احمر وجهه من شدة الغضب و قوة الصفعة التي أخرجت بها معاناة سنوات، لم تهتم بأي مشاعر له صارخة :
_ بقيت مجنونة الكل بيشفق عليها لمجرد إن العريس اختفي في أكتر وقت المفروض يبقى فيه قريب، رجعت فاقد الذاكرة و متجوز و عايش عادي، فاكر مرضك ممكن يشفع ليك بالعكس ده كرهي لك بقى أضعاف….
بلا كلمة أدار عجلة القيادة ذهبا إلى مكان لا يعرفه هو شخصيا… ذهب معها للمجهول…
_____________
أغلق باب الخيمة خلفهما لتلقي بجسدها على الفراش بضياع، رفعت رأسها إليه بخوف، عتاب، غضب، توتر، مشاعر يصعب وصفها إلا أنها أوضح من الشمس من نظراتها، وضعت يدها على صدرها تحثه على الانتظام فى إخراج أنفاسه…
كان يتابعها بهدوء يسبق عاصفة رعدية يعلمها جيدا، وضع هاتفه و المفاتيح بجوارها على الفراش منتظرا أي كلمة تفتح بها الموضوع، طال صمتها و أصر هو الآخر على صمته، إرتفاع الزغاريط بالخارج جن جنونها، عادت للنظر إليه برجاء لإيقاف تلك المهزلة المقامة، قامت من مكانها قائلة :
_ سند اللي بيني و بينك حاجة و مستقبل البنت دي حاجة تانية أنا وعدتها أقف جانبها عشان تطلع من الكارثة دي، أرجوك بقى ساعدني أنا واثقة إن بكلمة واحدة منك تقدر ترجع للبنت دي الحياة…
طال صمته ليلعب بأعصابها، بينه و بين الوصول لوعد خطوة واحدة و خطته ستكون على ما يرام، فرصة أتت إليه على طبق من ذهب و هو مستغل و أناني لأقصى درجة ممكنة، وضع يده بجيب بنطاله مردفا ببرود و عين ثاقبة يدرس أقل رد فعل يصدر منها :
_ البنت دي أنتي مش عارفة اسمها أساسا بس صممتي على مساعدتها، عندك إستعداد تضحي بحاجة مهمة مقابل مساعدة البنت دي؟!…
عادت خطوة للخلف، تشعر و كأن القادم غير لطيف بالمرة، ابتلعت ريقها الجاف بطريقة ظهرت على حنجرتها، نظرة التسلية بعين رجل مثل سند ترعب أي شخص يقف أمامه مهما كان من، حركت شفتيها عدة مرات بمحاولة فاشلة منها على الحديث و بالنهاية ظلت صامتة ليقول هو بنفس الهدوء :
_ ردي عشان أقدر أقولك هساعدها أو لأ لازم أسمع ردك أنتي…
أومأت إليه بحركة بسيطة من رأسها ثم سألته بنبرة متهدجة :
_ إيه الحاجة الغالية اللي ممكن أقدمها ليك عشان تقف مع البنت دي؟!…
كلمة بسيطة خرجت من بين شفتيه الرجولية كانت بمثابة القنبلة الذرية :
_ أنتي يا وعد…
اشتعلت عيناها بغضب، حقير، مستغل، أناني، قاتل، تعلم به العبر إلا أنها كانت دائماً على يقين من حبه الخفي لها، لو انقلبت السماء على الأرض سند سيظل سندها الغير مرئي لن يؤذيها أو يسمح لأحد بذلك، الآن يطلب منها هذا؟!… رفعت كفها بغل لعلها مع سقوطها على وجهه تشعر بالارتباح، تعلق كفها بالهواء مع كفه ليقول بغضب :
_ شكلها هبت منك على الآخر لدرجة إن عقلك الصغيرة ده فكر تعملي كدة…
جزت على أسنانها بنفس الغضب صارخة :
_ لأ ده شكل أنت اللي هبت منك على الآخر عشان تفكر بس تقولي الكلام اللي خرج منك ده، فوق يا كبير أنا الدكتورة وعد أشرف من عشرة زيك…
ضغط على كفها بقوة أكبر إلى أن سمع شهقتها المتألمة، أبتعد عنها ثم ضحك بمرح لا يناسب الموقف مردفا بسخرية :
_ مش بقولك هبت منك على الآخر، مش سند الكبير اللي يطلب في الحرام يا دكتورة، أنا بحب ربنا و بخاف منه فوق ما تتصوري…
ابتلعت ريقها و هي تحرك يدها على الأخرى التي كان يضغط عليها، قائلة بأعين متسعة من الذهول و عدم الفهم :
_ أمال معنى كلامك الوقح ده إيه؟!.. قول طلبك يا سند بيه من غير لف و دوران…
ألقى بجسده على الفراش مغلقا عينيه بهدوء ثم قال :
_ الفرح ده لازم يكون له عريس و عروسة، يعني الشيخ عشان يوقف فرح بنته من العجوز ده عايز عريس تاني لبنته أو عريس و عروسة تانيين، أنا مش هقدر أتجوز العيلة دي و أربط نفسي بيها، قولت أنتي أولى خصوصاً إنهم عارفين إننا مكتوب كتابنا، رأيك إيه أخدها و الا أخدك؟!… القرار في إيدك يا دكتورة…
______________
أصبحت عروس ترتدي ملابس الزفاف البدوية و تضع على وجهها هذا الوشاح، تجلس بين النساء تشاهد السعادة الغريبة المرسومة على وجوههم فزفاف سند الكبير أصبح بداخل قبيلتهم، حل الصمت على المكان فجأة و قامت المرأة العجوز التي كانت تتحدث معها أمس تمد يدها إليها مردفة :
_ هاتي ايدك يا بنتي أوصلك لحد خيمة العريس بنفسي…
قامت معها مثل المسحورة هي سعيدة لدرجة تكاد تلمس نجوم السماء بيدها، تحبه اعترفت له و لنفسها من قبل مقررة الهروب و الآن قررت الاستمتاع بهذا الحفل الكاذب و لو لساعات قليلة، دلفت لخيمة مختلفة عن الأولى بشكلها مزينة بانتظار العروس، زادت أصوات الزغاريط لتضعها المرأة على الفراش المزين بشكل دائرة لطيفة جلست بمنتصفها هامسة :
_ يجعلها جوازة العمر يا بنتي تتهني بيه و يتهنى بيكي…
خرجت المرأة و من معها من نساء و بعد دقيقتين دلف هو بطلة تخطف الأنفاس بهذا الرداء البدوي الرائع، يليق به أي شيء مهما كان، سند الكبير يعطي لأي قطعة من القماش قيمة كبيرة، بشكل تلقائي ابتسمت بسعادة لتظهر أسنانها اللولي…
جلس على الأرض أسفلها مزيلا عنها هذا الوشاح ليظهر وجهها و جمالها، تخيلها كثيراً زوجته و على إسمه رغم أن هذا الحلم لم يتحقق حتى الآن إلى أنه مستمتع بقربها، يعيش هذا القرب حتى لو عبارة عن مشهد تمثيلي وضع كفه على بشرتها هامسا :
_ زي القمر يا وعد كل حاجة لايقة عليكي، كل حاجة فيكي ليها طعم و لون حتى ريحتك زي المسك و العنبر، مبروك عليا أنتي يا وعدي و مكتوبي…
تاهت بحلاوة كلماته و نسيت من هي و من هو مكتفية اكتفاء كاملا بلحظة قررت خطفها معه من الزمن، ابتسمت إليه بخجل قائلة :
_ أنت كمان ما شاء الله حلو أوي، من أول مرة شوفتك و انا عارفة إنك تخطف الروح و القلب…
أخرج من أعماق قلبه تنهيدة معذبة مردفا بعتاب :
_ طيب ليه واجعة قلبي معاكي لما جواكي كل ده، لية مصممة تخلي الطريق بنا طويل يا بنت الناس؟!…
بنفس العتاب أجابته :
_ مين فينا اللي مصمم يتعب التاني أنا و الا أنت، أنا من زمان قولتلك بحبك، لا أخذت منك حب في المقابل و لا حتى قولت إنك شاري يا سند، مصمم توجع قلبي و تقهر أنوثتي…
ارتفع قليلا ليجلس بجوارها على الفراش هامسا بنبرة متحشرجة :
_ و لو قولتلك بحبك هتريحي قلبك و عقلي المجنون بيكي….
____________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سند الكبير)

اترك رد

error: Content is protected !!