روايات

رواية في حي الزمالك الفصل الأول 1 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل الأول 1 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت الأول

رواية في حي الزمالك الجزء الأول

رواية في حي الزمالك الحلقة الأولى

دَاخِلُ زُقَاقِ مُظْلِمِ 🦋✨

في شارع من شوارع أحدى أرقى الأحياء في مصر والأكثرهم هدوءاً.. حي الزمالك، تسير هي وحيدة ليلاً بينما تُدندن بلحن أغنية ما للست “أم كلثوم” وهي تُضيف بضع كلمات من رأسها تُماشي اللحن كونها لا تستطيع حفظ كلمات الأغاني.

تمر من جانب شارع جانبي مُظلم، تسمع صوت آنين شخص يتآلم قادم من مكاناً ما فتلتفت حولها بحثاً عن مصدر الصوت.

في أحد الأزقة المُظلمة يقف شاب كما يُطلق على أمثاله ‘شمام’ وقد قام بدفع شاباً آخر نحو الحائط بقوة وهو يضغط على قفصه الصدري، على الأغلب هو يحاول سرقته فلا يبدو الأمر كشجار قط.

وقفت تراقب المشهد لثوانٍ لتجد أن الشاب الآخر ‘المتثبت’ يخلع ساعته وعلى وشك إخراج حافظة نقوده ومنح كل ما تحويه لذلك الشاب السارق، قلبت عيناها بتملل.. ذلك الأحمق الجبان، يمكنه بحركة واحدة أن يطرح السارق ارضاً لكن يبدو عليه الخوف بالرغم من أن فرصتة لا بأس بها..

 

حسناً لنكن واقعياً السارق يحمل سكيناً لكنه بنصف وعي فهو يترنح أثناء وقوفه وكذلك هو قصير القامة هزيل البنية أما الآخر فذو بنية قوية فبضربة رأس واحدة يمكن أن يُفقده الوعي.

قلبت عيناها بتملل وهي تنظر إلى المشهد ثم اتخذت قرارها، لطالما نصحتها والدتها مراراً بعدم التهور وعدم الإنخراط فيما لا يخصها لكن الأمر يختلف هنا فهذه حالة إنسانية في نهاية الأمر!

أقتربت بخطى بطيئة تحاول ألا تُصدر أي صوت حتى وقفت خلف الفتى تماماً.

“بست.. كابتن.” أصدرت صوتاً بفمها لتلفت انتباهه وبمجرد أن أدر وجهه لينظر إليه شكلت يدها اليسرى على شكل قبضة وقامت بلكمة بأقصى قوتها مستهدفة منطقة ‘الصدغ’ .. لم تمنحه هي وقتاً كافياً لإصدار أي ردة فعل فبسبب لكمتها تلك سقط أرضاً فاقداً للوعي على الأغلب، وقف الشاب الآخر يحدق بها في فزع وذهول لتُعلق في سخرية:

“أنت لسه هتنح، يلا نجري بسرعة قبل ما يفوق.”

لم يُحرك ساكناً بل وقف يحاول رؤية ملامح وجهها على إضاءة مصباح ضعيف بالكاد يعمل مُسبباً صوت شرار كهربائي بين الحين والآخر.

“براحتك، لو فاق هيعمل منك كفتة.. اه متنساش ساعتك.” علقت بسخرية وهي تتحرك مُبتعدة عنه، يفيق من شروده ويأخذ ساعته ويلحق بها.

“يا آنسة.. ثواني بس.. يا اسمك ايه..” صدح صوته في المكان بينما تجاهلت هي ندائه حتى وصلوا إلى منطقة مُضيئة وشارع به بعض المارة.

“أفندم، حد ثبتك تاني؟”

“أيه ثبتني ديه؟ أسمها حاول يسرقني يا آنسة.”

“اه أنت موقفني ومعطلني عشان تراجع قاموسي اللغوي.”

“أوف ثواني ثواني أديني فرصة أتكلم! أنا كنت عايز أشكرك على موقف الرجولة اللي عملتيه من شوية..”

“كويس أنك عارف أنه موقف رجولة، على العموم عفواً.” أردفت ثم استدارت لتُكمل طريقها دون انتظار رداً منه.

“هي قالتلي كده بجد؟” سأل نفسه بإستنكار وحنق، هل حقاً شككت في رجولته لأنه كان في موقف ضعف!

 

استرد وعيه من نوبة الغيظ وتذكر أنه ترك السيارة في أمام المقهى حيث كان يجلس لذا سيتوجب عليه السير لمسافة عشرة دقائق تقريباً، وسيضطر إلى المرور بتلك المنطقة المظلمة حيث تمت محاولة سرقته وهو لا يريد أن يمر بذات التجربة بالإضافة إلا أنه إذا صادف ذلك السارق بعد أن استرد وعيه فسوف يسرقة ويبرحه ضرباً جزاءاً لما فعلته تلك الفتاة.

“هطلب أوبر وخلاص.” تحدث إلى نفسه وهو يفتح هاتفه ويطلب سيارة لتقوم بإيصاله حتى سيارته، ياله من تبذير!

وصل إلى سيارته بالفعل ليقودها إلى منزله وهو يدعو الله طوال الطريق أن تنسى تلك الفتاة ما حدث اليوم وأن يُمحى ذلك اليوم من ذاكرة كليهما.

أما عنها فأخذت تسير لمسافة خمسة عشرة دقيقة حتى استطاعت إلى مكان يمر منه سيارات أجرى ‘ميكروباصات’ كي يوصلها أحدهم إلى منزلها الذي ليس ببعيد.

توقف ‘الميكروباص’ أمام منطقة تُعد من المناطق المتوسطة أو الشعبية على مقربة من حي الزمالك، تُغادر العربة لتسير مسافة صغيرة إلى منزلها.. تنظر في ساعة هاتفها فتجدها التاسعة ودون تفكير للحظة واحدة تركض بأقصى سرعة نحو المنزل.

تصعد على السلم بهرولة حتى تصل إلى الطابق خاصتهم، تتصل على شقيقتها لتُجيب الآخرى:

“أنتي فين يا ست أفنان الساعة بقت تسعة وخمسة.”

“بابا هنا؟”

“لا مش هنا ولو جيه وملاقكيش هيطين عيشتك.”

“طب بصي.. أفتحي الباب براحة عشان ماما متصحاش.. أنا عالسلم.” قامت شقيقتها بفتح الباب بهدوء وهي تُشير إليها بالدخول دون أن تتحدث.

توجهت أفنان مباشرة إلى غرفتها برفقة شقيقتها ميرال، تُلقي بحقيبتها وأغراضها بإهمال على السرير وتقوم بنزع حجابها الذي قد فسد بالفعل من أثر الركض.

“ايه التأخير ده كله يا هانم أنتي مش قايلة لبابا أنك هترجعي عالساعة ٨ أو بالكتير أوي ٨ ونص.”

“اه ياختي بس حصل حاجة في النص كده عطلتني.”

“خير إن شاء الله؟ أرغي.” جلست أفنان بحماس على السرير لتبدأ في سرد ما حدث بإستمتاع شديد فهي كانت لا تطيق الإنتظار حتى تعود إلى المنزل وتسرد لشقيقتها عملها البطولي.

“يلاهوي! أنتي مجنونة بجد!! افردي كان ثبتك انتي كمان ولا ضربك كنا هنعمل ساعتها؟!

“يا ستي الحمدلله جت سليمة ومحصلش حاجة.”

“عمرك ما هتعقلي! إلا قوليلي صحيح كان شكله ايه؟”

“الواد اللي ضربته؟ متشرد كده ومبهدل.”

 

“اللي واد اللي ضربتيه ايه؟! الولد اللي انقذتيه!!” اردفت شقيقتها بنفاذ صبر وبنبرة صوت عالية.

” ششش وطي صوتك لماما تصحى! وبعدين مركزتش بصراحة.”

“يعني ركزتي مع شكل الشمام ومركزتيش مع التاني!!!”

“ايوا، لأني مش المفروض ابص لولد وأفضل أبحلق فيه يعني.”

“ماشي ياختي، مش هتاكلي؟”

“كلت سندوتش بعد الجامعة مش جعانة.” قالت وهي ترتدي منامتها ثم أضافت :

“أنا هنام بقى، عندي سكشن ٨ ونص الصبح.”

في صباح اليوم التالي استيقظت متأخرة نصف ساعة كاملة على موعدها وبالرغم من أن المسافة للجامعة ليست ببعيدة إلا إنها قد تأخرت بالفعل!

ارتدت ثيابها دون تكبد عناء تنسيقها، فقد ارتدت وشاح على رأسها بُني اللون يُماشي لون عيناها وارتدت أول ثوب قد قابلها.. لا وقت لإختيار الملابس هنا، لم تحظى بالفطور أو بكوب قهوة يُنشط خلايا عقلها النائمة.. ركضت إلى خارج الشقة ثم شهقت وهي تقول :

“يلاهوي نسيت البالطو!!!” تركض مجدداً نحو الطابق خاصتهم وتطرق الباب بعنف فتفتح شقيقتها بفزع!

“في ايه؟”

“انتي لسه هتندهشي! عديني اتأخرت عالسكشن.”

دفعت شقيقتها بعيداً وأحضرت المعطف الطبي الأبيض خاصتها وهرولت نحو الخارج، بعد مرور بعضاً من الوقت خلال الركض والقفز داخل أحشاء ‘أتوبيس’ نقل عام ممتلء على آخره لكن لا وقت لإيجاد واحداً آخر، واخيراً تصل إلى وجهتها..

“كلية الصيدلة”

هرول نحو المبنى بينما تقفز متخطية درجات السُلم واخيراً تصل إلى معمل الكيمياء الحيوية، تطرق الباب بخفة وقد تمكن منها التوتر.. ستطرد بلا شك أو ربما ستسمع ما لا يسرها.. على الأغلب كليهما.

ترتدي المعطف الطبي خاصتها على عجلة وتُلقي نظرة على هاتفها لتجد أنها تأخرت خمسة عشرة دقيقة بالفعل، تطرق الباب مرتين قبل أن تفتحه سامحة لنفسها بالدخول لتُقابل عيناه البنية المُغلفة بنظرات طبية،خصلات شعر بنية ملفوفة قليلاً وبشرة بيضاء شاحبة قليلاً.. لقد كانت صفاته الشكلية قريبة من خاصتها.

“أنا بعتذر جداً يا دكتور عالتأخير…”

“الساعة كام معاكي يا دكتورة؟”

“تسعة إلا ربع.” اردفت بتوتر وهي تعبث في المعطف خاصتها.

“يعني حضرتك متأخرة خمستاشر دقيقة كاملة، ادخلك ازاي أنا دلوقتي؟”

“أنا بعتذر جداً يا دكتور.. الطريق كان زحمة.”

“الطريق كان زحمة تعملي حسابك وتنزلي من بدري!” وبخها بقسوة لتشعر بوجهه يشتعل من الحُمرة، لقد قام بإحراجها أمام ما يقرب من مئة وخمسين طالباً داخل المعمل.

“مش هتتكرر تاني يا دكتور.”

“لما نشوف.. اتفضلي يا دكتورة ومتتكررش تاني.” لم تُعلق على حديثه وذهبت لتجلس وحيدة في نهاية المعمل متجاهلة نظرات الشفقة والشماتة والسخرية.

مرت ساعة ونصف تقريباً أثناء الشرح النظري للجزء العملي، مُعادلات وشرح خطوات التجارب وما إلى ذلك.

“دلوقتي يا دكاترة هنبدأ الشغل العملي، كلكوا عارفين أرقامكوا فياريت كل واحد يقف في مكانه بكل هدوء.”

ألقى تعليماته ليُنفذ الجميع الأمر ولكن ليس بهدوء كما طلب منهم بالطبع، إنه لا يكره أي شيئاً في حياته أكثر من العشوائية والإزعاج ولقد تسببوا في كلاهما الآن.

“في أيه يا دكاترة هو أنا بدرس لكي چي؟! ما تكبروا شوية! وأنتي يا دكتورة سايبه البالطو مفتوح ليه؟ هو أنتي أول مرة تشرفي في معمل!!”

جفلت لثوانٍ من نبرة صوته العالية التي تسببت في إلقائه للأنبوبة التي في يدها فتنكسر، تُغلق المعطف خاصتها وتُشيح بنظرها بعيداً عنه وهي تعمل على تجميع بقايا الأنبوبة وتُلقيها في سلة المهملات.

حاولت تجاهلة تماماً طوال الوقت المقرر لهم داخل المعمل كما أنها حاولت الإلتزام بكل تعاليمه حتى لا تسمع المزيد من التوبيخ.

“دكتور دي الأرقام اللي طلعت معايا في المعايرة.”

 

قالت وهي تناوله الدفتر وقد كُتب فيه نتائج التجارب.

“تمام التجارب كلها مضبوطة.” أردف ثم وضع لها العلامات في الدفتر.

“اللي خلص التجارب وخد درجاتها وكتب اسمه في الغياب يقدر يمشي.”

إلهي كم كانت تنتظر هذه اللحظة على أحر من جمر، توجهت نحو الخارج وخلعت معطفها على الفور ثم أخذت تسير بأقصى سرعة مبتعدة عن أعين أصدقائها.

وقفت في الجهه الآخر المبني حيث يوجد المكان المخصص للسيارات والذي يكون خالياً من البشر عادة، هي تعلم أنه سيأتي إلى هنا ليقوم بوضع بعض الأوراق داخل سيارته لذا وقفت تنتظره وبمجرد أن رأته قادم أختبئت إلى جانب أحدى الأسوار حتى كان على بُعد بضع مترات منها.

“بقى أنا تهزقني التهزيق ده كله قدامهم فوق يالا!!”

صاحت بغضب وهي تضربه في صدره بواسطة حقيبة الظهر خاصتها!

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *