روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل التاسع و السبعون 79 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل التاسع و السبعون 79 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت التاسع و السبعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء التاسع و السبعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة التاسعة و السبعون

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
~.. كشف سر ورد..~
وردد الشبح الاسود اسم هز قلب ليلى بذعر:
_ ورد … ورد، رجعتلك يا ليلى … هدبحك أنتي وبنتك …
وهنا ظهر أمام ليلى اطياف من الذاكرة مرت أمامها كأصوات الرعد ! …. وصرخت بأعلى صوتها وهي تسد أذنيها بقوة …. وكاد أن ينقض عليها الشبح الأسود حتى ارتفعت أصوات الخطوات الراكضة واختفى الشبح الاسود الذي ما كان سوى تلك الخادمة المجهولة!.
ولحظات وكان وجيه بجانب ليلى يحاول أن يجعلها تستفيق من أغماءتها ولكن ليلى لم تستجيب ..!
وظهر الصبي نعناعة والذي أتى راكضا من غرفته إلى مصدر الصراخ وقال وهو يشير لليلى المحمولة على ذراعي زوجها بقلق :
_ مالها يا عم وجيه حصلها إيه ؟!

 

 

لم يجيبه وجيه على سؤاله بل قال سريعاً وهو يتجه لغرفته:
_ مافيش حاجة .. اغمى عليها وهتفوق بعد شوية ..
وعاد الصبي أدراجه متجهما وقلقا من ما حدث، وفي طريقه وجد المربية العجوز تخرج من غرفة الصغيرة ريميه ومرسوم على صفحة وجهها القلق والتوتر فسألها :
_ مالك يا خالة سعدية ؟!
اجابت السيدة بقلق ويديها ترتجفان:
_ البنات من وقت ما سمعوا الصراخ وهما خايفين وبالذات ريميه .. طلعت أشوف مين اللي صرخ ! ..
لم يفهم الصبي ما تقصده المربية بجمعها ” البنات” ..!، فما يعرفه أن هناك الصغيرة ريميه فقط فقال بتعجب:
_ بنات مين ؟!
ردت المربية وعينيها تبحثان يمينا ويسارا:
_ ريميه وأيسل ..
سأل الصبي بغرابة:
_ أيسل مين ؟!
انزعجت المربية من كثرة اسئلته فقالت بعصبية:
_ صاحبة ريميه ! ..
رد الصبي بسخرية وهو يبتسم :
_ إذا كان أني لحد دلوقتي ماليش صاحب يبقى ريميه الصغيرة دي بقى ليها صاحبة وأيسل كمان؟!.. والله عجايب يا ولاد!
وعلى إثر جملته الأخيرة ظهرت ايسل وأشارت له بتحذير غاضب:
_ أنت بتتكلم عليا !!
تجهم وجه الصبي وبحث حوله عن مصدر الصوت فلم يجده بمستوى طوله، حتى تلقى ركلة المته بساقه، والعجيب أن صاحبة الضربة أقصر من منتصف جسده! … فنظر لساقه متألما حتى أكتشف الفاعلة!، فزم شفتيه بغيظ وكاد يلفظ الشتائم حتى حذرته أيسل وهي تضع أصبعها على شفتيها بتحذير ليصمت وقالت:
_ ماتتكلمش خالص بقولك ! … اضرب وأنت ساكت ! ..

 

 

وشهقت المربية مما فعلته الصغيرة أيسل، حتى هتف الصبي بأيسل في عصبية شديدة:
_ عارفة لو مكنتيش بت كنت طبقتك يا شبر ونص أنتي وحدفتك من الشباك ! …
قالت المربية للصبي بقلق:
_ رجلك بتوجعك يا نعناعة؟!
كتمت أيسل ضحكتها ثم اخرجت له لسانها وقالت :
_ نوعناعة ..
كتمت المربية ضحكتها حتى هتف الصبي وقال بضيق :
_ بتضحكي عليا يا خالة! … وعشان الطبق دي؟!.
قالت أيسل بقوة وكأنها تنتقم منه:
_ أنا طبق يا لبان ؟! ..
كتم الصبي غيظه منها بالكاد حتى ركضت أيسل لداخل الغرفة مجددًا عندما سمعت صوت بكاء ريميه وتبعتها المربية للداخل لتطمئن الصغيرة الباكية .. وشعر الصبي بالفضول، فتحرك وجهة الباب المفتوح والقى نظرة للداخل حتى وجد أيسل تحتضن الصغيرة ريميه وتربت عليها بحنان فائق وكأنها تحولت عن ما كانت منذ قليل!.. فابتسم وهو يرى ذلك المشهد البريء.
قالت أيسل ببراءة لريميه الباكية وهي تحتضنها:
_ مافيش حد برا ما تخافيش يا ريمو … في ولد معفن بس كان برا وضربته …
توقفت ريميه عن البكاء واتسعت عيناها دهشة وقالت:
_ ولد مين ؟!
رحلت ابتسامة الصبي وحل محلها الغيظ مرةً أخرى، وأزداد الغيظ أكثر عندما قالت أيسل بتلقائية:
_ نوعناعة … والله اسمه كده.
وتبع ذلك ضحكات أيسل والذي بدورها جعلت ريميه تنسى البكاء وتضحك معها وتُشاركها الفكاهة!، فأغلق الصبي الباب تعبيرا عن الغيظ وك رد فعل لسخريتهما عليه، بينما الصغيرتان لا يدركا ما هي السخرية حتى !.
******
وبغرفة وجيه وليلـى …
اغلق وجيه الاتصال مع الطبيبة ” مروة” ثم وضع الهاتف جانبًا وعينيه على حبيبته التي تتمتم بكلمات متفرقة وبصوتٍ ضعيف جدّا بين غفوتها الضائعة هذه …
ربت على جانب وجهها برقة شديدة وناداها باسمها علها تستجيب وتفتح عينيها الحبيبتان:
_ ليلى … ليلى !

 

 

ولكنها كانت كمن عصبت عيناه ودفع بالظلام! .. تبحث في ظلامها عن مرفأ للخلاص! .. ودليلها هو احساسها الصادق للوجهة الصحيحة.
وانزلقت دمعة من عيناها المغمضتان وهي تتمتم ويبدو وكأنها تصارع شبح مخيف في حربها مع تلك الظلمة بعقلها، ضغط وجيه على أسنانه بضيق شديد .. كيف ينقذها من شيء لا يستطيع حتى رؤيته؟!
اقترب منها أكثر وهمس لها وليت صوته يصل لتلك البقعة العميقة من الظلمة:
_ أنا جانبك يا ليلى … فتحي عينك أرجوكي.
ولاحظ وجيه أنه رفعت يديها الاثنان فجأة وتشبثت بياقة قميصه وكأنها تستنجد به!، ويبدو أنه استطاع بتلك الكلمات البسيطة أن يصل لروحها الخائفة التائهة بفضاء ذلك الجسد ! ..
ومن قوة تمسكها به شعر أنه لابد أن يستجيب لنداءها العاجز، فدفن رأسه بعنقها متمتما اسمها وبعض الكلمات الهادئة والمؤكدة أنه سيظل هنا بالقرب …
حتى هدأت بالفعل وانخفضت رجفة جسدها بالتدريج وانتظمت أنفاسها وكأنها خلدت للنوم بالفعل!.
وبعد تقريبًا مرور ساعة من الزمن أتت الطبيية مروة مُسرعة إليها … وشرح وجيه الأمر ولم يدرك للآن أمر تلك الفتاة التي ارتدت الاسود متخفية وبدت كالاشباح المخيفة لكي تنتقم من ليلى… نظرت مروة لليلى بتمعن حتى وجدت أن ليلى ترتجف مرة أخرى وتنسكب دموعها كأنه تشكو بالصمت !.
قالت مروة لليلى بعد فحصها:
_ ليلى أنتي سمعاني ، فتحي عينك !
قال وجيه بحيرة:
_ هتسمعك أزاي وهي في الحالة دي ؟!
زمت مروة شفتيها واقتربت لليلى ثم قالت بصوت قوي:
_ قومي يا ليلى محدش هنا غيري أنا ودكتور وجيه وبس … مافيش أي حاجة تقدر تأذيكي.
دهش وجيه وشعر للحظة أنه يريد الصراخ بوجه الطبيبة ويحاول أن يقنعها أن ليلى في حالة تشبه الاغماء وليست واعية لما يحدث … ولكن صعق عندما فتحت ليلى عينيها المرتعبة الحمراء من البكاء وسحبت الغطاء عليها بحركة سريعة وهي تصرخ وتقول:
_ مش عايزة أشوف حد .. مش عايزة أشوف حد ..
زفرت مروة بضيق شديد وقالت بيأس:
_ انتكاسة .. ومش أي انتكاسة ، رجعنا لنقطة الصفر من تاني!.
صرخ وجيه بالطبيبة وهو يسرع لزوجته ويأخذ بين ذراعيه بحماية:
_ أنا مش فاهم حاجة ؟!
أجابت الطبيبة بيأس واحباط:
_ الحالة دي وصلتلها ليلى مرة واحدة قبل كده لما صالح جالها المركز الطبي فجأة واقتحم اوضتها … ليلى المرادي في خطر حقيقي … يأما هتنسى كل حاجة .. يأما مش هتنسى أي حاجة … دي مش نوبة صرع ..!
ده اضطراب الكرب .. مرضها الكارثي، بس لازم أعرف هي شافت ايه وصلها لكده … لكن للأسف ماينفعش دلوقتي.
وابتلعت مروة ريقها بضيق شديد وتابعت:
_ حاول ماتسألهاش عن أي شيء .. وجودك في جو هادي معاها ده أكتر شيء محتاجاه دلوقتي ..
وتوترت مروة باحراج وهي تقول:
_ ممكن يا دكتور نتكلم دقيقتين برا ؟

 

 

فهم وجيه أنها تريد قول شيء لا تريد ليلى سماعه، ولكن كيف يتحرك خطوة وليلى متمسكة به بتلك الطريقة الهلعة ؟! … ولكن بصعوبة حتى نهض وخرج مع الطبيبة خارج الغرفة وترك ليلى ترتجف بعنف!.
وقفت مروة وقالت :
_ يمكن اللي هقوله تشوفها حاجة تافهة بس بالنسبة لليلى مهمة جدًا … في نوع بيرفيوم معين حضرتك بتستخدمه وليلى بتحبه ؟
ضيق وجيه عيناه من السؤال العجيب هذا وحاول التذكر سريعا ثم أجاب:
_ آه في، بس عموما هو نوع واحد اللي بستخدمه وليلى بتحبه فعلًا .. ليه بتسألي؟!
تنفست مروة بعمق وقالت :
_ طب لما تدخل ياريت تحط من البرفيوم ده وتقل شوية .. ليلى في حالتها دي تقريبًا مش شيفاك ! .. والبريفيوم ده هيزود احساسها أنك جنبها وقريب … هي تجربة ولو جابت نتيجة يبقى هتلاقيها بتهدى بشكل أسرع.
اقتنع وجيه بعض الشيء، وعندما تركته الطبيبة دخل لغرفته واغلق الباب خلفه بخطوة سريعة، ووجدها تدفن رأسها بالوسادة كأنها لا تريد رؤية شيء سوى الظلام ..!
تردد بعقله اشارة الطبيبة لعطره الخاص فتوجه نحو المرآة ونثر رذاذه بثقل، واستدار نحو ليلى التي بدأت تتنفس بعمق وكأنها تستنشق الهواء بكل قوتها!، اقترب منها وأخذها لصدره وتمدد جانبها بمنتهى الهدوء … ثم راقب ردة فعلها الواضحة والتي كانت عبارة عن حركة تتململ فيها لتقترب إليه أكثر مع تحرك جفنيها وكأنها استطاعت أخيرًا قرار الاستفاقة .. !
وهنا تركها تفعل ما تشاء حتى تطمئن وتعود لحالتها الطبيعية ..
*********
دخلت الخادمة المسماه “هنيه” متسللة لغرفتها البعيدة تمامًا عن غرف المنزل بأكمله، وخلعت عنها الرداء الأسود وأخفته تمامًا ثم توجهت للمرآة ونظرت لوجهها عبر المرآة ..
عينان لفهما الكحل الأثمد بغزارة مثلما كانت تفعل شقيقتها المقتولة “ورد” ..
أخذت هنية منديل ورقي وبدأت تمسح عينيها بقوة لتعود لطبيعتها، بينما وهي هكذا تبدو شبيهة لشقيقتها الراحلة خاصة برسمة عيناها .. وهذا ما استغلته لتُذيق ليلى المرارة والرعب قبل أن تنتهي من أمرها للأبد.
وهنا تذكرت مشهد من الذاكرة قد مر عليه الكثير من الوقت ولكنه يشع وضوحا كل يوم بعقلها!.
* عودة بالذاكرة*

 

 

وبينما كانت تعود هنية لمنزل البسيط بالبلدة التي قد أتيا هي وشقيقتها “ورد” إليها منذ شهرا للاقامة … وبصعوبة قد وجدت شقيقتها ورد عملا بأحد المنازل لرجل ثري من أبناء البلدة يُدعى ” صالح” ومعه زوجته ” صافية” … وبعد مرور عدة أسابيع على عمل ورد بمنزل “صالح” عادت ذات يوم وهي باكية ونظرات عيناها ضائعة تمامًا كأنها فقدت كنزا ثمين ..
جلست هنية بجانبها بغرفتهما البسيطة وقالت بقلق:
_ اللي شاغل بالك يا ورد؟!
ابتلعت الأخرى ريقها بمرارة وقالت:
_ تقصدي اللي ضيعني وضيع بالي ! ..
فغرت هنية فمها بذهول، ويبدو أن ورد قد قررت أخيرًا الافصاح عما تُخفيه لشقيقتها الصغرى:
_ لف عقلي وضحك عليا وخلاني سلمت، وعدني وحلف بالله أنه هيتجوزني ويستر عليا، وصدقته !
اتتفضت هنيه من موضعها بذعر مما قالته شقيقتها حتى قالت ورد ببكاء:
_ المصايب ما وقفتش لحد هنا ! … ده شيطان مش بني آدم! … مراته الست صافية اللي شبه الملايكة دي عمل فيها اللي عمله فيا وكان ضاحك عليها قبل ما يتجوزها! … بس هي قريبته مش زيي غلبانة ! … اتجوزها وخلف منها … ومش مكفيه !
اللي عرفته النهاردة أنه هيموت على أختها اللي اسمها ليلى ، عايز يتجوزها بأي طريقة ويزيح صافية من طريقه … شوفته وهو بيرميها من شباك أوضتهم ونزلت ميته .. شوفته بعيني وهو بيخنقها قبل ما يرميها… ولما صرخت جري ورايا وهددني لو قولت لمخلوق هيخلص عليا أنا كمان ..
تجمدت هنية من الرعب التي تسرده شقيقتها بكلماتها ونظراتها الهلعة من الخوف والرعب ، ثم قالت وهي ترتجف:
_ بينا نلم هدومنا ونمشي من هنا ..
قالت ورد بمرارة :
_ وتفتكري تاهت عن باله الحكاية دي؟! … أنا لو فكرت اهرب هيقدر يوصلي .. أنتي ما تعرفيهوش ! … أني حاسة أني بموت بالبطيء! .. حاسة أنه هيقتلني زي ما قتل مراته ! ..
قالت هنية وهي تبك وتشنج جسدها من الخوف الممزوج بالغضب:
_ اكيد هيتكشف … ربنا ينتقم منه بس اكيد هيكتشفوا انها اتقتلت.
اغمضت ورد عيناها بحزن وخوف يجتاح جسدها بالكامل وقالت:
_ مين اللي يكتشف؟! .. هو كان في حد في البيت غيري ؟! .. ما هو عشان كان ناويها ساب بيت عيلته وخد بيت لوحده هو ومراته … أنا مش عارفة اعمل ايه ؟! … بش لازم تمشي انتي يا هنية .. ماينفعش تفضلي هنا، هو ما يعرفكيش ومش هيدور وراكي
وقفت هنيه امامها واعترضت بكل قوتها وهي تبك :
_ مش همشي واسيبك مع الشيطان ده ، اخاف ليعمل فيكي حاجة وانتي لوحدك هنا !… لازم افضل معاكي يا ورد ، انا مش عيلة ضغيرة واقدر احميكي منه.
نهضت ورد واسرعت للخزانة وبدأت تجمع أغراض شقيقتها بسرعة عالية وهي تقول:
_ اسمعي اللي بقولك عليه وما تنطقيش، ويومين وهحصلك، روحي عند بنت خالتنا في دسوق، هتمشي دلوقتي كمان.
رفضت هنيه ولكن صرخت بها ورد ببكاء وقالت:
_ محدش من عيلته نفسها يقدر يقف قدامه افهمي بقا!… انتي هنا تقدري تعمليلي ايه غير اني لو جرالي حاجة هيخلصعليكي انتي كمان! … انفدي بجلدك واهربي من هنا قبل ما يعرفك … اسمعي كلامي ياختي ابوس ايدك .. وعهد عليا هما يومين واجيلك دسوق .. عشان مايشكوش فيا أنا لو هربت وهو اللي عمل عملته دي! ..
وبعد تصميم شديد من ورد على هروب شقيقتها نفذت الأمر، ولكن ورد لم تأتي إليها بعد يومان بل ظلت لأشهر اجبارًا وتحت التهديد من صالح … حتى أتى اليوم التي قررت فيه هنية الذهاب للبلدة وزيارة شقيقتها ورد …
وعادت هنية بذاكرتها للواقع وهي مُحملة بنيران الانتقام من ليلى التي كانت السبب الأول في مقتل شقيقتها ورد بعد ذلك ….

 

 

***********
وظهرت خيوط الصبح من بعيد ..
وتثاءبت رضوى بكسل وهي تفتح عيناها، ولحظات وتذكرت الامس ، وما حدث بعد عودتهما من فترة التنزه بالخارج … ونجاحه في النيل من كبريائها مجددًا … تنفست بقوة عابسة الوجه ثم اعتدلت بفراشها …
حتى تفاجئت به يجلس على مقعد مقابل للفراش ويرتشف ببطء مبتسما لها بنظرات ماكرة، فهمت سبب ابتسامته فرمقته بغيظ جعله يضحك هذه المرة …
نهضت بعصبية وتوجهت لحمام لتأخذ دشا صباحي دافئ … وبعد قليل خرجت وهي تجفف شعرها المبتل بالمنشفة، فوجدت يده تجذبها اتجاه الطاولة لمشاركته طعام الافطار!
فقالت رضوى بغيظ:
_ مش جعانة!
اومأ رعد برأسه دلالاة عدم الاكتراث لاعتراضها وقال:
_ هتفطري يعني هتفطري وخليكي مطيعة … لما بتبقي مطيعة بتبقي جميـــــــلة!.
ومط بتعمد في نطقه للكلمة الأخيرة، فزمت شفتيها بعصبية وهي تراه يتعمد استفزازها وهتفت :
_ برضه مش هفطر !..
رفع رعد كوب العصير لفمه وقال بابتسامة مستفزة قبل أن يرتشف منه :
_ هفطر أنا، خليكي أنتي لا راضية تفطري ولا تتغدي ولا أي حاجة كده ! …
ولأن رضوى بالحقيقة كانت تتضور جوعا أخذت كوب العصير الآخر وبدأت ترتشفه سريعاً وراقبها رعد بتسلية بنظرات جانبية مختلسة.
********
#قلبي_وعيناكِ_والأيام
#رحاب_ابراهيم_حسن
اتكشف سر ورد وصافية أخت ليلى … يا ترى ليلى لما تتواجه بالشيء اللي حاولت سنين تهرب منه وده اللي كان السبب الاساسي في مرضها (اضطراب الكرب التالي للصدمة) هيكون رد فعلها إيه ؟!
ودي آخر معاناة مع ليلتنا وحكايتها تنتهي بالتعافي❤
وبكن حبيت أمشي مع المرض ده بمراحلة الحقيقية ( بما يخدم أحداث الرواية)

وانتهت رضوى من تناول الطعام وانتبهت أنه يراقبها مستمتعاً بشهيتها الواضحة، كأنه بذلك اطمئن أنها لا تحمل ضيقا أو بغضا مما تظهرهما!.

 

 

وقبل أن تنهض تمامًا لتغسل يديها اجلسها مرةً أخرى وقال بجدية واضحة:
_ ممكن اتكلم معاكي شوية يا رضوى ؟ .. كلامي جد المرادي وعايزك تسمعيني بهدوء وتفهميني كويس .. اللي بطلبه منك أنك تبعدي عنادك دلوقتي تمامًا وتفهميني .. أنا متأكد أنك قادرة أنك تفهميني.
وشعرت رضوى بالجدية الصادقة بلمعتا عينيه ونبرته، ورغم أنها توقعت ما يُريد قوله ولكنها للمرة الأولى تُريد أن تعطيه فرصة للتوضيح وتصفية الخلافات والنزاعات بينهما.
ماذا حدث لها ؟! … هل ضعفت مقاومتها من جديد أم أنها استطاعت التغلب أخيرًا عن ذلك الخطأ وتجاوزه ؟
فقالت :
_ قول اللي عندك، أنا سمعاك .
وبذلك ربح تذكرة الأمان للبدء، والبدء بتلك اللحظة ليس كأي بداية مرت سابقاً .. البداية الحقيقية تخطو خطوتها الأولى عند نضجنا وتفهمنا لما يحدث حولنا.
فتشجع وقال وهو ينظر لعينيها نظرة عميقة كأنها تقسم على كل كلمة يقولها:
_ مش عايز أعيد اللي قولته قبل كده، بس أنا بحبك يا رضوى .. بحبك مش من دلوقتي، من يوم ما شوفتك أول مرة في بلدكم وركبتي معايا العربية الكارو واتكلمتي … كان كلام بسيط صحيح بس فاكر كل كلمة ولسه سامع صوتك في وداني مع كل حرف بتنطقيه بصوتك المكسوف … حبيت رضوى اللي بتهرب بعنيها مني ووشها بيجيب الوان لما بتتكسف، رضوى اللي حنيتها مالية عنيها العسلية اللي جننتي ليالي وسهرتني بالساعات … رضوى اللي كنت مكنتش بشوفها غير وبلاقي نفسي بحلف أنها هتبقى ليا ومش لحد تاني .. واللي كانت اختياري من أول لحظة شوفتها فيها.
ابتلعت رضوى ريقها وعينيها قد امتلأت بدموع مريرة من العتاب وقالت له :
_ وأنا مش برضه مش هسألك سيبتني ليه وسافرت وقولت كلام قدام أخواتك أهاني! … بس هقولك كل اللي أنا فيه ده بسببك ! .. ما تفتكرش أن عاجبني اللي أنا فيه ولا مرتاحة البال يعني وأنا بعاملك كده!، الحاجز اللي بيني وبينك ده عارف مش قادرة أكسره ليه ؟!
عشان زي ما أنت اللي بنيته يبقى أنت اللي تمحيه!.
أخذ رعد يديها الاثنان بين قبضتيه بلمسة دافئة رقيقة، وانحى وقبّل أحدى يديها ورفع رأسه قائلا بمحبة شديدة:
_ هقولك حاجة محدش يعرفها لحد دلوقتي، اليوم اللي وصلتي فيه القاهرة لبيتنا أنتي وأخواتك أنا كنت مقرر أني هرجع البلد ! …
نظرت له رضوى بدهشة فتابع بتأكيد:
_ طبعا لو قولتلك الكلام ده قبل كده مكنتيش هتصدقيني، بس أقسم بالله دي الحقيقة، اليوم ده أنا معرفتش اشتغل ولا كان في بالي غيرك وكرهت نفسي أني سيبتك وسافرت … كنت راجع عشان اصالحك واتقدملك على طول .. كل زعلي كان من تدخل جدي يا رضوى في كل حاجة في حياتي ! ..
كنت لما أحب شيء والاقيه بيأمرني بيه أكره الشيء ده بسبب ضغطه عليا واجباره! … مكنتش عايز يحصل معاكي كده وخوفت عليكي .. انتي مسألتيش نفسك أنا ليه لو كنت رافضك ومش بحبك مرفضتش قرار جدي أني اتجوزك مع أن كان ممكن اعترض وكان قدامي فرصة كبيرة انفذ كلامي ؟!
نظرت له بتساؤل وهي تبتلع ريقها حتى ابتسم وقال بمحبة :
_ عشان أنا في كل الأحوال كنت هتجوزك، مستحيل كنت اسيبك لحد تاني بعد ما لقيتك!، هو أنا هلاقي انسانة احبها بالشكل ده كام مرة في حياتي ؟! … لحظة غضب دفعت تمنها أيام كتير خصام ووجع كان ممكن نقضيها بكل خير ومحبة، يمكن أنتي دلوقتي مراتي ومحرمتنيش بعنادك من حقي ده … بس مش ده برضه اللي أنا عايزه بس! … أنا عايزك برضاكي وفرحتك ورغبتك، عايزك رضوى حبيبتي بتاعت زمان … أزمة وعدت .. ارجعيلي يارضوى عشان خاطري.
وكأن القلب وجد النبضة التائهة كي يعود لحياته من جديد ! .. ثارت عاطفتها وضربته على كتفيه ضربة خفيفة وهي تقول قبل أن ترمي رأسها على صدره وهي تبكِ:

 

 

_ أنا ما بعدتش عشان أرجع … أنا ما اتغيرتش ! .. هي هي رضوى اللي بتحبك يمكن أكتر..!
ضمها بكل قوته مبتسما بسعادة وكأنه يريد أن يسجنا داخل ضلوعه للأبد، وتنهد بقوة كأنه تخلص من حملا ثقيلا أثقل ظهره لأيامٍ طوال لم يكن يبدو لها آخر! ..
وهمس بمرح:
_ زعلك وحش أوي يابو الروض .. أنا شتمتني جامد على فكرة!
ضحكت رضوى بقوة ثم أضاف رعد بمحبة:
_ بس خلاص كفاية كده، شهر العسل بقا .. وحياتنا وبيتنا .. هو ده اللي كنت بحلم بيه معاكي أنتي مش حد تاني …
ابتعدت رضوى قليلا وقالت لتذكره:
_ ودراستي !
اكد بابتسامة وهو يأخذها اليه مرة أخرى:
_ ودراستك وكشاكيلك ومحاضراتك والايام اللي كلها ريحة الامتحانات دي ربنا يصبرني .
ضحكت رضوى بقوة مرى أخرى ولفت يديها حول خصره بدفء وهي تغمض عيناها بأمان وسكون، ولكن يبدو أن رعد كان له رأي آخر …
*************
وبينما كانت جيهان تنتظر مجيء ” سمر” في غرفة الطعام لمنزل والدها ليتشاركا في تناول وجبة الافطار ، تفاجئت جيهان بظهور سمر وهي تحمل حقيبة ملابسها ويبدو وكأنها حسمت أمرها في المغادرة ..!
نهضت جيهان واقتربت منها عابسة الوجه وواجمة بضيق شديد وقالت :
_ حضرتي شنطتك عشان تمشي ؟! … مش كنا اتفقنا امبارح أنك هتقعدي هنا لحد ما تاخدي ترتاحي خالص !
ابتسمت سمر لجيهان بمحبة صادقة وأخذت احدى يديها مربته عليها بلمسة حنونة ثم قالت بامتنان:
_ مش عارفة أشكرك أزاي على كل اللي عملتيه عشاني أنتي ودكتور وجيه، أي كلام مش هيكون كافي أبدًا … بس أنا لازم أمشي .. لازم أبدأ بداية جديدة واعتمد على نفسي …
اعترضت جيهان وشعرت وكأنها تريد البكاء :
_ وليه ما تبدأيش وتفضلي هنا ؟! …

 

 

ابتسمت سمر لها بمحبة وقالت:
_ ماينفعش أفضل هنا على طول، وعشان أقوى فعلًا اعتمد على نفسي في كل حاجة، أنا همشي من هنا صحيح، بس مش همشي من حياتك … أنتي بقيتي أختي وصاحبتي لحد آخر لحظة في عمري … هفضل معاكي على طول ، بس لو بتحبيني سبيني أمشي وارجع لبيتي القديم … على فكرة أنا هبعيه واشتري شقة صغيرة في مكان تاني وطبعا انتي أول واحدة هتكوني عارفة عني كل شيء … ومش شكر .. دي محبة.
بكت جيهان بصدق وقالت :
_ أنا اتعودت عليكي يا سمر ، اتعودت اجيلك واشكيلك حتى لو بالسكوت، اتعودت في الكام يوم اللي فاتوا أن في حد قريب مني مستعد يسمعني في أي وقت ويفهمني .. بس طالما دي رغبتك مش همنعك .. بس اوعديني نفضل صحاب.
ضمتها سمر بقوة وهي تؤكد ببقاء صداقتهما حتى النهاية … وبعدما تناولا الافطار سريعا دون شهية أخذتها جيهان حيث منزلها القديم …. وتركتها بعد فترة من الاطمئنان عليها سالمة وذهبت وهي تشعر بالأسف لشيء لا تستطبع وصفه.
وعند دخولها لمنزل عائلة الزيان كانت تائهة شاردة، لم يأخذها شيء من تلك التيهة سوى ظهور الصغيرة ريميه وهي بجانب المسبح بمفردها المغطى منتصفه!!
ظلت جيهان بالممر البعيد تنظر للصغيرة بحنان، ثم قررت الذهاب لغرفتها ولكن أستوقفها شيء !.
هناك ظل لشخصا ما خلف أحد الاعمدة !!… نظرت جيهان للصغيرة وتساءلت لماذا تركت بمفردها وبجانب المسبح !!
وتحركت قدميها وتخفت حتى لا يرها أحد حتى شهقت بفزع عندما رأت تلك الخادمة تقذف الصغيرة بالمسبح ثم ولت هاربة للداخل وكأن شيء لم يكن ولا يوجد مخلوق يبدو أنه موجود بالمكان!!
صرخت جيهان وهي تهرع حتى المسبح ورمت جسدها به حتى رفعت الصغيرة التي سقطت بأعماق المياه وامتلأ صدرها بالماء تمامًا والتي لو انتظرت لدقائق أخرى قليلة لربما كانت في عداد الاموات!.
وارتمى جسد الصغيرة على الارض المبلطة بجانب المسبح وخرجت جيهان من الماء وهي غارقة به وتبصق ما بفمها من قكرات كادت تخنقها، ثم صرخت مرة أخرى بصوتٍ مخنوق وهي تبك ويديها تضغط على صدر الصغيرة الفاقدة للوعي ..
وبتلك اللحظة أتت أيسل وبيديها الدمية الكبيرة والتي أغرتها الخادمة لكي تدخل وتحضرها للعب بها في الماء، ولكن هجرت ابتسامة أيسل عندما رأت ريميه بتلك الحالة وانخرطت في البكاء والصراخ وهي تنظر لها وتربت على وجهها .. صاحت جيهان وهي تنهض وتصرخ بكل الاتجاهات وخصيصا عندما حضر حراس الباب الخارجي للمنزل الكببر:
_ هاتولي الحيوانة اللي اسمها هنية وزقت ريميه واقفلوا البوابة بسرعة مافيش مخلوق يخرج من البيت.
انتشر الحراس في كل مكان بحثا، ثم انحنت جيهان على الصغيرة التي بدأت تستفيق بعض الشيء وربتت جيهان على وجهها وهي تبك وتتوسل كي تفتح عينيها :
_ افتحي عنيكي يا ريميه … متخافيش يا حبيبتي انتي بخير.

 

 

انتفض فم الصغيرة التي بدأت ترتجف بتشنج فرفعتها جيهان لصدرها بضمة شديدة ونهضت وهي تحملها وتسرع الخطا لأقرب غرفة لتدفئتها ….
وفي طريقها أتى وجيه راكضا وارتسم الخوف على محياه عندما لمح حالة ريميه وذهب خلف جيهان وهي تدخل أحدى الغرف .
**********
وبعد مرور بعض الوقت من اسعاف الصغيرة وتبديل ملابسها لأخرى جافة تمددت جيهان بجانبها واخذتها بين ذراعيها بحماية، وتمسكت الصغيرة بها بقوة ولا زالت ترتجف وتبك …
نظر وجيه لها وهو يصر على اسنانه بغضب ثم قال :
_ مش هيعدي بالساهل اللي حصل ده ابدًا … البنت اللي عملت كده خليت الحرس يحبسوها ومش هتطلع من هنا غير على السجن .. بس قبل ما اسلمها لازم اعرف منها سبب عملتها دي ..
قالت جيهان بنظرة حادة له :
_ لو سمحت يا وجيه بلاش الكلام ده قدام البنت .. !
تمتمت الصغيرة بصوت ضعيف :
_ ماما جيهان .. ما تسبنيش .. خليكي هنا جانبي.
قبّلت جيهان بحنان شديد رأس الصغيرة وقالت بهمس :
_ أنا جانبك يا حبيبتي ومش هسيبك ابدًا ..
نظر لها وجيه بحنان وقال :
_ مش عارف أقولك ايه يا جيهان، ربنا بعتك في الوقت المناسب وإلا كانت هتحصل كارثة كانت هتقضي على ليلى … وهي اصلا مش متحملة، كفاية اللي حصلها.
ضيقت جيهان عيناها وقالت :
_ حصل ايه لليلى ؟؟
تنهد وجيه بضيق شديد وقال:
_ امبارح بليل خرجت تطمن على ريميه فجأة سمعت صراخها ولقيتها مغمى عليها ! .. ايه اللي شافته خلاها كده مش عارف !… وهي مش قادرة تتكلم تقولي ..
فكرت جيهان لبعض الوقت ثم قالت بحيرة :
_ أظن ده نفس اللي حصل في المستشفى ! … ثواني كده … في حلقة وصل بين كل ده ! .. هنية !
نظر وجيه لجيهان بحيرة وقال :
_ تفتكري ليها دخل ؟!

 

 

نظرت له جيهان بتأكيد :
_ افتكر جدًا!، ايه اللي يخليها تعمل في ريميه كده ؟! .. ودي مش أول مرة .. كانت هتحصل قبل كده بس لحقتها من الأول ومعرفتش امسك عليها حاجة، وشوفتها اكتر من مرة بتبص لليلى بكره مش طبيعي ! … البنت دي وراها حكاية كبيرة …
اومأ وجيه رأسه بالاقتناع وقال :
_ صح .. اكيد عملتها النهاردة وراها هدف تاني غير أذية طفلة مالهاش أي ذنب، مش هسيبها لحد ما تعترف باللي مخبياه.
وتنهد بقوة وقال :
_ كويس أن ليلى كانت واخدة منوم ومحستش باللي حصل .. حالتها مش ناقصة انتكاسة.
قالت جيهان بنبرة آمنة:
_ خليك أنت جنبها، وأنا مش هسيب ريميه وهفضل معاها لحد ما تقوم تاني وتبقى كويسة.
اقترب وجيه منها ودنى قليلا حتى تفاجئت جيهان أنه يقبل رأسها بنظرة دافئة وقال بامتنان:
_ اللي فات كوم واللي عملتيه النهاردة عشان ريميه كوم تاني يا جيهان .. أنا هسيبها معاكي وأنا مطمن .. شوية وراجعلكم ..
ابتسمت له جيهان بود، ولكن هي تعرف حق المعرفة أنه مهما قال وتحدث وفعل حتى لن يحب امرأة سوى ليلى .. وأن تلك اللحظة الرقيقة لم تكن سوى لحظات امتنان وشكر على منع وقوع كارثة كانت تشبه الغيامة السوداء التي لا يبددها الربيع !
ولكنها قد اتخذت قرارها وانتهى الأمر .. ولولا تلك الصغيرة التي بحاجة لها الآن لما كانت ستظل يومٍ آخر في عصمته..
ولحظات ودخلت الصغيرة أيسل وهي ترتجف وعينيها حمراوان من البكاء وقالت بصوت متهدج :
_ ريمو كويسة يا طنط جيهان ؟
عطفت جيهان على الصغيرة الأخرى وأشارت لها لتقترب ثم قالت :
_ كويسة جدًا وهحكيلها حدوته دلوقتي كمان، تعالي نامي جنبها واحكيلكم أنتم الاتنين ..
ركضت أيسل بلهفة للفراش وتمددت بجانب ريميه ثم احتضنها وهي تسألها بخفوت :
_ كويسة يا ريمو ؟
هزت الصغيرة رأسها بالايجاب وبدأ يتسلل إليها الامان من جديد ، ثم ابتسمت لكلايهما جيهان وبدأت تسرد بعض الحكايات بحماس لم تعهده في نفسها … حتى أنها قد ألفت قصص من محض خيالها ويبدو أنها نالت اعجاب الصغيرتان حتى استغرقا في النوم بعد ذلك.
فابتسمت لهما جيهان برقة ودثرتهما بالغطاء وظلت تنظر لهما بمحبة وهي تتمنى لو كان لديها أبنتان مثلهما !، وفرت الدموع فجأة من عينيها وهي تهمس بوجع:
_ يارب عوضني.
*********

 

 

دلف وجيه لغرفته وبقلبه قلق وخةف على حبيبته ليلى من أي شيء لربما شعرت به بالساعات الفائته، ولكنها بفراشها وجسدها التي يتنفس فقط يبدو أنها بعيدة عن العالم بكامله ….!
وقبل أن يقترب لها نثر بعض رذاذ العطر على جسده حتى تتلمس وجوده ، مثلما أشارت له الطبيبة النفسية ..
جلس بقربها على الفراش وقال بهمس:
_ ليلى أنتي صاحية ؟
وكانت بالفعل استيقظت منذ دقائق ولكنها بقيت مغمضة العينان وكأنها أن فتحتهما ستفتحهما على الجحيم !.
ارتجفت جفونها فعلم وجيه أنها تسمعه تمامًا وانها يقظة، ولكن بذلك الخوف الذي يعتريه وملأ قلبه بالساعات الماضية يريد أن يشعر ببعض الأمان أيضا.
جذب يدها لتجلس ثم أخذها الى صدره بضمة قوية، كانت تعرف ليلى أن تلك طريقته عندما يكون خائفا أو متوترا من شيء … وشعر قلبها بذلك فتحركت أناملها حول رقبته … فتنهد وجيه تنهيدة قوية وقال :
_ فوقي يا ليلى أنا محتاجلك …
وانتبه لتمتمتها الخافته وكأنها تريد أن تقول شيء ولا تستطيع ! … فتابع بحنين:
_ وحشني صوتك، وحشتني البصة في عنيكي، وحشني لهفتك كل ما بتشوفيني.. يمكن فات ساعات قليلة على حالتك دي، بس الوقت وأنتي كده بيمر ببطء غريب .. فوقي وقوليلي كل اللي مخوفك واطمني ..
وشعر بدموع ساخنة تلمس عنقه، وكانت دموعها التي تقاوم ظلمة مدارات نفسها المشتتة، تقاوم النهوض ..
***********
وفي غرفة بأحد الفنادق السياحية …
وقفت سما أمام النافذة المطلة على البحر، شاردة تمامًا ، ولفح رطب الهواء بشرتها فبدأت تشهر بالبرد يتسلل اليها، وفجأة شعرت بشيء ثفيل يوضع على كتفيها !.
التفتت وكان آسر قد استيقظ وأخذ روبها وتوجه اليها … ابتسم لها وهو واقفا خلفها ويديها على كاتفيا برقة ، ثم قال بمكر :
_ سرحانة في إيه ؟
ابتسمت سما وقالت بصدق:
_ رغم أن الشمس طالعة بس حاسة بالبرد ! … هو ده نفسه عدم الاحساس بالأمان في وجود كل شيء فيه أمان ! … تفتكر إيه السبب ؟!
رد آسر بعد لحظة تفكير:
_ بالنسبة للشمس والبرد في دي طبيعة طقس مالناش يد فيها، وبالنسبة للأمان اللي مش حاسين في وجوده بالامان فيمكن عشان ما بنقربش كفاية ونفهم ؟! … طول ما أنتي بعيد عن الصورة مش هتشوفي كل تفاصيلها، زي برضه طول ما انتي على الشط عمرك ما هتعرفي احساس العوم ! ..
قالت سما شيء جال بخاطرها كثيرا، ربما كان بعيدا عن موضوع الحديث ولكنه رغبت في قوله:
_ عارف أبويا الله يرحمه لما كان بيلاقينا أنا وأخواتي سقعانين وكمشانين بسبب البرد كان بيعمل إيه ؟
كان بيولع خشب ويجيب بطانية ويلمنا كلنا في حضنه ويدفينا، مكناش بنقوله يعمل كده، بس حاجة زرعت في قلوبنا الحنية والدفا، في حاجات ما ينفعش تطلب !
زي الكلمة الحلوة ، الوقفة والسند، الحنية والأمان .. في حاجات بنحتاجها بس ماينفعش نطلبها.
ادارها آسر لينظر لعينيها الحبيبتان والدامعتان، فهربت من نظراته فرفع وجهها اليه ليجبرها على النظر … وقال بنظرة عاشقة:
_ بتعيطي ليه ؟! …
نظرت له بعتاب وتجرأت على قول ما في قلبها اخيرا وقالت:
_ أنت بتحبني ولا لأ ؟!

 

 

ابتسم بمحبة شديدة واقترب للحظات وعندما ابتعد نظر لعينيها عن قرب وقال بهمس:
_ بحبك ؟! … ده انا بموت في الهوا اللي بتتنفسيه ! … ومن أول مرة وقفتي فيها قدامي والله … دوختيني حرام عليكي!
تسمرت سما وجف حلقها وهي تنظر له حتى استطرد بمنتهى الصدق:
_ عارف أني موقفتش مرة قدامك وقولتلك أني بحبك، بس أنا أكتر بكتير من بحبك !
أنا طول عمري بخاف من الفشل ومن الرفض … كل مرة كان نفسي أقولها كنت بتخيل رفضك واتراجع … خوفت أقولك تكابري زي ما متعودة .. أنا محبتش حياتي مع واحدة غيرك… هي دي الحقيقة.
ابتلعت سما ريقها وعينيها تذرف الدموع وقالت :
_ لأ أنا ما سمعتش .. قولها تاني كده! …
ابتسم بقوة وهو يرددها بجانب أذنيها فتعلقت برقبته كالطفلة وهي تمسح عيناها .. ورددت:
_ يعني ما حبتش ريهام ولا حبيبة زميلتك ؟!
ضحك ثم قال:
_ أظن ان الاتنين كانوا هيوافقوا لو طلبت واحدة فيهم للجواز، بس أنا مش بعشق غير النكدية بتاعتي ..
ضحكت سما وهي تمسح عيناها ثم قالت بصدق وهي تنظر له بحب شديد:
_ أنا تفهمت موقفك من اللي عمله جدي ، بس كان نفسي تأكدلي انك حبتني أنا مش حد تاني .. تصرفاتك كانت عكس بعض ! … شوية افرح واقول بتحبني ، واجي الاقي سكوت وبعد منك مش عرفاله سبب ! … حيرتني !
مرر يده على وجهها برقة وقال مبتسما بنظرة يغمرها العاطفة:
_ لما كنت بهتم مكنتيش بتصدقي اهتمامي فببعد … لان رفضك ليا بيوجعني ومش بستحمله .. وأنا أكتر حاجة بكرها في حياتي الرفض والفشل وأني أشوف احلامي بضيع ومش عارف أعمل حاجة!.
بس من النهاردة خلاص ، احنا واحد .. هقولك بحبك وأنا متأكد أني لما أقولها هكون بقرا حروفها اللي جواكي ليا …
قاات سما مبتسمة بمشاكسة:
_ هو أنا قولتلك بحبك قبل كده ؟
عبس وجه آسر وهز رأسه بغيظ بالنفي ، فضحكت سما وقالتها له وكأنها عادت تلك الفتاة المشاكسة المرحة التي كانت والآن عادت لنفسها الحقيقية!.

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *