روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السادس و الأربعون 46 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السادس و الأربعون 46 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت السادس و الأربعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء السادس و الأربعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة السادسة و الأربعون

~… طلب غريب …~
بمجرد أن سمع يوسف صياح الفتاة الأنجليزية “ليزا” وثب من مقعده بعصبية وقال للجميع:
_ أنا هفطر في أوضتي .. ياريت تخلي حد يبعتلي الفطار يا جدي.
تعجب الشباب الثلاث منه ، ريثما أنه لم يكن سخيف أو بهذا التصرف الغير ودود مع ليز من قبل !
ولكن جده فهم السبب وسمح له بالابتعاد بهدوء دون جدال .
أتت ليز مسرعة وتكاد قدميها لا تطأ الأرض من الخطوات الخاطفة بعجالة السير … ولم تتجاهل عادتها المتحررة في إرتداء ملابس كاشفة أكثر مما تخفي رغم برودة الطقس !
ووقفت عابسة بنظراتها باتجاه ابتعاد يوسف … ثم تمتمت باستياء ببضع كلمات أنجليزية جعلت جاسر يبتسم بمرح …. حتى أشار لها لتجلس متحدثا بلغتها الأنجليزية … فقالت له بكلمات عربية فصيحة قد تعلمتها خصيصا :
_ كاسر … أنا هنا ببلد عربي … لذا لا تحدثني بلغتي الأصلية حتى لا تفقدني شغف الرحلة !
ضحك رعد على نطقها الخاطئ لاسم جاسر لتجعله يبدو كوميديًا … فقال جاسر ساخرا :
_ تصدقي أني غلطان ! …. أقعدي وافطري خلصينا !
تأرجح العبوس على وجنتيها وبدا عليها السخط لذهاب يوسف … ثم قالت وقد قررت الذهاب له :
_ يبدو أنني فعلت شيء أغضبه مني … سأذهب إليه بغرفته لأرى ما خطبه !
زم جاسر شفتيه ليصبح خط مستقيم بيأس من جرأة تلك الفتاة وتصرفاتها الغير مألوفة بالبلاد العربية … فتنهد الجد باضطراب وقال :
_ ربنا يستر …. الموضوع مكنش مستحمل ليز كمان !
رفع جاسر كوب مشروبه وحاجبيه مرتفعان ببعض الدهشة …. وقال :
_ ليز بتكسر الصورة المعروفة للبنت الاوربية … المفروض تعجب بواحد منحرف زيي كده …
ابتسم الحد وهو يهز رأسه نفي وقال بتأكيد :
_ الأنثى أنثى في كل الدنيا …. بتحب الصادق والذكي وفي نفس الوقت ميكونش معقد ودمه خفيف … أنما هتعمل إيه بواحد فلاتي وبتاع نسوان زيك يا جاسر ؟! … ده مافيش أكتر من نوعيتك !
نظر جاسر له للحظات في غيظ، ثم قال مدافعا عن نفسه :
_ أنا مش بتاع نسوان يا جدي! … بتاع بنات ماشي ، أنما نسوان محصلش ! … وبعدين أنا مش منحرف أوي زي ما كلكوا فاكرين كده ! …. ده هما كام بنت كلمتهم شوية وخلصنا ! .. كلام بس والله… مش حاجة تانية.
ورغم أن توضيح جاسر اعجب الجد وطمأنه ولو قليلًا …. فلا زال الأنطباع السيّئ موجود .. ريثما أن كلمات جاسر ومكره يضعه بأحلك الظنون وأسوأها فرضية !
والأسوأ من كل ذلك أنه لا يحاول تصحيح تلك الفكرة المطبوعة بالأذهان، بل يتصرف وكأنه يفتخر ويزهو بها !
صمت الجد ولم يجد إجابة تروض مراوغة هذا الشاب الماكر ، الذي يستصعب عليه مجابهته بالحديث أحياناً…. وهنا الجميع كان بانتظار ظهور وجيه وامرأتيه !
********
وبغرفة جميلة …. اجتمع الأربع فتيات ولمعة مرح ظاهرة بأعينهن نظير ما حدث منذ قليل على مائدة الأفطار …
ولكن لم تجترأ أي منهن أن تعلن بهجتها للأهتمام الواضح من الشباب باستثناء رضوى الشاردة بألم منذ البداية … بل تظاهرن بالحدة، وقالت جميلة بارتباك وتظاهر بالعصبية :
_ شكلهم بدأو يزهقونا ويتريقوا علينا ! … أصل تصرفاتهم مش مفهومة بصراحة !
قالت سما بحيرة واضحة بعينيها :
_ أنا سمعتهم أمبارح بيزعقوا … بس ما سمعتش بيقولوا إيه ! .. وبصراحة استحرمت اتصنت عليهم .

 

وافقتها حميدة وقالت :
_ أنا برضو سمعتهم بيزعقوا .. بس ما رضيتش أخرج من أوضتي وقتها.
نهضت سما وهبت واقفة وكأنها كانت تجلس على الجمر …وقالت بلمعتا عينيها الغاضبة :
_ أنا مش عارفة احنا مستنين إيه عشان نقدم في الجامعة ! … ولا مستنين إيه عشان نشتغل وننشغل بحياتنا !
تدخلت حميدة وقالت موضحة ما عرفته من جدها سابقا :
_ سألت جدي وقالي أن لسه فاضل اسبوعين على تقديم الأوراق المطلوبة…. وبالنسبة للشغل فمش عارفة مكلمتوش الصراحة … بس ممكن مايوافقش!
حرك الأمر بعض الاثارة والحماس بعقل سما …. ريثما لو وافق الجد والعم وجيه واعترض الشباب ! …. ستكن ضربة في منتصف كبريائهم وغرورهم المثير للغيظ والنفور …. وسيكن درجة يتسلقونها ليرتفعن بأنظار الجميع …
حتى القت رضوى عليهم خبر كالقنبلة .. وقالت بعينيها السارحتان للبعيد :
_ اتقدملي عريس … جدي كلمني امبارح عليه…. شافني في الحفلة وبعت أبوه يكلم جدي.
شهقت جميلة من الدهشة … بينما فغرت حميدة فمها بصدمة … واضيقت عين سما بكتل ثقيلة من الظنون والشك …. حتى نفضت جميلة دهشتها وقالت بغيظ :
_ أنتي مكنتيش ناوية تقوليلنا ولا إيه ؟! ..ده إيه الروقان ده !
أشارت حميدة لجميلة أن تصمت لبعض الوقت واسرعت نحو رضوى قائلة بابتسامة ماكرة :
_ ليكون رعد هو العريس يابت ؟!
تراقص المكر بعينين حميدة وهي تنظر لرضوى وتنتظر الرد التي تتوقعه …. بينما نهضت رضوى واطلقت ضحكة غريبة لم يكن موقعها الآن … ضحكة غير مفهومة وليس لها سبب ! …. حتى قالت رضوى ببعض السخرية وهي تنظر لهن في كآبة اعتمت عينيها وظهرت على نقيض ضحكتها العابرة :
_ انتوا لسه مافهمتوش ! ….. ولا يكون لسه عندكم أمل فيهم ؟! …. دول شايفنا تحت أوي … نظرتهم لينا عمرها ما هتتغير … لا حبونا ولا هيحبونا …..عارفين سبب تصرفاتهم دي إيه ؟! … أن وصلهم موضوع العريس اكيد … وأن هيكون في قلق على ميراثهم لو في أغراب بقا ليهم فيه ….
تصرفاتهم كانت مكشوفة لدرجة خلتني أقرف منهم !
أنانية وغرور وعجرفة مالياهم…
اجفلت حميدة من التوضيح الشنيع هذا … ثم قالت مستنكرة :
_ وأنتي ليه افترضتي أن تصرفاتهم عشان عرفوا ! … ولما هو عريس متقدملك أنتي بس ليه كلهم اتقلب حالهم كده ؟!
أول مرة أحس أنك بتقدمي الظن الوحش الأول وبتبني عليه حاجات كتير ممكن ماتكونش صح !
كظمت رضوى غيظ هائل لأول مرة يجتاحها صوب شقيقتها حميدة تحديدًا …. ويبدو أنها خلف كل دفاع تدافع عن يوسف فقط ! … فهتفت بعصبية بوجهها :
_ افترضت لأن رعد عارف وواجهني ! … رعد عرف وهو في المستشفى وجه وساب شغله عشان كده ، اكيد مش جدي اللي هيقوله ولا حتى عم وجيه … بس يوسف كان هنا ! … يبقى مين اللي قاله ! … وبشوية عقل لازم نفكر … طالما رعد عرف يبقى كله هيعرف !
سألت جميلة بشك وكأنه تلملم أفكارها وتربط الخيوط ببعضها:
_ ورعد قالك ايه ؟
ابتسمت رضوى بمرارة وأجابت :
_ طلب يتجوزني تخيلي ؟! ….امبارح بس طلب يتجوزني ! … يمكن لو قال كده في أي وقت فات كنت طيرت من السعادة وسامحته ….أنما لما يكون في سبب يخليه يجي يتقدملي فجأة كده .. فده شيء ميخلنيش اصدقه بسهولة وشكي يزيد فيه أكتر…. مش متخيلة أنهم بيلعبوا اللعبة الرخيصة دي علينا !
اعترضت حميدة وقالت بضيق منها :
_ ما يمكن خاف ليخسرك ؟! …. كنتي سمعتيه وشوفتي قال ايه !
مش حاسة أن اللي بتقوليه ده صح !
ظلت جميلة وسما يراقبون مجرى الحديث بتفكير وشرود …. حتى فاجأت رضوى الفتيات بسخريتها اللاذعة فقالت :
_ خاف يخسرني ! … وهو كان فين الخوف ده لما مشي من البلد وقال اللي قاله في حقي وفي حقنا كلنا وحط كرامتنا تحت الرجلين ! …. مافتكرش بس يتقدملي غير لما عرف ! … لا فعلا مظلوم وأنا اللي بفتري عليه ! …. انتوا يأما أغبيا يأما بتستغبوا عشان ماتشفوش حقيقتهم ..
وهزت رأسها بنظرة شرسة رافضة وأضافت :
_ أنما أنا مش هسمحله يلعب اللعبة دي معايا … واللي هيشوفه مني عمره ما كان يتخيله .. وأظن جاتلي فرصتي .
ابتسمت هذه المرة ابتسامة خالية من المرارة أو الغضب … بل بشيء يبدو أنها تخطط له وتضمره … شيء يلتمع بعينيها ويُشير أنه سيبدو كالصاعقة .
وقفت جميلة أمام رضوى وقالت باهتمام وقلق عليها … فرضوى تبدو بحالة من الغضب الأخرس … الذي لا يصاحبه ثورة أو صراخ ، بينما ما يجعله يخمد هو الانتقام فقط … فقالت :
_ وأنا بصفتي أختك الكبيرة يا رضوى مش هسيبك تاخدي القرار ده لوحدك … مش هسيبك لدماغك ، وبما أني عارفة أنك بتحبي رعد فبقولك لازم ترفضي العريس ده … عشان ماتظلميهوش وتظلمي نفسك … محدش هيخسر غيرك صدقيني…!
أجابت رضوى وهي تتسع ابتسامتها بخبث، وعينيها اصبحتا كتلتين ملتهبتين من شيء ناري كالديناميت :
_ هو أنا لسه شوفته ولا قعدت معاه عشان اقرر اقبل أو أرفض ! …. ما يمكن يكون هو ده الشخص اللي هيحافظ عليا ويصوني زي ما كنت دايمًا بتمنى ! …. واكيد لو هو مش كده هرفضه … لأني مش هطلع من حفرة وأوقع نفسي في بير غويط !
وتابعت مؤكدة بنظراتها القوية :
_ يوم ما اختار واحد هيكون احسن منه … مش هطلع خسرانة في الآخر مهما حصل .
والقت عليهم ابتسامة ماكرة وكأنها ليست شقيقتهن التي نشأت معهن لسنواتٍ وسنوات ! … بل تبدلت كليًا وأصبح الألم يطبق على أنفاسها حتى بدل طباعها للنقيض !
وبعدما خرجت من الغرفة قالت سما بتنهيدة حائرة اوخزت صدرها :
_ رغم أني خايفة عليها … بس عذراها في أحساسها ، احنا اتهانا واتقل مننا بشكل مش هنعرف ننساه لسنين جاية … ولا أي كلمة اعتذار ممكن تخلينا ننسى بسهولة !
هتفت جميلة بها بعصبية واردفت قائلة :
_ عذراها في إيه ؟! …. أنها هتستخدم واحد عشان تنتقم من واحد تاني بتحبه ! ….. طب لما تفوق وتلاقي نفسها متجوزة واحد مش عارفة تحبه لأن قلبها مع واحد تاني هيبقى إيه الحال ! … رضوى بتلعب بالنار وأنا عن نفسي مش هحط نفسي في الوضع ده أبدًا … لو حكاية فشلت فلسه في العمر بقية ! … مش هما آخر رجالة على وجه الأرض يعني !
وأتممت حديثها بتأكيد :
_ مش هضيع حياتي عشان خاطر انتقم من حد ! … اللي ما يستاهلش حبي يبقى مايستاهلش حتى عداوتي ! …. بس هخليه يشوفني من بعيد وأنا بنجح في حياتي ومبسوطة بجد، ويعرف أني مكنتش بالضعف اللي فاكرني بيه.

 

 

********
مع أصوات العصافير المغردة بقرب شجر اللبلاب المتسلق بالشرفة كأنه ثعبان كبير الحجم يتسلق الشرفات … جلست ليلى بمقعد الشرفة بوجه مضيء بابتسامة واسعة وهي تراقب زوجها منذ أن خرج من الحمام وجفف شعر رأسه وبدأ يمشطه بتنظيم ….
كانت مع ابتسامتها يتخلل لأنفاسها عطر ما بعد الحلاقة الذي يستخدمه …. فقال بغمزة ماكرة وابتسامة عبر المرآة :
_ هتفضلي سرحانة فيا كده كتير؟! .
اسندت مرفقها على الطاولة الجانبية القريبة وقالت بمرح :
_ بحاول أنسى أنك هترجع بكرة الشغل وهيبدأ الجدول بينا أنا وجيهان ! …. من غير حاجة أنت كدكتور وقتك أغلبه في الشغل ! … والكام ساعة القليلين اللي فاضلين هيتقسموا بينا أنا وهي ….. مش قادرة اتحمل حتى الفكرة ما بالك بالواقع !
القى المشط على منضدة المرآة واستدار لها بابتسامة واسعة …. وهجم على أنفاسها رحيق عطره بشكل اوضح وأقرب ….فأثار لهفة جامحة بقلبها …. ويبدو أن ذلك ظهر بعينيها الشاردة به ….. فأوقفها وجيه أمامه ويديه على كتفيها بابتسامته المعهودة وقال بلطف :
_ في شيء اسمه تليفون ! …. اعتقد هيصبرني لحد ما أرجعلك … الوضع ده أنا عارف أنه مش سهل عليكي … بس أفضل مليون مرة من فراقنا !
ارتعشت شفتيها بحيرة ويبدو انها كانت ستقول شيء وتراجعت ! …. فلاحظ ذلك وسأل :
_ قوليلي اللي محيرك كده !
كان من ضمن الأشياء المحببة لها أنه يستطع فهم ما تود قوله حتى لو صمتت عنه ! …. فنظرت له بنظرة بها بعض الألم وقالت :
_ أنا يمكن اللي هقوله دلوقتي يضايقك … بس مش عايزاك تدلعني يعني قدام حد من عيلتك … وخصوصا جيهان ، عاملني عادي قدامهم .
ابتسم وقال بتأكيد :
_ اكيد أنا فاهم قاصدك … واكيد برضو أن في احترام للآخرين خصوصا أن اغلبهم سناجل !
واتسعت ابتسامته بمرح بعد قوله هذا … فارتبكت ليلى أكثر وتابعت قولها ايضاحا :
_ وجيهان نفس الموضوع … يعني ما تدلعهاش قدامي و ….
سكتت بحيرة وشحوب ظهر على وجهها من الحرج …. فضيق وجيه عينيه بابتسامة ماكرة وقد فهم لب هدفها ! … فوضع يديه بجيوب بنطاله الأسود الرياضي بثقة و قال بخبث :
_ سكتي ليه …كملي؟!
حركت ليلى فمها بكلمات خافته غير مفهومة وعينيها تتهرب منه نظراته الكاشفة لكل ما تواريه ! …. فأغضبها كونها كتاب مفتوح لأفكاره هكذا أثناء غضبها من شيء وقالت بعصبية :
_ مش هطيق أشوف بدلع واحدة غيري ! …
ففجأة اصبحت قريبة منه لدرجة كبيرة وهو يتطلع بعينيها البندقيتان الحبيبتان …. وقال بهمس :
_ يا ظالمة ! … ده أنا كنت ليكي ولوحدك وأنتي مش معايا وبعيدة … تخيلي وأنتي معايا بقا ؟! …
عاد لوجهها بعض الدماء وسرت قشعريرة بجسدها كاملًا تحت وطأة نظراته الماكرة وبذات الوقت يملأها الدفء والثقة …. وتلاشى كل ضيق أو غضب شعرت به منذ قليل …. وبضع كلمات ونظرة محبة جعلت منها الأميرة الوحيد بمملكته … هكذا اكدت عينيه التي تنظر لها بعشق.
وعندما خرجا من الغرفة أوقفته بابتسامة متلاعبة وقالت بمكر :

 

 

_ ممكن تشيلني ؟
رفع حاجبيه بنظرة ماكرة وقال :
_ هنزل قدامهم وأنا شايلك ؟! … فين كلامك اللي قولتيه من شوية ؟!
كتمت ضحكتها واجتاحها شعور عاصف بالمرح ..فاردفت بمزاح :
_ شيلني لحد آخر الممر بس …. لو مش هضايق سعاتك يعني !
قاطع حديثها وهو يحملها بين ذراعيه ويسير بالرواق الطويل … بينما نظر لها بنظرة جانبية وقال بابتسامة خبيثة :
_ واضح أن وزنك زاد ! …في يومين !
علت تعابير العبوس والغيظ على وجهها وقالت :
_ يعني أنا تخينة يعني ؟! … أين لباقتك يا دكتور وجيه ؟!
رد ممزاحا :
_ مش عارف نسيتها فين ؟! …
وعندما أنزلها اوقفها بنظراته الماكرة وقال :
_ بس تعرفي أنك بالكام كيلوا الزيادة دول بقيتي أحلى وأجمل ! … تقريبًا رجعتي ليلى اللي شوفتها أول مرة …. جميلة وجذابة من غير أي اضافات صناعية ! .
ما كانت ليلى ترى نفسها بهذا الجمال ابدًا … ولكنها ابتسمت لكل كلمة يقولها … هي تعرف أنها بعينيه الأجمل مهما رأى أجمل منها …. هكذا أخبرها اختبار عشر سنوات من الانتظار.
*******
فتحت ليزا باب غرفة يوسف دون أن يسمح لها بالدخول …. فوجدته يقرأ أحد الكتب العلمية في اندماج واضح ….. وشعرت أنه يتهرب منها !
فقالت له بعتاب :
_ أخبرني بأي شيء أغضبتك ؟!
ولكي يهرب يوسف من الحديث الممل هذا قال لها باستحسان :
_ العربي اتحسن معاكي أوي يا ليز …. وكويس أنك بتنطقيه فصحى مش عامية لأنها صعبة عليكي.
تأففت ليز وقالت بضيق من تجاهله سؤالها :
_ أجب على سؤالي جوزيف !
نهض يوسف وشعر بالضجر من تصميمها على ما تريده دائمًا بتلك الطريقة المنفرة وقال بصدق :
_ أنا حذرتك قبل كده أن تصرفاتك ماتنفعش هنا ….. حذرتك وأنتي لسه مستمرة ! .. وفهمتك كمان أننا نعتبر أخوات وأنتي مش عايزة تقتنعي !
ضربت ليز الأرض بقدميها في رفض لما يقوله وعصبية وقالت :
_ لا أفهم ما تحاول أقناعي به ولم أسيء لك بأي شيء لتعاملني هكذا ! …. هل هناك فتاة أخرى بقلبك جوزيف ؟!
كان سؤالها مفاجئ … ويبدو أنها لاحظت نظراته لحميدة فخمنت مشاعره اتجاهها …ريثما أنها لأول مرة تطرح عليه هكذا سؤال ! …. فأعترف يوسف بصدق :
_ ايوة بحب واحدة تانية يا ليز …… وأنتي بعتبرك أختي مش أكتر من كده ، وأسف أني ضايقتك بكلامي ده … بس هي دي الحقيقة اللي لازم تعرفيها وتتأكدي منها.
أشارت ليز للباب ودلت أشارتها انها تقصد بأنك تلك الفتاة هي حميدة ….وامتلأت عينيها بالسخط، حتى اكد لها يوسف بوضوح وقال :
_ ايوة هي حميدة اللي بحبها.
اعترضت ليزا وقالت باشمئزاز :
_ هل تلك الفتاة القبيحة هي من تحب؟!
رفع يوسف سبابته بتحذير وعصبية ولو كانت رجل لكسر ذراعيه والكمه ضربا لهذه الوقاحة …. وقال :
_ احترمي نفسك يا ليزا ! …. مش هسمحلك تغلطي فيها مرة تانية !
اجهشت الفتاة الشقراء بالبكاء وفجأة وجدها ترتمي بين ذراعية باكية بقوة …. ربت على كتفها وقال معتذرا :
_ أنا أسف خلاص بقا ! …. ما انتي االي نرفزتيني !
مسحت الشقراء وجهها بكتفه وتسببت بأثار واضحة من طلاء شفاها على ياقة قميصه دون أن يشعر ودون أن تقصد هي ذلك …. وابتعدت وهي تمسح عينيها قائلة بحزن :
_ سأعود إلى وطني بالقريب …. لا تنزعج مني ارجوك .
عطف يوسف على حالها وقال برقة :
_ قضي اجازتك معانا زي ما متعودة … بس وانتي أختي مش حاجة تانية !
رفضت ليزا العرض وقالت بألم حقيقي :
_ لا جوزيف …. لن استطيع ، سأرحل اليوم من هنا .
قال يوسف بحدة :
_ هتروحي فين ؟!
اجابت ليزا بحيرة :
_ لا اعلم تحديدا …. ربما حجزت بفندق، أو استأجرت شقة أنا وبعض الرفاق حتى موعد العودة.
صمم يوسف على رفضه وقال بغيظ :
_ أنتي اتجننتي يا ليزا ؟! … رفاقك دول اللي اغلبهم رجالة اسيبك معاهم في شقة واحدة أزاي ؟! … قولتلك قضي أجازتك معانا عادي جدًا لحد ميعاد سفرك … فين المشكلة ؟!
ضمته ليزا مجددا وهي تبكي قائلة :
_ أنت عين المشكلة جوزيف! … طفلي الطيب المهووس بالطعام مثلي … سأفتقدك كثيرًا كثيرًا…
ابتسم يوسف وهو يبعدها عنه قليلًا .. ثم قال بصدق :
_ هتلاقي احسن مني بكتير ما تقلقيش … أنا مش احسن واحد !
أومأت رأسها بيأس وقالت بدموع :
_ لا اعتقد … فقد بحثت بالفعل ولم أجد !
اطلق يوسف ضحكة وهو ينظر لها وقد ابتعد ليلتقط هاتفه قبل أن يخرج من غرفته ….ثم رافقته ليزا إلى الطابق الأرضي.

 

*******
عقب دخول فرحة إلى عملها الصباحي بقسم الأشعة أتتها أحدى الممرضات بطلب أصبح غريب بالنسبة لها .. فقالت بنظرة ماكرة :
_ زايد عايز يشوفك يا آنسة فرحة …. ومستني وصولك من بدري…
زفرت فرحة بغيظ وعصبية وقالت :
_ وبعدين بقا ؟! … عايز إيه ده كمان على الصبح ! .. مش كنا خلصنا من الطلب ده ؟!
رفعت الممرضة كتفيها بمرافقة مطه طفيفة من شفتيها بعدم معرفة …. ثم غادرت .
ولم تكن فرحة بمزاج جيد بهذا الصباح لتذهب اليه وتستمعه بأحاديثه المريبة ! …. ولكن بذات الوقت هذا الرجل يزرع بداخلها نبته رهبة وفضول لمعرفته السبب الحقيقي لأهتمامه بها …. وأستعلمت عن وجود الطبيب فعلمت أنه لم يأتي بعد … فقالت داعمة نفسها بمرر افتراضي :
_ هروح وأشوف أخرتها معاه إيه !
وعندما وقفت أمام باب غرفته شعرت ببعض التراجع يتسلل إليها … وكادت أن تعود بالفعل حتى فُتح الباب فجأة !
وظهرت عينيه التي ظلل سهر الليل أجنحته السوداء حولها …. فرمقته بارتباك وهو يستند على عكازه ويقف ناظرا لها كأنه انتظرها من دهرا.
أخذ نفسا عميق وبدأ انفعاله الواضح يهدأ بعض الشيء … وذلك العرق النابض بعنقه لم يهدأ بعد … وذلك يبدو أنه يتظاهر بالهدوء فقط ولا يشعر به !
قال بنبرة آمرة :
_ اتفضلي اقعدي …
نبرته مليئة بالتحكم كأنه اعتاد أن يأمر فيطاع ! …. فأحتجت قائلة :
_ مش هقعد واتفضل قول اللي أنت عايزه بسرعة ورايا شغل !
جلس ببطء على فراشه وبينما كاد يجلس أنزلق عكازه عبثا، ولكنه سيطر سريعا…. فهرولت فرحة اليه بقلق وقالت بتوتر :
_ أنت كويس ؟!
جلس زايد على فراشه وأخذ نفسا عميقا …. ثم رفع نظراته اليها ببطء …. عينيه محراب للعذاب والتيهة والفقد لشيء لا تعرف ما هو تحديدا …. نظرات رجل قوي ولكن هزمه الألم …. وغموض جعله جذاب لدرجة مريبة لا تنكر ذلك …. فابتعدت عنه قدر المستطاع وقالت بنبرة أكثر جدية :
_ قول عايزني في ايه لو سمحت !
تطلع بها لبعض الوقت في صمت وكأنه يدرس كل كلمة سيقولها … ثم فاجأها قائلًا :
_ تبقي سكرتيرتي … هديلك مرتب أضعاف مضاعفة من مرتبك هنا … وامتيازات كتير كسكرتيرة في شركة كبيرة … وسكرتيرة ليا خصوصا …. لو وافقتي.
شحب وجه فرحة من الصدمة وشعرت للحظة أنها تحلم ! …. لا يعقل أنه يعرض عليها هذا العمل الذي سيكون أغبى مخلوق لو رأى أنه يناسبها أو أنها ستكن كفؤة وجديرة به !
ما خلف هذا الرجل الذي سيقودها للجنون بقراراته هذه !
ولماذا يهتم بها لتلك الدرجة ؟!
********
قد عاد الفتيات لمائدة الأفطار مجددًا وجلسوا في أماكنهن مرةً أخرى …. بينما خيم صمت مربك على الجميع …. مع نظرات الشباب لهن بمكر وبعضها كان دافئ محب ورقيق.
أتى وجيه ومعه ليلى وهما يتشاركان مزحة وضحكة بسيطة …. ثم اجلسها ونظر للمائدة الخالية من وجود زوجته الأخرى …. فقال بعدما جلست ليلى :
_ فين جيهان ؟!
أجاب الجد رشدي :
_ لسه في أوضتها ما نزلتش !
نظر وجيه للحظات بصمت مطبق ، ثم قال بجدية :
_ هطلع أجيبها تفطر معانا.
ولم ينظر حتى إلى ليلى كأنه خشي معرفة رد فعلها …. فقد تجمدت بمقعدها وتكورت غصة قاسية بحنجرتها وغضب سرى بمجرى الدم … ولكن بماذا أخطأ ؟!
بحقيقة الأمر هو لم يخطأ وتعرف ذلك …. لكنها لم تستطع تجاهل تلك المرارة والغيرة القاتلة عن ثنايا قلبها !
ابتسمت حميدة سرا لأنها اعتقدت أن يوسف ذهب عقب مغادرتها منذ قليل…. حتى تفاجأت بمن يهبط السلم وبجانبه تسير تلك الشقراء الغبية ….
وأين كانت قبل أن تهبط السلم ؟! … ولماذا يأتي برفقتها ؟! … أسئلة كثيرة طلت بمقدمة أفكارها وشنت حربًا من الحيرة والفكر والظنون السوداء.
حتى تفاجأ يوسف بوجود حميدة …. فقد ظن أن وقت الأفطار أنقضى بالفعل وذهب الجميع لمشاغلهم !
ولمحه جاسر وهتف مناديًا :
_ تعالى بقا كمل فطار … طالما اللي عايزة موجود !
كان جاسر يشير بخفاء لوجود حميدة … بينما لم تفهم حميدة سوى ما تراه … حتى جلس يوسف قبالتها بوجه متوتر وشاهد فجأة اتساع عينيها باتجاه ياقة قميصه !
لاحظ جاسر مصب صدمتها والتفت ليوسف بجواره …. حتى ضيق عينيه على احمر الشفاه البارز بوضوح على طوق الياقة وقال بنظرة ماكرة :
_ أنت كنت فين يا يوسف وبتعمل ايه ؟!

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *