روايات

رواية وجلا الليل الفصل الحادي عشر 11 بقلم زكية محمد

رواية وجلا الليل الفصل الحادي عشر 11 بقلم زكية محمد

رواية وجلا الليل البارت الحادي عشر

رواية وجلا الليل الجزء الحادي عشر

وجلا الليل
وجلا الليل

رواية وجلا الليل الحلقة الحادية عشر

ظل يرتشف من خمرها المسكر والذي أطاح به، ظن أنه يعاقبها بفعلته ليجد ذاته أسير تلك اللحظة، يشعر وكأنها مغناطيس تجذبه نحوها دون أي جهد منها، ابتعد عنها بعد أن شعر بانقطاع أنفاسها، وهو لا يزال يغمض عينيه مستمتعًا بذلك المذاق الذي علق بشفتيه .
شعرت هي وكأنها تمارس هواية الغطس فغاصت لأميال إلى الأعماق وصعدت فجأة لتسترد نفسها الذي كاد أن يوأد بالقاع، لم تتحرك بمقدار إنش واحد، بل ظلت متجمدة كالتمثال الحجري المنحوت في جبل صلد، عيناها متسعة على اخرهما وثغرها منفرج بذهول وعدم تصديق لما حدث منذ لحظات .
شعر بالقلق عليها من حالتها تلك، فقام بهزها برفق لعلها تعود للواقع الذي فصلت عنه، انتفضت بعنف وهنا عادت إلى رشدها لتفاجئه بردة فعل غريبة، إذ تخطته وخرجت إلى الصالة، جلست أمام التلفاز بأعين زائغة وقلبها يخفق كبندول الساعة، بداخلها زوبعة مشاعر متضاربة كقطبي المغناطيس المتشابهين يتنافران حين الالتقاء، وها هي تشعر بالمثل غضب وفرح، سعادة وحزن، بمنتصف كل شيء لا تعلم عند أي نقطة تمكث، وضعت يدها على وجهها الذي يشع سخونة وكأنه تعرض لشعاع الشمس للتو، فتوهج من شدة الحرارة التي سقطت عليه .
خرج هو خلفها ليرى أين هي بعد ردة فعلها، والتي أبهرته بشكل كامل، ليجدها تجلس أمام شاشة التلفاز بشرود وتخبط . أما هي ما إن رأته وثبت على الفور تنظر يمينًا ويسارًا تبحث عن مكان تختفي فيه، فليس لديها قدرة كافية لمجابهته الآن، فكم تود لو ترتدي قناع يخفيها عن عينيه فلا يراها، أو تكون غير مرئية في تلك اللحظة بالذات، ما إن همت لتركض جذبها من ذراعها ليهتف بنبرة هادئة :- فيكِ إيه أهدي .
عانقت عيناها الأرض تأبى تركها، بينما تعبث بأصابعها كطفل صغير، افتعل مشكلة وتم قبضه بالجرم المشهود، كما تحولت وجنتيها إلى بتلات ورود حمراء تسر الناظرين، رفع وجهها صوبه ليردد بلين ومشاغبة، فهي ليست كتلك التي تتحداه وتنظر في عينيه مباشرة دون خوف، بل يشاهد شخصية مغايرة تمامًا لما رآه طيلة تلك المدة التي مكثها معها تحت سقف واحد :- وه راح وين لسانك ؟ يكون كلته البِسة ؟ وريني إكدة أشوف .
وما كاد أن يقترب منها مجددًا، ضربته على يده قائلة بفزع :- هتعمل إيه يا قليل الرباية ؟
ضحك بملئ فيه على لسانها السليط ذاك، هدأت نوباته ليردف بعبث :- طيب زين كنت فاكر إن البِس كله وبلعه .
جزت على أسنانها بغيظ مرددة :- بِس يستاهل قطع الرقبة قليل الحيا .
ابتسم بتلاعب فهي فهمت مرمى رسالته الخفية، لذلك قرر إكمال اللعبة إذ ردد بمكر :- قصدك تقولي إن البِسة لسانها طويل وعاوز القطع، وكلمة كمان في حقه هيكرر اللي عمله من شوية .
نتأت مقلتاها بصدمة قائلة :- تقصد إيه بحديتك دة ؟
مط شفتيه وتابع بمراوغة :- وأنتِ مالك ومال البِسة هي قريبتك لا سمح الله !
هزت رأسها بنفي وقد قررت أن تلتزم الصمت كي لا يطبق تهديده، فرددت بلجلجة وهروب منه فهي بالكاد تتحكم في أعصابها والتي انهارت في محيطه :- طيب، هروح أحضرلك الوكل .
كاد أن يصل حاجباه لسقف الغرفة، وهو يطالعها ببلاهة فخرجت كلماته تعبر عن حالته التي تعتريه :- هتحضريلي الوكل ! وه ايه الرضا دة كله ! ولا شكلك حطالي حاچة في الوكل عشان تخلصي مني .
قطبت جبينها بضيق قائلة :- ليه شايفني قتالة قُتلة ولا إيه ؟ بقلم زكية محمد
قرص وجنتها الممتلئة بمزاح قائلًا :- لاه شايفك سبع الليل فردالي چنحاتك، ولا راچل صُح .
عبست قسماتها وهي تظن أنه يسخر منها، فرددت بخفوت :- ربنا يسامحك .
قالت ذلك ثم انصرفت للداخل، ليتابعها بنظرات متعجبة ليعي كلماته التي تفوه بها، ليضرب رأسه بتوبيخ فالبتأكيد فهمته بشكل خاطئ، ليسرع من خطواته خلفها .
لم تستطع أن تحبس دموعها، فحبيبها يهينها كما يفعل البقية حينما يسخرون منها، خرجت منها شهقات خافتة وبدأ جسدها بالارتجاف، تحاول كل المحاولات أن لا يصل صوت بكائها له بالخارج .
دلف بخفة لتحل عليه صاعقة، حينما وجدها مولية له ظهرها، وجسدها ينتفض دلالة على البكاء، هز رأسه بقلة حيلة وتوجه ناحيتها، وحمحم بخفوت لتنتبه له، وبالفعل قامت بتجفيف دموعها سريعًا، ولكنها لا تعلم إنه رآها بالفعل، خرج صوتها المتحشرج قائلة بجمود :- ثواني والوكل يسخن .
قالتها وهي لا تزال تعطيه ظهرها، حتى لا يرى انتفاخ عينيها اللتين سكبتا الدموع على سطح وجنتيها، أدارها إليه بحذر ليغلق مقلتيه، يلعن ذاته لوصولها لهذه الدرجة بسببه، قطب جبينه بضيق جلي فور رؤيته لوجهها، أشاحت بصرها بعيدًا عنه وحاولت أن تستدير، إلا إنه جذبها نحوه ليعتصرها بين ذراعيه مرددًا بأسف :- مكنتش قاصد أبكيكِ، كنت بتمسخر معاكِ، مفكرتش واصل إن حديتي هيزعلك .
أردفت ببكاء ووجع مغلف بالأسى :- أنت علطول بتزعلني، إيه اللي چد يعني ؟
ربت على شعرها الناعم قائلًا بندم :- حقك علي متاخديش على خاطرك مني، أنتِ اللي نكدية مخابرش ليه !
ها هو عاد مجددًا لوقاحته في الحديث، بعد أن ظنت أنه غير منه لمراضاتها، دفعته بغيظ قائلة بحدة :- أنا مش نكدية أنت اللي لطخ .
جذبها من أسفل رأسها، وهزها بغيظ قائلًا :- وبعدين في لسانك دة ها اعملك إيه دلوك ؟ إيه رأيك أقطعهولك ؟
قال ذلك وهو يرسم ملامح الجدية، وبسمة خبيثة تنم عن نوايا شريرة، لتردد هي بسرعة :- لاه لاه أنا، أنا هبطل أقول حديت عفش ليك تاني، بس هملني .
هز رأسه بنفي، واتجه ليلتقط سكين من على الطاولة، ليرفعها في الهواء قائلًا بمكر :- لاه أنا هقطعهولك واصل عشان أضمن أنه مهيحدفش طوب تاني .
اهتزت مقلتيها برعب، وهي تتخيل بأنه يقوم بمسك لسانها، وبعدها يقطع لسانها ويمسكه بيده ويلقيه في سلة المهملات، صرخت بفزع قائلة برجاء :- لاه يا يحيى الله يخليك، مش هقول تاني مش هقول والله .
ضغط على شفتيه حتى لا تخرج صوت ضحكاته الرجولية، وجاهد في رسم معالم الجدية على وجهه، وأردف بنبرة لا تحمل إلا الوعيد :- لاه هقصهولك، كام مرة وأنا أحذرك ؟
ركضت الدموع تتسابق لتعلن ظهورها في مقلتيها، وتابعت بهمس :- يحيى وحياة بتك، طيب ورحمة مرتك اللي بتحبها ما تقطعلي لساني .
تغيرت تعابير وجهه في الحال، وفجأة تركها وردد ببرود وكأنه شخص آخر يغاير ذاك الذي كان منذ لحظات :- أنا برة على ما تچهزي الوكل .
قال ذلك ثم انصرف مسرعًا، وقد تجهمت ملامحه لتعلن عن الغضب يحتل تضاريسه، بينما ظلت تنظر في أثره وكأنها برأسين، تحاول استيعاب تغيره المفاجئ ذاك فهتفت بخفوت وغباء :- هو مش هيقطعلي لساني كيف ما بيقول !
رفعت كتفيها بعدم معرفة، ومن ثم تابعت إعداد الطعام .
★★★★★★★★★★★★★★★★★★★
تجلس برفقة والدتها التي عفت عنها أخيرًا، فعندئذ فقط أشرقت شمس دنياها من جديد، ورجعت البسمة تزين مقلتيها اللتان ذبلا منذ تلك الأحداث، وعلى الرغم من ذلك إلا أن هناك جرح لم يشفى بعد، والذي يرجع لصاحبه القاسي وما فعله، وكيف يعاملها منذ ذلك الحين، عادت بذاكرتها للخلف حيث موعد زفافها الذي كان منذ خمسة عشرة يومًا، وبالتحديد بعد أن انتهى الزفاف وصعدا لشقتهم الخاصة، ما إن دلفا للداخل وهو بذهنه ألف سؤال وها قد حانت فرصته لمعرفة ما يدور بخلده، وأن يضع النقاط على الحروف، ويقف على أرض صلبة .
جلس على الأريكة بالصالة ثم نظر لها بغيظ قائلًا بصوت أمر :- تعالي إقعدي إهنة .
تقدمت بهدوء وجلست في المقعد المقابل له والذي أشار لها بأن تجلس عليه .
تنهد بعمق قائلًا بصوت أجش :- بصي يا بت انتي عاوزك تقرِّي وتعترفي دلوك بكل حاچة مين اللي زقك علي ؟
نظرت له بعدم فهم فأردف بضجر :- مهكررش حديتي تاني كنتي بتعملي إيه في الأسطبل في الساعة إياها؟
نظرت له بتوتر حائرة بما تخبره أتخبره بأن قلبها اللعين هو من أرسلها إلى هناك وهي تسبه بداخلها و تلعن غباءها الذي كاد أن يودي بها.
انتفضت في مكانها حينما هتف بحدة :- هقعد أحدت حالي كتير قري واعترفي .
هزت رأسها بنفي قائلة بتلعثم :- أاا….مم….محدش بعتني أنا…. أنا روحت إهناك أتفرچ على الخيل .
طالعها بغيظ قائلاً :- لا والله ! والمفروض أصدقك أنا وانتي ايه يوديكي إهناك نسيتي نفسك بتتمخطري في بيت أسيادك ولا كأنه بيت أبوكي .
هتفت بوجع ودفاع :- بقولك إيه ما تتحدتش على أبوي الله يرحمه بالعفش وكلنا ولاد تسعة يا ريت تبطل الفشخرة الكدابة دي…..
لم تكمل حديثها إذ قبض على ذراعها بقوة قائلًا بغضب :- وه ولا بت الخدامة هتديني مواعظ فوقي لحالك يا بت أنتِ وأوعي تعملي لحالك قيمة فلو بيتهيألك إني قربت منك حبًا فيكِ تبقي غلطانة و محتاچة تراچعي حساباتك .
رددت بسهم حاد مغروس بصدرها، وهي تحاول أن تتملص منه :- لاه خابرة إنك عملت إكدة عشان شوفتها هي مش أنا.
اتسعت عيناه ذهولًا قائلًا بصدمة :- قصدك إيه يا بت ؟ هو…..هو . . أنا قولت إيه ساعتها؟
ابتسمت بمرار وهي تتذكر كلماته التي طعنتها بقوة قائلة :- قولت إنك بتحبني وإني حلوة قوي وطبعاً الحديت دة مكانش ليا كان ليها هي اللي انت تقصدها.
ثم أردفت بكذب :- هي مين دي صوح اللي بتحبها قوي إكدة؟
توتر قليلًا وسرعان ما هتف بحدة :- وانتي مالك هو انتي هتحققي معاي ولا إيه ! غوري من وشي….
نظرت له بقهر ثم استدارت و دلفت للداخل وهي تجر أذيال الخيبة معها فقد ظنت ذلك الملاك الذي تعلقت به رغماً عنها ولم تدري أن خلف ذلك الملاك يقبع شيطان.
شعرت بخنجر مسموم يقطع أضلعها شيئًا فشيء فكيف ستتحمل رؤية غريمتها هنا معها بنفس المنزل وكيف ستتعامل معه هو شخصيًا ؟ فهي صُدمت عندما علمت حقيقته من رائحة فمه الكريهة التي كانت تفوح منه وهي تسعى بكل جهدها أن تكون قريبة من ربها رغم اعترافها بأنه أكبر معصية، كم ودت لو تركض وتلقي بنفسها بين ذراعي والدتها وتفرغ لها تلك الهموم من على صدرها ولكن كيف وهي تعاملها منذ أن علمت بتلك الواقعة بجفاء شديد ألم قلبها بشدة .
أخذت شهيقًا عميقًا وزفرته بقوة ثم فتحت باب الغرفة المخصصة لهما وهي تبتسم بتهكم فكم رسمت العديد من التخيلات السعيدة معه ولم تتخيل أبداً ذلك السيناريو.
نفضَّت رأسها بأسى فلتترك كل شئ يسير كما هو ولترى ما تخفيه لها الأيام.
بالخارج جلس بتوتر وهو يهتف بخفوت :- يا ترى قولت إيه تاني ومقالتهوش؟ ربنا يستر على الأيام الچاية هتحمل كيف قعادها قصادي وأنا چواي نار قايدة دلوك .
ثم أردف بغضب :- كله من بت الفرطوس اللي چوة دي هي اللي حرمتني منها وعملت كيف السد إنما طلعته على چتتها مبقاش أنا.
قال ذلك ثم أخرج سيجارة و أشعلها وشرع في تناولها بشراهة وغضب وهو يغلي كالمرجل .
بعد وقت نهض بخطوات مسرعة نحو الغرفة ودلف للداخل كالإعصار وهو يبحث عنها بعينيه حتى استقر بنظره عليها ممدة على الفراش استعداداً للنوم .
توجه ناحيتها بغيظ ثم جذبها من ذراعها بعنف قائلاً :- انتي هتعملي إيه؟!
قطبت جبينها بتعجب قائلة بهدوء :- هنْعَس .
طالعها بخبث قائلًا :- لاه لسة بدري على النعس يا حلوة .
لم يمهلها فرصة لاستيعاب كلماته إذ جذبها نحوه لتغرق معه في طوفان عشقه الذي لا تعلم متى النجاة لها منه.
بعد وقت ابتعد عنها قائلًا بصدمة وهو يشير للفراش :- وإيه دة يا هانم !
أردفت بدموع :- كان بديِّ أقولكم وقتها إنك ملمستنيش في الليلة إياها بس محدش إداني فرصة أو صدقني حتى .
هتف بغضب :- يعني انتي قاصدة تعملي كل دة وتوقعيني في شباكك لأچل ما تبقي مرتي !
أردفت بدموع :- بزيداك حرام عليك انت ما بتزهقش واصل من الحديت العفش دة .
إعتصر ذراعها قائلاً بفحيح :- لاه ماهبطلش ولا هنسى إنك بعدتي بيني وبينها .
أردفت بوجع :- طيب اعمل حساب إني بقيت مرتك دلوك حتى .
طالعها بغضب قائلًا :- متحلميش كتير قريب قوي هطلقك بس أخد حقي منك الأول واشفي غليلي على اللي عملتيه فيا .
نهض من جوارها بسرعة بينما دفنت وجهها في الوسادة تبكي بحسرة على حالها.
في اليوم التالي أتت والدتها، والتي ما إن رأت دليل برائتها، أطلقت الزغاريد فرحًا، وكانت هذه البداية التي أعادت المياه الراكدة لمجاريها، تجرى في تناغم لتسقي القلوب فتزيدها خضرة ونضرة .
عادت من شرودها على كف والدتها، التي هزتها برفق لتنتبه لها، فما كان أمامها سوى أن تغتصب ابتسامة بسيطة، تطمئنها بها أن الأمور على ما يرام حتى وإن كانت مزيفة، فيكفي أن ترى ابتسامتها مجددًا بعد الذي فعلته .
★★★★★★★★★★★★
يجلس بمفرده بعد أن انصرف شقيق زوجته، دلفت هي بوجه متجهم وهتفت بعدم استحسان لما يحدث :- وآخرة دة إيه يا سالم ؟
قطب حاجبيه بعدم فهم وهتف بدوره بتعجب :- اخرة إيه دي كمان يا زبيدة ؟
عضت على شفتيها بحنق قائلة بشدق ملتوي :- آخرة أخوك وعياله اللي چوا واتزرعوا وسطينا .
نظر لها بانتباه وردد مسرعًا :- ريداني أمشيه من بيته إياك !
جعدت أنفها بضيق جلي وتابعت بتبرم :- مكانش كنت كتبت البيت ويا الأرض، كان زمانه ميخبرش يحط رجله في الدار .
تنهد بعمق قائلًا بعدم مبالاة :- دة بيته يا زبيدة، يعني يقعد كيف ما بده، وبعدين ما هو ولده أتچوز بتك مرضياش ليه عنيهم ؟
تنفست بشكل سريع وهي تشعر بألسنة اللهب تتصاعد من جنباتها، ورددت بغيظ :- أنا عمري ما هرضى على عيال أمينة، ومش هيهدالي بال غير لما يهچوا من الدار . بقلم زكية محمد
ضرب بعصاه الأرض بحزم وتابع بصرامة :- زبيدة بزيداكِ حديت ملهوش عازة، وإياكِ دماغك توزك بحاچة إكدة ولا إكدة، طالما هو مرايدش الشر يبقى هو في حاله وأنا في حالي .
ضغطت بكفها على حافة الكرسي المبطن الذي تعتليه وأردفت بكره :- بس أنا معچبنيش شوفة أمينة في وشي واصل ولا خلايفها .
نهض من موضعه قائلًا بتحفظ :- معاچبكيش المطرح خليكِ في أوضتك يا زبيدة، أنا طالع أشوف مصالحي بلاها من رط الحريم الماسخ دة .
غادر المنزل وتركها تفور حتى كانت على وشك أن تنفجر من كثرة غليانها، تطلعت أمامها بغل قائلة :- أنا وأنتِ والزمن طويل يا ….يا أم الولاد .
على الجانب الآخر كانت تقف تفكر بأمر ما، لتشفي غليلها منها فهي مستمرة على استمالته نحوها، وهي ترسم قناع البراءة بزيف ولكن بكل براعة، تعاتبه وتدلل عليه وتمارس سحرها الأنثوي عليه، وهو تارة يميل وتارة يعزف، ولكن رؤيتها لها هكذا لا يسرها، فهي تود تحويل حياتها لمرار ولا تعلم أنها كذلك بالفعل، فليس كل ما هو ظاهر للعيان يُصدّق، فأحيانًا نخفي أوجاعنا تحت رداء ابتسامة مزيفة، لنتجنب الكثير من الأسئلة التي لا نود التطرق إليها .
نظرت أمامها وجدته مقبلًا نحوها، ولحسن حظها وسوء حظها كانت تمر هي أيضًا في طريقها للأعلى، فأسرعت الأخرى تصرخ بخبث وهي تجلس أرضًا، تضع يدها على كاحلها وتتظاهر بالألم، ابتسمت بخبث حينما رأته يركض نحوها وهي ترى اللهفة بعينيه تسبقه، لتحول نظرها للجانب الآخر وترى الأخرى التي تقف جامدة تتابع ما يحدث، بروح مليئة جدرانها بالندوب، دموعها تتراقص في مقلتيها لطالما رأت نظراته تلك، التي لم تجربها أبدًا ويبدو إنها لن تفعل، وضعت يدها على ثغرها، تحبس تلك الشهقة التي كادت أن تتحرر من محبسها، وهي تراه يحملها والأخرى تشرأب بعنقها نحوها، تطالعها بنظرات ماكرة مغمورة بالتشفي، وكأنها ترسل لها رسالة تنص على، أنه ملكها مهما فعلت قلبًا وقالبًا .
لم تستطع الصمود إذ توارت خلف الجدار، تضع يدها على قلبها تهدأ من روعه، فهو على حافة الموت يعاني سكراته الموجعة، جثت أرضًا تشاطر قلبها ومقلتيها الحزن، بمفردها فلمن ستذهب وتفرغ ذلك الثقل الذي يقف كجبل شامخ فوق صدرها، والدتها التي ادعت أمامها بالسعادة المفرطة بالصباح، ولا من ؟ فهي لا تعرف غيرها، كلما تذكرت المشهد وعيناه اللتان كانتا تفيضا قلقًا ولهفة، تشعر بنار هوجاء تضرمها من جميع الانحاء، لم تبكِ ؟ تساءلت بداخلها ؟ أليس ذلك من عاهدك فؤادكِ الخائن بأنه يمقته وما عاد له مكان بداخله ؟ لم تحترقين لرؤيتهم هكذا ؟
والإجابة واضحة فحينما يطغي القلب على العقل، يقيده بأصفاد ويمنعه من التفكير، ويملي عليه كل ما يرغب به، فإذا تعلق الأمر بالحب، فالعقل في رحلة بدون عودة .
★★★★★★★★★★★★★★★
في صبيحة يوم جديد، تسير بخطوات تحاكي خطوات الرجال، متنكرة في الزي الخاص بهم، إذ ارتدت جلباب وعمامة كما حال رجال القرية، وضعت يدها على جيبها تتأكد من وجود ما احضرته، عيناها تنم عن شر ستخاطر بحياتها، فلا يهم الآن سوى أن تسترد حقها منه، توارت خلف الأشجار لتلمحه يسير في الأراضي الخاصة بهم، ولحسن حظها أن المكان فارغ عدا هو وإياه، أخرجت السكين التي بحوذتها، والتي نوت أن تنحر رقبته بها، بعد الذي حدث لأخيها بسببه وايضًا بسببها، وما يعانيه والدها من فقد له ومن أسى عليها، لن تترك هذا يذهب سدى دون أن تقتص لأجلهما، لا مجال للعودة بعدما وصلت لهنا، فلتكمل خطتها على أكمل وجه، وترحل دون أن يراه أحد، فقدت جميع ذرات تعقلها ولم يتبقى لها سوى الجنون، الذي يحتل قاعدة لبها يوسوس لها بالانتقام، نعم الانتقام وهذا ما ستفعله، أخذت تقترب بحذر منه وقد ساعدها أنه يوليها ظهره ويتحدث بالهاتف، اقتربت لحد لا يسمح لها بالتراجع، أخذت يدها وضع الاستعداد لتنقض عليه، لتتفاجئ بمن يكمم فيها ويقبض على معصمها، متوجهًا بها لداخل ذلك المحصول، ولأبعد نقطة كي لا يراهم الآخر ………

يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وجلا الليل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *