روايات

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم رحمة نبيل

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم رحمة نبيل

رواية ما بين الألف وكوز الذرة البارت الرابع والثلاثون

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الجزء الرابع والثلاثون

ما بين الألف وكوز الذرة

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الحلقة الرابعة والثلاثون

كَان الصَّالحُون يَستَحيُون مِنَ اللَّه أن يكُون يَومِهم مِثلَ أمسِهِم، فيَجتَهدُون لِلاجتِهَاد في عمَل صَالِح جَدِيد، فَاحرصْ أن يكُون يَومِك خَيرٌ مِن أمسِك، ولو بِزيادةِ تَسبيحة واستِغفَار، أو صَفحَات وِردك مِن القُرآن، أو تَنوي عَمل خَير.
يقُول أحَد طُلاب الإمَام أحمَد:
«صَحبتَه عِشرِين سَنة مَا مِن يَوم إلَّا وهُو أفضَل مِن اليَوم الذِي قَبلَه!».
صلوا على نبي الرحمة …
حيرة شديدة تلبست رائد ما بين أن يعود ويلبي واجبه الوطني والمهني، وما بين أن يستمر ويلبي واجبات قلبه التي ترن داخل صدره هاتفه به ألا يقف كالاحمق ويتحرك ليخرج بزوجته من كل ذلك .
وما بين هذا وذاك، صراع انتهى بالتفكير في أن يذهب ويضع زوجته داخل سيارته والعودة لإلقاء نظرة سريعة، لئلا تحتدم الأمور وتزداد سوءًا ويتأذى الكثير من الأشخاص .
لكن ما كاد يفعل ويخرج حتى أبصر مجموعة من الرجال المسلحين في البلد، يعلمهم جيدًا فهم من أكبر العائلات هنا يدخلون للمشفى ويغلقون الابواب صارخين في الجميع أنهم لن ينجو منهم أحدًا، وكل ذلك أمام أعين رائد الذي سبق وقابل الكثير من حالات تحكم الغضب بالرجال وتهورهم لدرجة القتل، لكن في هذه الحالة وهي بين يديه لم يكن في مزاج يسمح له بالتعامل معهم .
نظر حوله يبحث عن مقر آمن لها، وصوت تسبيح يخرج خافتًا مكتومًا بسبب التصاق وجهها بصدره، أنفاسها تحرقه ومرضها يقتله ..
دخل إحدى الغرف المخصصة للطوارئ ووضعها بها، ثم نظر حوله ليبصر عدد من الممرضات المختبئات بعيدًا عن كل ذلك .
نظر لهم مشيرًا صوب تسبيح قائلًا :
” حد يساعدها، ساعدوها ارجوكم لأنها تعبانة جدا، وأنا…أنا هخرج وهحل الموضوع برة ”
وبمجرد انتهاء كلماته تحرك بسرعة للخارج، لكن يد تسبيح حالت دون إكمال خطواته وهي تردد بصوت مرهق :
” رايح فين، فيه صوت ضرب برة يا رائد ”
ربت رائد على يدها يحاول انتزاع كفه منها، لكنها كانت مصرة، بل وشرعت في البكاء رغم مرضها، إلا أن خوفها على رائد تغلب على مرضها تردد بصوت خافت :
” لا يا رائد بالله عليك ما تخرج، بالله عليك لو بتحبني، متخرجش ”
كانت تتحدث بنبرة مختنقة بغصة بكاء، سرعان ما تحولت تلك الغصة لأصوات عالية وشهقات مدوية لاقت صدى لدى رائد الذي انحنى على ركبتيه، يقبل كفيها متحدثًا :
” يا قلبي ده شغلي، لازم اوقف اللي بيحصل لأحسن حد يأذي التاني يا توتا، يرضيكِ يكون في أيدي اساعد حد واتأخر ؟؟”
ارتفعت شهقات تسبيح بخوف شديد تتذكر اصوات مثل تلك الاصوات، صرخات وبكاء ونحيب، مثل تلك الشجارات كانت يومية في حارتها ولم تأبه لها يومًا، بل كانت تصم الأذن عنها، حتى انتقلت الشجارات من حارتها لمنزلها وراح ضحيتها والدها، منذ تلك اللحظة وهي أصبحت ترتجف كلما رأت شجار أو قتال، والآن هو يريد إلقاء نفسه بين ذلك الشجار ؟؟
ازدادت شهقات تسبيح تحاول النهوض من مستقرها، تقول وهي تنزل النقاب على وجهها بتعب شديد واعين حمراء منتفخة من البكاء :
” تعالى …تعالى نمشي من هنا، أنا كويسة مش عايزة اتعالج، عايزة نروح سوا بالله عليك يا رائد ”
لم يكد رائد يجيبها إلا وارتفعت الصرخات وزادت حدتها، ليشعر بالعجز، ينهض من مكانه يقبل رأس تسبيح بحب وحنان شديد، ثم رفع عنها النقاب ينظر لعيونها مرددًا :
” مش هتأخر عليكِ، هرجع على طول ”
وبمجرد انتهاءه من تلك الكلمات هرول للخارج قبل أن يضعف ويعود لحملها والقفز من النافذة وتنفيذ رغبتها، فقط لتتوقف عن البكاء له .
تنهد رائد يغلق الباب خلفه بقوة متحركًا صوب الشجار، يصرخ في الجميع أن يتوقفوا يخرج سلاحه فقط للتهديد ليس إلا..
وبمجرد أن اندمج في القتال محاولًا أن يفكه، وجد أحد أفراد العائلة يهجم على طبيب من الطاقم الطبي للمشفى يصرخ في وجهه أنه من تسبب في قتل والدته .
وما بين شد وجذب ارتفع صوت رصاصات، وهذه المرة كان من مسدس رائد الذي صاح بصوت جهوري قذف الرعب في صدور المحيطين به :
” اقسم بالله أي حد هيتحرك أو يعمل حاجة أنا هبيته اللي باقي من حياته في السجن ”
نظر له الجميع وصمتوا ليبدأ رائد في الصراخ :
” ايه عايشين في غابة ؟؟ اللي له حق هياخده لكن مش بالشكل الهجمي ده ”
فتح أحدهم فمه للتحدث، لكن رائد زجره بشر هامسًا :
” ولا كلمة، مش عايز اسمع صوت حد، قاعدين تتخانقوا وتضربوا رصاص في مكان عام وكمان مستشفى وتسببوا في ترهيب العامة، وكل ده عشان ايه يا ترى ؟!”
تحدث أحد الشباب بصوت يقطر غلًا وشرًا وكره :
” امي ماتت بسببهم، أول ما دخلت المستشفى هنا وماتت”
” أنت هتعترض على قدر ربنا ؟؟ ده قدرها ونفذ، عشان والدتك ماتت هتقتل قصادها كام ؟؟”
صمت الرجل ليخرج رائد هاتفه يتصل بوحدة الشرطة في المكان وأعينه لم تتحرك عنهم، وقبل أن يغلق هاتفه ويتحدث لهم أن يتحركوا للخارج حتى وصول الشرطة، تفاجئ باشتعال الشجار بين شابين أحدهما طبيب شاب والآخر من أفراد العائلة، وحين قرر رائد التدخل بينهما أبصر الشاب يخرج سكين ويغرزه في معدة الطبيب بشر وحقد تمكن من عقله….
وكان رائد اسرع الموجودين في ردة الفعل وهو ينطلق له يبعد الشاب عن الطبيب بشر صارخًا في وجهه، ثم نظر للطبيب برعب يضع يده على معدته :
” دكتور بسرعة …دكتور يجي يلحقه بسرعة ”
اجتمع عليه بعض الأطباء وبدأوا يحاولون مساعدته صارخين في الممرضين بإحضار الفراش لنقله سريعًا إلى غرفة العمليات، كل ذلك استغله رجال العائلة الذين تشاجروا معهم في محاولة تهريب الشاب الذي طعنه ..
وكادوا ينجحون لولا رائد الذي امسك تلابيب ذلك الشاب قائلًا بشر :
” على فين ؟! لسه يومك طويل معانا يا حبيبي ”
ابتلع الشاب ريقه برعب شديد بعدما تلاشت سحابة غضبة وظهرت شمس هلعه ساطعة في وجهه، نظر صوب قريب له يرتجف، يطالبه بالمساعدة، والاخير لم يتأخر إذ هجم على رائد من الخلف غير مهتمًا لا لمكانته أو غيره، فإن تم القبض على الشاب فسيعدم وتنتهي حياته .
اتسعت عيون رائد بفزع وحاول الإفلات من بين يديه، يراقب هروب الشاب دون أن ينظر خلفه، وهو يصرخ غاضبًا حينما قيده ثلاثة أشخاص وهو مد يده لسلاحه والغضب تمكن منه:
“والله لاندمكم كلكم، واحد واحد …”
في الداخل كانت تسبيح تحاول الإفلات من الممرضات صارخة بهن أن يتركونها، وصوت صرخات رائد يصل لها يزلزل استقرارها، خرجت من الغرفة بأقدام مرتجفة تبحث عنه بين الوجوه لتجده مكبل من بعض الرجال بوجه احمر والغضب يكاد يفجر رأسه ..
بكت بخوف وهي تخرج هاتفها تتصل بسليمان مرة أخرى تستعجل قدومه، لكن في تلك اللحظة شاهدت سليمان يدخل من باب المشفى مع بعض رجاله يصرخ في الجميع بصوت جهوري :
” سيب ابني يا زيدان وإلا والله العظيم لأكون مضيع عيلتك نفر نفر، سيبه ”
ترك المدعو زيدان رائد والذي بمجرد أن أفلت منهم حتى هجم عليه يوجه له لكمة صارخًا بجنون :
” والله لاوريكم الويل ”
ولم يكد يتم جملته حتى سمع صوت انفاس عالية في الخلف، وصوت تسبيح يناجيه، نظر لها بتعجب لخروجها ولم يكد يتذمر أو يغضب حتى وجد جسدها ينهار ارضًا .
وكان هو من تلقفها بين أحضانه يهمس لها بكلمات لطيفة قلقة ومرتعبة، يضمها له مطمئنًا ..
_____________________
احتدت نظرات سعيد شيئًا فشيء حين سماعه صوت رجولي ببحة مميزة تبدو عاشقة وينطق اسمها، اسمها الذي كان حقًا مكتسبًا له فقط .
استدار ببطء صوب مصدر الصوت ليبصر رجل طويل القامة ذو عضلات معتدلة الضخامة، وملامحه تنطق بالقوة والوسامة، ارتفع حاجب سعيد، يحلله من فوق لأعلى، عض شفتيه ثم عاد لزهرة التي كانت صامتة بشكل غريب .
تساءل سعيد بعيونه عن هوية ذلك الذي ينطق اسمها بكل الحب الذي وصل له واضحًا، وزهرة فجأة ابتسمت تقول :
” دكتور داغر ..”
تشنج وجه سعيد وقد ارتسمت بسمة عدم تصديق لتلك النبرة المبتهجة التي نطقت بها اسمه، وذلك الطبيب داغر تحرك يتخطاه دون اهتمام مقتربًا من زهرة بقوة حتى كاد يلتصق بها قائلًا ببسمة :
” أنا بس جاي عشان اعتذر عن آخر مرة، بجد مكنتش واعي و…”
قاطعته زهرة بسرعة كبيرة وقد اتخذته فرصة كي تذيق سعيد المزيد من الويل :
” لا ولا يهمك، أنا اللي بجد بعتذر آخر مرة كنت مرهقة من الشغل ومقدرتش اتصرف كويس”
اتسعت بسمة داغر دون تصديق، وسعيد يراقب ما يحدث بملامح مشدوهة يحاول فهم ما يحدث الآن، ليجد ذلك الرجل المقيت يمسك كف زهرة بحنان شديد رافعًا إياه صوب شفتيه مقبلًا إياه.
كل ذلك تحت عيونه التي اشتعلت بقوة، وصدره الذي أخذ يعلو ويهبط، شعر كأن أحدهم وجه له ضربة في منتصف قلبه .
وزهرة لم تصبر أن تحط شفتيه على كفها، إذ سحبته بسرعة كبيرة صوب أحضانها تخفي رجفة جسدها الرافضة والمشمئزة، وسعيد فقط يراقب بصمت قبل أن يتساءل:
” مين ده ؟؟ وازاي يلمسك بالشكل ده ؟؟”
كان سؤاله الاخير محتدًا غاضبًا وبشدة حتى كاد يهجم عليهما محطمًا رأس ذلك الرجل وزهرة كذلك، لكن زهرة ابتلعت عيونها تشير صوب داغم قائلة :
” ده …ده ”
أشار لها سعيد محذرًا بأصبعه :
” اهدي شوية دلوقتي، اهدي عشان مضعيش ست سنين من عمري عليكم ”
صمت يتنفس بصوت عالي، في الوقت الذي قال به داغم بعدم فهم :
” معلش مين حضرتك ؟!”
” جوزها، أنا جوزها ”
اتسعت عيون زهرة لتصرخ محتدة :
” لا مش جوزي، ولا هتكون جوزي ولا ناسي مين اللي نبذ التاني ؟؟”
نظر لها سعيد بشر، لكنها لم تهتم قائلة :
” ولعلمك اللي أنت بتكلمه ده اساسا عارض عليا الجواز ميت مرة وانا بفكـ….”
أوقفها سعيد بعصبية كبيرة :
” والله ؟؟ يعني هو العمر ضاق بيكِ، استنيتي ست سنين، واول ما خرجت افتكرتي أنك عايزة تتجوزي فجأة؟! ايه موسم التزاوج ؟؟”
اتسعت عيون زهرة بصدمة من حديثه ووقاحته، لكن إن كانت تظن أن هذه وقاحة فهي نست كيف كان سعيد سابقًا، وأنه في حالته السابقة ما كان ليترك داغر حي يرزق حتى هذه اللحظة .
نظر داغر لزهرة التي كان وجهها مشتعل بقوة وقد تناست تقريبًا وجوده، تحدق في وجه سعيد الذي كانت اوداجه منتفخة بالغضب ورأسه تكاد تخرج دخان غضبه، يناظر زهرة بشر :
” أنا يمكن اتعالجت شوية، بس بلاش تعتمدي على النقطة دي عشان يا زهرة مش حابب ازعلك مني، وأنتِ اساسا مش طيقاني ”
أشتدت نظرات زهرة تبتسم ساخرة :
” الله ينور عليك، وطالما أنت عارف أنك خلاص مش طيقاك، يبقى فضها سيرة وبطل تنط في وشي كل شوية، يا اخي أنا كنت مرتاحة منك السنين اللي فاتت”
كاذبة، هكذا هتف عقلها، أي راحة تلك التي رأيتها، لقد عشتي ست سنوات جحيم في بعده، كنتِ تتلمسين طيفه في كل ركن، تبحثين عن وجهه في كل شخص، والآن تتبجحين أمامه أنكِ كنتِ مرتاحة، بل أنتِ لم تتذوقي الراحة إلا حينما رأيتيه يطل عليكِ من بين أسوار سجنه .
وسعيد كان من الذكاء الذي يجعله يدرك كذبتها :
” أيوة فعلا كنتِ مرتاحة، عشان كده كل شوية كنتِ بتطلبي تزوريني وتشوفيني صح ؟!”
اشتعل وجه زهرة وشعرت به يدهس كرامتها وكبرياءها أسفل اقدامه، شعرت برغبة عارمة في تقطيع وجهه باظافرها، ابتلعت ريقها ترفض البكاء معترفة بصدق كلماته وأنها اشتاقت له وبشدة، ليس الآن زهرة، ليس قبل أن يذوق جحيم ما اذاقكِ إياه.
” لا كنت بحاول ازورك عشان اساعدك شفقة يا سعيد مش أكتر، شفقة على شخص عرفته وعاشرته سنين، وصعبان عليا، فاهم؟؟ شفقة ”
ابتسم سعيد بسمة صغيرة يجيبها بكل بساطة :
” تمام، ممكن تتجوزيني شفقة برضو وتكسبي ثواب فيا ؟؟”
أي تغيير ذلك الذي يتغنى به، وأي علاج ذلك الذي تلقاه؟! هي لا ترى به فرق سوى هدوءه وثباته، مازال يمتلك نفس الاستفزاز والكلمات المزعجة .
رفعت زهرة رأسها له وقد كان جسدها كله قد ابتل من الأمطار التي توقفت منذ دقائق، هزت رأسها تقول ببسمة باردة :
” اعذرني، ممكن امنحك أي شيء شفقة إلا قلبي يا سعيد، ده لما اديه لحد هيكون حب مش شفقة، عشان كده ياريت تشوف حياتك في مكان بعيد عني، لأن خلاص أنا قفلت حياتي على كده”
أنهت حديثها تفتح باب سيارتها بسرعة تدس جسدها بها، ثم تحركت بها مصدرة رذاذ تناثر على وجه سعيد الذي اغمض عيونه مبتسمًا، يمسح المياه عن وجهه متجاهلًا داغر الذي كان يقف متيقنًا أن ذلك هو نفسه الذي شغل قلب زهرة منذ سنوات وتسبب في اعتزالها الرجال، وفقدانه فرصة عادلة معها.
تحرك سعيد صوب سيارته دون اهتمام بداغر يتحرك بها في هدوء شديد، يخرج هاتفه ليتحدث مع ميمو التي أغلق المكالمة سابقًا في وجهها، وبمجرد أن أجابت قال بجدية :
” أيوة يا ميمو، بكرة الصبح هكون معاكِ عشان حوار المطعم ”
_______________________
” تمام يا سعيد، قولتلك أنا مخلصة كل حاجة، قولي كنت بتعيط ليه لما اتصلت بيك ؟؟ هي زهرة زحلقتك تاني ؟؟”
فجأة أبعدت ميمو الهاتف عن أذنها تحاول أن تتغاضى عن صوت صراخ سعيد الصادر من الهاتف وبعدما يأست من توقفه، اغلقت الهاتف بحنق شديد زافرة يصوت مرتفع :
” زعلتك كلمة زحلقتك اوي، ده أنا مش عايزة ازعلك بكلمات اسود ”
ولم تكد تستدير لتتحدث، حتى انتفضت بفزع للخلف حينما أبصرت صلاح يجلس جوارها مباشرة واضعًا قدم فوق الأخرى ببرود شديد ينتظر أن تفرغ من حديثها مع سعيد .
ابتسمت ميمو تضع الهاتف جانبها :
” اجهزلك الاكل ؟؟”
ابتسم لها يهز رأسه نافيًا :
” لا يا قلبي بلاش تتعبي نفسك، أحنا هتكلم سوا مش اكتر ”
هزت رأسها تقترب منه أكثر، تضم ذراعه لها بحب شديد، ثم مالت عليه تقول بهدوء :
” خير يا صلاح ؟؟ ”
ابتسم صلاح يدرك جيدًا أنها تعلم ما يريد لكنها تتحايل، وإن أرادت تحايل فهو سيد التحايل :
” خير يا قلب صلاح، حابب بس نتكلم في انجازت السيدة المقدس لليوم”
ومجددًا تتحايل وتحاول أن تدور حول النقطة التي يرنو إليها:
” يعني معملتش حاجة حتى الاكل أنت جبته من برة، بس كنت بلعب مع أنس وكده ”
” وهو اللعب مع أنس وكده بيتضمن أنك تكسري عربية رجالة كانوا جايين يأذوكم، وبدون ما تعملي حساب أن ممكن واحد فيهم ينزل يكسر دماغك ؟!”
اشتعلت عيون ميمو تشعر بالغيظ الشديد من تلك الفكرة، لكنها أخفت تعبيراتها تلك خلف أعين بريئة لا تمت لها بصلة لا من قريب أو بعيد :
” أنا كنت بس عايزة أرد عليهم وكمان اطفي ناري، أنت مشوفتش هما خوفوا أنس ازاي يا صلاح”
” تقومي تتهوري بالشكل ده يا مقدس ؟! افرضي حد فيهم اذاكِ ؟؟ التهور عمره ما كان صح ولا التسرع كان من صفاتك يا ميمو، ايه اللي حصلك ؟؟”
” عصبوني، حسيت اني هنفجر لو معملتش حاجة ”
زفر صلاح بصوت مرتفع يقترب منها وفي نيته الحديث معها بهدوء وحنان شديد، يريد أن يدخل فكرة التريث لعقلها، فما فعلته غير مقبول ابدًا، ولن يسمح به مجددًا، لكن ميمو قطعت عليه كل تلك الأفكار السلمية الدبلوماسية وهي تقول :
” اقسم بالله لولا أن أنس معايا في الشقة أنا كنت كسرتها على دماغهم وخليتهم يتصلوا بالبوليس بنفسهم يستنجدوا مني ”
تمتم صلاح بسخرية لاذعة :
” قادرة وتعمليها”
” سمعتك على فكرة، ومش موضوع قادرة، موضوع أن متعودتش اسيب حقي ابدا ولو عملتها في مرة وسيبته بيبقى حق مؤجل، وهيجي يوم واخده أضعاف ”
صمتت وهي تنظر له تنتظر منه أي رد، لكنه فقط نظر لوجهها دون كلمة، يوجه لها عتاب ولوم صامين، لتندس ميمو بين أحضانه تردد بصوت خافت :
” يعني كنت عايزني اسكت على اللي عملوه ويفلتوا يا صلاح ؟؟ بعدين لو كنت بلغت عنهم بس كانوا هربوا، أنا بس كنت بعطلهم لغاية ما البوليس يوصل”
تنهد صلاح يضمها بحنان شديد، تلك المرأة مرهقة، بكل ما فيها مرهقة، عنفوانها، نظراتها ضحكاتها، كل ذلك مرهق لقلبه، قبّل رأسها قبلة حنونة يتنهد بصوت مرتفع، وقد صمت يستمتع بذلك الهدوء رفقتها، قبل أن يقول حينما شعر بها تتململ في انتظار إجابته، وكلماته التي ستخفف عنها شعورها بالخطأ :
” أنا بس خايف عليكِ يا مقدس، أنتِ حامل وتعبانة، ويعز عليا ترمي نفسك في مشاكل ممكن تتعبك ”
” أنا متعبتش والله يا صلاح، بالعكس أنا كنت سعيدة ”
أطلق صلاح ضحكات عالية بعض الشيء يقبل رأسها بحب شديد وعينه تحيد صوب أنس الذي يتلاعب في الأرض جوارهم ببعض ألعابه، عاد ينظر لمقدس التي تتوسط أحضانه، ومنزله الدافئ والهدوء الذي يعم المكان، ماذا يطلب أيضًا لتكتمل حياته ويختتم قصته ؟
أفاق صلاح على يد ميمو التي همست له بحب :
” بالله عليك ما تزعل مني، والله بعد كده مش هتصرف بالشكل ده وهستناك نتصرف سوا ”
قبل صلاح كفها الذي يعبث بلحيته وابتسم لها بحب :
” لو ده خلاكِ سعيدة فسماح لأجل بسمتك يا مقدس، لكن اوعديني في يوم ما تغامريش في حاجة لو المقابل سلامتك ”
هزت رأسها في وعد صامت منها وهو اقترب منها يميل برأسه على خاصتها، يحدق في خصلاتها الحبيبة التي أضحت تأسرها خلف حجابها بكل رضى وسعادة..
هام يتذكر يوم جاءت له تخبره أنها اتخذت قرارها وسترتدي الحجاب …
انتهى من تصفيف خصلات شعره في صباح أحد الأيام، وبمجرد أن استدار يحمل هاتفه حتى توقف جسده فجأة على صوت فتح الباب بعنف شديد ودخول ميمو منه تقول دون مقدمات :
” صلاح… أنا قررت وعايزة اتحجب”
رفع صلاح عيونه لها يرمش بعدم فهم، فهو سبق وتحدث معها بذلك الأمر، لكنها طلبت منه أن يتركها فقط كي تقتنع بما تفعل، مخافة أن يتسرب لها الشيطان وتنزع الحجاب مجددًا، خاصة أن ميمو لم تكن بذلك القدر من الثبات لتلتزم بحجاب وهي من اعتادت الحرية …
صمت صلاح يترك ساعة يده على الطاولة يتقدم منها يحاول تبين جديتها، وقد أثبتت له ميمو ذلك وهي ترفع الحجاب في وجهه تقول ببسمة :
” رانيا اشتريته ليا هدية لما عرفت إني عايزة البسه، وكنت مقررة البسه وادخل بيه افاجئك، بس حسيت شكلي مزري فيه وانا مش عارفة اساسا اعدله زي ما رانيا علمتني ”
كانت ميمو تتحدث وهي تتحرك صوب المرآة تنظر لنفسها بحنق وخيبة أمل، بعدما فشلت في ارتداء الحجاب كما علمتها رانيا، وصلاح لم يفق من صدمته بعد، اقترب منها يسحب الحجاب من بين أناملها يقول :
” أنتِ متأكدة يا ميمو، مقتنعة بالحجاب طيب ؟!”
استدارت له تبتسم قائلة :
” أيوة أنا الشهرين اللي فاتوا كنت ببحث عن الحجاب وكل حاجة تخصه ”
صمتت تقول بخجل شديد من نفسها وما تقوله :
” عارف كنت عاملة زي اللي لسه داخل الاسلام جديد، بيدور على قشة يتعلق بيها، أنا بس كنت …كنت عايزة أبقى من جوايا مقتنعة كامل الاقتناع، صلاح أنا مفيش حد في حياتي دي قالي ألبس حجاب أو نصحني بيه غيرك أنت والشيخ سعيد ”
ضحك ضحكة صغيرة وهي شاركته الضحكة تقول بتذكر :
” آخر زيارة لقيته بيقولي مش ناوية ترحمي الناس من شكل شعرك وأنتِ عاملة زي الساحرة اللي طالقة تعابينها على الناس؟؟ ”
أطلق صلاح ضحكات عالية يربت على خصلاتها الناعمة بحب شديد :
” بصي هو عنده حق في أنك تلبسي الحجاب، لكن مش عنده حق في وصف شعرك ”
هزت رأسها تدرك أن سعيد ما قال تلك الكلمات الممازحة سوى ليلفت نظرها بشكل غير مباشر للأمر، فهذه هي اللغة المستخدمة بينهما، ينصحان بعضهما البعض خلف جمل ساخرة، يوجهان بعضهما بالتهديد، هكذا كانوا ومازالوا .
” عشان كده بقولك اني عمري ما فكرت في الحجاب ولا اعرف عنه حاجة…ماما لما ماتت كنت لسه بنت ومكنتش بحب ألبسه اوي، وبعدين…بعدين أنت عارف اللي حصل وحياتي مع جاد ”
صمتت تتنهد بصوت مرتفع تشعر بمقدار تقصيرها، هي كانت تصلي مستخدمة ملابس الصلاة ذات الحجاب الجاهز، ومن ثم تخلعه ملقية إياه، حتى صلاتها لم تكن تنتظم بها سابقًا إلا بعدما تزوجت جاد وعلمت أن لا ملجأ لها منه إلا الله …
أمسك صلاح الحجاب يضعه أعلى رأسها يبتسم بحنان لها، يساعدها على تعديل وضعه :
” أنتِ جميلة ياميمو، وطيبة وعشان كده ربنا حابب أنك تقربي منه اكتر، وبيمهد ليكِ كل السبل عشان تقربي منه ياقلبي، وأنتِ كل اللي عليكِ تمشي الطريق ده زي ما امرك، وأنا هكون دايما ماسك ايدك وماشي معاكِ ”
انتهى من وضع الحجاب ليبهره مظهرها به، مال يقبل جبينها بحب شديد :
” ايه القمر ده؟؟ ”
استدارت ميمو للمرآة تنظر لنفسها بسعادة طاغية. أعين لامعة لا تدري هل انعكاس بريق فرحتها في عيونها، أم أنها دموع التأثر :
” صلاح أنت لفيته حلو اوي ”
” أنتِ اللي حلوة يا ميمو وعشان كده شيفاه حلو ”
استدارت ميمو فجأة تضم يديها حول خصرة بقوة وفي حركة غير متوقعة جعلت صلاح يتراجع للخلف لوهلة فقط، قبل أن ينحني هو رافعًا إياها بين أحضانه سعيدًا :
” مبارك عليكِ يا قلبي، زادك الحجاب بهاءً مقدسي ”
نظر صلاح لميمو التي كانت تحدق في وجهه محركة يديها على وجهها بشكل جعله يخرج من ذكرياته :
” قولت ايه يا صلاح ؟؟”
” فيه ايه ؟!”
ابتسمت ميمو تعتدل بحماس :
” بقولك وحشني الخيل اوي، عايزة اركب حصان يا صلاح الله يخليك، بجد وحشني اوي عايزة احس نفسي حرة تاني ”
هز رأسه بحنان شديد مبتسمًا :
” وعد مني لما تولدي وتقومي بالسلامة، هأجرلك أي مكان خيل لينا لوحدنا ونتسابق يوم كامل زي الاول، إيه رأيك ؟؟”
هزت رأسها تجيبه بقبلة صغيرة على وجنته :
” موافقة طبعًا ”
ضمها صلاح يتنهد براحة شديدة، يشكر ربه على تلك النهاية العادلة لقلبه، لا يصدق أنه مر بكل ذلك، لكن بالنظر لما يعيشه فهو بالفعل لا يتذكر أي معاناة خاضها يومًا، هو فقط يتذكر عوض ربه ورحمته …
________________
يقف أعلى الأريكة يحمل بين يديه عصى صغيرة وجواره ابنائه يتراقصون مثله يدمرون المكان حولهم، ويصيحون بصوت مرتفع ..
وبمجرد أن انطلق صوت التلفاز بجملة ( من يسكن البحر ويحبه الناس ؟؟) جاءه الرد قويًا من صالح والصغار وهم يصرخون بصوت مرتفع كما لو كانوا يودون إيصال صوتهم له بالإجابة المعروفة ( سبونج بوب سكوير بانتس)
صالح والأطفال يقفزون بحماس شديد على الأريكة يرددون خلف الأغنية وقلوبهم تنتفض باللهفة، أو على الأقل الاولاد هكذا، بينما صالح والذي لا يمقت في حياته أكثر من افلام الكرتون كان مجبرًا على مشاركتهم ما يحبون بنفس الحماس واللهفة، فقط ليصنع بينهم جسر تواصل، ولا يضع فرق اجيال بينه وبين أطفاله .
وبمجرد أن انتهى تتر البداية، جلس الجميع على الأريكة واخيرًا يسترخون لمشاهدة المسلسل، وصالح يرمق أولاده ببسمة واسعة وهم يشاهدون، وفجأة شعر بقبلة تحط على وجنته من الخلف، استدار بسرعة ليجد رانيا تبتسم له :
” تعبناك معانا يا دكتور انهاردة ”
أطلق صالح ضحكات مرتفعة يأخذ منها العصير الذي حضرته لهم، يقول بسعادة :
” وأنا عندي مين اتعبله غيركم يا رينو ؟؟ ”
ضحكت رانيا بصوت خافت قبل أن تنضم لهم على الأريكة تحديدًا داخل احضان صالح الذي ضمها لصدره بحنان شديد مقبلًا رأسها يراقب الطفلين اللذين انكمشا أسفل المفرش يشاهدون ما يُعرض بحماس شديد متناولين ما أحضرت والدتهم من أشياء .
قالت رانيا ببسمة وهي تنظر لهم :
” صالح هو أنت مش حابب تجيب بيبي تاني ؟؟”
نظر لها صالح بتعجب، وهي طالعته بحب شديد :
” أنا لو عليا يا رانيا فأنا اتمنى أني اجيب منك كتيبة كلهم شبهك، لكن أنا مش حابب اعيش تجربة الاستاذ بلال لما تعبتي في أمر الحمل وجسمك كل ورم بشكل مرعب ”
صمت يتذكر تلك الأيام المرعبة، عانت رانيا كثيرًا في ولادتها لبلال إذ انتفخت أقدامها واجزاء كثيرة من جسدها وأصبحت تبكي وتتألم ليل نهار وتعاني ما يسمى ” زلال حمل ” وهو فقط لا يملك سوى أن يجلس جوارها ويربت عليها، ويؤازرها بكلمات حنونة، وأصبح يعود من عمله سريعًا ليحضر الطعام للجميع، ليس كل يوم إذ كانت تسبيح أو هاجر أو حتى ميمو يساعدونها، لكن هو كان في كثير من الأحيان يرفض رغبة هو أن يشاركها تلك الفترة حتى وإن كان بمجرد اعمال منزلية يعلمها ولم تكن بالغريبة عليه .
” أيوة بس الدكتور قال إن عادي ده بيحصل لستات كتير يا صالح اكيد مش هنوقف حياتنا عشان شيء زي ده ”
” وأنا يا رانيا مش معارض لفكرة الحمل لو أنتِ حابة، والله لو هشيلك فوق راسي واسيب الشغل واقعد جنبك معنديش مانع، أنا بتكلم عليكِ، مش حابب تتوجعي تاني، أنا في غنى عن اللحظات دي، انتِ …”
صمت يبتلع غصته وقد بدأ جسده يرتجف :
” أنتِ مشوفتيش منظرك يوم الولادة، لما …لما …رانيا أنا كنت بنطقك الشهادة، أنتِ كان نبضك بيقف وكنت هموت، لا أنا بالفعل مت في الوقت ده ميت مرة، أنا والله مش ممانع، بس لو حصل لازم نشوف دكتور كويس غير الـ …”
صمت يتنفس بعنف لا يود أن يتذكر ذلك الغبي الذي أخذ يتلو عليهم كلمات لا علاقة لها بحالة زوجته التي تعرضت لتسمم حمل وكادت ترحل هي والصغير لولا رحمة الله بهما، وذلك بسبب ارتفاع الضغط لديها مع الزلال مما أدى لكارثة كادت تودي بحياتها والصغير .
ما يزال صدى بكائه يصدح داخل عقله وذلك اليوم يظهر أمامه ..
” بالله عليك يا صلاح لتسرع، بالله عليك بسرعة، هتروح مني يا صلاح ”
كان صوت صالح يخرج هامسًا مرتجفًا يجلس في الخلف يحمل رأس زوجته على أقدامه وفي الامام تجلس ميمو جوار صلاح الذي كان يطير بالسيارة وضربات قلبه تكاد تتوقف من الموقف ..
وصالح في الخلف يبكي ويرتجف رعبًا يتحسس يدها وهو يلعن ويسب ويصرخ :
” ابن الـ …يقولي عادي انتفاخ بسبب الحمل، والله العظيم لو حصل ليها حاجة لاقطعه بسناني، والله العظيم لاقتله”
كانت يتحدث ويقسم دون أن يعي ما يتحدث به، ضربات قلبه تتباطؤ شيئًا فشيء وكأنها تشارك زوجته الوضع، وحينما شعر بتوقف انفاس رانيا أبيض وجه صالح بقوة يميل على صدرها هامسًت بهلع :
” لا لا …رانيا، رانيا حبيبتي سمعاني ؟؟”
ولم يصل له رد من رانيا، وصالح يواجه الموت مجددًا، يختبر الموت في أقرب المقربين ليدخل في حالة هيستيرية، يده تضغط على جسد رانيا بقوة قائلًا برعب :
” لا رانيا، رانيا افتحي عيونك، بالله عليكِ لتفتحي عيونك، يا رانيا ”
كان جسده يترجف بقوة وهو يصرخ بجنون بها أن تستيقظ وصلاح من مشفى لمشفى يتحرك وقد رفضت بعض المستشفيات أن تستقبل حالتها ليتحرك بها صوب مشفى أكبر مجهزة لمثل تلك الحالات، دقائق وتوقفت سيارة صلاح أمام ” القصر العيني ” وهو يهبط بسرعة يساعد صالح على الخروج، وبمجرد أن وطأت قدم صالح الأرض، حتى ضم جسد رانيا له، يركض في المكان صارخًا برعب :
” مراتي بتموت، مفيش نبض ….”
اجتمع حوله العديد من الأطباء يأخذون منه جسد رانيا التي كانت في تلك اللحظة تحاكي شحوب الأموات، وهو لم يحسن فعل شيء سوى مراقبتها ترحل معهم، شُلّ جسده ولم يشعر سوى بصلاح يضمه لاحضانه، ولأول مرة لا يبكي بين أحضان صلاح، بل كان جامدًا يراقب تحرك جسد رانيا بعيدًا عنهم ..
ساعة مرت قبل يهجم إخوة رانيا على المشفى وقد ابلغهم صلاح بما حدث قبل أخذ رانيا للمشفى بساعات، كان الأربعة يركضون يرعب بين ممرات المشفى وقد شعر محمد بقرب توقف قلبه يستمع من صلاح ما حدث لشقيقته …
ولأول مرة ينهار عبدالجواد باكيًا برعب شديد، وشعوره بقرب خسارة شقيقته قتله، يبكي كالطفل بين أحضان جبريل الذي كان جسده يرتجف، ومحمد يحمل هاتفه يحاول الإتصال بمشفى خاص يؤمن لها فراش إن احتاج الأمر، وعبدالله فقط يقف بعيدًا يربت على يد رؤوف الذي كان يجلس بضعف على أحد المقاعد يستغفر ربه ويدعو بقلب ورع لابنته .
وكانت تلك اللحظة هي أول مرة يشفق الأربعة على صالح الذي كان كالميت بين أحضان صلاح، يناجي رانيا بصوت منخفض ويرتعش برعب وهو يردد من بين شهقاته :
” مش عايز غيرها والله ما عايز غيرها ”
وكل ذلك توقف حينما خرج لهم الطبيب يقول بكل الاسف :
” للاسف قلبها وقف، بس الطفل عايش وهنولدها …”
تنفس صالح بصوت مرتفع يسحب نفسه من تلك الذكرى البشعة، يوم لن ينساه ما عاش، يوم ربما تتخذه رانيا نفسها مزحة، لكنه كان رعب، رعب عاشه ويخشى أن يمر به مجددًا، أن تحيا رانيا بعدما انطقها الشهادة ثلاث مرات، بل ويحيا طفله كذلك، كان معجزة كبيرة، معجزة سيعيش عمره يشكر الله عليها مع كل نفس يخرج منه .
” روحت فين يا صالح ؟!”
ابتسم لها صالح بحب يداعب خصلات شعرها :
” هروح فين يا قلبي، معاكِ ”
ابتسمت له رانيا بسمة صغيرة قبل أن تقول بصوت منخفض :
” أنا موافقة نروح لدكتور تاني ونتابع معاه في البيبي الجاي، بس أنت مش هتزعل مني لو بقيت حامل ؟!”
نظر لها صالح بحنان :
” هزعل منك ليه ياقلبي ؟! أنا دكتور وعارف إن دي حالات بتحصل لأي حد ومش شرط كل حمل يحصل، بس انا برضو زوج وبخاف عليكِ، عشان كده زي ما قولت الحمل الجاي هتابع يوم يوم مع دكتور كويس ”
هزت رأسها تقول ببسمة واسعة :
” وأنا موافقة يا صالح، دور بقى على دكتور كويس عشان تتباع معاه يوم يوم ”
اتسعت عيون صالح بريبة لتهز رانيا رأسها تؤكد ما يفكر به :
” أنا حامل يا صالح ….”
_____________________
في الصباح التالي …
تجلس جواره تراقب ملامح الطبيب الذي كان يحمل بين يديه بعض الأوراق التي توضح جيدًا حالته، وما التطورات التي حدثت خلال فترة العلاج المكثفة السابقة، وملامحه المكفهرة لم توحي بأي خير، مما جعل يدها تزداد انقباضًا وجسدها يرتجف …
وكعادته المعروفة امتدت يد نادر تضم يد نيرمينا يهدئها، بدل أن تفعل هي ذلك .
ابتلعت ريقها تنظر له بحب وحزن، ثم نظرت للطبيب تقول :
” خير يا دكتور، فيه تطورات في الحالة ؟؟”
نظر الطبيب لها يخلع نظارته واضعًا إياها على المكتب أمامه، يضم كفيه لبعضهما البعض وكأنه يبحث عن ابسط وأيسر الكلمات التي قد تصف حالته، ومن ثم قال :
” في الحقيقة مش عارف اقولكم ايه، لكن فيه بالفعل تطورات ….طفيفة جدًا ”
نهض الطبيب يضع أشعة على الجهاز الخاص بها يشير لنقطة بها :
” الصدمة اللي سبق وتعرض ليها جوز حضرتك تسببت ليه في شيء اسمه (حبسة كلامية) يعني الكلام جواه وهو عايز يتكلم، لكن كأن فيه سور أو حاجة حابسة الكلام ده، وده كله حصل بسبب تأثير الصدمة على الجزء المسؤول عن الكلام بالعقل، والحالة دي مش غريبة وموجودة كتير وبعد فترة بيبدأ المريض يرجع لطبيعته ”
صمت يعود لمقعده يقول بعد تنهيدة عالية :
” مع الوقت ممكن يكون عنده قابلية العودة لحياته، لكن حالات قليلة جدا هي اللي ممكن الصدمة دي تفضل تأثر عليها على طول، وبتكون فرصة الكلام ضعيفة وبيكون التطور طفيف جدا، زي حالة استاذ نادر ”
في تلك اللحظة حاولت نيرمينا أن تتماسك، أن تبتسم وتظهر الرضى على ملامحها، أن تقول لا بأس هي تحبه كما هو، وهذه هي الحقيقة، هي تحب نادر بكل ما فيه، بصمته وهدوءه، لكن رغم كل ذلك لم تتحمل وانفجرت في بكاء عنيف جعل نادر ينهض عن مقعده متحركًا صوبها، يضم رأسها له يربت عليها بحنان شديد، يواسيها على مصابه هو، يخفف دموعها التي تذرفها على وجعه .
ابتسم برضى وحب وهو يجلس على ركبتيه أمام مقعدها لا يهتم بوجود الطبيب حتى، يرفع كفيها عن وجهها يشير لها بأصابع هادئة :
” متعيطيش، أنا لو عايز اتكلم فكان عشان أنتِ تفهميني، وكمان زينب، وأنتِ فاهماني، وزينب هعلمها تفهمني وهتساعديني صح ؟؟”
نظرت له نيرمينا بحزن شديد، تشعر بعجزه يقتلها هي وليس العكس، لكن نادر لم يسمح لها أن تيأس أو تدخل لتلك الحالة من الحزن، إذ أشار بأصابعه:
” الدكتور قال فيه تطور ..هو طفيف، لكن يظل فيه تطور، ولو بعد ميت سنة، أنا يكفيني أنك فهماني، وإن فيه طريقة اقدر اعبرلك فيها عن اللي جوايا يا نيمو، ده مش كفاية ليكِ؟؟ مكسوفة من وضعي ؟؟”
اتسعت عيون نيرمينا بفزع تهز رأسها بسرعة كبيرة وهي تتحدث بنفس لغته كي لا يفهمها الطبيب :
” لا لا يا نادر والله العظيم ولا لحظة واحدة اتكسفت، واتكسف من ايه ؟؟ أنت في نظري اجمل راجل في الدنيا وكامل، ومش عايزة حاجة تاني غير سعادتك، أنا بس زعلانة على زعلك أنت”
ابتسم لها يمسح دموعها مستقيمًا في وقفته :
” وأنا مش زعلان، أنا لو هزعل فهزعل على دموعك ”
ابتسمت له تنهض تجاوره، ثم نظرت للطبيب ببسمة بعدما هدأت :
” شكرا لحضرتك يا دكتور، هو هيستمر على متابعة الدكتور المختص وباذن الله قريب نيجي للاستشارة ”
ابتسم لهما الطبيب وهو يرمقهما بنظرات معجبة، يدعو لهما بالتوفيق في حياتهما، فما رآه منذ ثواني رغم غرابته كان مثيرًا للاعجاب، هي من تبكيه و هو من يراضيها ..
غادرت نيرمينا العيادة تستند على نادر بحب شديد، وهو فقط يضمها بذراعه لصدره، يتنهد بصوت مرتفع، يشعر بالراحة، ليس بالطبع لحديث الطبيب، فهو منذ سنوات وقد سلّم أمره لربه يدبره كيفما يشاء وهو راضٍ، لكنه فقط سعيد أنه رغم كل شيء امتلك أكثر قوارير العالم رقة .
صعد للسيارة رفقتها يضم رأسها له بحب شديد، قبل أن يتحرك بالسيارة صوب وجهتهما التالية، حيث جميع أفراد العائلة مجتمعين معًا، حتى أن الصغيرة ظلت هناك رفقة الخال سعيد ..
توقف نادر أمام مطعم يقع في بداية حيوي داخل منطقة ” وسط البلد ” وتحرك له ليجد سعيد يصافح أحد الرجال مبتسمًا ويبدو أنه خطى خطوته الأولى في تحقيق حلمه .
ابتسم سعيد يودع صاحب المطعم بعدما وقع عقود شرائه، وفجأة حمل زينب لاحضانه يصرخ بسعادة كبيرة، ها هو يحقق حلم ظنه مستحيلًا في مراهقته، ورآه سخيفًا في شبابه، والآن في مرحلة نضوجه يراه بابًا لعالم آخر .
كان سعيد يحمل زينب بين أحضانه وأعلى كتفه يحمل أنس يردد بكلمات ممازحة :
” بص يابني ع اللي بكرة هيبقى مليونير، يورو ولا جيندر ولا يني ولا ايه ”
أطلقت ميمو ضحكات صاخبة تراقب ما يفعل، ليس وكأنه سابقًا كان يمتلك من الشركات ما يسد ضوء الشمس عن القاهرة، ولا من الأموال ما يكفي لإطعام مدن بالكامل لشهور طويلة، لكن سعيد أمامها، كان يحتفي بحلم دفنه الزمان بأيدي جاد .
يدور سعيد في المكان يتفقده، حاملًا الصغار بسعادة كبيرة، تتردد ضحكاتهم مندمجة مع ضحكاته الخاصة .
ابتسمت ميمو حينما أبصرت نادر الذي توجه له يميل عليها يعانقها بحب كبير، ينحني كي يصل لقامته، رغم أن ميمو مقارنة بالنساء كانت طويلة القامة، لكن نادر مقارنة بالرجال كان عملاقًا، وذلك العملاق على استعداد أن ينحني المتبقي من عمره إن كان لأجلها، والدته وشقيقته وحياته بأكملها .
” عملت ايه يا قلبي، الدكتور طمنك ؟!”
ابتسم لها نادر يهز رأسه بنعم، وهي قبلت جبهته بحب شديد :
” المهم أنك بخير ياقلبي ”
اتسعت بسمته يشير بأصابعه :
” الحمدلله، أنا في حال احسن مما كنت اتخيل ”
رمقته ميمو بحب، قبل أن تسمع صوت طرق وغناء بالقرب منهما، نظرا صوب منطقة استقبال الطلبات، ليجدا أن سعيد يمسك أيدي أنس يراقصه و نيرمينا تحمل بين ذراعيها زينب وتتراقص بها، ويد سعيد الأخرى تطرق على الطاولة أمامه..
رفعت ميمو حاجبها تقول :
” ولاد الاشموني عقلهم فلت”
ضحك نادر ضحكات صامتة يراقبهم بحب شديد، وضحكات الصغيرة المدمجة بضحكات زوجته اطربت قلبه .
” يا شيخ سعيد سيبك من الاغاني والفسق ده وتعالى عشان نشوف هنبدأ تجديد في المطعم امتى ؟؟ وهتسميه ايه عشان اوصي على اللوجو واليافطة ”
نظر لها سعيد ببسمة واسعة والتمعت عيونه بقوة يقول :
” نبدأ من انهاردة، وبالنسبة للاسم فأنا حابب اسميه La FLEUR ”
رفعت ميمو حاجبها تقول بسخرية :
” ايه يا عيوني ؟؟ ومن امتى وأنت ثقافتك فرنساوي ؟؟”
” من انهاردة، بعدين أنا اساسا عندي عرق اجنبي، ولا الشكل مش واكل معاكِ ”
” إحنا لو هنمشيها بمبدأك يبقى نص مصر اجانب، ثم أنت فاكر يعني لما تسمي المطعم تيمنًا بالدكتورة هترجع ليك بعد اللي عملته فيها يا ناقص ؟؟”
زفر سعيد بقوة يحمل أنس متحركًا صوبها يقول بحنق شديد :
” أنتِ مع مين بالضبط ؟! المفروض تساعديني ارجعها”
” بعد اللي عملته أنت، فأنا اكيد معاها، اقسم بالله يا سعيد أنا لو مكانها لكنت دوست عليك باللي في رجلي ”
سخر منها يشعر بالغضب الشديد من تلك الحقيقة :
” الحمدلله أنك مش مكانها ”
تحركت له ميمو تقول بجدية مطلقة تلوح بيدها في الهواء تحاول أن تدخل الأفكار داخل رأسه بالقوة :
” أنت عايز ايه ؟؟ واحدة اتهزقت منك لما جات عشان تشوفك، ورفضت تقابلها أكتر من مرة، ده غير طبعا تصرفاتك قبل السجن”
نظرت له تكمل ساخرة :
” وبعد ده كله عايز تخرج تستقبلك بالاحضان وتقولك.. ولا اقولك بلاش الملامة سيدي أنا حمدالله على السلامة ؟؟”
نظر لها سعيد بملامح حزينة مقتضبة وهز رأسه بنعم، هو كان يريد كل ذلك، يريدها أن تستقبله بالبسمات وتخبره أن ينسوا كل ما سبق ويبدأوا من جديد.
وفجأة صرخ سعيد بصوت مرتفع يعود للخلف حينما تلقى ضربة قوية على رأسه من حقيبة ميمو التي قالت :
” ده أنت بجح يلا، بجح، اقسم بالله أما خليتك هي تحفى كده وتلحس تراب المحروسة عشان ترجعلك، لأكون أنا اللي مبهدلاكم أنتم الجوز ”
فرك سعيد رأسه بغضب شديد صارخًا :
” وأنتِ مالك بينا؟ هو أنا بحكيلك عشان تهزقيني ولا تساعديني ؟!”
” عشان اديك بالجزمة ”
زفر سعيد بغضب شديد، وهي تنفست بصوت مرتفع ترى ملامحه الحزينة والمهمومة بعدما كاد يطير من السعادة، ودون شعور اشفقت عليه زافرة بصوت مرتفع :
” تمام هساعدك يا سعيد، بس والله العظيم لو حصل مرة تانية وقليت ادبك لأكون اللي مربياك ”
اتسعت بسمة سعيد بقوة شديدة يقترب منها :
” يعني هو مش كفاية تربية ؟؟ بعدين عيوني يا ميمو أنا مليش غيرك، قولي هتساعديني ازاي؟! ”
نظرت له تقول بعد تنهيدة طويلة :
” هقولك تعمل ايه، بس لازم تعرف إن قلبي مش راضي عن الموضوع كله وعايزاك تاخد بالجزمة ”
” يا ستي هبقى أضرب نفسي بيها ولا تزعلي، قولي ازاي اصالحها عشان أنا امبارح طينتها اكتر ”
كان الحوار يحدث على مرأى ومسمع من نادر الذي أخذ أنس من يد ميمو كي يتفادى ذلك الشجار، ونيرمينا التي تحمل الصغيرة ويجلس الجميع على طاولة بعيدة بعض الشيء لأخذ ساتر من أي قذائف طائشة أو صواريخ غاضبة من أحدهما ..
اقتربت ميمو من سعيد تتسائل بريبة :
” عملت ايه بالضبط يا سعيد ؟؟”
______________________
يجلس أمامها يتأكد أنها أصبحت بخير، ومن ثم وضع صينية مليئة بالعديد من الأطعمة على قدمه يحمل لها ملعقة دافئة من الحساء الذي أعدته والدته لأجلها .
” يلا يا توتا خدي عشان الدوا ”
نظرت له تسبيح ببسمة تلتقط كل ما يعطيها إياها ببسمة واسعة ونفس راضية، تشكر ربها داخلها أنه بخير .
” أنتِ اللي اتصلتي بالحاج سليمان صح ؟!”
هزت تسبيح رأسها وهي ما تزال تشعر بوجع فيها لكثرة سقوطها عليها هذا اليوم، تتناول الحساء من يده، ثم تمضغ قطع الدجاج التي يطعمها إياها بكل حب :
” خفت يحصل حاجة يا رائد، وأنت سيبتني ومشيت مرضتش تفضل معايا ”
اعتلى وجه رائد غضب وحنق شديد يتذكر ما حدث :
” وياريت كان بفايدة، الولد ضربه بالسكينة قدام عيوني وفي غفلة عني، كل ما افتكر اللي حصل احس بالغضب، حاسس دمي بيفور ”
ربتت تسبيح على يده بحب شديد، ثم امسكتها تقبلها، وبعدها اسكنتها بين أحضانها، تواسيه بما تستطيع، ورائد تقبل منها كل ذلك ببسمة محبة، وقلب عاشق .
” أنت أكيد عمرك ما كنت هتقصر لو كنت شوفته، بعدين متنساش أنك كنت لوحدك عليهم كلهم، وباذن الله الدكتور يبقى بخير، متزعلش نفسك أنت بس بالله عليك ”
ابتسم لها رائد يقطع الدجاج لها، يطعمها بحب شديد وهي تتناول دون تذمر أو حنق، يكفي أنه يجلس ليعتني بها..
في تلك اللحظة سمع الاثنان اصوات طرق على باب الغرفة تبعها دخول طفليها، محمد الأكبر ومن ثم حسام الصغير .
ابتسم محمد ينطلق صوب احضان والده ووالدته، تبعه حسام بخطوات متعثرة بعض الشيء، ضمه رائد بين أحضانه يقبل رأسه:
” حبايب بابا عاملين ايه ؟؟”
جلس محمد على الفراش جوارهم يقول ببسمة :
” بخير، ماما كويسة ؟؟”
هز رائد رأسه يداعب خصلاته بحنان :
” كويسة يا قلبي، هي بس محتاجة ترتاح شوية ”
قاطعته تسبيح وهي تضم محمد لصدرها بحب :
” لا خليهم يا رائد أنا كويسة، خليهم جنبي عشان وحشوني اوي ”
ابتسم رائد باتساع يراقب ملامح بكره ذو الخمسة أعوام يقول بحماس شديد :
” أنا كنت هبقى رائد زي بابا، بس خسرت في الانتخابات ”
انعقدت ملامح تسبيح بجهل، بينما رائد شعر بلعنة تلك الرتبة تلاحقه وتلاحق عائلته باكلمها :
” معلش يا قلبي المرة الجاية هتبقى رائد ”
نظر له يقول الصغير بيأس :
” امتى؟! أنا كنت عايز ابقى رائد الفصل بس خسرت”
أشار رائد صوب خصلات شعره التي تخللها القليل فقط من الخصلات البيضاء يقول بحسرة وسخرية :
” شايف شعري الابيض ده؟؟”
هز الصبي رأسه ببسمة يراقب خصلات والده، ليرفع رائد رأسه يقول ببسمة ساخرة :
” لما يطلع ليك شعر ابيض زيه هتبقى رائد ”
نظرت له تسبيح بحنق تحذره أن يحطم من معنويات طفلها، لكن رائد كان فقط يحاول أن يخبر ولده بالحقيقة كي لا يصطدم بمرارة الواقع مثله :
” ايه بوعي الولد، بدل ما يطلع متفتح على الدنيا ومفكر أنه ممكن يبقى رائد بسرعة كده”
ابتسم الصغير يرى أن ذلك الشرط الذي قاله والده سهل، أعني ما المشكلة في أن يصبح لديه خصلات بيضاء تزيده هيبة كوالده :
” يعني أنا لو طلع ليا شعر ابيض زيك هبقى رائد شرطة ؟؟”
ابتسم له رائد يخبره بكل تفائل :
” لا ده عشان تبقى رائد في الفصل، أما رائد الشرطة فمش كفاية يطلع ليك شعر أبيض، محتاج تطلع روحك عشان توصل ليه ”
زجرته تسبيح بغيظ :
” رائد، مش كده ”
” ايه بوعي الولد ”
ومحمد الصغير والذي كان متعلقًا بوالده، يراه بطله الخارق وجد تلك الشروط هينة طالما سيصل لما يرى والده عليه الآن:
” انا موافق طالما هبقى زيك ”
اتسعت بسمة رائد الحنونة يميل على رأس ولده يقبلها بحب شديد :
” وهتبقى أحسن مني يا محمد، وأنا بنفسي هشتغل على أن حياتكم تكون أسهل مني، واموركم تبقى متيسرة عني ياقلبي ”
ابتسم له محمد، وصوت حسام ذو العامين تحدث خرج مغمغمًا بكلمات غير مترابطة بعد، ليستدير له رائد يقبل وجنته هو الآخر مرددًا بحب :
” وأنت كمان ياقلبي ”
اتسعت بسمة تسبيح تراقب عائلتها السعيدة، ما كانت يومًا لتتخيل أن يمنحها الله مثل تلك السعادة التي تكاد تبكيها، تشعر بخافقها ينتفض تأثرًا بهم حولها ..
سحب محمد شقيقه بناءً على رغبة رائد كي ترتاح تسبيح بعدما أعطاها ادويتها، وما كاد يخرج هو الآخر ليتركها تنعم بنومة هنيئة، إلا وجذبته يد تسبيح تقول بصوت ناعس مرهق :
” خليك جنبي يا رائد، متخافش هبعد نفسي عنك عشان متتعديش ”
خلع رائد حذائه، يصعد للفراش جوارها، ساحبًا إياها جوار قلبه حيث بنى لها منذ سنوات مستقرًا ومسكنًا لا يسكنه سواها .
” فداكِ عمري يا توتا، مش مجرد دور برد ”
” ده تعبير مجازي برضو ؟؟”
ضحك ضحكة خافتة يقبل رأسها يتنعم بدفء جسدها :
” لا تعبير صادق يوحي بمقدار حبي ليكِ يا توتا ….”
صمت ثم أضاف ممازحًا :
” مش اوي عشان بس اجازاتي خلصت ”
_____________________
” ده مش تسمم، واضح اوي أنه مات مخنوق ”
وافقه صالح الرأي وهو يتفحص أجهزته الحيوية أكثر، يتأكد من تلك النظرية التي اكتشفها محمود منذ ثواني، واندمج الإثنان في تشريح الجثة أمامهما، ومن ثم انتزع صالح قفازه يقول بتفكير :
” المؤشرات الحيوية بتقول أن الأجهزة وقفت قبل التسمم بسبب نقص الاكسجين في الجسم، لكن ده ميمنعش أنه شرب السم قبل توقف الأجهزة دي ”
وضع محمود مشرطه أعلى الطاولة يشاركه التحليل في أمر تلك الجثة :
” الخنق مكانش حوالين الرقبة أو غيره، ده منع الأكسجين يوصل للرئة بطرق مختلفة عن الخنق، يعني ممكن مخدة على وشه، أو حط رأسه في مايه، وده مستبعد شوية لعدم وجود أي مايه على الرئة ”
أبتسم صالح يقول بتفكير :
” يبقى مخدة، لأن حتى كتم الفم مش هينفع يسبب أن اصابعه كانت هتسيب اثار على وشه ”
وبذلك اعتمد الاثنان حديثهما ووضعا العينات رفقة التقرير الذي سيمر على العديد من الهيئات الأخرى للانتهاء منه، إذ تستلزم احيانًا عملية التشريح بجميع نواحيها ما يفوق الثمانية عشر شخصًا .
خرج صالح برفقة محمود متجهين صوب مكاتبهم، ومحمود يلاحظ منذ الصباح ملامح صالح المكفهرة والمقتضبة وكأنه تلقى خبرًا سيئًا .
” مالك يا صالح ؟؟ من الصبح وأنت مكشر ”
توقف صالح في منتصف الممر وخلفه تقف تلك الفتاة التي تحاول التقرب منه منذ جاءت للعمل في المشفى من أسابيع قليلة، ابتلعت ريقها تود التحدث بكلمة، تضم صوب صدرها بعض الملفات بخجل شديد .
ولم تكد تفتح فمها للحديث حتى استمعت لجملة صالح الحزينة والتي تحمل في طياتها غضبًا طفيفًا مصحوبًا برعب شديد :
” رانيا حامل …”
اتسعت أعين الفتاة تعود للخلف بصدمة، وهي تنظر لصالح مستنكرة أن يكون من ذلك النوع الذي تغريه العربدة وتغويه الخطايا، هل اخطأ مع فتاة وحزين لأنها حملت منه طفلًا .
وقبل أن يجرفها عقلها لمناطق أخرى بعيدة، سمعت صوت محمود يقول بترقب :
” وأنت زعلان عشان مراتك حامل ؟؟”
اشتدت صدمة الفتاة أكثر، متزوج ؟؟ هو متزوج ؟؟
تراجعت للخلف تبتعد عن المكان بأكمله دون أن تستمع لكلمة إضافية منهما، تود أن تنأى بعيدًا لتستوعب مقدار غبائها، يالله هي كانت معجبة برجل متزوج ؟؟ شعرت فجأة بالاشمئزاز من نفسها، وهرولت بعيدًا عنهما ..
ولأن صالح لم يكن معتادًا على السير في مقر عمله بخاتم زفافه، بسبب طبيعة عمله، فالبعض فقط يعلم أمر زواجه، ولم يكن الأمر خطأ تلك الصغيرة التي فتنتها شخصيته الجادة الممازحة والمشاكسة وبشدة، بل واغوتها تصرفاته البربرية، وكانت هذه من الحالات القليلة التي تنظر لصالح بهذا الشكل، وكل ذلك بالطبع لأنها يومًا لم تستمع لأحاديث النسوة عنه أو شيء آخر..
دخل صالح مكتبه يحاول التنفس جيدًا وهو يشرح وجهة نظره لمحمود :
” لا طبعًا يا محمود، أنا … أنا… فرحان والله أنا أكثر انسان سعيد في الدنيا، إن ربنا هيرزقني بطفل تالت من رانيا، أنا أي شيء من رانيا بيخطف قلبي سواء بسمة أو كلمة، فما بالك بطفل ؟؟”
صمت ثم أضاف برهبة :
” بس آخر مرة ساعة بلال، أنت عارف اللي حصل، محمود أنا نطقتها ….نطقتها الشهادة ٣ مرات، الدكتور لما خرج قالنا أن قلبها وقف وهي ماتت بس الطفل عايش أنا وقتها حسيت …”
ابتلع غصته يتذكر تلك اللحظات التي سقط جسده ارضًا كالجثة الهامدة، دون كلمة واحدة، واخواتها الذين صرخوا في وجه الطبيب أن شقيقتهم حية ترزق .
” حسيت أن روحي طلعت، تخيل يقولوا ليا عوض الله عليك في زوجتك، بس ابنك لسه عايش، أنا يا محمود وقتها مكنتش عارف افكر و…لولا معجزة ورحمة ربنا كانت ضاعت مني”
زفر بصوت مرتفع وتلك الذكريات ترهقه، أصبح كل شيء يتعلق بالرحيل والموت يقتله :
” أنا كان زماني مش موجود هنا لو رانيا كان حصلها حاجة يا محمود، هي تعبت في الولادة دي وابني اتحجز شهرين كاملين في الحضّانة والبيت عاش فترات صعبة خايف أكررها تاني ”
” أيوة يا صالح بس ده كان غلط من الدكتور اللي هي تابعت معاه، ما هو لو كانت اكتشف حوار التسمم ده من الاول وعمل ولادة مبكرة مكنتوش وصلتوا للمرحلة دي، ثم كل شيء بيد الله وابنك ده رزقك ربنا رزقك بيه، هتقول للرزق لا ؟؟”
مسح صالح وجهه يجيب براحة شديدة بعدما تحدث مع محمود :
” معاذ الله يا محمود والله العظيم أنا راضي وسعيد، لكن خايف ومش هتطمن غير لما اروح معاها لدكتور بنفسي، ووقتها أنا هتأكد أن كل اسبوع يكون فيه فحص دوري عليها، ولو هضطر أنا أبحث وادرس عن الحمل بنفسي واعملها فحص دوري كل دقيقة هعمل كده ”
ابتسم محمود باتساع، يعود بظهره للخلف :
” لو نرجع بالسنين لورا وحد يقولي أنك هتحب بالشكل ده مكنتش هصدق، أصل مش كل الناس هيولفوا معاك يا صالح ولا يستحملوك ”
أطلقت صالح ضحكات عالية :
” ولا أنا كنت هصدق والله ”
في تلك اللحظة سمع الجميع طرق على باب المكتب تلاه دخول أحد الممرضين يقول بريبة :
” دكتور محمود فيه حد عشانك هنا ”
نظر له محمود بعدم فهم ولم يكد يتحدث بكلمة حتى وجد الشرطة تدخل المكتب واحدهم يتحدث بقوة :
” مين فيكم دكتور محمود ؟؟”
نظر صالح للشرطي بريبة، ومن ثم نظر لمحمود الذي نهض يقول بتسائل :
” أيوة أنا محمود اتفضل ”
اقترب منه الشرطي يقول بجدية مصدرًا الأمر لمن خلفه :
” مطلوب القبض عليك بتهمة التعدي على طفل بالضرب….”
_________________________
يجلس داخل مكتبه يحاول الانتهاء من المقال الجديد، يرتشف من كوبه رشفات صغيرة دون أن ينزع عيونه عن الحاسوب أمامه، وفجأة وجد العديد من الاشعارات تظهر على شاشته، رفع حاجبه متعجبًا وتجاهل الأمر يكمل ما يفعل لولا باب مكتبه الذي فُتح فجأة يقتحم أحد المتدربين مكتبه ..
” استاذ صلاح حضرتك شوفت اللي حصل ؟!”
رفع صلاح عيونه للشاب يقول بهدوء شديد :
” حصل ايه ؟؟ ”
ابتلع الشاب ريقه يقترب من مكتبه مخرجًا هاتفه وصوته يخرج مصدومًا مما حدث :
” الأخبار اللي اتنشرت من الصبح عن حضرتك، الدنيا مقلوبة عليه ”
رفع صلاح حاجبه يتنفس بصوت مرتفع، يفكر أن ذلك الحقير نجدت خدعه، يقسم أن يحيل حياته هو ومدلله لجحيم و..
قبل أن يكمل كلامه وجد الشاب يقول :
” مش في الجرنال زي كل مرة، دي مدونة شخصية على الفيس بوك، بس التفاعل عليها مش طبيعي ”
ابتسم صلاح يعود بظهره يردد بسخرية لاذعة :
” اكيد مش جاب اسمي فيها، محبي الخير كتير اوي في البلد يا منعم ”
اقترب منه يمد يده بالهاتف قائلًا بصوت خافت وكأن الجدران تتلصص عليهم :
” على فكرة هو نفس الصحفي اللي كان بينشر عنك في الجريدة التانية، بس شكله لقى الناس بطلت تقرأ جرايد واتجه للسوشيال ميديا ”
أمسك صلاح الهاتف وهو ما يزال مستريحًا للخلف ببرود كبير وبسمة أكبر وبمجرد أن مرت عيونه على السطور أمامه حتى اتسعت بسمته لتتحول إلى ضحكات عالية، ضحكاته تعالت أكثر وأكثر حتى كادت تبلغ عنان السماء ..
ومنعم يراقبه بعدم فهم، هو توقع غضب، سخط وتوعد من طرفه لا ضحكات عالية، وصلاح فقط يرمق صورته مع امرأة داخل سيارته، وكذلك جلوسه معها في مطعم، وصعوده معها لإحدى البنايات .
” ده شكله معجب كبير اوي، حاطط حد يصورني في كل حتة ”
أعطى الهاتف لمنعم يقول بعدم اهتمام مكملًا ارتشاف مشروبه باستمتاع :
” كبر دماغك يا منعم، دي حلاوة روح، بيحاول ينقذ ما تبقى له من ماء الوجه بعد ما مسحت بيه الجريدة بتاعته هو ومديره، عموما سيبه شوية وأنا هوريه ماذا اخفي في جعبتي ”
” أيوة بس يا فندم ده كاتب …”
رفع صلاح عيونه له وقال بهدوء شديد :
” كاتب ايه؟ حاطط كام صورة عبيطة وكاتب فوقها ( ترى ماذا يخفي صلاح في جعبته ؟؟) ده هبل، والله لو …”
وقبل أن يكمل كلمات وجد العديد من الاشعارات تظهر له والعديد من الاشخاص قاموا بالاشارة له في ذلك المنشور، ضغط على أحد الاشعارات بأعين غير مهتمة، وداخل رأسه يجهز ردًا قويًا لذلك الـ
فجأة توقفت افكار صلاح حينما أبصر ردًا على ذلك المنشور من ملف شخصي يضع صورة تشبهه، لكنه ليس هو ببساطة، بل كان توأمه العزيز ..
قرأ صلاح تعليق صالح لتتسع عيونه بصدمة مما عُرض أمامه يردد بعدم فهم :
” ايه ده ؟؟؟”
______________________
” يعني هو فيه أمل صح ؟؟”
نظر المحامي للاوراق أمامه يهز رأسه مبتسمًا :
” اكيد يا سعيد باشا فيه أمل، أنا هقدم بطلب لفتح القضية بتاعته تاني وباذن الله اللي فيه الخير ربنا يقدمه ”
نهض سعيد عن مكانه يصافح المحامي على وعد بالمجيء إليه مرة أخرى ليرى أين وصلت الأمور معه في قضية الشيخ شاهين .
خرج من مكتبه يقود سيارته يراجع في رأسه قائمة أعماله، انتهى من توقيع عقود المطعم، واتفق مع العمال الذين سيباشرون العمل لديه، وذهب للمحامي ينتهي من أمر قضية شاهين، والآن ماذا ؟؟
فكر وهو يبحث عن شيء قد يفعله في يومه، ما الذي كان يفعله عادة حينما يشعر بالملل عدا استفزاز ميمو أو ملاحقة زهرة ؟؟
فجأة اشتم سعيد رائحة أعادت له ذكريات كثيرة، ترسم على فمه بسمة واسعة، نظر جواره صوب إحدى عربات الاكل المشهورة في احياء القاهرة، ليتذكر صوت زهرة القادم من الماضي تقول ببسمة واسعة :
” أنا اكتر حاجة بحبها هي السجق، خاصة بقى لو سبايسي”
نظر للعربة ثواني، قبل أن تلتمع عيونه بقوة وقد فكر في شيء جيد، سيكون نقطة لصالحه في حربه مع الجميلة زهرة .
تحرك بالسيارة سريعًا وهو يردد في نفسه :
” هانت يا زهرة، هما يومين مش هصبر اكتر منهم وتكوني ليا ومعايا ”
أنهى حديثه يتذكر كلمات الحكيمة ميمو له، وقد منى نفسه بانتهاء فترة الحصار تلك وحصوله على تصريح الحياة بشكل طبيعي عما قريب …
تنفس بصوت مرتفع يخرج هاتفه ليتحدث مع نيرمينا ويخبرها إن كانت تحتاج لشيء بعدما أصرت على أن يتناول معهم الغداء، لكن ما كاد يفتح هاتفه ليتصل بها، حتى ارتفع رنين الهاتف باسم ميمو ..
أجابها بهدوء وهو يقلل من سرعة سيارته كي لا يحدث ما يحمد عقباه :
” الو يا ميمو ”
” أنت فين يا سعيد ؟؟”
نظر سعيد حوله :
” لسه خارج من عند المحامي وكنت هعدي على أي سوبر ماركت عشان اشتري شوية طلبات للبيت، عايزة حاجة ولا ايه ؟؟”
سمع سعيد صوت تنفس ميمو من الطرف الآخر ومن ثم كلماتها الهادئة :
” لا مفيش بس أنا قابلت زهرة في النادي من شوية وكلمتها”
توقف سعيد بالسيارة بلهفة شديد وصوت هامس داخله يخبره بأمل احمق كاذب، أنها لربما ذهبت إلى ميمو كي تتحسن الفرص وتعود له، أو حتى تلمح على رغبتها بالعودة .
عودة؟ ومنذ متى كانت معك سعيد حتى تعود ؟؟ أفق هي فقط كانت تنفرك وتنبذك .
استفاق على صوت ميمو التي قالت بجدية كبيرة :
” سعيد أنت معايا ؟!”
” أيوة معاكِ كانت عندك ليه ؟! قالت ايه ؟؟ كلمتك عني ؟؟”
يائس هو، يشعر بالوحشة داخله، حتى أنه بدأ يفقد الأمل في حياته، أو أنه سيكون سعيدًا يومًا ما، متى تبتسم له الحياة وتفتح له عناقها؟! متى يعيش كما الجميع، وتصبح له عائلة ينعم بدفئها ؟؟
سمع صوت ميمو تقول بصوت خافت لا ينبأ بالخير :
” سعيد، زهرة قفلت العيادة بتاعتها واتخلت عن وظيفتها، ومن اللي شوفته قدامي، شكلها ناوية على سفر وهتسيب البلد كلها ”
اتسعت أعين سعيد بقوة وهو يشعر بأن الهواء أصبح خانقًا حوله، ما الذي تهذي به تلك المرأة، أي عيادة تلك التي اغلقتها وأي وظيفة تلك التي تخلت عنها ؟! زهرة ما كانت يومًا لتفعل ذلك، ما كانت يومًا لتتخلى عن حلمها .
” سعيد أنت معايا ؟؟”
أجاب سعيد وهو يتحرك بالسيارة الخاصة به بسرعة صوب عيادتها، لن يصدق، هي الآن داخل العيادة تعالج مرضاها وهو سيقتحمها كما أعتاد ليؤكد لميمو أنها لربما أخطأت الأمر.
اغلق الهاتف بعد كلمات مودعة مقتضبة لا معنى لها وهو يزيد من سرعة سيارته صوب عيادتها، وبعد دقائق لا يدري طويلة كانت أم قصيرة، توقف أمام البناية وهبط من السيارة يهرول أعلى درجاته، حتى توقف أمام العيادة ليجد أن لا لوحة تحمل احرف اسمها ولا شيء يدل على وجودها، سوى ورقة صغيرة مطبوعة أعلى الباب خط عليها كلمات مقتضبة ( تم غلق العيادة )
هبط سعيد الدرج بوجه جامد لا يفهم شيئًا مما يحدث، هل بالفعل ستتركه وتهرب بعدما خرج لها، هل ستفعل ؟؟ التمعت عيونه بالشر يتحرك صوب سيارته وقد أقسم ألا يسمح لها بالأمر..
قاد سيارته بسرعة كبيرة صوب منزلها الذي يعرفه منذ كانت في الجامعة، وبمجرد أن وصل هبط وتحرك صوب الحديقة الخلفية حيث تقبع نافذتها، ووقف أسفلها كما كان يفعل قديمة ودون تفكير نادى بصوت مرتفع :
” زهــــرة .”
في الداخل كانت زهرة تجلس أعلى فراشها، تشعر بالقهر والحنق لما آلت إليه حياتها، أصبح الجميع يقودها صوب رغبات لم تحلم بها ولم تردها يومًا، الجميع يجبرها على ما لم تطلبه ولا تطيقه .
وفجأة انتفضت على صوت قوي يناديها، حاولت أن تقنع نفسها أنها تحلم، لكن ارتفاع الصوت مرة ثانية جعلها تنتفض بسرعة كبيرة صوب النافذة والرعب دب في قلبها أن يستمع لها والدها والذي عاد لتوه من السفر خصيصًا ليحيل حياتها جحيمًا ..
توقفت زهرة بالنافذة ترمق سعيد بذهول :
” سعيد أنت بتعمل ايه هنا ؟؟”
اتسعت أعين سعيد بقوة لرؤية ملامحها الحبيبة شاحبة عدا عيناها التي تحولت لحمراء، ضيق عيونه بصدمة يقول :
” فيه إيه يا زهرة ؟؟ ايه اللي بيحصل ؟؟؟؟”

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ما بين الألف وكوز الذرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *