روايات

رواية سمال الحب الفصل العشرون 20 بقلم مريم محمد غريب

رواية سمال الحب الفصل العشرون 20 بقلم مريم محمد غريب

رواية سمال الحب البارت العشرون

رواية سمال الحب الجزء العشرون

رواية سمال الحب كاملة (جميع فصول الرواية) بقلم مريم محمد غريب
رواية سمال الحب كاملة (جميع فصول الرواية) بقلم مريم محمد غريب

رواية سمال الحب الحلقة العشرون

#سمال_الحب
#وقبل_أن_تبصر_عيناكِ ج٢ _ الفصل ( ٦٤ ) :
_ و لكنّي أحببتك ! _ “١”
أمام قبر الفقيد، الأقرب و الأحب إلى قلبه رغم جرائره و آفاته النفسية المعقدة، لم يُخيّل له أبدًا أن يأتي هذا اليوم، الذي يقف فيه أمام قبره، فقد توقع أن الأبناء هم الذين يدفنون أبائهم
و ليس العكس …
-أباه !
أتى ابنه الأوسط، بينما كان يجلس فوق كرسي خشبي يسقى بيده العشب و الصبّار المتراص حول مقبرة البِكر الراحل …
-قول ! .. نطق “رضوان السويفي” بفتورٍ و دون ان يلتفت له
إنبلجت ابتسامة متشفّية على وجه المدعو “حسين” و هو يبشّره شامتًا :
-مش هاتصدق الخبر ده. سالم الجزار… مات يابا !
توقف “رضوان” للحظة، ثم أدار وجهه إليه و سأله مباشرةً :
-حد منكوا إللي عملها ؟
هز “حسين” رأسه أن لا و قال :
-كل إللي عرفته إنه وقع و مات في فرشته.. بس إيه المهم يعني. أهم حاجة إنه طب و غار في داهية
اتقدت عينا “رضوان” فجأة إلى حد أرهب ابنه و رد منفعلًا و هو يضرب بقبضته فوق فخذه :
-طالما أجله ماجاش على إيدي و لا إيد واحد من عيالي يبقى لسا بيعملوا علينا. من اللحظة دي مش هاسمح لنفر من الجزارين يموت موتّه المكتوباله. مافيش نقطة دم هاتنزل منهم غير بسلاحي أنا. سامعني ؟ نهايتهم على إيدي أنا.. أنا رضوان السويفي !!!
اومأ “حسين” و قال يوافقه بلا أدنى شك :
-هايحصل يابا.. هايحصل !
_______________
ألـف عيــارٍ نــاري
تم إطلاقهم من الأسلحة على مختلف أنواعها، إلى سماء “حي الجزارين” حدادًا و كمدًا على كبيرهم، منذ إعلان الخبر قبل بضعة سويعات و الجميع في حالة من الانكار و الجنون
من الصغير إلى الكبير، و في ساعتها حضر كبار الشيوخ و زعماء القار قاطبةً، و صار الحي فجأة مكتظًا بالوافدين من كل حدبٍ و صوب، جميعهم جاءوا لتأدية واجب العزاء و السير بجنازة “سالم الجزار”.. متى تخرج الجنازة ؟
لقد أدلى ولي العهد بألن يخرج جثمان أبيه من بيته في جنح الليل، إنما سيكون موعدهم الصبح، تمامًا كما حدث مع أخته الراحلة قبل أشهر
و ما أكثر أحزانهم أتراحهم مؤخرًا.. ما أكثرها …
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
لم يسمح لأحد، فقط هو.. “رزق الجزار” الذي اطَّلع على سوءة أبيه
هو لا غيره الذي بقى معه بغرفة النوم و حمله على خشبة الغُسل و غسَّله بيديه، ثم كفّنه و وضعه بالفراش لا يكشف سوى عن وجهه النائم الشاحب و قد خلا من الاحمرار الذي كان عادةً ما يسبغ على وجنتيه في جميع الأوقات
الآن
أبيه هو مجرد جثة
جثة هامدة
هكذا فجأة و ببساطة… سقط الجبار !!!
كان “رزق” يجلس في هذه اللحظة في كرسي بجوار رأس أبيه، مطرقًا مصدومًا و تائهًا، و إذ سمع بغتةً صياح الرجال بالخارج، و قد ميّز من بينهم صوت “مصطفى” الصارخ و الذي بيّد بأنه خرج من جحره أخيرًا :
-أبوياااااااااااااا.. اوعوااااا من قدامي. لازم أشوفه. لازم أشوف أبوياااا.. يابااااااااااااااااااااااأااااااا. سامحني ياباااااااااااااااااااا. سامحني …
و ظل يرددها مرارًا و تكرارًا و هو يقاوم أذرع الرجال، بينما صوت “النشار” ينهاهُ بصرامة :
-انت كنت واقف ساعة ما أبوك وصّى يا مصطفى. لا هاتدخل على غسله و لا هاتمشي في جنازته.. إنتهى !
تطلب الوضع بعض الوقت حتى هدأت الأصوات في الخارج قليلًا، و لم يعد هناك أوضح و أنقى من صوت المقرئ الشجي الذي راح يتلو ما تيسر من سورة “القيامة” :
“لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ *وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ *يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ * لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ…”
حالة متضاربة من الخشوع و الضعف و اليتم و الخوف.. كلها ألمّت به
كلمات الذكر الحكيم على قدر بلاغتها و وعظها، لكنها رسمت أمام عينيه مصيرًا محتمل لروح أبيه، صحيح أنه الآن بين يدي الله و تحت رحمته، إن شاء عذّبه على ذنوبه و إن شاء رحمه
كم هو فزعًا لأجله، لا يعرف هل حتى تاب قبل موته أم لا، و إن لم يتب فكيف إذن وفقّه الله لنطق الشهادتين !
اصابته رجفة مفاجئة تزامنًا مع رفعه لرأسه حتى ينظر أخيرًا في وجه أبيه، لم يعد يتحمل أكثر الصمود أكثر من ذلك، و انهار باكيًا كالأطفال و هو يرتمي فوق صدر “سالم” محتضنًا إيّاه بقوةٍ …
-بابا !
إنه الآن “رزق” الآخر، إنه “رزق” الولد، ابن “كاميليا” و حفيد الباشا، الصبي الرقيق النبيل، يتحدث بلسانه و يتصرف بأخلاقه …
-بابا. أنا عارف انك سامعني. بابا.. أنا بحبك. بحبك دايمًا و لآخر يوم في عمري. أنا عمري ما كرهتك. أي كلمة قولتها بيّنت لك كده مش حقيقة. انت مهما عملت فيها و فيا عمري ما كرهتك. انا عارف انك حبيتها و حبتني. عارف انك ماحبتش غيرنا.. و انا كمان. و الله و انا كمان.. انا مسامحك في حقي. مسامحك يا بابا. مسامحك …
و غصت الكلمات بحلقه مانعةً إيّاه عن التحدث أكثر؛
و بعد ثوانٍ إلتقطت أذنه صوت قرعٍ على الباب، ما لم يمنعه و هو يزمجر بصوته ذي النبرة الباكية :
-قلت محدش يخطي الناحية دي الا الصبح. مش عاوز أشوف حد هنا.. الكل يمشي !!
لكنه بدل أن يلقى اذعانًا لأمره، سمع القفل ينفتح، يعقبه صوت اغلاق الباب و دخول أحدهم
لم يتزحزح من مكانه، ليُفاجأ بذراعيّ طريين، ثم تعرف فورًا على رائحة زوجته، حبيبته، و ابنة عمه.. “ليلة الجزار” …
يعانق أبيه، بينما تنحني هي و تعانقه من الخلف، أحست بتصلّبه و تشنجاته تحت لمساتها، مهدت طريقًا لمواساتها قائلة بصوتها الخفيض الرقيق :
-النشار وصل من شوية. أنا قبلها لما كلمته و بلغته الخبر وصيته مايجبش سيرة لنور على الأقل دلوقتي.. انا عارفة انك مش مركز. بس ماتقلقش. انا هنا جمبك يا حبيبي ..
و طبعت قبلة مطوّلة على رقبته تبث فيها قوة و حنان يربط على قلبه المكلوم، لكن ما فعلته ضاعف مشاعره الحزينة أكثر، فلم يشعر بنفسه إلا و هو يجهش ببكاءٍ جديد مطلقًا العنان لنفسه أكثر بين ذراعيها …
-أبويا ! .. غمغم “رزق” متأوهًا بمرارةٍ
-أبويا يا ليلة.. أبويا …
أخذت تهدئه مشددة عناقها من حوله :
-إشششششش. إهدا حبيبي. إهدا.. أنا هنا. أنا جمبك.. حبيبي

يتبع ….

 

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *