روايات

رواية يناديها عائش الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت الثامن والثلاثون

رواية يناديها عائش الجزء الثامن والثلاثون

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الثامنة والثلاثون

وصلتُ بعشقي لكِ لمرحلة أكبر من الشرح، إنهم يلمحون تفاصيلك على وجهي، لا يعلمون أنكِ محفورة بداخلي.. هُنا في قلبي.. يا سيدة قلبي.
“لـ نرمينا راضي”
كان مستغرقًا في الضحك تاركًا اياها تكيل له اللكمات الهشة واحدة تلو الأخرى حتى ابتعدت عنه أخيرًا وهي تهتف بضيق
–مكنتش اتوقع أنك تطلع لئيم كده
قال وهو يضحك
–علفكرة أنتِ ظلماني.. أنا والله عملت كده عشان أفرحك.. بس نيتك مش كويسة أبدًا
ناظرته عائشة نظرة حادة بدت مضحكة قليلًا و أردفت باصرار
–خلاصة الموضوع.. هنحط مخدة في النص
–لأ أنا بقول أخد أوضة جنبك ونبقى نطمن على بعض بالمسدجات
قالها بدر بسخرية، فأومأت معجبة بالفكرة
–حلو الكلام
–هو حلو بس شوفي مين هينفذه

 

 

–يعني ايه يا بدر ؟؟
تساءلت بحنق وهي تضع يديها في خصرها باعتراض.. نهض بدر فجأة ثم سحبها من خصرها ليجعلها تنام بجانبه رغمـًا عنها، ظلت تقاوم لتفلت ذراعيه المحيطة بأكتافها بينما هو كان يضحك على عنادها بشدة؛ حتى استسلم لمناوشتها وتركها تتزحزح من جانبه قائلة بهدوء لم يتوقعه
–هغير هدومي وأجيلك
لم يستطيع بدر أن يحدد من نبرة صوتها ماذا تقصد بالتحديد.. ظلت عائشة تنظر له بوعيد وهي تأخذ ملابسها البيتية حتى اختفت من أمامه لداخل دورة المياة الملحقة بالغرفة.
ضحك بدر بخفة على تمردها الذي يعشقه وظل يعيد في ذهنه ماحدث بينهما من مرح ومزاح وعناد منذ لحظات؛ حتى شعر بالتعب والانهاك من السفر فأخذ يتثاءب وهو يعبث في شعره الطويل والذي بات يزعجه مؤخرًا لنموه الزائد خاصة أنهم في فصل الصيف وهذا يسبب له الانزعاج قليلًا أثناء الاستغراق في العمل أو النوم.. أخيرًا استسلم للنعاس، ولكنه تذكر أنه لم يُصلي العشاء، و الفجر أيضًا أذن منذ نصف ساعة وها هو تفكيره يتأرجع بين أن يقوم للصلاة أو يرفع راية الاستسلام وينام..
قبل أن ينكب في العشق ويصل لمرحلة الجنون والشغف بعائشة كان يصلي جميع الفروض بوقتها حتى ولو وصل به التعب للموت، والآن أصبح يشعر بثقل الطاعات والفروض على قلبه، يشعر بالضيق دائمًا وأن هناك شيء قوي يكبله ويمنعه من تأدية الصلاة بخشوع أو ذكر الله كما كان يفعل سابقًا، لم يكن يفعل أي شيء دون أن يسبح على أصابعه، في الورشة دائمًا لسانه معطر بذكر الله وشفتيه تتحرك تلقائيًا بالتسبيح والتكبير، وهو يسير مع كل خطوة يُصلّ على سيد الأمة، إذا تقلب ليلًا يذكر الله.. أما بعد أن انشغل بقلبه و بصغيرته التي شغفته حُبًا.. نسي أن الله هو من يستحق هذا الحُب.. الله هو الدائم أما العباد فهم زائلون لا محالة.
بدلت عائشة ملابسها ببچامة عليها بعض الرسومات الكرتونية اللطيفة؛ لتخرج وبداخلها تنوي أن تشن معه العراك ثانية حُبًا وتدللًا عليه وليس بُغضًا أو نفور منه، وفي الحقيقة لقد سعدت كثيرًا برفضه التام أن ينام بعيدًا عنها، ولو كان وافقها على الهراء الذي تفوهت به لكانت لقنته درسًا في فنون (القمص) لن ينساه.
تسحبت على أطرافها بحذر شديد وهي تضحك ضحكة شريرة تمامًا كانت تشبه جيري عندما يود مشاكسة واستفزاز توم، ولكنها وجدته قد غطّ في النوم دون أن ينزع حتى حذائه، وقفت أمامه تطالعه للحظات وعلى فاهها ترتسم أجمل ابتسامة عاشقة بصدق، ثم ارتكزت على ركبتيها وأخذت تنفخ الهواء بخفة مداعبة لخصلات شعره المتناثرة على جبينه فتطايرت برقة مما استدعاه ذلك أن يفرك عينيه بانزعاج واعتدل في نومته ليتقلب على الجانب الآخر وهو ما زال نائمًا.
أثار ذلك غيظها فأردفت في نفسها وهي تستعد للانقضاض عليه لإيقاذه
“لا بقولك ايه.. أنت مش جايبني من أخر الدنيا عشان في الأخر تيجي تنام زي القتيـل كده و تسيبني لوحدي !!”
استعدت لتجعله يستيقظ بأي طريقة، ولكنها تراجعت على أخر لحظة وهي تتنفس الصعداء بهدوء و تقرر أن تتركه ينام، فقد عانى من القيادة طوال الطريق وبدا الإرهاق جليًا عليه؛ لذا تركته يرتاح.. ولكنها تشعر بالجوع.. ماذا ستأكل ؟
تسطحت عائشة على الفراش بجانبه وهي تلوي شفتاها بامتعاض كونها ستقضي الليل وحدها، نظرت في ساعة الهاتف فوجدت العقرب يقترب من الخامسة وما هي إلا دقائق ويحل الشروق.. لم تشعر بحاجتها للنوم؛ لأنها أخذت قسطًا من الراحة في الطريق وهذا أذهب النوم من عينيها..
نظرت له ثانية فوجدته ينام بعمق.. لفت انتباهها أنه من شدة الإجْهاد تكاسل عن تبديل ملابسه، فنهضت ونزعت عنه حذائه برفق حتى لا تزعجه ووقفت لحظات تنظر لقميصه قائلة بحيرة

 

 

–أغيرله القميص !! .. لأ دي تبقى بجاحة وقلة أدب أوي.. طب مهو جوزي !.. على الورق.. على الورق يا عائشة يا مدلوقة.. بس أنا مستخسرة القميص الحلو ده ينام بيه.. هيصبح مكرمش وهيبته هتضيع.. كان جامد أوي انهارده.. منكرش أنه فيه المواصفات اللي تتمناها أي بنت.. بس أنا غير.. لازم أتقل كده عشان ميقولش عليا مدلوقة..
تذكرت اعترافها له منذ قليل أنها تحبه، فابتسمت برقة وتنهدت بنظرات حالمة لتقول
–لأ بس الحق يتقال هو يتحب فعلًا.. ده أنا كان محطوط على عيني وقلبي غشاوة والله.. ده كفاية شعره المسبسب ده.. أموت واعرف بيدهنه ايه ؟.. تقريبا عمتي مفيدة كانت بتحطله جاز وهو صغير
“جـــاز !!!”
قالها بدر وهو ينظر لها بنصف عين ويبدو عليه النعاس.. فهتفت عائشة بفزع
–أعوذ بالله.. حد يخض حد كده.. انت كنت عامل نفسك نايم !!!
قال بعد أن تثاءب ونهض بكسل ليجلس مكانه
–هنام ازاي وأنتِ بقالك ساعة نازله دودودودو.. لما تحبي ترغي مع نفسك ابقي وطي صوتك شوية.. عشان أنا مرهق وجعان نوم.. ماشي ؟
استفزتها نبرته المنزعجة منها فقالت بضيق
–بقى أنا عماله امدح فيك من ساعتها وأنت نايم زي اللوح ولا أنت هنا وكمان جاي تعلي صوتك عليا.. جتها نيلة اللي عايزة خلف.. قوم اطلبلنا أكل أنا ميتة من الجوع
–أنا نايم زي اللوح ؟؟
–يعني عديت كل ده و مسكت في الكلمة دي !
–اللهم طولك ياروح.. أنا هقوم أغير هدومي و أجي أنام.. مش عاوز اسمع صوتك
قالها ببرود حاد دون أن ينظر لها ونهض ليغير ملابسه أمامها، فشرع في فك أزرار قميصه وهي تتابعه بدهشة من تغيره المفاجئ عليها، سرعان ما أخذت الهواجس تدور في ذهنها فظنت أنه أحضرها هُنا خصيصًا؛ ليلقنها درسًا لن تنساه كما وعدها عندما رأها مع أمير أخر مرة.. ابتلعت ريقها بتوتر وخوف وأدمعت عيناها لتقول بصوت متهدج
–أنت جايبني هنا عشان تنتقم مني في اللي عملته فيك صح؟
رمقها بعدم فهم متسائلًا
–أنتقم منك !!!
أومأت دامعة بضعف
–ايوه.. أنت منسيتش أخر مرة شفتني فيها مع أمير.. أنت بنفسك استحلفتلي وقولت هعيشك أسود أيام.. فأنت كلت بعقلي حلاوة وجبتني هنا ومعاملتك معايا بدأت تتغير عشان تنتقم مني زي ما قولت.. صح ؟
ظل يتأملها بدهشة للحظات ثم اظلمت عيناه وتحولت ملامحه للعبوس ليبتسم بخبث وهو يهز رأسه بتأكيد
–صح ..

 

 

__________________♡
الغرق الوحيد الذي لا أريد النجاة منه، هو الغرق بجمال عينيكِ. لـ نرمينا
*********
شعر زياد بأن شيء سيء حدث لهاجر، سكونها بين ذراعيه جعله في خيفة من أمره..
تملكه الخوف وترقرقت عيناه بالدموع وهو ينادي عليها بصوت مرتجف خائف
“هاجر.. هاجر.. يا وردتي.. هاجر حبيبتي !”
و عندما لم يأتيه الرد اقشعر بدنه وسَرَتْ فيه رعشة من الرهبة والهلع؛ ليبعدها عنه برفق حتى مالت رأسها بوهن على يده فاتسعت عينيه بفزع وحملها فورًا وهو يبتلع ريقه بقلق وصل لأعلى ذروته..
تسمر في مكانه لدقيقة لا يقوى على الحركة،
و أصبحت ساقيه غير قادرتين على حمله، وكأن لسان عقله وقلبه قد ذاب خوفًا عليها.. أخذ يجوب بعينيه الصالة الواسعة باحثًا عن أي أريكة ليضعها عليها؛ ولأن الشقة ما زالت في التشطيبات، فلا يوجد بعد أي أثاث بها، أو أي مقاعد طويلة يسمح بالتسطح عليها..
تأملها زياد للحظات يحاول استيعاب الأمر، فبكى بقلق و إِرْتِعَاب وهو ينادي عليها مجددًا
“هاجر.. هاجر رُدي بالله عليكِ.. أنتِ هتبقي كويسة صح !.. هاجر أنتِ مش هتسبيني صح !
طيب.. طيب أعملي أي حاجة طمنيني أنك بخير.. هاجر أنا خايف أوي.. أنا مرعوب ”
كان يُحدثها وهو لا يرى أمامه أساسا؛ بسبب كثرة الدموع التي جعلت رؤيته متلاشية تقريبًا، كان يشعر بأوجاع العالم تجتمع في قلبه، يشعر و كأن قلبه يتم فصله عن وتينه، يشعر بالضياع، بالفقدان، بالتيه، يشعر بأن قلبه يكاد يبلغ حنجرته من شدة خوفه أن يفقدها للأبد..
ألف سؤال وألف جملة ومئات المشاهد تحوم حوله.. ضحكاتها السُكرية ونظراتها البريئة و همساتها القمرية كُل ذلك وكل اللحظات الجميلة بينهما تتردد على ذهنه وبصره..
أخذ يرتجف وهو يحملها ويضمها لصدره بقوة حتى رجّ صوت أنينه ونحيبه أرجاء الشقة، لم يعد يستطيع الوقوف فجث على ركبتيه وهو يضمها بشدة اليه ثم وضعها برفق على الأرض وأخذ يهزها بخوف و يُقبل يديها ويعانقها بقوة فبدا كالمجنون الشريد وهو يتحدث بضياع و ببكاء
–يارب متخدهاش مني.. يارب تبقى كويسة.. يارب اترجاك متاخدها مني.. يا هاجر قومي بقى بالله عليكِ.
تركها و هرول راكضًا للأسفل يستدعي أي شخص ليساعده، قابلته والدته وهو يهذي بكلام غير مفهوم ووجه مليء بالدموع.. تساءلت والدته في قلق
–زياد.. في ايه يابني.. مالك ؟؟
قال وهو يلهث بصعوبة ويشير نحو الدرج المؤدي لشقته
–هاجر.. هاجر.. هاجر مبتتكلمش ولا بتتحرك.. ومش بترد عليا..
خرجت نورا شقيقته على صوته المرتجف لتتسائل هي الأخرى بعدم فهم لما يحدث
–في ايه ؟ وهاجر مالها ؟؟
هز زياد رأسه وهو يرتجف ويتنفس بصعوبة
–مش عارف.. كنا كويسين من شوية.. و فجأة.. وفجأة نامت على كتفي.. هزتها اكتر من مرة وناديت عليها.. لكنها مبتردش.. مبتتحركش خالص.. أنا.. أنا خايف

 

 

صعدت والدته وكذلك نورا للأعلى بخوف بعد سماعهم ذلك من زياد وتبعهم هو الأخر وهو يدعو الله بتوسل ألا يحدث لها مكروه..
انحنت نورا عليها فورًا و بخبرتها كممرضة قامت بقياس النبض وهي تحاول التركيز بسبب هذيان شقيقها المستمر وقلقه الزائد الذي جعلهم خائفون أيضًا..
وما فعلته نورا لقياس النبض والتأكد بأنها على ما يرام هو كالآتي:
يتم وضع أطراف إصبعي السبابة والوسطى فوق أحد الشرايين القريبة من سطح الجلد لجس النبض، مثل الشريان الكعبري الموجود عند الرسغ،
ينصح بعدم استخدام أصبع الإبهام عند قياس النبض؛ لأنّ الإبهام في باطنه شريانه وبالتالي يؤدّي ذلك إلى حدوث خطأ خلال القياس.
نظرت نورا لزياد لتقول بابتسامة بسيطة
–اطمن يا زياد.. النبض يعتبر كويس.. هي مغمي عليها.. اعتقد نتيجة انخفاض ضغط الدم
تنهد زياد بارتياح قليلًا و هدأت أوصاله..ليقول وهو يمسح دمعة تعلقت بأهدابه
–ألف حمد وشكر ليك يارب.. أنا.. أنا خفت تروح مني
“بعيد الشر يابني.. هتبقى كويسة بإذن الله”
كان ذلك صوت والدته، بينما نورا أخذت تتأمل زياد وهو ينحني ليحمل هاجر و يحتضنها بلهفة و حُب اجتمعا في بريق عينيه، كأنها تتساءل بينها وبين نفسها “ما كُل هذا العشق الذي يتجلى في عين شقيقها؟ ”
“هل يُحب أحدًا لتلك الدرجة ؟”
“مالذي فعلته ابنة عمها لتحظى برجل يعشقها هكذا ؟”
قال زياد وهو يأخذ يد هاجر ليضعها على قلبه كأنه يخبرها بأنه معها أينما كانت حتى وهي غائبة في عالم آخر
–نورا هاتي ماية نفوقها بيها
— مينفعش ماية… استخدام المياه مع حالات الإغماء غلط؛ لأن تناولها مع انخفاض ضغط فاقد الوعي، بيؤدي إلى إصابته بتقلصات المعدة… شيلها بس نزلها على السرير تحت وأنا هفوقها
انصاع زياد لكلام شقيقته، رغم معرفته بكل تلك المعلومات إلا أن حالة القلق والخوف التي انتابته منذ قليل انسته كل شيء وجعلته كالمجنون..
وضعها على فراشه برفق ثم أضاء لها المروحة لتهوية الغرفة كما أخبرته نورا..
وكما تعلمت في كلية التمريض عن كيفية اسعاف حالات الإغماء قامت بالآتي:
ثنيت ركبتيها لاستخدامها للضغط على صدرها، مما يساهم في زيادة تدفق الدم إلى الرأس، ثم أحضرت مادة تحتوي على كحول لتضعها على أنفها لاستنشاقها، مثل “البرفان” وبعد مدة وجيزة بدأت هاجر تستعيد وعيها ففتحت جفونها ببطء لترمش بتعب عدة مرات قبل أن تستعيد وعيها بالكامل.. حين بدأت بفتح عينيها.. اندفع زياد ينهال على يديها بالقُبلات و يضمهما لصدره وهو يهتف بعيون ملتمعة بلهفة عليها
–وحشتيني.. كأنك غبتِ عني عُمر كامل

 

 

ابتسمت له دون أن تجيب، بينما والدته ذهبت لتحضر لها كوب عصير عله ينعشها.. خرجت نورا من الغرفة عندما شعرت بأن وجودها لم يعد له فائدة فقالت وهي تخرج
–ألف سلامة عليكِ يا هاجر.. كُلي كويس عشان صحتك
اومأت هاجر شاكرة اياها وكذلك شكرها زياد.. بعد لحظات أتت والدة زياد واعطت كوب العصير لهاجر بعد أن وضع زياد وسادة خلفها لتسند ظهرها بأريحية.. أخذ العصير ليناوله لها برفق وهو يقول بنبرة سعيدة
–أنا قلبي وقع في رجليا لما أغمى عليكِ.. متتخيليش كنت مرعوب ازاي.. بس الحمدلله أنك بخير.. من هنا ورايح أنا المسؤول عن أكلك..شوفتِ الحمام بيتزغط ازاي.. أنا بقى هزغطك زيه
ضحكت بخفة وقالت بإمتنان
— ربنا لما يبتلينا بحاجة بيدينا قصادها أجمل حاجة.. شكرًا لله أنك في حياتي.. أنت أجمل عوض و أجمل هدية رُزقت بيها.
وضع العصير على الكومود ثم اقترب منها بوجه طلق تشع منه أنوار السعادة هامسًا
” ‏النظرة في عيونك كفيلة أنها تُصلح حياتي”
اتسعت ابتسامتها الجميلة و أخفضت رأسها خجلًا منه وكعادتها عندما يغازلها تبدأ بفرك يديها بـ استحياء..
تابع زياد تغزله بها وهو يغمر كفيها الصغيرين بقبلاته الطافحة بالمودة والمعبرة عن الحُب السعادة
“سُبحانُه من جعل في بسمتك شفاء لـ عِلاَّتِ”
عضت على شفتيها بخجل و سحبت يديها منه مغمغمة
–روحني
–صبرني
قالها زياد وهو يزفر بضيق مزيف تبعه بابتسامة كدلالة على قلة حيلته وضعفه أمام رقتها.
_________________♡
يا صديقتي إنه عهدٌ بيننا ، أن تُرمم
كُل مِنا أشلاء الأخرى ، أن نبنى حُطامنا سويًا ..
أن نكون البقاء وقت العدم ” لقائلـها ”
*********
بعد أن حكت رُميساء لروان كل ماحدث معها بداية من اصابتها في الحادث ومساعدة كريم لها ونظرات الإعجاب التي كانت في عينيه تجاهها طيلة الوقت..
كانت روان تجلس أمامها، ترتكز بذقنها على قبضة يدها وتنصت لها بتعجب تارة و بدهشة تارة وابتسامة مرحة تارة أخرى..
انتهت رُميساء من قصّ حكايتها وهي تبتسم ببلاهة وسعادة رغم الكدمات التي ملأت وجهها وجسدها.. فقالت روان بـ انبهار
— ده ولا أكنك بتحكي رواية.. مواصفات الظابط ده زي ما يكون هربان من رواية.. ايه يا بنتي ده.. هي الحادثة أثرت على نافوخك
أجابت رُميساء بعدم فهم
–ليه.. أنا عملت ايه ؟
— اللي أنتِ بتحكيه ده بيحصل في الروايات والافلام مش في الواقع

 

 

–يعني أنتِ مش مصدقاني ؟
–لأ طبعًا مصدقة أنك عملتي حادثة.. بس.. بس يطلع ظابط من العدم كده وسيم حد اللعنة و ينقذك وياخدك المستشفى وبعدين تخبطي في كتفه وتفضلوا تبصوا لبعض شوية ويجيبك يروحك بعربيته !! لا لا لا ده فيلم هندي ده.. ده أنتِ عديتي روايات بير السلم بمراحل
ضحكت رُميساء لتقول وهي تسترجع ما حدث معها في المشفى
–طب والله العظيم هو ده اللي حصل.. والله ما كدبت في حاجة وأنتِ عارفة إني مش بتاعت حوارات ولا كدب
–أنا مقولتش أنك بتكدبي.. بس يمكن الحادثة أثرت على دماغك وخيالك وسع منك شوية أو من كتر ما بتقري روايات افتكرتي الخيال هيبقى واقع ولا حاجة
نهرتها رُميساء بلطف قائلة
–أصلك أنتِ متعرفيش حاجة.. الخيال ممكن يبقى واقع فعلًا.. طب والله أنا نفسي مستغربة من اللي حصل.. بس تشوفيه وهو بيطلع الكارنيه بتاعه يوريه للممرضة.. ياه.. هيبة كده.. ولا لما عملت نفسي بنت بورم ديله وقلت هروح لوحدي.. اتكعبلت زي الشحط وكنت هقع لولا أنه سندني.. وهنا تلاقت الأعين.. بس والله كنت هموت من الكسوف
انفجرت روان ضاحكة على أخر جملتين قالتهم رُميساء وهي تضرب كفا بكف وتقول
–تلاقت الأعين !! ده أنتِ عديتي الأفلام الهندي بمراحل
احتقن وجه رُميساء، و اشاحت بوجهها بغضب.. فأردفت روان ضاحكة
–طب خلاص متزعليش.. مصدقاكِ.. ها.. هيجي يتقدملك امتى ؟
تحول وجه رُميساء للبشاشة لتهتف بنظرات حالمة
–اهو ده بقى لو حصل هيبقى فيلم هندي فعلًا.. بس الشهادة لله هو يتحب
رمقتها روان باستنكار لتشهق
–هو أنتِ تعرفيه ولا شوفتيه أصلًا ؟؟ .. بت فوقي كده احنا داخلين على امتحانات مش عاوزين قلق الله يسترك
أجابت وهي تداعب خصلات شعرها بمياعة
— أنا فعلًا مبصتش في وشه غير ثانية كده غصب عني.. بس منكرش إني حسيت بحاجة غريبة كده
–أنا اقولك ايه الحاجة الغريبة دي
–ايه ؟
–ده الكحك اللي هتجبيه في النتيجة
–وليه متقوليش كحك فرحنا
“بطلوا رغي و ذاكروا.. حللوا فلوس الدروس”
التفتت الاثنتان لمصدر الصوت لتجد رُميساء والدتها تقف و ترمقها بتحذير قائلة
–عارفة لو مجبتيش مجموع حلو هعمل فيكِ ايه؟
–ايه ؟
–أول عريس يخبط على الباب هتجوزيه
رفعت يدها لتدعو بهمس وصل لمسامع روان فجعلها تضحك بشدة
“يارب الظابط اللي هربان من رواية ده يبقى هو أول عريس.. يارب”
تنهدت الأم بقلة حيلة ثم اغلقت الباب و خرجت
–حاسة نفسك بقيتي أحسن شوية؟
تساءلت روان فأجابت رُميساء

 

 

–الحمدلله.. بس راسي بتوجعني مكان الخبطة
–طيب نامي شوية عشان بالليل إن شاء الله نبتدي مراجعة.. معتش غير اسبوع على الامتحان
–لا مش جايلي نوم.. تعالي نرغي شوية
–نرغي في ايه ؟
–تفتكري أعمل فرحي في قاعة ولا قدام البحر ؟
–رُميساء.. ليا عندك طلب
–ايه ؟
–بالله عليكِ تجيبي الكحك بعجوة
–اشمعنا ؟
–الملاحق تحب العجوة.. انما الملبن هيلزق
قالتها وهي تزفر بنفاذ صبر، ثم أخرجت كتاب التاريخ وفتحته ليقابلها درس ” محمد علي و بناء الدولة الحديثة في مصر ”
تنهدت بملل وهي تقول
–يا مبهدلنا ومطلع عنينا يا حمو.. كان حد ضربك على ايدك وقالك ابني لنا دولة ؟؟ مصر اشتكتلك يا عم الجامد !! ادعي عليك بايه وأنت ميت أصلًا.. ادعي عليك ربنا ياخدك تاني ؟؟
.. نبدأ.. استعنا على الشقى بالله
–هتذاكري ؟
سألتها رُميساء فأجابت روان بتهكم
–لأ بنقي ورق نضيف عشان ابيع عليه طعمية بعد الثانوية… بقولك ايه أنا مش عاوزه غباء الله يرضى عنك.. نامي وسيبني اذاكر كلمتين ينفعوني
سحبت رُميساء منها الكتاب وهي تخفي الدرس عنها لتقول بسخرية
–ياروان ياحبيبتي أنتِ بتقعدي تذاكري بالساعات وفي الآخر مبتعرفيش تحلي
–طب أساليني كده في أي حاجة
–عنيا.. قولي ياستي.. ايه هي سياسة الاحتكار
فكرت روان للحظات وأخذت تسترجع ما ذاكرته سابقا دون جدوى.. فأجابت بحسرة
“يعني أي حد يقف في وش محماه علي يبقى حكير”
القت رُميساء بالكتاب في وجهها لتقول ضاحكة
–أنا بقول نتجوز احسن..
اومأت روان بموافقة وهي تضحك بسخرية من نفسها
— ياترى بتعمل ايه يا قرة عيني دلوقت..
“بيذاكر لواحدة تانية”
قالتها رُميساء ثم أخذت تضحك بشدة وشاركتها روان تاركين كتبهم تصرخ في صمت.
بعد دقائق قررت روان أن تجتهد وتذاكر لتحقق طموح طفولتها في أن تصبح معلمة أطفال.. فتحت كتابها وقالت
–بسم الله..
وقبل أن تبدأ استوقفتها رُميساء لتقول
–هعلمك دعاء حلو أوي كنت سمعته من شيخ بحضرله دروس في الجامع بس بتقوليه بعد متخلصي مذاكرة عشان اللي ذاكرتيه يثبت في دماغك
هتفت روان بلهفة
–الحقيني بيه
قالت الأخرى
–‫

 

 

اللهم أني إستودعتك ما قرأت و مادرست و ماحفظت وما فهمت
فرده إلي عند حاجتي إليه
وما كان من نقصٍ فأتمه من فضلك وكرمك، أنك على كل شيٍ قدير
وحسبنا الله ونعم الوكيل .‬
أعادته روان وراءها وبدأت فعليًا في استذكار دروسها..
________________♡
عندما يتراكم على قلبك كل شيء ..
وتجد أنك لا تقوى على فعل شيء ..
إعتزل الناس، واجعل حضور قلبك مع اللّه
وسيصلح لك كل شيء “لأحدهم”
*********
بعد أن توضأ قصي استعدادًا ليصلي ركعتين توبة لله كما أخبره سيف، خرج ليأخذ سجادة الصلاة ثم افترشها ووقف عليها مكبرًا؛ فاستوقفه سيف هاتفًا بدهشة
–أنت ايه اللي بتعمله ده ؟؟
أجاب قصي بتلقائية
–هكون بعمل ايه يعني.. بصلي
–أنت هتخترع دين جديد !!.. القِبلة مش كده
–عندنا في ايطاليا كانت على ايدي اليمين
هز سيف رأسه بدهشة لا يدرِ أيضحك على هذا الأبلة أم يشفق عليه
–مش معقول اللي بيحصل ده.. يا حبيبي الأماكن بتتغير.. القبلة دايمًا في اتجاه الكعبة
— وأنا لسه هركب طيارة و أزور الكعبة و أقيس المسافات عشان أعرف اصلي ازاي ؟؟
رمش سيف بأهدابه عدة مرات يحاول استيعاب سذاجة ابن عمه
–لا تعليق.. أنا عاجز عن الرد حقيقي
–اومال أنت بتتكلم ازاي دلوقت.. من خياشيمك؟
صاح سيف بنفاذ صبر
–ولاااه.. صلي في الزاوية دي.. القِبلة في الاتجاه ده يا غبي
–أنت مش لسه قايل باتجاه الكعبة ؟
— ما هي الكعبة في الاتجاه ده يا حمــــــــــار
–براحة على نفسك ليطقلك عرق
قالها قصي وهو يمصمص شفتيها و يرفع أحد حاجبيه كالمرأة (الصعرانة) .. عدل السجادة باتجاه الزاوية كما قال سيف، فاستوقفه ثانيةً ليقول بهدوء

 

 

–نويت تصلي ركعتين توبة ؟
أومأ قصي قائلا
–بس تعرف.. حاسس أن قلبي منشرح كده
ابتسم سيف مردفًا
–ولسه لما تقوي علاقتك بربنا هتبقى في منتهى السعادة
— وأنت في منتهى السعادة ؟
— أنا حاسس كأني اتولدت من جديد والله يا قصي.. يا أخي ربنا ده جميل ورحيم أوي بينا.. ما يستحقش مننا الجفا في العبادة، والبعد عنه.. ربنا في غنى عن عباده.. احنا اللي محتاجين نقرب منه عشان حياتنا تتصلح و نفوز بالآخرة.. الدنيا دي مش دايمه يا قصي.. الحياة الحقيقية في الآخرة..
“أنا شامم ريحة أكل حلو”
رمقه سيف شزرًا ليقول بامتعاض
“هو أنا بكلمك في ايه وأنت بتقول ايه ؟؟”
تحسس قصي معدته بشهية ليردف
–هو الكلام جميل و كل حاجة.. بس أمك شكلها عاملة بهاريز
–بهاريز !!! صلي يا قصي.. صلي ربنا يهديك
اغمض قصي عينيه للحظات ثم أخذ نفس عميق يحاول الخشوع في الصلاة، بينما سيف تركه حتى يأخذ راحته وخرج..
صلى قصي بعد أن نوى من قلبه أن يتوب إلى الله عن أي ذنب يفعله؛ ليذوق لذة الحياة برفقة الرحمن كما أخبره سيف..
انتهى من صلاته وظل موضعه لدقائق يُفكر حياته بدون صلاة.. وجد أنه كان مسلم بالاسم فقط فالحمدلله أنه رُزق بحُب بابن عمه وخوفه عليه من الضياع، لولاه لكان يلهو الآن مع أي فتاة من اللواتي يعرفهن أو يسمع الاغاني أو ينشغل بأي شيء دون مراعاة ليوم الحساب..
صدق من قال أنه اذا أحبك أحدهم سيأخذ بيدك للجنة.
شعر قصي بفيض من الراحة والسعادة تملأ قلبه فقال وهو يضم كفيه و يرفعهما ليدعو الله
“يارب.. أنا عارف إني أذنبت و عصيتك كتير أوي.. عارف إني كنت بسمع الآذان واعمل نفسي اطرش.. كنت بشوف القرآن شغال في التلفزيون واقلب على قناة تانية.. أنا مشيت مع بنات.. وعملت بلاوي سودة.. وأنت سترتني يارب.. أنا بعترف بكل ذنوبي.. أنا كنت في غفلة.. كان نفسي ابقى قريب منك وابطل أي ذنب بعمله.. بس مكنتش قادر.. شهواتي كانت بتغلبني… كنت خايف أموت و اقابلك وأنا كده.. بس انهارده أنا فقت يارب..يارب أنا دلوقت عرفت سبب وجودي في مصر بعد السنين دي كلها.. مكنتش اتوقع إن اتوب على ايد سيف وهو اللي ياخد بايدي للطريق الصح.. يارب زي ماهو خايف عليا وبيحبني.. اشفيه واجبر بخاطره و أدم صداقتنا يا رب.
اللهم إنك قلت ورحمتي وسعت كل شيء وأنا شيء فلتسعني رحمتك يا الله..”
بعد أن انتهى شعر بفرحة تغمره كُليًا لا يستطيع الخيال أن يتصورها وكأنها غُمة و فرت من قلبه حين طبع عليه حلاوة الايمان؛ فلا شَيء يَمنَحنا تلك الراحة التي نَتلَّقاها أثناءَ سَجدةٍ بِين يدي الله ..

 

 

خرج قصي فوجد سيف يجلس في الصالة يقرأ القرآن.. ذهب قصي وجلس بجانبه فسمعه يتلو
قول:
﴿مَن كانَ يُريدُ حَرثَ الآخِرَةِ نَزِد لَهُ في حَرثِهِ وَمَن كانَ يُريدُ حَرثَ الدُّنيا نُؤتِهِ مِنها وَما لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَصيبٍ﴾ .
(الشُورىٰ ٢٠)
استوقفه قصي متسائلا
–يعني ايه ؟؟
أغلق سيف مصحفه ليتنهد مفكرًا للحظات قبل أن يقول
–ربنا سبحانه وتعالى شبه الاعمال بالبذرة.. البذرة بتزرعها عشان تعطيك وقت الحرث ثمرة.. كذلك الأعمال لو صالحة فأنت كسبت الآخرة لو سيئة فأنت كسبت الدنيا وخسرت الآخرة.. الآخرة اللي هي أصلا بداية الحياة الحقيقية يا جنة يا نار
وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا أى: ومن كان يريد بعمله شهوات الدنيا نؤته منها، ما قدرناه له يعني لو حب الدنيا هياخد نصيبه منها تالت و متلت
وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ أى: وليس له في الآخرة نصيب من خيراتها الباقية، ونعيمها الدائم.
وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله- تعالى-: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُومًا مَدْحُورًا.
وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا.
كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ، وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا .
سورة الإسراء ١٨..
و انتقلت السورة الكريمة إلى توبيخ المشركين على إصرارهم على كفرهم، و قارنت بين مصيرهم السيئ، وبين المصير الطيب الذي وعد الله به المؤمنين.. يعني ليك حرية الاختيار.. هتختار الدنيا و شهواتها هتخسر الآخرة والعكس صحيح.. لأن الدنيا دي تلاهي.. ربنا بيقول في آية كده مش فاكر سورة ايه بصراحة بس حافظ الآية
“وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”
–حيوان ؟؟
قالها قصي بدهشة وعدم فهم ليتساءل
–مش فاهم الحتة دي
أجاب سيف
— الحيوان: الحي، وكل ذي روح يتحرَّك و يتغذى و يتحسس. أو الحياة. و الحيوان في الأصل: مقرُّ الحياة.. يارب تكون فهمت
عاود قصي التساؤل
— مش هتقولي ايه هي النوافل ؟
–اللي هي السنن
–وضحلي اكتر الله يسترك
“هفهمك يا قصي”

 

 

قالتها مفيدة عمته وهي تقبل عليهم ومعها صينية بطاطس وسكين لتقشرها.. جلست على الأريكة بجانب قصي وعلى شمالها يجلس سيف على كرسيه.. فأردفت وهي تقطع البطاطس
— إن النافلة في اللغة: مطلق الزيادة، وفي الشرع: كل ما زاد على الفرض فهو نافلة، ويسمى تطوعًا وسنة…. سواء كان ذلك في الصلاة أو الزكاة أو الصوم.
قال تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾
[ الإسراء 79]
ربنا سبحانه وتعالى شرع النوافل لتكون جبرا لما وقع من نقص وخلل في الفرائض، وقربة ينال بها صاحبها محبة الله تعالى..
اصطنع قصي أن يفهم فقال
–تمام.. ايه هي السنن بقى؟
نظر سيف لوالدته باستفهام وكذلك فعلت هي ثم ضحكت بخفة قائلة
–عددهم يعني ؟
أومأ قصي فأجابت
–السنن الرواتب اللي النبي صلّ الله عليه وسلم كان محافظ عليهم..
اتنين قبل الفجر وأربعة قبل الضهر واتنين بعده والعصر مفيش والمغرب اتنين بعده والعشاء اتنين بعدها… صمتت للحظات ثم تابعت
“موضوع السنن ده طويل جدًا وعاوز وقت كبير عشان اشرحهولك كويس.. لو كان بدر هنا كان فهمك كل حاجة..”
–طب متفهميني أنتِ ياعمتي ما أنتِ حلوة أهو
ضحك سيف لينهره بمزاح
–أنت بتعاكس أمي يالطخ
–باكل بعقلها حلاوة بس عشان تديني صبعين محشي من اللي عملاه جوا
تساءلت مفيدة بدهشة
–أنت عرفت ازاي أن أنا عاملة محشي ؟
— منا شايفك الصبح وأنتِ بتقمعيه يا عمتي
–أقمعه ! هو بامية !
–المهم.. أنا جعان.. هتفهميني ولا هتحطلنا ناكل ؟
نظر سيف لوالدته ضاحكًا ليقول
–كنتوا زهقانين من عمايلي.. اهو جالكم الأسوأ مني
بادلته والدته الضحك لتقول لقصي
–يوم تاني اكون فاضية فيه وهشرحلكم كل اللي مش فاهمينه أنت وسيف
غمز لها قصي بمرح مداعبًا

 

 

–ده أنتِ طلعتي نينجا يا عمتو و أنا معرفش.. عرفتي كل ده منين ؟
–أنت ناسي يا ولد إن عمك محمد الله يرحمه كان امام جامع وبيدي دروس دينية.. الله يرحمه مكنتش افوتله درس أبدًا.. كلامه يشرح القلب كده
ترحم الشابين عليه و نهضت مفيدة لتكمل عملها بالمطبخ وبعد دقائق وجدوا هاجر و زياد يقبلان عليهم ببشاشة.. ألقوا التحية فردوها عليهما بابتسامة مرحبة.. جاءت والدتها و احتضنتها بشدة متسائلة
–عملتي ايه يا حبيبة ماما
اصطنعت هاجر أنها بحالة جيدة تمامًا وقالت باسمة
–الحمدلله.. كله تمام و حجزنا الاثاث والقاعة و رتبنا الوان الدهانات
ربتت والدتها على ظهرها بحنان قائلة
–طب ادخلي غيري.. انا خلصت الأكل
قبل أن تدلف لغرفتها اتجهت صوب سيف و احنضنته بحنو
” وحشتني”
بادلها سيف العناق بحنان أكبر قائلا
— وأنتِ أكتر يا عروستنا
“عروستي أنا لوحدي لو سمحت”
قالها زياد بمشاكسة ثم حول بصره لقصي متسائلا باقتضاب
— أنت بتهبب ايه هنا يالاه ؟
أجاب قصي بصوت رخيم
–أنت مالك.. انا قاعد في ملك الحكومة
رفع زياد حاجبيه بدهشة واتجه اليه وهو يشمر أكمامه هاتفا بوعيد
–أنا مالي ؟؟ بتطخن صوتك عليا يا بغل
قفز قصي هاربًا من أمامه لغرفة سيف وقبل أن يغلق الباب أخرج لسانه كالأطفال و كأنه فاز في لعبة من سيربح البونبون.. فقال زياد ضاحكا
–طب وريني هتطلع ازاي
تقدمت مفيدة وهمست لزياد متسائلة بقلق
–عملتوا ايه في الفحص
طمأنها زياد
–الحمدلله خير متقلقيش يا عمتي.. كلها اسبوع والنتيجة تطلع و الدكتورة طمنتها أنها هتبقى كويسة إن شاء الله
–يارب يابني يارب
ذهبت لتحضر الطعام بينما زياد جلس بجانب سيف يتبادلان أطراف الحديث فتساءل زياد
–امتحاناتك امتى ؟
–كمان اسبوعين.. والله بفكر اعمل تأجيل السنة دي
–مضيعش سنة من عمرك.. أنت في طب يعني سبع سنين دراسة.. مضيعش من عمرك تمانية.. توكل على الله و امتحن
–أنا مذاكرتش كويس.. السنتين اللي فاتوا جايب فيهم امتياز.. مش عاوز اقل السنة دي
تفهم زياد الأمر الذي يعيق سيف عن تأدية امتحاناته فقال بلطف
–أنت ناعي هم صحابك هيشوفوك ازاي صح ؟
أومأ سيف دون أن يجيب، فأردف زياد باسمًا

 

 

–أنا هوديك و اجيبك الامتحان.. أما بالنسبة لصحابك.. متشلش همهم.. هما لو بيحبوك هيتقبلوا شكلك أيا كان ايه.. أنت راضي بابتلاء ربنا.. متخليش موقف زي ده يحسسك أنك وحش ومحدش يتقبلك.. لازم تحب نفسك بجميع حالاتها و تقدرها عشان غيرك يقدرك..
بإيماءة رأس بسيطة رد سيف
–أنت عندك حق.. لو محبتش نفسي و أنا كده.. يبقى مستناش من حد يحبني.. لازم أتقبل شكلي ونفسي في كل حالاتي
وجه الاثنين بصرهم نحو تلك التي خرجت من غرفتها تبتسم بسعادة تعجب لها زياد و ابتسم من قلبه على قوة تحملها و حرصها ألا تقلق عائلتها عليها، رغم أن تلك القوة بدت مزيفة و واضحة عليها بالنسبة لزياد؛ لأنه شهد اغمائها منذ ساعة إلا أنها ظهرت بكل حماس وتفاؤل أمام شقيقها و والدتها..
خرجت هاجر مرتدية بچامة وردية واسعة اختفى تحتها جسدها النحيل و جمعت شعرها الأحمر الطويل والمائل للون أشعة الشمس بشريطة شعر.
ابتسم لها زياد مداعبًا
–طب روحي غطي شعرك الحلو ده والبسي عباية عشان قصي هنا
صفعت هاجر جبهتها بخفة متناسية وجود قصي
–والله نسيت
و دلفت لغرفتها ثانية لترتدي اسدال الصلاة الخاص بها وعادت لتحضر الطعام من والدتها.. مرّت من أمام زياد فمدّ قدمه يعيق سيرها مما تعثرت ولكنها لم تقع.. رمقته بتحذير فانفجر ضاحكا ليقول
— ابقي بصي قدامك و أنتِ ماشية
اصطنعت الخوف وشهقت بفزع هاتفة
— زيـــاد.. فــــــار
قفز زياد من الأريكة بخوف شديد و اختبئها وراءها قائلا وهو يبتلع ريقه
–فين ؟؟؟
صرخت من الضحك وأخذت تضرب بكفيها على المنضدة وهي تضحك بشدة، بينما هو تحول وجه للوجوم وأخذ يطالعها باستشاطة، لعلمها أنه يخاف الفئران كثيرًا فأرادت أن ترد له الصاع صاعين بتخويفها له..
قالت وهي مستغرقة في الضحك
— لا بس حلوه النطة دي يا حضرة وكيل النيابة.. غلبت الشناوي
لم يتحرك له جفن و بدأ في الاقتراب نحوها كما يقترب الأسد من فريسته بحذر، فصرخت راكضة نحو والدتها و تخفت وراءها… قالت والدتها وهي تضحك على أفعالهم الصبيانية
–سماح المرادي يا زياد
رمقها زياد بوعيد قائلا
— هتروحي مني فين.. ليكِ يوم
أخرجت له لسانها لتقول باستفزاز من خلف والدتها
— مش هنجيب حوض سمك في شقتنا هنجيب حوض فران وابقى وريني هتعمل ايه..
في تلك اللحظة انتهز قصي الفرصة وفتح الباب ليخرج وهو يمشي ببطء على أطراف اصابعه فصاح سيف
–الحق يا زيـاد.. نجلاء طلعت
تساءل زياد بدهشة
–نجلاء مين ؟؟

 

 

–الولاه قصي يعني
–هو قصي بقى اسمه نجلاء !!
–يووه من زمان
–ليلتك مش فايته يا نجلاء
هجم زياد على قصي، ففر هاربًا للغرفة مجددًا وهو يكاد يبكي ليقول بتوسل
–أنا جعان.. حرام عليكم يا ظلمة
وقف زياد عند باب الغرفة وهو يضحك
— قول أنا اسف الاول و بوس ايدي
أتاه صوت قصي من الداخل يقول باعتراض
–ابوس ايدك ؟؟؟ ده أنا مبعملهاش مع أمي و أبويا غير كل عيد
–خلاص خليك محبوس
فكر قصي للحظات و أردف
–طيب ماشي.. موافق.. سيبوني أخرج بقى
سمح له زياد بالخروج فقال قصي وهو يقف أمامه كالمذنب
–أنا آسف.. ثم غمغم
–أبو شكلك
“قولت ايه ؟؟”
–مـ.. مقولتش حاجة
–امممم.. طب روح اقعد على السفرة و مسمعش صوتك
–مش هتخليني أبوس ايدك ؟
–لا يطلعي حبوب.. يلا امشي
هتف بتذمر وهو ينصاع للأوامر باستسلام

 

 

–كل ده عشان طبق محشي.. مهو ريحته حلوه برضو ويستاهل التضحية
أتت هاجر وهي تحمل صينية طعام لها هي وزياد ليأكلوا وحدهم؛ لوجود قصي وهو غريب عنها رغم أنه ابن عمها ولكن ما فعلته هو الصحيح..
أثناء تناول سيف ووالدته وقصي الغداء، رن هاتف قصي و كان الرقم خارج مصر..
فأجاب
” ايه ؟ ”
رد المُتصل وهو صديق له من ايطاليا لبناني الجنسية
–من اليوم ياللي سافرت فيه على مصر ما عم تحاكيني.. ليش ؟
— ماجد !! معلش والله يا عم.. ابويا قاطع عني النت و معيش فلوس اشحن.. وحشتني انت وبقيت الشلة
–لك عندي خبر بملايين
أجاب قصي وهو يلتقط ثلاث أصابع محشي ويلتهمهم مرة واحدة
–خليلك الخبر وهات الملايين
شرق سيف وهو يشرب المياه ليقول
–فظيع.. الله يكون في عون صحابك
رد صديقه المُتصل
— حبيبتك انخطبت
صمت قصي لثوانِ ثم أردف وهو متأثر وعيناه مليئة بالدموع: أي وحده ؟
#يُتبــــــــــــــــع
“هاجر المفروض كانت تموت لكن تم تغيير مسار الرواية.. نادر بيحبك يا زينب وهو السبب أن اغير مسار القصة عشان متزعليش ❤”

يُتبع ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *