روايات

رواية الأربعيني الأعزب الفصل الثامن 8 بقلم آية محمد رفعت

رواية الأربعيني الأعزب الفصل الثامن 8 بقلم آية محمد رفعت

رواية الأربعيني الأعزب البارت الثامن

رواية الأربعيني الأعزب الجزء الثامن

الأربعيني الأعزب
الأربعيني الأعزب

رواية الأربعيني الأعزب الحلقة الثامنة

طلبت “لوجين” كوب من القهوة، وقررت الجلوس بالمقهى حتى تنتهي من تناولها، فجذبت أحد المقاعد ثم جلست تتفحص إحدى المجلات الموضوعة من أمامها لحين أن ينتهى النادل من إحضار قهوتها، التهت بتفحص الأخبار الشيقة التي كتبت عنه المجلة فشردت، وكأنها ببقعةٍ منعزلة عن الجميع، وفجأة ضرب رأسها دوار عنيف استهدفها، فغلبها نوماً بدى غريباً إليها بهذا الوقت، وألقت بثقل جسدها على الطاولةٍ المقابلة لها، وسرعان ما تخدر جسدها، فاستغل من يراقبها سكينتها، وإقترب منها ليجذبها سريعاً ثم وضعها على المقعد المتحرك ثم إتجه بها لباب الخروج، فبدى الأمر طبيعي بالنسبةٍ لوجودها بالمشفى، وما أن خرج بها حتى توقف أحد الرجال بالسيارة، فحملوها بحرصٍ ومن ثم وضعوها بالمقعد الخلفي.
********
إتجه “غيث” للمشفى بصحبة “عائشة” فور سماعهما بولادة “إيمان” الطارئة، فأوقف سيارته بمحاذاة الرصيف، ثم كاد بتتبع زوجته التي تركته وأسرعت تجاه باب المشفى، فتعجب “غيث” حينما وجدها تتباطئ بمشيتها حتى توقفت عن الحركةٍ، فسألها باستغرابٍ:
_في أيه؟
أشارت “عائشة” بإصبعها تجاه إحدى السيارات ثم قالت بحيرةٍ:
_مش دي “لوجين”؟
إتجهت نظرات”غيث” تجاه ما تشير إليه، فانعقد حاجبيه بدهشةٍ مما رآه، وعلى ما بدى إليه بأنها مخدرة كلياً وقد اتضحت شكوكه حول ما يحدث حينما وجد الرجال يسرعون بالتحرك حتى لا ينتبه إليهم أحداً، فركض “غيث” تجاه سيارته، ليتبعهما على الفور، بينما أسرعت “عائشة” للأعلى، لتخبر “عاصي” بما حدث، فهبط بصحبة “عمر” ليستقل سيارته ثم إتبع الطريق الذي أرسله إليه “غيث”.
*******
بغرفة”إيمان”
لحظات مختلسة من القلق قضتها “عائشة” أمام النافذة وهي تراقب الطريق من أمامها، تنهدت بعمقٍ ثم أخذت نفساً عميقاً كأنما تلفظ حياة وتستقبل أخرى، فحاولت “إيمان” الإعتدال بمرقدها، وهي تسألها بنظرةٍ مشككة:
_في أيه يا “عائشة”؟ وقولتي أيه “لعاصي” خلتيه يجرى هو “وعمر” بالشكل ده!
قطرات عرق خفيفة تكاثفت فوق جبينها، وهي تهاجم تلك الهلاوس الافتراضية تجاه ما سيحدث لزوجها على يد هؤلاء، فبحثت عن إجابة ستقطع شكوك رفيقتها، لتريح بالها وهي بتلك الحالة المضطربة، فأنتهى عنائها حينما فُتح باب الغرفة، وكأنه يقطع حيرتها في إنتقاء ما ستقول، عبس وجهها حزناً حينما رأت حماتها تقف من أمامها، فمنحتها الأخيرة نظرة تشتعل بالمزيد من الضيق، ثم تجاهلتها عن عمدٍ وإختارت الجلوس جوار ابنة شقيقتها، فأجلت أحبالها المنقطعة:
_حمدلله على سلامتك يا حبيبتي؟
ما تفعله لم يلقى استحسانها، ولكنه مجبرة على إحترامها فبنهايةٍ الأمر هي خالتها، لذا أجابتها بودٍ:
_الله يسلمك يا خالتي، تعبتي نفسك ليه بس.
قالت بطيف حمل بعض الفظاظة المستهينة وهي تلوح بسبابتها:
_تعبي في سبيل إني اتطمن عليكي راحة يا حبيبتي، ده أنتي بنتي اللي مخلفتهاش.
كانت تعلم جيداً بأنها تستهدف “عائشة” لتضايقها، فقالت بلهجةٍ مهذبة:
_أمال أيه يا خالتي، أنا و”عائشة” بناتك وملناش غيرك.
كزت على أسنانها بقوةٍ تكاد تحطمها، لتجيبها بنبرةٍ تنضح سخرية قاسية:
_بنت الملاجئ دي عمرها ما تتساوى بيكِ يا “إيمان”.
تعقد طيف حاجبيها وهي تشعر بأنها تواجه كياناً غريباً، أفكارها تزلزل أرضاً ثابتة:
_أنا بحاول أستوعب طريقة تفكيرك دي مبنية على أي أساس بس صدقيني مش بلاقي أجوابة.
شعرت”عائشة” بالحرج كونها تتسب بالمشاكل الدائمة بينها وبين أفراد عائلتها، لذا أرادت الإنسحاب حتى لا تسمح لشجارهما بالتطور أكثر من ذلك، فمنعتها “إيمان” من الهروب تلك المرة حينما قالت بإنفعالٍ:
_مش هتخرجي من هنا يا “عائشة”، إحترامك من إحترامنا كلنا، وإهانتك من إهانتنا كلنا.
دمعت عينيها بمزيجٍ من الرهبة والعاطفة تجاه كلماتها التي طيبت جرحها، ولكن مع نظرات عين حماتها الحاقدة جعلت قلبها ينشطر قهراً، وخاصة حينما أهدرت بجمودٍ:
_اللي زي دي متستحقش إحترام من حد، دي قومت عليا ابني وخليته يسيب البيت ويمشي!
وحملت حقيبة يدها ثم اتجهت للخروج وهي تسترسل بقبيح الشتائم والتهديدات الصريحة لما تنوي فعله لإبعادها عن ابنها، فما أن رحلت حتى هوت”عائشة” على الأريكة ذات الجلد الاسود الداكن بتعبٍ شديد، وكأنها زهدت حركتها، شعور الخيبة لديها يفوق شعور الألم، أدمعت عين “إيمان” تأثراً بها، فخالتها تنجح دائماً بكسر قلبها، لم تشعر يوماً بالشفقة تجاهها، ألا يكفيها وحدتها!
ألا يكفيها كونها يتيمة، وحيدة، لا سند لها بتلك الحياة سوى زوجها الذي أرادت تفريقها عنه!
شعرت وكأن ليس هناك من الكلمات المناسب لمواستها به في ذلك الموقف، ففضلت تركها في ظلمتها التي تشتد بالابتلاء بطغيان خالتها الذي لا يتوقف، وعلى ما يبدو بأنها ستستمر على ذلك المنوال!
********
تثاقل رأسها إختفى رويداً رويداً، فحاولت “لوجين” رفع جفن عينيها، فإستمعت لصوتٍ شبه مألوف بالنسبة إليها وربما يكون أكثر ما تمقته في الحياةٍ:
_كنتي فاكرة إنك هتقدري تهربي مني ومش هعرف أجيبك!
ازدادت ضربات قلبها المرتجف خوفاً، وهي تستكشف صاحب الصوت، فاستدارت بوجهها تجاه الصوت القريب منها، لتتمكن من رؤية من يجلس أمامها بوضوحٍ، أنهت الصراع القائم بداخلها فرأته يجلس أمامها ببرودٍ منتاهي، ومن خلفه يقف رجلين من رجاله، ابتلعت ريقها بصعوبةٍ وهي ترسم دور الثبات المخادع عليه:
_ عايز مني أيه يا “قاسم”؟ أنا قولتلك ألف مرة إني مستحيل هتجوزك غصب عني.
ابتسامةٍ ساذجة رسمت على محياه قبل أن يتحرك لسانه ناطقاً:
_ده اللي هيحصل فعلاً يا حبيبتي.
رفعت حاجبيها وهي تتساءل بدهشةٍ:
_تقصد أيه؟
اتاها رده الصريح:
_هتجوزك غصب عنك، ودلوقتي بالتحديد.
ثم أشار لرجاله الذين هموا بالاقتراب منها ثم قيدوها، ليجبرها على التحرك معه للخارج، فصاحت بانفعالٍ شديد:
_سبني، أنا مبحبكش أنت أيه مبتفهمش!
لم يستمع اليها أحداً، وكأنهم رجال يحركهم”قاسم” كالألي، صرخت في محاولاتٍ بائسة منها عل أحداً يستمع إليها، وحينما فشلت بذلك، صاحب به بشراسةٍ:
_”عاصي” مش هيسيبك.
استفزته جملتها، فرسم ابتسامة ساخرة فوق شفتيه وهو يرد عليها:
_ أنا مش عارف أنتي أقنعتي”عاصي” يساعدك بالهروب من الحفلة إزاي، بس متقلقيش أنا رفعت عنه الإحراج إنه يستمر في مساعدتك.
علمت بأنها تلك المرة لن تستطيع الفرار منه بعد أن قرر أن يتزوج منها عنوةٍ، فثارت بحركاتها وباتت تركل بقدميها من يحملها على كتفيه، فأصابته إصابة بالغة بحذائها ذو الكعب العالي، فحررها ليتركها أرضاً فركضت “لوجين” حائرة بذلك المكان الغامض، حاولت استكشاف مخرج يقودها للنجاة من هذا المأزق ولكن باتت محاولتها بالفشل، فكان المكان محكماً للغاية، يطوفه رجال “قاسم” من جميع الإتجاهات، تراجعت بظهرها للخلف حينما رأتهم يحاوطنها، فأجبروها على التراجع للخلف، ومن ثم على الجلوس على المقعد المجاور له والمقابل للمحامي الذي يستعد بأوراق الزواج، رفعت “لوجين” نظراته عنه بإحتقارٍ، فبداخلها غصة مريرة بإنتصاره الذي سيحققه بزواجه منها رغماً عن أنفها، فبالنهاية هو الذي إنتصر عليها وستكن حقيقة تبزغ كالشمس بين ضلوعها، لا تعلم لما استجمعت شتات تركيزها لتفكر به بذلك الوقت، الأربعيني الذي سيطر على خفقات قلبها فتصبح عاجزة حتى على التحكم بها، فكل ذرة بعقلها تناشدها بالتفكير به، كأنه مغناطيس يجذب كل أقفال روحها نحوه، وسيم بطريقته الخاصة، ويمتلك غرور وكبرياء يخصه هو، تشتاق حقاً لنبرته الرخيمة التي تضيف لصوته الرجولي سحراً خاص، فجعلت همساتها تحفزها على القادم:
_”عاصي” وعدني إنه هيخلصني منه، مستحيل هيسيبني ليه أكيد هيمنعه..
تمنت بتلك اللحظة لو كانت تمتلك فانوس سحري يحقق أحلامها، فتتحقق أمنيتها برؤيته في تلك اللحظة، انقبض قلبها رهبةٍ حينما صاح المحامي بجديةٍ:
_الأوراق كلها جاهزة يا باشا وواقفة على أمضتك.
جذب “قاسم” أحد الأقلام ثم وقع على عقد الزواج الرسمي، ليضع القلم على الأوراق بقوةٍ جعلت جسدها ينتفض رعباً لما ستلقاه، فاحتدت نظراته تجاهها وهو يؤمرها بحدةٍ:
_وقعي.
ازدردت ريقها الجاف، لتلتقط القلم بأصابع مرتجفة وهي تتطلع على إسمه المدون بنظرةٍ ساخطة، سيغلب عنادها في تلك اللحظة التي ستضع إسمها جواره، وربما سيقتل ذاك الحب الذي نبض بداخلها تجاه هذا الأعزب، لا لن ترضى أبداً بأن يحطم عزيمتها ويكسر عنادها، كسرت القلم بين يدها ثم نهضت لتردد بكل ذرة شجاعة إمتلكتها يوماً:
_مستحيل هقبلك زوج ليا حتى لو كان ده أخر يوم في عمري يا “قاسم”.
نهض وهو يحدجها بنظرةٍ بدت وكأن شياطين الدنيا بأكملها تتصارع على وجهه، فبسط كفيه فوق كتفيها متعمداً غرس أظافرها بلحمها وهو يجبرها على الجلوس:
_مش بمزاجك يا حبيبتي، إنتي عارفة كويس أنا أقدر أعمل أيه فيكِ وفي أبوكي.
_على جثتي أتجوزك يا ملزق.
تمتمت بها _سراً_ وهي تحاول كتم غيظها، فدفعت يديه بعيداً عنها ثم تهتف بفظاظةٍ:
_أنا يوم ما هتجوز هتجوز أكيد هتجوز راجل يحترمني ويقدرني مش هتجوز إنسان قذر زيك.
اقترب منها “قاسم” تلك المرة، ليهوى على وجهها بصفعةٍ قوية وهو يردد بغضبٍ قاتل:
_غرورك ده هكسره بإيدي يا “لوجين” والنهاردة قبل بكره.
إرتدت على أثر صفعته أرضاً أسفل أقدام من تمنت وجوده، فهمست بدمعاتٍ لحقت عينيها الحزينة:
_عـــاصـــي!
رفعت رأسها إليه تاركة دموعها تشكو إليه قلة حيلتها، وكأنها تستنجد به من هذا اللعين الذي يريد أن يتزوج بها رغماً عنها، وكأنها سلعة تباع وقد كانت من حظه هو، لطالما كانت تتهرب منه على أمل أن يشعر برفضها التام إليه، ولكنه كان يصر على طلبه أكثر من سابق، إنحنى”عاصي”ليعاونها على الوقوف، فهمست بصوتٍ باكي:
_”عاصي”
منحها نظرة شملت حنان ودفء استطاعت لمسه بها، فرفعها بيديه برفقٍ لتقف خلفه ليكون هو من أمامها كالسد المنيع، إرتبك “قاسم” من وجوده فحانت منه نظرة جانبية متفحصة، استطاع بها رؤية “غيث” و”عمر” يتغلبان على رجاله وكأنهم فئران تم احتجازهما داخل مِصْيَدة فئران، وبالرغم من ذلك سيطر على انفعالاته ليبدو أكثر إتزاناً:
_ أنا حقيقي بعتذرلك على لك الإزعاج الذي إتسببت فيه خطيبتي، لسه مش قادرة تستوعب إنها مينفعش تستخدم دلعها ده مع الناس الغرب اللي أكيد هيملوا من مساعدتها وخاصة لو الموضوع شخصي وحساس زي ده.
ثم استطرد بمكرٍ:
_أنت عارف أنا لما شوفتها خارجة معاك في التسجيل اطمنت لأنها خارجة مع راجل نبيل زيك.
ثم نقل نظراته تجاهها ليشدد على حديثه بغيظٍ:
_بس العتب في النهاية عليها، لأنها لسه فاكرة نفسها عيلة صغيرة.
خرج ” عاصي” أخيراً عن صمته، حينما قال بصوته البارد الذي يثير الرجفة في القلوب ليمتقع وجه “قاسم” الذي يتابع ما يقول :
_حتى الطفلة بيحترم قرارتها وبيكون ليها الحرية في الاختيار، أنت شايف نفسك مسؤول بالدرجة اللي تخليك تصدر القرار بالنيابة عنها ومش مستني حد يعارضك!
لعق شفتيه بارتباكٍ مما استمع إليه، فاستكمل “عاصي” حديثه بصرامةٍ:
_اللي بتعمله ده مش منصف بحق رجولتك يا “قاسم”…سبها في حالها وإتجوز ببنت تناسبك والأهم إنها تكون فعلاً عايزاك.
قطع”قاسم” المسافة القصيرة بينهما، حتى بات لا يفصلهما كثيراً، ليخبره وعينيه تحدجها بنظرة استحقارٍ:
_أنا شايف إنها سيطرت عليك لدرجة إنك واقف وبتناطح صاحبك وشريكك، نجحت توقعك في شباكها!
وبنظرةٍ مشككة إتبعها قوله الماكر:
_قولي يا”عاصي”، أنت حبيتها إزاي بالسرعة دي ولا يمكن عشان هي سمحتلك تقربلها طول الفترة اللي قضتها في قصرك!
اتفرجت شفتيها في صدمةٍ مما يلقيه على مسمعها من تهمة مهينة، وخاصة حينما استطرد بقلقٍ وحدسه ينبئه بخطرٍ يتدفق من عين “عاصي” المتوهجة بشراسةٍ قد تطيح برأسه لتفصلها عن جسده:
_الغريبة إن واحدة زيها المفروض تفرح إن حد عايز يستر عليها ويتجوزها وبالرغم من كده شايفة نفسها.
لم تحتمل سماع تلك السهام الصائبة لعفتها وشرفها المصون، فصرخت في وجهه بعصبيةٍ كاد باستهداف طبلة أذنيه:
_إخرس يا حقير، أنا أشرف منك ومن عيلتك كلها يا قذر.
اشتعلت نظراته حنقاً، وجز على أسنانه بغيظٍ فحاول جذبها من معصمها وهو يهدر غضباً:
_خلينا نمشي من هنا ونروح بيتنا وهتشوفي القذر ده هيعمل معاكي أيه؟
وكاد بأن يلامسها في محاولةٍ منه لجذبها بعيداً عن” عاصي” الذي منع يديه من الوصول إليها، فضغط بكل قوته على معصمه الذي تهشم عظامه بين يديه مصدرة صوتٍ طقطقة، ولاحقها صوت صراخه الهيستري مما دفع أحد رجاله للتدخل، فحاول أحداهما إستهداف وجهه، فتفادى”عاصي” يديه، ومن ثم رفع جسده للأعلى ليركله ركلة أبعدته مسافة عنهما ليصبح أسير يد “غيث” التي ألقنته درساً قاسياً ، وكلما حاول أحداً التدخل كان يمنعه “عمر” و”غيث” من لمسه، فسدد “عاصي” له عدد من اللكمات القاسية حتى إنتهى بركله فأصبح “قاسم” طريح الأرض من أسفل قدميها ، ثم إنقض عليه وحبس مجرى تنفسه بيديه، ليكيل له ضربة تلحقها قوله الشبيه بالسواطٍ:
_عديم الرجولة والنخوة هو اللي بيستغل ضعف واحدة ست وبيجبرها إنها تتجوزه بالغصب.
واصطحبها لكمة أشد عنفاً وسباب مهين:
_أنت إنسان مريض، بتبرر ضعفك بأنك تطعنها في شرفها يا رخيص…. أنت عار على الرجولة.
إحتبس جلد رقبته أسفل يديه، فحارب لالتقاط نفسه المتقطع بصعوبةٍ، وفي تلك اللحظة أتى “عمر” مسرعاً ليبعده عنه وهو يصيح بها بحدةٍ:
_إبعد يا “عاصي” هيموت بين إيدك.
لم يتركه بل ازداد من إحكامه على عنقه، وكأنه ختم قراره بقتله وتخليص تلك الفتاة البريئة من مصائبها، فتدخل “غيث” على الفور حينما وجده يصارع الموت بكل ما أوتي من قوةٍ، فدفعه بيديه معاً للخلف وهو يناديه بانفعالٍ:
_”عاصي”… هيموت إبعد.
ابتعد عنه، فتفحص “عمر” نبضه، ليجده مازال على قيد الحياة، فعاد الهواء لينعش رئتيه ليستعيد “قاسم” وعيه تدريجياً، فإتكأ على معصمه حتى إعتدل بجلسته، وإلتقط أنفاسه بصوتٍ مسموع، وحينما استمد جزء من قوته قال بلسانٍ يتقطع كلماته:
_متنساش إنك بخسارة شراكتي هتخسر ملايين مش هتعرف تعوضها يا “عاصي”.
عاد إليه مجدداً وتلك المرة فشل “غيث” بإيقافه، فناوله لكمة قوية اتبعها صيحاته المندفعة:
_خسارة ثروة بأكملها أهون من إنها تتجوز من شيطان لعين مثلك..
ثم أشار له بشراسةٍ وبتحدٍ سافر:
_ولو كنت خايف بجد على حياتك غور من هنا ومتورنيش وشك ده تاني والا ما تلومش الا نفسك..
زحف على ظهره للخلف، ثم نهض على قدميه ليتبع رجاله للخارج وهو يردد بوعيدٍ:
_أنت اللي بدأت الحرب يا “عاصي”..وهتشوف جحيمها بعنيك.
وغادر من أمامه على الفور، فما أن إختفى من أمامهما حتى إسترخى جسد”لوجين” براحةٍ، فكانت تخشى أن ينجح في إقناعه فيتخلى “عاصي” عنها، ولكنها مازالت لا تنكر إعجابها الشديد بشخصه المميز، من الذي سيتخلى عن صفقة بملايين لأجل فتاة لا تربطها به أي علاقة، بالطبع كان اختيارها له من البداية موفق، ولكن الذي تخشى البوح به لنفسها حتى بأنها قد وقعت في حب الأربعيني الوسيم!
توقف بها الزمن وهي تراه يقترب منها، وكأن العالم إنقرض ما به من أناس ولم يصبح فيه سواهما، تراه مع كل خطوة يصبح قريباً منها، بينما هي تقف محلها ساكنة، لا تعرف كيف المفر من ذاك العشق الغامض!
هل باتت حمقاء لتقع في حب رجلاً قدم لها المساعدة مرتين؟ أم أنها معجبة بأدق تفاصيله الغامضة بما يخص حبه المخلص لتلك المرأة التي فقدها منذ سنوات!
انقطع بها حبال الوصال، حينما رأته يقف أمامها، ويتساءل بكل لهفة امتلكه وعينيه تتفحص براءة وجهها الساحر:
_أنتي كويسة؟
هزت رأسها والابتسامة الصغيرة تلاحقها:
_ مش عارفة ، بس أنا بقيت كويسة في الوقت اللي أنت جيت فيه تخلصني منه.
عيناه تغافلانه وتتلكآن فوق ملامحها، جف حلقه وهو يشعر بأنه يفقد السيطرة على نفسه، فقال بصوتٍ متحشرج عمل مزحاً متخفي: :
_يلا نمشي قبل ما نواجه بلاوي تانية في المكان الغريب ده!
اتسعت ابتسامتها فقالت وهي تسرع بخطواتها تجاه سيارته:
_بسرعة قبل ما الملزق ده يرجع تاني.
رأها تصعد بالمقعد الخلفي وتنتظره، بينما وقف يتأملها بنظرةٍ غامضة، ازدادت حدتها حينما اقترب منه “عمر” ليوزع نظراته بينه وبين من يتأملها، ثم قال بشكٍ :
_حاسس إن في حاجات غايبة عني ولازم أعرفها، عشان كده بقترح عليك تيجيلي بكره العيادة وأفحصك أنا بنفسي.
حدجه بنظرةٍ شرسة، فعدل من جاكيت بذلته ليتابع بجديةٍ وهو يتجه لسيارة “غيث” الذي يراقبهما بضحكةٍ ساخرة:
_هستناك بكره الساعة أربعة العصر، متتأخرش.
وتركه وغادر بهدوءٍ، ليتحرك الاخير تجاه السيارة، فصعد بالخلف ليعود بها السائق للقصر..
**********
بغرفة “إيمان”
غفت محلها من كثرة بكائها، فشعرت بيديه تمسد على ظهرها برفقٍ، وصوته الذكوري المميز يناديها بحنانٍ:
_”عائشة”..حبيبتي فوقي.
فتحت عينيها الناعسة، لتراه يقف أمامها، فارتسمت على شفتيها الجافة إبتسامة شبه عابثة، لا تعلم لما غلبها البكاء في تلك اللحظة، وكأنها برؤياه تذكرت قسوة والدته، فودت لو يقربها منه عله يخفف عنها حدة ذاك الألم العالق بين صدرها، شعر “غيث” بأنها ليست على ما يرام، فسألها بقلقٍ:
_مالك في أيه؟
_مفيش تعبانة بس شوية.
نهت عبارتها بخيطين من الدموع، ذرفتهما بصدق ولو كذبت النوايا، فاختلج قلبه عنفاً لأجلها، قربها “غيث” تجاهه فاقترب “عمر” منهما ثم اقترح عليهما:
_تحبي أنادي الدكتور.
هزت رأسها رفضاً لفكرته، ومع ذلك ردت بتهذبٍ:
_مفيش داعي، أنا هروح أرتاح وبكره هروح لدكتوري إن شاء الله.
ثم إنحنت بجسدها لتحمل حقيبتها، ووقفت جوار الفراش لتودع “إيمان” وهي تهمس لها برجاءٍ الا تخبر “غيث” بما حدث، ورحلت معه للأسفل وهي تدعو الله أن لا يكتشف ما قالته والدته بزيارتها لرفيقتها.
******
استرخت “إيمان”بفراشها قليلاً بعد أن اطمئنت على الصغير وضمته بين ذراعيها، فوجدت الباب يفتح من أمامها، ليدلف زوجها بعدما أوصل”غيث” وزوجته للأسفل، فأسرع بجذب المقعد الجانبي ليضعه جوارها، ثم قال بلهفةٍ تسبقه بالحديث بعد أن أصبحوا بمفردهم:
_أنا إتاكدت إن شكوك من نحية “لوجين” طلعت صح، فعلاً في حاجة بينها وبين “عاصي”.
وابتلع ريقه الجاف من فرط مجهوده المبذول لصعوده إليها مسرعاً، ثم قال:
_حاسس كده إن قلبه نبض بالحب ليها بس هو مش معترف بده، ويمكن بكره إن شاء الله أخليه يحس بده.
ابتهجت”إيمان” كثيراً لما تسمعه، فرددت بتمني ورجاء:
_بدعي ربنا إنه يفكر فيها ويأخد قرار يخص حياته بقى، أنا حاسة إنه مبقاش يشوف أي ست بعد “هند” الله يرحمها.
تمدد على المقعد براحةٍ ثم قال:
_هيحصل وقريب بإذن الله.
*********
بقصر “عاصي سويلم”
تركت المياه الباردة تطفئ النيران المشتعلة بداخلها، فمازالت كلماته المشككة بأخلاقها تطعنها كالسهام التي تستهدف قلبها بحرفيةٍ، غامت عينيها في ظلام دامس بدده ذاك الضوء المصاحب لذكراه، تذكرت كلماته التي رددها بثقةٍ، وثورته العارمة فور سماع ما طعنه بها أمامه، ابتسامة زارت شفتيها المغموسة أسفل المياه، فرسمت أمامها شاشة صغيرة لتريها لقطته حينما انحنى ليجذبها إليه، وعاونها على النهوض، فقرعت الطبول بداخلها وكأن جسدها مازال يستحضر تلك اللقطة، باتت حائرة، تائهة لا تعلم ما الذي يحدث إليها بالتحديد والمضحك في الامر بأن “قاسم” الأحمق فعل المحال لسنواتٍ ليستحوذ على قلبها ولم يستطيع، أما ذلك الأربعيني الأعزب تمكن من فعله في أيامٍ لا تذكر، أغلقت “لوجين” المياه المتدفقة عليها وهي تردد في صدمةٍ بما يهاجم تفكيرها:
_معقولة أكون حبيته!
ثم جذبت الصابون المجاور لها لتلقيه بعشوائيةٍ وهي تدور بسعادةٍ ختمتها حينما ارتدت ملابسها ثم هبطت للاسفل سريعاً لتبوح له عما تريد!… ولكن ترى هل سيتمكن من محو ذكريات حبه الذي طال لأكثر من عشرة سنوات!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الأربعيني الأعزب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *