روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن و الأربعون 48 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن و الأربعون 48 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثامن و الأربعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثامن و الأربعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثامنة و الأربعون

~… لحظة عصبية…~
هتف رعد بجاسر ويوسف حتى يتوقفا عن المزاح والتحدي الغير مُجدي هذا ! …. ثم قال بجدية ليوسف :
_ اظن أحنا كمان من حقنا ناخد الفرصة اللي أنت خدتها يا يوسف …. كان نفسي عمي يعملها ويجمعنا كلنا مرة واحدة.
مط يوسف شفتيه بسخرية وقد تذكر موقفه الأساسي والذي كان السبب في كل ما يحدث …. وقال بغيظ :
_ أنت مش دكتور نفسي أنت مجنون وعايز تتعالج ! …. اللي أنت بتقوله ده هو اللي جدي كان عايز يعمله وحضرتك عكيت وطولت لسانك وعندت لحد ما وصلنا لحيطة سد كلنا ! …. دلوقتي عايز عمي يعمل كده؟! … يا بجاحتك يا أخي !
وتابع بتفسير به بعض العصبية وهو ينهض ويقف أمامهم ويشير بأصبعه عليهم :
_ لأني كنت واضح من البداية عمي ساعدني … أنما انتوا مافيش واحد فيكم انتوا التلاته كان فاهم نفسه اصلًا عشان يوضح لغيره ويفهمه! …. وأظن عمي أذكى من أنه يحاول يعمل شيء من وراكم حتى لو عارف انكم عايزين كده …. طالما عايزين تاخدوا قرارتكم لوحدكم يبقى شيلوا بقا وكل واحد يصلح اللي كسره !
امتلأ صدر آسر بالعصبية … فكان موقفه أقرب إلى موقف يوسف تحديدًا دون عاطفة واضحة مثله … فقال بضيق :
_ أنا كنت زيك على فكرة ! …. ليه بيعاقبني معاهم ؟!
نظر يوسف لآسر بنظرة وكأنه تذكر آسر بمدى فظاظته خلال الإقامة بالقرية الريفية … وقال ملمحا :
_ أنت يا آسر موقفك أنت بالذات كان غريب …. لا مع ولا ضد ! …. مكنتش موافق على قرار جدي ، ولا رافضه برضه ! …. لحد من ساعات قليلة قبل ما تعرف موضوع وائل كنت متردد !
يبدو أن لا أحد سيفهم عمق المشكلة الأساسية التي يمر بها آسر … حتى أقرب شباب العائلة له لم يفهمه أيضا! …. فقال وكأنه نفد صبره من الحديث بهذا الشأن :
_ مكنتش متردد !، مشكلتي معاها من البداية أني مكنتش عايز أحب تاني … بس غصب عني لقتني بفكر فيها ، عايز أشوفها وملهوف أوي… عايز اتكلم معاها معرفش ليه ! … اتكلم في أي شيء حتى لو هنتكلم هتطبخ إيه النهاردة! …
ولاحت ابتسامة خفيفة على ثغره كأنها تنسخ خيوط أيام مضت أمام عينيه …. واستطرد قائلا:
_فضلت اكدب في نفسي لحد ما رجعت القاهرة ورجعت حبيبة تتواصل معايا …. وقتها بس عرفت أني محبتش غير سما …تخيل!! …. عرفت أن ده الأحساس اللي مش بسهوله هحسه تاني … حبيبة جرحتني وغدرت بيا، وده مكنش سهل على كرامتي فمعرفتش أنسى…. لكن محبتهاش ! … البُعد ده على أد ما آذاني في علاقتي مع سما … على اد ما واجهني بالحقيقة كلها.
أطبق يوسف شفتيه في صمت ولحظات تفكير …. ثم قال لآسر :
_ كل الكلام ده حلو يا آسر …. لكن سما ذنبها إيه في حيرتك وتوهتك دي ؟! ….
تدخل جاسر وقال بتأفف وكأنه بريء من ظنون جميلة به :
_ طب رعد وغبي وقلب الترابيزة في وشنا … وآسر السرحان مالناش دعوة بيه …. وحضرتك المدلوق وكسبت وبحقد عليك … أنما واحد زيي كنت وصلت أني علقتها بيا خلاص ! …. دي من ساعة ما وصلت هنا مش طايقة تبص في وشي ! … لا نافع معاها تلميحات ولا معاكسة ولا أي شيء !
رد يوسف باستهزاء وقال :
_ واحدة زي جميلة يا جاسر عمرها ما هتقبلك بشخصيتك دي … وأن كنت قدرت تعلقها بيك واحنا في البلد فده لأنها مكنتش تعرفك كويس … أنما لما عرفتك وشافت اللي بيتصلوا بيك ليل ونهار طبيعي ما تبصش في خلقتك …. لا وحضرتك بتستفزها وفخور أوي بيهم !! …. غباء ماشوفتهوش في أشد لحظات حياتي وأنا جعان !
تحكم جاسر كي لا يصوب له لكمة غاضبة على صدره ويفرغ هذه الشحنة السلبية من داخله وينفض غبار الغضب هذا …. فقال بغيظ ومرغما :
_ أنصحني يا فهيم !
أخذ يوسف نفسا عميقا وهو يبتسم سرًا لنفسه من نيل مراده وجلس بمقعده … ثم قال بهدوء :
_ حضرتك تبطل تعرف بنات وتستقيم ، والاستاذ رعد يبطل عناد ويبطل ينطح زي الطور ويتمسك بيها مهما قالت وعملت …. وأستاذ آسر بقا يبطل يتعصب ويفهم أنها حساسة زيادة عن اللزوم وياخد باله من كلامه معاها وهيكسبها … بسيطة خالص!
اتسعت عين جاسر بجحوظ وكأن الأمر اشبه بالمستحيل …. ثم أشار بأثنان من أصبعيه وقال بدهشة :
_ أبطل أعرف بنات … واستقيم ! … الأتنين ؟!
هز يوسف رأسه مؤكدًا ….بينما رعد قال بغيظ وعصبية :
_ أنا مش بعند معاها هي اللي بتستفزني وبتخرج أسوأ ما فيا !
ويبدو أن آسر لم يجد صعوبة بتنفيذ نصيحة يوسف … فقد عزم على هذا الطريق منذ وقت بالفعل…. فقال بصدق :
_ بحاول اعمل كده صدقني…
وقال يوسف أخيرًا ولم يجد شيء أكثر ليقوله :
_ انتوا اللي لازم تاخدوا الخطوة دي ماينفعش عمي وجيه ياخدها مكانكم … وماتنسوش أنا عملت إيه عشان حميدة تصدقني وبعدها عمي وجيه اتدخل … الكورة في ملعبكم يا شباب.
خيم صمت عليهم وبدأ يظهر على ملامحهم أنهم بدأوو بالفعل التفكير فيما قاله يوسف …. وعادوا استئناف بعض التمارين الرياضية ، ولكن لم يهجرهم الشرود ….
*********
مضت حميدة في طريقها إلى غرفتها … وقد تبدل حالها للنقيض بعدما نالت ما تمناه قلبها دائمًا …. وفي طريقها رأت ليزا وهي تحمل حقائبها ويبدو عليها تذمر طفولي شديد … أو ربما تستعمل تلك الطريقة للتأثير على من حولها من الرجال لتبقى !
وقفت ليزا لدقيقة تنظر لحميدة بتضيقة من عينيها وبنظرات يلتهب فيها الغيظ والسخط …
ثم تفاجئت حميدة بليزا وهي تخرج لسانها لها لكي تؤكد لها إنها على ما يرام وغير غاضبة … ثم رمتها اخيرًا بنظراتها تلك المليئة بالكراهية وهبطت السلم شبه راكضة ! ….
وقفت حميدة تنظر لابتعادها ثم ابتسمت بمرح وتأكدت أن تلك الفتاة لم تخرج من طور طفوليتها للآن وكان حديث يوسف على حق عندما أشار لها بذلك … ولكن أخيرًا رحلت ورحل معها سخافتها وتهورها اللعين …. حسناً.
ومضت تهبط الدرج بهدوء والابتسامة تنعش وجهها ، حتى دلفت لغرفتها وتفاجئت بالثلاث فتيات وكأنهن ينتظرونها ! …. تنحنحت بتوتر وقالت وهي تغلق باب الغرفة خلفها في ارتباك ، وقالت لتخفي احمرار وجنتيها وجنتيها الواضح :
_ هو جدي سافر البلد ؟
ابتسمت جميلة ابتسامة خفيفة وهي ممددة على فراش حميدة بإرياحية ..وقالت :
_ آه سافر البلد ….
ابتلعت حميدة ريقها من نظرات جميلة المستكشفة والمتساءلة بخبث …. وهنا كان سبب توترها الأساسي باستشعارها أنها نكثت عهدها معهن وطاوعت قلبها دون تردد…. عندما تبلغهن أمر الخطوبة.
وهنا نهضت سما وتعمدت الاقتراب لحميدة ببطء … ثم قالت بنظرات متلاعبة :
_ إنا كنت لمحت كده عمي وجيه وهو رايح عند أمي … وبما أنك كنتي هناك ماتعرفيش كان عايز إيه ؟!
أشتد احمرار وجنتي حميدة بشكل فاضح لما تحاول أن تخفيه … فاقتربت رضوى لها بابتسامة بعدما كانت تستند على باب شرفة تطل على الحديقة :
_ الف مبروك يا حميدة …. مش محتاجة كلام أن عمي وجيه طلبك ليوسف … يوسف بنفسه قال كده وقت الفطار …. أنتي

 

 

كنتي خايفة تقولي لينا ؟!
التمعت عين حميدة بدمعة توتر وقالت بارتباك :
_ مش خايفة أقولكم … بس خايفة تفتكروا أني كنت بكدب عليكم لما قولت أني هبعد وأنسى … أنا …
قاطعتها رضوى بضمة قوية وقالت بسعادة خالصة :
_ تبقي عبيطة … أنتي لو مكنتيش وافقتي عليه بعد اللي قاله كنا هنجوزهولك غصب عنك … مبروك يا حبيبتي الف مبروك .
نهضت جميلة بضحكة كانت تكتمها والتف الفتيات الثلاث حول شقيقتهن حميدة بمباركات ومزاح وضحكات تشاركن فيها …. ثم قالت جميلة بغمزة ماكرة :
_ سيبي الفرحة تدخل قلوبنا بقا شوية، والله ده الغلبان اللي فيهم واللي يستاهل السماح ….
نظرت حميدة لرضوى بقلق وقالت برجاء :
_ ما توافقيش على العريس اللي متقدملك يا رضوى … مش بس عشان بتحبي رعد …. عشان فعلًا الفرحة اللي بجد حاجة تانية وتستحق الانتظار.
ابتسمت رضوى بمرارة وقالت وهي تضرب بخفة على ذراع حميدة وقالت :
_ سيبك مني دلوقتي … خلينا فيكي ، أنا عارفة هعمل إيه .. ومش هتراجع عنه…. وبعدين مين اللي قالك أن فرحتي مع رعد هي الفرحة اللي بجد ؟! … ومين اللي قال أنه يستحق !
تأففت جميلة من هذا الحديث الذي تحدثن فيه بما فيه الكفاية أثناء انتظارهن حميدة …. وقد ضاقوا من تصميم رضوى بعناد غريب عن طباعها !
فقالت جميلة بنفاد صبر :
_ ماتتعبيش نفسك معاها يا حميدة ، أحنا زهقنا أنا وسما من الكلام معاها، خليها تشوف بنفسها الحفرة اللي هتدفن نفسها فيها.
هزت سما رأسها بتعجب واستغراب قائلة :
_ كنت فاكرة أنا بس اللي عنيدة … طلعتي أعند مني !
ابتسمت رضوى بنظرة ماكرة وقالت :
_ ولسه …. محدش لسه عارف هعمل إيه … أنا هعرفه مين هي رضوى مصطفى الزيان … هعرفه اللي اتريق عليها قدام ولاد عمي ومجرد ما شك في نية جدي هرب ومشي … مش هعديها بالساهل أبدًا ….
********
خلعت جيهان ذلك الرداء الملفت ، والذي لم يكن مناسبًا تمامًا بوجبة افطار عادية! ….. ارتدت روب مخملي ثقيل مناسب للطقس البارد ووقفت تنظر للنافذة بشرود …..
رغمًا عنها يتملكها عبق الكيد وتنساق تمامًا في حناياه … لم يطرق ولو بعض الندم وقتها …. ولكن الآن تشعر أنها تمادت كثيرًا وأكثر من اللازم… وبمحاربة كانت تبعد عنها شياطين عقلها كي يبعد عنها المكائد وخاصةً بعدما اكتشفت سرا خطيرًا عن ليلى ….
وبعد ما سمعته ليلة العرس وحديث ليلى مع طبيبتها النفسية …. لا .. لا …
حاوطت جيهان رأسها بكلتا يديها وبرفض لهذه الأفكار الشيطانية التي يزينها الشيطان برأسها ويحثها على التنفيذ بأقصى سرعة… وقالت برفض وكره لأفكارها :
_ لأ مستحيل …. لأ مش هعمل كده ! …. استغفر الله العظيم
استغفرت ربها حتى تفاجأت بدخول وجيه للغرفة … ويبدو عليه الجدية رغم هدوء ملامحه …. واقترب منها قائلا :
_ ممكن اتكلم معاكي شوية
انتبهت جيهان باعجاب يلتمع بعينيها لمظهره الأنيق المرتب والنظيف دائمًا … ولمعطفه الرمادي الذي يناسب تمامًا ذلك القميص الأسود الذي يرتديه، ويبرز تقاسيم وجهه الوسيمة بشدة….ويبدو انه ينوي الخروج ! …. قالت وهي تعود للنظر بعينيه متأملة ما خلفهما من أسرار :
_ اكيد طبعا … بس قلقتني !
جلسا الأثنان بمقاعد الشرفة حيث بدأ وجيه حديثه قائلًا باهتمام :
_ أنا لفت نظرك كذا مرة قبل كده للموضوع ده … بس المرادي عايزك تهتمي برأيي شوية يا جيهان … أنتي مراتي وماحبش مراتي تلبس لبس ملفت بالشكل ده …. أنتي عارفة أني مش بحب اللبس الضيق أو العريان … وتصرفاتك كمان راقبيها شوية لما نكون قدام الناس … لوحدنا اتصرفي والبسي زي ما تحبي مش همنعك.
نظرت جيهان له لفترة بصمت دون أي تعابير ظاهرة …. ثم قالت وظهرت بعض الحدة بنبرتها :
_ هي ليلى اتضايقت للدرجادي ؟!
زفر بضيق متوقعا ظنها ثم أجاب :
_ ليلى مالهاش علاقة بكلامي ده ! … أظن ده رأيي من زمان مش جديد يعني !
تحدثت جيهان بعصبية وكأنه أهانها بحديثه هذا رغم أنه ليس المرة الاولى الذي يشير لهذا الأمر …. فقالت :
_ أنا ممكن اسألك سؤال يا وجيه وتجاوبني بصراحة ! …. أنت برضو بتكلمها كده وتفهمها اللي بتحبه واللي مابتحبهوش ولا هي استثناء ؟! … أنا مش بلاحظ أنك بتزعل من أي تصرف بتعمله ولا فاكرني مخدتش بالي من ماسكة ايدك ليها على الفطار وعلى رد فعلها ! …
نهض وجيه واحتدت ملامحه بعصبية وأجابها :
_ ليلى مش بتلبس عريان يا جيهان ولا بتلبس ضيق عشان أقولها كده او الفت نظرها ! …. ليلى بتحترم أن في ناس موجودة حواليها وبتتصرف بنضج وحكمة وده من نفسها مش تحت رغبتي ….. وزعلي منها بحاسبها عليه بيني وبنها زي ما بعمل معاكي كده بالضبط ! …. ومكنش في داعي تركزي في تفاصيل ماتخصكيش في شيء !
هزت رأسها بذهول لدفاعه بهذا الشكل عنها وقالت بدموع :
_ أنت مش شايف أي عيب فيها عيب … ومش شايف أي ميزة فيا اصلا …. واضح أن نظرتك للآخرين أنت اللي بتقررها على حسب علاقتك بيهم ! …. أنا مركزتش في تفاصيلك انت وهي ! … لكن شوفت اللي حصل بالصدفة … وشوفت عنيك ليها حتى بعد اللي عملته …. أنت بتغفرلها وبتسامحها حتى قبل ما تعتذر وتقولك أسفة …. كنت أتمنى تعاملني كده !
هز وجيه رأسه بيأس وقال بضيق شديد :
_ أنتي بتحاسبيني حتى على نظرة عنيا ! …. لو فضلتي بالشكل ده لا هترتاحي ولا هتريحي حد معاكي يا جيهان ….. ياريت تراجعي نفسك وتفتكري أنك موجودة هنا بإرادتك وأني ما اجبرتكيش على شيء …. أنا ماشي .
وبعدما خرج من الغرفة انهارت على مقعدها مجددًا بجسد خائر القوى …. واعتقدت أنها ستذرف الدموع حتى تكتفي، ولكنها لم تبكي ولم تفعل ! …. بل وكأن البكاء أصبح روتين سخيف بأيامها وتريد التمرد عليه وتغييره !
تريد التمرد على كل شيء ربما تجد السعادة مختبأة بأحد الزوايا..!
********
لاحظت ليلى وهي تجلس بجانب وجيه بالسيارة مدى ضيقه وعصبيته … مضت دقيقة وهي تراقبه وهو يحرك السيارة بقبضة يده المنتفخة العروق … إذن تلك الدقائق الذي ذهب فيها لمحادثة جيهان يبدو أنها انتهت بشجار بينهما !
قالت متسائلة باهتمام وقلق عليه وهو يحرك المقود :
_ في حاجة زعلتك يا وجيه ؟ …. أنت كنت كويس قبل ما تروح لجيهان !
لم يجيب وجيه مباشرةً …. بل صمت وهو يخرج بالسيارة من الممر الطويل للمنزل حتى الشارع …..فتنهدت وهي تعود بظهرها بالمقعد في استرخاء .. ثم قالت بتقطيبة سريعة مرت على سيماء وجهها :
_ أنا لاحظت برضو أن …..
قاطعها وجيها بعصبية مفرطة وهو يطرق بقبضته على عجلة المقود بغضب..وهتف :
_ أنتي لاحظتي وهي لاحظت أنا بجد زهقت ! … بقيت حاسس أني متراقب طول الوقت ولا كأني مسجون ! …. دي بقت عيشة تزهق وتخنق!
تسمرت ليلى بصدمة وهي تنظر له بعينين واسعتان ذاهلتين مما تفوه به ! …. كأنها تنظر لرجل آخر غير وجيه الذي تعرفه ! …. ظلت متجمدة في مكانها للحظات حتى ظهر عليه الندم وكاد أن يعتذر، ويده اليمنى قد تسللت ليدها المضمومة ببعضها، وكادت أظافرها تجرح باطن يديها من ضغط أعصابها…. فقاطعته بنظرة جامدة وصوتٍ حاد :
_ نزلني هنا يا وجيه …
تنهد بضيق شديد من نفسه ، حتى قال باعتذار صادق :
_ أنا أسف يا ليلى .. كنت زهقان شوية و….
قاطعته بعصبية وصوتٍ منفعل :
_ قولتلك نزلني هنا !
أوقف السيارة كي يستطع التحدث معها ونظر إليها ليقول شيء … حتى وجدها تفتح الباب وتخرج ! ….
جذبها بعصبية من يدها للداخل وأمرها بنظرة محذرة أن تظل مكانها قائلا :
_ ما تتحركيش من مكانك وخلينا نتكلم … !
ردت بعصبية شديدة نادرًا ما كانت تتحدث بها وقالت :
_ مش عايزة اتكلم معاك ولا ازهقك … واضح أن وجودي معاك بقا مصدر زهق … وواضح أن ظنوني كانت صح ، أنت استنتني عشان ما طولتنيش ! …. ولما طولتني زهقت واتخنقت! … بس ماكنتش فاكرة أنك هتزهق بالسرعة دي !
ضيق عينيه بصدمة مما كانت تخفيه وتظنه عنه ! … لم يصدق بعد كل ما حدث أنها تظن فيه ذلك من مجرد لحظات عصبية تمر على الجميع ! …. ولكنه تحكم بأعصابه بأعجوبة، وقال وهو يغلق باب السيارة بجانبها ويده الأخرى ممسكة بها بأحكام … ثم اعتدل قليلًا وكان قريب منها جدًا، وقال بنظرات تهديد وعينيه الرمادية تلتهب من الغضب :
_ كلامنا مش هنا في الشارع ! ….. وظنك فيا وكلامك ده مش هنساه وهحاسبك عليه يا ليلى !…. بس دلوقتي مش عايز منك ولا كلمة لحد ما نروح المستشفى.
قالت بعصبية وموجة بكاء عاصفة :
_ لسه انت كمان اللي هتحاسبني بعد اللي قولته! …. ماسمعتنيش حتى وعرفت كنت هقوله إيه … بس قبل ما اسكت عايزاك تعرف أني كنت هقولك أنها خدت بالها لما مسكت ايدي الصبح وقت الفطار …. واكيد ده سبب زعلها وعصبيتها واعذرها … مكنتش هقولك أكتر من كده وهسكت ! …. بس صدقني أنا يتخاف من سكوتي!
شعر بالذنب والندم من قولها حتى ختمت بهذا التنبيه، وكأنها تهدده ! ….فقال بحدة رغم أن لمسة يده الممسكة بها تشير لغير ذلك :
_ واضح أن ده تهديد ! …. بس برضو مش هتكلم هنا، لما نوصل لينا كلام تاني.
واستدار بجسده بالمقعد ليجلس بثبات، ولكن ظلت عينيه ثابته على وجهها الحزين وعينيها الباكية وهي تنظر لجهة أخرى … وعندما حرك السيارة كانت تبكي بصمت وهو يختلس النظرات عليها من حين لآخر….
********
لم تستطع فرحة بعدما سمعته من زايد أن تعود لعملها وتتابع بهذا التشتت !
قررت تسجيل غيابها لهذا اليوم ثم ذهبت لشقيقها حسام بغرفته بالمشفى ….. وحينما دخلت الغرفة وجدت ” فادي” ذلك المراهق الذي يكبر أخاها على ما يبدو بسنواتٍ قليلة … واستقبلها فادي بابتسامة سرعان ما اختفت من عبوسها وتورم عينيها الحمراء من البكاء …. فقال :
_ جيت أشوف حسام …. احنا بقينا صحاب.
لم تطلب منه التوضيح ولكن يبدو على الصبي أنه يتقرب اليها لتسامحه عما فعله بشقيقها ….فقالت بهزة من رأسها وكأنها تختصر الحديث معه :
_ كويس .
شعر فادي بالحرج ونظر لحسام الذي كان يراقب التوتر بينهما وقال :
_ طب همشي أنا بقا يا حسام وهجيلك تاني … أنا النهاردة جيتلك هربان من البيت مع السواق اللي جاي يرجع زايد أخويا البيت .
واعتبرها حسام مزحة وابتسم له قائلا بمرح :
_ هستناك تهرب تاني.
ابتلعت فرحة غصة مريرة على ذِكر سيرة زايد …. وتجنبت التفكير فيه أكثر من ذلك ….. ولم تنتبه حتى لإشارة فادي بمدى صعوبة خروجه من المنزل لجعله يلجأ للهرب.
وبعدما خرج فادي من الغرفة جلست بجانب شقيقها صامته …. فقال لها بقلق :
_ ايه اللي مخلي عينيكي حمرا كده دايمٌا وكأنك مش بتبطلي عياط ؟! قوليلي يا فراشة مين زعلك وانا اقوم ابلعه بلع.
ابتسم حسام بقصد أضحاكها مستخدما صيغة تدليلها عن عمد….فقالت ببكاء ولم تستطع كبت هذه الهموم أكثر من ذلك :
_ هقولك … أنا ماليش حد غيرك أفضفض معاه .
وعلى رغم شعوره بالقلق من دموعها ولكنه تظاهر بالهدوء واستمع لها في صمت …. حتى انتهت من حديثها بعدما أخبرته كل شيء ….. وعندما نظرت له وجدته يتأملها في حنان، فقالت بتعجب وهي تمسح عينيها من الدموع :
_ بتبصلي كده ليه .. أنت مش مصدقني ؟!
ابتسم حسام وقال بهدوء :
_ ومن أمتى كدبتك ؟!
قالت متابعة بعد تنهيدة اطلقت فيها بعض من حزنها :
_ موقفي صعب … هو اتقدملي وما اتكلمش تاني من وقتها ….ومش قادرة اروح اكلمه ، صعب عليا أوي وحاسة ماينفعش كمان ..
وافقها حسام بجدية واستطرد :
_ طبعا ماينفعش …. لو ما كلمكيش تاني اوعي تفتحي الموضوع ولا حتى تلمحي … بس زايد مش كداب ، ده اللي فهمته من كلام فادي عنه.
ابتلعت فرحة ريقها المر وقالت :
_ انا حسيت بكده … خصوصا لما افتكرت رد فعل أمجد اما الممرضة قالتله على وصول زميلة ليها اسمها سمر …. و ..
قال حسام بصراحة مقاطعاً :
_ احتمال كبير أن زايد بيحبك … مالهاش تفسير تاني .
نظرت فرحة بجمود لشقيقها… رغم أن هذا التصريح لم يبدو في محتواه شيء صادم لما ظنته مراتٍ كثيرة … ولكن أن يخبرها هذا شقيقها ويفكر بما فكرت به فهذا جعلها ترتبك وتشعر بالحرج الشديد …. فتابع حسام قائلا بجدية :
_ رغم أني حاسس اني عايز امسكهم هما الاتنين ارميهم من الشباك ده … بس برضو نفسي تفرحي وتعيشي حياتك ، أحنا اتحرمنا كتير يا فرحة … اتحرمنا من الأهل واللمة .. اتحرمنا نخرج ونتفسح ونعيش حياتنا زي كل اللي في سننا ، واتحملنا مسؤولية نفسنا في وقت كنا محتاجين فيه أي ايد ممدودة لينا … زايد شكله بيحبك وبيغير عليكي … وأمجد حكايته ما تطمنش ومش مستريحله …
قالت متساءلة وتريد بالفعل لأن يرشدها أحد ماذا تفعل:
_ طب انصحني …. اعمل إيه ؟
أجابها بصدق :
_ أمجد لو عايزك مكنش قطع كلامه … وكان اتقدملك وقرر واستعجل وخطبك في أسرع وقت بس سكت ومكررهاش! … طريقته فيها تردد وحيرة وده يقلق، لكن اللي يخلي زايد يسأل ويعرف عنه التفاصيل دي في حاجة ماتخصهوش أصلًا اكيد شيء يخليه لو مكان أمجد …كان هيتجوزك في ظرف أسبوع !
شعرت بحرقة في حنجرتها وهي تتحدث معترفة وقالت :
_ أمجد كنت شيفاه من بعيد حاجة تانية غير دلوقتي … بدأ يقل من نظري، وبدأت أخاف منه …. مش احساسي الأول هو احساسي من ناحيته دلوقتي !
رد حسام وقال بتوضيح :
_ لأنه اعجاب ، أعجاب وبس مش أكتر … بس أتمنى ما تكتشفيش أن قلبك مال لزايد بعد ما خلاص مشي ! … الغريبة أني حاسس أن يهمك أمره في نفس الوقت اللي فاكرة أنك معجبة بأمجد ! …. فكري فيها كويس !
امتلأت الحيرة بعينان فرحة …. وشردت للبعيد، ولأول مرة تشعر بكل هذا التشتت والحيرة ؟! … هل يوجد شخص لا يعرف لمن يدق قلبه تحديدًا ! …. أم أن دقات الحب توأمها الخادع دقات وهمه!
*********
المرأة مهما أحببت ووثقت وتأكدت بمئات المواقف من حب رجل لها … سيظل هذا الداء الحوائي بنفسها …. داء الشك أن الرجل الذي يحبها …. لا يحبها بآنٍ واحد !
خرجت ليلى من السيارة بعدما توقفت أمام المشفى … ولم تنتظره أن يظهر اللباقة في تصرفه معها ويفتح لها الباب بنفسه ….. ويبدو على وجهها أنها لو طالت أن تصرخ بأعلى صوتها لفعلت دون تردد !
اغلق باب السيارة وتوجه لها بنظرة تدقق بوجهها بعمق … وقبل أن يتفوه بكلمة كانت تسبقه بخطوتين للداخل !
زفر بغيظ ثم اتبعها بخطوات رشيقة وواسعة …..
وبداخل المصعد للأدوار العالية انتظر حتى غلق الباب اتوماتيكا ، والتفت لها بعصبية محذرا :
_ اتعاملي كويس قدام الناس .. ماتستفزنيش !
لم تجبه بكلمة وكأنها تنفذ وعدها بالصمت …. بل ما أعارته أي اهتمام سوى بنظرة خاطفة غير مكترثة، وبعدها نظرت لباب المصعد بنظرة متحدية بداخلها يتقد الغضب ويتأجج !
اشتدت عصبيته من صمتها المستفز هذا وضرب حائط المصعد بجانبها بعصبية وهتف :
_ ولما اكلمك تردي عليا !
خافت من عصبيته حقا ولكنها تمادت في تحديها له، ولم تجيب ولو بطرفة عين … أن كان هو نفسه اعتبر حديثها ووجودها ذاته خانق ويسبب له “الزهق” …. فستهديه بالصمت وله ما يشاء وما طلبه بنفسه واعترف به…
هتف بتحذير غاضب ونبرة ونظرة مهددة:
_ ليلى !
ارتجفت بخوف ولكن ما أنقذها فتح باب المصعد للطابق المطلوب …. نظر للباب سريعا وتفاجئت بيده وهي تقبض على معصمها بغلظة زائدة ومؤلمة …. ولاحظت بخوف أنه لا يتوجه لغرفة والدها بل لمكتبه !
وصل به الغضب لأن لا يكترث للنظرات الفضولية المسلطة عليه حتى وجدته يدخلها للمكتب بعصبية ويغلق الباب بالمفتاح كي لا يقتحم أحدًا هذا الشجار الذي يبدو سيبدأ الآن.
ابتعدت بخطوات تبدو ثابته كي لا يصل اليه خوفها …. ولكنها بالفعل ترتجف خوفا من غضبه…. فجذبها بعنف حتى اصطدمت بصدره وقال لها بغضب ويديه تقبض على كتفيها :
_ أنتي عنيدة ليه وأزاي بتعرفي توصليني للحالة دي ؟! …. عجبك اللي عملتيه قدام الأمن تحت وحرجتيني !
كتمت كلماتها بفمها ولم ترد رغم أنها اشتعلت غيظ منه … اضاق من هذا التصرف بينما ما قاله عاديًا من وجهة نظره ؟!
غرز أصابعه بلحم كتفيها دون أن يشعر كم يؤلمها ، فنظرت ليديه بألم ثم نظرت اليه بنظرة عاتبة جعلته يتأمل عينيها للحظات …. وتخيلت أنه سيغضب أكثر بينما ما كان غضبه سوى ضمة خانقة لضلوعها … فبكت ليلى دون احتراز لأي تحدي أو شيء …. فرقت يديه وهمس بأذنها في اعتذار قائلا :
_ مش لما تزعلي مني تستني اعتذرلك … ولا ترفضي حتى تسمعيني ؟! … هو أنا حتى أنكرت أني غلطت يا مفترية !
نظرت لعينيه التي تعشق حتى أهدابها الطارفة كل لحظة ، وتذكرت ما قاله منذ وقت ، فقالت وهي تبتعد عنه بألم وعينيها تتهرب من عينيه العاشقتان:
_ عايزة أروح أشوف بابا.
وجذبها إليه مرة أخرى ولكن كانت نظراته الغارقة بعينيها الحبيبتان سابقة لحديثه بالأعتذار … ثم قال بهمس :
_ طب هتروحي تشوفيه وأنتي معيطة كده ! …. مش لما نتصالح الأول !
قالت بدموع وهي تنظر له بعتاب شديد :
_ مش عايزة أعطلك أو ازهقك وأخنقك ! …. كفاية عليك مستحملني أنا وبنتي ! … كتر خيرك.
ارخت جفنيها لتبك دون أن تنظر له وتضعف… حتى رفع وجهها اليه بطرف أصبعه وقال بعشق :
_ وأنا ايه اللي جبرني استحمل ١٠ سنين وخلاني استناكي ترجعيلي غير أني بعشقك ومقدرتش أحب غيرك ولا انساكي لحظة؟! عيب لما كلمتين في وقت عصبية يخلوكي تشكي في حبي ليكي ! …. وقولتلك كتير خلي ريميه بعيد عن أي حاجة ما بينا … دي بنتي ومش هسمح لمخلوق يحسسني بغير كده حتى لو أنتي !
قالت بألم حقيقي وهي تنخرط بالبكاء :
_ أنا اكتر واحدة عارفة أن وقت الزهق ما بيتقالش غير الحقيقة !
هز رأسه رافضا بقوة وأوضح :
_ مش دايمًا ومش قاعدة ! …. عايزك تسألي نفسك سؤال وتجاوبي بصراحة …. الكام الساعة اللي فاتوا من وقت كتب كتابنا ومن وقت ما بقيتي مراتي رسمي … حسيتي لحظة أني زهقت أو مضايق ؟! ما وصلكيش سعادتي وفرحتي بيكي كده خالص؟!
ازدردت ليلى ريقها بارتباك وهي تنظر له بعينيها الدامعتين … فتابع بمحبة تغمر عينيه كليًا :
_ أنا معرفتش يعني إيه فرحة غير لما اتجوزنا وبقيتي معايا …. تخطيت عقبات في طريقنا عشانك … مستحمل اتهامات جيهان ليا دايمًا بالتقصير معاها واحساسي بالظلم عشانك وعشان تفضلي جانبي …. واستحملت برضو لو مش واخدة بالك نظرة الناس ليا وكلامهم عليا وهيبة ومركز الدكتور المحترم القدوة اللي اتجوز على مراته بعد ما رجعلها بأقل من شهرين! ….. وده كله واكتر منه بالنسبالي ولا شيء في لحظة ممكن تبعدك عني تاني …. أنا مش هقدر على فراقك تاني يا ليلى ولا هقدر أعيش من غيرك … صدقي أو متصدقيش بس هي دي الحقيقة !
تطلعت به بصمت وقد شعر من عينيها إنها تأكدت من صدقه وأن لم تفصح !… فقبل رأسها بقبلة طويلة ثم نظر لعينيها عن

 

 

قرب وقال هامسا :
_ حقك عليا أنا أسف ….. جيهان نرفزتني بكلمتين وطلعت زهقي عليكي معلش …. بس والله العظيم مافي حرف من اللي قولته كان صح …. أنا زهقت عليكي ما زهقتش منك !
وقربها اليه بنظرة دافئة مليئة بالعاطفة وهمس مجددًا:
_ وأزهق أزاي وأنا لسه مش مصدق لحد دلوقتي أنك قدامي حقيقة مش خيال ! …. وأزهق أزاي وأنا لما بكون معاكي بحس أن العمر بيرجع بيا لسنين وكأني مكبرتش ولا عمري هكبر ! …. ده الضحكة اللي بجد ما بتطلعش غير ليكي وتقوليلي أزهق؟! …. بأي عقل طيب ؟! … اديني نص دليل يخليكي حتى تشكي ؟!
رفعت يدها تعدل ياقة قميصه المرتبة ! …. وقالت مبتسمة له وكأن كل ما قاله لم يكن ولم يتفوه به:
_ أستاذ في الكلام مش بس في الطب ؟!
احتوي يديها بين يديه وهو يقول بابتسامة صادقة :
_ والله مابعرف اتكلم كده غير معاكي أنتي بس ! ….. باخد معاكي راحتي يا كل راحتي.
ظهر من بين عينيها التي قاربت أن تجف من الدموع بعض التلاعب ومكر الانثى … فقالت بصوتٍ ناعم بقصد :
_ ما تتعصبش عليا تاني ..ماشي ؟
ابتسم بمكر وهو يجيبها ويقربها اليه بيديه القويتان :
_ لأ مش ماشي ! …. أصل هي دي الحياة ، نتخاصم ونتصالح ، وبصراحة حتى الخناق معاكي بيبقى ليه طعم مميز … وبعشق ابتسامتك ونظرة عنيكي المكارة بعد ما اصالحك … أنا ممكن ازعلك مخصوص عشان أصالحك واقعد ابصلك بعدها!
ضحكت وقالت :
_ صراحتك مستفزة… بس بحبها !
رفع أناملها لشفتيه وقبل يدها برقة شديدة وهو مسرور بتأثيره عليها .. ثم قال بمحبة صادقة :
_ وأنا محبتش حد ادك في الدنيا دي …. أوعي تصدقي أي شيء غير كده …
ابتسمت ابتسامة مرحة وقالت :
_ افتكرتك لما قفلت الباب انك اتعصبت لدرجة أنك هتحدفني من شباك المكتب ! …
أجابها بمشاكسة ونظرات خبيثة :
_ هو أنا كنت عصبي ومتغاظ منك فعلًا …. بس لما جيبتك هنا مكنش في نيتي غير أننا لما نخرج نكون متصالحين ….
تنهدت ليلى برضا وقالت :
_ الحمد لله انا تمام …. بابا وحشني أوي تعالي نشوفه.
مسك يدها بقبضة دافئة رقيقة وقال وهو يفتح باب المكتب :
_ كده اسمحلك تشوفي بباكي.
********
وحلّت ساعات آواخر النهار …. وبعد ترحيب حار بمنزل العمدة وفترة الطعام المثمر بالأكلات الريفية الشهية، جلس العمدة مع الجد رشدي بالمضيفة … وأتى الصبي نعناعة الذي لا زال المرض يظلل خطوطه على وجهه ووضع الشاي على الطاولة الخشبية القصيرة … وقال بابتسامة مجاملة :
_ نورتنا يا جدي …
نظرت له أمه بغرابة وهي تجلس بالمضيفة الواسعة، فرد الجد رشدي بمحبة لهذا الصبي :
_ بنورك يا حبيب جدو …. تعالى بقا عشان عايز اتكلم عنك شوية.
شعر الصبي بالتعجب بعض الشيء ، ولكن كان الجد طرح الاقتراح الذي أتى لأجله على العمدة … ورفض العمدة طويلًا الأمر حتى اقنعه أخيرا… وأضاف الجد بصدق :
_ صدقني كده أفضل … البنات مش بيبطلوا سؤال عنه وزعلانين أوي عليه ، وبالمرة يكمل تعليمه ونكون حواليه ونشجعه … وهتبقى الفرحة أكبر بكتير لو وافقت تيجي أنت وحرمك معانا ….
قالت زوجة العمدة بشكر وامتنان صادق :
_ تسلم يارب … بس احنا مانعرفش نعيش غير هنا في بلدنا وفي بيتنا … ومش هينفع نعناعة يبعد عننا .
فهم الصبي الأمر وقال بسعادة :
_ أعيش مع أخواتي تاني يعني ! … ياريت والله .
نظرت والدته مجددًا له بقوة ، فسحب الصبي حديثه وقال بحزن :
_ لا مش هينفع … أنا هنا كويس وبخير .
ونهض والحزن يأكل عينيه وعندما خرج قال الجد برجاء :
_ البنات هيزعلوا أوي لو رجعت من غيره والله … أنا وعدتهم خلاص ، وكمان الولد ده أنا حبيته زي أحفادي بالضبط وربنا يعلم … ارجوك وافق يا عمدة.
شعر العمدة بالحرج من رجاء الرجل العجوز له … فقال بحيرة :
_ طب سيب الموضوع ده دلوقتي نفكر فيه براحتنا وخلينا نفرح بزيارتك الأول … معلش انا عارف ان البيت مش اد المقام .
قال الجد سريعا بمنتهى الصدق :
_ ده أنت ومكانك المقام كله يا عمدة … كفاية اصلك وأخلاقك اللي زرعتهم في بنات أبني الله يرحمه … معروف شايلهولك على راسي مش ناسيه … وأنت لسه مستكتر نعناعة يقعد معانا بس لحد ما يخلص الثانوي ! …. شوفت بقا أنك هتزعلني بجد وهتكسر بخاطري !
رد العمدة بأسف وقال بحرج شديد :
_ ما عاش اللي يكسر بخاطرك ولا يزعلك … بس مش هقدر أقولك رأي غير لما اسأل نعناعة الأول.
هتف العمدة مناديًا أبنه … حتى أتى الصبي وهو يهرب بعينيه من أمه وكأنه ارتكب ذنبٍ عظيم … فسأله والده عن قراره بالسفر فصمت الصبي …. حتى قال له العمدة بابتسامة أظهرت موافقته :
_ لو وافقت أحنا كمان موافقين … طالما هتجيلنا كل أسبوع ولا اتنين ، وطالما هترضى أخيرا تكمل تعليمك وترجعلنا ومعاك شهادة كبيرة.
رفع الصبي رأسه بدهشة غير مصدق موافقة والده … فقال بابتسامة عريضة وسعادة طلت بعينيه كالموجات العالية :
_ هرجعلكم كل اسبوع وهنجح والله … بس أنت موافق يا أبا ؟! مش زعلان مني ؟
نظر العمدة لزوجته بابتسامة هادئة لدموع عين زوجته التي طفرت بعينيها .. وقال لأبنه برفق :
_ هزعل أكتر وأنا شايفك حزين ولوحدك ومش عايز تتعلم … بس لو سيبت المدرسة هناك زي ما عملت هنا هرجعك، أنت فاهم ولا لأ ؟!
قالت الام بعدما فهمت وجهة نظر زوجها ووافقت على مضض :
_ زي ما قالك أبوك يابني …. لو هتروح وتنجح يبقى روح ، لكن لو هتروح عشان يس عايز تسافر يبقى هنرجعك تاني …. وهعتبر أنك روحت الجيش وهصبر نفسي على ما ترجع كل كام يوم.
كانت أمه بسيطة وكلماتها أبسط … فهرول الصبي لأمه مقبلًا يدها بمحبة وحنان قائلًا :
_ والله يمه لنجح وأخليكم تفتخروا بيا ، حتى لو عايزاني أفضل هنا … هفضل.
مسحت الام عينيها وربتت على يده بعدها بحنان وقالت بموافقة صادقة :
_ لأ روح مع جدك … أنا مايهمنيش غير أنك تبقى مبسوط … بس أوعي تغيب عن أمك كتير.
وبكت مجددًا وبكى معها الصبي ….. وراقبهم الجد بمحبة حقيقية لهذه الأسرة الصغيرة المليئة بكل صدق ومحبة …. وقال :
_ طب حضر نفسك عشان هنرجع القاهرة النهاردة ….
********
وعند الساعة الحادية عشر ليلًا ….
تكونت سحب غائمة بجسد السماء المظلمة … ويبدو أن القمر يستحي ليتخفى نصفه خلف غيمة رمادية ….
لم يكن الجد وصل القاهرة بعد … وانتظر الفتيات لحين مجيئه بانتظار رؤيته ومعه الصبي الذين اشتاقوا له كثيرا …
فجلست حميدة وجميلة على أريكة تتوسط المنزل الكبير وأمامهن على بُعد خطوات شاشة تلفاز كبيرة وضخمة …. بينما جلس يوسف على الأرض وأمامه الصغيرة ريميه التي تستمع لأغانيه الطفولية وتحاول حفظها مثلما قال لها…
فقال يوسف بدندنة بعدما اختلس نظرة سريعة مشاكسة لحميدة :
_ ذهب الليل وطلع الفجر والعصفور إيه ؟!

 

 

ضمت الصغيرة قطتها وقالت بتأكيد :
_ والعصفور نونو !
ضحك يوسف عاليًا وقال :
_ في عصفور بينونو ؟! ….
عبس وجه الصغيرة بحيرة ولم تعرف الإجابة ولما يضحك يوسف ! …..
وضع جاسر ساقا على ساق بثقة عالية من مظهره الجذاب ، ونظر وهو يجلس على أريكة أخرى مقاربة للاريكة التي يجلسن عليها الفتاتان … وقال بابتسامة خبيثة ليستفز جميلة :
_ العصفور بينونو ولا بيصوصو يا بيوتيفول أنتي ؟
كتمت حميدة ضحكتها من أسلوبه وطريقته المضحكة بالفعل … وكذلك جميلة ولكنها نجحت في الثبات ظاهريًا وأجابت :
_ بيجعر … زيك كده.
ضحك يوسف بقوة عندما سمع جملة جميلة ، وتماسك جاسر كي لا يظهر عليه الغيظ وتابع بلطف مصطنع :
_ اوك …. بس خلي بالك من الفاظك … بقا في أنثى تقول بيجعر ! …. خليكي رقيقة عن كده يا أنثى البطريق أنتي ! … ده أنا كنت أعرف بنات بيغمى عليهم لما بعطس !
حمحم يوسف بصوتٍ مرتفع ليجعل جاسر ينتبه أنه يعكر صفو الحديث بينهما …. فأنتبه جاسر بالفعل وقال موضحا بنفي :
_ بس كنت بسيبهم وأمشي … هو أنا فاضيلهم ولا فاضي للمرقعة دي !
قالت جميلة بسخرية :
_ لأ صدقتك ! …. مسكين ومظلوم !
فقال بتأثر شديد :
_ يابنتي أنا حياتي بلا بنات ! …. ده أنا زمايلي مسميني في الشغل الوحداني ! …
نظرت جميلة بنظرة ماكرة لحميدة التي كتمت ضحكتها مرة أخرى وقالت له بخبث :
_ طب أبقى فكرني أبقى اتأكد لما أجي المستشفى .
سأل بتعجب واستغراب ولم يفهم تلميحها:
_ ليه مالك ؟ … حاسة بحاجة ؟ قوليلي …ده أنا افديكي بقلبي يعني !
قالت جميلة بعدما فكرت في شيء يبدو انها تخطط له :
_ حاسة انك لازم تقوم وتروح تنام … الا صحيح أنت غايب النهاردة ليه ؟! … مأنتخ ليه ؟!
ضحك يوسف وهو ينظر لجاسر الذي ممر يده على شعره ليتحكم بأكبر قدر على أعصابه كي لا ينهض ويعنفها من فرط غيظه منها …. فأجاب بضيق :
_ عمي واخد أجازة جواز يومين … خدنا معاه، مش بعرف امسك السماعة وعمي مش موجود ! … ارتحتي !
كتمت نوبة من الضحك ولم تجيبه ولكنها تظاهرت بالثبات والهدوء….
أتى رعد وهبط الدرج بحيوية وهمة عالية … ويبدو عليه بعض التفاؤل وأردف قائلا وهو يجلس بجانب جاسر :
_ فكرتكم نمتوا !
قال جاسر ولا زال ينظر لجميلة بغيظ :
_ هو حد بقا يعرف يغمض عنيه في البيت ده ! ….
تنحنح يوسف بتنبيه لجاسر … فزفر جاسر بغيظ وصحح :
_ قلبي بيدق … من كتر ما قلبي بيدق ، الفرحة مش سيعاني بلمتنا !
قال رعد بابتسامة :
_ طب الحمد لله ..
نظر جاسر لرعد بتفرس وغرابة ثم سأله :
_ ايه ده مالك كده ؟!
تنفس رعد بعمق وأجاب وهو يسترخي بمقعده :
_ مالي يعني ؟!
رد جاسر بسخرية :
_ متفائل ومبتسم ! …. مش عوايدك !
وعلى رغم من سخرية جاسر ولكنه بسؤاله اهتمام حقيقي … فأجاب رعد مبتسما بصدق:
_ رجعت للرسم تاني … لما برسم بحس أني مرتاح .
وتردد في السؤال ولكنه سأله ببعض الجراءة :
_ هي رضوى فين ؟!
رفعت جميلة حاجبيها وكأنها تقول له كيف تتجرأ ؟! ….. فقال يوسف مجيبًا لتأكيده أن الفتيات لن يخبروه بشيء :
_ في الجنينة هي وسما … شوفتهم من شوية.
فنهض رعد وتوجه للحديقة مباشرة …. فتمتم جاسر بضحكة ماكرة وهو يرتشف من كوب عصير طازج :
_ هو قرر يبقا بجح زيي ولا إيه ؟! …
نظرت جميلة لحميدة نظرة طويلة …. فهمست حميدة لها وقد فهمت ما تفكر فيه جميلة :
_ سما معاها ما تقلقيش … وبعدين رضوى ما يتخافش عليها !
خرج رعد للحديقة وقد صمم أن يتحدث معها ، وعندما أتى للحديقة وجد آسر يستند على أحد الأشجار وينظر صامتا لسما التي تجلس بجوار رضوى يتحدثن باندماج ، متجاهلين تمامًا وجوده !
فمضى إليه مباشرة .. وعندما وقف رعد قربه قال له متسائلا :
_ أنت كلمتها ؟!
فك آسر تقطيبته ورد وعينيه عليها :
_ بذمتك ده منظر واحدة لو روحت وكلمتها في شيء ممكن تسمعني ! ….. خايف ليكونوا فعلا ناويين يبعدوا مش مجرد عند فينا !
وكان آسر محقا بنظرته … فحتى ظهور رعد لم يلفت أنظارهن ولو بلمحة بسيطة ! …. وهنا تراجع قراره بعض الشيء في التحدث معها …. وقال بضيق :
_ ياريت يقلدوا حميدة ويفرحوا ويفرحونا معاهم ونتلم بقا ! … مكنتش غلطة اللي تقلب حالهم كده !
وبعد دقيقيتين قال بعزم :
_ بقولك ٱيه ، بدل وقفتنا دي تعالى نروحلهم .
تردد آسر قليلًا ولكنه وافق رعد بالأخير، ومضا اليهن في خطوات واثقة…
همست سما بتوتر واحمرار على وجنتيها وقالت :
_ دول جايين علينا ! …. تعالي نمشي !
وكان هذا التجاهل الظاهر قمة الاهتمام والملاحظة ولكن دون أدنى ظهور ! …. فأردفت رضوى بتحد قائلة :
_ أثبتي وخليكي قاعدة …. ماتبينيش أنك مكسوفة ولا كأنهم موجودين … هما الرجالة كده، تتجاهليهم خالص يهتموا ويجروا وراكي … ماتعبريش حد واسكتي.
مساء الخير…
قالها رعد بابتسامة رسمها بدقة ….. وظلا الفتاتان صامتين لحين قالت رضوى بجفاء :
_ مساء النور !
سأل آسر سما بلطف وقال :
_ صاحيين لحد دلوقتي ليه ؟!
اجابته رضوى بحدة بدلا من سما وقالت :
_ طب وانتوا صاحيين برضو لحد دلوقتي ليه !
قال رعد لها وكان صادقا في رده:
_ احنا مش متعودين ننام بدري اصلًا !
فتدخلت سما لتنهي الجدال :
_ جدي اتصل بينا وقالنا أنه جاي في الطريق ومعاه نعناعة …. خلاص ؟!
قال آسر بغيظ :
_ طب وانتي متعصبة كده ليه ؟!
التفتت له سما بنظرة حادة ولم تجيبه ….. فقالت رضوى بعصبية انفلتت ظاهرة منها دون أن تدري :
_ انتوا عايزين إيه ؟!

 

 

قال رعد بهدوء مستفز وابتسامة خبيثة :
_ بصراحة ؟ …. عايزين نتجوزكم.
ما بات يؤثر هذا الأمر بالفتيات الثلاثة فقالت رضوى بسخرية :
_ لا بجد ؟!
فرد عليها آسر قبل أن يتحدث رعد :
_ أصل لو ده محصلش … يبقى مش هيحصل خالص !
امتلأت عين سما بالاستهزاء وغمغمت قائلة :
_ عافية يعني !
أكد رعد وقال لرضوى تحديدًا :
_ آه عافية وغصب واقتدار … لو مابقيتوش لينا مش هتبقوا لغيرنا … ولا احنا هنتجوز غيركم ، وخلينا بقا في الحرب دي كتير.
واكد بنظرة أكثر شراسة لرضوى :
_ واللي جاي بكرة ده لو فكرتي توافقي عليه هيحصل حاجات كتير مش هتعجبك …
قفتحدثت رضوى بتحدِ :
_ يبقا خليني أجرب وأشوف مين هيكسب … مش يمكن يطلع يستاهل وابن ناس ويستحقني !
أصل أنا مش قليلة ولا عبيطة عشان أوافق على أي حد كده وخلاص ! ….. وبما أني رفضاك وانت عارف كده فليه لأ ما اقابلش وائل واتكلم معاه …
قاطعها رعد بنظرة عنيفة بعدما ابتلع رغما أهانتها له وهدد :
_ أنا حذرتك حتى تفكري مش تجربي ! … ولو متأكد أنك رفضاني كنت بعدت من زمان ….
ابتلعت ريقها بمرارة وقالت دون أن تدرك كلماتها جيدا :
_ ما أنت بعدت زمان !
أجفل للحظات من أعترافها التي قالته سريعا ويبدو أنها ندمت عليه من دموعها التي ظهرت إثره … فقال بمحبة واضحة وقد رق من هذا الاعتراف المفاجئ :
_ وبصلح غلطتي … اديني نص فرصة وشوفي هعمل ايه عشانك !
مسحت رضوى عينيها وهي تعنف نفسها وتنعت نفسها بالغباء …. وابتعدت خطوات واتبعتها سما … حتى سمعا فجأة صوت مألوف يأتي راكضا اليهن وهو يهتف :
_ رضــــــوى ، يا حميـــــدة ، يا عمتــــي يابنات عمتي أنا جيــــت.
استدارت رضوى وهي تبتسم بسعادة لمجيء الصبي وركضت سما اليه وهي تصرخ بضحكة …..
وضع آسر يديه بجيوبه في ابتسامة شاردة في ضحكاتها وهي ترحب بالصبي وتضحك معه ….. ونادرا ما كان يرها كذلك … فقال بتنهيدة :
_ لما بتضحك بتبقا عاملة زي الأطفال … مش عارف ليه دايما مكشرة !
قال رعد بغيظ من نفسه ومن غباءه :
_ أحنا السبب … مننا لله بجد يعني …. بقولك ايه ، تعالي نسلم على نعناعة والله وحشني .
قال آسر بضحكة صادقة :
_ ووحشني أنا كمان … تعالي نروحلهم .
وكان الصبي وكأنه سيقفز فرحا برؤية الفتيات … وأتت جميلة راكضة بابتسامة واسعة ومعها حميدة من الداخل، واجتمعا الشباب والفتيات جمبعهم حول الصبي بمحبة حقيقية له …
فقال نعناعة لهن :
_ وحشتوني أوي أوي ، أبويا وأمي باعتين لكم حاجات كتير هتفرحوا بيها أوي …
قال جاسر بابتسامة :
_ حمد الله على سلامتك يا نعناعة … بجد مبسوط أنك هتعيش معانا ..
قال الصبي بفرحة صادقة :
_ وانتوا كمان والله ده ….
وبعدها صمت وظهر عليه الضيق فجأة ، كأنه نسى ما فعلوه وظهرت محبته لهم …. وقد لاحظ الشباب ذلك ونظروا لبعضهم بنظرات فهم لردة الفعل هذه من الصبي… فتقدم الجد رشدي لهم وقد راقب المشهد من أوله :
_ أنا جيبته ووعدت والده ووالدته أني هرجعهلهم ناجح ومتفوق …. وطبعا دي مهمتكم ، انتوا دلوقتي أخواته .
كان الصبي يشعر بذلك بقوة ، ولكنه مع تلك الألفة الكبيرة لم يستطع نسيان ما فعلوه مع الفتيات …. فقال للجد رشدي باعتذار :
_ معلش يا جدي … أنا هخلي أخواتي البنات يذاكرولي .
تمتم جاسر بغيظ :
_ دول مش حافظين حتى جدول الضرب انت أهبل يابني ؟!
لكمه يوسف ليتوقف حتى لا يسمعه أحد وقال للصبي بلطف :
_ اللي أنت عايزه كله هيحصل ، المهم دلوقتي نحتفل بيك وبوجودك وسطنا … وحشتني يا صاحبي.
لم يستطع الصبي سوى أن يظهر محبته الصادقة ليوسف وقال :
_ وأنت كمان والله.
ومن الطابق الثالث تأمل وجيه ذلك المشهد بضحكة خافته ، فأتت من خلفه ليلى واسندت مرفقيها على كتفيه بدلال قائلة :
_ بتضحك على ايه ؟!
أشار وجيه لممر الدخول بالأسفل وقال بضحكة :
_ على الشباب … في ظرف يومين هيخلوه في صفهم أنا عارفهم كويس أوي ….
ابتسمت ليلى للمشهد ولم تفهم ما يقوله كثيرًا ، فلاحظ أن عينيها تبدو قلقتان فتساءل :
_ مالك قلقانة كده ؟!
تنهدت ليلى وهي تنظر له ويديها على صدره بأمان :
_ هترجع بكرة الشغل …. وهتبدأ تقسم وقتك بيني وبين جيهان … طب لو وحشتني وحبيت أشوفك ومكنش يومي اعمل ايه ؟!
جذبها اليه بضمة حنونة وقال :
_ اشتاقيلي لحد تاني يوم … بسيطة !
لم تتحدث ليلى ، لانها تعرف أن الأمر ليس بتلك البساطة أبدًا …..وهو يعرف ذلك ولكنه لا يريد أن يصعب عليه الأمر.
*******
وبعد دقائق من الترحيب والحفاوة التي وجدها الصبي من أهل البيت صعد لغرفة عمته التي استقبلته بذراعين مفتوحتان لت مستيقظة لأجله.
فقالت :
_ نورت يا حبيبي …. يا ريحة الحبايب والغاليين.
قبل الصبي يدها وقال باشتياق :
_ وحشتوني يا عمتي … ومكنتش طايق البيت لما سيبتوه ، والله كنت بفضل فوق السطح لوحدي حزين على بعادكم … بس يارب ماكونش ضيف تقيل هنا.
قالت وداد بنفي :
_ يبقى انت ماتعرفش كرم عيلة الزيان … مش هتحس أنك خرجت من بيتكم والله …
ابتسم الصبي بارتياح وقال :
_ أنا حسيت فعلا أنهم مبسوطين بيا … بس يعني مش قادر أنسى اللي عملوه الدكاترة …
أشارت له وداد بتحذير وقالت :
_ أوعى تعاملهم وحش ! … سيبك من أي شيء حصل قبل كده واسمع كلامي … الموضوع فيه حاجات كتير وبكرة كل شيء هيبان … يبقا مالوش داعي أنك تعاملهم وحش .
قال الصبي بحيرة:
_ اللي في قلبي بيبان على وشي
قالت وداد بابتسامة :
_ أنت كنت بتحبهم وفرحان بيهم في البلد ، أنت بس واخد على خاطرك منهم شوية … مالكش دعوة أنت باللي عملوه وعاملهم كويس .
هز الصبي رأسه بموافقة … ثم أخبرته وداد بأمر خطوبة يوسف وحميدة … فهتف الصبي بسعادة وقال :
_ بجد يا عمتي ؟ … انا فعلا سمعته يومها وكان مش عايز يمشي … عشان كده معرفتش ماضحكش في وشه …. انا مبسوط أوي لحميدة والله .
قالت وداد بتنهيدة ارتياح :
_ اطمنت على واحدة …. عقبال باقي بناتي يارب.

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *