روايات

رواية سجينة جبل العامري الفصل الثاني 2 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الفصل الثاني 2 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري البارت الثاني

رواية سجينة جبل العامري الجزء الثاني

سجينة جبل العامري
سجينة جبل العامري

رواية سجينة جبل العامري الحلقة الثانية

وقفت ثابتة لا تحرك ساكنًا.. كل ما يتحرك بها عينيها الزرقاء المُتسعة تنظر إليه بذعر ورهبة كبيرة، احتلت معالمها وجعلت قلبها يدق أسرع وأسرع في كل ثانية تمُر عليه شاعرة أنه سوف يخرج من مكانه بسبب كثرة الطبول به..
حركت عينيها عليه دون حديث تنظر إلى وجهه الغاضب وعينيه السوداء التي تنظر نحوها بحدة وجمود لا تستطيع وصفه، ومازالت يده ترتفع نحوها مُمسكة بالسلاح مصوبه عليها أمام رأسها بالضبط..
ذلك الطول الذي كاد يبتلع جسدها ويخفي عليها الضوء وهو يقف أمامها مع نظراته وذلك السلاح غير تلك الفزعة التي أخذتها منه كل ذلك جعلها تشعر بأنها ستفقد حياتها وقلبها سيتوقف عن النبض السريع هذا..
خرج صوته بخشونة يتسائل ناظرّا إليها بعمق:
-دخلتي هنا إزاي
تحركت شفتيها بعد لحظات تُجيب على سؤاله بتردد وشفتيها ترتعش لا تستطيع إخراج الكلمات مرة واحدة:
-من.. من.. هناك البوابة
حرك يده بالسلاح وسألها مرة أخرى بنفس نبرته:
-دخلتي من البوابة إزاي وبتعملي ايه هنا
عادت خطوة للخلف بقدمها لا تعلم كيف استطاعت فعلها وأجابته برعب شديد:
-هما فتحوا البوابة ودخلت
تحرك أكثر من خطوة نحوها غير الذي ابتعدتهم يصرخ عليها بغلظة وقسوة:
-أنتي هتنقطيني بالكلام.. انطقي يابت بتعملي ايه هنا
خرجت الدموع من عينيها بكثرة لحظة صراخه عليها بصوت عال واقترابه منها بهذه الطريقة وهو يخيفها بسلاحه، قالت من بين بكائها:
-أنا هنا مع أختي.. دخلنا سوا
أخفض سلاحه بعصبية وأقترب منها بعنف ونظرته نحوها لا توحي بالخير أبدًا.. أمسكها من ذراعها بقسوة يضغط عليها ساحبها معه إلى الحديقة في الأمام صارخًا عليها:
-أنتي هتستهبليني يا بت أنتي.. أختك مين دي اللي دخلت هنا.. تعالي دا أنتي يوم أهلك أسود
سارت خلفة بجسد هزيل مُمسكًا بذراعها يسحبها خلفه بقوة وعنف وقلبها يقرع داخل قفصها الصدري وبكاء عينيها لا يتوقف..
يجذبها خلفه وهي معه لا تُرى من الأساس يسير هو أمامها بجسد ضخم طويل للغاية إن نظرت إليه ترفع وجهها إلى الأعلى وكأنها تنظر للسماء وعريض المنكبين يغطي وجودها.. بعيون سوداء حادة ونظرته مُخيفة كذلك الجبل في الداخل وكأنها أتت إلى هنا كي تأخذ أكبر قدر من الخوف المنبعث منهم..
دفعها بيده إلى أمام البوابة الداخلية لقصر العامري، ثم مرة أخرى رفع عليها السلاح وهتف بعصبية وصوت عالي:
-لو مش عايزة تخسري حياتك هنا اتكلمي يا بت أنتي.. من باعتك ودخلتي هنا إزاي
انتحبت في البكاء وتصاعد صوتها فأجابته وجسدها يرتعش بخوف وتوتر:
-محدش باعتني والله أنا جيت مع أختي هي حتى جوا
تهكم عليها يلوي شفتيه هازئًا:
-صدقتك أنا كده.. مافيش حد بيدخل قصر العامري، في قوانين محدش بيكسرها يبقى اتكلمي أحسن
أتى من الخلف شاب مثله طويل ولكن ليس بنفس طوله وجسده الضخم ثم تسائل بهدوء:
-في ايه يا عاصم
أجابه وهو ينظر إليها لا يحرك عينيه قائلًا:
-واحدة من الرخاص اللي بيتحدفوا هنا كل يوم يا جلال.. بس المرة دي مش هسببها غير لما تقول مين اللي باعتها
أقترب “جلال” ذلك منه ليقف جواره ويظهر لها بملامحه الحادة والأسوأ بكثير من ذلك الغبي أمامها:
-اتكلمي أحسن ده مبيرحمش
للخلف خطوة وتكررها ومسحت وجهها بظهر يدها بعشوائية والخوف ينهش في قلبها.. ارتفع صوتها قائلة:
-والله قولتله أنا مع أختي هنا داخله الصبح من البوابة دي
نظر إليه “عاصم” وتساءل بجدية:
-شوفتها ولا شوفت أختها؟
حرك “جلال” عينيه عليها من الأسفل إلى الأعلى والعكس وعينيه تجوب وجهها بنظرات مقززة:
-أنا كنت معاك بره.. والحرس بيتعشوا دلوقتي
أكمل وهو يقترب منها بحركات ثابتة ونظراته نحوها لا تبشر بالخير:
-هتيجي تونسنا لحد ما الحرس يخلصوا.. ماهو مش معقول هندخل القصر ونزعج البشوات علشانك
عادت للخلف أكثر وهي تبكي وتنظر إليهم بهلع يحرك قلبها من مكانه بقوة..
الاثنين نظروا الآن إلى جمالها بعد كلمات “جلال” عيون زرقاء رائعة، خصلات صفراء، وجه أبيض وملامح بريئة وشفتين حمراء وغير كل ذلك فتاة صغيرة لم تتخطى سن العشرون..
عندما وجدته يقترب منها عادت الخلف أكثر وهي تنظر إليه بينما استمعت إلى صوت الآخر يقول ومازال السلاح بيده:
-اتكلمي علشان لو سيبته عليكي مش هيحصل كويس
ارتفع صوتها مع البكاء يخرج بضعف شديد:
-والله بس كده
سحب زناد مسدسه وثبته إلى وجهها ثم صرخ بها قائلًا بقسوة:
-أنتي اللي اختارتي بقى
صرخت عاليًا وتحركت بقدمها تركض إلى بوابة القصر وقلبها لا يدق بعنف بل يقرع طبول وكأنها بداية حرب أو ما شابه، في محاولة منها التوجه إلى الداخل لا تدري كيف والبوابة مُغلقة، ولكنها استمعت إلى صوت طلق ناري أوقفها في منتصف الطريق مُعتقدة أنه أصابها مع صوت صرخة أخرى عالية للغاية خرجت منها ووصلت إلى عنان السماء..
توقف قلبها الذي كان يقرع وحبست أنفاسها داخلها، وقفت تعطي إليهم ظهرها تخاف من اقترابه الغير مرئي إليها..
صرخ بها “عاصم” بعصبية وعنف:
-اقفي عندك قسمًا بالله يومك أسود
فُتح باب القصر، طلت من خلفه “زينة” ووالدة “جبل” السيدة “وجيدة”، ظهر على ملامح زينة القلق والتوتر الشديد وهي تتقدم إلى الخارج وتعلم أن شقيقتها بقيت في الحديقة.. وقع قلبها بين قدميها وشعرت به يُنتزع من مكانه وهي تستمع إلى صوت صرختها وصوت الطلق الناري..
ارتفع صوت “وجيدة” وهي تنظر إلى “عاصم” متسائلة بحدة:
-في ايه يا عاصم
صاح مُقتربًا يقبض على ذراع “إسراء” مرة ثانية وهو يجيب بهدوء:
-متقلقيش يا هانم اتفضلي إحنا هنتصرف
تقدمت “زينة” سريعًا تركض ناحيتهم ونزعت ذراع شقيقتها من يده ثم دفعته للخلف بيدها في صدره صارخة به:
-شيل ايدك دي إزاي تتجرأ تعمل كده وتمسك أيدها
نظر إليها باستغراب، وجه جديد عليه وكانت في الداخل أيعقل حديثها كان صحيح، تحامل بالقوة صراخها عليه ودفعها له فقط لحين أن يفهم ما الذي يحدث..
ارتمت “إسراء” في أحضان شقيقتها وارتفع صوت بكائها مع كلماتها المتقطعة:
-يلا نمشي من هنا.. خلينا نمشي يا زينة
دفعتها للخلف بخفة ونظرت إلى وجهها وحالتها المُزرية:
-ايه اللي حصل مالك
لم تجيبها بل ارتمت في أحضانها مرة أخرى تخفي وجهها عنهم..
كادت أن تتحدث “زينة” ولكن صوت “عاصم” اخترق أذنها:
-مين دول يا هانم وإزاي دخلوا القصر وجبل مش موجود
نظرت إليه بحدة وأردفت مُجيبة إياه بصوتٍ عالٍ توبخه على ما فعله:
-دي زينة مرات يونس الله يرحمه وإسراء أختها.. أنت عارف أن محدش بيدخل القصر إلا بإذن مننا ايه لزوم اللي عملتوه ده
أخفض وجهه أمامها وتحدث بهدوء معتذرّا:
-كانت في الجنينة ورا في الضلمة بتتسحب زي الحرامية افتكرتها نطت من على السور.. على العموم أنا آسف يا هانم
صرخت بوجهه “زينة” وهي مُحتضنة إياها قائلة بعصبية:
-هو ايه اللي آسف يا هانم.. القصر كله ملغم حراس في كل مكان هتنط من على السور إزاي وبعدين ده شكل واحده تعمل كده.. إزاي ترفعوا السلاح عليها.. وازاي معاكوا سلاح أصلًا
رفع نظره إلى “وجيدة” هو و”جلال” باستغراب لم يفهم أحد منهم ما السؤال الأخير الغبي الذي ألقته عليهم هذا.. ولكن “وجيدة” احتوت الموقف سريعًا وتقدمت إلى “إسراء” تأخذها من “زينة” تحتضنها وتطمئن قلبها مربتة على ذراعيها وهي تتجه إلى الداخل
-تعالي يا زينة معلش يا حبيبتي هما مايعرفوش.. تعالي أنا هفهمك..
نظرت إليه شزرًا بعصبية وكأنها تود أن تنقد عليه لأنه مس شقيقتها ثم سارت خلف والدة زوجها إلى الداخل لتفهم ما الذي حدث..
نظر “جلال” إلى “عاصم” وتساءل قائلًا:
-هو ايه اللي بيحصل
حرك الآخر رأسه ورفع كتفيه يهتف:
-مش عارف
جلست في الداخل في صالون القصر الكبير جوار شقيقتها التي مازالت تزيل دمعاتها بيدها، نظرت إليها وتفوهت بالسؤال بجدية:
-ايه اللي حصل اتكلمي
رفعت بصرها إليها بعينيها الزرقاء المُنتفخة، أجابتها بشهقات متقطعة وهي تحاول الصمود:
-أنا كنت في الجنينة بتمشى ودخلت ورا لقيته ورايا ورافع عليا المسدس وبيقولي إزاي دخلت هنا.. قولتله إني دخلت معاكي مصدقنيش وكان هيضرب عليا نار
ابتعدت “زينة” بنظرها إلى “وجيدة” تنظر إليها بحدة واستغراب في ذات الوقت وما حدث في الخارج يؤثر عليها في حديثها الحاد ونظراتها نحوها:
-إزاي يعمل كده وإزاي معاه سلاح هنا
ابتسمت “وجيدة” بهدوء تقول بعقلانية:
-ماهو يا زينة دا قصر واللي برا حرس يا حبيبتي لازم يبقى معاهم سلاح.. عاصم رئيس الحرس أكيد مش قصده يعمل كده
أردفت “زينة” مُعقبة على حديثها بعقلانية أكثر:
-قصر ماشي ومحتاج حرس تمام لكن مش بالضرورة يكون معاهم سلاح خصوصًا لو في منطقة زي دي.. هو أنتي يا طنط مش شايفه الناس والمكان هنا عامل إزاي
تابعت تكمل بعد حديثها السابق بنفس الطريقة:
-دي أوامر يا زينة.. مش مطلوب إننا نخالفها
تذكرت حديث زوجها الكثير عن تلك الأوامر الذي تصدر عن شقيقه ولا يستطيع أحد مخالفتها أبدًا ولا يجب ذلك أيضًا وكأنهم يعيشون بسجن كبير يخرجون ويدلفون إليه ومنه فقط وهو حاكمه وعليهم السمع والطاعة..
وقفت شقيقتها على قدميها وجسدها يرتعش، قدميها لم تكن تستطيع أن تحمل جسدها بعد فزعته بصوت الطلق الناري الذي اعتقدت أنه أصابها وفارقت الحياة وما قابلته في الخارج قبل ذلك..
تحدثت بخفوت:
-عن اذنكم هطلع الاوضه
أومأت إليها والدته قائلة:
-اتفضلي يا بنتي ارتاحي
❈-❈-❈
“بعد مرور يومين”
جلست “زينة” مع “وجيدة” و “جبل” لتتحدث معهم في أمر حصولها على ميراثها هي وابنتها من زوجها الراحل مرة أخرى بجدية أكثر من المرة السابقة لأنهم ربما لم يفهموا جيدًا حديثها.. فهي لم تكن آتيه إلى هنا حتى تجلس وتستريح بل أتت لتأخذ ما لها هنا وترحل في أسرع وقت..
تعلم أن جميع الأمور لن تحدث إلا بأمر من “جبل” فنظرت إليه وأردفت بجدية:
-جبل بيه.. أنا لما جيت اديتكم خلفية عن سبب وجودي هنا بس تقريبًا أنت مأخدتش الموضوع بجد لأن محدش كلمني فيه.. وبصراحة أنا مش حابه أطول أنا عايزة أرجع
كان يضع يده على وجنته اليمنى فاردًا إصبعه السبابة على وجنته يستند بذراعه على المقعد ناظرًا إليها بعدم اهتمام وخرجت الكلمات من فمه بلا مبالاة:
-والمطلوب!
وزعت نظرها بينهم هم الاثنين ثم قالت بجدية وبعض من الحدة في نبرة صوتها:
-عايزة حقي أنا وبنتي علشان أمشي
أسرعت والدته تتحدث وهي تربت على يدها الموضوعة على ركبتها خوفًا من أن يُجيب “جبل” بشيء لا يروقها وهي لن تسمح بذهابهم:
-هتاخدي حقك وفوقه زيادة أنتي عارفه الخير كتير ويونس ليه كتير أوي أوي أوي وعمرنا ما نطمع فيه بس المسألة دي علشان تطلع مظبوطة وتاخدي حقك وعليه الزيادة لازم جبل يرتب أموره ويشوف حساباته واحدة واحدة وزي ما أنتي شايفة هو مش قاعد عنده شغل طول الوقت
وجهت نظرها إليه بعد أن استدارت مرة أخرى وطرق السؤال باب عقلها:
-هو حضرتك بتشتغل ايه
ظل ناظرًا إليها بمنتهى اللا مبالاة وإصبعه على وجنته بهذا الشكل.. شعرت بالإهانة لتجاهله حديثها ونظرته الغريبة إليها فمرة أخرى أردفت والدته:
-جبل كبير الجزيرة.. والناس مشاكلها كتير وكل حاجه هنا مسؤولة منه
أكملت بجدية مُعاتبة إياها في نهاية حديثها لتسترقها تجاهها:
-كل اللي محتاجينه شوية وقت علشان نعرف نظبط الدنيا يا حبيبتي وبعدين هو أنا ماليش حق عليكم ولا ايه ووعد دي مش بنت ابني
نفت “زينة” حديثها وأكدت عليها:
-لأ طبعًا ليكي حق
ابتسمت “وجيدة” باتساع وأشرق وجهها لأنها أخذت فرصة للحصول على ما تريد وقالت:
-يبقى خلاص أقعدوا معانا شوية كمان هو انتوا لحقتوا.. أنا ملحقتش أقعد مع وعد حتى
اومأت إليها زينة وأردفت بهدوء:
-أنا موافقة نقعد بس نحدد مدة أنا مرتبطة بمواعيد في دبي
استمعت إلى سؤاله الذي خرج بنبرة خشنة حادة:
-مواعيد ايه دي
التفت تنظر إليه وأكدت مرة أخرى على نفس الكلمة بوضوح وبنظرة حادة مثله لأنه تجاهلها وتعمد فعل ذلك:
-مواعيد!!
أبعد يده من على وجنته وأعتدل في جلسته ناظرًا إليها بعينه الخضراء الحادة المخيفة وعلم أنها تعمدت لفعل ذلك فقال بجمود:
-سمعت! وسألت مواعيد ايه وبخصوص ايه
ابتسمت رافعة حاجبها الأيمن إلى الأعلى قائلة بجدية:
-مش المفروض حضرتك تعرف بخصوص ايه ولا أنا المفروض أجاوب
تقدم للأمام في جلسته يهتف وعينيه تنظر إليها بحدة:
-لأ المفروض أعرف والمفروض تجاوبي طالما بنت أخويا معاكي
ضيقت ما بين حاجبيها باستغراب وأكملت على حديثه متسائلة:
-يعني ايه طالما بنت أخوك معايا.. بنت أخوك معايا من وقت ما اتوفى يونس وهي بنتي على فكرة
ابتسم بزاوية فمه وكأنه نال منها وهو يقول بخبث ومكر:
-اللي متعرفيهوش إنك جيتي الجزيرة.. دخلتي القصر.. من وقت ما ده حصل كل شيء اختلف
رفعت حاجبيها مُتسائلة عن مقصده:
-قصدك ايه
تدخلت والدته في الحديث سريعًا وهي تعلم أن ابنها سيفسد الأمر إن طالت الجلسه أكثر من ذلك لأنه ليس الشخص الذي يتهاون في المعاملة:
-مقصدوش حاجه يا حبيبتي هو بس خايف عليكم.. المهم اقعدي معانا أسبوع كده يكون جبل خلص شغله وطلعلكم حقكم
أومأت إليها قائلة:
-ماشي يا طنط
ثم نظرت إليه شزرًا بعينيها السوداء وكأنها قطة بمخالب تود لو تنقد عليه تترك علامات أظافرها على جسده بأكمله لتنظر إليه وتبتسم بأنها انتصرت عليه بعد نظراته وحديثه معها.. وذلك التجاهل المُتعمد منه ذلك الحيوان الذي يرى نفسه قائد على الجميع..
لكنه لا يعلم من هي إلى الآن ولو كان يعلم ما فعل هذا..
وقفت على قدميها واستأذنت منهم للصعود إلى الأعلى ولم تكن تعلم تلك الغبية من هو.. تعتقد أنه رجل كأي رجل أو كزوجها؟ لم تفكر يومًا بأنها من الممكن ان تقع مع وحش وذئب بشري، ترى نفسها تستطيع أن تتغلب على الجميع بسبب الفترة التي قضتها وهي تصارع الجميع وكل من طمع بها.. لا تعلم من هو.. تعتقد أنها ستتغلب عليه أو تترك أثر به.. بل هو من سيترك أثر بها إلى الأبد..
❈-❈-❈
وقف الحارس في حديقة القصر في مكان بعيد عن الأنظار وقد كان كل مكان بها بعيد عن الأنظار بسبب كبر مساحتها والأشجار الكثيرة بها..
أخرج هاتفه من جيب بنطاله ووقف يعبث به، ثم وضعه على أذنه للحظات ومن بعدها أجاب بصوت رجولي خشن:
-أيوه يا طاهر
صدح صوت الآخر في أذنه بقوة حتى أنه أبعد الهاتف عنه بسبب ذلك الازعاج الذي سببه له:
-ايه يا رجولة اييه فين المعلومات اللي قولت هتنيل أخدها أول الشهر
لوى شفتيه هازئًا واسترد قائلًا بسخرية:
-هو أنا بكلمك دلوقتي ليه
تهكم الآخر عليه وهو يجيب بنفس نبرته الذي استشعرها عبر الهاتف:
-هو إحنا أول الشهر.. سلامتك ولا الشغل مع جبل كل عقلك
أجابه بجدية يوضح له سبب تأخيره الذي حدث في بداية الشهر:
-مكالش عقلي ولا حاجه.. البضاعة اتأخرت ومجاتش أول الشهر.. الحكومة اتسرب ليها معلومات وجبل وقف التسليم
تسائل الآخر بتلهف وفضول:
-ودلوقتي ايه الجديد
أكمل وهو يعلم أنه يموت ليعلم أي شيء عن التسليم ليقوم بضرب “جبل” الضربة الكبيرة ولكنه للأسف فاشل حتى وإن أخذ كل المعلومات فلا شيء يستطيع فعله ولا شيء يصيب “جبل”:
-البضاعة في المخازن
ابتسم وقد شعر الحارس بها وقال بسعادة دُفعت إليه:
-حلو يا حِدق
أنكر الآخر ما قاله بابتسامة ساخرة ونبرة جدية وهو يطالب بحقه الذي أتى عن طريق الخيانة:
-لأ مش حلو.. أنا عايز حقي ناشف، ماليش في الحلو خالص
أومأ برأسه وقال بجدية وهدوء موافقًا فالآن السعادة تدق بابه بكثرة بسبب ما أخذه من معلومات يستطيع أن يفعل بها الكثير:
-هيوصلك حقك متقلقش
أنهى معه المكالمة بجدية:
-يلا بالسلامة
هناك مقولة شهيرة تنص على “يلعب على الحبلين” وهذا ما كان يفعله هو يسرب المعلومات إلى “طاهر” العدو الأكبر إلى “جبل العامري” ومن الناحية الأخرى لا يقول له الأماكن البديلة إلى المخازن والذي كان من أهمها أكبر وأفضل وأشهر مكان على الجزيرة…
خائن بين حراس “العامري” وإلى الآن لم يتعرف عليه أحد..
قد يكون جشع وما دفعه إلى فعل ذلك جمعه الكثير من المال من هنا وهناك وقد يكون هناك سبب آخر غير هذا هو الذي دفعه للخيانة مثل “الانتقام”..
❈-❈-❈
جلست والدته معه على الأريكة داخل غرفته، غرفة كبيرة للغاية المعنى الصحيح لغرفة داخل قصر، بها أثاث على الطراز القديم كالفراش أخشابه ثقيله باهظة، كبير للغاية يتسع لأربع أفراد ليس واحد أو اثنين به أربع أعمدة خشبيه من كل إتجاه واحد..
خزانة ملابس كبيرة نفس هيئة وشكل الفراش
أريكة كبيرة للغاية مع اثنين من المقاعد الخاصين بها وطاولة بينهم.. ومرآة كبيرة يُضع عليها فرشاة للشعر وواحدة من زجاجات العطر الفخمة..
ربتت على فخذه وهو يجلس جوارها:
-اسمع مني يابني زينة مش هتقعد غير بالطريقة دي أنت لازم تتجوزها
تابع عينيها وخرج صوته بخشونة وحدة يتحدث بتأكيد وثقة:
-لأ هتقعد وأنتي عارفه إني أقدر اقعدها غصب عن أي حد وده اللي هعمله لكن مش هتجوزها
عقدت حاجبيها وتسائلت بذهول:
-وليه لأ هتفضل لحد امتى من غير جواز
أجابها بحدة وعينيه تقابل عينيها بشرارة ورفض لحديثها ولكن هناك خفقة بسيطة في قلبه توافقها أمام كل ذرات عقله:
-وهو أنا يوم ما اتجوز اتجوز مرات أخويا
تفوهت بجدية تجيب على كلماته بكلمات بالنسبة إليها عقلانية إلى أبعد حد:
-كانت.. كانت مرات أخوك وهو الله يرحمه ميت من خمس سنين ده عمر يابني
أبعد وجهه عنها وتوجه بنظره إلى الفراغ ورفع صوته بحدة وهو يطيح بيده إليها رافضًا:
-بلا كانت بلا مكانتش… أنا مش بتاع جواز ومش هتجوزها ولا هي ولا غيرها
احتدت نبرتها وارتفع صوتها وهي تضرب على قدمها اليمنى بعصبية قائلة:
-ليه كل ده.. علشانها؟ ما تبص لنفسك يا ابن بطني ماهي غارت وسابتك هي وأهلها كلهم
وقف على قدميه بعصبية يُماثلها مُبتعدًا عنها مُتقدمًا من الفراش يتمسك بأحد اعمدته يُعطي إليها ظهره قائلًا بقسوة:
-بقولك ايه هي مش في دماغي وغارت زي ما قولتي أنا مش عايز اتجوز ولا تكوني أنتي ناسيه شغلي ده ايه؟ ده مش سبب يخليني مربطش حد بيا ولا أعمل عيلة؟
وقفت خلفه تهتف ببساطة وجدية:
-شغلك ماله يا جبل.. محامي قد الدنيا وماسك بلد بحالها
استدار ينظر إليها بتهكم يُكرر حديثها باستهزاء:
-آه محامي وماسك بلد
احتدت نبرتها أكثر وتحولت ملامح وجهها اللينة التي كانت تحاول إقناعه من لحظات واتجهت نبرتها إلى الأمر والقوة وذلك لأنها لن تسمح بذهاب ابنة ولدها الراحل ولا تريد ظلم والدتها:
-جبل.. أنا قولت كلمتي ودي رغبتي أنت كبرت ورافض كل بنات البلد جاتلك أرملة أخوك على الأقل تلم لحمة جالك لحد عندك
ابتسم ناظرًا إليها بلا مبالاة وبرود:
-الظاهر مسمعتيش اللي قولته
أقتربت منه وقالت بنفس النبرة القوية منتظرة أن تراه يوافق ولكنها مع ذلك تعلم أنه لن يوافق بتلك السهولة.. ولن تتركه أيضًا يأخذ الطفلة من والدتها قصرًا.. إنه ولدها وهي تعرفه جيدًا وتعرف حلوله الغريبة:
-لو مش عايز تتجوز وتعمل عيله وتحب مراتك.. اتجوزها ولم لحم أخوك وأعمل ما بدالك بعدين.. عايز تتجوز تاني اتجوز عايز تحط عقلك في راسك وتخليك مع زينة يبقى خير وبركة
أجاب على حديثها بمنتهى البساطة وكأنها تتحدث مع ذاتها:
-مش هتجوز يا أم جبل.. وزينة هتقعد
حركت رأسها وشفتيها وهي تجيبه قائلة بعقلانية لأنها من خلال معرفتها البسيطة بـ “زينة” علمت أنها لن تخضع بتلك السهولة:
-مش هي اللي هتقعد بالذوق
رفع وجهه إليها بقسوة وتفوه بنبرة عنيفة قاسية لأنه لم يكن مُعتاد على ان يُرفض أمره:
-يبقى عافية وغصب
قالت بسخرية تنظر إليه:
-ونخسرها هي وبتنا
صرخ بوجهها بصوت عالي لأنها تحدثت أكثر من اللازم، وقامت بفتح جروح قديمة جعلها تلتئم بصعوبة، صحيح لم تعد تؤلمه ولكنها تبقى جروح:
-في داهية
صرخت هي الأخرى بوجهه وتغيرت ملامحها أكثر وأكثر عليه ورفعت سبابة يدها اليمنى أمام وجهه بحدة:
-لأ مش في داهية يا جبل.. بت ابني مش هتطلع من الجزيرة وبالسياسه كله بالسياسه يا جبل
أبتعد بوجهه عنها وقال:
-ماشي يما.. ماشي
خرجت من الغرفة بعد أن استمعت إلى آخر كلماته وتوجهت إلى الخارج وهي عازمة أمرها ومقررة داخلها أن مهما يحدث لن ترحل ابنة ولدها من هنا، لن تذهب إلى خارج بوابة القصر خطوة واحدة وإن أقامت الحرب على الجميع وأول من بهم ولدها..
وقف بالداخل مُمسكًا عمود الفراش يضغط عليه بيده، يفكر فيما قالته والدته، كثير من الاتجاهات تتعارض مع زواجه وبالخصوص واحدة مثلها، هناك أشياء كثيرة تخفى عن البعض على الجزيرة وهي واحدة منهم.. يجيب أن ترحل من الأساس وجودها هنا يسبب خطر إليه وإلى الجميع ولكن والدته ترى ذلك من ناحية أخرى
ابنة شقيقه وكأنه هو أمام والدته لذا لا تريدها أن ترحل.. يستطيع أن يجعل والدتها تذهب رغمًا عنها ويُبقي الفتاة ولكنه لا يضمن ما الذي من الممكن أن تفعله وهي خارج الجزيرة لاسترداد ابنتها..
ترك الأمر جانبًا عندما عاد عقله إلى تلك النقطة التي عبثت بها والدته.. أهو لا يريد الزواج لأجلها أم لأجل أنه لا يريد من الأساس!
نهر نفسه وهو يتحرك مُبتعدًا عن الفراش فقد تلقى العلاج الكامل لحالته بعد رحيلها، ومكانها الذي كان في قلبه أصبح ممتلئ بشيء آخر بعيد كل البعد عنها وعن ماضيه معها..
❈-❈-❈
“في الصباح”
كان الجميع يجلس في الصالون بعد تناول الفطور على السفرة سويًا..
أقتربت الفتاة الصغيرة “وعد” من جدتها التي شعرت بحنيتها وحبها لها وجلست على قدميها وهي تفتح بيدها ورقة مطوية لترفعها أمام نظرها قائلة لها بحب:
-تيته دي أنا وأنتي رسمتها علشان أخدها معايا وأنا مسافرة
نظرت إليها “وجيدة” كانت رسمة طفولية للغاية بها فتاة صغيرة وسيدة لم تستطع بأن تجعلها رائعة إلا بحبها الذي رسمت به..
ابتسمت “وجيدة” بسعادة وهي تحتضنها قائلة بحب وفرحة:
-الله حلوة أوي.. بس أنا مش هسيبك تسافري على طول كده أنا مشبعتش منك
بينما هو كان ينظر إلى تلك التي تجلس أمامه مباشرة ولأول مرة بحياته ينظر إليها بهذه الطريقة، يبدو أن حديث والدته أمس جعل الرجل الذي بداخله يستفيق وينظر إليها بنظرات الرجال الجائعة…
لأول مرة ينظر إلى جمالها الطبيعي المعتاد في كل الوجوه ولكنها جميلة غيرهم، بعيونها السوداء الحالكة التي تماثل خصلاتها.. وبشفاهها ونظراتها وبذلك الجسد المغري والحركات الأنثوية..
آن داخله بألم، لقد نسي كل هذه الأشياء لما جعلته والدته يستفيق من جديد ويتبع اهوائه وغرائزه وهي من؟ زوجة شقيقه!.. ولكنها للحق تستحق
كم أنه وقح وعديم الشرف ينظر إلى زوجة أخيه هذه النظرات القذرة ويقيمها من الأسفل إلى الأعلى، ويقيم مفاتنها الذي حرم منها ومن أي امرأة لسنوات..
ولكن تقريبًا حديث والدته صحيح! لما لا يتزوج خصوصّا إن كانت واحدة أتت إلى حده كما قالت هي بالأمس!..
كانت على الطرف الآخر تبتعد بعينيها إلى ابنتها وجدتها تتابع حديثهم من اللحظة إلى الأخرى وبينهما تتابعه هو وترى شروده بها ونظراته المُثبتة عليها.. مرة على عينيها مباشرة ومرة على خصلاتها ومرة أخرى على جسدها..
أهو مختل؟ أم ماذا.. استغربت نظراته كثيرًا فقد تقابلت معه في الأيام الماضية بكثرة ولكنه لم يكن هكذا أبدًا، بل كان غير مبالي بها وعديم الاهتمام والحديث معها.. ما به الآن؟
هل ينوي على فعل شيء معها؟ هل يفكر في منع الميراث عنها وعن ابنتها؟ ولكن “وجيدة” أكدت أن ذلك لن يحدث وستأخذ كل ما لها عندهم.. شعرت بالإحراج كثيرًا من نظراته التي ربما تتحول إلى الرغبة الواضحة بعينيه، هي تعرف هذه النظرة جيدًا الآن ربما تحركه شهواته تجاهها؟
نهرت تفكيرها ونفسها سريعًا على هذه الأفكار الغبية والكريهة التي أتت على عقلها تجاة شقيق زوجها والتي لم يعاملها بهذه الطريقة التي فكرت بها أبدًا منذ معرفتها به إلى اليوم.. يبدو أنها هي التي بحاجه وجود رجل جوارها ففكرت بهذه الطريقة..
في لحظة والجميع كل منهم في رأسه شيء قطع حبل أفكارهم بمجرد أن دلف “عاصم” إلى الغرفة مقتحمها عليهم يهتف بصوت عالي قلق للغاية:
-جبل.. حملة طالعة من المدرية على الجزيرة
وقف جبل سريعًا على قدميه بعيون مُتسعة إلى آخرها ينظر إليه بقسوة والآخر يبادله النظرات بفزع لأجل ما سيحدث في الجزيرة بعد قليل..
بينما هي طالعتهم باستغراب شديد، ونظراتها تتجه من واحد تلو الآخر من أهل القصر والذي بدى على وجوههم معرفة ما الذي يجري على عكسها هي وشقيقتها..
❈-❈-❈
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سجينة جبل العامري)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *