روايات

رواية وجلا الليل الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم زكية محمد

رواية وجلا الليل الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم زكية محمد

رواية وجلا الليل البارت الخامس والعشرون

رواية وجلا الليل الجزء الخامس والعشرون

وجلا الليل
وجلا الليل

رواية وجلا الليل الحلقة الخامسة والعشرون

بوقت متأخر من الليل لم يذق فيه طعم النعاس ولا الراحة، يجلس في الشرفة يدخن بشراهة، ومعركة طاحنة تدور بداخله بين عقله الموافق على خطة الانتقام، وبين ضميره الذي ينهره في كل مرة، وكان كلما استيقظ اخمده ولكن هذه المرة غير سابقتها، الأنا الأعلى يقيم محكمة وهو المتهم الأول فيها، يكاد يجن فتارة يشجع نفسه وتارة يعنفها، أراد فقط أن يسد الصفعة ولكن لم يعلم أنها ستؤلمه هو وليست هي، وبعد وقت طويل قضاه في خضم تلك المعارك، التقط هاتفه واتصل بأحدهم ليجيب الآخر على الفور قائلًا بقلق :- طايع بتتصل ليه في وقت زي إكدة ؟
زفر بضيق شديد وهو يشعر بجبال الألب تجثو فوق صدره، مانعة إياه من التنفس، هتف بجمود :- حاسس إني هطق، بس لازمًا أنفذ اللي نويت عليه
ردد الطرف الآخر بحذر وتحذير :- لو نفذت اللي قولت عليه يا صاحبي هتندم هي ملهاش ذنب باللي عمله أخوها، أديها فرصة .
أردف بشرود وهو يحاول الانتصار على ذلك الذي يعاقبه في أعماقه، وكأنه يخبره بعناد بأنه سيفعل ما يريد فلا وجود لسلطتك علي :- ناوي الصبح زي ما قولتلك إني أسافر وأطلقها ترچع لبيت أبوها ويكون شفيت غليلي منها ومن أخوها على اللي عمله في خيتي.
ردد بفزع :- وه هو أنت هتعمل اللي في راسك ؟ وأنا اللي قولت صاحبي عاقل لاه يا طايع هتندم واعر قوي، تنكر إنك مبتحبهاش ؟
توتر قليلًا ولكنه أجاب بقوة واهية :- أيوة مبحبهاش يا محمد ولا عمري هحبها .
وعلى مقربة من الشرفة، تضع يديها على ثغرها برعب، وهي تسمع لاعترافاته المتتالية، بعد أن استيقظت صدفة وسمعت صوته يأتي من الشرفة، والتي شقت قلبها لنصفين لا تصدق أن تلك الكلمات منه هو بالأخص، شعرت بدوار شديد فكادت أن تقع لولا أنها سارت للأمام تحاول الوصول للجدار لتستند عليه ودموعها تسابق بعضها في النزول، تحاول أن تستوعب ما سمعته أهو متزوج منها فقط لأجل ذلك ؟
بعد أن وقفت كالجدار الصلد بوجه والدتها، تحدتها وتحدت الجميع كي يوافقوا عليه، تكون الطعنة الغادرة على يده، أكل ذلك كان كذبًا عبارات الحب التي أمطرها إياها من قبل، كانت مجرد ترهات غير مبنية على أساس من الصحة، شعرت بدوامة كبيرة تجتاحها وقلبها قاب قوسين من الموت، لتسقط أرضًا في الحال متمنية أن لا تستيقظ أبدًا .
عندما ابتعدت أردف طايع :- بزيادة اللي أنا فيه يا محمد، هتزودها أنت كمان ..
صرخ بصوته كله :- يا بني آدم أخذي الشيطان وفوق، اللي أنت رايد تهببه دة ميصحش واصل اعقل الله يرضى عنك .
قبل أن يجيب عليه سمع صوت ارتطام عنيف، فأغلق معه المكالمة وتوجه للداخل، لتصيبه صعقة عندما وجدها متكومة لا حول لها ولا قوة، وسؤال واحد يدور بذهنه ألا وهو، هل سمعت حديثه ؟
حملها بسرعة ووضعها برفق على الفراش، ثم شرع في إفاقتها لتفتح جفنيها بضعف بعد عدة محاولات، وما إن وجدته أمامها صدمته برد فعلها الغير متوقع، إذ انفجرت في بكاء مرير ومسكت يده تهم لتقبلها بتوسل، إلا أنه منعها من فعل ذلك، لتهتف هي بانهيار وتشتت :- أحب على يدك يا طايع متعملش إكدة، أضربني موتني بس متعملش إكدة أبوي هيروح فيها الله يخليك، والله هعمل اللي أنت رايده بس احب على يدك ما تعمل إكدة .
قالتها برجاء شديد وانكسار جلي، تحت نظراته التي يملؤها الذهول وقد علم أنها سمعت بمخططه، فاق على صوتها الوهن :- أنت رايد تسافر سافر بس خليني إهنة وبعد مدة طلقني كيف ما أنت رايد بس دلوك لاه وحياة أغلى حاچة عندك ما تنفذ حديتك .
أوصد جفنيه بغضب أما كان يكفيه ضميره الذي يقاتله بضراوة، لتأتي هي و تكمل عليه خرج صوته بعد صمت دام للحظات قبل أن ينطق بجمود :- اكتمي وسدي خشمك دلوك مناقصش دوشة .
وضعت يدها على ثغرها تكتم صوت شهقاتها والتي تخرج رغمًا عنها، والتي ما كانت سوى حجارة ترجمه بقوة، أما هي نهضت من جواره وهي تشعر بنفور شديد ناحيته، فبعد أن جعلها تحلق بسعادة في سماء حبها الوردي، قص لها جناحيها فوقعت على صخرة فهشمتها، تكورت حول نفسها ولم تتوقف مقلتيها عن ذرف الدموع، يا لها من غبية عاشت في وهم كاذب، كلما رنت كلماته التي فلقت فؤادها، تحرق روحها شيئًا فشيء محدثة دمارًا شاملًا في جميع أركانها، كم هي غبية صدقت حديثه الزائف وانجرفت نحو مشاعرها، تستحق كل ذلك فما فعلته ليس بهين، وكأنه تكفير عما ارتكبته فلتتحمل نتيجة خطأها بمفردها .
في اليوم التالي ظل قلبها يدق بعنف، ولم تعرف لمكان الراحة عنوان وهي تخشى أن ينفذ خطته، وها قد حانت اللحظة عندما أتوا عائلتها، أخذت تتضرع لخالقها بأن تمر الأمور بسلام، وأن يعود عما ينويه والذي ستكون عواقبه وخيمة، اضطرت إلى أن ترسم ابتسامة باهتة تخفي بها جرحها، وبالفعل نجحت في ذلك وكم شعرت بالارتياح عندما لم يقل شيء، انقضت الأمسية بود حتى رحلوا، لتقف قبالته قائلة بروح خاوية على عروشها :- بتشكرك قوي إنك ما قولتش حاچة، أوعدك مش هخليك تحس بوچودي طول ما أنا قاعدة إهنة، لحد ….لحد ما تطلقني كيف ما قولت .
قالت ذلك ثم انصرفت للغرفة المجاورة، لا تعلم أي قوة حلت عليها لتكون بذلك الثبات، وما إن وطئت قدميها الغرفة خلعت رداء الشجاعة وظهر ضعفها، فقد تحاملت على نفسها كثيرًا وقد نفذت طاقتها، جلست خلف الباب تضم ساقيها وأدمعت عيناها، وقلبها ينصب مأتم يتلقى العزاء فيه، والغريب أنه هو الميت .
نظر في إثرها بهدوء مريب، عكس الذي يشعر به بداخله، لم هو من يتألم الآن ويتعذب لرؤيتها هكذا ؟ أليس من المفترض أن يكون سعيدًا لأنه ينتقم، لم شُل لسانه وعجز عن الحديث لقد فشل مخططه، وبارادة منه لم يفرض أحد عليه أي تهديد، لم ولم ولم ؟ كاد أن ينفجر رأسه وتوقف قبالة الغرفة التي تتواري خلف جدرانها، ليسمع صوت بكاء مكتوم وشهقات خافتة، لتكون مزيدًا من النيران تكوي جوانبه، كاد أن يدلف ولكنه أبى مطالب عاطفته وسار خلف مطالب عقله، والتي فازت في تلك الجولة .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
مضى شهران وقد تحولت فيهما إلى وردة ذابلة، تم بترها من جزورها لتنال الموت، ازداد البعد وفجوة الجفاء وكيف تميل وقد قضى عليها بكلماته التي تعالج فيها إلى الآن دون أن تجد لها اي دواء يجدي، فأي دواء في العالم يمكنه محو الندبات التي استوطنت مدن قلبها ؟
تعاملت معه ببرود وكبرياء فكفى ما تلقته منه، تقوم بكل شيء في المنزل وعندما يأتي تختفي في محرابها، وأحيانًا تكون تتحدث مع أبيه الذي تقوم برعايته أيضًا والذي وجدته ونعم الوالد، فكان يخفف قليلًا من ثقل الأيام الطوال التي تمر عليها، تتظاهر بالسعادة أمامه ولكنه يعلم أن هناك أمرًا بينهما، لم يشأ التدخل بينهما فترك الأمور إلى أن تتضح .
وفي إحدى المرات قامت ملك بزيارة منزل أبيها، والتي ملئته بضحكاتها الرنانة ومرحها المعتاد، لم يخفى عليها نفور نورا من شقيقها والتي اضطرت لتجلس معهم في مواصلة لسلسلة من التمثيل المتقن، إلى أن يأذن الله ويبت في أمرها، انتابتها الريبة إنها ليست تلك التي سمعت عن قوتها ودهائها، فهي ترى شخصية هادئة رزينة عكس تلك التي تتناقلها الألسن .
انتهزت ملك الفرصة لتفرد بنورا، وها هي أمامها تسألها بحذر :- مالك يا نورا ؟ في حاچة بيناتكم كفى الله الشر ؟ بقلم زكية محمد
رسمت ابتسامة مرتجفة وقد اهتز كيانها بقوة إثر سؤالها ونفت قائلة :- مفيش حاچة يا ملك هيكون في إيه يعني ؟
ضيقت عينيها بشك قائلة :- متوكدة ؟ أنا مقصديش أتدخل بيناتكم، بس أنتِ مش طبيعية مهما حاولتي، هو طايع عملك حاچة ؟
هزت رأسها بنفي كاذب قائلة بمرار :- هو في حد كيف طايع بردو !
أردفت بتأكيد :- قوليلي عملك إيه حكم دة أخوي وأنا خبراه زين .
لم تستطيع كبح دموعها أكثر من ذلك، فالكبت الذي تعاني منه طيلة الشهرين حان وقته ليخرج، إذ انفجرت باكية بحرقة، فقد فاض بها الكيل وبلغت القلوب الحناجر، بينما ظلت الأخرى تطالعها بذهول، وتساءلت ماذا فعل ليوصلها لتلك الحالة ؟
اقتربت منها وأخذت تواسيها ببعض الكلمات، لتهدأ بشكل تدريجي لتقول ملك بمزاح :- وه يا طايع وقعتك مش فايتة، بقى مزعلها كل الزعل دة ! قوليلي عملك إيه بس ؟
تحدثت بشهقات متقطعة، وهي تخبرها عن الويلات التي تعانيها منذ لحظة زواجها إلى الآن، أرادت الحديث مع أي أحد وكانت هي فرصة أمامها لتخبرها بما يثقل كاهلها، وما إن انتهت نظرت لها الأخرى بصدمة جلية، ثم ضربت على صدرها بفزع قائلة :- وه ! يا مري كاتمة دة كلاته چواتك وساكتة ؟ دة أنتِ ليكِ الچنة وأنا أقول البنية دبلانة إكدة ليه .
أردفت بوجع :- بعد كام شهر تانيين هنطلقوا ويروح كل واحد لحال سبيله .
ذمت شفتيها بضيق منه، وأردفت بروية ودهاء :- معنى حديتك دة إنك عاشقاه يا نورا، وإلا مكانتش حالتك بقت إكدة .
كفكفت عبراتها بألم قائلة :- وهيفرق إيه يا ملك، أخوكِ دبحني يمكن الدبح يكون أهون من إكدة، كنت غبية وحمارة قوي إني صدقته .
شعرت بها فقد مرت بتلك التجربة، ولكن الفرق أنها لم تحبه البتة بل كان مجرد تحدٍ أمام صديقاتها، ولم تتألم لأجله وإنما من أبيها وشقيقها، أما تلك غارقة في عشقه حد النخاع، لم تتوقع منه ذلك لطالما كان المثل الذي يضرب به في العقل والرزانة، ولكن الآن ماذا فعل تخلى عن ذلك، أشفقت عليها كثيرًا فرددت بوعيد لشقيقها :- أنا هعرف زين أچبلك حقك منيه، بس أنتِ الاول قوليلي لساتك بتحبيه ؟
رددت بتيه :- مخبراش بس اللي خبراه أنه وچعني قوي، أنا عمري ما أتوچعت من حد قد ما أتوچعت منيه هو، كان آخر واحد أقول إنه يعمل إكدة بس هو أول واحد چرحني، حاربت ناسي عشانه أمي اللي كانت روحها في بقت بتحدتني من تحت ضرسها، استحملت كتير لأچل خاطره بس هو كسر خاطري واعر قوي .
ربتت على ظهرها بحنو قائلة بخبث :- يبقى تطرطقي ودانك معاي زين وتسمعي اللي هقولهولك وتنفذيه بالحرف، ووعد مني هيبان واحد تاني غير اللي قالك الحديت الشين دة، أخوي وخبراه زين مسألتيش روحك إيه اللي خلاه يسكت وما يرميش اليمين عليكِ وقتها ؟
هزت رأسها بنفي لتكمل الأخرى بمكر ودهاء :- اللي عمله ما يدلش غير ع حاچة واحدة بس أنه هو كمان عشقانك بس بيكابر .
جعدت أنفها بضيق قائلة :- بقولك سمعته بودني أنه ما هيحبنيش وهو بس عمل إكدة عشان يرد اللي عمله أخوي راضي .
رددت بنفاذ صبر :- يا بتي مش هتخسري حاچة متبقيش خايبة إكدة أومال، وطالبة منك بعد إكدة توريه النچوم في عز الضهر هبقى أقولك أنا بعدين، ودلوك خلينا في المهم .
قالت ذلك ثم مالت على أذنها، لتهمس لها بخطتها الماكرة، والتي تفاجئت الأخرى ورفضت فعلها خوفًا منه، إلا أن ملك حفذتها وأقنعتها بضرورة فعل ذلك، لأن بفعل هذا فقط سيتبين ما إن كان يقول هذا الكلام من خلف أسوار قلبه أم لا، ولكنها متأكدة تمام التأكيد أنه يحبها، فنظراته الخفية لها أثناء فترة جلوسهم سويًا فضحته، تركتها بعد وقت وأخبرتها بضرورة أن تسرع من تنفيذ الخطة .
وبالفعل بعد ثلاثة أيام انتظرته بالصالة ريثما يعود من عمله، وما إن شعرت بوجوده ارتبكت وارتجف سائر بدنها، ولوهلة قررت التراجع عما تنويه، إلا أنها شجعت ذاتها فبهذه الطريقة ستحسم أمرها معه .
داهمته الدهشة حينما وجدها ماثلة أمامه، فهي تختفي لحظة ولوجه للمنزل، أما الآن فهي الآن تقبع أمامه حمحم بهدوء ورد عليها السلام، وشيء آخر يناديه بداخل أعماقه بأن يركض نحوها، ويأسرها بين ذراعيه ولا يتركها إلا عندما تعفو عنه، نفض رأسه يطرد الفكرة هي اختارت البعد ليكن الاختيار كذلك، ما إن هم ليخطو للداخل هتفت بنبرة جامدة، وبداخلها موسيقى صاخبة إثر ارتعاش كل خلية بجسدها :- رايدة أتحدت وياك في موضوع إكدة .
طالعها بانتباه شديد وهتف بهدوء :- خير ؟
جزت على أسنانها بغيظ من بروده، وتأهبت استعدادًا لما هي مقدمة عليه، وأردفت بتلعثم :- أنا… أنا كنت رايدة أعرف ميتا هتطلقني يعني عشان ….عشان …
قطب جبينه بتعجب قائلًا بشك :- عشان إيه ؟
أسبلت أهدابها بخوف قائلة بسرعة :- عشان …عشان في عريس متقدملي من ناحية أمي وهي فهمته ظروفي وهو موافق ومستنيني .
أظلمت عيناه وتحولت فجأة إلى جمرتين مشتعلتين، غلت الدماء بأوردته حتى كادت أن تنفجر عروقه، أخذ صدره يعلو ويهبط بعنف شديد، وكلماتها بنزين تصبه على النيران المندلعة بداخله فتزيد اللهب، سار نحوها بخطوات دبت الجزع بمقلتيها، وأخذت تسب ملك وخطتها والتي يبدو أنها فقط من ستدفع ثمنها، صرخت بفزع حينما جذبها من ذراعها بقوة ألمتها، وردد بهمس خطير :- بتقولي إيه ؟ عيدي اللي قولتيه تاني .
ارتعدت أوصالها وأردفت بصوت مرتجف :- بقولك ميتا هتطلقني ؟ مش دة اللي أنت رايده أديني أها بريحك مني .
ضغط بعنف على ذراعها لتتلوى بوجع، بينما صاح هو بانفعال :- لا رايدك تعيدي اللي قولتيه بعد إكدة، بقى رايدة تطلقي ؟ ومين سبع البرمبة الچردل اللي مستنيكِ دة ؟ نچوم السما أقربلك من إني أهملك وتبقي على ذمة راچل تاني، أنتِ كلاتك على بعضك تخصيني سواء عاچبك أو لاه، سامعة ؟
أردفت بدموع وهي تضربه بقبضتها بصدره :- بأي حق أنت ناسي كيف سميت بدني، ولا البعيد أعمى ما بيشوفش ؟
ضغط على فكه بكمد قائلًا :- كلمة تاني ولسانك دة مش هتلاقيه، أعدلي نفسك بدل ما أعدلك يا نورا، أنا سايبك المدة اللي فاتت بمزاچي مش عشان أنتِ رايدة إكدة . بقلم زكية محمد
سقطت دموعها واحدة تلو الأخرى قائلة بوجع :- حرام عليك يا طايع بزيداك إكدة والله تعبت ومعدتش متحملة تاني، هملني يا واد الناس بالمعروف أنا خابرة أنها غلطتي إني وثقت فيك وحبيتك مكنتش خابرة إنك بتضحك علي، وأنا ذنبي إيه ؟ معملتش حاچة ليك تخليك تعمل فيا إكدة، أرحمني أحب على يدك تعبت والله تعبت .
قالتها ثم انفجرت باكية فما أصعب أن تشعر بقرب من تعشق، وكأنه نار تحرقك تود الابتعاد كي لا تطولك ألسنتها، أخذت تناضل لتفر منه إلا أنه جذبها إليه أكثر وأحكم بقبضتيه حولها، خارت قواها فتوقفت عن الحركة، بينما يعض أنامله ندمًا على ما أوصلها إليه، تبًا لذلك الغرور والكبرياء الذي تملكه منذ أن غادرت مضجعه، رفض فكرة التودد إليها فهي من اختارت وهو لن يتذلل لها، هذا ما فكر فيه ولم يعي بفداحة ما ترتب عليه الأمر، عليه بأن يقر أن ذلك الشهرين بعد أن دلف إلى جناتها وتذوق نعيمها، مروا عليه كالقرن يأوي إلى فراشه ويتقلب على صفيح ساخن، لم يعرف للراحة طريق وكيف يجدها وقد حلت عليه لعنة الشقاء في بعدها ؟
أخذ يربت على ظهرها بحنو، وكلما تذكر كلماتها تقوم عاصفة هوجاء تكاد تقتلع عظامه، سيريها جيدًا كيف تتفوه بتلك الكلمات الحمقاء، قام بقرصها بقوة من جانبها لتصرخ بألم، وما إن رفعت وجهها نحوه لتوبخه على فعلته أخرسها حينما بلع حروفها بطريقته الخاصة، وبعد لحظات ابتعد عنها ليردد بمكر ووعيد :- دي حاچة بسيطة من اللي هتشوفيها عشان تحرمي تچيبي سيرة راچل تاني على لسانك .
تكاد تجن وهي ترى الغيرة واضحة في كلماته وأفعاله، فالمحب غيور ولكنه ليس كذلك، يا لها من حيرة سقطت بداخلها تؤرجحها من هنا وهناك، قرأ ذلك بعينيها إذ رددت بألم انتقل له وخجل لم تستطع السيطرة عليه :- أنت بتعمل إكدة ليه ؟ مش أنت هتطلقني ؟
صك على أسنانه بغيظ وردد :- لو سمعتك بتقولي الكلمة دي تاني، هعلقك في المروحة اللي فوقك دي .
أردفت بحنق :- يا سلام يعني أنا اللي بچيبه من عندي !
زفر بضيق مرددًا :- وبعدهالك عاد !
دفعته بحدة قائلة :- لا بعدين ولا قبلين أنا هروح ألم خلقاتي وأروح دار أبوي، هي إكدة إكدة خربانة .
قالت ذلك ثم توجهت للداخل، بينما ظل هو يتابعها بضيق على إصرارها ذاك، بالداخل كادت أن تطير فرحًا وهي ترى ذلك التغير وستكمل الخطة، كي تحصل على اعترافه كاملًا، مسكت الهاتف واتصلت بها وما إن فتحت المكالمة هتفت هي بسعادة :- ملك أنا عملت اللي قولتيلي عليه، طلع عندك حق .
تعالت ضحكات الأخرى قائلة بغرور مصطنع :- مش قولتلك أنا كلامي ميطلعش غلط واصل، ودلوك نفذي الباقي خلينا نشوف هنعمل ايه .
أومأت لها بموافقة ومن ثم انهت الاتصال، لتبدأ في إعداد حقيبتها وبعد وقت انتهت، وفتحت الباب وهي ترسم على وجهها معالم الأسى، وما إن رآها هو قال بصدمة :- أنتِ رايحة وين بالشنطة دي ؟
قوست شفتيها بحزن قائلة :- راچعة بيت أبوي لحد ما تبعتلي ورقتي .
ردد بجمود :- طيب بالسلامة .
جحظت مقلتاها بذهول من رده، بينما كاد هو أن ينفجر ضاحكًا على شكلها، ولكنه تماسك قدر الإمكان فقد سمعها تهاتف شقيقته، كما علم بتلك الخطة التي وضعتها الماكرة، أما هي كادت أن تخر أرضًا فها هو يتخلى عنها مجددًا، التفت وركضت نحو الباب تفتحه، وقبل أن تخطو وجدت من يكبلها بذراعيه، أخذت تقاومه بضراوة قائلة بصراخ :- بعد عني يا طايع بعد أنا عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي .
أردف بسماجة :- يطلعوا كام على إكدة ؟
رددت بصراخ أكبر :- ملكش صالح ويلا بعد خليني أمشي، مريداش أشوف وشك دة يا بارد .
دلف بها للداخل رغمًا عنها، ليردف بروية :- يا بت أهدي بضحك معاكِ هو أنا يعني أقدر اخليكِ تهمليني، يا هبلة أنا سمعتك وأنتِ بتتحدتي ويا الزفتة ملك، بقى بتتفقوا علي .
توقفت عن الحركة ورددت بخفوت :- تقصد إيه ؟
حاوط وجهها بكفيه قائلًا باعتراف :- قصدي إني مقدرش أهملك تبعدي عني لحظة، لو زعلانة أزعلي وأنتِ إهنة چاري قصاد عيني بس متبعديش .
جعدت أنفها بغرابة من حديثه، بينما تابع هو :- الشهرين اللي عدوا يا نورا خلوني أعيد حسباتي، قد إيه كنت غبي إني عملت إكدة، بس وقتها مكنتش واعي لحاچة غير أني أرد لراضي اللي عمله في أختي .
أردفت بعتاب :- عشان إكدة كنت هتطلقني تاني يوم وتبقى فضيحتي بچلاچل .
ردد بدفاع :- وتفتكري معملتش إكدة ليه ها ؟ صدقيني مهنتيش علي واصل أعمل فيكِ حاچة زي دي، أديني فرصة يا نورا أصلح غلطتي اللي غلطتها في حقك .
أردفت بحزن :- بس أنت وچعتني قوي يا طايع .
التقط كف يدها وقبله بحنو قائلًا بحب وأسف :- معلش حقك علي يا غالية، بزيدانا بعاد زهقت والنوم فر من عيني عشان أنتِ مش چاري يا نورا، مش لحالك اللي بتتوچعي أنا كمان بتوچع من غيابك رغم إنك قاعدة وياي تحت سقف واحد، في كل مرة بتمشي كأنك نضرتي عفريت كنت بحس بسكين بتقطعني، بزيادة جڤا الله يخليكِ .
دام صمتها فخاف منه، أقترب يقلص المسافات بينهما حتى اختفت، لتذوب شوقًا بين ذراعيه وما كان أمامه سوى أن يتذوق فاكهتها التي حُرمت عليه منذ مدة، ووعد نفسه أنه سيصلح ما كسره ولن يدعها إلا والفرحة مرسومة على وجهها .
*********************************
مرت الأيام بسعادة على الجميع، مع بعض العقبات التي علمتهم كيف يقفون كالبنيان المرصوص .
بعد عشر سنوات في منزل عامر وسالم وعلى الطاولة الكبيرة كان الجميع يجلسون على المائدة في جو أسري افتقدوه لسنوات، كان عامر ينظر لهم بفرحة عارمة و دموع عالقة بعينيه وهو يشعر براحة وطمأنينة تسري بداخله لقد تحقق حلمه الذي ظل يحلم به لسنوات طويلة وها هم أمامه يجلسون بحب وود ولا مكان للكره أو العداء، لقد انتهي ذلك الكابوس الذي أرق مضجعه .
تمتم بخفوت :- الحمد لله .
هتفت ملك بحدة :- هاتي ورك الفرخة اللي قدامك دة يا وچد . بقلم زكية محمد
أومأت لها بطاعة وأعطتها ما طلبت بينما هتف مؤمن بغيظ :- و باتخدي اللي قدامها ليه ما أهة قدامك ؟
انفجرت فيه قائلة بتذمر :- أيوة انت ما بقتش تطيقلي كلمة إلحقي ولدك يا عمتي مش رايدني أتغذى عشان اللي في بطني يرضيكي خديلي حقي منيه .
ضحكت بخفوت :- خليها تاكل براحتها يا مؤمن .
قبلتها في وجنتها قائلة :- تسلمي يا عمتي .
مال على أذنها بمكر ثعلب قائلًا :- ماشي وريني كيف هتتحامي فيها لما نكون لحالنا .
ازدردت ريقها بتوتر، وتظاهرت بعدم سماعها لكلماته، بينما أخذ يطالعها بضحك مكبوت على منظرها .
وعلى الجانب الآخر كانت تحاول أن تأكل ولكن هيهات فبكاء صغيرها يحول بين ذلك، نهضت به للخارج وهي تهدهده كي يكف عن البكاء، أردفت أمينة بغيظ :- قوم شيل الواد منيها هبابة يا خالد، خليها تاكلها لقمة ياكش بس يكون عاچبك العيل في قفا أخوه أرحم نفسك .
حك مؤخرة رأسه بحرج، ونهض قائلًا :- وه يا أما يعني حد يقول لنعمة ربنا لاه .
صاحت بغضب :- ونعم بالله، بس مش إكدة طيب أقطع دراعي إنها حِبْلى .
عض على شفتيه بغيظ من حديثها وردد بسخط :- وه يا أما مستلماني ليه النهاردة ؟ هو حد مسلطك علي النهاردة .
قال ذلك ثم توجه للخارج بينما تعالت ضحكاتهم على مناوشتهما، هتف عامر بعتاب :- خفي ع الواد يا أم يحيى .
برمت شفتيها بحنق ورددت :- الحق عليا يعني دي البنية صعبانة علي والله دول أربعة يا حچ .
ردد بابتسامة :- ما شاء الله ربنا يبارك فيهم يا حچة ونعيش ونربي وياهم .
تمتمت بدعاء :- يارب .
بالخارج وقفت بتذمر وهي تحاول أن تجعله يهدأ، فهو بالذات يعد اصعبهم في التربية، هتفت برجاء :- بس الله يخليك معادش فيا حيل والله .
قبل أعلى رأسها بحب ومن ثم حمل الصغير قائلًا :- هاتيه أنا هشيله وأنتِ روحي كُلي .
أردفت بتعب واضح وهي تقاوم النعاس :- أنا مش چعانة يا خالد أنا چعانة نعس وبس .
طالعها بشفقة عليها وردد بحنو :- طيب روحي أنعسيلك هبابة ومتخافيش على الباشا دة، أنا هراعيله وكمان أمي وياي .
وكأنها في ماء وأحد قام بانتشالها، إذ توجهت إلى الداخل لتستقل قطار النوم، الذي حرمه منها صغيرها.
بعد انتهاء الطعام توجهت برفقة صغارها، والذين يبدوان أنهما تعاركا سويًا، هتفت بغضب مكتوم :- ها مين اللي غلطان فيكم المرة دي ؟
تحدثا في نفس الوقت وهما يشيران لبعضهما :- هي/ هو اللي ضربني/ ضربتني .
جزت على أسنانها بعنف قائلة :- عاوزة أعرف إيه اللي حصل ؟
تحدثت جنا بل بضيق فهي على الرغم أنها تكبره بأعوام إلا أنهما دومًا يتشاجران، ولا يتفقان على شيء ودائمًا ما يفتنوا على بعضهما، كي ينال كلا منهم عقابه وسط تشفي الطرف الآخر :- كريم ضربني يا أما وكمان قطع الكراسة بتاعتي .
ضيقت عينيها وهي تتطلع إليه ليردف هو بسرعة يدافع عن نفسه :- هي اللي كسرتلي اللعبة بتاعتي الأول، وكمان بشوفها بتقابل اللي اسمه كريم دة وهي معاودة من المدرسة .
فور أن صرح بهذا النبأ تأهبت للانقضاض عليه، لولا شمس التي هتفت بصرامة لكليهما :- كريم أعتذر لأختك مية مرة وأنا بقولك دي أكبر منك وواچب تحترمها .
قطب حاجبيه بضيق، ومن ثم اضطر للانصياع لطلب والدته ومن ثم غادر بسرعة للخارج، أما هي قبلت وجنة والدتها قائلة بحب :- أنا بحبك قوي يا أما دايما بتچبيلي حقي، هروح اذاكر بقى .
وقبل أن ترحل جذبتها من تلابيب ملابسها قائلة بوعيد :- تعالي إهنة يا هانم وقوليلي إيه حكاية سي كريم دة كمان ؟ تعالي يا أختي قدامي .
قالتها وهي تتوجه بها إلى إحدى الغرف، لتتابع أخبار ابنتها في تلك المرحلة الحرجة حتى تمر بسلام، بينما كانت هناك أعين تتابعهم وهي ممتنة للغاية لما تفعله زوجته تجاه ابنته، التي تشعره يوميًا أنها ابنتها التي ولدتها، وبعد انتهاء الجلسة كانت تسير في الطرقة لترى ابنها الآخر، إلا أنها وجدت من يجذبها والذي علمته على الفور، هتف بحب وهو يحاوطها بذراعيه :- ها أخبار الچلسة إيه ؟
رددت بحب وهي تتشرب من ملامحه :- كله زين وتحت السيطرة متخافش، بس قريب هتحچزني في مستشفى المچانين بسبب عيالك .
ضحك بخفة وردد :- ألف بعد الشر عنك يا مهچة يحيى، وأنا أعمل إيه من غيرك عاد ؟ دة أنتِ إدماني يا بت عمي .
أردفت بخجل :- وه لساتك هتقولي حديت حلو ؟
أقترب بمكر قائلًا قبل أن ينهل من عسلها المصفى :- ومش هبطل واصل طول ما النفس بيطلع ويدخل .
ابتعدت عنه بإحراج قائلة بهروب :- هروح أشوف ييسف تلاقيه قاعد ويا بت راضي .
ركضت بسرعة لتتعالى ضحكاته عليها، وهو يدعو الله أن يديم تلك النعمة التي منحها إياه .
بعد وقت أتت نورا وزوجها مع طفليها وطفلتها الرضيعة التي تحملها، لتكتمل صورة العائلة في ود بينهما، بعد أن نزغ الشيطان من صدورهم، فسبحان مقلب القلوب .
النهاية

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وجلا الليل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *