روايات

رواية حب بين نارين الفصل التاسع عشر 19 بقلم نورهان ناصر

رواية حب بين نارين الفصل التاسع عشر 19 بقلم نورهان ناصر

رواية حب بين نارين البارت التاسع عشر

رواية حب بين نارين الجزء التاسع عشر

حب بين نارين
حب بين نارين

رواية حب بين نارين الحلقة التاسعة عشر

كان يطالع الرسالة باستغراب من هذا ولِما راسله وماذا يقصد بكلامه والأهم من كل هذا كيف وصلت إليه؟
_ ده ده أكيد واحد مخبول أو يمكن وصلت ليا بالغلط !
أنهى حديثه ثم ألقى الظرف بإهمال ولم يهتم ثم نهض واتجه إلى غرفته بدل ثيابه واستحضر دروسه،و جلس يذاكر بجدية هذه سنته الآخيرة في الجامعة إدارة الأعمال ، وبعد مرور عام تخرج أمجد من الكلية بامتياز وشرع في تأسيس شركته الخاصة وفي أول يوم افتتاح الشركه فوجئ بوجود ظرف غريب الشكل موضوعٌ على مكتبه ، صرخ أمجد بغضب وهو ينادي السكرتيرة الخاصة به:
_ مين إللي جاب الظرف ده هنا ؟ وإزاي حد يدخل مكتبي في غيابي إيه التهريج ده ؟
إزدرقت السكرتيرة لعابها بتوتر وهتفت بعدم فهم:
_أنا أسفه يا أمجد باشا بس معنديش أدنى فكرة عن إللي حضرتك بتقوله ظرف إيه ده ؟
رفع أمجد الظرف بيده وهو يلوح به يهتف بغضب:
_أنا إللي بسألك؟ بقولك إيه ؟هاتيلي تسجيلات الكاميرا بسرعه تكون على مكتبي روحي !
_ حاضر !
جلس أمجد على مقعده وأمسك الظرف بيده بينما ذهبت السكرتيرة لكي تلبي طلبه ، فتح الظرف وكما توقع وجد رسالة به وكتب بها .
“أغلى حاجه عندك هاخدها منك وعن قريب مش بعيد”
توتر أمجد كثيرًا وعلى الفور تذكر أنه وجد رسالة مثل هذه قبل سنة من الآن
قطع عليه توتره طرق على باب مكتبه فأذن بالدخول ودلفت السكرتيرة وهي تخفض رأسها للأرض بتوتر ثم قالت :
_ مستر أمجد الكاميرات فيها عُطل فني !
رمقها أمجد بغضب شديد:
_ نعم !! .
صمت قليلًا ثم أردف في داخله :
_ده الموضوع بجد بقى وفي حد مستقصدني !!
مضى أسبوع وأيضًا تكررت الرسالة وبنفس الصياغة رسالة تهديد ، وازداد القلق بداخله أكثر فليس في يده دليل ملموس وفي أحد الأيام عندما عاد إلى منزله بعد يوم عمل متعب وجد نفس الظرف أمام باب شقته وكُتب فيه “تم وحصل”
توتر أمجد وأخذ الخوف يتسرب في داخله شيئًا فشيئًا من يرسل له هذه التهديدات جاد ، أخذ يفكر ما أغلى شيء قد يفقده في حياته كلها ، عائلته هي أغلى شيء ، أيعقل أن أحدهم قد أصابه مكروه ، لذا قرر العودة إلى مصر بأقصى سرعة .
عودة إلى الواقع
آفاق من ذكرياته وهو يقبض على كفي يديه يهتف بشر:
_هتوقع في أيدي ومش هرحمك ، وهلاقيك حتى لو رجعت لبطن امك هلاقيك بردو !
____________________
كانت تركض بأقصى سرعة لديها وهي تتنفس بصعوبة بالغة ، وجدت نفسها فجأةً مُـحاطة بالمياه من كُل النواحي وهي محصورة في المنتصف وأخذت المياه تتدفق بقوة كبيرة وارتفعت الأمواج العاتية بينما لم يكن هناك أحد ، أخذت تتلفت حولها لا أحد هذه هي النهاية معقول .
أغمضت عينيها ببطء وانهمرت دموعها كشلالٍ وما إن اقتربت تلك الموجة منها ومض في ذاكرتها صورة له وهو يمسك بيدها و يجلسها على حجرهِ وهي تتعالى أصوات ضحكها لتعبر عن سعادتها الغامرة بقربه ، فتحت عينيها سريعًا وأخذت تنادي عليه بكل ما أوتيت من قوة …
_ مــــــراد !
قالتها لميس وهي تنتصب على الفراش مذعورة إثر ذلك الكابوس المزعج ، دارت بعينيها تبحث عنه في الغرفة معها لكنها لم تجده ، توترت كثيرًا ثم نهضت من على الفراش واشعلت الأنوار وعندما استمعت لصوت الأمواج ارتعدت أوصالها أكثر وشعرت بتصلب قدميها فجأةً ؛ عندما أدركت أين هي إذن لازالوا في عُـرض البحر عند هذه النقطة وأخذ قلبها يخفق بشدة ، شعرت بالدوار يجتاحها ترنحت في مشيتها وأخذت تنادي عليه بصوتٍ جاهدت لإخراجه من جوفها فخرج مُـتقطـعًا دل على خوفها
_ مُـ….ـراد مراد انت فين ؟
كانت الباخرة تهتز إثر تلاطم الأمواج مع بعضها البعض كانت قادرة على الشعور بها ومع كل هزة كانت ترتعد مفاصلها بزعر أحست أن قدماها تجمدَا من الخوف ، أخذت تسير ببطء شديد حتى خرجت من الغرفة وهي تستند على سطح الجدار .
ثم اتجهت إلى الغرفة المجاورة لها طرقت الباب ولم تسمع إذنـه بالدخول فعاودت الطرق مرة أخرى وأيضًا بلا إجابة قبضت بيدها على مقبض الباب وفتحت الغرفة و أيضًا لم تجده ، دلفت إلى الداخل وأخذت تجول بعينيها في أنحاء الغرفة وأيضًا لا أثر له ، خطر هاجس مُـرعب في خاطرها ، أيعقل أنه تركها هنا ورحل ؟
أخذت تهز رأسها بقوة نافية هذا الإحتمال لا ليس معقولاً أن يفعل بها ذلك ..
_ مراد مراد بلاش تخوفني انت فين ؟ على فكرة أنا قلبي واجعني مش حمل هزارك .
صمتت قليلًا ثم تابعت بحزن وهي تقول كأنها تحادث نفسها :
_هزار وهو من ايمتى بيهزر معايا …؟
امتلئت العبرات في عينيها وأخذت تبكي بصوتٍ مرتفع ثم جلست على الأرض بتعب شديد وهي تبكي بشدة وتهزي بكلماتٍ غير مُـترابطه :
_سيبتني ليه ؟ لا مش معقول تكون مشيت ! مراد !
صمتت قليلاً عندما سمعت صوت وقع أقدام تأتي من عُلية الباخرة دب الأمل في قلبها ونهضت سريعًا وخرجت من الغرفة صعدت السلم للأعلى .
________________________
كان يوليها ظهره و بيده شيء ما وينظر للبحر بتركيز شديد ، تقدمت بضع خطوات وتبين لها أن بيده سنارة صيد ، قبضت على يدها بغيظ ووجدت نفسها تتجه إليه وهي تشتعل غضبًا ثم وبلا أي مُـقدمات ضربته بقبضة يدها على كتفه .
ألتفت مراد لها بدهشة وقبل أن ينطق أخذت تكيل له لكمات متتالية على صدره ووجهها محمرٌ للغاية دل على شدة انفعالها .
أمسك مراد بيديها وقبض عليهم في يده وهو يحاول أن يُشل حركتها ثم احتضنها من الخلف بينما هي أخذت تتحرك بهيسترية واغرورقت عينيها بالدموع تمتم مراد باستغراب من هجومها عليه:
_ في إيه مالك صابحه تجري شكل للبيع انت كنت نايمه بتحلمي إنك بتضربيني ولا إيه؟ .
لم تزعن له وتابعت تحركها الهيستيري وهي تبكي فـ تمتم مراد باستغراب:
_مالك اتهدي بقى وفهميني في إيه؟
قامت لميس بعض يده المقيدة لحركتها وتحررت من تقييده لها وأخذت تصيح به وهي تبكي :
_ أنا فكرتك سيبتني هنا ومشيت ! حرام عليك بقى انت بتعمل فيا كده ليه ؟
حدجها مراد بغضب وهو يقول مستهجنًا ما وصله لها عقلها :
_ وأنا هاتنيل هرجع إزاي بتفكيرك ده إيه هاخدها سباحة لحد الشط مثلاً ..؟
شعرت لميس بالخجل من تسرعها فهو محق كيف لم تفكر في ذلك ، خوفها طغى على عقلها فلم تحسن التفكير تمتمت بأسف وإحراج :
_أنا أسفه مفكرتش صح بس خوفت لما ملقتكش في الأوضة و معرفش خطر في بالي إنك مشيت !
هدأ مراد قليلًا ثم أمسك بيدها التي تخبئ بها وجهها ثم أجلسها على المقعد وتمتم بنبرة هادئه عندما أدرك خوفها :
_طب تعرفي أنا صاحي من ايمتى؟ علشان شوية سمك على أمل اصطاد ولو شبشب حتى بس زي ما أنتِ شايفه ولا أي حاجه اللهم لا حسد أنا بجد مبهور بيا ولا ديل سمكه حتى !
ضحكت لميس بخفوت على حديثه ثم قالت بصوت هادئ:
_ ينفع أجرب أنا؟
أومأ مراد برأسه ومد يده بالسنارة وهو يقول :
_اتفضلي ، أما نشوف هتصطادي لينا إيه؟
نظرت لميس للبحر وتذكرت رُهابها منه فشعرت فجأة بالدوار فتراجعت للخلف وأعطته السنارة وهتفت بتلعثم:
_ لأ خلاص مش عايزه !
اقترب مراد منها ووقف خلفها ومد يده ووضعها على يدها الممسكة بالسنارة ، تفاجأت لميس بحركته وتوترت كثيرًا لا تدري لما بات قُربه منها يُربكها بهذا الشكل كانت دقات قلبها تدق كالناقوس تكاد تجزم أنها وصلت إلى مسامعه ، أرخى مراد يدها عن السيارة ثم هتف مراد بهدوء قرب أذنها وانفاسه الدافئة تضرب سطح بشرتها بينما هو كان يصب تركيزه على البحر :
_ متخافيش أنا معاكِ اتنفسي بهدوء وأنا معاكِ مفيش داعي للخوف الموضوع بسيط !
لا تدري لما اطمئنت بعد كلامه هذا نبرة صوته الهادئه بعثت الأمان لها وأيضًا تكراره لتلك الكلمة “أنا معاكِ”جعلها تكاد تطير من السعادة ، وهنا صرخ عقلها بهياج ، أي أمان تتحدثين عنه كاد يقـتُـلكِ قبل يومان وأيضًا سعادة هل أنتِ مجنونه يا فتاة ؟!
تململت لميس بتوتر من قربه منها وهي تهمس بصوت منخفض :
_عندي خوف من البحر دايما بحلم إني في نص البحر وفي موجة عاليه هتغرقني .
ابتسم مراد بهدوء ولازال يستند أعلى كتفها ويديه تمسكان بيديها:
_مفيش داعي للخوف ده كله أوهام في عقلك ، على ما أتذكر أنتِ عايشه في جو نفسي يعني والدتك وجدتك دكاتره نفسيين ليه محاولتيش تتغلبي على مخاوفك دي ؟
هتفت لميس بشرود:
_ محدش كان متفرغ لي كل واحد منهم كان في عالمه الخاص بيه أنا كنت بينهم بس كنت عايشه لوحدي !
لاحظ مراد اهتزاز السنارة بين يديه فقال بسعادة وكي يصرف ذهنها عن شرودها :
_ اتحركت يا فرج الله !
_ آه فعلا كده اصطدنا حاجه !
جذب مراد السنارة وهو يغمز لها وهو يقول بنبرة حانية :
_هنشوف وسعي أنتِ كده !
ابتعدت لميس للخلف وأخذ هو يجذب السنارة بقوة حتى تمكن من إخراجها كانت سمكة متوسطة الطول ، هتفت لميس بفرحة وأخذت تقفز عاليًا بطفولية :
_ اصطدت سمكة كبيرة ! هيييييه!
نزع مراد السنارة عن السمكة ورفع إحدى حاجبيه بسخرية ، رأت لميس نظرته فقالت مصححةً بخجل:
_ أنت ساعدتني شوية !
ضحك مراد حينها وقال :
_ شوية ؟؟؟ كتر خيرك !
ابتسمت لميس بخجل فسمعته يقول:
_ يلا ساعدني بقى ولا هتوقفي تتفرجي عليا !
_ ها لا هساعدك أهو !
ثم اقتربت منه وجلست بجواره ووضعت السمكة المتوسطة الطول في الدلو ، بينما هو جهز الطعم وقام بإلقاء السنارة مرة أخرى ولميس كانت تنظر له وعلى وجهها إبتسامة صافية ، وكان مراد يلتفت لها بين الفينة والأخرى وهو يبتسم ، ومضى وقت ليس بطويل فهتفت لميس بمرح:
_على فكرة أنت بطيء أوي كده مش هنفطر انهاردة بالوضع ده !
رفع مراد رأسه عن السنارة ونظر لها بتهكم مضحك:
_والله طب تعالي يا سريعة ووريني همتك !
تراجعت لميس وهي تقول :
_ لأ كمل ياسطا إحنا آسفين !
_ ياسطا !.
صمت قليلًا ثم حدقها بنظرة متفحصة إزدرقت ريقها بتوتر من نظرته فتابع هو بمرح قائلاً
_ أنت يا بت تركية بجد ولا بتشتغليني؟
بُهت وجه لميس من سؤاله ثم قالت باستغراب :
_أي السؤال ده ؟
_لا بجد بسألك العيون الزرقه دي والكلام التركي وكله كوم وياسطا دي كوم تاني !
_بشجع لهجة بلدي !
حرك مراد رأسه بيأس وهو يردف بنبرة هادئة :
_ اللغة باظت يا جماعه !
_ هي لسه هتبوظ مهي باظت ده أنا كل ما افتح فيس بشوف حاجات عجب وكل يوم يخترعوا حاجه لما عقدوني !
_ربنا يهدي ، المهم كفاية كده بقى ده إحنا اتنين بس ولا أنتِ عازمه حد معانا !
ابتسمت لميس بلطف وهي تقول :
_ها لا كفايه هاتوا بقى وأنا هدخل انضفه وا ..
قاطعها مراد وهو يحمل الدلو ويتحدث بنبرة صافية :
_لأ أنا هعمله وهدوقك أكلة سمك مشوفتيش ولا هتزوقي زيها !
كانت لميس تنظر له ببسمة فقط ولم تجبه فجأة بدأت تنظر له من منظور آخر وكأنه ليس خاطفها ويريد الانتقام من والدها بل وحاول قتلها من يومان ، حينها توتر مراد من نظرتها تلك فتنحنح ثم قال:
_طيب أنا هدخل أعمله و أنتِ اعملي لنا شوية سلطة !
أفاقت لميس من فقاعتها الوردية وتنحنحت بحرج ثم اخفضت بصرها وهتفت بتوتر هي الأخرى:
_ تمام .
تابعته للداخل وشعور بالسعادة بدأ يدغدغ ستائر قلبها الذي حفظته ولم تستهلك مشاعرها في أشياء لا فائدة منها ، وفي وسط تلك المشاعر كان يدق العقل إنزارات الخطر ، فتجاهل القلب حديثه وشرع يوجهها نحو سعادتها ولو كانت مؤقتة .
_________________________
كان مسطحًا على فراشه بذلك المشفى منذ أسبوع مضى عندما إقتحمت عليه الغرفة وهي تقول بتوتر شديد:
_ أمجد رجع ؟
نظر لها عز بدهشة وهو يقول بضيق:
_ إيه؟ ايمتى؟
خطت فيروز أرضية الغرفة ثم هتفت بضيق :
_معرفش بس أنا شوفته انبارح !
_كويس إنه رجع علشان يرجع حق أخته من ابن محمد …
صاحت فيروز بدموع:
_مش كفاية خسرت بنتي انت إيه معندكش إحساس أنا خايفه على ابني حرام عليك كله بسببك !
_مفيش داعي لخوفك ده أنا ورايا رجالة ياكلوا الحديد !
ابتسمت فيروز بسخرية ودموعها تهبط بصمت:
_ وكانوا فين رجالتك دول لما بنتي ماتت ، إبعد ابني عن شغلك الوسـ….
رفع عز إبهامه بغضب وهو يحذرها :
_ فيروز الزمي حدودك !
_ ملكش حق عندي فاهم حقك اتلغى من زمان وملكش دعوه بتصرفاتي ..
قاطعها عز متهكمًا :
_ ومين قالك إنه إنتهى أنا لسه ليا كلمة عليك أنا رديتك من زمان يا شاطرة ودلوقت تسمعي كلامي وتنفذيه!
ادعت فيروز عدم علمها وقالت متصنعة الصدمه :
_ كذاب إنت طلقتني !
_ورجعتك في نفس اليوم إللي سافرتي فيه ودلوقت تلمي هدومك وتروحي على الفيلا بتاعتي مفهوم بدل ما أرفع قضية واطلبك في بيت الطاعة ووقتها هكرهك في حياتك !
_إنت إزاي تعمل كده أنا بكرهك يا أخي حل عننا بقى منك لله حسبي الله ونعم الوكيل فيك !
_ يلا غوري من وشي .
قالت فيروز بهدوء وثقة بالخالق وهي تتجه للخروج:
_ ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
ليك يوم وربنا سبحانه يمهل ولا يهمل وبكره تشوف كلامي .
أنهت حديثها واتجهت خارج الغرفة وأغلقت الباب خلفها بقوة فهمس عز وهو يعاود التسطح على فراشه:
_ روحه بلا رجعه !
خرجت من عنده تبكي بشدة على حالها وما ألت إليه الأمور ، ثم استغفرت ربها وخرجت من المشفى قابلها أمجد عند بوابة الدخول فتخطته وكادت تذهب فاستوقفها صوته يهتف بهدوء يصحبه قلق من هيئتها كانت عيونها حمراء من شدة البكاء :
_مالك ؟
ابتسمت بهدوء ومازالت توليه ظهرها وقالت بحزن :
_ يهمك أمري! روح لابوك حبيبك !
قال أمجد بتوتر:
_هو حبيبي فعلاً على الأقل متخلاش عني!
التفتت له فيروز وقالت بضيق :
_ متخلاش عنك إنت واعي للي بتقوله ده ده بعتك أمريكا وحطك في مدرسة داخليه ولا كان بيروحلك اصلا وتقولي متخلاش عنك !
فتح أمجد فمه بنية الحديث و لم يعرف بما يجيبها فكلامها صحيح :
_ بس …….
قاطعته سريعًا وهي تقول بصوت مختنق من فرط انفعالها:
_مش لاقي حجه تقولها أمجد سيبني في حالي روح لحبيب قلبك بس أعرف كل إللي بيحصل وهيحصل من ورى الملاك بتاعك !
ثم تركته ورحلت ، توتر أمجد كثيرًا من حدتها وانفعالها عليه بهذه الطريقة هل يعقل أن يكون كلامها عن والده صحيح ..؟
وضع حيرته على جنبٍ الآن وليرى والده ويعلم منه الحقيقة ، نعم والده برئ لم يفعل أي شيء ، مسكين هكذا أقنع نفسه.
__________________________
كانت تراقبه وهو يعمل وبسمة لطيفة تعتلي ثغرها كان يبدو مثل طاهٍ محترف راقبته كيف يقلب السمك على المشواة بمهارة كما غزت الرائحة الزكية أنفها وأيضًا تلك الخلطة العجيبة التي قام بتتبيل السمك فيها رائحتها أكثر من رائعة فابتلعت لعابها بتوتر وهتفت بتلعثم:
_اتعلمت الخلطة دي منين ؟
ابتسم مراد بهدوء وهو يجيبها ولا يعلم لما شعر بالسعادة من محادثتها له وأنها تفتح معه بعض الأحاديث ، يبدو أنه كان في حاجه إلى تلك العزلة منذ زمن ، ابتسم أكثر وهو يتأملها بصفاء ، جالت صورتها على خاطره فجأةً عندما رآها أول مرة ، فتمتم مع نفسه :
_ زي زمان وجودك معايا بينسيني الدنيا ولو لبعض الوقت بس !
طال صمته فشعرت لميس بالإحراج ظنت أنه تجاهل حديثها ، فتنحنح مراد بصوت هادئ وقال :
_أنا عشت لوحدي فترة طويلة في أمريكا واتعرفت على ماتيلدا …
كانت تستمع له بإصغاءٍ تام واستمتاع بحديثه معها وبمجرد أن تفوه بذلك الإسم ، حتى تحول وجهها إلى الضيق ، رأى مراد ضيقها الذي بدى على وجهها من قطبة حاجبيها ، فتنحنح ثم قال بتوضيح ،بالطبع لم يخطرْ على باله أنها تغار عليه هذا أمر مستبعد ولكنه يعلم أنها ملتزمة جدًا وترفض أن يكون هناك علاقة صداقة أو أي مسمى بين النوعين الذكر و الأنثى لا يوجد سوى مسمى واحد واضح وصريح وقد بينه الله مسمى شرعي وهو رابط الزواج فقط كما أن الحلال بين والحرام بين ..
_ ماتيلدا دي كانت شغاله في مطعم سمك تحفه حرفيًا هي امريكيه بس أصولها من بلد تانيه ما علينا يعني هي علمتني الخلطة دي .
صمت مراد قليلًا ثم تابع ببراءة :
_هي إللي طلبت وأنا وافقت هتعجبك أوي أنا واثق !
رمقته لميس ببسمة متهكمة وهي تردف بضيق :
_ هنشوف !.
لم ترغب بالحديث معه عن صداقته مع تلك الفتاة لربما فهمها خطأ هذه المرة، مع أنها من داخلها تغلي وليس هناك سببٌ محدد لضيقها ذاك فهو كان يعيش في أمريكا حيث لا حياء ولا أخلاق ، ولا دين.
امتقعت ملامحها بمجرد تخيل تلك الحياة ، وأخذت تردد بداخلها بخضوع الحمد لله على نعمة الإسلام ، ومع ذلك فقد اختنقت من مجرد تخيل أن له صديقه غيرها ، الفكرة لا تروقها فهو كان ومازال صديقها الصدوق..
تنحنح مراد ثم قال :
_على فكرة ماتيلدا أسلمت وهي على اتصال بيا !
_ وأنا مالي يعني بتقولي ليه؟ وبعدين لما هي أسلمت بتتصل بيك ليه بقى ؟
ابتسم مراد بمشاكسه:
_ أعتبرها غيرة دي ؟
شهقت لميس باستنكار وهي تقول:
_نعم غيرة إيه دي واغير منها ليه وعلشانك إنت؟
ضم مراد مابين حاجبيه بتهكم وعينيه تنظران لها بغيظ شديد:
_ ليه مش جوزك وحقك تغاري؟! .
صمت قليلًا ثم تابع بسخرية :
_وإيه علشانك إنت إيه مش عاجبك على الفكرة البنات بتموت عليا أنا كنت خاربها في امريكا .
بالطبع إنه يمزح ولكنه راقه أن يرى ضيقها ذاك وإن أسنده تحت مسمى الغيرة رغم أنه يعلم أنها انزعجت لسبـبٍ بسيط وهو لأنها ملتزمة ….
تجاهلت لميس حديثه وقالت لكي تخفي توترها وضيقها من ما تفوه به:
_جوزي إيه أرجوك بلاش كلام في الموضوع ده كلها مسألة وقت بس وكل واحد هيروح في طريق مش كل شوية جوز….
ترك مراد تقليب المشواة واتجه إليها وأمسك بيديها يجذبها نحوه تحت تعجب لميس منه التي كانت تنظر إليه بصدمه وما إن لاحظت نظراته تلك أبعدت يده عنها بغضب إلا أن مراد لم يفلتها ثم طبع قبله بوجنتها بقوة طفيفة بعض الشيء وهو يبتسم ، مردفًا :
_دي علشان تعرفي أنا جوزك ولا لأ !
هتفت لميس بإنفعال:
_متعملش كده تاني لو سمحت !
_ يبقى بطلي تستفزيني !
تساقطت عبرة إنفلتت من عينيها ثم أولته ظهرها وخرجت مسرعة تركض للأعلى ..
ألقى مراد بالملعقة من يده وزفر بحنق شديد ، وجلس على إحدى المقاعد وأغمض عينيه ، وصدرت أصوات مشاحنات بين قلبه وعقله أخذ العقل يلقي بـأسألـته المتتالية والمنفعله ، لما تنزعج عندما تقول أنك لست زوجها أتخدع نفسك هي تقول الحقيقة أم أنك تنكر ذلك ؟ هل ترى في إمكانك الاستمرار في تلك العلاقة؟ .
بينما على الجهة الأخرى صرخ القلب وهو يرمي بإجاباته ، انزعج لأنها تعني لي الكثير وإن كنت أبغض هذا الشعور ، أما في الاستمرارية فأنا أعاني الحدين معًا في بعض الأحيان أرفض وبشدة وفي أحيانًا أخرى أجد نفسي أتمسك بها ،هل تفهم شيء ؟
_ آه يا لميس مش عارف أنا من بين كل الناس اتعلق بيك أنتِ …يارب أبعدها عني أنا مش قادر ولا انفعها …! .
____________________________
وبأعلى السفينة :
كانت تجلس وهي تضم ركبتيها وتمسح بيدها على خدها بقوة تزيل أثر قبلته ، أخذت تبكي بشدة لا تريده أن يقترب منها مُطلقًا تخشى أن تتعلق به أو لنكن دقيقين في الوصف هي بالفعل متعلقة به منذ زمن ، والآن قلبها هذه الفترة في حالة عدم إتزان ، مشاعرٌ مُتداخلة بدأت في الإختلاط عليها مشاعر لم تجربها من قبل وآهٍ من تلك المشاعر .
همست في داخلها برجاءٍ وهي تقول بدموع بينما تردد داخلها بصمتٍ :
_يا إلهي لا تعلقني به ! ..
فجأة أضحت الأمور غير واضحة بالنسبة لها لما الآن تجرب هذه المشاعر لما يخفق قلبها للشخص الخطأ للنار نعم قلبها يتجه بقدميه للنار ، مع الأسف بدأت أولى الشراراتِ بالتدفق في قلبها ، معقول هل ينبض قلبها بمشاعرٍ له ؟ هي تعلم أن ذلك مستحيل و أن الوداع قد أقترب ولا ترى أن هُـناك أمل في الاستمرار أي إستمرار صعب .
كيف يستمر زواجهم في وسط تلك النيران المشتعلة؟ بالأحرى كيف يمكن أن ينمو حبٌ بين تلك النيران ألن تلتهم تلك النيران قلوبهم وتطغى على شرارة الحب في بدايتها فتمحي أثرها من الوجود ، أخذ يردد عقلها ، لا فائدة لا فائدة لذا علينا الإبتعاد قبل أن نندم في وقتٍ لا يُـسعفنا فيه ندمنا!.
نظرت لميس للسماء قائلة :
_اللهم اقطع هذه العلائق من قلبي ولا تعلقني به يا رحمن يا رحيم دلني على الطريق الصحيح!
________________________
كان يقود سيارته عندما قطع عليه شروده إهتزاز الهاتف بجواره نظر للرقم باستغراب وكاد يرد توقف الرنين فجأة ، أوقف السيارة وأمسك هاتفه وكاد يعاود الإتصال عندما وجد فيروز تتصل به ، وضع الهاتف على أذنه يهتف بهدوء:
_ السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ! .
جـائـه صوتها تهتف بنبرة خافته كأن صوتها قد هرب منها ردت السلام وقالت له :
_ بقولك يا عمي أنا معرفتش أجيب أي حاجه انهاردة بس متقلقش هو دلوقت خلاني أرجع بيته وهناك أنا واثقه إني هلاقي حاجه !
زفر العم أحمد بإحباط:
_ مش مشكله أمجد فين دلوقت ؟
أجابته فيروز بنبرة متعبه :
_عنده قابلته وأنا خارجه من المستشفى !
_ مالك حاسس إنك تعبانه ؟
أدمعت عيني فيروز تقول بحزن :
_مش قادرة أستحمل نظرة الكُـره في عيون ابني ليا ! ولا أنا طايقه اللي إسمه جوزي ده !
هتف العم أحمد وهو يعقد حاجبيه أثناء نظره إلى شاشة هاتفه :
_فيروزة خليك معايا كده في رقم من الصبح بيرن عليا هرد عليه واكلمك!
قالت فيروز بدموع:
_خلاص اقفل يا عمي وأنا هكلم ماما!
_لأ متكلميهاش من الخط بتاعك كلميها من الخط اللي بتكلميني منه ليكون مراقبك!
_ حاضر !
ثم أغلقت معه واتجهت إلى المرحاض عافانا الله وإياكم .
_____________________
بينما عند العم أحمد فتح الخط والتوتر بلغ منه ما بلغ مرت ثوانٍ قبل أن يسمع أحدهم يهتف بهدوء
_ ……….
فتح العم أحمد عينيه بصدمة :
_ أنت فين طيب ؟
_ …………
تنهد العم أحمد براحه وهو يتنفس الهواء بسعادة يقول :
_ تمام عارفه المكان ده ! مسافة الطريق واكون عندك متأكد إنك عارف !
_ ……..
_ لأ متقلقش هكون لوحدي سلام عليكم !
أغلق معه وابتسامه كبيرة اعتلت وجهه ثم تمتم بداخله :
_ الحمدلله !
وضع هاتفه في تابلوه سيارته ثم انطلق مُـسرعًا وهو يدعو أن تجني تلك المكالمة ثمارها ، كما بثت في داخله الأمل في إنتهاء هذا الكابوس …!
________________________
كان يستمع لحديثه بإصغاءٍ ثم صاح وهو يقف مستنكرًا وهو يقول بصوت مرتفع نسبيًا وبنبرة حادة
_إزاي يا بابا تصدق إنها ماتت ؟ لأ وبعدين إللي بتقوله ده مش مقنع يعني إيه مش عارف مين إللي عملها ؟
توتر عز من هجوم ولده وأيضًا يبدو غير مقتنع بما يقوله له ، أخذ أمجد يقارن ما قصته والدته له وبين حديث والده الذي لا يصدقه طفل في السادسة من عمره ، استفاق على صوت أبيه يردف بنبرة متهكمه:
_ هو ده إللي حصل ؟ عايز تصدق أنت حر وسيبني بقى علشان أنا مريض وأنت عليت الضغط عندي !
_ تمام أنا ماشي دلوقت بس كلامنا ما انتهاش !
________________________
كان يقف خلفها بتوتر بينما هي تجلس وهي مخفضة الرأس وتضم ركبتيها ، اقترب منها بتوتر وهتف بنبرة صوت هادئة:
_هتفضلي قاعدة كده ؟ طب أنا جهزت السفرة يلا مش هتاكلي !
بقت محدقة بالبحر ولم تجب عليه، تنهد مراد بضيق ثم جلس بجوارها فتمتمت باحتجاج :
_المكان واسع مش عارفه أنت ليه …
قاطعها سريعًا وهو يقول
_ وأنا عاجبني المكان هنا !
تحاشت النظر لعينيه وهتفت بضيق :
_طيب وأنا سيبهالك مخضره عن إذنك !
أنهت حديثها ثم نهضت وما كادت تخطو خطوة حتى أمسك مراد بيدها فالتفتت له مستفهمة ، فتابع مراد بهدوء :
_ رايحه فين ؟
أجابته لميس بتهكم:
_ في داهية !
ضغط مراد على يدها بقوة فتأوهت بصمت وإرتسمت على ملامحها علامات الضيق الشديد ، ثم شعرت برغبة مُـلحة في التقيؤ ، جذبت يدها من يده بقوة واتجهت سريعًا إلى الأسفل صوب المرحاض _ عافانا الله وإياكم _ وأغلقت الباب خلفها .
نهض مراد وذهب ورائها وهو قلق عليها ، ثم انتظرها حتى خرجت كانت ملامحها مجهدة ووجهها مصفرٌ وعلامات الإعياء واضحة عليها .
_ أنتِ كويسه ؟
ردت عليه بتهكم:
_ وده يهمك أنا قولتلك مبحبش البحر وأنت مُـصر تقعدني هنا وأنا معدتي قلبت ها اديني قولتلك هتعمل إيه ؟!
أردف مراد وهو يتنهد :
_ هنرجع بس بعد يومين معلش استحملي .
ثم شرد مراد قليلًا ..
عودة إلى الوراء
كان مراد يتحدث بالهاتف مع أحدهم :
_ إنت متأكد يا رامي ؟
أجابه رامي بضيق:
_ أيوة متأكد شوفتهم بعيني في تركيا
لازم تخبي لميس الفترة دي لحد ما ابلغك إنهم مشوا !
شد مراد على شعره بغضب:
_ أمال الزفت مقاليش ليه؟ ليلته فُل معايا بس يصبر!
_ هو مش معاهم على فكرة يظهر معاقب المهم يا سيدي اديني قولتلك !
قال مراد بغضب وهو ينظر إلى البحر :
_تمام أنا هتصرف مستني تلفونك سلام !
فاق من شروده على صوتها المتعب:
_أنا خلاص مش قادرة استحمل دوار البحر ..
مد مراد يده وأمسك بوجهها فابتعدت للخلف بزعر ، نظر مراد لفعلتها باستنكار ولا يدري لما شعر بالحزن تمتمت لميس بتوتر:
_ أنا…
قال مراد وهو يبتسم بحزن:
_متخافيش أنا مش هعملك حاجه تاني !
_ أنا هادخل أصلي الظهر !
أومأ مراد بهدوء ثم أردف ببسمة صغيرة:
_طيب تمام عارفه اتجاه القبله بقى ولا لأ ..
حركت لميس رأسها بالنفي وهي تجاوبه بتوتر:
_مش عارفه ، أنت عارف ؟
هز مراد كتفيه دلالة على أنه لا يعلم ، اطرقت لميس رأسها للأرض بشرود وهي تفكر فقاطع أفكارها مراد وهو يسألها :
_طيب وهتعملي إيه؟
طالعته لميس بشرود وهي تقول :
_ المفروض أصلي على حسب اجتهادي في السؤال عليها بس بما إن مفيش غير حضرتك هنا زائد إنك مش عارف واحنا في وسط البحر فأنا هصلي على حسب اجتهادي ونيتي لجهة معينة ولا إعادة عليَّ ! .
_ اختلف الفقهاء في تلك المسألة وقال بعضهم : أن من اشتبهت عليه القبلة ولم يجد من يسأله – أي عن اتجاه القبلة – اجتهد وصلى ولا إعادة عليه؛ لأنه مأمور بفعل ما غلب عليه ظنه وقت الفعل وصلاته صحيحة في هذا الوقت، والله أعلم _
أومأ مراد لها واتجه إلى غرفته توضئ هو الآخر واتجه إلى غرفتها طرق الباب طرقات خفيفة ،وبعد لحظات سمعها تهتف له بالدخول
_ صليتي ولا لسه؟
_ لأ لسه، ليه؟
قال مراد مبتسمًا :
_هنصلي جماعة !
_ ماشي !
فرش مراد المصلى ووقف أمامها وشرع في الصلاة وهو يأمها في الصلاة بخشوع ، في البداية لم تستطع التركيز في الصلاة ، فطلبت منه أن يتوقف ثم زجرت نفسها واستعاذت بالله من الشيطان ثلاثًا ونفثت عن يسارها ثلاثا ثم انتبهت للصلاة وصلّت خلفه بخشوعٍ ، انتهوا من الصلاة فهتفت لميس بهدوء :
_ إحنا هنطول هنا أنا مش معايا هدوم ؟
_أيوة احتمال نطول معلش استحملي زائد لو فتحتي الدولاب ده هتلاقي هدوم ليك وياريت تفكي الخمار ده أنا مش غريب يعني !
أومأت برأسها وتجاهلت باقي حديثه أتجه مراد نحو باب الغرفة وقبل أن يذهب قال :
_ غيري وتعالي علشان تأكلي وياريت متعانديش مستنيكِ برة !
__________________
كان يقود سيارته وهو يتلفت في الأرجاء بحثا عن ذلك المكان ، زفر بضيق وهو يضرب على مقود السيارة بتوتر :
_ إيه المنفى ده؟!
أنهى حديثه وهو يمعن النظر في الطريق بحثًا عن أي علامة تدله أين هو الآن ؟ .
عندما وجد هاتفه يومض بضوءٍ خافت ثم يعاود الكرة مرة أخرى تنبه العم أحمد عليه وامسكه بعد أن أوقف سيارته لبضع دقائق ثم فتح الخط ووضع الهاتف على أذنه:
_ أيوة يا فيروز !
جائه صوت فيروز المتوتر:
_عمي أنا لقيت ملف قديم معرفش هيفيدك ولا لأ؟
_ إيه هو ملف إيه ده؟
قالت فيروز بقلق:
_ملف فيه صور لوالدة مراد ورسايل كان كاتبها ليها بس يظهر موصلتلهاش!
_ طيب يا فيروز صوري الملف ده ورجعيه مكانه علشان أنا في مشوار دلوقت اكلمك بعدين خودي بالك من نفسك يلا سلام عليكم!
أغلق معها ثم أشغل محرك السيارة واتجه إلى وجهته ظل يسير حتى لمح من بعيد ما يشبه الكوخ ، أوقف سيارته ونظر حوله بريبه المكان يكاد يكون خالي من العمار ، المنطقة هادئة هدوء يبعث الزعر في الأوصال .
_استر يا رب بسم الله توكلت على الله اللهم أنت حسبي !
أخذ يسرع الخطى حتى وصل إلى ذلك الكوخ ثم دق الجرس دقائق وظهر من خلف الباب آخر من توقع رؤيته …
_ سعيد !
هتف المدعو بـ سعيد بحزن شديد:
_حضرة العقيد !
قال العم أحمد وهو ينظر إلى سعيد بعدم تصديق :
_انت عايش ده أنا كنت بدأت أفقد الأمل في وجودك يا راجل !
_ طيب تعالى ادخل أنا إللي كلمتك النهاردة متعرفش أنا تعبت قد إيه علشان أقدر أوصل لرقمك بقالي سنيين بدور عليك !
تمتم العم أحمد بسخرية:
_ القلوب عند بعضها!
تنحى المحامي سعيد وسمح له بالدخول ، فقال العم أحمد بهدوء:
_ أنا عارف إنك كنت شريكه في كل حاجه ..
_ أيوة كنت شريك الزفت عز في كل أعماله الوسـ..
_ يعني لو استدعيتك في المحكمة هتشهد وتعترف عليه إنه نصب على محمد الألفي وكمان لفقله قضايا باطلة وكمان هو إللي اتهجم على بيت محمد الله يرحمه والباقي أنت عارفه ، ده السبب إللي خلاك تكلمني شكلك ندمان لو ندمان بجد وكنت بدور عليا يبقى تثبت لي صدق كلامك!
أدمعت عيون سعيد وهو يقول بحزن :
_لا أنت مش هتستَدعيني لحاجه أنا هديك إللي يوديه في داهيه لحبل المشنقة علي طول ولو لزم الأمر هشهد بس إسمعني أنا عندي طلب واحد بس وهقولك علي كل حاجه وممكن أشهد كمان !
_ طلب إيه؟
سقطت دموعه وهو يردف بنبرة ضعيفة :
_ بنتي عايزك تلاقيلي بنتي هو أخدها مني عشان يخرسني بنتي كانت هتبقى محاميه زيي كانت يدوب خلصت الثانوية وداخله أولى كلية حقوق و مش عارف أخدها فين .
صمت قليلًا ثم أخرج صورة من جيب سُترتهِ واعطاها له ، فقال العم أحمد بهدوء وهو ينظر للصورة بتفحص :
_ متقلقش هنلاقيها وهدورلك عليها بس أرجوك ساعدني !
_ هساعدك علشان أريح ضميري !
_ خطف بنتك من ايمتى؟
رد عليه سعيد وهو يمسح دموعه :
_ من ست سنيين هي دلوقت ماشية في ال25 أنا نفسي أشوفها قبل ما أموت !
_ متقلقش هنلاقيها !
تبدلت تعابير وجه سعيد وأردف بنبرة هادئة:
_ أنا عرفت إن بنته اتخطفت فعلاً ربك يمهل ولا يهمل وكما تدين تدان !
سأله العم أحمد بهدوء:
_ وأنت عرفت منين ؟ وأنت في المنفى ده ؟
أجابه سعيد بهدوء :
_لأنه جالي هنا بنفسه وسألني عن إبن محمد الألفي ..وقتها عرفت إن الولد إللي كان عايز يخلص عليه كبر ورجع ينتقم لأبوه وعيلته !
_طيب ولما سألك عن إبن محمد
قولتله إيه؟
قال سعيد بتهكم وهو يتذكر لقاؤه مع عز :
_قولتله إني معرفش ومقابلتوش ولا شوفته وكمان أنا معرفش شكله أصلا وقولتله أنت حابسني هنا هخرج أروح فين مبقاش ليا حد مراتي من بعد ما عرفت بشغلي الوسـ … معاه وإن بنتي أخدها مني سابتني وراحت لأهلها في الصعيد وأنا سابني هنا في المنفى إللي انت شايفه ده !
_ أها!
نهض سعيد فجأة واتجه إلى غرفة رتيبة غاب لبضع دقائق ثم عاد وقال وهو يمد يده بشيء ما:
_ دي عليها أبشع شيء عمله في حياته وزودت عليها بعض الملفات من شغله في المافيا دي هتجبلك خبره ويبقى على رأي إللي بيقولوا …go to heal !!
توسعت عيون العم أحمد بصدمة :
_ أنت قصدك …
_____________________
كانت تجلس شاردة الذهن عينيها تبكيان بلا شعور منها كلما تذكرت ما فعله وما شعرت به وذاك الأحمق في صدرها الذي بدأ بالخفقان بقوة ويرغب بالمزيد من قُربه ثم فجأةً اشتغلت في المذياع أغنية تركية حزينة بلا موسيقى فقد كلمات ، تفاجأت لميس بها ثم بتردد خرجت من غرفتها واتجهت إلى السطح فبعد أن تناولوا الفطور الذي أتى في موعد الغداء أيضًا ، دلفت إلى غرفتها ولم تخرج منها .
كان مراد شارد الذهن يجلس على حافة الباخرة يضع قدميه في الماء ولم ينتبه على خروجها ، كان عقله شارد مع كلمات الأغنية …
Kalbim söyle ne oldu bize
«قل لي يا قلبي ماذا حدث لنا »
Nasıl ihanet etti sözumüze
«كيف خُنا الوعد الذي قطعناه»
Ah kalbim sevmek iyi gelmez bize
« آه يا قلبي الحب لا يريدنا»
Biraz çeksek bile çıkarız düze
«ولو استمرينا قليلا سنتجاوز ذلك»
Onu bir daha görmeyi inan istemezsin
« صدقني لن تريد رؤيته مرة أخرى »
Sana da acı verir bu son halleri
« وأنت أيضًا ستتألم من آخر ما حدث لي»
Bilirim sen de benim kadar kolay selimezsin
« أعلم أنت أيضاً لا تستطيع مسحه بسهولة »
هتفت لميس بتوتر :
_ مراد ! هتبرد كده ..قوم انت قاعد كدا ليه اصلا ؟!
Ama şimdi başka renkate bakiyor gözlerin
«ولكن عيناك الآن تنظران بألوان مختلفة »
لم يرد عليها بقى يحدق في البحر أو هكذا اعتقدت حيث كان يجلس وهو يوليها ظهره فلم ترى وجهه.
Ağla kalbim ağla
«ابكي يا قلبي ابكي»
Sen ağla kalbim ağla
«ابكي يا قلبي ابكي»
Sus ssein duyulmasin ľçinden ağla
«اصمت لكي لا يسمع أحد صوتك وأبكي من داخلك»
اقتربت منه بهدوء وقامت بإطفاء المذياع بتهكم وهي تقول بضيق :
_على فكرة بكلمك ! المفروض ترد من باب الزوق !
وأيضًا بلا رد ، اقتربت منه أكثر بخوف شديد فهي منذ مجيئها معه لم تقترب من الحافة أبدًا حتى عندما حاولت أن تصطاد السمك معه هذا الصباح فضلت أن تكون على مسافة آمنه من الحافة حتى لا تصاب بالدوار ، أخذت تسير ببطء شديد وهي تنظر للحافة برعب ونبضات قلبها تدق بقوة
_على فكرة كده أنت بتخوفني مراد مراد …
شهقة صدرت منها وهي تراه يسند رأسه على سياج الباخرة وعينيه مغمضتان ، وفجأة اهتزت الباخرة فانزلق جسده ليستقر في البحر …

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية حب بين نارين)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *