Uncategorized

رواية لمن القرار الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم سهام صادق

    رواية لمن القرار الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم سهام صادق

 رواية لمن القرار الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم سهام صادق

 رواية لمن القرار الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم سهام صادق

تأملت ملامحها، وقد توهجت  وجنتيها تورداً لا تعلم سببه،
بل في الحقيقة كانت تعلم. 
 داعبت عنقها قليلاً , وقد اطبقت جفنيها مسترخية، وعادت تستشعر بلمساته التي مازالت تشعر بحرارتها فوق جلدها.
خفق قلبها نحو ذلك الشعور، الذي  تشعر به  معه, ولكن سرعان ما جمدتها الحقيقة التي أصبحت عليها، إنها باتت ضعيفة نحو رغباتها
اتجهت نحو فراشها تتهاوي فوقه، بعدما رأت في عينيها ما لا  ترغب به, معنفة نفسها
– معقول وصلتي لكده يا جنات، معقول بقيتي ضعيفة للدرجادي
لم يرحمها عقلها وهو يُخبرها بالطريق الذي اختارته لحالها..، فهي لن تكون في حياته سوي لتلبية رغباته، 
ولكن عن أي رغبة ذكورية ستتحدث وهي من تكون مرحبة بالأمر رغم تمنعها
وها هي الصدمة تحتل ملامحها مرة أخرى، بعدما عادت الحقيقة مجدداً تطرق رأسها.. ،في  لقاء لم يكن إلا ليلتين 
، ليلة بعدما اذاقها فيها العسل.. دفع مرارة الدواء لحلقها وهو يُهينها علي ضعفها..، ولكن أمس والليلة الثانية لهما..، كانت بشعور مختلف ..،
ذابت بين ذراعيه رغم تمنعها ورفض عقلها أن تكون مجرد زوجة في الفراش لا أكثر.
شعرت بدلوفه للغرفة ثم تحركه لتلك الغرفة الجانبية التي تحتوي علي متعلقاته الشخصية..، دون أن يُحادثها بشئ
وبعد دقائق كان يخرج منها يحمل ملف  بين يديه، يُقلب في أوراقه..
رمقها خلسة ، وقد نهضت عن الفراش واستجمعت ثباتها من تلك الحرب التي تعيشها بين قلبها وعقلها 
اكمل خطواته نحو الخارج، ولكنه توقف وهو يستمع لصوتها
– ممكن نتكلم دقيقة
التف نحوها ببطئ، وارتفع حاجبه الأيسر..، ينتظر سماعها
– أنا محتاجه..
وقبل أن تُكمل حديثها ، وقد أرادت أن تخبره عن حاجتها للعودة للعمل..، فلم تعد تملك شئ سواه..، في حرب بدأتها مع تلك العائله..، انتهت بخسارتها، فلا ربحت مالا ولا كرامة
, وفي القريب العاجل ستكون لديها خسارة اخري، مطلقة بعد عدة أشهر من زيجة لم تنال منها إلا اللقب. 
توقف الحديث علي طرفي شفتيها، وهي تراه يبتعد خطوة ويضغط علي زر هاتفه بعدما بدء بالرنين.. ،وقفت تنتظر إنهاء مكالمته التي تخص أعماله وقد طالت بعض الشئ..
زفرت أنفاسها وهي تنظر نحو خطواته، وهو يتحرك في الغرفة ويُخاطب الطرف الأخر بانفعال.. ، ولحماقتها وسذاجة قلبها الذي أصبح يخفق في حضور هذا الرجل الذي اراده..، كانت تتفرس في كل تفاصيله..، حركة شفتيه وهو يتحدث، طوله الذي يشعرها بقصر قامتها وضئالتها جواره رغم إنها ليست هكذا..،
فعلقت عيناه بها في لحظة شرودها نحوه، وهو يُنهي مكالمته مع الطرف الأخر، سحب بعض المال من جزدانه، متمتماً بعجالة بعدما وضع المال فوق طاولة الزينة
– لو في كلام تاني أجلي ، لاني مش فاضي
وببساطه كان يُلقي عبارته.. ، يُخرجها من تلك الدائرة التي اقحمت نفسها بها حتي تنال رجلاً لم تجني من ورائه إلا الخيبة.
ركضت خلفه بعدما شعرت بالأهانه من فعلته..، فهي لا تريد المال بل تُريد اخباره إنها ستعود لعملها حتي تنتهي تلك الزيجة التي تعلم بنهايتها
١
– أنا مش عايزة فلوس، مش معنى إني محتاجة حاجة يبقى عايزه فلوس
توقف في منتصف الدرج يُطالعها متنهداً بضيق، فوقفت تُحدق به، بعدما التقطت أنفاسها الهادرة
– جنات أنا مش فاضي، لو في كلام تاني عندك..، يبقى بلغيني بي لما ارجع
وبخفة صعد الدرجات، بعدما رأي تلك النظرة التي يعلمها ، فهو يُريدها ضعيفة غارقة في لذة الحب حتي ينال مبتغاه أولاً..، وقبل أن تخرج الكلمات مرة أخرى من شفتيها..
كان يلثم خدها بقبلة لم تصدقها..، شعر برجفتها.. ، فابتسم داخله علي سذاجتها، وقد صدق حقاً صديقه “جلال” حينا اخبره..
أن النساء لا يضعفون إلا أمام المال او رغباتهم..، والمثال كان متجسد أمامه من قبل..، والدته التي ضعفت من أجل الاحتياج لرجلاً بعدما فقدت زوجها واصبحت أرملة ثرية..، ليدخل ” جودة النعماني” حياتها ويلعب علي ما تحتاجه امرأة شابه مثلها..،
اما المثال الاخر يتجسد في زوجة والده ” السيدة منال” تلك المرأة التي لا تهتم سوي بالمال مهما مرت سنوات عمرها.. ، اما تلك التي وقفت مسلوبة الأنفاس من مجرد قبله ولمسه
, ما هي إلا تجسيد لكلاهما..، امرأة طامعة راغبة
–  كانت ليلة مميزة يا جنات
همس كلمته التي ضاعت معها، بقلب انثي تفتح براعمه لأول مرة علي حب رجلاً لا يحمل في قلبه سوي القسوة. 
ابتعد عنها وتابع خطواته، وابتسامة واسعة ترتسم فوق شفتيه.. ،والنصر كان حليفه. 
………….
أرتشف قهوته سريعاً وانحني صوب صغيريه يقبلهما.. ،تعلقت عيناه بعينين خالته وقد طالت نظرتها نحوه كعادتها.. ،
تجاهلها كما يفعل دوماً.. ،فقد جعلته يجني من التعاسة ما لا يجعله يغفر لها.
خرجت “ملك” من الغرفة التي تقيم بها “ميادة” في منزلهم، فنظر نحو الصينية التي تحملها ومن علامات وجهها الحزينه قد علم الإجابة دون أن يسمعها منها
– ملك تعالي ثواني
القى عبارته، واتجه نحو غرفتهما ينتظرها..،اقتربت منها الخادمة تلتقط صينية الطعام ..،  اتجهت نحو الصغيرين تداعب وجنتيهم متمتمه بحب
– حابيب ماما اللي كبروا
والصغيرين، يرفعون ايديهم نحوها ينتظرونها بأن تحملهم وتداعبهم..، قبلتهم ثم انحنت تتنفس رائحتهم
– هروح اشوف بابا واجيلكم وعلطول
وكما علقت عينين “ناهد” برسلان، كانت عيناه تتعلق بكل شئ تقدمه “ملك” للصغار..، طالعت صغار ابنتها الحبيبة..، وأمنية وحيدة عادت تطرق قلبها.. ، أن لا يكون الحديث الذي لم تخبرها به العرافة منذ سنوات هو ما تخشي حدوثه ،
ان يستمر حب ” رسلان” ل  “ملك” وتتم تلك الزيجة.
عاد ذلك اليوم يسير أمام عينيها وكأنه كان بالأمس 
– يعني هيحب بنتي، وينسي اختها
نظرت العرافة نحو الطبق الذي تضعه أمامها..، وكلما كان الماء يتحرك كانت “ناهد” تحصل علي الإجابة منها 
– الجوازه هتم، لكن مش هتم بأرداته..، هيكون غايب عن حاله ومش شايف غير حبيبته فيها.. ،وهي ليلة واحده 
لم تفهم “ناهد” شئ من حديثها، فاردفت مستفهمه
– ليلة واحدة..، أنا بقولك عايزاه ميشوفش غير بنتي.. ،ويرجع من السفر..، بدل ما هو هجرها من ساعه ما اتجوزها
– هتسافرله البلد اللي هو فيها.. ،عشان يتم المراد
تأففت “ناهد” ضجراً، فما الذي تتحدث عنه هذه المرأة..
– لكن عمرك ما هتمنعي النصيب
وشهقت العرافة ، شهقة طويلة, افزعت “ناهد” التي انكمشت علي حالها، وقد ندمت أشد الندم لاتجاهها لامور السحر  ثانية..، فقد تخشب جسدها والخوف بدء ينتابها 
– بنتك طريقها ملهوش وضوح ..، طريق ضلمه
واقتربت من الإناء الذي تضعه أمامها، ثم القت داخله بشئ، وعادت تشهق ثانية
– هو انا دافعه كل الفلوس اللي دفعتها..، عشان تقوليلي الكلام ده..، بقولك عايزة حاجة تخليه يفكر في بنتي
رفعت العرافة رأسها نحو تلك المُلحة،  ونهضت عن مقعدها.. ، تتناول زجاجة بها ترياق
– قبل ما يقرب من بنتك، خليها تشرب منه
التقطت”ناهد” الزجاجة ، تنظر نحو السائل الذي تحتويه 
– طيب وهو 
والجواب الغامض كان يخرج من العرافة مجدداً
– الإنسان حيله كتير، فكري وهتلاقي الجواب 
– وهيكره ملك؟
والصدمه كانت تحتل ملامح “ناهد” وهي تستمع لجوابها 
– هيتجوزها 
الجمها ما سمعته، وقبل أن تتسأل عن شئ أخر .. ، اتجهت العرافة نحو غرفة أخرى متمته
– المقابلة انتهت 
فاقت من شرودها علي بكاء احد الصغار..، بعدما سقطت لعبته.. ، أعطته لعبته مبتسمه , وعادت عيناها، تتعلق نحو الباب المغلق 
داعب “رسلان” وجهها بيديه متسائلا وهو يري تبدل ملامحها بعدما أخبرها عن ضرورة سفره في الغد
– افهم من كده، إنك زعلانه
طالعته “ملك” وقد هربت بنظراتها عنه، فابستم وهو يُقرب وجهها منه
– مش قولنا هنعبر عن مشاعرنا..، ونبدء من أول وجديد 
– ده شغلك يا رسلان..، مقدرش ازعل في حاجة فيها مستقبلك
عانقها بعينيه، قبل أن يعانقها بذراعيه..
– رسلان
ابتعد عنها، ينتظر سماعها
– ميعاد الدكتور بتاعها النهاردة.. ، عشان الجرعة 
تنهد وهو يُدلك جبينه وقد تذكر أمر جرعة خالته
– هاخدها معايا في طريقي 
– خليني اروح معاك..، اكيد هتحتاجني
ابتسم وقد تلاقت عيناهم في صمت ..، فرغم كل ما فعلته “ناهد” لها..، مازالت “ملك” عطوفة رحيمة بها ، مال نحوها يُحرك شفتيه قرب خدها
– وتقوليلي خايفة الزمن يغيرك..، القلوب النضيفة مش بتتغير يا ملك 
تعلقت عيناها به، تري في نظراته “رسلان” الذي احبته منذ طفولتها
– أنا واثق إنك هتفضلي تحبي ولادي..
واغمض عيناه حزيناً علي حالهم، يتذكر رغبتها المُلحه عليه في إتمام علاقتهما..، لتنجب طفلاً
– لما هرجع من السفر، هنتمم جوازنا يا ملك 
………… 
هل أنتهى التسجيل هكذا !
كان أول سؤال تسأله “بسمة” لتلك السيدة التي ارشدتها عن النقاط التي ستتحدث فيها عن حياتها،
وكيف دعمتها الشركة التي تقود الحملة الدعائية ، محتوي منمق اعده فريق التسويق حتي يجذب العملاء..، وهي ما كان عليها إلا أن تفعل ما هو مطالب منها.
اماءت لها الواقفة برأسها، وانشغلت بعدها في مطالعة المحتوى وحديث “بسمة” عن مقتطفات من حياتها القاسية ..
 نظرت نحو أفراد العمل الواقفين ولم يكونوا سوي ثلاثة أفراد اجتمعوا بها في غرفة مكتب ” جسار”، بعدما عفاها من الذهاب لشركته, بعد أن رأها لا تقوى علي الذهاب بسبب ليلة أمس وغباءها في أن تظل تحت مياة الأمطار. 
ارتفعت نبضاتها عندما عادت تفاصيل ليلة أمس تقتحمها..، تتذكر ذراعه التي مازالت تشعر بلمستها  ورائحته التي التصقت بكفيها.. ،
 احمرت وجنتيها وقد شردت في المشهد..، شردت في مجرد لمسة ونظرة اخترقت حصونها. 
انتبهت علي صوت “السيد سعاد” وقد جاءت بالمشروبات للواقفين، وقد جمعوا أغراضهم ، حتي يعودوا للشركة
– خدي اشربي العصير يا بسمة، انتي كمان تعبتي يا بنتي
همست لها “السيدة سعاد” بحنو وهي تُطالع  المنشغلين بجمع اشياءهم ويتحدثون عن أشياء لا تفهمها 
التقطت منها “بسمة ” كأس العصير، فتأملتها “السيدة سعاد” بعدما القت بنظرة سريعة نحو الفتاة، التي يظهر حسنها وثقافتها, بسبب ثيابها الفخمه وبضعة الكلمات الانجليزيه التي تنطق بها
– بكرة تكوني زيهم يا بنتي، وتحققي كل أحلامك.. ،وتبقى هانم
ورغماً عنها كانت تضحك  علي حديث تلك السيدة الطيبة
– ابقى هانم مرة واحدة يا خالتي
– وهما الهوانم، أقل منك يا بنتي
طالعتها ” بسمة” بنظرة حزينة..، فعن أي هانم تتحدث وهي التي أصبحت رمز لمن يحصلون علي شفقة المجتمع.
لم تنتبه ” السيدة سعاد” علي تلك النظرة الحزينة التي ارتسمت فوق ملامحها، بل اخذت تحدق بتلك الفتاة التي طالعتهم بنظرة محتقرة،
 عندما أقتربت منهم لتضع كأس العصير الفارغ فوق الصينية التي تحملها..،
لوت “السيدة سعاد ” شفتيها حانقه من عجرفتها، وهي ليست إلا موظفة كحالها..، صحيح خادمة ولكن في النهاية هم متساويين..، يقدمون خدمتهم ويحصلون علي المال.
شكرتهم السيدة الأخرى والشاب بلطف ثم غادروا، فزفرت “السيدة سعاد” أنفاسها بعد رحيلهم
– والله الست ام جيبة حلوه والشاب القمر..، ذوق.. لكن التانيه يا ساتر عليها
واردفت متهمكة رغم إنها ليست من طباعها
– حطه مناخيرها في السما، ولا يكونش عشان عنيها ملونه
انفرجت شفتي “بسمة” بضحكة  عالية ، وهي تستمع لحديث “السيدة سعاد” الحانق نحو تلك الفتاة
– عارفه كان نفسي اجبها من شعرها، لما لقيتها بتقولك غيري فستانك, لفستان قديم عشان الحملة تكون فيها مصدقية
توقفت” بسمة” عن الضحك، بعدما تذكرت هذة اللحظة, وقد شعرت حينها، أن دلو من الماء البارد قد سكب عليها..،
عندما طلبت منها تلك الفتاة أن ترتدي ثوب أخر وتمسح عن وجهها ما تضعه..، رغم إنها لم تضع إلا مرطب لتفتح البشرة قد أعطته لها  “السيدة سعاد “
– اه شوفي الكلام أخدني معاكي، ونسيت الأكل علي النار
واسرعت بادراجها عائدة للمطبخ، فنظرت “بسمة” نحو فستانها الرث الذي لا يدل إلا حالتها المتدنية. 
………….
توقف أمام سيارتها، بعدما قضى اليوم بأكمله يُحاول الوصول إليها..، ولكن “خديجة النجار ” حينا تغضب..، تتجاهل بل تشعرك إنك لا شئ..,
ولحظه الجميل..، إنه لم يقع في غرام إلا هذه المرأة..، شامخة، قوية، عزيزة النفس، وجميلة بل وجميلة جداً. خرجت من سيارتها حانقة، تنظر إليه ،بعدما نظرت حولها في المكان 
– مش هتحرك من مكاني يا خديجة، لغير اما أفهم إيه اللي ضايقك من أخر مكالمه
طالعته بجمود تتقنه، رغم الغيرة  والحيرة التي تنهش فؤادها وتنكرها 
– مش شايف إنك بدأت تتجاوز حدودك معايا
وبنبرة مُسلية كان يسألها، بعدما تجاوز عبارتها
– اضايقتي لما شوفتيني في حضن واحده..، مش كده يا خديجة
اتسعت عيناها من وقاحته وتلك الثقة الواهية التي يتحدث بها عنها، فكيف له أن يصدق حاله ويظن إنها تهتم لأمره او لنساءه 
دفعته عن طريقها متمتمه، بعدما رفعت اصبعها مُحذره
– كل اللي بيربطنا الشغل وبس، مفهوم
تفحصها بعينيه، بطريقة سلبت أنفاسها.. ، خشيت أن يري ربكتها وذلك الأحتياج الذي أصبحت تشعر به قربه، اتجهت نحو سيارتها حتي ترحل هاربة، ولكنها توقفت مكانها تسمعه في صدمه
– كل جزء فيكي بيصرخ بالاحتياج يا خديجة..، خديجة النجار بقت عايزة تحس إنها ست، وفي حضن راجل يحبها
وبوقاحة كان يُجيدها لخبرته في أمور النساء كان يُخبرها، عما يتوق له جسدها 
صفعته وقبل أن يستوعب ما فعلته..، كانت ترحل بسيارتها بسرعة فائقة لا تُصدق إنها بات يفهمها 
……….
– فتون فين ملف القضية؟ 
التفت ” فتون” بمقعدها تنظر للسيد هاشم، الذي أصبحت تحت مسئوليته وإشرافه، وقد الذي جاء يطلب منها  الملف الذي أعطاه لها حتي تتعلم منه، كيف تُدرس القضايا ويتم وضع الحلول
– أنا خلصته أمبارح وحطيته في درج المكتب..، ثواني هجيبهولك يافندم
هتفت بحماس وابتسامه اعتدوا عليها رفقائها منها .. ،
انحنت قليلاً نحو الدرج الذي وضعت داخله ملف القضية
– فتون بسرعة،  استاذ حازم عايز الملف ..، لأن العميل عنده في مكتبه
تمتم بها “هاشم” بعجالة، وقد اخذ يحك فروة رأسه متوتراً
فبهتت ملامحها بعدما فتحت جميع الأدراج
– أنا مش لاقية الملف..، أنا كنت حطاه هنا في الدرج 
– أنتِ بتقولي إيه؟
صرخ بها “هاشم”، وقد بهتت ملامحه هو الأخر.. ،غير مصدقًا ان ملف القضية الذي كان بحوذته واعطاه لها قد اضاعته..
 ابتعدت عن مكتبها بعدما ازاحها بيده، وقد انسابت دموعها خوفًا، وهي تستمع لعبارات ” هاشم” المؤنبة لأنه استأمنها علي ملف قضية هامه كهذه
– الملف لازم نلاقيه..، أنا هروح في داهية بسببك
– كان هنا في الدرج صدقني ، معرفش راح فين.. انا هدور عليه تاني 
عادت تبحث عنه علي أمل هذه المرة، ولكن لم يكن هناك أثر للملف المفقود، وهاشم وقف خلفها حانقاً والغضب يعتلي ملامحه، يهتف بها بنبرة غليظة محتقرة 
– قلبنا المكتب ومافيش حاجة يا فتون، إختفاء الملف ملهوش غير تفسير واحد
وقبل أن يتم عبارته، ارتفع صوت “حازم” من خلفهم..، وقد أصابه الضجر من انتظار ملف القضية
– فين الملف يا هاشم، أنت ناسي إن العميل في مكتبي
وبعينين دامعه، تعلقت نظراتها ب ” هاشم” الذي وقف يُطالعها بنظرة لوم وخيبة بل وشك. 
انقلب المكتب رأس علي عقب، فالكل اخذ يبحث عن هذا الملف المفقود..، الجميع كان حانقاً بشدة من إهمال فرد..، نال الجميع الذنب معه..، ومن غيرها إلا تلك الفتاة التي أتت كمتدربة في مؤسستهم التي لا تقبل المتدربات.. 
، رمقها البعض بنظرة غاضبه والبعض الأخر بتعاطف. 
تنهد “السيد هاشم” وهو يهوي بجسده فوق أحد المقاعد..، فقد ضاعت وظيفته من أجل متدربة غير مسئولة والسيد “حازم” يضع الذنب عليه وحده لأنه المسئول وليست هي. 
اقتربت إحداهن منه ، بعدما رمقت “فتون” التي جثت فوق ركبتيها تقلب بين الملفات ، لعل الملف يكون مندس بين أحدهم
– المفروض أستاذ حازم يحط اللوم عليها هي، مش عليك أنت يا استاذ هاشم
طالعها “هاشم” بقلة حيلة، فتوظيف تلك الفتاة كان من أمر “السيد سليم” شخصياً ، فمن سيعترض علي قراره ويهين فتاة، تحظى بعناية الشركاء في المؤسسة. 
استمعت “فتون” لحديثها، ف الاستاذه “كارمن ” لا تطيقها منذ أن أتت هنا وكأن بينهم عداء أو سابق معرفة، ولكن الجميع أخبرها إنها هكذا مع المستجدين في العمل
– تاريخي المهني ضاع
هتف بها ” السيد هاشم ” بعدما أسند مرفقيه فوق ساقيه ثم وضع وجهه بين راحتي كفيه بفتور ، فقد خسر وظيفته بسبب إهماله في العمل..، فيا لها من نهاية مشرفة في مؤسسة عريقة كهذه
– لا مش معقول يكون أستاذ حازم، ظالم كده
القاها البعض، فلن يخسروا زميلهم ذو التاريخ الحافل بالإنجازات من أجل متدربة قد أتت لتتعلم من خبرتهم. 
اطبقت ” فتون” فوق جفنيها بقوة، وقد انسابت الدموع فوق خديها.. ،
فهل ستكون سببً في قطع عيش أحدهم لا ذنب له؟ 
نهضت عن مكانها وقد علقت عينين البعض بها، بعدما عاد البعض الأخر للأهتمام بعمله
…. ……
أضاء هاتفه باستمرار، ولكنه لم يكن منتبهاً له..، في الاجتماع كان هاماً وحاسم بعد إطاحة “شركة الأسيوطي” التي تتولى مهامها “شهيرة” بالطبع،
و إنضمام شريك أخر بدلاً عنها..، يعلم إنها بعدما تعلم الخبر وبالتأكيد قد علمت به..، ستعود علي الفور من رحلتها التي هربت فيها منه.
فرك عنقة بارهاق وهو يستمع للشريك الاخر بعدما تحدث المستشار القانوني الخاص به..، فالبنود موضوعة.. والكثير من المستثمرين يتمنوا تلك الشراكه، لكنه لا يختار إلا من لا يحوم حولهم الشبهات في مصادر أموالهم ويتمتعون بالنزاهة
– استاذ فكري، الكرة دلوقتي في ملعبك، لا أه..، لا لاء، إحنا مش هنخسر حاجة من عدم شراكتك..، واختيار الشركة ليك كان بسبب سمعتك في السوق
تمتم بها ” سليم”، فطالعه الجالس يحسم قراره قبل أن يوقع فوق أوراق الشراكة في الصفقة الجديدة.
– علي خيرة الله
ابتسم “سليم” وهو يري توقيعه..، فها هو قد اكتسب الرجل الذي يسعي “حامد الأسيوطي” لضمه إليه.
انتهى الاجتماع المغلق أخيراً، وانصرف الجالسين..، إلا مدير اعماله الذي أخذ يُطلعه علي كل شئ جديد، واخبار منافسيه
……
تنهد “حازم” بضجر، بعدما شعر باليأس من رد “سليم” عليه، حتي مديرة مكتبه لا تُجيب علي الهاتف..، وكأن كل شئ ضده اليوم..
طالع ساعة معصمه بحنق، فالوقت يمر والسيد “فهيم”، سيعود إليهم بعد ساعتين لمناقشة قضيته..، فلولا المكالمة الطارئه التي أتت إليه..، لكان وقع في بشاعة الموقف الذي يحدث لأول مرة،
وكل هذا بسبب “سليم” الذي ادخل زوجته للعمل وهي ليست سوي طالبه لم تتخرج بعد..
– رد يا سليم
– استاذ حازم
اغمض “حازم” عينيه، يستمع لها.. يهدء من روعِه حتي لا ينسى إنها زوجة صديقه. 
 التف نحوها ببطء ورغم غضبه إلا إنه أشفق عليها، من تلك الحالة التي أصبحت بها.. ،فقد لطخت الدموع وجهها…
فطالعها علي أملاً..، أن تكون قد وجدت الملف، أو تذكرت أين قد اضاعته ؟
– لقيتي ملف القضيه، أو افتكرتي حطتيه فين
اطرقت رأسها، فقطب “حازم” جبينه، واشاح وجهه عنها، زافراً أنفاسه بضيق
– استاذ حازم أنا المسئولة، بلاش تطرد أستاذ هاشم..، أنا مستعدة أتحمل أي مسئولية..، بس متقطعش عيش حد بسببي
عادت دموعها تُغرق خديها، تخبره بُصدق..،إنها تركت ملف القضية بالمكتب
تجمدت عينين “حازم” لحظة، فكيف ضاع الأمر عن عقله..
اسرع بخطواته، تحت نظرات “فتون” التي وقفت تمسح دموعها بكفيها، فعلي ما يبدو أن السيد حازم قد تذكر شئ. 
دعت داخلها، أن يمر الأمر ولن تعود لهذا المكان ثانية..
تحركت من مكانها..، تتبع خطوات ” حازم”، حتي تعلم إلى أين ذهب؟
– إيه الإهمال اللي بيحصل في المؤسسة ده يا أساتذة
خرج “حازم” من غرفة المراقبة، يتبعه المسئول عن هذا القسم وما يتعلق به
– يا فندم، في عطل في الكاميرات من أمبارح ..، بنحاول نصلحه
– فين الموظف المسئول يا استاذ
والواقف يطرق رأسه خجلاً متمتماً
– في أجازة مرضية
– شكله هيكون في طرد جماعي النهارده
تحدث أحدهم، وكان الجميع يتابع الوضع بترقب وغرابه، أما “فتون” وقفت منعزلة تنتظر ما سيحدث
– الملف أه يا استاذ حازم
هتفت بها “كارمن” وهي ترفع الملف عالياً، والكل ينظر إليها بذهول.. ،فكيف وجدته؟ والكل بحث عنه
– مالكم يا جماعه بتبصوا عليا كده ليه، الملف كان عالق في الدرج..
لم يهتم ” هاشم ” بالأمر، وأسرع نحوها يلتقطه متنهداً براحه، ينظر نحو “حازم” الذي وقف يُطالع “كارمن” بشك، فلما هي الوحيدة التي وجدته رغم بحث الجميع عنه
– النهاردة مش يوم حظك, يا استاذ هاشم كالعادة
القتها ” كارمن” بداعبة، فهتف “هاشم” يُصدق علي كلامها
– اليوم ده هسجله من كل شهر، عشان منزلش من بيتي
ضحك الجميع، وقد تناسوا ما حدث، وقد عاد الملف 
انسحب” حازم” لمكتبه، وأخيراً ها هو ” السيد سليم” صديقه العزيز يُهاتفه 
……….
ضحكت ” دينا” مستمتعه وهي تستمع للطرف الأخر عبر الهاتف
– هايل يا كارمن، بجد تجنني..، مش عارفه أزاي اشكرك
ابتسمت “كارمن” بسعادة وهي تعبث بخصلاتها في دورة المياة أمام المرآة
– اه لو شوفتيها وهي منهارة، حالتها يا حرام تصعب علي الواحد
واردفت بعدما مسحت طرفي شفتيها، من طلاء الشفاه الخاص بها
– عشان تتعلم تعرف تبص لفوق إزاي، وتتظاهر قدامنا إنها بنت عادية..، وهي مرات سليم النجار
تمتمت عبارتها الأخيرة بحقد، فحتي هذه اللحظة لا تتخيل أن ” سليم النجار” يتزوج فتاة مثلها، كانت خادمة في منزله وزوجة سائقه. 
التمعت عينين “دينا” بمكر بعدما انهت المكالمه، واقتربت من مرآتها تنظر لهيئتها
– بتعمل فينا إيه يا سليم، مخلينا نجري وراك..، وفي النهايه تكون متمسك بواحدة زي ديه.. ، مجرد خدامة مسيرك في يوم هطلقها 
………..
دلف المؤسسة بخطوات سريعة جامدة، وعيون الواقفين عليه.. ينظرون له وقد ادركوا أن الأمر قد وصل له
نهض “حازم” عن مقعده، ينظر نحو ” فتون” التي نهضت من فوق الأريكة وقد كانت تجلس في غرفة “حازم” حتي يزيل الخلاف بينها وبين “السيد هاشم” الذي أخذ يعتذر لها عن أي كلمة قد بدرت منه دون قصد
– إيه اللي حصل يا حازم؟
– سليم بيه، أنا حقيقي مكنتش أعرف إنها زوجة حضرتك.. ،غير من استاذ حازم النهاردة
هتف بها “هاشم”، فحدق “سليم” بصديقه الذي اشاح عيناه بعيداً عنه ..،ولولا دلوف سكرتيرة “حازم ” التي أتت كالنجدة إليه، تُخبره عن عودة “السيد فهيم”
– سليم أنا هروح المكتب التاني ، عشان القضيه.. وفتون تشرحلك كل حاجة
غادر الغرفة دون أن ينتظر سماع شئ، فاتبعه “هاشم” الذي شعر بالأرتبارك من نظرات “سليم ” له. 
تنهد بغضب، يُحاول تجاوز حنقه من صديقه..، فتعلقت عيناه بها واخيراً قد ظهر وجهها الذي كانت تطرقه أرضاً 
– مين عمل فيكي كده، الدموع مغرقة وشك ليه.. ،فهميني
صرخ بها وهو يمسك وجهها بين كفيه، فارتجفت شفتيها تتذكر تفاصيل ما حدث
١
– فتون، انطقي.. ، أنا علي أخرى وخصوصا منك لأنك زي العادة بتنسي تستنجدي بيا وكأني مش هعرف أحميكي واخدلك حقك 
– طيب وطى صوتك، وأنا احكيلك
طالعها، طالباً الصبر..، حتي لا يصب غضبه فوق رأسها..، وبلطف لا يعرف كيف تملكه؟ وهي تُطالعه بتلك النظرة التي تأسر قلبه
– بحاول اهدي يا فتون
وضمها إليه بعدما هتف عبارته، يمسح فوق ظهرها
– متخافيش
استكانت بين ذراعيه، لمدة من الوقت..، إلى أن ابعدها عنه وتحرك بها نحو الأريكة، ينتظر سماع الأمر منها
سردت له كل ما حدث، تقسم إليه إنها لم تضيع ملف القضيه عن قصد منها. 
دلك جبينه، ثم فرك رأسه واسترخي برأسه للخلف
– مين البنت اللي لقيت الملف
تعجبت من سؤاله، فقد ترك كل شيء وارد أن يعلم بهوية من خلصتهم من تلك الكارثة، ولكنها جاوبته في النهاية
– كارمن
……..
دلف “حازم” أخيراً مكتبه بارهاق..، ولكن عيناه قد توقفت علي صديقه الذي جلس يمازح ويلاطف زوجته..، يُعطيها العصير والحلوي وكأنها طفله صغيرة.
اقترب “حازم” منهم وقد انتبهوا أخيراً  علي وجوده ، وقبل أن يهتف “سليم” بشئ.. ، كان “حازم” يلتقط علبة العصير من يده متمتماً
– قالتلك مش عايزة، فهشربها عادي بدلها..، ولا أنتِ عندك اعتراض يا فتون
ابتسمت “فتون” وهي تومئ له برأسها، وقد عادت الدماء لوجهها
– فتون روحي مكتبك، عشان عايز حازم في كلمتين
تمتم بها “سليم” ينظر له بنظرات متوعده، فاسرع “حازم” مستنجداً بها بطريقة لم تعهدها منه من قبل
– فتون ، أنا رئيسك في العمل، وبقولك خليكي.. 
– فتون ، زي ما قولتلك روحي علي مكتبك
كادت أن تخرج من الغرفة، ولكن “حازم” اسرع في هتافها ثانية ولكن بجدية
– فتون، قولي لسليم إنه كان طالبك محدش يعرف بهويتك في المؤسسة
– قالتلى يا حازم متخافش، بس أنا وأنت حسابنا في حاجات مش في حاجة واحده
خرجت من الغرفة، تتنفس براحة ولكن تلك المرة كانت راحتها يرفقها سعادتها التي ارتسمت فوق ملامحها.
عادت لمكتبها تُجمع أغراضها حتي تغارد معه، والكل اخذ ينظر نحوها غير مصدقين ما سمعوه ..،
فكيف لفتاة صغيرة، تبدو بسيطة المنشأ زوجة لرجلاً ك
” سليم النجار” , رئيسهم القديم الذي كان يدب الخوف في قلوبهم من نوبات غضبه. 
وبعد دقائق كان يخرج برفقة “حازم”، يتجه نحو أفراد مؤسسته.. ، وعيناه عالقة نحوها وحدها..
اقترب من  سطح مكتبها، يستند بجسده عليه.. ،يعقد ساعديه أمام صدره. 
الكل توقع أنه  سيوبخهم بعنف، ولكن كعادته لا أحد يفهم عقل “سليم النجار”
– أنتم عارفين إن نجاح المؤسسة، بسبب نجاح كل فرد منكم، عارف ومتأكد إن المؤسسة جزء منه..، اسمنا بيعلا بتكاتفنا سوا.. ، صحيح أنا بعدت عنكم لكن مازالت فخور بيكم..، ولولا اخلاصكم و ولائكم كانت المؤسسه انهارت
ابتسم الجميع، وهم سعداء مما يسمعوه ..، ف رئيسهم القديم لم يتحدث عن زوجته كما كانوا يتوقعون..، بل وقف يمدح بهم وبتعاونهم سوياً
– مش هتكلم عن موضوع الملف، لأنه موضوع وانتهى خلاص
تظاهر بأن الأمر قد مضي، واخذ يمازحهم قليلاً وحازم يُشاركه الأمر..، ضحكت معهم فابتسم وهو يغمز لها وقد لاحظ البعض
– حقيقي وحشني وجودي في المؤسسه، لكن بقيت موجود معاكم في الفترة أخيرة، حتي لو مش ظاهر في الصورة
ونظر لها مبتسماً، بعدما جذبها نحوه وقربها منه..، تحت نظراتهم
– طبعا المدام بتناقشني في القضايا ، وبتستغل خبرتي عشان تتفوق في المجال
واردف وهو يُطالع نظرات البعض نحوه وخاصة نظرات “حازم” ، وقد كان يفهم لما وقف هكذا صديقه بينهم
– طبعا في إستغلال مهني في الحكاية، بس منقدرش نقول للسلطة العليا في البيت لا 
ألقاها بدعابه، فعاد البعض يضحك غير مصدقين.. ،إنه “سليم النجار” 
خفق قلبها وهي تسمعه، وتري النظرات نحوها وقد بدء البعض يسألها عن “سليم النجار” في المنزل، فقد عاهدوا مديراً صارم، ورجل قانون مُحنك لا  يتمازح معهم.. 
كانت نظراتها نحوه في هيام رأه في عينيها ، ولم تكن تعلم
 ما ينتظرها من رجل القانون عند العودة. 
………….
اقتربت منه بتوتر، بعدما اخبرتها “السيده سعاد” إنه يُريد رؤيتها
انتظرت أن يرفع عيناه عن الأوراق التي يُطالعها.. ،ثم نهض عن مقعده وقد ظهرت علي ملامحه علامات التعب
طالعت الأوراق التي يقدمها لها، ثم التقطتهم منه مُتعجبه
– ديه اوراقك كلها يا بسمه، بيان نجاحك في الثانويه العامه، كل اوراقك الرسمية..، ومن بدايه السنة الدراسية للعام الجديد هتكوني ضمن الفرقة الأولى في كلية التجارة 
اتسعت ابتسامتها وهي تسمعه، فها هو يصدق بأول وعوده، وقد احضر لها أوراقها
– يعني هتقبل 
– اكيد يا بسمه
تهللت اساريرها وهي تضم الأوراق إليها، رغم إنها لم تحصل علي إفادة القبول ، ولكنها تعلم إنه سوف يصدق بكل شئ أخبارها به.
اخرج منديله يضعه فوق رذاذ شفتيه بعدما عطس بشدة؛ 
فطالعته بأسف، فعلي ما يبدو إنها يُعاني من بوادر البرد..، مسح أنفه..، وعاد لمقعده
– تقدري تروحي تشوفي اللي وراكي يا بسمه
التفت بعدما ، لم تجد حديث تخبره به، ولكنها توقف في مكانها وعادت تلتف إليه
– شكلك تعبان، اخلي دادة سعاد تعملك أعشاب للبرد او تجبلك علاج
رمقها بنظرة لم تفهمها، فشعرت بالتوتر.. وكادت أن تنصرف حانقة من حالها، لأنها اقحمت نفسها بما لا يعنيها
– ياريت يا بسمة، لأحسن حاسس إن جسمي مكسر
وتلك المرة كانت اساريرها تنبسط من أجل حديثه معها .. ،أندفعت لخارج الغرفة..، تبحث عن “السيدة سعاد” بلهفة 
– جسار بيه، تعبان يا داده
وبخطوات سريعة قلقه، كانت “السيدة سعاد ” تذهب إليه حتي تري ما به، وبعد برهة عادت للمطبخ.. ،تبحث عن  الأعشاب التي تُريحة في نزلات البرد
– يعني مش هياخد علاج
سكبت “السيدة سعاد” المشروب في الكوب، وقد صعد البخار منه 
– جسار بيه، مبياخدش أي علاج غير لو لزم الأمر 
– ليه طيب مهمل في صحته كده
رمقتها ” السيدة سعاد “، قبل أن تُغادر المطبخ.. ،فتنهدت بعدما جلست فوق احد بالمقاعد بالمطبخ
– أنا السبب في تعبه 
…….
طالعها  مدهوشاً من قدومها،
فهل بعد ما حدث وصفعها له تقف أمامه؟
ابتعد عن الباب وقد ترك أمر الدخول لها..، إذا أرادت
– خلينا نتجوز يا أمير
اتسعت حدقتيه، وهو يلتف إليها غير مصدقاً ما يسمعه منها..، فبعدما اتخذ قرار الإبتعاد عنها ، تأتي إليه تخبره إنها تُريد الزواج منه، وعبارة أخرى قد جمدته في مكانه..، تمتمت بها
– نتجوز في السر 
………..
وقفت أمام غرفته هذه المرة بدلاً عن ” السيدة سعاد” التي ارهقها الصعود إليه، شعرت بالتوتر وهي تجده يخرج من المرحاض يُجفف عنقه.. ،
التقت عيناه بها وهو يراها تقف خارج الحجرة تطرق رأسها أرضاً في خجل
– تعالي يا بسمه
تمتم بها، فتقدمت منه.. ،تمدّ له يدها بالمشروب الساخن
–  بقيت كويس ، دادة سعاد قالتلي اطلعلك الأعشاب
عطس بشدة ،  يُشيح بوجهه عنها..، وقد حصلت على الإجابة.. ،فتمتمت معتدزة تؤنب حالها
-يعني أنت تعبت..، وأنا محصلش ليا حاجة
ابتسم وهو يسمعها، وقد تناول منها الشراب الساخن واتجه نحو فراشه يجلس فوقه
– حصل خير يا بسمة
طالعته بنظرة مرتبكة، نظرة ذكرته بملك، في بداية لقاءه بها.. ، فتوترت من نظراته والتفت بجسدها مغادرة الغرفة، بعدما شعرت أنها طالت المكوث فيها
– بتكلمي ملك ، يا بسمة
توقفت في مكانها وقد أخذها الحنين لصديقتها الوحيدة، وعادت تلتف إليه.. ،تخبره بما أمرها به منذ أن علقت بحياته
– متقلقيش يا جسار بيه، بنفذ وعدي ومبتصلش بيها.. ،لاني عارفه إني مشرفش حد
لم يكن يقصد ذلك، بل أراد أن يعرف منها أخبارها.. فمنذ زواجها أصبح يحترم إنها زوجة لرجل أخر..، انصرفت من أمامه بعدما غزت الدموع عينيها. 
فتنهد بارهاق، فلم تعطيه فرصة ليوضح لها خطأه..، لم يفكر بامرها كثيراً..، فما يفعله معها حالياً ليس إلا شفقة بحالها وظروفها , خاصة بعدما عرف تفاصيل كثيرة عن حياتها.
غفا بعدما تملك الإرهاق منه، وفي منتصف الليل كان يتصبب عرقًا ويهذي في أحلامه..
رمقها وهي قريبة منه تحمل فوطة مبلله، تضعها فوق جبينه.. ،فاغمض عينيه فلم تكن لديه قوة علي الحديث..
 استمرت طيلة الليل جواره..، حتي غفت فوق المقعد الجالسة عليه.
شعرت بلمسات تسير فوق سائر جسدها؛ فانتفضت مفزوعة من غفوتها القصيرة..، تنظر حولها تصرخ بخوف. 
سقط كأس الماء من يده ونهض من فوق الفراش بإرهاق بعدما رأي فزعتها
– كان هنا، كان عايز يلمسني
– بسمة مافيش حد هنا، أنتِ كنتي نايمة على الكرسي
التفت حولها تبحث عن “عنتر” بالغرفة، فاقترب منها حتي يوقفها عن دورانها ويُهدأها.. ، اجتذبها بذراعيها, يهمس ببطئ لها وقد عانقت عيناه نظراتها الضائعة 
– بسمه انتِ في امان هنا، محدش هنا غيري
تمتم عبارته، يُخبرها أن تُردد عبارته ، كانت تهمس عبارته بخوف.. فلم يشعر بحاله إلا وهو يضمها إليه وقد تشبثت به وهي لا تشعر بخطأها ..
وقفت” السيدة سعاد” منزوية، وقد تجمدت عيناها عليهم 
فما الذي تفعله بسمة هنا، وفي هذه الساعة من الليل؟ 
………
ابتعد عنها وعلامات الصدمة فوق ملامحه، فما يعرفه إنه لم تتزوج يوماً، بل تركت نفسها لعالم الأعمال
– أنتِ كنتي متجوزه؟
طالعته “خديجة”، وقد اخذ يفرك عنقه بقوة، فالمرأة التي ظن إنه الأول في كل شئ..، لم يكن هو أول من نالها
– هو يفرق معاك يا أمير؟
أردات أن تظهر إليه بصورة جامدة..، حتي لا يظن أن الأمر يفرق معها..، ولكن عبارته قد جمدتها 
والعبارة التي أخبرها بها للتو ، لا تتلخص إلا في صدمته ..، وهي لم يكن حالها مختلفاً..، لم تتوقع إنه سينتظر أن يجدها عذراءً، و أول رجلاً قد لمسها، ف امرأة بسنوات عمرها، ما كان سينتظره منه، هل ينتظر أن يجدها عفيفه دون تجربه؟
ومن نظراته نحوها، جعلها تعود لسنوات الماضي، جعلها تعود لمآسيها 
– الحاجة الوحيده اللي اقدر اقولها ليكي يا خديجة، إني مصدوم في الست اللي كنت فاكر إني اول راجل في كل حاجة
التقطت أذناها عبارته، فنهضت من فوق الفراش تلتقط مئزرها تضمه حول جسدها، ولو ذبذبتها نظراته وكلماته، لن تكون “خديجه النجار” ، وقد عاشت سنوات تُشكل شخصيتها، إنها قوية، صارمة، لا تقبل  الذل، تضع قلبها أسفل قدميها إذا شعرت إنه سيجلب لها الضعف والهوان، وقد فات وقت البكاء
– أحنا لسا متجوزين من ساعات يا أمير، وبساطه ممكن نطلق..، الموضوع مش صعب ولا بينا العشرة الطويله اللي تخلينا نلوم ونتوسل من بعض السماح
تجمدت ملامحه وهو يسمعها، فهل بهذه البساطة تتحدث معه؟ استوحشت نظراته وهو يرمقها
– مش ديه الإجابه اللي أنا منتظرها يا هانم، كام واحد نمتي معاه قبلي
تعلقت عيناها به، وقد اخترقت كلماته فؤادها، وقد الخواء وحده ما يحتل عيناها الباهته
– ردي عليا 
– أخرس
نطقتها صارخة، فلو أدعت القوة منذ لحظات، فلم تكن إلا قوة واهية 
احتدت عيناه، ولكنها كانت الأسرع في إتخاذ ردة الفعل..، فاتسعت عيناه وهو يجدها تتحرك من أمامه، تلتقط كل ما هو فوق طاولة الزينة، تدفعه نحوه 
ألجمه ما تفعله، وقد اخذت دموعها تنساب فوق خديها..
– لو كنت فاكر إنك هتوجعني، فكلمة وجع أنا دفنتها زمان
لم يكن يفيق من عبارتها التي تحمل المرارة وصدمته من هيئتها 
، ولكن الصدمه الأخري التي كان يتلقاها
– طلقني 
……..
استيقظت بشعور مختلف، شعوراً لأول مرة تجربه، ظلت لوقتً تُطالع سقف غرفتها و فوق ملامحها ترتسم السعادة. خفق قلبها وهي تتذكر ليلة أمس، كيف كان حنوناً معها يطمئنها، يُخبرها بأنها بخير..
توردت وجنتاها خجلاً، وهي تلوم حالها علي سعادتها بشئ لا يجب أن يحدث بينهم ثانية ولا يحدث بين امرأة و رجلاً ليس من محارمها
– إزاي تخلي يلمسك يا بسمة، لا وصاحية مبسوطة…، كله إلا الشرف يا بسمة
خاطبت حالها، وهي تنهض من فوق الفراش واتجهت نحو المرآة الصغيرة، تنظر نحو هيئتها تُحذر نفسها 
– اوعي تخسري الحاجة الوحيدة اللي عندك يا بسمه، اوعي ياخدك الطريق للحرام..
توقفت عن الحديث، وقد ابتعلت كلماتها وهي تجد
 “السيدة سعاد” تدلف الغرفة ، و ترمقها بنظرات جامده
– الضهر قرب يأذن يا بسمه، ولا هتفضلي نايمه لحد العصر
شهقت مصدومه بعدما استمعت لعبارتها، تضع بكفها فوق شفتيها ولم تنتبه علي نبرة  السيدة سعاد   وهي تُحادثها بحدة
– الضهر… ، ليه مصحتنيش يا دادة
رمقتها ممتعضه، وقد لوت شفتيها حانقه
– قولت اكيد سهرانه طول الليل في حاجة مهمه 
تخضبت وجنتاها بحمرة الخجل ، وقد عادت ليلة امس تقتحم عقلها.. ، اخذت السيدة سعاد تتفرسها بنظراتها، وبغلظة تمتمت 
– في طلبات المفروض تتجاب من السوق يا بسمه
لم تفهم مقصدها، فاقتربت منها السيدة سعاد، تلتقط كفها وتضع الورقه داخله هاتفه
– السواق مستني بره، وكل الطلبات كتباها ليكي في الورقه 
……..
طالعته وهو يقف يُهندم ملابسه، وكلما حاولت الحديث معه..، كانت تبتلع كلماتها.. ، ولكن في النهاية شجعت حالها ونهضت من فوق الفراش واقتربت منه
– أنا مش عايزه اروح المؤسسة تاني
والإجابة كانت تحصل عليها منه ببساطه
– براحتك
اتسعت حدقتيها في صدمه، فلم تكن تتوقع أن تحصل علي إجابته بهذه السهوله، فقد ظنت انه سيعارضها ويسألها لما اتأخدت قرار كهذا
– هو أنت ليه متغير من أمبارح
وأخيراً قد انتبهت علي تجاهله لها وعدم الحديث معها إلا بكلمات مقتضبه..
– الحمدلله إنك حسيتي إني متغير يا فتون، أنا قولت يمكن نقعد شهر وأنتِ بتحاولي تعرفي السبب
شعرت أن كلماته تُهينها بعض الشيء، ولكنها تجاهلت حديثه وارتمت بين ذراعيه
– أنا كنت عايزه اعمل ده امبارح، قدامهم كلهم
ازداد حنقه منها بعبارتها ، فابعدها عن ذراعيه، ف طالعته بذهول وهي تستعجب فعلته
– ومعملتيش كده ليه يا فتون
تهربت بنظراتها عنه، فماذا ستخبره.. ؟
إنها تخشي قربه، تخشي تلك النظرة المتسائلة من بعض، كيف تزوجها وترك زوجته الأولى أم أبنته
– عارفه معملتيش ليه ده يا فتون؟
تعلقت عيناها به، تنتظر سماعه ، وقد بدأت تنتبه علي غضبه منها، وليست هي بالغبية حتي لا تفهم لماذا يغضب عليها اليوم هكذا.. 
– هسيبك تقولي لنفسك الاجابه، اللي أنتِ عارفاها كويس
القى عبارته وهو يداعب إحدى وجنتيها بكفه، ثم التف بجسده مغادراً، ولكنه توقف مكانه يسمع عبارتها
– عشان جبانه..، عشان بخاف من كلام الناس..، بخاف يشاوروا عليا ويعرفوا حكايتي
وببطئ كان يلتف إليها، وقد ظنت إنه سيأخذها بين ذراعيه كعادته
– وأنا مش عايز مراتي جبانه يا فتون، عايزها قوية
غادر الغرفة بعدما صفع الباب خلفه، ولكنه عاد بادراجه ثانياً, بعدما بحث عن هاتفه في سترته ولم يجده ..، علقت عيناها به، وابتسمت وهي تراه يتجه نحوها، ولكنه تخطاها، يلتقط هاتفه 
تلاشت ابتسامتها، وهي تراه يغادر الغرفة مرة أخرى، ولكنه التف إليها يُحذرها
– ما دام معندكيش محاضرات، تلبسي وتنزلي المؤسسة..، أنتِ مش بتلعبي يا استاذه، وفي تقرير هيجيلي شهرياً عنك
غادر الغرفة، فوقفت مكانها تُحدق بالباب..، أسرعت خلفه تهتف اسمه فوق الدرج ولكنها توقفت مكانها كما توقف هو الأخر، يُطالع “شهيرة” التي دلفت للتو ترمقها هي خصيصاً بنظرات قاتمة 
……….
مضغت لقمتها بعجالة وهي ترتشف من كأس الشاي وتفتح الأحاديث كعادتها مع السيدة سعاد، رمقتها ” السيدة سعاد” بعدما رأتها تتوقف عن الحديث، وقد أدركت للتو ما تفوهت به
– جاسر بيه، نزل الشغل يا بسمه، فمتقلقيش بقى كويس وصحته تمام، مش محتاج الوصفة اللي كانت بتخفف والدك من البرد
ارتبكت “بسمة ” واطرقت رأسها، فما الذي تفوهت به
– لو خلصتي فطارك، ياريت تطلعي للسواق
أسرعت في مغادرتها للمطبخ، وقد شعرت بتغير نبرة السيدة سعاد معها اليوم ، تنهدت “سعاد” بعدما غادرت تهتف لحالها
– مش معقول تكون بسمه منهم، انتِ نسيتي شوفتيها فين يا سعاد، كانت في اوضته، وفي حضنه 
……..
ارتسم الجمود فوق ملامحها وهي تتبعه لغرفة مكتبه، لم تُحب أن تراها تلك الوافقة في موضع ضعف، اغلقت الباب خلفها تحت نظرات “فتون” التي وقفت مكانها
 اقتربت “شهيرة” منه لا تُصدق إنه تلاعب معها بتلك الطريقة
– من أمتي بندخل شغلنا في حياتنا الشخصيه يا سليم
طالعته بقوة، وانتظرت سماع عبارته التي توقعتها.. ولكن وقف يراوغها متسائلا
– وأنا من أمتي بخلط بين الشغل وحياتنا يا شهيرة
ضاقت عيناها وهي تتفرس ملامحه
– خرجتني من الصفقة ليه يا سليم
ابتعد عنها، يمنحها جوابه ببساطة
– أنتِ عارفه كويس الصفقة ديه هتكون مع مين، وحامد وجوده معانا في شبهه، وكلام كتير عن مصادر أمواله
وبصراخ وحدة كانت تهتف
– ما أنت طول عمرك عارف، إن حامد ماشي في سكك غلط، ولا اكتشفت فجأة عشان تعاقبني..
وبسخرية كانت تردف
– بتعاقبني يا ابن النجار
– صوتك يا شهيرة، متنسيش إنك في بيتي
– وأنت ليه بتنسي إني أم بنتك، مش كفايه اتجوزت خدامه
 ومخلي بنتي عايشه معاها…
– شهيرة
احتدت عيناه ، و اقترب منها, ولكن وقفت بثبات أمامه
– أنتِ فاكراني هعدي اللي عملتيه مع بنتي بسهوله ، بتقلبي البنت عليا يا شهيرة 
صفقت بيديها ، بعدما القت بحقيبة يدها أرضاً
– وانت قررت تعاقبني، عشان بنتك ولا الخدامه 
– قولتلك مليون مرة، هي مراتي مش خدامه يا شهيرة
أشتدَّ الشجار بينهم، وبعدما كانت تسيطر علي مشاعرها، منذ أن دلفت المنزل، و وجدتها تقف خلفه، ف الخادمة أصبحت تعيش بالمنزل الذي كانت هي سيدته يوماً
خرجت من الغرفه، وعيناها تتوهج بالوعيد..، ولحظها كانت واقفة تستمع لحديثهم من خلف الباب المغلق..، تراجعت للخلف متوتره، فرمقتها شهيرة بحقد
– وكمان بتتصنتي علي كلامنا، هستني اشوف إيه من خدامة
–  شهيرة، قولت كفايه مهزله لحد كده
التقط ذراعها يسحبها لخارج المنزل، ينظر نحو فتون بقوة، وقد ارتجف جسدها خوفاً، اقتربت منها السيدة ألفت وقد أتت مهروله من المطبخ..، بعدما أصبح صوت “شهيرة” يصدح بالمنزل وقد وقف الخدم يستمعون للشجار 
– مش همشي من هنا يا سليم، ده بيتي مش بيت الخدامة 
– مامي
هتفت الصغيرة اسمها، فتوفف عن دفعها..، يقبض فوق كفيه بقوة..  ، التفت لصغيرتها تبتسم بحنان..، فهي نقطه ضعف سليم الوحيدة
– شايفه بابي مش عايز مامي ترجع تعيش معاكي تاني يا خديجة 
– لا يا مامي متمشيش وتسبيني لوحدي تاني
تجمدت عيناه، و تعلقت عيناه بعينيها، فابتسمت وقد التمع الزهو بعينيها، وانحنت صوب صغيرتها تضمها إليها
– لو بابي بيحبك مش هيحرمك مني، بس بابي مش بيحبك 
– شهيرة
تجهمت ملامحه وهو يصرخ بها، ولكنها قد وجدت طريقها الذي لم تخطط له، بكت الصغيرة في أحضانها تهتف بخوف ورجاء
– بابي، أنت وحش، وحش يا بابي.. أنا عايزه أمشي مع مامي
ساد الصمت المكان، فاخفت شهيرة ابتسامتها.. ف ابنتها جعلتها تفوز في حربها الضارية بينهم، حربً لم تفكر في إندلاعه إلا من أجل تلك التي تزوجها بعدها، وجعلها سيدة في بيتها وأم بديله لابنتها، وجرح كبريائها وكرامتها.. ،واحبها ولم تحظى هي بهذا الحب.. فكيف نالت قلبه وهي وحدها من تستحقه؟
أعادت الصغيرة كلماتها، فانتفض في وقفته وبنظرة قوية كان يرمق شهيرة، اسرع نحو صغيرته يلتقطها من الأرض ،يضمها إليه رغم رفضها
– كده يا خديجة، تقولي لبابي إنه وحش، بابي اللي بيدور علي سعادتك
مسح دموع صغيرته، بعدما طالعته بحزن..،فارتمت الصغيرة بين ذراعيه هذه المرة تهتف برجاء
– رجع مامي البيت تاني يا بابي، ديدا مش هتزعل منك
ابتلعت “فتون” غصتها وهي تُطالع المشهد منذ بدايته، وجوارها “السيدة ألفت” وقد وقفت متأثرة بالموقف..، سحبتها من المكان بأشفاق.. فالأمر بالتأكيد قد حسم..، ستعود السيدة شهيرة للمنزل مجدداً بعدما لعبت بورقتها الأخيرة
………
حدقت “السيدة سعاد” بتلك التي تقف أمامها، كانت أمرأة محتشمه.. تطرق رأسها خجلاً، فتسألت وهي تتفرس النظر بملامحها
– الحارس قالي، إنك عايزة بسمة
اماءت “سميرة” برأسها وبهمس خافت اخذت تُجيبها
– جيت اشوفها أصلها وحشاني اوي
– بس هي مش موجوده يا بنتي، راحت السوق
تهللت أسارير “سميرة” فرحاً ولكن سرعان ما عادت لخجلها، ورفعت عيناها نحو ” السيدة سعاد”
– يا خسارة، كان نفسي أشوفها يا خالة..، ده انا جيالها من مشوار بعيد
اشفقت ” السيدة سعاد” عليها، وابتعدت عن الباب..، ترحب بها
– تعالي يا بنتي، اتفضلي.. اشربي حاجة لحد ما تيجي
ابتسمت “سميرة ” وهي تخطو نحو الداخل..، تنظر للمكان بذهول، لا تُصدق أن” بسمة ” أصبحت تعيش هنا..
 دلفت للمطبخ خلف السيدة سعاد، التي أسرعت في ضيافتها، بعدما توسمت فيها الطيبة
– هو أنتِ وبسمة صحاب من زمان يا بنتي
بفضول كانت تتسأل ” السيدة سعاد” وهي تضع المشروب البارد أمامها..، ارتشفت “سميرة” من الكأس تنظر إليها، وقد  انتظرت “السيده سعاد” جوابها بفضول
– لا مش من زمان يا خاله، كنا شغالين مع بعض في المطعم، قبل ما تسيبه بعد الليله اياها
– هو أنتِ سميرة
اماءت برأسها، وقد تبدلت ملامح السيدة سعاد عندما علمت بهويتها
– أكيد بسمة حكتلك عني
وبنبرة ممتعضة، كانت تجيبها ” السيدة سعاد”
– حكتلي عنك كل خير، شربتي العصير يا بنتي
كانت تطردها بالذوق، فارتبكت “سميرة” وهي تري نظراتها إليها
– بسمة ديما ظلماني
و ببكاء،و انكسار كانت تُخبرها.. لما كانت تكرهها..، فقد اخذت منها حبيبها..
كانت عينين السيدة سعاد تتسع ذهولاً، لا تُصدق أن بسمة كذبت عليها
احتلت الصدمة ملامحها وهي تستمع لحديث الجالسة، وقد تأثرت ببكائها، فلن يكون بكائها كذبً
– كشفتلي دنائته ياخاله، طلع راجل خسيس، بس هي السبب اغرته وخليته يتعلق بيها..، مع إنها كانت عارفه إني بحبه وحكيالها أسراري
– وأنتِ ليه يا بنتي تمشي مع راجل في الحرام
انسابت دموع ” سميرة” وقد استحضرت بعض المشاهد حتي تستطيع ذرف دموعها بإتقان
– النصيب، واتعلمت الدرس..، ادعيلي يا خاله ربنا يسامحني
دعت لها “السيدة سعاد”، وأخذت تربت فوق كفها بتعاطف
– ربنا يبعد عنك ولاد الحرام يا بنتي
انصرفت ” سميرة” وهي تشعر بزهو إنتصارها،فالمرأة كانت ساذجة وصدقتها ببضعة عبرات ذرفتهم فوق خديها 
………
دلفت “بسمة” بارهاق وهي تحمل الأغراض، وخلفها السائق بالأغراض الأخري
– جبت كل حاجة زي ما طلبتي
تجاهلتها السيدة سعاد، واقتربت من الأغراض تفحصها..، طالعتها “بسمة”  وقد تيقنت أن هناك شئ يؤرقها ، اتجهت نحو احد مقاعد المطبخ تجلس عليه، فالتفت السيدة سعاد نحوها بعدما طالعت الأغراض بنظرة سريعه
– اطلعي نضفي الأوض يا بسمة 
– هاخد بس نفسي، وحاضر.. هلمع وانضف واعمل كل اللي أنتِ عايزاها
قالتها بابتسامة واسعه، ولكن ابتسامتها قد تلاشت وقد تعالا صوت السيدة سعاد بحده
– إحنا مش فاضين للدلع، البيت كبير ومحتاج تنضيف..، والبنت اللي بتيجي تنضف رجليها اتكسرت..
لم تنتظر “بسمة” سماع كلمة أخرى منها، ونهضت علي الفور واقتربت منها تقبل خدها 
– هوا يا سوسو، هعمل كل اللي أنتِ عايزاه.. بس هروح أغير هدومي
رمقتها ” السيدة سعاد”وهي تنصرف، وشعرت ببعض الضيق من حالها، ف بسمة طيبه، ولن تكون ممن يدعون البراءة والطيبة وتحت وشوشهم قناع أخر،
ولكنها رأتها ليلة أمس في غرفة ” السيد جسار”، واليوم اخبرتها رفيقتها التي كانت تعمل معها إنها تنال تعاطف الجميع حتي يثقون بها وبعدها تظهر شخصيتها الحقيقية. 
………..
وضعت الطعام فوق الطاوله بعناية، تبتسم للاصناف التي صنعتها..، وقد قامت بدورها علي أكمل وجه..، شعرت بخطواته خلفها، فالتفت نحوه وقد لمعت عيناها بنظرة يعلم إنها ليست إلا مصطنعه, ولكنها كانت أبعد عن ظنه
– حضرت كل حاجة، فاضل بس الحلو في الفرن
حرك رأسه وهو يحدق في الأصناف متسائلاً
– كل ده عملتي لوحدك؟ 
وبابتسامة واسعة كانت تُجيبه
– أنا ست بيت شاطرة
وهو لن ينكر هذا الأمر، فقد اصبحت هي من تعتني بالمنزل بعدما صرف الخدم، ظنها ستعترض او ستفر هاربة بعد أن تجد لا شئ تملكه معه إلا الإهانة..، فلو كانت امرأة تشعر وتهتم لكرامتها لكانت رحلت دون أن تلتف خلفها، ولكنها مستمرة معه وهو أصبح مرحب حتي ينال مبتغاه. 
اقترب منها، وهو يُريد أن يري سطوته عليها، شعرت بذراعيه تأسرها, يُلامس جسدها ببطئ.. ، فاغمصت عينيها مسترخي، تشعر بانفاسه قرب عنقها
– كاظم
ابتسم وهو يقتنص منها قبلة طويلة، سلب معاها أنفاسها
– حطي كل حاجة هتتقدم في المطبخ، واطلعي علي اوضتك علطول 
– مش هستقبل معاك ضيوفك
وبنظرة باردة ممتعضة، كان يُجيبها
– نبقى نتكلم في الموضوع ده بعدين 
– طيب وموضوع الشغل، قولتلي برضوة هنتكلم فيه ومتكلمناش
ضجر من تساؤلاتها ، و لولا هدفه من أستمرارية هذا الزواج، الذي ستكون نهايته بنيل وريثه، ما كان تحمل وقوفها أمامه ومجادلته
– قولت بعدين يا جنات ، الضيوف علي وصول
وفور أن أنهى عبارته، كان رنين هاتفه يتعالا.. ،مشيراً إليها بالصمت… 
وبعد دقائق كانت تصعد الدرج ، كما أمرها..، وقد اقتنعت بعض الشئ بعدم تفضيله لوجودها،
فضيوفه جميعهم رجال بالتأكيد ،
ولكن وقفت مكانها أعلى الدرج وهي تستمع لصوت امرأة..
هبطت قليلا بضعة درجات حتي تتضح لها الصورة عن قرب، ولم يكونوا إلا خمسة أفراد، امرأتان وثلاث رجال وعلي ما يبدو إنهم زوجاتهم، اما الرجل الثالث هي تعرفه تماما وقد رأته في عقد قرانهم
رحب بهم بلطف وحفاوة، وقد تسألوا عنها..، بعدما أصبح لديهم علم بأمر زواجه..، ولكنه تجاهل سؤالهم ومضى بهم نحو غرفة الطعام..
 انسابت دموعها رغماً عنها..، فقد صرفها وكأنها لا شئ في حياته ، لقد عرضت عليه استقبال ضيوفه معه، وصنعت له الطعام بحب حتي تشرفه أمامهم، كان من الممكن أن لا تهتم ولا تعرض عليه أن تقوم هي بالعزيمة،
 أرادت أن تريه إنها لا تُريد شيئاً إلا أن تعيش في جو أسري يملئه الدفئ.. ،أرادت أن تريه جنات الحقيقية وليست تلك التي تحدته وتزوجته.
أسرعت في خطاها نحو غرفتها، بعدما مسحت دموعها بقوة، التقطت أرقى ثيابها ودلفت للمرحاض حتي تزيل عنها أعباء اليوم وتستقبل الضيوف بأناقة، فعلت كل شئ بسرعة قصوى وكأنها تتسابق مع الوقت.
وبخطوات هادئة، وكعب حذائها يطرق فوق الأرض كانت تتحرك نحو غرفة الطعام
– مش لما يعتبرها كاظم زوجة الأول، يبقى يعرفها عليكم
القاها “جلال” لاحد الأصدقاء، بعدما تسأل عن زوجة كاظم لتتعرف عليها زوجته. 
وقفت مكانها تُحدق بضحكاتهم وهي تستمع لحديثهم الذي يخصها
يتبع..
لقراءة الفصل الثالث والأربعون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً نوفيلا ورطة قلبي للكاتبة سارة فتحي

اترك رد

error: Content is protected !!