روايات

رواية أنا والطبيب (قدر قيس) الفصل الأول 1 بقلم سارة أسامة نيل

رواية أنا والطبيب (قدر قيس) الفصل الأول 1 بقلم سارة أسامة نيل

رواية أنا والطبيب (قدر قيس) البارت الأول

رواية أنا والطبيب (قدر قيس) الجزء الأول

رواية أنا والطبيب (قدر قيس) الحلقة الأولى

– الدكاتره كلهم رفضوا المريضة دي للأسف يا دكتور لأنهم فشلوا معاها فشل ذريع، هي مجنونة من الأخر أو ممكن نقول ميتة..
مفيش أي تحسن ملحوظ ولو واحد في المية، محدش قدر يخرجها ولو خطوة واحدة من إللي هي فيه.
بصراحة صعبت عليا هتفضل عالطول كدا، دي عايشة ولا كأنها عايشة، على كدا أيامها معدودة ومش هتكمل عمرها.

رد الطبيب بأسف:-
– أنا يأست معاها وجربت كل أساليب العلاج ومفيش فايدة كنت قربت أتجنن، ومقدرتش أواصل أكتر من كدا واعتذرت.

– دا الدكتور السابع إللي يرفض الحالة ويفشل معاها.

كانت هذه جلسة لأطباء مشفى السبيل للأمراض النفسية والعقلية من بينهم الطبيب الجديد الذي استمع لكل كلمة بإنصات واهتمام.

قام من مكانه ثم هتف بهدوء ناطقًا بقراره المجنون المتهور:-
– أنا بقبل المريضة وتبقى حالتي الأولى هنا.

صُدم الجميع من قراره بعد كل ما قيل، هل سيكون أفضل من السبع الأطباء الذين أخفقوا!!
هتف الطبيب ماهر بتحذير:-
– إنت لسه جديد في مستشفى السبيل يا دكتور قيس، ولو دي حالتك الأولى هيكون في إحباط شديد لك.
إحنا واثقين من خبرتك ومن جدارتك بس إحنا متأكدين بردوه إن مفيش حالة زي دي قابلتك،
أتمنى تفكر وتسيب المريضة دي لحال نصيبها،
إنت متعرفش الحالة صعبة إزاي، ياريتها مثلًا بتثور ولا لها أي ردة فعل.
دي مهما عملت مش بيصدر منها أي ردة فعل وتقريبًا فاقدة النطق.
ارجع عن القرار المجنون ده يا قيس إنت لسه في بداية طريقك هنا.

قال بحسم وأعينه تشع إصرار:-
– عايز تقريرها لو سمحت يا دكتور ماهر أنا واثق من قراري وهباشر معاها العلاج والمتابعة من النهاردة وبإذن الله ربنا يشفيها ويجعلني سبب.

حرك الطبيب ماهر رأسه بقلة حيلة وقال:-
– إنت حر جرب مش هتخسر حاجة.
اتفضل دا تقريرها وأوضتها رقم ٢٠.

أمسكهم بإصرار وقال بصرامة:-
– شكرًا يا دكتور، بالتوفيق للجميع.

وخرج حيث مكتبه يتطلع للتقرير ما بين ذهول وتعجب وحيرة وحزن ثم بقوة خرج وصعد حيث الغرفة ٢٠ ليقابله مصير مجهول..

*****************

اقترب من الغرفة حتى توقف أمام بابها بملامح وجه معقودة ثم أخذ يتنفس بعمق مراتٍ عِدة قبل أن يدلف للداخل بعد أن طرق الباب بخفة..
لكن ما قابله بالداخل جعل الدماء تتجمد بجسده..

ظلام دامس تغرق به الغرفة إلّا من شعاع الضوء العليل هذا الذي ينبعث من نافذة دائرية ذات زجاج قاتم..
اقترب وهو يلمح جلوسها بتصلب فوق الفراش بسكون مهيب..
وسؤال واحد قُذف لعقله..
كيف لفتاة أن تُعالج من أزمة نفسية وسط هذا الظلام والكئابة؟!!
شعر بالغضب يسرى بأوردته غير متقبل هذا الأمر بتاتًا وهرع يُبعد الستائر ذات الألوان المُظلمة ثم أخذ يفتح النوافذ باتساع..
لتكون المفاجأة الثانية من نصيبه وهو يرى هذه الغرفة التي أقل شيء يُقال عنها أنها تُصيب بالأزمات النفسية..
الغرفة خالية إلا من مقعد واحد وفراش…
وألوان جدرانها رمادية باهتة، هل هذه أجواء يُعالج بها شخص مُحبط..!!
وسؤال أخر يدور بفلكه..
لماذا هذه الغرفة ليست كبقية الغرف!!
بقية الغرفة تعج بالحياة والأمل، ملونة بألوان زاهية مُزينة والضوء يغمرها وحديثة بأعلى المستويات كمستوى مشفى السبيل..

التفتت شاعرًا بنبض قلبه بعنقه لتقع أنظاره على الفتاة..
ظلت أعينه متوسعة تتأملها، باهتة، ساكنة، كاسفة، انقطعت أخبار الحياة عنها..
وجه شاحب، أعين يُكللها حلقات سوداء تلتف من حولها، جسدٌ باهت هزيل يتدلى فوقه ثوبٌ أبيض قطني بأكمام متسعة، بينما خصلات شعرها التي استرقت أغرب لون رأته عيناه، اللون النُحاسي..
تجلس وأعينها شاخصة في الفراغ بينما تضم ركبتيها لصدرها ولا يُشعرك أنها على قيد الحياة سوى رمشها بأعينها بين الحين والآخر..

كان قيس مأخوذًا مبهوتًا فسار حتى جذب المقعد وجلس بجانب فراشها يناظرها بشفقة وفضول فهي يلفها علامات استفهامية عديدة..

تنحنح ثم قال يجذب انتباهها:-
– أنا قيس..

وابتسم يكمل بمرح:-
– بس لا لا مش بتاع ليلى بس بيقولولي إن أمي هي إللي سميتني قيس أصلها كانت بتحب الأدب ومُعجبة باين بقيس بن الملوح..
بس مش تقلقي أن قيس البنا بس..

وكأنها لم تستمع لحديثه من الأساس لم يصدر عنها أي ردة فعل تدل أنها استمعت إليه..
واصل يتسائل ببعض الهدوء وهو لم يتفاجئ بردة الفعل هذه:-
– اسمك أيه؟

يعلم أن إجابته الصمت، كان بين يديه دفتره الخاص وقلم وأخذ يدون بعض الأشياء وقبل أن يواصل حديثه معها كان الطبيب سامي يقتحم الغرفة وعلى وجهه أمارت الفزع وهدر آمرًا:-
– يلا الكل يرجع يقفل الستاير دي ويضلم الأوضة.

انتفض قيس من مقعده وقال باعتراض:-
– كدا غلط كبير يا دكتور .. إزاي عايزنها تتعالج بالطريقة دي .. دي زنزانة مش غرفة في مستشفى كبيرة زي دي..

ردد الأخر بصرامة ونبرة لا تقبل النقاش:-
– دي أوامر يا دكتور قيس وأرجوك متفتحش علينا أبواب جهنم، وبعدين متحاولش تعالجها لأنها مستحيل تستجيب .. هي هتموت وهي مكانها كدا..

وخرج بغضب تاركين إياه بعد أن غرقت الغرفة في الظلام مرةً أخرى..
كلمات أشبه بالكثير من الألغاز العجيبة، ما هذا الهراء الذي تفوه به للتو، إنها جريمة!!
كان يتنفس بعنف وصدره يعلو ويهبط بجنون ليحاول تنظيم أنفاسه وهو يستدير نحوها ليراها مازالت على نفس الوضعية..
اقترب منها ينظر داخل عيناه التي تومض بشكل عجيب بلونها الزبرجدي تقابل أعينه البُندقية الحادة ثم ردد بإصرار أمام وجهها:-
– هتتعالجي وهرجعلك الحياة وهتعيش حياة سعيدة وهخرجك من الظلام ده بإذن الرحمن..
وعلشان أبدأ رحلة العلاج صح لازم أعرف أنتِ مين وحياتك كانت إزاي وأيه وصلك للمرحلة دي!
هوصلك وهفك لغزك يا …..

وصمت قليلًا ليهمس بإصرار:-
– يا … قدر.

وخرج من الغرفة كالإعصار تاركها وسط ظُلماتها..

****************

أبعد عويناته ينظر لهذه الطبيب المنتقل حديثًا للمشفى باهتمام، ظل يطالعه قليلًا فزفر قيس بملل وقال:-
– أيه يا زكي هتفضل تبصلي كتير كدا وكأنك أول مرة تشوفني ولا تعرفني..
لازم تساعدني بأي معلومة تعرفها عن قدر..
في حاجة غريبة أنا مش فاهمها.!

علّق زكي المسؤول عن الأرشيف بسؤال متعجب:-
– مين قدر؟!

طالعه قيس وهو يكاد أن يجن من بروده ليتدارك زكي قائلًا:-
– قصدك المريضة إللي في الأوضة رقم ٢٠..

ردد قيس بسخرية:-
– وهي ملهاش اسم يعني!! .. ملفها مكتوب إن اسمها قدر حتى الاسم الثلاثي مش موجود .. قدر كدا وخلاص .. ومفيش أي معلومات عنها أبدأ من عندها العلاج..

نطق زكي وهو شاب في بداية الأربعين من عمره بهدوء:-
– بصراحة متعودين نقول المريضة رقم ٢٠ .. ممنوع نطق اسمها..

جحظت أعين قيس باستنكار ليُكمل زكي بنُصح:-
– بص يا قيس أنتَ لسه جديد هنا ومتعرفش حاجة .. فخد مني النصيحتين دول لله وعلشان أنا بحبك..
متحاولش تتدور ورا المريضة رقم ٢٠..
مفيش هنا أي معلومة عنها أقدمها ليك ولا نعرف عنها حاجة إحنا كموظفين صغيرين..
الأوامر إللي تخصها بناخدها من المسؤولين الكبار وصاحب المستشفى..
وأنت كمان لازم تنفذ الأوامر علشان مش تتأذي ومتفكرش كتير يا دكتور قيس..

وتركه وذهب .. تركه في دوامة تبتلعه، للمرة الأولى يجابهه شيء كهذا..
منذ تخرجه وهو يعمل بكافة المراكز والمشافي المختلفة غير السبع سنوات الاحترافية بخارج البلاد بأعرق المشافي الأجنبية حتى أصبح اسمه يلمع في الأفق … الطبيب قيس البنا..
والآن يقف عاجزًا خاوي اليدين أمام … قدر..
رؤيتها لمرة واحدة نجحت في استحواذ فِكره وشحذ إهتمامه..
فمن هي قدر، وما الذي حدث لها، ومَن خلف هذا كله؟!!!

خرج يسير بالممر بشرود وعقله يعمل بجميع الجهات حتى توقف أمام الغرفة النائية التي تحمل الرقم (٢٠).
ودون تردد دلف للداخل لعله يصل لشيء لكن فور أن وقعت أعينه فوق الفراش حتى توسعت أعينه بصدمة….
وهمس دون إدراك:-
– قدر..!!

يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أنا والطبيب (قدر قيس))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *