روايات

رواية أترصد عشقك الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم ميار عبدالله
رواية أترصد عشقك البارت التاسع والثلاثون
رواية أترصد عشقك الجزء التاسع والثلاثون

رواية أترصد عشقك الحلقة التاسعة والثلاثون

التعلق الشديد بشخص
يصل أحيانًا إلى القتل !!
وتعلقه بها كان مميتًا، يائسًا، راجيًا
مسألة حياة أو موت بالنسبة له
ففي سنوات عمره التي تخطت الثلاثون لم يكن ليتصور أن تأتي إليه صغيرة بالكاد تبرطم ببعض الكلمات الأجنبية وجمل متعثرة، أن تستحوذ على قلبه بشكل مفجع
استند نضال على سطح النافذة وعينيه معلقتين على حياته القابعة فى فراش وحيد، تمارس أقسي طقوس لتسترد عافيتها سريعًا كي لا تمرض من أقل عطسة أو من بشري لزج..
زفر بحدة وهو لا يصدق حال أوضاعه فى العمل الذي بالكاد يذهب إليه، بالكاد يوقع على بعض الاوراق وينطلق طائرًا إلى صغيرته
ابتسم بشماتة، جاءت من تزعزع بكبريائك وتهشم قوتك الواهية
مضي جلوسها فى المشفي أكثر من عشرين يومًا، والأطباء ينصحونه أنها تعافت
لكنه ليس مستعد لجرها إلى ظلماته، ربما تلك المرة يخسرها دون فرصة تستطيع منها النجاة
هو يخاف
يخاف كثيرًا إن جرها لدركه الجحيمي، وتتخبط الصغيرة متعثرة وتضل طريقها، هو لن يسمح لها بأن تذق طعم العلقم ولو على جثته..
انتبه من شروده حينما ظلل جسد ضخم جسده ليرفع نضال عينيه من على النافذة وينظر لصاحب الجسد الذي قرر أن ينغص حياته، أو ينتشله من جنونه لتنفرج شفتي نضال بابتسامة ساخرة وهو يحيي وقاص
-بتعمل ايه هنا يا باشا
ضم وقاص يديه فى جيب بنطاله ومد ببصره تجاه النافذة، ليرى الصغيرة نائمة كالملاك، رفع وقاص عينيه وهو لا يصدق أن الرجل حجز الحجرة لإقامة قد تمتد لأشهر من أجل صحتها
هذا ما أخبره به مدير المستشفى، والطاقم الطبي الذي يدفع لهم اوصلو شكوى للمدير أن الفتاة قد تعافت ولا حاجة للبقاء أكثر، هناك من بحاجة للفراش أكثر منها…
اخفض ناظريه وهو يرفعه مرة أخرى لنضال ليقول بنبرة ذات مغزى
-باشا مين يا نضال، احنا في مقام اخوات ولا ايه
لم ينبس نضال ببنت شفة، إلا أنه هز رأسه بعد برهة من الوقت يغمغم بسخرية مؤكدًا
– اخوات فعلا
ثم وكأنه تذكر شيء ما جعله يرفع رأسه سريعًا ليقول بنبرة متهكمة
– مكنش ليه أي لزوم تبعزق اسهمك لأي حد
انفرج عن شفتي وقاص ابتسامة ناعمة يبدو أن الرجل بدأ يتحدث عن هذا الأمر بعد أن ظن انه لن يتجرأ للتحدث إليه، تأمل تملل شمس التي تتملل فى فراشها، صاحبة الانشات الصغيرة أصبحت شريكتهم ولو بنسبة ضئيلة من الأسهم لكنها أصبحت شريكة، رفع وقاص زرقاوة عينيه يحدق فى سواد عيني نضال المتشبع ليقول بنبرة ذات مغزى
-وهي شمس برضو أي حد
زفر نضال بسخط وهو يشعر بقيد اخر يجره لتلك العائلة مرة اخرى، لكنه سيفكر في الصغيرة و ينسى حاله
الأهم هي شمس وما يجب على شمس أن تشعر به هو دفء العائلة فقط
هز نضال رأسه قائلا بلا مبالاة
– مش مهم، كل اللي عايزه أن شمس تحس ان ليها عيلة لو حصلي حاجة
ارتفع حاجبي وقاص بدهشة ثم عاد ليدقق النظر بعبوس الي نضال الذي اسودت ملامح وجهه قتامة، والأسى الذي يعتري وجهه جعل وقاص يقترب من شقيقه مربتا على منكبيه قائلا بلهجة واثقة
– أنت وهي ركن أساسي لحجر أساس العيلة يا نضال، متنساش انها اول حفيد للعيلة
جز نضال على نواجذه ليضع كف يده على النافذة وعينيه تتأملان صغيرته الساكنة بسلام، زفر نضال باختناق ليغمغم بقسوة
– شمس متكتبش ليها انها تعيش حياة طبيعة، من ام مهملة، واب مهمل، تفتكر هتبقي زيي في يوم من الأيام
كان يتساءل وعينيه تأبى مقابلة عيني أخيه، لا يعلم أيخشي من رؤية الخذلان في عيني أخيه، أم يؤكد له شكوكه
على كلا هو يسعى ويحاول، ألا يحتسب له؟!!
لما لا يحتسب انه يحاول جاهدا التخلص من مرارته، رفع عينيه ليقابل وقاص الذي سأله بهدوء
– انت شايف نفسك ايه
عبس نضال وتجهمت ملامح وجهه ليجيبه بسخرية حادة
– شيطان.. ولا انت عندك نظرة تانية!!
امتعضت ملامح وجه وقاص ليجيبه برزانة
– الشيطان ممكن يقلب لأقرب شخص ليه عشان مصلحته، بس انت يا نضال مش شيطان ولا هتكون شيطان
انفرجت عن شفتي نضال ابتسامة ساخرة، حتي أخيه يراه لن يستطيع أن يتحول الشيطان
لا توجد امرأة وعاشرها لا تكره حتى اسمه، وإن كانت جميع النساء في كفة.. ففرح فى كفة أخرى
فرح لا تمضي دقيقة دون أن تلعنه وتحرقه حرفيًا، ظن أن بسماعها لخبر مرض شمس أن تأتي
ليكون معترفا ويتقبل ببساطة صراحته ولو لنفسه، السبب الثاني لبقاء شمس فى المشفى ربما تحاول فرح أن تأتي لزيارتها ما ان تسمع الخبر
سيكون لها فرصة للانفراد بها بعكس شقته، لوي شفتيه حانقًا حينما استمع الي نبرة وقاص الساخرة بعض الشئ
– ممكن بيطلع منك تصرفات غريبة، بس انت متقدرش تكون شيطان
التفت نضال فى مواجهة وقاص، لا يعلم ماذا يخبره
أيخبره بعجزه عن كونه حقيرا أمامهم، أم شيطانا في عيونهم
لما لا يرونه مسخ أو شيطاني؟!!!
فقرر أن ينطق بأغبي شئ في هذا الوقت الحالي
-نصيحة مني لما تقرر تخلف متجبش بنات، عشان ميخافوش من البعبع اللي هيكره حياتهم
اتسعت عينا وقاص بدهشة قبل أن ينفجر ضاحكا بخشونة مقهقها بصوت مرتفع، لينظر إليه نضال بامتعاض شديد وهو لا يصدق أنه أصبح مهرج في عينيه!!
زاد سخطه وغضبه المتولدين لديه ليقول وقاص بابتسامة دافئة
– على قلبهم زي العسل
ثم ألقى وقاص نظرة ذات مغزى تجاه الغرفة ليقول
– مش كفاية رعاية لحد كدا، المستشفي قربت تطردها
غمغم نضال بخشونة
-لطالما بدفعلهم فلوس يخرسوا
هز وقاص رأسه بيأس والتزم الصمت وكلاهما يحدقان تجاه الصغيرة، رقت ملامح نضال والتمع الأسي لحال صغيرته وما سيحدث لها مستقبلا
انتبه إلى نداء هامس وجسد أنثوي يلتصق به كالغراء جعله يرفع حاجه بدهشة تجاه رهف التي احتضنته بقوة
– نضال
مرر يداه على خصلات شعرها، ليميل مقبلا مقدمة شعرها ورهف تلف ذراعيها بقوة حول جذعه ثم التفت تسأله
– عاملة ايه دلوقتي
ابتسم بدفء وهو يجيبها
– حاليا احسن بكتير من الاول
انفرجت عن رهف ابتسامة لتسأله بحماس
-طب ايه مش المفروض ترجع بيتها
أطلق نضال شفتيه صامتًا ولثواني تحرج مما يقوله، لكنه لم يجد بدا ليخرج ولو بشئ من مكنونات قلبه العليل
-اخاف اهملها تاني يا رهف
صاحت رهف باستنكار وهي تلكزه قائلة
-تهملها واحنا موجودين، دي عيبة فى حقنا
رفع نضال حاجبيه بدهشة، ثم نظر اليها بعبوس ثم الى وقاص الذي كان مشاهدا صامتًا، ليغمغم بسخرية
-انتوا عملتوا ربطية بقي
زفرت رهف بسخط شديد لتجذبه من ياقة قميصه وهي تقول بحدة
– نضال بطل تفكير شوية، ريح عقلك واسمع لقلبك واللي عايزة
لم يخفي نضال دهشته وهو يرى اريحية رهف بالتعامل معه، استمع الى ضحكة وقاص الشامتة، عقد حاجبيه بشر جعل رهف تقارعه بواحدة مثلها ولم تترك ياقة قميصه ابدًا
وبدأ التحدي بين عائلة الغانم
وحليف عصفورة الغانم انضم الى جانبها بصوته
-اختك بتقول صح
زمجر نضال بخشونة جعل رهف تصرخ بذعر وتترك قميصه، ابتسم نضال بظفر وهو يعدل ياقة قميصه جعل رهف تجز على أسنانها غاضبة لتشتيتها
تساءل نضال بخشونة
-الأبوة عامله معاك ايه يا وقاص
ابتسم وقاص وهو يرى مبادرته الأولى في سؤاله، حسنا لم يكن سؤال استفزازي منه
ولا ساخر
بل سؤال شخص مهتم.. شخص يود معرفة أحواله، أجابه وقاص برحابة صدر
– نقدر نقول ان الام فى الفترة دي تستاهل كاس على مجهوداتها، احنا مجهودنا بس فى توفير طلبات الام والبنت
هز نضال رأسه وهو يقول بسخرية
– بنك متنقل يعني
أومأ وقاص رأسه موافقًا
-تقدر تقول كدا
حدج نضال رهف بنظرات نارية جعل رهف ترفرف أهدابها ببراءة شديدة، مداعبة خصلات شعرها ليقترب منها وهو يشد خصلة من شعرها قائلة بحنق مصطنع
-وانتي مش ناويه تخليني ابطل اجيب ورود
تأوهت رهف بميوعة شديدة استنكرها نضال في بداية الأمر ليحدجها بنظرات نارية وعينيه تترصد أي ذكر قد سمع الي ضحكتها، مما جعل رهف تنفجر ضاحكة وهي تربت على صدره قائلة بمشاكسة
-انا مقولتش انك تجبلي ورد كل يوم، ومقولتش انك ملزم تجيبه، ومتفكرش اني رضيت عنك يا ابن الغانم لأ، انا لسه مكملة تعذيبك
رفع نضال عينيه تجاه وقاص الذي رفع راية استسلام وتحاشي عينيه بعيدا عنهما محاولا كبح ضحكته، وهو يرى علامات وجه نضال الإجرامية ليأتي صوت أسرار والتي تهرول بأتجاههم قائلة
-لو حد قالي اني هلاقي افراد العيلة هنا، مش هصدق
رفعت رهف رأسها وهي تقترب من أسرار قائلة
-بنفكر نخلي نضال ياخد شمس، البنت بقت كويسة فترة وهو مش راضي
لوت اسرار شفتيها ساخرة وهي تتخذ أقرب مقعد متنهدة بتعب لتنظر الى حذاءها الرياضي بعدم رضا لثيابها العملية الأنيقة ثم ما عادت ترفع رأسها لهم وهي تخرج زجاجة عصير طازجة صنعها رجل كهفها، لترتشفه ببطء وهي تقول
-متحاوليش بقالى اسبوع بحاول معاه وهو مش راضي
هل هذا اجتماع آل الغانم كحال اجتماعهم فى العطلات التي تصر اسرار عليها لحضوره، غمغم بفظاظة
-هو انا مستلف فلوس من الدولة، ما انا دافع كل جنيه على الاوضة والطاقم الطبي المشرف على حالتها
انفجرت اسرار ضاحكة لتهز رأسها بيأس وهي ترتب على جنينها ببطء قائلة
-وانا افتكرت سراج صعب، طلع فيه الاصعب منه
زفر نضال ساخطا ليغمغم
– هنشوفك يا هانم لما تجبلنا اللي مش ناوي يكبر فى بطنك
تجمدت ملامح اسرار كالرخام حتى الدفء فى عينيها تحول لصقيع لتقول ببرود
– نضال، مسمحلكش تقرب من ابني بكلمة
التفت نضال الى وقاص ليقول بحدة
– شايف خلفة عيلة الحسيني يا باشا، ولاد مش احنا
انفجرتا الفتاتين ضاحكتين لتغمز له اسرار بوقاحة مما جعل وقاص يقول له بنبرة ماكرة
– اتشطر وجيب الولد
ابتسم نضال بخفر شديد ليجيبه ببرود
– صدقني ده فى خطتي المستقبلية، جبلي عروسة
اتسعت عينا رهف الزرقاوتين بدهشة لتسأل بعدم فهم
-عروسة ليه!! انت ناوي تتجوز تاني يا نضال
ابتسم نضال مؤكدا وهو يضع يديه فى جيب بنطاله
-اكيد مش هعيش راهب طول حياتي
شهقت رهف بذهول لتستقيم من مجلسها وتجمدت ملامح اسرار لتقطب حاجبيها بريبة وهي ترفع عينيها تجاه وقاص الذي يتابع الحديث باهتمام
-عايز تقولي انك اتخطيت فرح بالسهولة دي
صاحت بها رهف باستنكار ليقول نضال ببرود
-طلقتني
فغرت رهف شفتيها باستنكار تام لتقترب منه وهي تلكزه بقوة قائلة
-وكون انها بتحاول ترجع كرامتها، معناه انها مثلا مش بتحبك، يمكن عايزاك تتغير
لوي نضال شفتيه ساخرًا ليقترب منها وهو يشد خصلة من شعرها بقوة جعلها تتأوه بوجع
-صدقيني لو فرح فكرت مرة انها ترجعي قبل اللي عملته، فاستحالة ترجعلي بعد اللي عملته
تخلصت رهف سريعا من أسر شعرها لترفع رأسها اليه قائلة بتوجس
-وانت عملت ايه
ابتسم نضال بمكر ليربت على وجنتيها هامسًا
– لما تتجوزي هبقى اقولك
انتبه نضال الي استقامة اسرار وهي تلحق وقاص إلى ركن منزوي، حاول تبين اين يسيران وما يخفيانه خلف ظهره، انتبه على صوت رهف الحاد
-نضااال
غمز لها بعبث وهو يهمس بصوت خفيض
-حاجات عيب مينفعش تتقال لانسة صغيرة زيك
شهقت رهف باستنكار وبدأ الاحمرار يغزو وجنتيها، ليتجه نضال بدوره إلى المختفيان عن الوسط، دار بعينيه فى الارجاء غيري الرزاق الطويل الخالي منهما، عقد حاجبيه قريبة واستدار عائدا الى ان صوت مكتوم قادم من غرفة بجواره وصوت انثوي مكتوم
-يعني انت كنت عارف يا وقاص
ازداد نضال قربا من الباب ليرهف أذنيه السمع إلى صوت وقاص
-يا اسرار من فضلك، انا بحاول اصلح اللي خربته
ضم نضال كفيه محاولا عدم تحطيم المنزل
ألم يكن متوقعا؟!!
كان متوقع بالفعل، وهل يوجد غير خزانة الاسرار غيره !!
أرهف أذنيه السمع إلى صوت اسرار الصارخ
-خربته!! احنا دمرنا كل حاجة، راهنا على قلب نضال وخسره، راهنا على قوة فرح وخسرنا، ولما اجى اسألك عنها تقولي معرفش وانت عارف
لزمهم الصمت
صمت جعل أعصاب نضال تكاد تنفجر وهو يسمع رد وقاص الهادئ
– هي اللي طلبت
اتسعت عينا اسرار وهي تسأله بحدة
-ليه هي فين
اطبق نضال شفتيه وهو يتحرق لسماع جوابه ولم يتأخر وقاص للإجابة
-فى مركز تأهيلي
اتسعت عينا نضال ولوهلة ظن أن ما يسمعه هراء
مجرد هراء، هل تظن نفسها مجنونة لتذهب لمكان تأهيلي
هل فقدت صوابها لهذا الحد ودفع بها اليأس للذهاب إلى مكان بائس كهذا
مكان كان يجدر أن يكون به هو وليست هي
اخفض عينيه أرضا، وأسند رأسه على الباب ليسمع صوت وقاص
-بتحاول تتخطى اللي حصلها، اللي حصلها مش قليل يا أسرار وانت اكتر من يحس بيها
اغرورقت عينا اسرار بالدموع لتشهق بألم وهي تمتم بألم
-نضال بيأذي نفسه من ناحية، وفرح بتحاول تبعد عنه من ناحية تانية، وانا مشتتة بينهم هما الاتنين
ران الصمت بينهما للحظات اتبعه بشهقة اسرار حينما وجدت من يفتح الباب، وطل منه نضال محتقن الوجه
جامد الملامح
وعينيه كانت عبارة عن قطعة من نيران مستعرة
تقدم كلاهما وهو يسألهما بخشونة
– فينها
لم يجبه أحد منهما مما جعل يقترب من وقاص لينفجر هادرا في وجهه
-فين المركز
اطبق وقاص شفتيه ليخبره ببرود
-انت اخر شخص عايزاك تعرف مكانها
لم يتفاجئ من رفض وقاص عن فصح مكان اقامتها، لكنه تقدم منه ليهسهس بغضب
– اللي بتتكلم عنها دي مراتي
عدل وقاص الوضع الذي أصبحت عليه ليخبره ببساطة
-طليقتك
ضم نضال قبضتي يديه فى جيب بنطاله كي لا يتهور ويلكم أخيه
حقا لا يود العودة لنقطة الصفر معه
هو غير مستعد الآن لخسارته، بالكاد يحاول الاستقامة وترميم ما حوله ليجيبه نضال بفظاظة
-لسه فى العدة يعني شرعا مراتي إلا في الفراش الزوجي
رفع وقاص حاجبه بسخرية قائلا
-وانت بقيت متدين فى مواضيع الجواز والطلاق
زفر نضال بسخط ليدير بظهره وهو يتنفس ويعد من الواحد للعاشرة، ليعود مواجهًا اياه قائلا بنبرة غير قابلة للنقاش
-فينها
تنهد وقاص زافرا بحرارة ليجيبه
– يعز عليا انك تعرف مكانها، بس انا اديتها وعد يا نضال
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي نضال وهو يقول
-عايزني اعرفها بالطريقة الصعبة
لم ينتظر اجابة منه ليدير بعينيه الي كلاهما قائلا بحدة
-ماشي
زفرت اسرار بيأس وهي تراه يهرول خارجا، لتتبعه لاحقة اياه وهي تهرول خلفه ممسكة ببطنها
-نضااال
زمجر نضال بحدة وهو يغمض جفنيه بيأس عالما تلك الحمقاء تركض خلفه ببطنها التي لا تبرز حقا أي شئ عن كونها حامل سوي من بروز طفيف، دار على عقبيه والتفت اليها قائلا بهدوء
-متخافيش
وهذا ما يزيد من مقدار هلعها، عضت أسرار باطن خدها وهي تمسك يساعده قائلة بخشية
-نضال انت عايز منها ايه تاني
اقترب منها وهو يطمئنها بابتسامة ماكرة
– مش عايزاني اتغير
رفعت حاجبيها بريبة وهي تهز رأسها موافقة ليخبرها نضال بهدوء
-هتغير
ثم استدار مغادرا، لتعض اسرار على شفتها السفلى بعجز
نضال لا يخلف خلفه سوى كارثة
وتتمني ان تكون كارثة يسهل حلها!!
*****
فى قرية الغانم،،
جلس الصديقان معا فى حديقة منزل غسان واتبعهم الضيف الجديد سامر الذي اهبط نظارة شمسه قليلا وعينيه تتابعان بعض الفتيات المتحررات كما لو انه لم يخرج من موطنه مطلقا
اخرج سامر صفيرا مستمتعا واتبعها سبة بلغته الأم، وهو لا يصدق أن لم يخبره أحد عن حسناوات العرب
بل مكامن اجسادهم الصاروخية التي تنافس الفتيات النحيفات فى موطنه، رفع رأسه ليحدق بشقيقه وغسان اللذان كان يرفعان راهنا لأخذ رقم فتاة بعينها
لكن ما ان وجد ان كل واحد فى عالمه، خاصة شقيقه الذي يلعب مع سيد بتركيز تاركا حسناوات سمراوت خلفه جعله يقول بنبرة عابثة علّ ذلك المشغول ينتبه
-اللعنة، لم يخبرني أحد عن الحسناوات هنا
زفر غسان بحنق وهو يرى أن الحمقاوان يلعبان بحديقة والدته التي ستركله خارجا من منزلها ان اقترب احد من اشجارها النفيسة ليتابع بعين مترقبة وهو يزجر سامر بحنق
– اصمت يا غبي
فغر سامر شفتيه مندهشا، اللعنة ماذا حل بهما
اين صديقيه العابثين؟!، وهو الذي ظن بوجوده هنا سيعيد ايام الخوالي، لكن ليشبعا هما باللعب مع سيد ويشبع عينيه بالنساء
تابع كل امرأة وفتاة تمر أمام حديقة منزل غسان، ليغمغم قائلا
-اصمت ماذا، حسنا قررت أن آتي كل عطلة إلى هنا، بل وسأذهب معك يا اخي لنرى الحسناوات العرب ايضا
زفر سرمد بحرقة وعينيه تترفعان لينظر تجاه ساعة معصمه، ألم تتأخر قليلا ومن المفترض أن تنهي تسامرها مع قريبتها وتبارك مولدها
لقد تأخرت حقًا، أمر سيد بالتوقف عن اللعب مما جعل سيد يزمجر بحدة الا انه اشار الى رأسه ومتصنعا انه يشعر بالدوخة، مما جعل سيد بقليل من الوقت يتركه ويتوجه نحو بيته الخاص فى الحديقة الخلفية
زفر سرمد بارتياح لينظر الي غسان بسخرية، اقترب من شقيقه وسحب كرسيه ليجلس عليه وهو يلكزه من خاصرته قائلا
-من أين طينة مصنوعة انت؟
تلاعب سامر بحاجبيه واجابه بعبث
– منك يا شقيق
وكأنه لا يعلم مدى إصرار سامر للوجود بجانبه، يعلم ان امه ارسلته كجاسوس ليعلم ما يقوم بفعله حينما ينفرد لمقابلة برتقاليته
ولكنه ليس ماهو لتلك الدرجة، وإلا وجد البرتقالية تصفعه وتسبه بل وتنعته بأكثر الالفاظ … الناعمة والتي تدل على مدى جهلها بالشتائم الحقيقة، ابتسم سرمد يعبث
حسنا سيقوم إفسادها والكثير من العبث، هذه هي مهمته بعد أن تكون زوجته، انفرج عن شفتيه ابتسامة خبيثة إلا أنه قابل وجه سامر الخبيث والذي يسأله أين قادته أفكاره الجامحة
تجهم ملامح وجهه وهو يهتف بحنق
– توقف عن مزاحك، والعب فى الارجاء وأحذرك ان تقترب مني مربع واحد حينما اقابلها
التفت سامر إليه وهو يغمز بشقاوة
– مع البرتقالية صحيح
تحفزت ملامح سرمد الانقضاض عليه، سحب ياقة قميصه وجذبه اليه ليخبره سرمد بلهجة خشنة
– اذكر هذا الاسم ثانية وسأقتلك
ارتفع حاجبي سامر بدهشة، وهو يرى الغضب في عيني شقيقه، رفع يديه مستسلما ليأتي صوت غسان الساخر
– سرمد لا يحب ان يذكر اسم امرأته بالخير او بالشر
لوي سامر شفتيه وهو ينظر بظفر إلى شقيقه، الذي أدار ظهره للجهة الاخرى ليقترب منه قائلا بعبث
– لقد أظهرت بك خصال غيداء العربية
ابتسم سرمد بسخرية وهو يسأله بتهكم
– وماذا عن عرقنا الايطالي؟
أقر سرمد باعتراف وهو يغمغم ببساطة
-ناري… لكن ليس بنارية عرق غيداء الجحيمي
انفجر سامر ضاحكا وهو يصفق بكلتا يديه، ليستمعا إلى تعليق غسان المتهكم
– ثرثرا هكذا حتى تجدان ماما غيداء تعقلكم من قدميكم
تجهمت ملامح كلا الشقيقين ليهبا من مجلسهما فى الثانية ذاتها واندفعا بقوة وخشونة تجاه غسان يمسكان بياقة قميصه، وفى ذات الثانية هدر صوتهما الغاضب
– لا تقل ماما يا احمق
تفاجئ غسان من اقتحامهما العنيف، رفع كلتا يديه مستسلما وما أن تركاه حتى سقط على الحشائش ليتأوه بصوت خفيض لقوة السقطة مما دفعه ليصيح ببعض الحنق
– اللعنة عليكم، ثورين متناطحين، الله يعين من سترضي بزواجكما
كاد سامر أن يجيب عليه، لكن لفحة هواء روسية الشكل
متناسقة القوام
نارية الملامح هلت على أرضه
فغر سامر شفتيه ليصدر صفيرا حارا وهو يغازلها بعينيه
– حسناء بشعر كستنائي، اقطع  جزء من قلبي لأعرف اسمها
انتبه غسان سريعا وهو يرفع رأسه ليرى مصيبة رأسه، بيسان التي لا تكف علي تنغيص حياته
هب سريعا قائما وهو يحدج سامر بنظرات قاتلة، جعل سامر يرفع حاجبه متعجبا ليراه ينطلق صورها بكل عزم
وكأنه يعلمها!!
هل نطق بشيء لم يصح أن يقوله، هز رأسه نافيا.. غسان الاحمق لم يخبره انه على علاقة بإمرأة .. اذا هو في الجانب الآمن.. فى الوقت الحالي!!
كانت خطوات بيسان السابقة بها عزيمة وشيء من التحدي، لكن ما إن أبصرت خطواته النارية الذي يكاد يلتهم الارض بها التهاما ونظرات عينيه القاتلة
تراجعت كل دفاعاتها
ربما يمر بوقت سيء، شهقت بألم حينما امسكها من زندها وسحبها بقوة بعيدا عن بيته  ليغمغم بسخط
– لك  يا غبية شو جابك لهون
حاولت بيسان نزع يدها منه، الا انها تأوهت بألم حينما شدد على زندها لكن هذا لم يزيدها سوي سخطا
بكف يدها الحرة خبطت بها بعنف على صدره الصلب لتصرخ في وجهه
– بص بقي، بدون لف ودوران كتير
صمتت قليلا وهي تري تعبيرات وجهه المتحفزة للفتك بها لكن هذا لم يقل بها لو انش واحد من عزيمتها، لتضربه بقوة على صدره الصلب كادت تصرخ وهي تشعر كأنها تعاقب يدها وليس هو
لكن ما بيدها ان تفعل الان، شهقت بألم أكبر حينما شدد على ذراعها لتتلوي ألما وهي تسبه بجميع الشتائم المصرية التي تعلمها في عقلها
لكن بريق عينيها آسره، يذكره بفرس جامح يحتاج للترويض في أسرع وقت
– شغل انك تعمل فيها الوصي والكبير عليا ده يا حبيبي، بله واشرب مايته، لان وعزة جلالة الله
لم يتحمل غسان جنونها وهذيها بعد مما جعله ينفجر هادرا بعصبية
– اخرسييي
تراجعت بيسان خطوة وقد اجفلت من نبي صوته الاجشة، تكاد تشعر بطنين فى اذنها من قوة صوته، ازدردت ريقها بتوتر وهي تغمغم بصوت خفيض
-انت بتزعقلي
ربما تلك الجملة يصح أن تخبره بها وهي تناطحه كثور وليس ككتوت صغير قد حشر فى الزاوية
زاد يديه قسوة علي زندها وهو يهدر بقسوة في وجهها
– ليك ولي مو معني اني رايق معك تهينيني فهماااانة
لم تتحمل تحكماته ولا قسوته الغير مبررين لها، ولا حتى طريقته للاقتراب منها وامساك يدها .. اسفه تحطيم عظامها!!
دفعته بقوة لكنه لم يتزحزح سوي انشات ويدها ما زالت في قبضته، لتجز علي اسنانها بغضب مستفحل داخل عروقها
-وليك عين يا بجح يا حقير اني مضايقش، يعني ايه ترفض العريس هااا انت اتجننت مين انت عشان ترفض
من على بعد كان سامر يتابع ويراقب جسد كليهما، اقتراب غسان وإمساكه بتلك الطريقة للمرأة وعدم افتعال المرأة اي فضيحة ومن يراهم من بعيد يظن أنه مجرد شجار حبيبن، جعل سامر يتساءل بدهشة
– من تلك النارية؟
لوي سرمد شفتيه بسخرية وهو يتفحص كاميرته الجديدة
– امرأته
اتسعت عينا سامر بتفاجئ
هل ذهب الوغدين لمصر لكي يتزوجا أم ماذا حدث بعقلهم؟!
أين شعارات العزوبية للأبد، والمجد للرجل الأعزب
والحياة سيتنقلانها بين النساء، غمغم بادراك
-لهذا كان على وشك الفتك بقلبي
لكن هذا لم يجعل سامر يخفي دهشته مطلقا لما يحدث من حوله دون أن يكون على علم به، صاح سرمد بحدة وهو يلتقط صور لهما خلسة سيستخدمها ضده يوما ما
-اصمت ودعنا نرى المشاجرات الناعمة قبل أن يندفعان بحب بعضهما ونمسكهما وهما يمارسان بعض المرح فى الحديقة الخلفية
توقف ادراك سامر عند كلمة ” مرح”، جعله ينفجر ضاحكا وهو يلكزه بقوة قائلا بمكر
– اللعنة لقد هذبت طباعك، هل تستخدم كلمة مرح فى وصف حميمي كهذا
هز سرمد رأسه بيأس وهو يجيب بيأس
-حينما تتعامل مع عربية، ستعرف ما أعانيه
غمز له سامر بإحدى عينيه
– وكأنك لست عربي
استقام سرمد تلك المرة من مجلسه وهو يختار بقعة بعيدة عن هذا المزعج ليقول
-توقف بالله عليك سااام
اعاده سامر بقوة اليه وهو يرفع كفه واضعا إياه على شفتيه قائلا
– توقفت يا اخي
لكن بالنظر اليه ما والي وجهها المليح المتألم غمغم بفظاظة
-لكن هذا لا يمنع انه يعامل الفتاة كالثور، الفتاة ارق من تلك الخشونة التي يمارسها
صمت سرمد مطبقا شفتيه، الصغير ما زال جديد فى تلك الساحة، يعلم صديقه انه يقترب منها بهدف التشبع من رائحة عطرها لأطول فترة ممكنة
هذا ما يمارسه مع برتقاليته، وحتي الان يجهل رائحتها المسكرة، لكن حينما تدخل حدود مملكته سيكتشفه.
نزعت بيسان يدها الخير من قبضته ومسدتها بخفة وهي تتأوه ببعض الألم، وعينيها تحرقان غسان من موضعه
لوي غسان شفتيه وهو يسألها بفظاظة
-خيييييير شو بدك
بعد كل ما قالته يسألها ماذا تريد
أجابته وهي تكز على أسنانها بغيظ
-تبعد عن حياتي وبطل تحشر مناخيرك فى الموضوع
النجوم اقرب لها من أن يتركها، قالها غسان وهو يعقد ذراعيه على صدره ليقول غسان بسخرية
-لك شووو هاد بتعرفي  لسااانك قد سبع شطلات يابنتي
لم تواكبه لوصلة شجار جديدة قد تمتد لساعات لتهز بيسان رأسها قائلة بتحذير
– قولت اللي عندي يا غسان، اياك تدخل
رمقها بسخرية شديدة، ليرفع عينيه متفحصا وقفتها المائلة الأنثوية
ولم يعجبه مطلقا تلك الوقفة نهائيا ليمسك زندها مرة أخرى يعدل وقفتها، لكن فى اللحظة الاخيرة تراجعت بيسان خطوة والقلق يعصف بملامح وجهها المليح ليقول باستهزاء
– واذا قلتلك طلبت تهديدك بليه واشربي ميته شو رح تعملي يعني
كانت تلك المرة على وشك الخروج عن طور هدوءها وهمت بالفعل بالصراخ تلك المرة
– هعمل ايه ….. ” كتمت باقي عبارتها فى جوفها ليخرج بدلا منه صراخ قوي مذعور” ااااه بعده عني .. بعده عني
ابتسم غسان بشماتة ويشكر الرب ان سيد استجاب لنداء صافرته فى الوقت المناسب وتلك المجنونة كانت على وشك فضحهم، رآها تقفز كالمجانين وكأن جني قد مسها وسيد يزداد حماسة ويقترب منها وهي تبتعد حتى التصقت به خلف ظهره، متشبثة بقميصه ليتنهد غسان بيأس قائلا
 – اثبتي يا جدبة
هزت بيسان رأسها رافضة وهي تكاد تدفن جسدها وتحرك جسدها ما أن ترى الكلب يلف حولها محاولا التعرف والتودد اليها، لكنها تقرأ خطواته وتقربه خطئا.. دارت بجسدها حتي اصبحت بمقابلته لتهمس بضعف وعينيها مغرورقتين بالدموع
– بخاف منه، مشيه من جنبي
تنهد غسان بيأس وباشارة امر منه توقف الكلب عن الركض خلف بيسان واكتفي بمشاهدتهما، تنبه غسان لامساك بيسان لمقدمة قميصه مما جعله يسهل بحرج قائلا بفظاظة
-بلا هبلك هلا ،اثبتي واوثقي فيني
رفعت عينيها الدباحتين إليه تلومه قليلا، وتعاتبه كثيرا، والدموع تخرج منها بلا حول ولا قوة لتهمس باصرار ويديها تزداد تشبث بقدمة قميصه
– لا، انت ما هتصدق تخليه ياكلني
يكاد غسان يسقط من حرجه وهو يعلم أن الجميع سيظن انها تتودد إليه، الفكرة نفسها اثارته
ازدرد ريقه بصعوبة وحاول نفض أي تفكير ثانوي سيشتت من مأربه ليقول بمزاح
– ضحكتيني اسكتي كرمال الله لك هاد بياكل احسن مني ومنك
زفر بسخط حينما وجدها تنهار باكية، لم يعلم أن مزاحه سينقلب عليه، ليمسك كلتا يديها متنزعا منها قميصه بقوة ليزفر براحة قائلا
-روقي ولو بدو يتعرف عليكي
دفعها بهدوء إليه، إلا أن تخشبها اعلمه انه لا فائدة ترجى منها وزاد الطين بلة تحول ملامح سيد للعداء والنباح بصوت مرتفع، لتصرخ بيسان وهي تلتصق تلك المرة كالعلقة في جسده محتضنه جذعه
نار كالجحيم سرت فى أوردته وهو يستشعر كائن أنثوي ناعم يقترب منه
والأنكى أنها لا تعلم ما تثير به من براكين يحاول اخماد ثورتها، اغمض جفنيه لثواني يحاول ان يكون باردا
أن لا يتأثر بأي اغراء، وخصوصا تلك العلقة الآن التي لا تدري بما تفعله من غمرة بكائها
صاح بسخط للكلب وهو يلعن غباءه تلك المرة حينما ظن أنه سيأخذ حقه منها
-سيد، خليك زلمة وما تخوفها لانو قلبها رهيف
انتهي المسرحية التي تعرض علي الشقيقين، ليتنهد سرمد وهو يتذكر حينما كان في موقف مشابه لصديقه
اكثر شئ يضعفه هو بكاء امرأة يكترث لأمرها، وشادية لم تزخر وقتا ولم تبكي فيه، وقد كان القدر به رحيما لأنه كان على وشك أن يرتكب ابشع الجنايات بحقها
استمع الى تذمر شقيقه
– اللعنة، صديقك مختل عقليا كيف يبكيها ويأمرها بفظاظة ان لا تبكي
قلب سرمد الصور التي التقطها لهم، بل الصورة النارية التي يقسم أنها ستجعل غسان راكعا  حينما التصقت به الفتاة كليا وكأنها تعانقه بحميمية بدت هكذا فى عدسة الكاميرا لينطق بلا مبالاة لأخيه
– حينما تصبح لديك امرأة لا تغتاظ حينما نتدخل في حياتكما
لم يعجبه نهج البرود والتحفظ الذي يمارسه سرمد عليه الان، لولا انه فقط يتعافي وما زال يتفحص عن الأطباء لسلامة رأسه لقام بإحدى شجارهم السخيف، غمغم بغيظ
– فظ .. غليظ
التمعت عينا سرمد بلهفة حينما وجد رسالة منها تخبره ان يقابلها فى موقع ما فى القرية ليتلتف الى شقيقه مودعًا
– سأذهب
صاح سامر باستنكار تام كونه خارج الصورة
-واين سأجلس أنا؟
ابتسم سرمد ليجيبه ببرود وهو يضع حامل الكاميرا حول عنقه
-تناول الطعام فى مطعم شقيق غسان
اخراج سامر شتيمة نابية قبل أن ينظر الى حاله وهو وحيد في حديث منزل صديقه، الذي اختفي الان من الصورة مع الفتاة البكاءة
 زفر سامر بحنق وهو يمرر بأنامله على خصلات شعره الكثيفة بحدة قبل أن يستقيم من مجلسه راكلا كرسي خشبي
-اللعنة، لم أتي الى هنا وتركت فتياتي لكي أكون وحيدا
لكن الضيق والحنق الذي اعتراه تبدد حينما ارتسمت علي شفتيه ابتسامة ماكرة.. سيقوم بمشاهدة مسرحية أخيه مع البرتقالية الان ثم يرسل اخبار لقائهما الذي والدتهما الحبيبة المتحرقة لسماع موافقة أهل العروس للزواج في أقصى سرعة!!.
*****
واقفة بملل وبعض التركيز تصبه فى هاتفها، خصوصا حينما راسلت الأيطالي الذى اخبرها على وجه السرعة أنه قريب منها، انتبهت على صوت الرجل الذي ينادي بصاحب الطلب لتتقدم وهى تأخذ علبة الزلابيا وتشكر الرجل وهي تحاول الخروج سريعا من الزحام فى المكان..
رأت فتاة صغيرة جميلة الملامح تبكي حينما أسقط طفل ما الأيس الكريم الذي تأكله، لتشفق عليها وهي تقترب منها محاولة مزاحها وتغير عبوس وجهها، اخرجت من حقيبتها شوكولا وقدمتها لها لتبتهج أسارير الطفلة قبل أن تسارع بعناقها
كادت شادية ان يختل توازنها خصوصا مع قوة دفع الفتاة المفاجئ،إلا أنها سرعان ما ربتت على شعرها وهي تزيل دموعها بمنديل ورقي أخرجته من حقيبتها.. طبعت الفتاة قبلة على خدها قبل أن تقفز بمرح وسارعت بإخراج لسانها تجاه الولد الذى كان يتنمر واصبحت ملامح وجهه عابسة.. هزت شادية رأسها بيأس وهي تستقيم من مجلسها محاولة نفض اي تراب قد علق بملابسها وكل ذلك غافلة عن عينيه وعدسة كاميرته التي التقطت كل ثانية من المشهد الذى رآه
مرر بكف يده على قلبه يمسد موضعه، وهو يتحرق شوقا لدلاها الخاص له
متى ستتدلل عليه تلك المرأة، بل متى موعد وصالهم الذى بات يحترق له؟!!!
تقدم نحوها وهو يراها جالسة بهدوء على المقاعد الخشبية المتكاثرة في الحديقة، عينيه يتأملان ملابسها التي فاجئته بأنها ارتدت ثوب صيفي
سمحت لقدميها أن تظهر للعلن والهواء يرغب بكشف اكثر عن ساقيها، وذراعيها المرمرية مكشوفة لأعين الكل، وشعرها الذى كان يكره معقود… جعلته حر طليق يعبث به الهواء كيفما شاء دون ان تتذمر ملامحها أو تتأفف كونه دمر تصفيفة شعرها
اقترب منها للحد الذى جعلها لم تنتبه له وهي تتناول الزلابية الساخنة بتلذذ ليهبط بجذعه تجاه اذنها يهمس بخشونة
-ماذا تفعلين بمفردك يا برتقالية
دغدغة ناعمة قشعرت جسدها، لن تكذب وتقول انها لم تشعر به، الهواء المحمل عطره الرجولي انبئها أنه اقترب من حدودها، لكن هذا لم يمنع ان تحاول اصطناع الدهشة وهي تضع يديها على نحرها قائلة
-خضتني
– لا اوجع الله قلبك يا فاتنة
ابتسم سرمد وهو يتخذ مكانا له فى المقعد الذي بالكاد  يكفيهما وعلبة الزلابية يعزله عنها، عيناه سقطت رغما عنه لبداية نحرها وصدرها المكشوف بسبب الفستان اللعين، بل كيف لفستان وقح مثل هذا الحد يفصل استدارة صدرها بفجور كهذا!!!
لم يخفي حنقه اذا احد شاهد وتمتع عينيه بثوبها الصيفي هذا الذي سيحرقه حتما، فقط ينتظر حصوله على لقب زوج، وسيحرق كافة تلك الملابس اذا فكرت ان ترتديهم فى غيابه
زفرت شادية بيأس وهي تجمع خصلات شعرها جانبا جعل سرمد تجحظ عيناه وهو يرى ظهرها المكشوف حتى منتصف ظهرها
هل تغويه تلك المرأة؟
هل ترغب بجعله يفقد اعصابه تهورا ؟
سمعها تمتم بحنق وهي تأكل الزلابية بتلذذ شديد
– بطل تقول الالقاب دي
ضغط سرمد اصابعه بعنف على ركبته حينما راقب انحنائها البسيط وهي تتناول علبة طعامها، رؤيته لبداية ثديها جعلت النيران تتأكله حيا، هو حينما قام بتصوريها شعرها اللعين اخفي كل تلك الأشياء عنه وعن عدسته
هدر بقسوة وهو يتحاشى النظر إليها كي لا يمد يده حول عنقها ويدقه
-ماذا ترتدين يا شاديااه
رفرفت شاديه أهدابها بعبوس وعدم فهم، لتتأمل فستان شقيقتها الذي ارتدته اليوم وقالت ببساطة
-فستان
شهقت بفزع حينما هب من مجلسه صارخا فى وجهها وقد احتدت حدقتي عينيه
-اللعنة عليك، اعلم انه فستان، ما المناسبة لأرتدائه
فغرت شادية شفتيها بصدمة وهي لا تعلم سر تحوله لمارد وحشي فى تلك اللحظة، نظرت مرة اخرى الى فستان شقيقتها بعدم فهم ثم إليه قائلة
-شكله وحش ولا ايه، فكرت البس حاجة جديدة خصوصا اني مش ورايا شغل
عض سرمد على نواجذه قهرا وهو لا يصدق مدى غباء تلك المرأة معه فى الحديث أو تتعمد ذلك!!
ألم تري هيئتها فى المرآة قبل الخروج؟، شئ بارز اكثر عن اللزوم، شئ مكشوف اكثر عن اللزوم!!!
هدر بسخط شديد وعروقه عنقه تكاد تنفجر من كثرة الضغط الذي يمارسه
-نصف ظهرك مكشوف وساقيك تحثها الهواء ان تظهر لأعين الجميع، ثم صدرك الذى تجعلين الرائح والغادي يتغزل به
شهقت شادية بخجل وهي تداري صدرها بذراعيها عن عينيه وامتعق وجهها من الخجل لتصرخ فيه وجهه بانفعال
– يا وقح
صرخ تلك المرة فى وجهها وهو يتأمل قدها، ويفكر بكم رجل فتنته برتقاليته رغما عنها
هل عينيها لتلك الدرجة من البراءة كي لا تفهم نظرات الرجال؟! ولا حتى مقدار اشتهائهم لها، سب بقوة تلك المرة
– بل انتِ هي الوقحة، اين ثياب الناظرة، ما الداعي لارتداء ثوب يظهر مفاتن جسدك
لم ينتظر تلك المرة حتي رجوعها من المنزل، سارع بفتح حقيبه ظهره واخرج قميص احتياطي من داخله، سألته شادية بتعجب
– انت بتعمل ايه
هدر في وجهها بحدة وهو ينزع أزرار القميص بحدة ليزجرها بجنون
-اصمتي
رمي القميص على حجرها لترفع رأسها بدهشة اليه، وهي لا تصدق ان ما يجول بعقلها صحيح
هل تريد ارتداء قميصه الاسود فوق فستانها الصيفي الجديد، لا يعلم ما الذى فعلته هي كي تأخذه من اختها
حاولت ان تخبره ان معها سترة فى سيارتها لتهمس
-سرمد
لكن كان هو الاصرار والعناد بلغ منه ليقول بصوت آمر
-أرتديه
عضت شادية على باطن خدها، لن تنكر انها كانت جريئة كفاية هذا الصباح لارتداء فستان فاضح كهذا، تعترف ان ثيابها الخاصة لا يوجد به شئ كهذا
لكن ارادت ان تري اعجابه، تعليق يمدح فيه فستانها كما يوم قدومه لمنزلها
شئ يعبر به عن جمالها وليس ان يصرخ فى وجهها، تمتمت بيأس مرة اخرى
– سرمد
فصل سرمد الخطوات بينهما وقال بحدة
-واللعنة ارتديه او اقسم انني سأضعه داخل رأسك
ازدردت شادية ريقها بتوتر لترفع القميص امامها ثم دارت برأسها يمينا ويسارا قائلة باستنكار
-البسه دلوقتي وهنا
هز رأسه قائلا بنبرة امرة
-الآن
لم يعجبها تلك النبرة منه استقامت من مجلسها وهي تصرخ فى وجهه
– مش من حقك تأمرني على فكرا، وانا عاجبني شكلي كدا
امسك زندها بخشون جعله يستمع الى تأوه منها، يده الاخري بسطت حول ظهرها مما جعلها تجفل من حركته الجريئه، نظر الى عينيها المتسعتين بجحوظ ليمرر اصبع السبابة على طول ذراعها هامسا بنبرة تهديد
– سأقضي اليوم سأتحرش بك علنا، والله يعلم كيف سأحافظ على اعصابي ان تجرأ قذر لعين وتحرش بك، وتلك المرة ربما سأسقط فى غيبوبة دائمة، هيا حافظي على صحتي وسلامته
قشعريرة جسدها وصلته وانفاسها المتهدجة تلفح وجهه مع عبير عطر مسكر يكاد يفقد صوابه، رآها تنازع للتحرر منه، لكن يرغب فى قبلة فقط
قبلة وبعدها سيحررها
ندائها الخفيض المتوسل بأسمه جعله يتركها مغرما ليبتعد خطوة وهو يري وجهها القاني وعينيها المتهربة منه ترتدي قميصه بتعجل تاركة أزرار القميص محلولة، ليبتسم برضا ظاهريا وهو يراها تجلس و تأخذ علبة الزلابيا وتدير ظهرها متناولة اياها بصمت…
لعن وسب بالايطالية، يعلم ان تمادى معها لكن أفضل قبل أن يقع معها فى المحظور
تقدم وجلس مرة أخري وهو يسألها بخشونة
-ماذا تأكلين
كانت شادية تخفي ضحكة ماكرة وهي تغمض جفنيها مهدئة ضربات قلبها، حسنا تعترف انها كانت خطة خبيثة منها ان تجعله يغار وتري ان كان شرقيا اصيلا أم ما زال غربي
تذكرها انه يرغبها ترتدي تنانير قصيرة أثار حفيظتها، وارادت التأكد انه رجل ذو طابع شرقي
هي تعترف انها لا ترتدي تلك الثياب مطلقا، وقد خلعت السترة قبيل مجيئه واعطتها لجيهان التى اخبرتها انها ستتناول احدي الوجبات السريعة قبل أن تلحق بها… اخفت ابتسامتها قبل ان تستدير اليه وهي تقرب العلبة له قائلة بجمود
-زلابية، جربها
ارتفع حاجبيه بدهشة قبل أن يسحب واحدة ويأكلها بصمت ليقول
– هل تجعلينني أتقاسم معك فى طعامك؟
لم تجيبه بل رفعت له عينيها الكهرمانيتين تسأله بجفاء
– فين اللبن بالقرفة
اخرج من حقيبته كوبه الحراري الخاص، وقدمها لها قائلا
– معي دائما
اخذتها شادية منه على عجالة وهي تفتح الغطاء ثم ترتشف المشروب الساخن بتلذذ لتستدير اليه قائلة بعبوس
– هشرب نصها عشان متقولش حاجة لو خلصتها
عقد سرمد حاجبيه بريبة وهو يراها تتعامل معه بأريحيه، لأول مرة يراها تجعله يتقاسم معها طعاما، وتلك المرة بكامل ارادتها تشرب من كوبه
سألها بتعجب
-ما الأمر يا شادياااه
حثته هي بعينيها لتناول الزلابية لتأخذ واحدة بالعسل وتتناولها بلذة لتسأله
– لما تتعمد مد حرف الالف
نست هي أنها تحدثه بالانجليزية، حقا تشعر بالارتباك أنها تحدثه بلغتها ويفهمها ويجيب عليها بالانجليزية، لكن شعرت حينما تحدثه بالانجليزية انها لا تشعر بالغرابة معه كما حدث منذ قليل
مجنونة..صحيح!!
حك مؤخرة رأسه و أجابها بابتسامة دافئة
– حسنا هذا شئ بعيد عن ارادتي، ثم هل يضايقك كثيرا؟
هزت رأسها وهي تغمغم بصوت خفيض، وكأنها تحدث نفسها
– الموضوع اني مش متعودة عليه بس
وداعتها تلك وسكونها هذا غير مبشر مطلقا، سألها بدون مواربة
-ما الذي دفعك لمقابلتي يا شاديااه؟
زفرت شادية بيأس قبل ان تلتفت اليه قائلة
– بابا محق سرمد، انا اتشتت فقط بالحديث معك مرة بلغتي ثم بلغة نستطيع انا وانت نشارك بها عما يعتمر بداخلنا
هز سرمد رأسه وهو يمرر أنامله على لحيته ليجيبها ببساطة
-تستطيعين التحدث بلغتك انا لا امانع
رمقته شادية بعبوس وهي تغمغم بيأس
-انا اريد سماع لغتك انت ايضا سرمد حتى لو لم افهمها مثل مقابلتنا الأولى، ثم انت كثير التنقل والغياب عن عائلتك وهذا شئ صعب علي حقا
ابتسم سرمد بعبث وهو يتذكر كلماته الايطالية المتغزلة بها وهي تنظر اليه بعدم فهم، محيت الابتسامة ما ان تذكر قلق الاب حيال ابنته ليخبرها بهدوء
-ستكونين مع عائلتي، لن اتركك، واذا ما اردتي ان تكوني مع عائلتك ليست مشكلة
هل هذا هو الحل؟!!، تناولت قطعة زلابية وقالت بحنق
– سرمد.. الزواج يعني الاستقرار، وانت تضع عملك فى المرتبة الاولي، وانا لن اعلق او اخبرك اترك عملك وشغفك، لن استطيع فعل هذا، لكن أنا سأعاني فى بعدك وسفرك الدائم
انهت جملتها بصوت خفيض وبعض الخجل، ليقترب منها ممسكا بكفها قائلا بخشونة
– كوني معي اذا واجعلك تعيشين متعة لم تريها مطلقا
ابتسمت شادية بيأس وهي تجيبه
-انت تعرف انني لست من النوع المغامر للسفر، وماذا عن عملي؟
عقد سرمد حاجبيه بريبة، حسنا لن ينكر ان هذا المنعطف من الاسئلة والحلول التي يقدمها لا تعجبها
يجعله يتوجس خيفة مما ستقرره تلك السمراء، هل تلك طريقة وداع منها!!!، لكن هذا لم يجعله يمنع من تقديم حل
-اري ان مساعدتك الصغيرة تأخذ عملك على محمل الجد، وأنها يد أمينة تستطيعن الوثوق فيها
كل تلك الإجابات لم تعجبها، رفعت رأسها بيأس هامسة اسمه
– سرمد
ستعلن الانفصال عنه وستخلع خاتمه من بنصرها، ابدا ابدا لن يسمح بهذا بعد أن قطع شوط طويل فيه
امسك كفها بقوة ليري عينيها تسأله بتعجب، زفر بحدة وهز يهزر رأسه رافضا عن قرارها بالانفصال، فغرت شادية وهي تتفهم سبب انقباض وجهه، لتطمئنه بابتسامة خجولة وهي تسأله بحرج
– هل وقعت فى الحب قبلا؟ هل تؤمن اصلا بالحب؟
اتسعت عينا سرمد بعدم ادراك وهو يسمع سؤالها، عينيه لم تشح عن خاصتها وهو يجيبها بمرح
-اجابة على سؤالك الثاني، نعم اؤمن به.. انت لا تعلمين كيف نصبح حينما يتعلق الأمر بنسائنا وما بالك ان كانت تلك المرأة زوجته، سأحيل لحياتك الجحيم
نظرت اليه شادية بجحوظ لينفجر ضاحكا وهو يغمز لها بمشاكسة
– لا تخافي امزح معك
رأي ما زالت عينيها تطالبه بإجابة سؤالها، ليقر باعتراف
-ارى سؤالك، حسنا لن انكر واخبرك انني كنت كالقديس، مرحلة مراهقتي كانت مدمرة تماما وهناك اشياء حقا اخجل من اخبرها لك، لانني اعلم انك ستصفعيني ما ان تسمعيها
رأي إحباط وجهها والحزن الذى اكتنفها بعد ما قاله، ليشد على كفها المستريحة فى يده قائلا
– لكنني راشد الان، ورزين ولا يستطيع شيء أن يحيدني عما ابتغيه
هزت شادية رأسها بيأس شديد لتسحب يدها من خاصته قائلة بسخرية
– كأنك تخبرني أنك توقفت عن التغزل بأي كان مؤنث
اجابها بمكر وخبث
– انا رجل اقدر الجمال
استقامت شادية بحدة وهي تعقد ذراعيها على صدرها قائلة باستنكار
– والله
ضحك سرمد وهو يستقيم محاولا التقرب منها ليغمغم بخبث
– يا غيورة
صاحت بنفي تام وملامحها تشي بعكس ما ينفعل قلبها من جنون
-مش غيورة ابعد عن وشي
قاطع طريقها بأن قال بهدوء وهو يري انفعالات جسدها مما يؤكد انها تغار عليه
– انا اسف، انا اشاكسك يا حمقاء، ثم ماذا ارغب بالنساء من حولي وأنا لدي برتقالتي الخاصة
زفرت شادية بيأس وهي تدير ظهرها اليه فى محاولة يائسة منها للخروج من حصاره
– مش هتبطل الكلمة يعني
انغلقت معالم وجه سرمد ليقول بحدة
– لاتلتفتي وتغادري لم أنهي حديثي بعد
استدارت اليه لتقول باستنكار تام
– افعل ما يحلو لي، لم تصبح بعد زوجي لكي تتحكم بي، وان اصبحت لن ادعك حتما
رفع حاجبه بتسلية ليسألها
-هل انتِ واثقة؟
ثم كي يشتت انتباهها، غمغم باستنكار وهو يلاحظ الثنائي من على بعد قريب منهما
– يبدو ان شقيقي لا يزخر وقتا ويتوقف بالتعرف علي الجميلات بما فيهم شقيقتك
رفعت شادية رأسها ووجهت بعينيها اتجاه موضعه، لتزفر بيأس وهي ترى شقيقتها تمازح مع شقيقه
هذا ما ينقصها بلوة أخرى من الشقيقة المجنونة، اقتربت منهما بتعجل وهي تسمع شقيقتها تقول بغنج
– إذا يا سام سأراك
غمز سامر بشقاوة شديدة مجيبا اياها
– لما لا .. اعدك ستخسرين
كشرت جيهان عن أنيابها لتعقد ذراعيها على صدرها قائلة بتحدي
– لا تكن مغرورا لذلك الحد
وضع نظارته على عينيه و أجابها بثقة
-بل ثقة يا جميلة
لوت جيهان شفتيها قائلة بسخرية
– انت لست بأرضك يا سام، لا تغتر بنفسك كثيرا
هم سامر بالرد عليها لكن زوبعة سمراء بقدمين اتت الي ارضهم
– ممكن افهم ايه اللي بيحصل
رفعت جيهان اصبعها محذرة وهي تسحبها بعيدة عنه قائلة
-اوعك تقولي لبابا عشان مقتلكيش وابعتله الغراميات بتاعتكم
هل تساومها الان؟!!، صاحت شادية باستنكار
-تاني!!! سباق تاني يا مجنونة
هزت جيهان رأسها موافقة لتقول بتحدي
-عايزة اوري للطاووس ده قدراتي
رفرفت شادية بأهدابها عدة مرات لتقول
– انت مجنونة
ابتسمت جيهان بحلاوة وهي تغمز بعبث
– تعالي يوم السباق وبكدا بابا مش هيعرف
ثم تابعت بصوت خفيض
– وتمضي وقت لطيف مع الإيطالي
اتسعت عينا شادية بذهول قبل ان تتوحش عيناها وهي تهم بضرب تلك المجنونة، لتسألها ببرود
– ووسيم
ادعت جيهان التفكير وهي تقول بلا مبالاة
– وسيم ده انا بطلع عليه الجديد والقديم، انتي فاكراني هعدي المزز اللي كان بيجبهم كل مرة بالساهل
غمغمت شادية بتحذير
– بلاش تلعب بالنار
لكن التحدي كان من نصيب جيهان التى اجابتها بثقة مفرطة
– بحب ألعب بالنار
ان كان يظن وسيم أن من مجرد طلبه للزواج سيجعلها تكف عن اثارة جنونه وغيرته فهو أحمق
ما فعلته معه مجرد استراحة محارب، لكن من الليلة
ستشن هجوما كاسحا على أرضه.
****
جاءه اتصال أن جدته قد فقدت وعيها
اتصال سريع لم يكمل حتى العشرون ثانية عن ما حدث لجدته وأين تقع المستشفى
لم يدري عاصي كيف استقام من مكتبه ولا كيف خرج من المشفى التي يعمل بها، ولا حتى كيف عثر على سيارة أجرة لتقله إلى المشفى التي تقبع بها جدته!!
بالبداية ظن أن الأمر مزحة سخيفة، وأن جدته تمارس بعض جنونها، لكنها تعلم مدى حساسيته من هذا الأمر والاعيبها بسيطة وسهلة وداخل جدران منزله
تمتعض من الدواء الملزمة لأتباعه، وتكره ان تبتعد من حلوها
هل نسيت أن تأخذ دوائها فى ميعاده؟، هل أفرطت في تناول السكر التى حرص جيدا ان تأخذ مقادير محددة فى اليوم
اخذ منها وعدا انها لن تكثر فى الحلوي، لقد أقسمت على كتاب الله إنها لن تأخذ أكثر من الكمية التي يعطيها اياها
ماذا يحدث إذا؟!
ما الذي جعلها تفقد وعيها والله أعلم بما تعانيه الآن بمفردها وهو بعيد عنها ولولا اسماء التى يحرص على جعلها تتفقد احوال جدته كل يوم، لا يعلم ماذا كان سيحدث ان عاد ووجدها ملقاة على الأرض كجثة هامدة لا حول لها ولا قوة!!
ضجيج السيارات لا تساعده على أن يتحلى بالهدوء والحلم اللذان يتزين بهما
قبض على كف يده بقوة، وهو يسحب نفس عميق ويزفره على مهل
ستكون بخير، هي فقط تختبر حبه لها
ظل يرددها كثيرا، وشبح موت لا يغادر مخيلته، ابتلع غصة مريرة كالعلقم وهو يرى اخيرا السيارة توقفت عند بوابة المستشفى، انقد الرجل ثم ترجل سريعا
يكاد لا يشعر بقدميه وهو يسأل موظفة الاستقبال قبل أن يهرول تجاه غرفتها..
من آخر الرواق وجد اسماء تبكي بحرقة وعادل يحاول تهدئتها
ليسمع الحان الموت كالصدى في أذنيه
محال أن تفعل جدته به ذلك
محال أن تتركه
هي الشئ الوحيد الذى كان يبقيه على قيد الحياة بعد رحيل عائلته، اعتصر قلبه بين راحتي يديه وتقدم ببطئ وارتعاشة فكه جعله يحاول سحب هواء داخل رئتيه
لكن لا وجود للهواء
حاول أن يسحب لكن كلما يسحب يشعر بالاختناق والضيق الذى يكتم أنفاسه
قلبه ينتفض بثوران محاولا البقاء على قيد الحياة، لكن باقي الاجهزة الاخرى لا تسمن ولا تغني من جوع!!
عيناه صلبتين، وجسد اشتد كالوتر وهو يسأل بصوت مخنوق
– ايه اللي حصلها يا اسماء
انتبهت اسماء على صوت عاصي، لتلتفت إليه وهي تنفجر بالبكاء هامسة بتقطع
-معرفش، انا عديت عليها النهاردة زي كل يوم وبرن عليها مش بتفتح، انا الصراحة افتكرتها نزلت الحارة او بتشتري طلبات، بس لما سألت عليها قالولي انها مطلعتش فخوفت وطلعت تاني وفتحت من المفتاح اللي ادتهوني واتخضيت لما لقيتها واقعة من الأرض، محستش بنفسي غير وانا وهنا
انهارت بعدها اسماء تبكي بحرقة، وعادل يحاول بهدوء أن يجعلها تكف عن البكاء ويطمئنها انها ستكون بخير
لكن عاصي
لم يكن بخير مطلقا
ارضا الصلبة التي كان يضع فيها قدميه بكل ثقة تزعزعت، خشي مما كان يفكر فيه
سألها بنبرة جافة
– اخدت الدوا فى ميعاده
فغرت اسماء شفتيها وهي تعقد حاجبيها محاولة التذكر، الا ان ذاكرتها المشوشة جعلتها تعاود فى البكاء قائلة
– الصراحة مش فاكرة يا عاصي
لم يدري عاصي سوي انه ينفجر فى وجهها غاضبا
– مش فاكرة ازاي وانا منبه عليكي يا اسمااااء
تراجعت اسماء عدة خطوات للخلف وعينيها متسعة بجحوظ مخيف الي ذلك الرجل الوحشي داخل ثيابه الانيقة، اندفع عادل يضعها خلف ظهره ويقترب من صديقه قائلا
– عاصي اهدي ارجوك، الدكتور هيطلع وهيطمنها عليها
صاح عاصي بحرقة شديدة محاولا ان يتمالك نفسه
-اهدي ايه يا عادل، اللي جو دي هي كل عيلتي
اقترب عادل وهو يربت على كتف صديقه بمؤازرة قائلا
-هتقوم بالسلامة ان شاء الله، ممكن بس من عدم الاكل  او نست ميعاد الدوا اغمي عليها
زفر عاصي بحدة وهو يشعر بيد صديقه تسحبه بقوة ليجلس على احدى المقاعد، وعادل يتمتم بهدوء
– اهدي ان شاء الله خير
اراح عاصي كفيه فى وجهه، والندم بدأ يعتريه ليقول باختناق
-انا المفروض كنت امنعه عنها، بس اتفقت معاها انها تمشي على نظام الدوا وكميات معينة في اليوم
لم يجد عادل شئ لتهدئة صديقه، لكنه تمنى أن تصبح الجدة بخير كي لا يفقد الحفيد عقله مع غيابها
ظل عاصي لفترة من الوقت محترق الأعصاب، وبكاء ونهنات أسماء لا تساعده على تهدئة أعصابه، استقام فورا ما أن وجد الطبيب يخرج من الغرفة ليسارع إليه قائلا
– طمني يا دكتور
تنهد الطبيب بأسي وقرر التعامل ببرودة بعض الشئ وهو يلقي رصاصاته الطائشة ليتلقاها جسد عاصي
-الوضع مش مطمن، كون انها جالها غيبوبة سكر، السكر ارتفع عندها ونشكر الانسة انها جابتها على المستشفى في اسرع وقت عشان نقدر نتعامل معاها
ما أن رأى شحوب وجه عاصي وعادل حتى سارع لتهدئتهم قائلا بابتسامة عملية
– بس متقلقش الوضع تحت السيطرة دلوقتي، اول ما جت ادينا انسولين وبعدها ركبنالها محاليل عشان نقدر نعوض السوائل والالكتروليات المهمة زي البوتاسيوم اللي فقدتها
تساءل الطبيب وهو يعلم  الاجابة على السؤال مسبقا
-الحاجة مش مهتمة بمواعيد الدواء
هز عاصي رأسه وهو يجيبه
-للأسف
تنهد الطبيب بثقل وهو يقول بعملية
-هنضطر انها تمارس الرياضة بالاجبار، وتبعد عن أي سكر صناعي تماما،وتبعد عن اي وكل دسم او فيه دهون والسكريات
اومأ عادل بهزة من رأسه قائلا
-مفهوم
ابتسم الطبيب بعملية تلك المرة وهو يقول
– حمد لله علي سلامتها
تراجع عاصي عدة خطوات مبتعدا عنهما وهو يسمع عادل يخبره
-الله يسلمك، شكرا يا دكتور
دمعة خائنة انسلت من على وجنتيه ليغمغم بالكثير من الشكر وهو يسقط على المقعد بتثاقل وابتسامة بسيطة مطمئنة حال اطمئنانه على جدته
رعشة يديه فضحته تماما ليقبض على ركبتيه محاولا التخلص من حالة التوتر التي تمر فى جسده كي تفيق ويراها .. ثم يعاتبها ويحتضنها…..
فى المساء،،
 سحق عاصي لفافة التبغ الثالثة فى هذا اليوم قبل ان يتجه داخل المشفي، نظر الي ساعة يده وهو يتوقع ان هذا الوقت تكون جدته فاقت
لم يستيطع الرد على مكالمات وجد هذا الصباح، لم يجد القدرة على مهاتفتها
هو يشعر بالعجز، والضيق، والحنق
حانق من نفسه
وعاجز كونه لا يستطيع تقديم مساعدة
ضائق كون كل شئ ينهار من حوله
طرق باب غرفتها وفتحه ليجد اسماء تستقيم من مجلسها وهي تخرج من الغرفة تاركة لهما مساحة خاصة..
اغلق عاصي باب الغرفة وتأمل شحوب وذبول وجه جدته، وكأن المرأة الثلاثينية غادرت ذلك الجسد وحل محلها امرأة عجوز طاعن
سحب كرسي واقترب منها بعينين لائمتين ليقول
– ينفع تخضيني عليكي كدا
ابتسمت توحة بضعف لتغرورق عيناها بالدموع وهي تشعر بعاصي يلقي بنفسه بين ذراعيها محضتنا اياها بقوة لتربت توحة على ظهره ثم همست بمشاكسة
-مالك يا واد بقيت رهيف كدا ليه، انا قولت دي اخره المولتو والبسكوت اللي بتاكله
ابتسم عاصي بضعف وهو عازم على اتصال وجد فى اخر الليل، طبع قبلة مطولا على جبينها ليقول
-وليكي نفس تهزري ياتوحة
زفرت توحة بعمق لتتنهد بصوت ضعيف
-ومهزرش ليه يا عيون توحة، خلاص يا ابني اللي مكتوب مكتوب منقدرش نمنعه
غمغم عاصي بلوم شديد وهو يحدج جدته
– انتي لو تلتزمي باللي بقوله
تحاشت توحة النظر اليه، وهي تسأله بوجوم
– تقدر تمنع اللى مكتوب فى قدرك
هز رأسه نافيا ليجيبها بخشونة
-لأ
ابتسمت تحية بضعف وهي تهمس
– بتحارب ليه يا عاصي
تمسك بها عاصي بقوة ليجيبها بنبرة مختنقة
-مش عايز اخسرك زي امي وابويا، انتي كل عيلتي ودنيتي
ربنا على ظهر يده لتقول
– يا بكااش، دي فيه اميرة هتنور حياتك من بعدي
زجرها عاصي بحدة
– توحة قولتلك متجبيش سيرة الموت
قلبت تحية عيناها بضعف شديد، حدقت فى السقف بشرود لتجيبه
-الموت علينا حق يا عاصي، بس انا عارفة اني مش هقدر اعيش العمر كله، انا بس نفسي اشوف عيالك واشيلهم فى حضني قبل ما اموت، انت عارف ان دي كانت امنيتي
سارع عاصي بأن يمسك يديها ويجعلها تنظر الي عينيه
يخبرها بقوة ان لا تتركه بمفره
كيف تتركه بمفرده هكذا وهو ما زال بحاجتها، قال بلهفة
-قومي انتي بالسلامة الاول وانتي هتحضري فرحي وهتكوني اول من يشيل ابني
اغرورقت عينا تحية بالدموع لتجهش بالبكاء
-مظنش اني هقدر اعيش ليوم فرحك يا عاصي
جحظت عينا عاصي،وشحب وجهه تدريجيا حتى حاكي الموتى
لما تفعل معه ذلك؟
يمد لها يد المساعدة، إلا أنها ترفض
هل كرهت الحياة لتلك الدرجة؟
ما دافعها؟ اليأس أم الأشتياق؟!
وماذا عنه هو؟
ألم تخبره أن عوضها الصغير، وكانت تتمنى طفلا يشبه زوجها، وقد شب على أن يصبح رجلا مثله، أن تكون له سيرة عطرة فى أي حديث ورجل يفخر به الأطفال و يتخذونه قدوة!!
ألم ترغب بكل ذلك ؟!! ماذا الآن
لأنه يريدها .. ترفض وتعارض
تخبره بكل صراحة أن أيامها معدودة !!
ارتجفت اطراف يديه رغما عنه، وهو ينظر اليها بلوم
استقام من مقعده بحدة والتفت مغادرا، الا ان تراجع خطوة مع اندفاع الباب وصوت وجد اللاهث
– توحاا
نظرة واحدة قابل بها عيني وجد القلقتين به، تحاول الاطمئنان عليه الا انه هز برأسه ببرود تامر جعلها تقترب من توحة التي ذعرت من ملامحها الشاحبة لتهمس
-انا قلقت جدا اول ما اتصلت بيت اسماء وحكتلي اللي حصلك جيت على طول، الف سلامة عليكي
ابتسمت توحة وهي تربت على يديها، مغمغة بهدوء
– تعبتي نفسك ليه بس، كنت هرجع البيت تاني يوم و تقعدي معايا اليوم كله
ابتسمت وجد وعينيها مغرورقة بالدموع لتهمس بصوت باكي
-اقعد معاكي العمر كله يا توحا، بس انتي تكوني بخير
تنهدت تحية بأسي وهي تنظر الي عاصي المكفهر الوجه، ولسانه قد ابتلع
ينظر بتيه إليهما، لتهمس تحية بيأس
– بتعيطي ليه انتي كمان دلوقتي
وفي محاولة منها لتبديد الجو الخانق الذي يقتل الأنفاس، صاحت تحية بمشاكسة
– هو كمان كان عاملي مناحة
قلب عاصي عينيه بملل ليقول بنبرة محذرة
– توحااا
ابتسمت تحية وهي تهمس بصوت خفيض تجاه وجد
-يا واد دي لما تشوف علي ألبوم صورك مش هتعرف تودي وشك منها
اطبق عاصي شفتيه صامتا وهو يهز رأسه يائسا، لتلمع عينا وجد بفضول
-فيها ايه يا توحة
نظرت توحة الي حفيدها الذي حدجها بنظرات مميتة، إلا أنها ابتسمت بوداعة قائلة
– تعالي في يوم عندي، وهبقي اوريلك عاصي باشا بيعمل ايه وقت شقاوته
صدر عدة طرقات على باب الغرفة، ليلتفتوا جميعا إلى غالب الذي ينظر إلى وجد بصرامة، كونها اندفعت نحو الداخل تاركة اياه مع لؤي ليقول بهدوء
– الف سلامة عليكي يا هانم
ابتسمت تحية وهي تغمغم بضعف قائلة
-الله يسلمك يا غالب
أطبق على الغرفة الصمت خصوصا مع صمت عاصي، لتزدرد تحية ريقها قائلة
-غالب، انا عارفة اني مش هعيش العمر كله، بس انا عندي ليك طلب ومتعشمة انك مش هترفض
انقبض قلب عاصي وتوجست وجد خيفة ليهز غالب رأسه قائلا
-اؤمرى يا هانم
غمغمت بتصميم وعينيها معلقة علي حفيدها
– عايزة عاصي يكتب كتابه على وجد الليلة قبل بكرا

يتبع..

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *