روايات

رواية مملكة سفيد الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم رحمة نبيل

رواية مملكة سفيد البارت الحادي والعشرون

رواية مملكة سفيد الجزء الحادي والعشرون

مملكة سفير
مملكة سفير

رواية مملكة سفيد الحلقة الحادية والعشرون

صوت الصراخات والسباب يعلو في المكان بشكل مفزع، سبات لم تسمع بهم في حياتها بأكملها، سبات جعلت أعينها تتسع بشكل مثير للضحك، ولأنها تجهل اصول زمرد التي هي أبعد ما يكون عن نشأتها، شعرت بالرعب من أن تنطق فتاة بمثل تلك الكلمات.
وزمرد التي ترعرت بين زمرة من بقايا الرجال، ورغم تربية والدتها الصالحة لها، إلا أنها دون إرادة كانت تتشرب منهم بعض الصفات كالشراسة والعنف في جميع تصرفاتها، ولسانها الذي لا تتحكم به طوال الوقت، شيء هي لا تفتخر به، بل تشعر بالعار منه، لكن الأمر صعب التخلص منه، فأضحت توجهه لمن يستحقه
وبرلنت في هذه اللحظة _ من وجهة نظر زمرد_ تستحقه ونصف .
اختفى جسد برلنت خلف كهرمان التي تقف في المنتصف بين الاثنتين وهي تحاول ردع زمرد عن قتل كهرمان بعد اختفائها لأيام، حتى أن زمرد كادت تركض صوب تميم وتتشاجر معه .
” اسبوع أيتها الـ …”
اوقفتها كهرمان بصرخة غاضبة من كل تلك البذاءة :
” زمرد تأدبي في كلماتك ”
أشارت زمرد بغضب صوب برلنت :
” انظري ماذا فعلت بنا ؟؟ لقد كدت اقتل هذا التميم الخاص بها ”
ظهرت في تلك اللحظة برلنت تصرخ باحتدام ورفض شديد :
” لا اياكِ زمرد، اياكِ والاقتراب من تميم ”
صمتت ثواني تستوعب ما قالت زمرد لتبتسم بسمة واسعة وهي تستمر في استفزاز آخر ذرات صبر زمرد التي لا تمتلكها في الحقيقة :
” بالمناسبة اعجبتني تلك تميم الخاص بي، نعم هو خاص بي وحدي ”
تشنجت ملامح زمرد بقوة وهي تشير لها بعدم فهم :
” أعانك الله على عقلك يا امرأة، ماذا اقول أنا وماذا تفعلين أنتِ ؟!”
” ماذا ؟!”
زفرت كهرمان تدفع الاثنتين بعيدًا عن بعدهما البعض وهي تقول بصوت هادئ :
” حسنًا، وقت مستقطع آنساتي، دعونا نهدأ لنعلم ما حدث مع الفتاة ”
نظرت صوب برلنت تنتظر منها تصريحًا عن سبب اختفائها، وكذلك تحفزت جميع حواس زمرد التي ضمت ذراعيها لصدرها تنتظر تفسيرًا يقنعها :
” نعم واحرصي أن يكون سبب قهري قوي يستعدي غيابك ايام طوال دون ترك خبر بذلك، كأنكِ أصبتي بضربة سيف، أو صوب أحدهم سهمًا لقلبك مثلًا ”
ابتسمت لها برلنت بسمة أخبرتها أنها الآن على وشك قول تعليق سيشعل غضبها مجددًا لتسارع زمرد لرفع اصبعها محذرة إياها:
” إياكِ أن…”
” نعم، أصابتني سهام حبه يا فتاة ”
اشتد غضب زمرد لتندفع صوبها لولا جسد كهرمان التي أخذت تصرخ بهما، وزمرد مصرة على الإمساك بها، تمد يديها تحاول التقاط وجهها :
” سأقتلك أيتها المستفزة عديمة الكرامة، اقسم أنكِ عارٌ على النساء اجمعين ”
ابتسمت لها برلنت تضم ذراعيها لصدرها :
” عار لأنني أشعر، وماذا عنكِ أيتها البذيئة ؟!”
حاولت زمرد الإفلات من يد كهرمان غاضبة :
” هذه البذيئة تستطيع العيش وحدها دون الحاجة لرجل، تسطيع الدفاع عن نفسها، ماذا تفعلين أنتِ أيتها الجبانة الضعيفة المستفزة ؟!”
” استطيع صنع فطيرة التوت التي تجبرك أنتِ على فعل كل هذا لأجلي ”
كبتت كهرمان ضحكة كادت تفلت منها لتبتسم زمرد دون وعي وهي تقول :
” نعم هي محقة، استطيع فعل كل هذا لأجل فطيرتها، سحقًا لتلك المعدة العديمة الكرامة كبرلنت، تجبرني على فعل ما لا أريده ”
أطلقت كهرمان ضحكات صاخبة بينما برلنت اقتربت من زمرد تضمها بحب، وقد كانت هذه المرة الأولى التي تحظى برفاق غير تميم، رفاق احبوها دون مقابل، عدا فطيرة التوت لزمرد .
ابتعدت عن زمرد تضم لها كهرمان بحب :
” اشتقت لكم يا رفاق ”
” نحن أيضًا عزيزتي، أين كنتِ بيرلي ؟؟”
ابتسمت برلنت لسماع ذلك اللقب تتنهد بتعب قليلًا:
” كنت في المنزل وحدثت أمور كثيرة كادت تودي بمستقبلي ”
نظر لها الاثنان بفضول لتبدأ وتقص عليهم كل ما حدث وصدر من والدها وردة فعل تميم الذي أخبرها أنه وبعد الانتهاء من أمور الحرب سيعلن في المسجد زواجهما ولو أُتيحت فرصة قبل ذلك لن يتأخر ..
ابتسمت لها كهرمان بحب وهي تربت على وجنتها بحنان :
” أوه حبيبتي مبارك لـ …”
وقبل أن تكمل كلماتها دفعتها زمرد جانبًا بغضب وهي تمسك كتفي برلنت بشكل مخيف :
” هل ستغضبين مني إن قتلت والدك ؟!”
” بالطبع زمرد ما الذي تتحدثين به، هذا أبي”
نظرت لها زمرد بغضب وكادت تقول بغضب واستنكار وماذا في ذلك ؟؟ أنا أيضًا قتلت أبي، لكن لثواني توقفت وفكرت قليلًا في الواقع، أي مقارنة تجريها الآن بين شخص أكبر آثامه هو الجشع والطمع، وبين والدها الذي كان اصغر ذنوبه واهونها القتل، شتان بينهما ..
صمتت تبتعد عنها وهي تقول :
” حسنًا لا بأس، لم أكن سأفعل على أية حال ”
وهذا صحيح فهي ليست قاتلة لتتحرك وتقتل كيفما تريد، هي لا ترفع سيفها أو تستخدم قوتها أمام شخص ضعيف، أو شخص ليس مذنبًا، وهذا ما تعلمته من والدتها، لا تستطيع أن تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وقتل والدها وأعوانه كان أكبر حق .
وبينما هم جالسون في الأرضية يتناولون غداءهم الذي قرروا أخذه للحديقة بعيدًا عن الجميع للتحدث براحة، أبصر الجميع تحرك الملك على بُعد صغير منهم مع العريف يتحدث معه بجدية كبيرة في بعض الأمور ولا يبدو على ملامحه الرضى لشيء .
لم يهتم البعض عداها هي التي أطالت النظر به وكأنه سيتلاشى في هذه اللحظة، مخطئة، اخطأت وتناست أن النظرة إثم، أخطأت وتجاوزت الحدود، لكن شخص كالملك بكل ما به يجذب أي انثى في محيطه دون أن يدرك، ولا تقصد بكل ما به مظهره أو وسامته وخصلاته السوداء أو عيونه الخضراء، بل تقصد هيبته ولباقته وخبثه الذي كان أرسلان يتحاكى به طوال الوقت، بل ويتفاخر أن رفيقه بمثل هذه العقلية ..
أرسلان الذي كان في تصرفاته أقرب لقائد الجيوش سالار، لكن حكمه للبلاد أجبره على التمتع ببعض التريث والحكمة، ليصبح مزيجًا بين تجبر سالار، وبعض خبث وتفكير إيفان، لكن في النقطة الثانية إيفان يتفوق ..
راقبت كيفية انعقاد حاجبيه، ثم ابتسامته الساخرة وفجأة استدار صوبها وكأنه شعر باعينها المصوبة عليها، فزعت وقد اتسعت عيونها بقوة :
” يا ويلي ..”
لكن الملك نزع عيونه بكل برود يعود بنظراته صوب العريف لتتنفس الصعداء وهي تشكر ربها أنه لم ينتبه لها بسبب المسافة بينهما .
لكن عند إيفان والذي أبصرها بشكل واضح جلب بسمة جانبية لشفتيه والغضب بدأ يتدافع لصدره ليجذب انتباه العريف الذي رأى ما ينظر إليه ليقول :
” إذن نحن انتهينا من هذا الحديث ؟؟”
” نعم، غدًا تذهب مع بعض الرجال حيث هو للتحدث معه، ذهابك أنت لن يثير الشك بقدر إرسال رجال من جيشي، فمن سيشك بعجوز مثلك ؟؟ ”
ابتسم له العريف بسخرية يربت على كتفه قبل الرحيل :
” كنت لاغضب منك الآن، لكن يكفيك تلك الحيرة التي تعلو ملامحك يا بني، أعانك الله على محاربة نفسك ”
ختم حديثه، ثم رحل ببساطة تاركًا إيفان يراقبه بعدم فهم، وهو فقط ابتسم مبتعدًا وحينما مر على كهرمان هز رأسه لها بشكل افزعها، ليستدير في تلك اللحظة إيفان ويرى نظرات العريف لها ونظراتها له ليبتسم بسمة غريبة وهو يهمس :
” غامضة ها ؟؟؟”
_________________________
اسمها الذي خرج منه دون شعور لم يستوقفه أو يثير تعجبه وهو يركض صوبها ملتاع مرتعب يرى جسدها ملقى ارضًا، اتسعت أعينه وهو يحاول الاقتراب لمعرفة ما حدث معها، مد يده قبل أن يبعدها مجددًا لا يدري ما يفعل في تلك الحالة.
نظر خلفه صارخًا بغضب في مهيار الذي تصنم ارضًا ليس لحالة تبارك، بل لحالة سالار نفسه، ابتلع ريقه حين سمع هديره :
” ما بك مهيار، تحرك وتعال لترى ما حدث للملكة، تعال وانظر إليها، يا الله هي فاقدة للحياة ”
اقترب مهيار منه بسرعة ليرى ما حدث وقبل أن يفعل أوقفه سالار وهو يقول :
” لا لا، بل اذهب واحضر طبيبة القصر ”
صمت ثم قال بعصبية واضحة :
” أو تعال أنت لفحصها ”
وحينما كاد يقترب منها صرخ به وبالجميع :
” لا لا، أذهب تميم بسرعة وأحضر الطبيبة، لا تقترب مهيار”
شعر مهيار بالحيرة ليردد :
” سيدي يبدو أن حالتها لن تنتظر أن نستدعي الطبيبة، رجاءً دعني احملها للداخل وافحصها ”
نظر له سالار قبل أن يقول بهدوء تمكن منه أخيرًا :
” حسنًا، لكن لا لا تقترب منها، أنا، أنا سأحملها، أو تميم اذهب لإحضار بعض العاملات ليفعلن ذلك ”
وما كاد تميم يتحرك حتى صرخ سالار :
” حسنًا أو لا، هل هذا سيؤذيها ؟؟ إذا تأخرنا ؟؟ افحصها هنا مهيار، سنخرج ونمنع أي أحد من الدخول للمشفى وأنت افحصها دون أن تحركها لربما تسبب هذا في اذيتها”
زفر مهيار يشعر بالاختناق من هذه الأوامر التي لا فائدة منها يميل بجسده بغية حمل تبارك :
” حسنًا سيدي، آسف لكن فحصها هنا غير ممكن، الأرضية باردة والأجهزة والأدوات كلها بالداخل، دعني احملها رجاءً و…”
لكن قبل ذلك قال سالار بسرعة وهو يميل حاملًا إياها بسرعة كبيرة وكأنه يلتقط صخرة صغيرة عن الأرض، يهرول صوب الغرفة بسرعة وعقله لا يفكر في شيء في هذه اللحظة سوى في حالتها وما حدث لها وضعها بسرعة على الفراش، ثم استدار بسرعة صوب مهيار الذي لحق به، ليخرج هو بسرعة كبيرة يغلق الباب دون كلمة ووقف أمامه بملامح جامدة تحت أعين تميم ودانيار اللذين تبادلا نظرات صامتة تشي بكل ما يعتمر داخلهما .
فجأة سمعوا صوت سالار يقول بجدية :
” تميم اذهب لإحضار طبيبة القصر ”
رمقه تميم بغيظ شديد وحاول كبت حديثه، لكن خرج منه دون إرادة وهو يردد بحنق :
” هل اذهب أم أنتظر أن تغير رأيك قائد ؟!”
حدجه سالار بنظرات صارمة ليبتلع تميم ريقه بهدوء وهو يردف بصوت خافت :
” أوامرك قائد ”
وما كاد يرحل حتى أوقفه سالار بقول :
” وتميم …”
توقف تميم وشعر أنه سينفجر إن نفى أمره السابق، لكن سالار لم يكن سيفعل، هو فقط يفكر إن كان عليه أخبار الملك بما حدث للملكة أم لا ؟! أوليس هو زوجها المستقبلي كما هو مقدر ؟؟
لكن ودون أن يشعر وجد نفسه يتحدث بشرود دون حتى أن ينظر لتميم، وكأن قلبه اتخذ القرار بسرعة ومرره للسانه دون انتظار موافقة من عقله :
” لا شيء، اذهب واحضر الطبيبة ”
هز تميم رأسه يرحل بسرعة قبل أن يوقفه القائد مجددًا، بينما دانيار كان يحدق بوجه سالار ولأول مرة يشعر بشيء مريب به، شيء لن يسعد أحدهم إن كان حقيقيًا، فقط يأمل ألا يحدث، هل كُتب عليهم جميعًا أن يعانوا إثمًا اجباريًا عليهم ؟؟
” هل أنت بخير يا قائد ؟!”
نظر له سالار بعدم فهم :
” ولماذا لا اكون دانيار ؟! لستُ أنا المريض كما ترى ”
هز دانيار رأسه واكتفى باجابته ولم يزدها كلمة إضافية، بينما سالار ظل واقفًا مكانه يتخيل مظهرها وهي ساقطة ارضًا شاحبة الوجه بشكل مرعب، يالله هل يعقل أنها ماتت؟؟
عند هذه الفكرة انتفض جسده بقوة رافضًا لكل ذلك، هي لن تفعل قبل أن يخبرها أنه ما قسى عليها يومًا إلا لأجلها، لم يعاملها كما يفعل إلا ليبعدها عنه، فهي كانت تنظر له نظرة الغريق الذي يتعلق بالقشة، وهو يرفض هذا بالكامل، فلا علاقة قد تجمعه بها إلا علاقة سطحية لملكة وقائد جنود .
هذا فقط ..
فجأة ابتعد عن باب الغرفة حين خرج مهيار وهو يقول بجدية :
” نحن نحتاج لبعض الاعشاب التي نعاني نقصًا منها ”
نظر سالار للورقة بيده وهو ينتزعها منه :
” هاتها سأرسل بها أحد الجنود ”
اعترض مهيار بسرعة لانتزاع حجته لرؤيتها بهذه السهولة من بين أنامله، يحاول استردادها :
” لا يا قائد أنا سأذهب بنفسي لـ ”
رمقه سالار بنظرات مرعبة وهو يهتف بنبرة آمرة قوية :
” مهيار ..اهتم بالملكة حتى تأتيك طبيبة القصر، والآن أخبرني ما هي حالتها ؟؟”
” اشتباه في مرض البول السكري، لا ادري حقًا فالتأكد من الأمر يحتاج بعض الوقت، لكن تحسبًا لذلك، وبالاعتماد على جميع العوارض التي تعاني منها، جعلتها تأخذ اعشاب ستساعدها، يبدو أنها تعاني مرضًا مزمنًا واهملت علاجه ”
صمت وهو ينظر لسالار الذي سرح بعقله نحو كل تلك اللحظات التي كانت تطالبه فيها بالطعام لأجل أخذ ادويتها، وهو وقتها تجاهل السؤال عما تقصد، ولم ينتبه له أو يهتم به، غبي …
” إذن ستصبح بخير ؟؟”
نظر له مهيار بهدوء شديد وما زالت عيونه متجهة صوب الورقة التي يحملها بين أنامله :
” نعم ستكون ”
تنحنح ثم قال بهدوء :
” إذن هل ستعطيني الورقة لإحضار الأدوية المطلوبة سيدي ؟؟”
ابتسم دانيار بسمة جانبية يهمس بالقرب من مهيار :
” تدعي خوفًا واهتمامًا لا تمتلكه أيها الماكر ”
صمت يرى ردة فعل مهيار على حديثه والذي كان التفاتة محذرة له أن يتمادى في الحديث معه، لكن كيف وقد جاءت وأخيرًا فرصة دانيار كي يزعج شقيقه الأصغر مستمعًا برؤية ملامح الشر تعلو وجهه ليميل هامسًا في أذنه:
” تخيل أن تفوز على القائد وتأخذ منه الورقة وعندما تذهب لا تجدها هناك ؟! خيبة أمل وحسرة، صحيح أيها العاشق الولهان ؟!”
وإن كان يظن أنه بهذه الكلمات سيستفز غضب وهدوء مهيار، فقد أصاب، إذ صرخ مهيار فجأة بصوت مرتفع ناقلًا المحادثة لمستوى آخر متسببًا في صدمة سالار الذي كان شاردًا بعيدًا عنهما، يفتح عيونه يرى الإثنين ارضًا كلٌ يمسك بتلابيب الآخر، يتبادلان اللكمات .
متى حدث كل هذا ؟؟ فجأة هكذا كادوا يقتلون بعضهم البعض دون مقدمات .
وفي الأرض كان الإثنان يتدحرجان تباعًا، دانيار يضرب مهيار لكمة، والآخر يردها له بغضب وهو يهمس :
” صبرًا حتى تجد تلك المغفلة التي سيبتليها الله بك، وقتها سأريك الجحيم ”
دفعه دانيار بقوة يعلوه هو هذه المرة يجذب تلابيب ثيابه :
” ومن أخبرك أنني سأسمح لك بالاقتراب منها حتى لإلقاء السلام أيها الطبيب الفاشل الاحمق الـ ”
” دانيار ..مهيار ”
تصنمت اجساد الاثنين وقد نسيا فجأة ما حدث وكأنهما دخلا عالمًا منعزلًا، اتسعت أعين الجميع ليميل دانيار فجأة على مهيار الذي ما يزال يمسك بتلابيبه يقبل خصلات شعره، ثم ابعد يده يعدل له ثيابه :
” عزيزي كيف سقطت ارضًا أنت، هيا دعني اساعدك ”
ابتسم له مهيار بسمة صغيرة يتجاوز عما كاد يحدث منذ ثواني، فقط كي لا يتكرر ما حدث آخر مرة حين عوقبا بخمس ساعات من التدريبات .
” اشكرك دانيار، ادامك الله لي سندًا عزيزي ”
نهض دانيار بسرعة وهو يساعد مهيار لينهض كذلك ينفض له ثيابه، ثم ضمه له في مشهد متكرر لسالار، ابتسم لهما بسخرية لاذعة :
” حقًا ؟! ألم تسئما تلك المشاهد المتكررة ؟؟”
وقبل أن يتحدث أحدهما بشيء استمع الجميع لصوت تحطيم قوي آتٍ من الغرفة المجاورة والتي كانت تقبع بها تبارك، لتنفلت نفس الكلمة السابقة من سالار وهو يهمس برعب متحركًا صوب الغرفة بسرعة :
” تبارك …”
نظر مهيار ودانيار لبعضهما البعض بريبة على ما يحدث، قال مهيار بهدوء :
” إذن هل ندخل ؟؟”
” بل انتظر لنرى الاما ستنتهي الأمور، وحتى ذلك الحين يكون تميم قد عاد بالطبيبة …”
_____________________
كان في طريقه لإحضار طبيبة القصر بسرعة كبيرة كي يتجنب غضب قائده؛ قائده الذي لا يفهم حقًا ما يحدث له، فجأة تحول بشكل غريب، خرج من حالة جموده بشكل ملحوظ.
حسنًا لا اعتقد أن لك علاقة بما يحدث تميم، أنت فقط ستنفذ الآن أوامر قائدك دون مناقشة أو …مهلًا هل هذه صغيرته بيرلي هنا ؟!
توقفت أقدامه عن الحركة حين ابصرها تجلس في أرضية الحديقة جوار أحد المباني، ترفع غطاء وجهها وتجلس رفقة بعض الفتيات، ثواني وابصرها تنهض بسرعة وهي تنفض ثيابها ببسمة جعلته يبتسم دون شعور يراها تتحرك، وقد وصله صوتها وهي تقول :
” علينا العودة للعمل، اعتقد أن الفتيات في طريقهن الآن للمزارع و…..”
توقفت عن الحديث بصدمة كبيرة حين مرت أمام تميم الذي كان واقفًا دون حراك بوجه جامد، لتطلق صرخة مرتعبة وهي ترفع يدها لتنزل غطاء وجهها بسرعة جعلت أعين تميم تتسع في بسمة غير مصدقة يشير لنفسه وهو يجذب ذراعها له :
” أيتها الحمقاء تسيرين بوجه مكشوف وحين ابصرتني سارعتي لتغطيته؟”
كان يتحدث بأعين متسعة من الصدمة، يضيف :
” هل ارتديته لأجلي خصيصًا أم ماذا ؟!”
ولم يكن هذا صحيحًا، لكن برلنت لم تدرك ما يحدث، وكأنها لم تستوعب بعد أن تميم الآن يدرك هويتها جيدًا، الأمر تم دون إرادة منها، يدها تحركت بسرعة لتنزل الغطاء، توترت وهي تحاول التحدث :
” لا لا، أنا فقط تميم، هو … أنت فاجئتني ”
نظر لها تميم بحاجب مرفوع لتبتسم هي بسمة لم تظهر من أسفل غطائها، وملامح الغضب التي تعلو وجهه أثارت عندها موجة ضحك حاولت تداركها قبل أن تعلو .
ولم تنتبه برلنت في غمرة انشغالها بتميم أن كهرمان انسحبت تجر خلفها زمرد بالقوة والتي كانت تأبى التنحي جانبًا لأجل تميم، تهمس بقنوط وحنق :
” ماذا هل سيأخذ رفيقتنا الآن ؟!”
همست لها كهرمان موبخة :
” هو زوجها زمرد ”
” ونحن رفيقاتها كهرمان ”
قلبت الأخيرة نظراتها تتنهد بحنق :
” ليريحني الله من كل تلك المناقشات التي تستنزفني زمرد ”
وعند تميم جذب برلنت جانبًا بقوة وهي تسير خلفه مبتسمة وكأنها لا تعي شيئًا سوى أنها أصبحت واخيرًا قادرة على التحدث معه والوقوف أمامه دون أن تدّعي جهله أو تتعامل معه كالغريب .
وهو فقط كان يحاول أن ينأى بها جانبًا ليتحدث معها بصوت منخفض لا يصل لأحد، وربما يوبخها للجلوس في الخارج في مكان معرضة فيه أن يمر عليها أحد الجنود، وكذلك يوبخها لأمر العمل ..
لكن ما كاد يقف ويفتح فمه للحديث، حتى أبطلت هي كامل حججه الواهية للشجار معها وهي تقول بصوت لطيف ذكره بالصغيرة بيرلي :
” هل تناولت غداءك تميم ؟؟”
حسنًا لقد باغتته وافسدت كل ما حضر له في الطريق لهذا الركن، بالله كيف سيصرخ بها الآن وهي بمثل هذا اللطف ؟؟
تنفس بصوت مرتفع يقول :
” برلنت ”
” بل بيرلي تميم، نادني كما اعتدت قديمًا ”
كانت تتحدث وهي تقترب منه ترفع الغطاء ترفرف برموشها في قوة؛ رغبة منها في استعطافه، وفي الحقيقة هي لم تكن في حاجة لذلك .
أفسد تميم تقدمها وهو يرفع سبابته يضعها على رأسها دافعًا إياها للخلف مرددًا :
” ليس الآن وأنا غاضب، دعيني أخرج ما يعتمر صدري قبل أن ألين لكِ”
نظرت له بعدم فهم ليضع هو يده على وجهها يخفيه خلف قبضته الكبيرة الخشنة مرددًا بجدية :
” وتوقفي عن تحريك رموشك بهذه الطريقة، حتى انتهى ”
تحدثت برلنت بصوت مكتوم من خلف كفه، أجبره مكرهًا أن ينتزع يده وهو يزفر :
” نحن متفقان ؟؟ ”
” على ماذا ؟!”
” على أن تخفضي اسلحتك لحين انتهي من حديثي الجاد برلنت ”
ابتسمت له برلنت بسمة خبيثة تقترب منه أكثر بعدما أحبط زحفها الأول صوبه، لتجمع جيوشها في لحظات معدودة وتعيد هجومها بضراوة تمسك ذراعه بسرعة كبيرة تتعلم من مرتها الاولى وهي تقف أمامه مبتسمة ببراءة هي أبعد ما تكون عنها :
” مالي أراك وقد أصبحت تخشى الأسلحة ؟؟ أوليست تلك صنعتك من الأساس ..سيدي صانع الأسلحة ؟؟”
” عندك تتهدم كل مهاراتي برلنت، منذ متى ونفعتني أصابعي _الماهرة في التعامل مع أي أسلحة _ في التعامل مع خاصتك ؟؟”
أطلقت برلنت تأوهًا تضحك بمرح وهي تتراجع للخلف بعدما قطعت مع جيوشها واسلحتها شوطًا كبيرًا جعلها تشعر بالخطر حين لاحت لها نظراته :
” آه أنت تعزز غروري دون شعور سيدي القائد، وهذا ليس جيدًا لأجلك صدقني ”
” تستحقين برلنت ”
صمت ثم رفع يده يخفض الغطاء على وجهها فقط ليكمل الحديث دون أي تأثر يقول بجدية :
” ما الذي أخبرتك به سابقًا ”
” الكثير من الأمور ”
” ومن بين هذه الأمور الكثير، لم تنتبهي لذكري أمر العمل ؟!”
نظرت له بعدم فهم ليقول بجدية وهو يضع يديه داخل سترته الثقيلة يقول بصرامة :
” اخبرتك أنني لا أرجح عملك برلنت صحيح ؟؟ ليس معنى أنني لم أعلن بعد زواجنا أنني سأسمح لكِ بإكمال حياة سابقة لا أرتضيها لكِ، أنتِ زوجتي وامرأتي برلنت ”
انتفض غرورها الأنثوي بشكل خطير جعلها ترسم بسمة لم يرها هو وجيد أنه فعل كي يتجنب أي خسائر إضافية في صفوفه، بعد خسارته المخزية أمام هجومها السابق .
” لكنني اعتدت الأمر تميم، كما أنني لن أجد مبررًا لتركي العمل بهذه الطريقة ”
” أي مبرر هذا ؟! أنتِ زوجتي ؟! أنا سأخبر المشرفة والجميع أنكِ زوجتي برلنت، ما بكِ هل سنخفي زواجنا ؟؟”
صُدمت حديثه ثم قالت :
” لكن تميم أنا …”
” برلنت رجاءً لا أريد جدالًا في هذا الأمر، اريحي قلبي وارضخي لقراري ”
نظرت له ثواني ثم هزت رأسها تقول :
” حسنًا، لكن وحتى تتضح الأمور أكثر سأظل بالغرفة مع رفيقاتي ”
” الأميرة وصديقتها ؟!”
اتسعت أعين برلنت بصدمة :
” تعرف ؟؟”
أطلق تميم ضحكات مرتفعة يقول :
” اعتقد أن جميع من بالقصر يعرف هويتها عدا الملك، أو ربما لا …”
ولم يدع لها فرصة الاستفسار عن مقصده وهو ينتقل للنقطة الثانية التي أراد التحدث بها :
” غطاء الوجه، طالما أنكِ بالخارج لا أريدك أن ترفعيه، طالما كان المكان الذي تجلسين به معرض لمرور الجنود برلنت، وإن أردتِ الجلوس على راحتك والحديث كما تريدين دون تقييد، فأعتقد أن هناك العديد من الأماكن المناسبة لذلك والتي لا يطأها رجل، لذا اجلسي بها افضل من الجلوس في هذا الركن ”
نظرت له برلنت بخجل تهز رأسها لأجله، ليتنفس هو بصوت منخفض يقول وهو يرفع غطاء وجهها يخفي جسدها بجسده يميل بعض الشيء ليصل لها مبتسمًا بلطف :
” والآن بيرلي أخبريني ما أردتِ قوله ”
رفعت برلنت عيونها له ليبتسم هو بسمته المميزة التي كان يخصها ويستقبلها بها كلما ذهبت إليه، لترد له جميلهُ وتبتسم له نفس بسمتها التي كانت تلقيها له وهي تركض له، وكأنهما في هذه اللحظة تشاركا الذكريات نفسها .
بيرلي الصغيرة تركض بين الحقول المحيطة بمنزليهما وهي تصرخ باسمه :
” تميم انظر ماذا فعلت ؟! صنعت فطيرة توت وحدي ”
رفع تميم رأسه عن الجرة التي كان يصنعها يمنحها بسمة فخورة وهو يقول :
” احسنتي بيرلي، أنتِ ماهرة في كل ما تفعلينه صغيرتي ”
اتسعت برلنت وهي تنظر لوجه تميم أمامها، تميم الحالي، نسخة أكثر نضجًا وجاذبية وروجولة، نسخة جعلت تعلق الطفولة وانجذاب المراهقة يتحولون لعشق دون شعور منها .
ابتسم لها تميم بسمة لم تساعد البتة على تخفيف ما تشعر به وهو يهمس بلطف نفس جملته :
” هل يعجبك ما ترين بيرلي ؟!”
وهي لم تحرمه ردها الذي يحبه تلقي به له :
” أنت وسيم ”
ويل تميم وويل قلبه في تلك اللحظة، لم يعتقد يومًا أنه قد يحبها أكثر مما يفعل، لم يكن هناك إمكانية لذلك حتى وهو وصل لأقصى درجات حبها، لكن الآن يشعر أنه بالفعل يتقدم .
ابتسم لها تميم يدرك مكان وجودهما رغم اختفائهما عن الاعين، ورغم أنها زوجته، لكن لا دينه ولا أخلاقه ولا غيرته تسمح له بعناقها في هذه اللحظة هنا، لذلك ابتعد عن طريقها بعدما أعاد غطاء الرأس:
” ارحلي عزيزتي الآن..”
نظرت له بعدم فهم ليدفعها بلطف :
” اذهبي لأي مكان تحبينه وحينما انتهى مما أفعل نتقابل مساءً في معملي، وسأخبر الملك قبل ذلك بالأمر كله و اساسًا دانيار والقائد يعرفون الـ ”
صمت فجأة بصدمة لتتسع اعينه وهو يهمس :
” يا ويلي، القائد …..”
________________________
رحلت مع زمرد منتوية أن تنتهي من عملها، نعم هي ستعمل هكذا قالت، لكن منذ متى صدقت في شيء يخص عملها ؟؟
تنهدت بصوت مرتفع وهي تتحرك بعيدًا عن الجميع ترى ما ستفعل حتى تنتهي الاعمال، وكذلك زمرد التي منذ وصلوا لمنطقة العمل تلاشت وكأنهم أخذوا وعد صامت ضمني على الافتراق في هذه المنطقة حتى تنتهي فترة العمل .
وها هي تدور في ممرات القصر كلها، تمنح نفسها نشوة كاذبة كانت تشعر بها قديمًا وهي تمسك أطراف فستانها تتحرك بين ممرات قصرها .
أمسكت بالفعل أطراف فستانها الاسود وعلى وجهها غطاء رأس نفس اللون مع بعض خيوط الفضة اللاعمة والتي وضعتها لنفسها كي تكسر حالة الحداد التي تحيا بها هذه الأيام .
تصعد الدرجات الجانبية في القصر وهي تتلمس الجدران حولها شاردة في ذكريات قديمة، لحظات تتمنى عودتها بفارغ الصبر، لكن أي أمل ذلك الذي تحيا به ؟؟
وصلت باقدامها دون شعور صوب طابق علوي لم تعلم عنه شيئًا قبلًا، وابصرت به العديد من النساء اللواتي يتحركن في كل مكان دون غطاء رأس أو حتى حجاب ..
فتحت عيونها بصدمة تهمس بأول شيء خطر برأسها وقد ارعبتها هذه الفكرة :
” ملك يمين ؟؟”
لا لا يعقل أن يكون للملك ملك يمين، هي لم تسمع يومًا بهذا الشيء أو حتى كان الأمر مألوفًا لدى ملوك هذه المملكة تحديدًا، لكن ما التفسير لكل هؤلاء النساء اللواتي يسرن بحرية كبيرة في المكان ؟!
فجأة اصطدم بفتاة قصيرة القاعة صاحبة شعر اسود قصير ونظرات لطيفة وهي تقول :
” معذرة منك، لم انتبه لكِ ”
هزت لها كهرمان رأسها دون وعي وهي تنظر حولها بتفكير، لتسمع صوت الفتاة تقول بجدية :
” هل أنتِ من الفرقة الراقصة ؟! ”
نظرت لها كهرمان بعدم فهم :
” عفوًا ؟؟”
” الفرقة الراقصة التي ستحيي حفلة النساء يوم العيد الوطني، أنتِ منها ؟؟”
” ماذا؟؟ آه نعم صحيح .. أنا من ..”
صمتت فجأة تستوعب ما قالت وهي حتى لا تفقه أي عيد وطني هذا و…مهلًا العيد الوطني لسفيد والذي يصادف كذلك عيد الممالك الأربعة، يوم أُنشأت جميع الممالك .
كيف نست وهي من كانت تتولى كل عام تنظيم الحفلة الخاصة بالنساء والتي تتكون من رقصات لبعض الفرق النسائية مع قرع الدف، بعيدًا عن حفلة الرجال والتي كانت تعتمد اعتماد كلي على تناول الطعام والأحاديث المتبادلة والتهاني، ومن ثم يجتمع الكل في ساحة المملكة لسماع كلمة الملك حول أمور عديدة، ثم تحين لحظة توزيع الهدايا على الشعب والتي يخصصها لهم الملك .
أمور جعلتها تشعر بالوجع داخل صدرها، أتى العيد ودولتها حزينة، وأي عيد ذلك الذي سيحياه شعبها وهم حتى لا يستطيعون عيش أيامهم العادية بسلام ؟؟
لكِ الله يا مشكى …
أفاقت على يد الفتاة التي جذبتها معها وهي تقول :
” إذن تعالي معي لارشدك حيث الجميع ”
حاولت كهرمان جذب يدها من الفتاة رافضة وبشدة الأمر :
” ماذا ؟؟ لا لا أنا لست منهم، أنا لا أريد ذلك، لقد جئت هنا بالخـ …”
وقبل أن تكمل كلمتها وجدت نفسها قد أُلقيت في غرفة فسيحة تمتلئ بالستائر البيضاء التي ترفرف وهناك العديد من الارائك المخملية التي تنتشر في المكان والكثير من الفتيات يتمايلن في الأركان وأخريات يضربن الدف بحركات معينة، وواحدة تغني بصوت عذب للغاية .
اشياء أعادت لها ذكريات غير مرحب بها، نظرت للجميع وهي ترى واحدة تقترب منها تجذبها صوب الحلقات النسائية تنزع عنها غطاء الوجه وهي تردد :
” هيا يا ابنتي ليس لدينا وقت لنضيعه، علينا التجهز ”
وفي هذه اللحظة شعرت كهرمان بالجميع يدور من حولها وهي تنظر لها من بين رموشها وخيالات أخرى تراودها لفتيات اخريات…ولها .
تدور في الغرفة أمام جميع الفتيات بحرية وخصلات شعرها تتطاير وهي ترقص بدلال وقوة، صفتان متنافرتان استطاعت الجمع بينهما بكل غرابة .
ابتسمت وهي تغمز لوالدتها، ثم بدأت تميل للخلف لتدلى خصلاتها حتى لمست الأرض محركة أكتافها برشاقة كبيرة، ومن ثم اعتدلت تحرك ذراعيها في الهواء وهي تدور بين الجميع ببسمة واسعة .
فجأة أطلقت شهقة حين شعرت بيد المرأة تقول :
” ما بكِ يا ابنتي ؟؟ هل أنتِ بخير ؟!”
نظرت كهرمان حولها للجميع بصدمة قبل أن تعتذر بكلمات خافتة :
” أنا…أنا آسفة..”
وفي سرعة مخيفة كانت تركض خارج الغرفة والطابق كله تهبط الدرجة تركض بخطوات واسعة، دون وعي تبعد عنها اطياف الماضي، تركض دون شعور تحاول صم أذنها عن صوت غناء والدتها وصوت ضحكات شقيقها وهو يسخر منها بقوله :
” دعكِ من هذه الامور كهرمان، لا تدعي أمي تفسدك، وتعالي نكمل تدريبات الأمس التي هربتي منها يا فتاة …”
سقطت دموعها ترى من بينهم البوابة التي تقودها للخارج، ستخرج تختبئ في أحد الأماكن وتبكي بكل جبن كعادتها، لكن وقبل أن تصل اعترضها جسد لتصطدم فيه بقوة، لكنها لم تتوقف لترى من هو تكمل ركضها .
ولم تكد تعبر بوابة القصر إلا وسمعت صوتًا جاء من خلفها بصرامة يقول :
” غطاء وجهك ..”
توقفت كهرمان فجأة لا تعي ما يحدث، تتحسس وجهها لتدرك فجأة أنها دون غطاء، ابتلعت ريقها تخفي وجهها، ثم استدرات ببطء لتُصدم برؤيته يحدق فيها بهدوء شديد وملامح باردة جامدة :
” غير مسموح لأي امرأة داخل جدران القصر بالسير دون غطاء الوجه، المرة المقبلة التي تخالفين فيها هذه القوانين سأتأكد بنفسي أن تنالي عقابك ”
كانت كلماته قوية صارمة جعلت صدر كهرمان يشتعل بالغضب، هي حقًا في هذه اللحظة تشعر بحسرة وقهر تبدلوا لغضب، لا ينقصها وأوامر من أحد ومنه خاصة، لذلك تجرأت وتخطت كامل حدودها .
اندفعت داخلها رغبة غبية بمخالفة أوامره لذلك دون شعور خطت للخلف وهي ما تزال تنظر له، وحين أصبحت خارج بوابة القصر، وعلى اعتاب الحديقة، رفعت الغطاء متغاضية عن أي اعتبارات تنظر له بهدوء وبسمة صغيرة :
” ها أنا أصبحت خارج جدران القصر، وتلك القوانين تشمل منطقة الرجال والقصر والحدائق الجانبية، إذن قوانيتك لا تسري عليّ الآن مولاي ”
اتسعت بسمتها لرؤية اتساع عيونه بصدمة مما فعلت، خالفت قوانينه واوامره، هي من كانت تكتفي بحجابها داخل قصرها ولم تعتد اخفاء وجهها طوال الوقت حيث ممنوع على الراجال رفع عيونهم في أي امرأة، كما تسير الأمور هنا، لكن تحسبًا لأي فتنة أو وسوسة شيطان يزين لهم نظرة، أوليس هذا ما حدث معهم ؟؟
أمسكت أطراف فستانها وكأنها تخبره بشكل غير مباشر أن أوامره لا تسير عليها هي تقول بهدوء :
” اعذرني مولاي فلدي أعمال عليّ القيام بها ”
مالت برأسها نصف ميلة، ثم رفعتها ببساطة تتحرك بعيدًا عنه تحت أعين إيفان المصدومة والذي شعر في هذه اللحظة برغبة عارمة بالقتل، تحرك بشكل مرعب داخل قصره وهو يحاول ايجاد من يفجر به غضبه، تحدته بقوانينه .
غاضب حارق أصاب صدره …
وهي بمجرد أن استدارت انزلت غطاء الوجه تتحرك بقوة ولم يعد يعنيها أن يتعرف عليها أو لا، شعرت بأنها ملت كل ذلك، ملت واصابها اختناق شديد أدى لانفجارها …
__________________
حاولت أن تستوعب ما يحدث حولها في هذه اللحظة، أين كانت وأين أصبحت، وما هذا الهدوء حولها، منذ متى كان فراشها في المشفى أو حتى منزلها بمثل هذه الراحة، أو الهدوء ؟؟
حسنًا التفسير الوحيد لمثل هذه الراحة التي تشعر بها هي أنها واخيرًا انتقلت لجوار ربها، وكم أسعدتها هذه الفكرة، أن يحدث ذلك بعد توبتها واعتزالها جميع مفاسد حياتها التي انغمست بها سابقًا، مريحة تلك الفكرة أن ترحل وأنت شاعر بالرضا وقد تبت عما سلف ..
فيا حسرة من يدركه الموت قبل التوبة .
تنهدت تبارك براحة شديدة تحاول التنفس بشكل طبيعي، لكن وحين فعلت شعرت برائحة اعشاب حولها، رائحة تفوح بقوة كما لو أنها في ..
” عطارة ؟؟؟”
فتحت عيونها تزامنًا مع خروج تلك الكلمة منها بعدم فهم لما يحدث حولها، ولم تبصر سوى السقف فوقها وعيونها تتحرك في كل مكان بحثًا عن إشارة تخبرها أنها بخير .
” هل أنتِ بخير ؟!”
” ماهو هو ده اللي بحاول أعرفه، أنا بخير ؟ أنا مت طيب ؟؟ أنا في القبر ؟!”
هز سالار رأسه وهو يقف بعيدًا عن الفراش يتنفس الصعداء بعدما اطمئن عليها يشاهد خيالها ارضًا يتحرك ليدرك أنها اعتدلت في جلستها فرفع عيونه لها يقول بهدوء :
” سأعتبر أن فقدانك لعقلك أمر طبيعي، لذلك نعم أنتِ بخير ولله الحمد ”
استدارت تبارك صوبه ببطء وهي لا تعي بعد ما يحدث حولها :
” أنا فين ؟؟”
” في المشفى ”
” الشيفت بتاعي بدأ ولا ايه ؟!”
كانت تتحدث وهي تشعر بعيونها تكاد تنغلق دون إرادة منها، وسالار رمقها بعدم فهم، لا يدرك ما تقصد لكنه قال :
” أنا لا افهم ما تريدين، لكن أنتِ سقطتي ارضًا شاحبة كالاموات، ما الذي تعانين منه ؟!”
قالت تبارك بصوت منخفض وهي تتحرك برأسها صوبه :
” صداع، الصداع هيموتني، وراسي …حاسة إن حد ضربني عليها بعصاية”
رفع حاجبه يقول بتذكر :
” لا أنتِ فقط سقطتي ارضًا بعنف، لربما لهذا السبب ”
” محدش لحقني ؟؟ ”
” لا لم يفعل أحد ”
هزت رأسها وهي تنظر أمامها تقول بصوت منخفض :
” أنا عطشانة ”
تحرك سالار صوب إحدى القوارير التي يضعها مهيار على النافذة لتبرد، ثم اقترب منها يعطيها لها وهي ارتشفت حتى اكتفت، ثم نظرت له تقول :
” أنا فين ؟؟”
اتسعت عيون سالار يسحب منها القارورة :
” ما بكِ يا امرأة أخبرتك أننا في المشفى، هل أثرت الوقعة على عقلك؟! أنتِ بالأساس لا ينقصك شيئًا لتفقدي ما تبقى من عقلك ”
” بعمل ايه في المستشفى ؟!”
سحب سالار مقعده ثم جلس أمامها وكأنه على وشك نزع اعتراف مجرم :
” هذا سؤالي أنا، ما الذي جاء بكِ هنا وما هو مرضك الذي تعانين منه وترفعتي عن اخبارنا به ؟!”
نظرت له تبارك ثواني وهي تشعر بالدنيا تدور حولها، ليس لارهاقها، لكن لأنه كان آخر شخص تود أن يعلم عن مرضها، هو دون شيء يعاملها كما للاطفال اللذين لا يفقهون شيئًا، ينتقد ضعفها ويكرهه، ماذا إن علم أنها مريضة بمرض مزمن نفذ علاجه منها ؟؟
” أنا… أنا فقط كنت أشعر بالإرهاق بسبب …بسبب … آه صحيح، كنت أشعر بالإرهاق لأنكم تهملون طعامي ”
” حتى في الكذب فاشلة، توقفي عن الكذب حين تضيق بكِ الأحاديث، إن لم تودي التحدث بأمر فقط قولي أنك لا تودين ذلك عوضًا عن الكذب ”
نظرت له بقوة تستخدم حديثه ضده :
” حسنًا إذن أنا لا أود الحديث ”
ابتسم لها بسمة مستفزة يقول :
” بلى ستفعلين، أخبرك هذه الحجة لتخبري بها الجميع عداي، أنا استثناء هنا، والآن مولاتي تكرمي واخبريني مما تعانين أنتِ ؟!”
نظرت في عيونه بصدمة لتلك الكلمات، لكنها عادت وأبعدت عيونها عنه ترفض الحديث وهو ابتسم بغيظ يقول :
” مرض السكري ؟؟”
اتسعت عيونها بقوة تستدير له بصدمة هامسة بكل غباء :
” أنت عرفت ؟؟”
ابتسم بانتصار يخفي خلفه غضب شديد منها :
” لِمَ اخفيتي الأمر عنـ…عنا ؟؟ ”
كاد يخبرها ( عني ) لكن للحظات قليلة، أدرك أنه لا يعنيه أن يعلم الأمر على وجه الخصوص، بل المفترض ألا تخفيه عنهم جميعًا كي يهتموا بها، فهذا المرض له علاج مكثف هنا، ومن رحمة الله بها، أن هناك العديد من النباتات النادرة التي تساعدهم في التعايش مع هذا المرض حتى يصلوا لحل جذري ..
نظرت له تبارك ترفع حاجبها بشكل لم يعجبه إذ شعر أنها تسخر منه دون الحديث، وها هي السخرية بالحديث تأتيه :
” بجد والله ؟! هو أنت ناقص سبب عشان تستضعفني عشانه ؟؟”
دُهش سالار لحديثها ذلك :
” استضعفك ؟! يا امرأة هل فهمتي جميع افعالي بهذا الشكل ؟؟”
هزت رأسها بنعم وهي تتراجع للخلف برعب من نظراته، ليعض هو شفتيه بغضب :
” لا عجب أنكِ حمقاء مولاتي . ”
” وعلى ايه مولاتي ؟! قولي يا بت يا تبارك ”
” لا استطيع نزع الألقاب ”
باستثناء مرتين فقط خرجوا دون إرادة مني، لكن حتى هذه اللحظة لم استوعب بعد الأمر، نادى الملكة باسمها ويجلس معها في هذه اللحظة يحاول انتزاع كلمة منه ليتأكد أنها بخير حال .
ما هذا الحال السخيف الذي وصل له ؟؟
وتبارك لم تكن تعي هذا الامر، وهي تسخر من جملته السابقة غافلة عن شروده في افكار بعيدة عنها وتدور حولها .
” لا تستطيع نزع الألقاب، لكن بتنزع الاحترام عادي، يا جدع بتحرجني بأخلاقـ ”
فجأة انتفض سالار بشكل ملحوظ أدى لانتفاضها هي كذلك على الفراش تتراجع للخلف بريبة وهي تنظر له بخوف كأنه سينقض عليها ويقطعها اربًا، وهو قال دون مقدمات حين وصل لنقطة غير محمودة :
” حسنًا بما أنكِ بخير سأرحل وأرسل لكِ فتاة تبقى جوارك وكذلك سأعلم الملك بما حدث و ….”
وقبل الرحيل أوقفته تبارك بسرعة كبيرة وهي تقول :
” لحظة يا قائد ..”
توقف ينظر لها بملامح جامدة تخفي خلفها الكثير، وهي لم تهتم وهي تقول بصوت خافت :
” هل ..هل يمكنك كتمان الأمر، رجاءً لا داعي ليعلم أحد بخصوص مرضي، ارجوك هذا الأمر لن يشعرني بالراحة ”
نظر لها وود لو يخبرها أن هناك ثلاثة آخرين شهدوا مرضها، لكنه رغم ذلك لم يملك سوى أن هز رأسه بهدوء يميل لها نصف ميلة وهو يقول :
” أوامرك مولاتي ”
ابتسمت تبارك بسمة واسعة وقد اعجبتها تلك الكلمة وهذه الطاعة البادية اعلى وجهه :
” الأمر لله وحده، بس لو مش هزعجك يعني ممكن تبعتلي حد بالاكل، لأحسن صاحية كده حاسة بهبوط”
” هبوط ؟؟ أي هبوط ؟؟ هبوط ماذا ؟؟”
نظرت له بعدم فهم وهو يقف ينتظر منها تفسير عما قالت وهي ظلت تنظر له طويلًا حتى انتبهت أنه ما يزال واقفًا :
” أنت مستني إجابة بجد ؟؟”
” نعم ”
نظرت له طويلًا وهي تقول :
” شيء أشبه بشعور الجوع مع الإرهاق و….بقولك ايه ما تجيبلي اكل أنا مش عارفة اركز في حاجة، أكلني وانا هقولك يعني ايه هبوط ”
انتبه سالار أنه ما يزال يقف مكانه بعدما كان قد قرر الرحيل والآن فقط انتبه، نفخ بعنف، ثم خرج من الغرفة دون كلمة واحدة وهي عادت برأسها على الفراش تقول :
” أنا لو مموتش من المرض، هموت يا بسبب المجاعة دي، يا بسببك …”
لكن ورغم كل ذلك هي شعرت في جزء داخل اللاوعي خاصتها بسعادة غريبة، هو خاف عليها واحضرها هنا، إذن هو إنسان في النهاية …….
_______________________
انتزع الورقة وفاز بها بكل استحقاقية، تتساءلون الآن عن مقدار فرحته المبالغ بها بالحصول على ورقة الاعشاب المطلوبة لأجل الملكة من بين انامل سالار، بخبركم أنها أكبر من مجرد فرحة ..
وصل أمام المحل الخاص بها يتنفس بصوت مرتفع ولا يدرك متى نمت تلك اللهفة داخل صدره لرؤيتها هو فقط لا يدرك سوى أنه وحين شعر بابتعادها جُن جنونه مدركًا حقيقة تملكه لها، حقيقة في منتهى الأنانية، لكنه يقبل بها .
دفع باب المحل ببطء شديد يتحرك للداخل يبحث بعيونه عنها يود لو يبصرها فهو يستحق أن يظفر بنظرة منها بعد كل تلك المعركة في إقناع سالار ..
لكن تحطم كل ذلك مع سماع كلمات والدها وهو يتحدث بصوت مهلل :
” مرحبًا مهيار ”
ابتسم مهيار بسمة صغيرة اقتنصها بصعوبة من بين تدافاعات الحسرة داخله :
” مرحبًا يا عم، كيف حالك؟؟”
” بخير حال الحمدلله، كيف أنت والجميع بالقصر ؟؟”
” نحن بخير لا تقلق ”
صمت يفكر فيما سيفعل، هل ينسحب الآن ويخبره أنه مر للتحية فقط ويحتفظ بحجته الذهبية ليكرر المحاولة مرة أخرى عله يكتب له التوفيق بها ؟! وإن فعل ذلك فالملكة تحتاج العلاج بسرعة وهو لن يكون بمثل هذه الأنانية .
تنهد يضع ورقة أمام العم وهو يقول بصوت خافت :
” رجاءً أود هذه الأعشاب ”
نظر الرجل في الورقة قليلًا قبل أن يبتسم ويأخذها ليحضرها، وهو وقف مكانه ينظر هنا وهناك، يحرك عيونه في المحل بملل، ما الذي منعها الحضور اليوم ؟! ألم تعلم أنه سيأتي ؟؟
سمع صوت العم يعود وهو يردد :
” لقد وجدت لك البعض مما تحتاجه يا مهيار، لكن لم أجد لك الاعشاب فهي نادرة للغاية ولم احصل منها على كمية كبيرة هذا الشهر ”
نظر له مهيار ينتزع نفسه قسرًا من حالة التيه الخاصة به وهو يجادله :
” كيف ذلك، لا أرجوك أن تحاول البحث عنها في أسرع وقت فنحن في أمس الحاجة لها يا عم، سيعطيك الملك كل ما تملك مقابل تلك الأعشاب ”
نظر له الرجل بتعجب ثم قال :
” يا بني الأمر لا يعتمد على الأموال، لكن هي بالفعل نادرة وتنبت على مدار أعوام طويلة، لكن إن أردت فأنا احتفظ بالبعض منها في منزلي فأنت تدرك حالة زوجتي الصحية، لربما استطيع اعطائك البعض منها حتى اتدبر كمية أخرى”
اتسعت بسمة مهيار براحة شديدة، يميل على مكتب الرجل :
” نعم ارجوك، يمكنني الذهاب وأخذها من المنزل الخاص بك، أو أخبر أحدهم أن ينتظرني بها أمام المنزل ”
هز الرجل رأسه يقول بهدوء :
” حسنًا أعتقد أن زوجتي في المنزل الآن، يمكنك الذهاب والطلب منها وهي ستعطيك ما تريد ”
ابتسم مهيار يصافح الرجل مودعًا شاكرًا :
” اشكرك يا عم سيقدر الملك صنيعك هذا وبشدة ”
رحل بسرعة كبيرة سعيدًا مبتسمًا، ليس لأنه تدبر في الاعشاب المطلوبة للملكة، بل لأن فرصة لقياها أضحت ممكنة الآن .
توقف أمام منزلها يتنفس وهو يدعو الله أن تكون بالداخل وألا تخيب ظنه للمرة الثانية، واخيرًا ابتسمت له الحياة حين وصل لمسامعه صوتها تردد :
” لحظة واحدة ”
ثواني هي حتى فتحت الباب تستقبل القادم، لتتسع عيونها بصدمة حين أبصرت وجهه تردد :
” سيدي الطبيب ”
وكلمة «قلبه » كادت تهرب من بين شفتيه، لكن آخر ذرات تعقله أمسكت بها تربطها مجددًا في عمود رزانته وهو يردد :
” نعم، مرحبًا ليلا .”
أفق مهيار هذا العشق وهذا الوله لا يليق بك، أنت هادئ عاقل، لا يعقل أن هذا الاندفاع تولد داخلك بين ليلة وضحاها .
تنهد يرى صمته طال ونظراتها المتسائلة ازدادت تعجبًا ليقول بهدوء :
” جئت لأخذ بعض الأعشاب التي يحتفظ بها العم هنا، هو من أرسلني ”
” أبي ؟؟”
” نعم، هذه الأعشاب ”
مد يده بالورقة لها لتبصر اسم الاعشاب التي يريدها وهو أخذ يوضح لها الأمر لتهز رأسها بهدوء تبتعد عن الباب بهدوء تقول مخفضة نظراتها :
” معذرة والدتي ليست هنا ”
” لا بأس، احضري لي الاعشاب لارحل ليلا ”
هزت رأسها تتحرك للداخل تجاهد حتة تحفظ دقات قلبها بخير، بينما هو ابتسم بسمة صغيرة يستند على الجدار الخاص بالمنزل في انتظار عودتها بما جاء لأجله، راضيًا بنظرات صغيرة حتى تصبح له ومعه للأبد.
لكن تلك الغمامة الوردية تفجرت حين وصل له بعض الهمسات من النساء في المنازل حوله، همسات غريبة لا يفهم لها معنى ولم يهتم بها، ومنذ متى ألقى أذنه لهمسات النساء ؟!
لكن أن تحتوي تلك الهمسات على اسمها أمر جذب انتباهه يحاول معرفة ما يتحدثن به، لكن لم يسمع سوى كلمات كـ
” مسكينة ”
” كل يوم يأتي منزلهم رجل ويغادر وهي باقية ”
” عسى أن يرزقها الله من يتقبلها بما هي عليه ”
لم يفهم مهيار كلمة مما تدور حوله ولم يهتم لهن وهو يرى ليلا تقترب منه ومعها عبوة زجاجية بها بعض الأعشاب التي يحتاجها تقول ببسمة صغيرة :
” تفضل هذا ما تحتاجه”
” شكرًا لك ليلا ”
نظرت له بخجل وقد تراقص قلبها لهمسته تلك باسمها تهز رأسها وهي تقول بصوت منخفض :
” لا داعي للشكر سيد مهيار، بالشفاء العاجل لصاحب الاعشاب ”
ابتسم لها بسمة صغيرة ينظر لعيونها نظرة أثارت تعجبها قبل أن يتجرأ ويقول :
” أدري أن الأمور لا تسير بهذه الطريقة ليلا، لكن قريبًا وفي المرة القادمة التي سأطرق بها بابك، لن أرحل إلا بكلمتك ووعدك لي ”
” وعد ؟؟”
ابتسم لها يقول بلطف يميل لها بكل رقي :
” وعد ستُبنى عليه حياتي القادمة، آنستي ”
نظرت له بتعجب وقبل الحديث بكلمة استأذن منها بكلمات غامضة، تاركًا إياها واقفة تحاول فك خيوط غموضه ومعرفة حل الغازه، وقبل أن تغلق الباب أبصرت نظرات النسوة المشفقة من حولها لتتعجب وهي تستأذنهم الرحيل وتغلق الباب :
” ما الذي يقصده يا ترى ؟؟”
__________________
الغد موعدهم وما أقرب الغد .
نظر لجدران القصر وكأنه يشاركها لحظاته الأخيرة قبل رحيله بقيادة جيشه لمواجهة في بافل ورجاله .
توقف أمام جناح الملك يطلب اذنًا بالدخول، سرعان ما أتاه ليخطو داخل الجناح الهادئ المظلم يرى جسد إيفان يتوسط الفراش بشكل غريب، كمن فقد الحياة وسلّم بالموت .
اقترب منه بهدوء يقول بصوت منخفض :
” مولاي ..”
” إيفان ”
رفع رأسه قليلًا ينظر لعيون سالار، ثم ابتسم بسمة مرهقة يقول :
” فقط إيفان سالار، نحن لسنا في العمل الآن”
صمت يريح رأسه مجددًا يشير على الفراش جواره ليبتسم له سالار بسمة صغيرة يتحرك صوبه وهو ينزع حذاءه يقول بهدوء :
” إذن ما الذي حدث ؟؟”
” أنت من جاء يزعج انفرادي بذاتي، فلا تسألني ما الذي حدث ”
ضحك سالار ضحكة خافتة يلقي جسده جوار إيفان يشاركه التحديق بالسقف وهو يهتف :
” إذن هل ستخبرني ما يؤرقك منذ أيام إيفان ؟؟”
” آه يا سالار مالي ووجع الرأس أنا؟ منذ جلست على ذلك العرش ولم يمر بي يومًا إلا وظهر لي شيء يؤرقني ”
صمت ثم قال بنبرة حنين :
” النفس تهفو لرحلة طويلة بالقرب من البحرية معك ومع … أرسلان”
نظر له سالار ثواني قبل أن يبتسم :
” إذن تعترف الآن أنك تشتاق أرسلان ؟؟”
نظر له إيفان بدهشة يقول دون مواراة :
” ومتى لم أفعل سالار ؟؟ أنت تدرك جيدًا دون غيرك أن الأمور بيني وبين أرسلان لم تكن بمثل هذه البساطة لتنتهي بـ ..”
” صفعة ؟؟”
كلمة مستفزة قالها سالار بغرض الضغط على جرحه لإخراج قيحه، وهو فقط أحمر وجهه ينتفض عن الفراش متحركًا بعيدًا عنه وكأنه يود تجنيب رفيقه نيران غضبه التي ظهرت في عيونه .
” تلك الصفعة ما يزال صداها يرن في أذني، لكن ودون إرادة مني تغطي أصوات ضحكات أرسلان أذني”
صمت ثواني ثم استدار له يقول بصوت منخفض يهمس بكلمات لم يصرح بها حتى لنفسه :
” سالار، أنا لم أكره أرسلان لحظة واحدة ولم اغضب منه، أتعلم أنه لو كان تنازل عن كبريائه الاحمق للحظة واحدة وجاء يعتذر لي، اقسم أنني كنت سألقي بكامل عداوتنا عرض الحائط واجذبه لاحضاني أخبره أنه احمق ليظن أنني قد اغضب منه ”
مسح وجهه يكره ذلك الوجع الذي يملئ صدره حين يتذكر أيامه مع أرسلان، يحاول الابتسام وهو يترحم عليه في صدره ثم قال بهدوء يغير الحديث كي لا يظهر ضعفه امام سالار :
” إذن جئت لي لأجل أمرٍ ما ؟؟ أم أنك تذكرت وجود رفيقًا لك لم تجلس معه منذ أسابيع جلسة هادئة ؟؟”
نظر له سالار ثواني يقول ببسمة صغيرة :
” تريد مجاملة أم حقيقة ؟!”
أطلقت إيفان ضحكات عالية يدرك جيدًا أنه حتى وإن اختار المجاملة فهو لن يخبره بها، لأن سالار باختصار لا يجامل أحدهم .
” هات ما عندك سالار ”
نظر له سالار ثواني قبل أن يقول بصوت خافت بعد صمت لثواني :
” جلالة الملكة ….”
______________________
تجلس في الغرفة بعد عودته وهو يجلس أمامها ينتزع منها بعض الاشياء التي تخص مرضها، يسجل كل ما تقوله في دفتر أمامه وكأنه يحاول الاستفادة منها قدر الإمكان.
وحين انتهت قالت بهدوء :
” أنا بخير الآن، متى سأخرج ؟!”
نظر لها ثواني وكأنه يفكر في حديثها :
” حسنًا أنا لا أدري، ماذا تعتقدين أنتِ، أخشى إن خرجتي تسقطين ارضًا مرة أخرى ولا يجد القائد غير جسدي ليتدرب عليه ”
نظرت له تضيق عيونها وهي ترى نظرات مهيار المترددة وكأن ذلك السالار يثير رعب جميع قاطني هذا القصر :
” هل يمتلك صلاحيات عليك ؟! أنت لست أحد أفراد جيشه ”
نظر لها مهيار ثواني قبل أن يقول :
” في الواقع أنا كذلك، فأنا طبيب الجيش الأول، اعمل في المقام الأول لمعالجة الجنود، ثم أفراد هذا القصر، في الحروب أذهب معهم وهذا يضعني تحت مسؤولية القائد، إذن الحصيلة هي أن اوامره تسري عليّ ”
صمت ثواني ثم مال عليها يهمس بصوت منخفض :
” أوتعلمين شيئًا ؟؟ كلمة القائد سالار تسير على جميع قاطني هذا القصر بلا استثناء عدا أربعة فقط .”
نظرت له بفضول اشتد لتعلم ما يقصد وهو بدأ يعد على أصابعه :
” الملك لأنه يحترمه، والملكة الأم تحميها مكانتها من بطشه، والعريف لأنه لا يهتم إن قُتل على يده، وبومة العريف التي تستطيع الاختفاء من أمامه حين يغضب ”
توقف عن تعديد من نجوا من بطش سالار، وكم تمنت لو نطق بالخطأ اسمها في تلك القائمة، لكم أرادت أن تكون من هؤلاء المحظوظين الذين استثناهم من بطشه .
لكن على من تضحك، إن نجى الجميع من بطشه فهي الوحيدة التي لن تفعل .
أنت تقول بصوت منخفض :
” هل القائد سالار يعاني ماضيًا محزنًا تسبب في بناء شخصية متجبرة كشخصيته ؟!”
نظر لها مهيار ثواني وكأنه يفكر في الأمر، ولكنه في النهاية هز كتفه بهدوء يقول :
” لا أدري حقًا ولا أعتقد أن أحدهم يعلم ما حدث في حياة القائد عدا الملك إيفان وارسلان، فهم كانوا اصدقاء طفولته، لكن كل ما أعرفه أنه تربى وترعرع في هذا القصر منذ الصغر حتى نضج واستحق مكانة قائد الجيوش الأول”
في هذه اللحظة اندفع جسد الملك للغرفة بعد طرقة صغيرة للباب يقول بلهفة وخوف شديد مرتديًا ثياب عادية لا تمت لمكانته كملك بصلة .
أقترب منها يقول بهدوء شديد :
” مرحبًا مولاتي، كيف حالك ؟؟ أخبرني سالار أنكِ مرضتي فجأة ”
ابتسمت تبارك بسمة صغيرة ترحب به بخفوت :
” مرحبًا مولاي، أنا بخير لا تقلق، فقط ..بعض الإرهاق ليس إلا”
ابتسم لها بهدوء يجذب أحد المقاعد يجلس أمامها يقول باهتمام شديد نابع من جزء داخل قلبه لا يعلم له من دافع فقط يعلم أنه يهتم بها و يزعجه أن تعاني، صمت ثواني ثم نطق بلطف :
” إذن ربنا يمكننا أن نؤجل دروسك الأيام القادمة كي تستردين عافيتك، ما رأيك سالار ؟؟”
رفعت رأسها حين سمعت صوته لتتفاجئ به يستند على باب الغرفة بهدوء يقول :
” لا، لا تأجيل، هي بخير كما ترى إيفان”
اتسعت أعين تبارك وهي تنظر بصدمة لمهيار تسأله بعيونها أهذا هو الملك الذي وضعته في أول القائمة الآمنة من هذا الطاغية ؟؟
ومهيار هز كتفه دون فهم .
نظر إيفان بحنق لسالار الذي قال بهدوء :
” لا تنظر لي هكذا، أنا أتحدث معك الآن كرفيق وليس كملك ”
” إذن حدثني كملك ونفذ ما آمرك به سالار ”
هزت تبارك رأسها ترسم حنقًا على ملامحها وكأنها تشجع إيفان هامسة لنفسها :
” أيوة اديله في جنابه”
لكن الرد جاءهم من سالار يقول :
” حين ترتدي تاجك وثيابك الملكية، سأعاملك بهذا الشكل، وحتى ذلك الحين، لا طلبك مرفوض أنا لا اتهاون في التدريبات وأنت تعلم ذلك حسن وكلت لي أمر تعليمها بنفسي ”
زفر إيفان بصوت مرتفع يتمتم غاضبًا بشكل جعل سالار يبتسم وكأنه سعيد بهذه النتيجة، وتبارك تراقبه بغضب وملامحه غير راضية المرة كأنها تسأله ( ما هي متعتك في تعكير صفو الآخرين ؟)
زفر إيفان يتجاهل سالار وهو يقول :
” دعكي منه الآن سأتعامل معه، أنا فقط أردت الاطمئنان عليكِ قبل الغد، وأيضًا أردت اخبارك أنني فخورٌ بكِ ملكة تبارك، أخبرني كلّ من تميم ودانيار حجم تقدمك في التدريبات ”
نظرت خلفه صوب سالار وكأنها تسأله ماذا عنك؟! ألم تخبره مقدار النجاح الساحق الذي حققته عليك ؟؟
وهو بادلها النظرات بأخرى ساخرة .
وتلك البسمة لم تصمتها إذ نظرت لإيفان تقول :
” ماذا عن المبارزة ؟! ألم يخبرك معلمي مقدار النجاح الذي حققته ؟؟”
تنحنح إيفان يقول ببسمة صغيرة :
” اعتقد أنك اصبحتي تعلمين أي نوع من الأشخاص هو سالار، لذلك طالما أنه منحك هذه النظرة فاثق أنك تبلين حسنًا وقد أصبحتِ على أعتاب منافسته شخصيًا ”
رفع سالار حاجبه بحنق وبسمة جانبية ارتسمت على فمه، وهي أخذت حديث الملك على محمل الجد تبتسم بسعادة كبيرة جعلت سالار يزفر بحنق :
” الآن سأسلمها سيفي ودرعي وتقود هي الحروب بدلًا مني ..”
لكن الملك لم يهتم لكلماته فقط منحها بسمة لطيفة، ثم نهض يقول :
” إذن اعتقد أنه وجب عليَّ ترككِ ترتاحين وغدًا قبل الرحيل القاكِ ”
وضع يده موضع صدره، ثم مال نصف ميلة يردد بصوت منخفض :
” ليلة سعيدة مولاتي ”
وبهذه الكلمات ختم إيفان الحديث بينهما وتحرك للخارج يمر جوار سالار الذي منحها نظرة من أعينه التي ضيقها يقول بجدية :
” حينما اعود من الحرب، أجدك تنتظرين في ساحة القتال، وهذه المرة أعدك أن احقق احلام الملك بجعلك منافسة لي، تصبحين على خير …مولاتي ”
تحرك بعيدًا عن الغرفة يتنفس بصوت منخفض تاركًا تبارك ترمقه بصدمة كبيرة وهي تردد الكلمة الوحيدة التي استوعبتها من حديثه :
” حرب ؟؟ أي حرب ؟؟”
__________________
هذه حرب والنجاة فيها مسألة توفيق من الله واجتهاد، وهو قد لا تكتب له النجاة في الغد، لا يبتأس ولا يحزن لأجل ذلك، فهو إن رحل سيرحل شهيدًا وهذا لا يحزنه ..
وعلى غرار حرب الغد أتخذ قرارًا متهورًا نبع من ضعفٍ غريب اكتنف جميع اجزاء جسده، لا يدري كيف نكث عهده الاول مع نفسه، لهذه الدرجة أصبح ضعيفًا أمامها ؟!
تنفس بصوت مرتفع يجلس داخل الحديقة التي تتمرن بها يوميًا يحمل بين كفيه سيفها، سيعيده لها، ربما تكون آخر ذكرى له معها وهو يودها أن تكون سعيدة .
ظل حاليًا وقت طويل حتى مل وعلم أنها لن تأتي في هذه اللحظة :
” لا تخبروني أنها تابت، حين انتظرتها لم تأتي، وحين حاولت تجنبها تظل تقفز في وجهي ”
مسح وجهه يشعر بالحنق الشديد، ثم أمسك السيف يتحرك به داخل القصر وقد لغى تلك الفكرة كليًا، هو أعطاها فرصة وهي اضاعتها، حتى وإن لم تعلم أنها أضاعت الفرصة، هي اضاعتها وانتهى الأمر .
تحرك بين الممرات حتى وصل لغرفته يدخل متحركًا صوب الفراش يلقي السيف على الفراش بعنف، ثم تنهد يخلع ثيابه يتحرك جهة المرحاض .
وبعد نص ساعة تقريبًا
خرج كي يرتدي ثيابه ليتفاجئ بأن نافذته مفتوحة على اتساعها والسيف اختفى عن الفراش، اتسعت عيونه بصدمة وهو ينظر حوله يبتسم بعدم تصديق، سرقته، سرقته منه وهو من أراد منحه إياها بالحسنى ؟!
ضحك بعدم تصديق :
” يالله قاطعة طرق، اقسم أن هذه الفتاة أشبه بقطاع الطرق واللصوص ”
ركض بسرعة صوب النافذة وأمسك باطارها ينظر للاسفل بغضب ليبصرها تقف أسفل النافذة تنظر له بانتصار شديد، ثم نزعت اللثام الخاص به لتريه بسمتها المنتصرة وهي تلوح بالسيف في الهواء تهمس له بصوت لم يصل له بالطبع :
” شكرًا على السيف يا لص ”
نعم كانت تراه حين ذهب للحديقة يحمل سيفها فقط ليستفزها، ثم تبعته على أمل أن تأتيها فرصة وتأخذه منه وحين وصلت أمام الجناح الخاص به، قررت أن تدخل عبر النافذة بسبب الحراسة ومن حسن حظها وجدت سيفها أعلى الفراش لتختطفه تضمه لها بحب تتلمس رائحة والدتها به، ثم قفزت بسرعة .
وهو نظر لها بشر يهمس من بين أسنانه:
” أيتها المجرمة الـ …سأريكِ ”
ركض بسرعة يمسك ثيابه العلوية التي اهملها حين دخوله المرحاض، ثم تحرك بسرعة صوب الباب ليهرب منه، لكن فجأة توقف ونظر للنافذة وابتسم بخبث شديد :
” تريدين اللعب بقذارة ؟؟ سأريكِ كيف تكون .”
وعند زمرد حملت سيفها تضمه لصدرها بقوة مخافة أن يتلاشى أو يتضح في النهاية أنه كان حلمًا ورديًا آخر.
تحركت بسرعة وبخفة كبيرة داخل المبنى كي تركض لغرفتها تحتمي بها، وقد اكتفت من مغامرات هذا اليوم، سعيدة تكاد تطير بأجنحة من الفرحة .
لكن منذ متى كانت الحياة بمثل هذا الإنصاف مع زمرد وأمثالها من المنكوبين ؟؟
فجأة شعرت بيد تجتذبها بقوة صوب ممر غريب مظلم، يكتم فمها بقوة مخافة أن تحدث صوتًا ينبأ أحد بمكان وجودها، استعدت نفسيًا لقتال شرس معه، قتال لن تخرج منه خاسرة مرة أخرى ستدافع عن سيفها ضده حتى النفس الأخير و….
فجأة ارتجف جسدها بقوة وشعرت بالمكان يدور حولها حين رأت جسد يمر أمام الممر الذي سحبها له، جسد جعلها ترتجف بقوة وهي تكاد تفقد أنفاسها .
رأت جسد دانيار يتحرك بحثًا عنها، إذن من هذا الذي يسجنها ؟؟؟؟
تحركت يدها بسرعة كبيرة صوب سيفها الذي عاد لها منذ ثواني قليلة ولم يلبث تحتفظ به حتى جاء وقت تلويثه بدماء أحدهم وهذا الاحدهم كان …كهرمان ؟؟
مالت كهرمان تهمس بصوت منخفض بعدما لحقت بها ورأت ما يحدث فتدخلت لمساعدتها .
وإن ظنت زمرد أن ما حدث قبل ثواني قد تسبب في خفقان قلبها بشكل جنوني، فما قالته كهرمان الآن هو الجنون بعيونه، بل بداية جحيم لهما :
” تجهزي زمرد، سنعود لمشكى……”
_______________________
الحرب لن تنتظرك لتقرر، بل ستسحبك عنوة داخل جحيمها، فتجهز .
الحرب قادمة ……

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية مملكة سفيد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *