روايات

رواية ديجور الهوى الفصل الخامس عشر 15 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الفصل الخامس عشر 15 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى البارت الخامس عشر

رواية ديجور الهوى الجزء الخامس عشر

ديجور الهوى
ديجور الهوى

رواية ديجور الهوى الحلقة الخامسة عشر

لا يمكن لغيرك أن يلتمس حجم معاناتك وعمق ألمك بالتحديد؛ فقط لأنه ليس أنت.
– “فيودور دوستويفسكي” •
‏غريبة أنا، أتأمَّل السعادة وأدمن بَأسِي.
‏- فروغ فرخزاد.
– أحدهم أهداني يومًا حلمًا لكنه غادرني دون أن يخبرني كيف أنام.
– واسيني الأعرج 📚.
‏-كُلما لمّلَم قَلبهُ ،زَارهُ شَوقُ قديم_
#مقتبسة
_____________
بعد تناوله الفطور مع فردوس بكل سلاسة، دون أن تعترض أن الطعام من منزلهم بأموالهم رُبما أعتادت في بعض الأوقات بسبب رفضه خروجها من المنزل لفترة طويلة بسبب ما بدر منها وبالرغم من معاملته الجيدة لها إلا أنه لم يغفر لها أبدًا هذا الأمر، الأمر معقد قليلا معها..
هو لا يستطيع أن ينزع حبها من قلبه أو يكرهها من أجل ما بدر من شخص يحمل دمها، ولا يستطيع أن يقسو عليها في بعض الأحيان بسبب أنه يعلم كل العلم بأن فردوس ليس لديها أي شخص بجانبها، حتى أصدقائها المُقربين ما عادت تلتقي بهما، لذلك يمرر لها الكثير من الأشياء ورغم أنها لا تعترف بهذا الأمر ولكنه يعرف أنها ليس لديها غيره ببساطة شديدة، سبع سنوات حينما وجد حالتها هكذا قرر هو نفسه بأن ينفصل عنها ويعتزلها لتصبح له غرفة وهي لها غرفة، ليكون صريحًا في أول عامين تقريبًا هو نفسه كان لا يرغب بها ليس لأنه لم يكن يحبها أو أنه لا يرغب بها زوجة، ولكنه كان يحاول التعافي مما حدث، يحاول أن يصبح ويعود لحالته الهادئة والتي يستطيع تحكيم عقله بها وألا يتصرف تصرفات مشابهة لتصرفاتها أو حتى معاقبتها على شيء لم تقترفه، وأيضًا لانشغاله وقتها بمرض والدته، ومنذ خمس سنوات تقريبًا حاول وضع حد، حاول إخبارها بأنه مازال يرغب بها، مازال يحبها ويريد مساعدتها لتخطي الأمر وأنه ليس هناك شيء صعب، ومن وقتها بدأت الحرب بينهما…
لكن اليوم تم عقد هُدنة وقامت بتناول الفطور معه ياله من تنازل أحمق تقدمه فردوس العنيدة، التي ستظل مشكلته الأبدية…
يا ليته كان يمتلك قلب كقلبها يستطيع نبذها عنه، ويستطيع أن يعاقبها على ما شيء أقترفه غيرها، حسنًا هي سألته في البداية عن أسباب بل سألت الجميع ليخبروها بأن لا أحد يعلم، من يعلم السبب هو القاتل، لم يقم أحد بقول تفسير، شعر كمال في بعض الأوقات بأنه يرغب في الصراخ في وجهها يخبرها السبب ولكن كان هناك شيء يمنعه دومًا، يمنعه بإضافة صظمة أخرى لصدماتها، غير رغبة شريف وجده الواضحة بأن تدفن الحادثة…
ولكنه على يقين بأن صراخ قلب عاشق في يومًا ما سيتحدث، سيقوم بلومها إلى حد كبير يتمنى أن تكون قوية بما فيه الكفاية وقتها لتتحمل صرخة عاشق.
ها هو بعد مغادرة غرفتها يجلس في غرفة جده الذي على ما يبدو لم ينم جيدًا ليلة أمس، على أي حال الليلة لم يكن أثرها جيد على الجميع، تحديدًا على من يعرف أساس الموضوع.
يجلس كمال أمام جده كلاهما ينتظرا أن يبدأ أحدهما في قول شيء، ليتحدث أحدهما ويخبر الآخر بظنونه، وكان الأكثر اندفاعًا حقًا هو كمال الذي تحدث بانفعال:
-مش قولتلك في حاجة غريبة بتحصل، سكوت أفنان وأنها مش بترد كل ده معناه أن في حاجة؟!!.
ثم أسترسل حديثه سائلا أياه بضيق:
-محدش جه أتكلم معاك أفنان أو داغر؟!.
هز توفيق رأسه نافيًا، فعقب كمال بضيقٍ:
-شريف مش بيرد عليا وشوية موبايله مقفول وشوية مطنش، وبعدين يعني استحالة ده يكون ابن داغر من مراته التانية مثلا اللي اتجوزها هناك ده عيل معدي الاربع خمس سنين.
تحدث توفيق بنبرة جادة كادت تصيب كمال بجلطة:
-يمكن يكون ابنه من أفنان.
ضيق كمال عيناه وهو يقول بنبرة ساخرة:
-اه طبعا ابنه من أفنان.
غمغم توفيق في نبرة يحرص أن تكون منخفضة ومن بداية الحديث كلاهما يحافظ على انخفاض نبرتهما حتى كمال الغاضب:
-هما قعدوا يجي اسبوعين مع بعض وهي كانت مراته وحلاله ليه لا؟! هو احنا كنا قاعدين معاهم في اوضتهم؟!!.
احتقن وجه كمال هو حقًا على وشك أن يُصاب بأزمة قلبية وعائلته السبب، ولكنه عقب في نبرة حاول جعلها هادئة ولكنه يفشل:
-لو كانت حصلت حاجة كان داغر قال.
أردف توفيق بنبرة هادئة ولا يدري هو نفسه لما يشعر بهذا الهدوء:
-أنتَ عايزه يقولك ايه يعني؟! هي دي حاجة تتقال؟!.
غمغم كمال وهو يحاول السيطرة على شيطانه وجنونه فعلى ما يبدو أن جده في محاولة لإنكار الاحتمال الواحد والصحيح، يحاول إنكار الحقيقة:
-ماشي فرضًا اللي بتقوله ده صح مع أن ده مستحيل، وأفنان حملت، هتخبي ليه؟!! مش كانت المفروض تقولنا أنا حامل، مش المفروض تقولنا علشان نقول لداغر؟!! هي هتخبي ليه ده كان جوزها؟!!.
تمتم توفيق بجدية:
-ده الاحتمال اللي أنا هحاول اصدقه واللي هفرح بيه، عوضًا عن الحقيقة اللي ممكن اسمعها تضايقني.
تحدث كمال بنفاذ صبر فهو مُصر على أن ينكر الحقيقة البشعة التي تبدو هي أساس الموضوع مرة أخرى:
-هو أنتَ ليه واخد الموضوع ببساطة؟!!! محسسني أن أنا الوحيد اللي حاسس أن في كارثة؟!.
قال توفيق بنبرة عادية وكأنه لا شيء يحدث من الأساس:
-فرحان أن أفنان رجعت البيت مع جوزها، وفرحان برجوع داغر بقاله سنين مشوفتهوش وأنتَ عارف أن غلاوته من غلاوتكم يبقى مفرحش ليه؟!.
غمغم كمال باستنكار هو يتعجب حقًا من ثبات انفعال جده:
-اللي يشوفك يقول أننا مستقبلين جوز عصافير وفرحانين بخلفتهم.
أسترسل كمال حديثه بجنون وعصبية مُفرطة بسبب هذا الأمر فهما على وشك التعامل مع كارثة جديدة:
-أنتَ عارف أن في احتمال ده ان ده يكون ابن…
لم يستطع حتى ان ينطقها مما جعل توفيق يغمغم بجدية:
-فهد ابن داغر، فهد ابن داغر يا كمال، حتى لو اللي بتقوله صح مينفعش تنطقها او تفكر فيها حتى مع نفسك، الموضوع انتهى من زمان، ومدام داغر نطق وقال انه ابنه، هو نفسه قفل الموضوع وأي ان كان التفسير اللي قاله كلنا هنصدق حقيقة واحدة ان فهد ابن داغر حتى لو هو مش كده، لأن اي حاجة هتتقال غير كده يا ابني هتفتح أبواب جاهدنا أنها تتقفل.
-محدش مصدق اللي قالوه أساسًا، ده كلام ميدخلش العقل.
قال توفيق براحة بال محاولًا بث الطمأنينة به:
-أنا نفسي هصدقه، والكل هيصدقه ولو قصدك على فردوس هي بس بتحاول تلاقي موضوع جديد يشغل بالها، لكن كلها يومين وهتزهق وهي نفسها مش هيهمها اللي اتقال.
ينظر كمال له بصدمة، هل هو الوحيد المُثار بسبب الأمر، وهو الوحيد الغاضب؟!!!!..
أسترسل توفيق حديثه بعد تنهيدة مُتعبة خرجت منه:
-أتكلم مع داغر وأفهم منه لو حابب بس بعيد عن البيت، أنا نفسي مش هسأل حد، أنتَ أتكلم معاه لمرة واحدة وأعرف الحقيقة وبعدها متفتحش الموضوع ده تاني، السر ده لازم يندفن معانا.
-الموضوع ده لازم يتفتح وأحنا عارفين انه هيجي يوم ويتفتح.
أردف توفيق بنبرة حازمة:
-وأنا مش هسمح بده.
ثم قال بنبرة لينة مختلفة تمامًا عما قبلها:
-روح أنتَ الشركة وشوف وراك أيه واعمله وزي ما قولتلك لو حابب تفهم يبقى برا البيت، كتر الكلام في الموضوع ده غلط هنا.
أقتحم بكر الغرفة دون استئذان على غير العادة بوجة مبتهج نادرًا ما يكون عليه، وفرحة حقيقية تغمره:
-دعاء حامل!!!..
أبتسم توفيق قائلا برضا وسعادة شديدة سرعان ما دبت في أوصاله:
-اهي دي الأخبار اللي تفرح الواحد على الصبح واللي يحب يصحى عليها، ألف مبروك يا ابني، مش قولتلك اوعى تيأس ابدًا وربنا هيفرحك أنتَ ومراتك….
___________
اليوم هو على موعد العشاء في منزل العروس التي تجدها والدته مناسبة له فهي تتحدث عن أكثر أمرأة تناسبه على الإطلاق، مع أنه حينما حاول أن يسألها بعض الأسئلة عن اهتماماتها أو عنها كانت تخبره بما يجعله يعلم بأن والدته تمزح كالعادة…
الفتاة في الجنوب وهو في الشمال، أو هي الشرق وهو جالس في الغرب، ليست هناك أي نقاط مشتركة ولكنها أصرت بأنه ليس دائمًا الأزواج بالضرورة أن يتشابهون في الاهتمامات والرغبات فهما يكملا بعضهما وأنها حديثه بأنه من الممكن أن يغير رأيه تمامًا بعد أن يراها وقد تعجبه…
ووافق لأنه لا يريد أن يحزن والدته فليذهب، هو لن يتم عقد قرأنه عليها قصرًا على أي حال، هو فقط سيتعرف عليها..
كان يجلس في السيارة بعد أن اصطف بها في مكانه المخصص وفتح هاتفه يتصفح الفيس بوك ليجد بأن لم يفتح طلبات الصداقة منذ وقت طويل وكان العدد كثير تلك المرة..
لذلك فتحه وقام بقبول أي شخص قد وجد عنده صديق مشترك وهي مساعدته الشخصية مريم، قام بقبول الأغلبية منهم دون الاكتراث اذا كان يعرفه هو أم لا، لكن بالتاكيد من أرسل يعرفه مدام يتواجد عند مريم….
ولج إلى المكتب وهو يحمل حقيبته ألقى التحية على من يتواجد بصوت حازم، لينتبه بأن أغلب المكتب فارغ لأشياء قام بتكليفهم بها من أجل العمل فذهبوا حتى ينهوها..
قابتله مساعدته الشخصية بابتسامة هادئة فكان واقفًا معها في المنتصف، وموضعه كان يسمح له برؤية مكاتب الجميع تقريبًا…
ومن بين ثرثرتها عن العمل سألها بنبرة هادئة وهو يشير ناحية ملك القابعة في أخر مكتب منهكمة لي الحاسوب المتواجد أمامها:
-مش كان في بنت هنا معاها، راحت فين؟! معتقدش أننا بعتناها حتة ولا أنتِ وديتها المحكمة؟..
هزت مريم رأسها نافية وهي تخبره:
-لو قصدك على بشرى اللي علطول لازقة جنب ملك فهي أتصلت قالتلي أنها تعبانة ومش هتيجي لا النهاردة ولا بكرا.
كاذبة أذنٍ.
هو سمع جزء من حديثها هذا هو العذر التي أرادت قوله مما جعل هلال يتحدث في سخرية:
-من أولها كده؟! ادي اللي بيجي لينا منهم أنا قولت لبابا بلاش.
نظرت له مريم مدركة بأنه لا يحب تدريب الخريجين هذا علمته كونها تعمل معه منذ سنوات وقبلها مع والده فهي تعرفهما وتعرف طباعهما المختلفة، هي تعمل هنا منذ خمسة عشر عامًا تقريبًا والآن هي في منتصف الثلاثينات من عمرها تقريبًا، متزوجة منذ عدة سنوات ولديها طفلتان.
تفحص هلال مكتب مراد قائلا:
-ومراد فين؟.
هتفت مريم بنبرة عملية:
-قال انه هياخد اجازة علشان بيخلص أوراق علشان الجيش، وقالي أنه كان قايلك.
قال هلال متذكرًا:
-اه هو كان قايلي بس نسيت، تمام.
أنهى حديثه ثم توجه ليذهب إلى غرفته….
______________
-يلا يا فهد، يلا هتفضل نايم كل ده يا حبيبي؟!.
قالت أفنان تلك الكلمات وهي تمرر أصابعها في خصلات صغيرها الناعمة مثلها، فتح فهد عيناه بكسل شديد، هو يتهرب بالنوم، كلما يفتح عيناه ويجد نفسه في تلك الغرفة الغريبة عليه يعاود للنوم مرة أخرى…
لكن تلك المرة نهض مستجيبًا لكلمات والدته، وجلس في نصف جلسة هاتفًا بنبرة مختنقة:
-أنا عايز أكلم خالو ثائر، خالو واحشني أوي.
هتفت أفنان بتوتر ورغم يقينها بأنه لا يتواجد أحد في الغرفة غيرهما إلا أنها جالت بعيناها في الغرفة لتتأكد:
-فهد يا حبيبي قولتلك متجيبش سيرته هنا خالص، وبليل أنا هخليك تكلمه، زي ما قولتلك بلاش تجيب سيرته قدام حد، اوعى تغلط.
كانت تحذيراتها وتحذيرات ثائر له قبل ذهابه فهمها جيدًا، ولكنه لا يفهم لما؟!!! ليس هناك أي سبب منطقي يخبره أحد به ليقتنع به عقله الصغير…
نظر فهد على الغرفة ليجدها فارغة مما جعله يعقب:
-هو فين؟!.
أدركت أفنان أنه يسأل عن داغر، هي نفسها لا تعلم أين ذهب؟! منذ أن استيقظت في العاشرة صباحًا بعد ساعات طويلة كانت مستيقظة بها وغفيت في السادسة صباحًا تقريبًا وكان طوال هذا الوقت في الشرفة..
حينما أستيقظت لم تجده لا هنا ولا في الشرفة…
لا تدري أين ذهب في الصباح الباكر؟!!.
هي لم تخرج من الغرفة خوفًا من مواجهة أي شخص، وخوفًا من ترك صغيرها في الغرفة بمفرده حتى لا يخاف، هو متعلق بها بشكل كبير، هي عالمه كله..
أخذت أفنان تتسأل..
هل ذهب للحديث مع جدها؟!
هل ليخبره بما حدث وما فعلته هي وشقيقها..
-ماما أنا بكلمك.
قالها فهد حتى يجذب انتباهها حينما شعر بأنها شردت بعيدًا، فتمتمت أفنان بابتسامة هادئة:
-معاك يا حبيبي، هتلاقيه راح يشتري حاجة.
-أحسن أنا مش عايز اشوفه ولا عايز أتكلم معاه وهو كمان مش عايز تقريبًا.
يؤلمها بكلماته ولا يخبرها إلا بالصدق للأسف..
ليس ذنب داغر أن يتحمل خطيئتها..
أخطأت بداية من استجابتها لحديث حسن المعسول وبعدها خوفها من الاستغاثة من أي شخص، وبعدها حينما فعلت ذلك وقامت بموافقة شريف على تسجيل الطفل باسمع دون إخباره، وحتى أخطأت بتعلق الصغير به بسبب حديثها الدائم عنه حينما يتسأل عن مكانه، فهي السبب في غضبه حينما جاء ولم يشعر بلهفته..
هتفت أفنان بنبرة هادئة:
-هو عصبي شوية وطبعه مختلف وهو أكيد بيحبك بس قولتلك هو بيمر بشوية ضغوط.
ثم حاولت تغيير الموضوع متمتمة وهي تتوجه صوب أحدى الحقائب التي مازالت موجودة في أحدى جوانب الغرفة، وفتحت احداهما حتى تخرج ملابس له:
-يلا علشان تاخد دش وننزل نفطرك تحت.
أردف فهد بضيق:
-هو لازم ننزل؟!.
قالت أفنان بتوتر فعلى طفلها بأن يعرف العائلة، بأن يعرف منزل عائلتها:
-ايوة لازم يا حبيبي علشان نفطر وهوريك الجنينة تحت.
لم يقتنع الصغير كثيرًا هو يشعر بأن تواجده غير محبوب ولا يريد أن يحتك بهما ولكنه تعلم بأن يستمع إلى حديث والدته…
أما أفنان ظل عقلها مشغولا إلى أين ذهب؟!!!.
وفجأة تذكرت بأنه من الممكن أن يكون ذهب إلى قبر والده، مقابر العائلة، كان هذا دومًا المكان الذي يلجأ إليه عند ضيقه، وبالتأكيد هو يشعر بالانزعاج هي ليست معتوهة لتظن بأنه في أفضل حالاته، فنظراته كانت تبغض كل شيء، وتكره ما يحدث ومع ذلك يحميها كما يفعل دومًا، هي لا تفهمه حقًا.
بدأت تشعر باليقين بأنه في المقابر…
فهو منذ سنوات لم يهبط إلى بلدته وبالتأكيد أول مكان سيريد زيارته هو قبر العائلة.
____________
أصيبت بجلطة…
هذا الشيء جعل شمس تنهار وكانت تصدق ما قاله الطبيب، والدتها التي لم تصاب بأي مرض، لم تراها يومًا مريضة بأي شكل أو ضعيفة، كانت دومًا أمرأة مفعمة بالحياة، في الواقع سوسن مربوطة في ذاكرتها دومًا بالقوة.
هل هي السبب؟!.
هي من فعلت ذلك بها؟!!.
فبعد أن أفاقت والدتها من الإغماء الذي حدث لها وولج لها عبده و شمس سويًا كانت والدتها تبكي وتصرخ لتخبرها بأنها لا تريد أن تراها فلتتركها وشأنها…
ووقتها أخبرها عبدة بأن تذهب وتجلس في الخارج لحين أن تمر تلك الحالة العصبية التي تمر بها والدتها لأول مرة، وحتى لا يرتفع ضغطها لحذرهما الطبيب من أي شيء قد يغضبها أو يزعجها
مما جعل شمس تجلس في بهو المستشفى تشعر بأن جسدها يرتعش، شعور الرفض والنبذ والخوف قد أعتادت عليهما، ولكنها لم تعتاد عليه من والدتها على الأقل، لم تجد نفسها إلا وهي تمسك هاتفها تتصل بثائر لتجد هاتفه مغلق، لم تستسلم في الواقع كان معها الرقم الخاص بعمله (كسمسار) و (كمقاول) مما جعله يجيب عليها في صوت ناعس، لتخبره بجمل بسيطة قلبت بها كيانه كله.
“أنا محتاجاك”
“أنا لوحدي”
“أنا خايفة أوي يا ثائر”
مما جعله يأتي بملابسه المنزلية التي كانت عبارة عن قميص قطني فوقه ستره قطنية خريفية وبنطال رياضي لا يدري حتى كيف هبط في سيارته، واتبع الموقع التي أرسلته له حتى يأتي لها…
وها هي تجلس أمامه في أحد المطاعم القريبة جدًا من المستشفى، ترتدي سترته القطنية فهو وجدها ترتعش بشكل مخيف حتى أنه اخبرها بأنها تحتاج إلى طبيب ولكنها أصرت بأنها لا ترغب، طلب لها مشروب ساخن لتشربه في البداية ثم بعدها ليفكرما يجب أن تتناول…
منذ أن جلست أمامه لا يفهم منها شيء، هي تتحدث بكلمات مبعثرة وكأنها تحدث نفسها، لم يفهم سوى أنه حدث شيئًا ما ووالدتها في المستشفى لا أكثر من ذلك، لكنه على أي حال تركها لمدة ساعة لتهدأ فهي لم تكن ترغب بالحديث وليس عندها توضيح مناسب.
يشرب قهوته وهو يتفحصها، لا يصدق قلبه الأبلة الذي حتى الآن لا يصدق بأنه وقع في حب راقصة، وحقًا هو أحبها بصدق، أما عقله تأكد ليست كل تلك المدة هي تحاول الكذب عليه أو ان تمزح معه، ولكن قلبه لم يكن يتقبل حقيقة الأمر، حسنًا الأمر يبدو ساخر جدًا في عقله.
هو قاتل وهي راقصة، ياله من ثنائي رائع يستحق جائزة افضل ثنائي على الإطلاق.
هو لا يستطيع الإبتعاد ولا يستطيع الاقتراب منها، هو يقف في منتصف اللاشيء وما أصعب الوقوف في المنتصف..
لا تدرك معنى الحيرة إذا لم تقف في منتصف الأشياء وأنتَ لا تستطيع اللمس والاقتراب ولا تستطيع الفرار أيضًا.
أليس من المخزي أنه يجلس مع راقصة ترقص أمام الرجال ومازال يحبها، بل يعشقها ويهيم بها في حين أنه قتل شخصًا ما من أجل شرفه.
شيء مُعقد للغاية، رُبما مواساته الوحيدة لنفسه بأنه لم يكن يعرف، لو كان يعرف من البداية رُبما منع قلبه من الوقوع في حبها..
أخرجته شمس من أفكاره المعقدة كعلاقتهما وهي تمسح عيناها التي تورمت وغطى الأحمر على بياضها من كثرة البكاء:
-أنا أسفة اني جيبتك وتعبتك.
لم تتركه يعقب وأسترسلت حديثها في نبرة ضعيفة وواهنة:
-شكرًا أنك جيت، أنا مش عارفة من غير ما أشوفك كان ممكن يحصلي أيه.
هو الأمان، أدركت أنه مصدر الأمان يكفي النظر في عيونه الدافئة لتشعر به، فهي طوال حياتها لم تشعر بالأمان والدفء وهو يستطيع فعل ذلك بنظراته الحنونة حتى بالرغم مما عرفه، هي أكتر أمرأة لديها خبرة في أعين الرجال ونظراتهم التي تخترقها فحينما تصف نظرته بأنها دافئة وأمنة لا تقولها عبثًا هي تقصد وصفها له.
هتف شريف (ثائر) بنبرة هادئة:
-أكيد كان لازم اجي لما سمعت صوت عياطك، بس أنا مش فاهم، يعني والدتك كان مريضة ضغط او عندها مشكلة معينة؟! ولا حصل فجأة؟!.
أردفت شمس بتوتر فهي لا ترغب بمعرفته بأن هذا كله لأجل حديثها عن أبيها، وعائلته لا ترغب في أن تقوم بإفساد صورتها أكثر من ذلك، فهي أمرأة لا تمتلك هاوية لا تمتلك حتى أصل لعائلة تستطيع أن تنسب نفسها إليها في عمرها هذا:
-يعني اتخانقنا شوية يا ثائر، وهي لما فاقت كانت متعصبة ومش عايزة تتكلم معايا، فأنا حسيت شعور وحش اوي، أنا مليش غير امي رغم أننا دايما ناقر ونقير بس دي الحقيقة أنا مليش أي حد في الدنيا غيرها.
هو يعرف أن والدها متوفي قبل زواج والدتها من المدعو عبدة ولكن ألا يمتلك عائلة؟!!
وخالتها التي تحدثت عنها ذات مرة؟!
تحدث ثائر رغمًا عنه:
-يعني ملكيش أهل خالص؟! خالتك، وعيلة باباكِ؟!.
هل يظن أنها لو كانت تمتلك عائلة حقيقية بها رجل حر كانوا سيتركوها تعمل كراقصة؟!.
أردفت شمس بارتباك:
– ماما وحيدة معندهاش أخوات خالص.
عقب ثائر ساخرًا:
-وخالتو اللي كانت في المستشفى…
توقف عن الحديث وخرجت سبة من بين شفتيه لم يكبحها حينما لم تتحدث ونظرت في الناحية الأخرى وكأنها قد تتجنب نظراته، وهنا أدرك حماقته يحاول استيعاب حقًا الأمر، فهو كالمغفل صدقها وقتها..
مما جعله يسألها بعصبية:
-عيلة باباكِ طيب؟!.
تمتمت شمس بتوتر فهي ليست لديها الجراءة الكافية رُبما الآن، حتى تخبره بأنها لا تعلم اسم والدها، سألت والدتها أكثر من مرة تكتفي بذكر أنه توفى وحينما ضغطت عليها أخبرتها بأنه يُدعي محمد ولكنها شعرت بأنها تراوغ لا تدري لما، رُبما لأنها تعرف متى تكذب عليها والدتها ووبساطة لا تشعر بأن هذا اسم والدها، شيء بداخلها أخبرها بهذا.
-ممكن منتكلمش في الموضوع ده أنا أصلا مصدعة ومخنوقة لوحدي.
لم يفهم سر تهربها من الإجابة ولكنه حك مؤخرة رأسه محاولا أن يهدأ من أعصابه فهو يعرف كل شيء ليس عليه أن يغضب عليها هو جاء لمساعدتها وهو يعرف الحقيقة كاملة فليس عليه أن يكون جلادًا حتى لو كان قلبه يحترق من الفكرة…
هتفت شمس وكأنها تحدث نفسها:
-في أم متعوزش تشوف بنتها وهي عارفة أن ملهاش غيرها؟! مهما اللي حصل بينهم وحتى لو كنت غلطت برضو.
نعم هناك أم..
والدته لا تتقبل الحديث معه، لا ترغب في رؤيته بعد ما أقترفه، هو كان يموت كل يوم حينما كانت مريضة ولا يستطيع رؤيتها، حتى أنه في يوم تجاوز الخطوط الحمراء وسافر لها وحاول التخفي قدر المُستطاع ليرى والدته ولكنها رفضت أن تراه على فراش المستشفى حينما أخبرها توفيق، هي تعاقبه، تعاقبه على تهوره وضياع مستقبله بحرمانه منها…
قدر تلك المرأة يشبه خاصته في بعض المواقف، رُبما القلوب تتألف والأقدار تقرب المتشابهين من بعضهم.
هو الأن متأكد بأن تلك المرأة خلفها الكثير كان هلال محقًا بالفعل…
تمتمت شمس بعفوية رغمًا عنها هي لا تتوقع منه المزيد ولكنه يفعل وهذا شيء غريب:
-أنا مكنتش متخيلة أنك هتيجي بجد بصراحة.
أجابها بتلقائية قد تكون وقاحة بعض الشيء:
-ولا أنا كنت متخيل أن ممكن اجي، بس أنا قولت انك لو احتاجتي أي حاجة لو هقدر أساعدك مش هتأخر، وأنا بنفذ وعدي.
-أنا أسفة.
سألها ثائر وهو يضيق عينه ويعقد ساعديه:
-أسفة على أيه؟!.
غمغمت شمس بجدية وبأعين صادقة:
-أسفة إني ضحكت عليك في البداية أو مش ضحكت أنا خبيت، أسفة اني مكنتش الانسانة الصح اللي تنفعك، أسفة اني مينفعش أكون في حياتك، أسفة اني ضيعت وقتك.
تأملها بألم شعر به في صدره من كلماته لم يكن يومًا بهذا الضعف أمام أكثر أمرأة لا تصلح له ولا هو يصلح لها ليكون صادقًا.
لم يجد تعقيبًا مناسبًا وانقذته وألمته وهي تسترسل حديثها ولا تدري لما تتحدث بتلك الطريقة وتفتح قلبها أمام أحد، لم تكن ذات مشاعر فياضة أو حتى أمرأة قد تقص ما يحزنها لأحد؛ هي لا تمتلك لا صديقة مُقربة ولا تمتلك أشخاص مقربة عالمها كله حتى الآن كانت والدتها وزوجها.
-أساسًا أنا أسفة اني معرفتش اكون في حياة أي حد، أنا مكنتش مرغوبة عمري ما كنت مرغوبة، حتى امي حكت قدامي أكتر من مرة من ساعة ما بقيت أفهم الكلام انها حاولت كتير تجهضني واني كنت رخمة زي ما بتقول ومصممة اجي على الدنيا، معرفش ليه كنت مصممة أجي على الدنيا دي.
خرجت منها ضحكة ساخرة تزامنًا مع هبوط دمعة على خديها من عيناها لتوجعه على كلماتها لم يدرك أن أمرأة مثلها قد تمتلك هذا القدر من الألم:
-ولا مرة حست أن ممكن يكون كلامها بيوجعني، ولا مرة يا ثائر حست، معرفتش أعمل صحاب قريبين مني سيبت المدرسة من بدري وبقيت اشتغل معاهم في البيوتي سنتر وبعدها ابن خالة عبدة شافني وأنا برقص في فرح كان عندي عشرين سنة اقنعهم اني هكسبهم دهب، وانا اقتنعت، ولو لمرة في عمري اكتشف اني ممكن يكون في حاجة حلوة بعملها وتعجب حد، وأنا كنت بحب الرقص جدًا ومازالت.
نظرت له واستوعبت حقًا بأن هذا الحديث قد خرج منها، خرج منها حقًا…
مما جعلها ترتبك وتقول موضحة مدافعة عن نفسها هي أمامه تشعر بأنها دومًا عليها التوضيح له هو وحدة وهذا ليس من عاداتها:
-أنا مش قصدي حاجة عارفة أن اللي بقوله مش هيشفعلي بس أنا لقيت نفسي بتكلم واضح ان ده من الخنقة، اعتبرني مقولتش حاجة.
هي معقدة، مُعقدة كحياته….
هي محقة ما تقوله لن يبرر كونها راقصة ولكنه جعله يشعر بالضيق من أجلها..
قالت شمس محاولة أن تلملم شتات كرامتها التي باتت على المحك:
-أنا لازم أقوم امشي اروح المستشفى..
غمغم ثائر بنبرة هادئة ليست كحالته:
-استني هطلب ليكي أكل تأكليه وتاخدي ليهم أكل في المستشفي وأعتقد امك هتلاقيها هديت..
قاطعته شمس بحرج:
-متتعبش نفسك كفايا لغايت كده امشي وانا هتصرف وهروح المستشفى.
قال ثائر بعدم اكتراث وتجاهل لما قالته:
– الينسون تلج نطلب ليكي واحد غيره ونطلب الأكل بالمرة..
ثم تلقى رسالة على هاتفه الخاص بالعمل وجد أفنان تخبره بأن داغر قال بأن فهد طفله وأن الأمر على ما يرام حتى الآن، فابتسم مما جعل شمس تتأمله رغمًا عنها، فهو يليق به الابتسام هو وحده ولا يحق لهذا الوجه بأن يرى الحزن…
___________
“أنا حامل”.
كلمتان رددتهما بمفردها كثيرًا بعد أن خضعت لأكثر من اختبار منزلي يؤكد لها صحة الأمر، لا تصدق..
بكت كثيرًا لم تتخيل رغم تتوقها للانجاب من أجله لم تتخيل حلاوة الشعور وقتها، كانت من فرط السعادة على وشك الركض والصراخ والقفز، لولا خوفها من أن يحدث لجنينها شيء لكانت فعلتها..
ها هي الآن تجلس بين أحضان بكر، شعرت بأن جسده الذي يحتضنها يرتجف، لطالما كان رجل صلب، في بعض الأحيان كانت تصدق حقًا أنه لا يرغب في ذرية من كثرة يأسه، حتى أن الطبيب كان يشعر بالدهشة من فرط حماس دعاء دومًا رغم أن لديها طفلة بالفعل، بينما هو كان بارد في كل شيء يحدث يتعامل معه بطريقة عادية غير مبالية، وكان هذا لشيء عجيب لرجل في منتصف الأربعينات من عمره لم يرزق باطفال، لكنه كان قناع، قناع ليست الحقيقة..
هو فقط كان يخاف على نفسه من فرط التوقعات، كان يخاف على نفسه من اليأس الذي يأتي بعد أن تكون مفعمًا بالأمل..
فرح المنزل بأكمله تقريبًا، وكان أكثرهم فرحًا هو توفيق، بعد اتصالهم للطبيب واخباره بما حدث شعر بالسعادة لأجلهما وأخبرهما بالوقت الذي يجب عليهما الأتيان فيه، ونصحهما أيضًا أنه بعد أيام قد تخضع لاختبار الدم للتأكد أكثر، ولم يتمهل توفيق بل قرر بأن يقوم بالذبح اليوم مستبشرًا خير ومتيقنًا بأن الله أراد إسعاد ابنه أخيرًا.
شعرت دعاء بارتجاف جسده وهذا شيء عجيب..
أردفت دعاء بنبرة هادئة:
-فرحان؟.
أجابها بكر بصدق يحاول السيطرة على جسده الذي سرت به رعشة طفيفة:
-فرحان دي كلمة قليلة أنا أصلا مكنتش عارف أنا ممكن أحس بأيه في لحظتها، كنت بسأل دايما أيه اللي ممكن الراجل يحسه لما يعرف أن مراته حامل، وأن هيجيله بنت أو ولد يشيل اسمه، تحديدًا لحد استنى كتير اوي، مهما تخيلت الإحساس مش هقدر أوصف اللي أنا حاسس بيه دلوقتي.
أبتلع بكر ريقه ثم قال بنبرة رجولية مميزة على مسمعها:
-اللي أنا حاسة أروع مليون مرة من اللي تخيله أو اللي جه في دماغي أنا فرحان جدًا، ربنا يخليكي ليا يا دعاء، شكرًا أنك مستسلمتيش ليأسي ولا سمعتي كلامي، شكرًا أنك خلتيني أحس الإحساس ده.
مررت يدها على وجهه بحنان ناظرة على ذقنه وخصلاته السوداء الفحمية التي تخللتها بعض الخصلات البيضاء الذي أصرت على إعلان صريح جدًا بالعمر ولكنها زادته وسامة، نظرت على عينه بعمق التي كانت تحبس الدموع فيها، لم تراه يومًا على هذه الحالة…
قالت دعاء بنبرة مُحبة:
-ربنا يتمم لينا على خير يا حبيبي.
ثم أسترسلت حديثها بحب:
-كنت واثقة في ربنا أنه هيفرح قلبنا وبإذن الله يقر عينا بأننا نشوفه أو نشوفها على خير.
-بإذن الله يا حبيبتي.
دقات خافتة على الباب ومترددة كصاحبتها، أذنت لها دعاء بالدخول، وبالفعل ولجت فردوس ولكنها شعرت بالحرج حينما رأت بكر..
فهي ظنت بأنها بمفردها وأن بكر بالتأكيد مع توفيق الذي يقف بجانب الرجل الذي يقوم بالذبح..
-أنا أسفة أنا هاجي في وقت تاني.
كادت أن ترحل لولا بكر الذي استوقفها بنبرة هادئة فهو يعلم بأنه لن يستطع الانفراد بزوجته الآن فحتى عائلتها قادمة في الطريق:
-تعالي يا فردوس أنا أصلا نازل علشان أقف جنب بابا.
عقدت فردوس ساعديها بهدوء بعد أن تركت المجال له ليرحل بعد نظرات دعاء التي اخبرتها بالبقاء، نهض بكر وترك قُبلة على رأس دعاء بحنان ثم غادر وأغلق الباب خلفه، لا يدري ما سر العلاقة الجديدة الغريبة من نوعها التي نشأت بين شخصيتين كفردوس وزوجته ولكن لا بأس لا يظن أن منها ضرر…
أقتربت فردوس وجلست مكان بكر وبدأت دعاء في الثرثرة بحماس واضح:
-مش عارفة ليه الحاج توفيق مستعجل كده كان لازم نتأكد أكتر وكمان أحسن حد يحسدنا ولا حاجة..
ابتسمت لها فردوس وقالت جملتها المفضلة التي كانت دومًا تخبرها بها والدتها، هو مثل شعبي كما تعلم:
-ايش يعمل الحاسد في الرازق، ربنا يتمم حملك على خير.
غمغمت دعاء بحرج وهي تنظر لها:
-بصراحة كنت فاكرة أنك مش هتهتمي ولا هتيجي تباركي خصوصا بقالك كام يوم مختفية فقولت مدام خلصت حاجتي من عند جارتي زمانك هترجعي لعادتك القديمة تاني.
قالت فردوس بنبرة شاردة رغمًا عنها فهي باتت في الفترة الأخيرة لا تتحكم في لسانها:
-ياريتني أعرف أرجع لعادتي القديمة.
شعرت دعاء بالتخبط والضياع التي تشعر به فردوس، قبل أن تتحدث معها كانت تظن بأنها أمرأة مخيفة ومزعجة، وحمقاء، لكنها باتت تفهمها على الأقل ولو قليلا حينما بدأت بالحديث معها لتدرك بأنها كانت مخطئة حينما قامت بالحكم على شخص دون معرفة دوافعه ودون معرفته هو نفسه.
غمغمت دعاء تتجاذب معها أطراف الحديث:
-سمعت أن أفنان جت امبارح.
أبتلعت فردوس ريقها وعقبت بعفوية:
-اه فعلا ده حقيقي.
-وخلفت هي وداغر، فرحانة ليهم، كنت اسمع دايما الحاج توفيق بيقول أنه من وهما صغيرين وهو شايفهم لبعض، ولايقين على بعض وأن داغر قبل ما يسافر طلب يتجوزها علشان تونسه في غربته وأنه كان بيحبها، صحيح أنا متعرفتش عليهم كويس هما كانوا اتجوزوا وسافروا قبل ما اتجوز أنا بكر.
عقبت فردوس على حديث دعاء بعفوية:
-هو أنا ساعتها مكنتش مهتمة بأي حاجة بتحصل حواليا، بس الشيء الغريب أن أفنان كانت بتيجي ومقالتش أنها مخلفة يعني شيء غريب، ايه اللي يخلي انسان يخبي حاجة زي دي؟!.
قالت دعاء في توضيح ونقاء قلب:
-سمعت من بكر أن حملها كان صعب جدا وفي نفس الوقت التعب كان بدأ على الست منى امها، وبعد ما ولدت انشغلت في مرض الولد بصراحة صعبت عليا، ربنا يعينها هي وداغر انهم اتحملوا كل ده في الغربة لوحدهم من غير اهلهم، اهم حاجة انهم جم بخير.
رغم عدم اقتناعها بالحديث وبتلك المبررات التي شعرت بالدهشة بأن دعاء تتقبلها، قررت الا تكترث للامر فقالت:
-على رأيك.
غيرت دعاء مجرى الحديث كعادتها فهي أمرأة مفعمة بالمواضيع والقصص المختلفة واعتادت فردوس عليها:
-بإذن الله ربنا يتمم الموضوع على خير، وبإذن الله هعمل حفلة زي ما الستات كلها بتعمل دلوقتي علشان اعرف ولد ولا بنت.
ابتسمت فردوس لها…
وهي تحاول أن تستشعر بالحماس الذي يتواجد ويظهر على دعاء مما جعلها تسألها دون أن تدري:
-احساس حلو؟!.
أدركت دعاء معنى سؤالها فأجابت:
-اوي أحسن من أي حاجة في الدنيا.
سألتها فردوس مرة أخرى دون أرادة منها وكأنها لا تتحكم بنفسها:
-غريبة مع أنها مش اول مرة ليكِ.
لو كان شخص أخر غير فردوس كانت تشعر بالدهشة من أسئلته ورُبما لكانت أجابت بوقاحة ولكنها أرادت أن تريح فضولها وأيضًا تلمح لها عن بعض التفاصيل التي هي غافلة عنها…
-هي فعلا مش أول مرة ليا، بس أول مرة ليا وأنا عايزة أفرح أكتر راجل حبيته في حياتي وأكتر راجل فرحني أنا وبنتي وعوضنا عن كل حاجة حصلت في حياتنا، المرة دي مختلفة أنا اللي كنت عايزة، المرة الاولى كانت في بداية جوازي قبل ما افكر حتى في الخلفة ووقتها فرحت برضو، بس المرة دي فرحت اكتر لاني انا بقالي كتير بدعي ربنا اني افرح بكر.
ثم وضعت يدها على بطنها وتتحسسها، مما جعل فردوس تنظر لها ببلاهة، بطنها ليست منتفخة هي لم تنهي شهرها الأول حتى ولكنها تتحدث وكأنها تشعر به..
أسترسلت دعاء حديثها:
-مفيش أعظم من شعور أنك تكوني ام دي نعمة كبيرة اوي، وربنا رزقني بيها فعلا قبل كده، والمرة دي رزقني مش اني اكون ام وبس، لا اكون ام لطفل راجل أنا بحبه، وأمنية هو فقط الأمل فيها، فالمرة دي مختلفة اوي في مشاعرها.
لم تكن يومًا فردوس تنظر إلى دعاء إلى أنها أمرأة عميقة، هي دومًا تراها أمرأة سطحية، ثرثارة، تتحدث بلا توقف، مدللة، ولكنها الآن ترى جانب منها مختلف، وعاطفي جدًا.
أخذت فردوس تسأل نفسها بالفعل، هل الأمر رائع حينما تحمل المرأة جنينًا في أحشائها، وحينما يكن من رجل تحبه يكن الأمر في غاية الروعة؟!!..
أم أن دعاء تبالغ في الوصف؟!؟!
السبع سنوات جعلوها تنسى حتى رغباتها السابقة في تكوين عائلة صغيرة مع كمال الرجل التي لم تحب غيره، لكن أنقلب كل شيء في لحظة ولا تعرف لما، لماذا، كيف؟!!
حسنًا أخيها بالنسبة لها هو ملاك، هو عالمها كله لذلك لم تجد سبب لقتله أبدًا، وحتى حينما تفكر عن السبب الذي دفع شريف فعل ذلك بهما لا يأتي في خاطرها أي شيء بالنسبة لها لا يوجد سبب يستدعي قتل شقيقها مهما كان، هو لا يستحق ذلك أبدًا.
كالعادة بكل بساطة استطاعت دعاء اقتحام عقل فردوس بعفويتها جاعلة عقلها يتخيل بعض المشاهد من وحي خيالها…
مشاهد هي متأكدة لن تأتي أبدًا إلا في خيالها مع أكثر رجل تعشقه، ولكنها لا تستطيع لمسه ليس لأنها لا ترغب بل هي تتوق لذلك ولكن العقبات كبيرة ولا أحد يستطيع تجاوزها..
_______
سخرت بشرى من كل شيء يدور حولها، كادت والدتها أن تتبرأ منها لأنها أخبرتها بأنه لن تستطع الحضور وفي الوقت نفسه هي لم تهتم بعودتها أو استقبالها فكانت تجلس في منزل شقيقها والد العروس..
تنهدت بضيق وهي ترمق الفستان التي قامت بشرائه ليلة أمس في سرعة قبل سفرها لم يعجبها ولم تنبهر به ولكنها كان عليها أن تشتري فستان وتغادر فقط حتى لا تغضب والدتها التي هي دومًا غاضبة من الأساس.
أمسكت هاتفها وتصفحته لتجد بأن (هلال) قام بقبول طلب الصداقة الخاص بها، كان هذا أكثر شيء مميز في الإشعارات الآن، وأيضًا ما لفت نظرها هي الصور التي تك إرسالها في جروب العائلة الخاصة بوالدتها التي تظن بأنها وضعت فيه عن طريق الخطأ فهي لا تندمج معهم على أي حال ولم ترغب في الذهاب في الساعات الأولى من اليوم لرؤية التحضيرات لأنها لا تشعر بالراحة معهم ببساطة.
جاءت جدتها زينب من الخارج وفتحت الباب بعد طرقات خافتة دخلت زينب وابتسمت لها قائلة:
-ايه لسه ملبستيش يعني؟!.
قالت بشرى بنبرة هادئة:
-يعني حاسة أنه لسه بدري، هو بابا جه؟!.
أردفت زينب بهدوء:
-هو قالي أنه في الطريق بس هيروح على هناك علطول وقال منتربطش بيه في الميعاد، وان جمال ابن مرتضى هيوصلنا.
احتقن وجه بشرى وقالت وهي تكز أسنانها:
-ليه جمال هيوصلنا ليه؟! ما احنا ممكن ناخد تاكسي في تلاتين ألف طريقة نروح من غير ما يجي هو.
تحدثت زينب بعد ضحكة خرجت منها:
-أنا مش عارفة أنتِ متعصبة ليه، يعني كتر خيره أنه سايب شغله وجاي يوصلنا، عايزة ايه تاني أنتِ؟!.
غمغمت بشرى باعتراض:
-عايزاه مينطش في كل حاجة، عايزاكوا متحاولوش تخلوه يحتك بيا.
قالت زينب بلؤم:
-أنا مش فاهمة مالك بس؟! وبعدين ده الواد محترم وبيحب يخدم اللي حواليه.
-أنا مش عبيطة وفاهمة أنتم بتحاولوا تعملوا أيه.
لم تعد صغيرة فهي تفهم رغبتهم في خطبتها من المدعو جمال، الذي يبلغ من العمر خمسة وعشرون عامًا، وهو مهندس زراعي، والده هو مرتضى (ابن عم منير)، لم تفهم الأمر في البداية بمفردها لتكن صادقة ولكنها بدأت تفهم حينما شعرت بحنق والدتها ورفضها للأمر.
تحدثت زينب باستنكار:
-تبقي عبيطة فعلا لو ترفضي واحد زي جمال، وبعدين انا أول مرة اشوف واحدة بتضايق من راجل علشان بيهتم بيها وعايز يتجوزها.
أردفت بشرى بنبرة طفولية:
-ده كفايا انه اسمه جمال.
ضحكت زينب ثم غمغمت بجدية:
-يابت بطلي بقا، اه اسمه على اسم جده وقديم شوية بس الواد عسل، واي واحدة تتمناه، هو أنتِ بتعملي كده علشان امك؟!.
قالت زينب كلماتها الأخيرة بشك فهزت بشرى رأسها نافية مما جعل زينب تقول:
-اه انا شجعتك على موضوع الشغل علشان حسيتك عاوزة كده، وعلشان تجربي وتشوفي الدنيا، بس البنت مصيرها تتجوز ويكون ليها بيت وعيلة، وتكون أم.
-أنا مش عاوزة أتجوز يا ستو لا جمال ولا غيره.
قطبت زينب حاجبيها بدهشة من أجابتها الفظة قائلة:
-يعني ايه؟!.
-زي ما حضرتك سمعتي، أنا مش عايزة اتجوز انا مينفعش اتجوز، ومش حابة اني اتجوز.
نظرت لها جدتها تنهرها لأول مرة بملامح غاضبة:
-هو أيه اللي مينفعش تتجوزي ومش عايزة تتجوزي، ايه الكلام الخايب اللي بتقوليه ده؟!.
-مش عايزة اتجوز بمعنى اصح مش حابة أكرر حياة ابويا وامي اللي مش طبيعية، أنا شايفة اني اشتغل واركز على مستقبلي أفضل بكتير.
بدأت زينب هنا تنتابها مشاعر غريبة..
هل حقًا الفتاة تربت عقدة لديها من أجل علاقة والديها؟!.
تحدثت زينب بنبرة هادئة:
-كل اتنين متجوزين طبيعي في بينهم مشاكل ده حال الدنيا.
لم تتقبل بشرى تلك الإجابة وهي تقول:
-بس مش طبيعي طول الوقت.
أبتلعت زينب ريقها ثم نهضت وهي تقول بجدية:
-البسي وجهزي نفسك علشان نمشي زمان جمال على وصول، وهيبقى لينا كلام تاني في الموضوع ده…..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ديجور الهوى)

اترك رد

error: Content is protected !!