روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثاني و الستون 62 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثاني و الستون 62 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثاني و الستون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثاني و الستون

قلبي و عيناك و الأيام

قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثانية و الستون

~… نوبة نسيان أجباري!…~
كمن سقط على رأسه الثلج فجأة تجمد جسد ليلى وعينيها متسعتان بذهول.
فأكدت جيهان معرفتها بالحقيقة الدفينة :
_ من غير كتر أسئلة وعرفتي منين وأمتى وهكذا … لأنها أسئلة مالهاش لازمة وتضييع وقت على الفاضي، اللي عايزاه منك تمشي من هنا وتخلي وجيه يجيبلك شقة برا …
لم يكن أي شيء يعني لليلى أكثر من صدمتها بمعرفة جيهان تلك الحقائق … فقالت بصوتٍ مرتجف وكأن الأرض أصبحت تدور أسفل قدميها :
_ لأ لازم أعرف عرفتي منين ! … ومين اللي قالك أني اغتصبت ؟!… محدش قربلي ولا ده حصلي!
مالت بسمة جانبية ساخرة على شفتي جيهان وقالت:
_ كنت متوقعة تقولي كده، بس لو دي الحقيقة مكنتيش خبتيها عن وجيه ولا كنتي وافقتي تتجوزي اللي اسمه صالح ده من البداية ! …
صرخت ليلى باكية برجفة عنيفة تنهش جسدها وانتفضت بعنف :
_ محصلش أنا محدش قربلي ! …
توترت جيهان من صراخها وخشيت أن تقلب المنضدة فوق رأسها وتظهر بموضع المتآمرة الشريرة … فقالت وأخفت قلقها:
_ حصل ولا محصلش ده مش موضوعي، المهم عندي تنفذي اللي قولتلك عليه.
ضيقت ليلى عينيها المليئة بالدموع وهي تعقد ذراعيها حولها وتقاوم موجة من الارتجاف كأنها محمومة … وقالت :
_ ولو مانفذتش هتعملي ايه ؟!
ابتلعت جيهان ريقها بتوتر ووميض ينخزها بالندم والشفقة على ليلى، فهي وأن حدث لها ذلك ستكن ضحية قاست الأمرين …. وقالت وهي تريد انتهاء هذا الحديث بأسرع وقت والهروب من هنا:
_ فكري في اللي قولتهولك يا ليلى.
وبالفعل استدارت جيهان واسرعت من أمام ليلى وخرجت من الغرفة وتوجهت لغرفتها بالطابق الثاني مباشرة.
ضاع هدوء ليلى وثباتها وبعض القوة التي بدأت تعود لها … ارتجفت بعنف وسقط جسدها على الفراش وهي تتنفس بسرعة مخيفة وعينيها باكيتان … ثم تسحبت بالفراش لتجذب هاتفها وسجلت بصوتها رسالة عبر أحدى تطبيقات المراسلة وتم الارسال بالفعل إلى طبيبتها لتأتي .. واخبرتها سريعا وباختصار ما حدث مع جيهان …
ثم بعد دقائق قليلة ساءت حالة ليلى بدرجة خطيرة
وشبح ماضي أسود مخيف كلما اقتربت منه كلما انتكست حالتها التي تحبو بأولى خطوات الشفاء.

 

 

*******
كان وجيه يتشارك المزاح مع الفتيات وهم مجتمعون حول مائدة الافطار … حتى صمت وهو ينظر للدرج بحيرة وقال :
_ ليلى وجيهان اتأخروا كده ليه على الفطار!
قال الجد رشدي له :
_ اطلع شوف إيه اللي أخرهم طيب .
نهض وجيه وهو ينظر لساعة معصمه السوداء ليتأكد أن لا زال متسع من الوقت ..
وعاد الجد رشدي للفتيات بابتسامة ماكرة وهمس:
_ لسه مصممين على الشغل ولا خلاص كده ؟!
قالت جميلة وهي تنظر لجاسر الذي غمز لها بنظرة شديدة المكر وابتسامة أكثر مكرا :
_ طبعا لسه مصممين يا جدي، وأنا وأخواتي اتجمعنا امبارح بليل بعد الحفلة واتفقنا نبدأ بعد يومين كده.
قال جاسر وهو على حاله:
_ المستشفى هتنور والله … بس استنوا شوية عشان نتأكد من موضوع الفيرس ده … أخاف عليك يا بطل.
حدجته جميلة بحدة فقال لها ضاحكا :
_ ومين يلومني بقا وأنتي مراتي !
وضحك الفتيات والشباب على ثنائي القط والفار جميلة وجاسر ….
**********
كان سيتابع وجيه خطواته للطابق الثالث ولكن توقف … فجيهان زوجته بهذا الطابق ، فتوجه لها كي يحسها على الاسراع فقد تركها تستعد للنزول.
وكانت جيهان تطوف الغرفة جيئة وذهابا وهي تضرب قبضتيها ببعض وعينيها باكيتان بشدة ….
ثم حين أخرى تضع يدها على رأسها وتضغط عليه كأنها تمنع قنبلة من الأنفجار أو الأشتعال المتأهب …
وقالت مصدومة بنفسها وهي تبكي وتكتم دموعها :
_ أنا عملت كده أزاي وليه قولتلها كده ! …. أزاي يوصل بيا الأمر أني اهددها تمشي والا هفضحها ! ..
توقفت فجأة ونظرت لأنعكاس صورتها على المرآة ورأت وجهها فثارت غاضبة … وشعرت بحالة غريبة من الكره الذاتي ولم يكن في متناول يدها سوى وسادة صغيرة على مقعد قريب …
فأخذتها ودفعتها اتجاه المرآة في غضب وشراسة وهي تلعن وتسب نفسها.
ولولا أن الوسادة الصغيرة ليس من قوتها أن تحدث فارق لكانت المرآة تهشمت لو دفع اتجاهها شيء صلب غير الوسادة.
وفتح وجيه بعد بلحظات باب الغرفة ورآها وهي تقف باكية بهذا الشكل … فتوجه نحوها بقلق وقال :
_ بتعيطي ليه يا جيهان ؟!
نظرت له جيهان وكم ودت لو تعترف بذنبها ، ولكن أن اعترفت ستعترف بكل شيء ومن ضمن الاعتراف سيكن ما تخفيه ليلى …. وهي بالاساس لم تكن لتخبره وما كان سوى تهديد لليلى فقط …. فابتلعت ريقها بصعوبة شديدة وهي تبتعد عنه وتدير له ظهرها …. فجذبها من معصمها لتنظر إليه وقال معتذرا بصدق:
_ لو زعلتي من عصبيتي عليكي امبارح فأنا أسف … بس أنتي اللي مصعبة الأمور علينا يا جيهان … طب تعرفي أن امبارح لما اتصلتي بيا ليلى وقفت في صفك واديتلك الحق في زعلك… صدقيني سبب رفضي هو أن ليلى فعلا محتاجة وجود عيلتي معاها عشان مرضها … مش مجرد أنها رغبتي .
وقفت الكلمات بفم جيهان وامتلأت عينيها بالدموع وهي تنظر له بألم غامض لفت انتباهه بشدة … فعبس وجه وجيه وقال بضيق :
_ أنا زعلتك للدرجة دي !
واستطاعت جيهان التحدث بصعوبة :
_ لا يا وجيه … أنا اللي المفروض اتأسفلكم .
تعجب وجيه بعض الشيء من غرابة ردها … ولكنه تجاوز شعوره بالحيرة وقال مبتسما بهدوء :
_ طب يلا عشان نفطر سوا كلنا ، العيلة كلها مستنية تحت حتى أم البنات …
وخرجت جيهان معه بخطوات كانت ستتعثر بكل حركة … وعند بداية أول خطوة للهبوط قال لها مستأذنً :
_ هشوف ليلى واحصلك عشان اتأخرت برضو ، مش عارف ليه كسلانين انتوا الاتنين النهاردة كده !
وشاكس جيهان على رأسها بابتسامة واسعة وابتعد ، وارتفع معدل سرعة دقات قلبها وأنفاسها خوفا … هي الآن من ترتعب من كشف الحقيقة التي لا تخصها بالأساس !
**********
دلف وجيه للغرفة وهو مبتسما بلهفة وأشتياق شديدان حتى تبدلت ابتسامة لصدمة عنيفة وهو يرى ليلى ساقطة على ظهرها على الفراش ويديها ملتفتان حولها بأحكام كأنها تستنجد للدفء من طقس بارد … بينما عينيها مفتوحتان على آخرهما وينزلق منهما الدموع الغزيرة وهي تنظر لسقف الغرفة وجسدها ينتفض بعنف.
ركض وجيه اليها في ذعر وهو يصرخ :
_ ليــــلى ! … فيكي ايه ، وايه اللي حصلك ؟!
ورفع ظهرها عن الفراش وهو يربت على جانب وجهها بسرعة وبرفق وهو يناشدها برجاء :
_ ليلى ارجوكي فوقي !
وسقط رأس ليلى للخلف وجسدها يزداد ارتجاف ويبدو أنها تعاني من نوبة قاسية من نوبات الصرع والهلع!
حملق وجيه فيها وقلبه كاد يتوقف رعبا عليها … حتى تركها وجذب وسادة مسطحة ووضعها برفق أسفل رأسها ثم نزع عنها حجابها وابعده كي يسهل أخذ أنفاسها بأكثر حرية … فتلك النوبة ستأخذ دقائق وستزول كما أخبرته الطبيبة.
وكان العرق يتصبب من جبينها وجسدها بدا وكأنه محموم ! …. وأخرج وجيه من جيب سترته هاتفه الخاص وأجرى اتصال سريع على رقم الطبيبة التي اجابت بنفس الدقيقة … وحينما أخبرها بحالة ليلى وهو تخرج منه الكلمات بصعوبة، وكانت ليلى هدأت واغمضت عينيها في حالة تشبه الأغماء تمامًا … فقال :
_ ليلى جاتلها النوبة … لازم تجي فورا ، ارجوكي .
ودهشت الطبيبة مروة وقالت بعجالة:
_ طب أنا في عربيتي دلوقتي ، نص ساعة بالضبط واكون عندك بس ياريت زي ما فهمت حضرتك قبل كده … اتعامل معاها لوحدك ومتخليش حد يشوفها في الحالة دي عشان نفسيتها .
بدأ العرق يتصبب أيضا من جبينه وهو ينهي الاتصال ويلقيه جانبًا … ثم نظر لليلى التي سكن جسدها كالجثة الهامدة وعينيها مغلقتان الا قليلا … فهمس لها بلهفة وخوف يرتجف بعينيه وصوته:
_ ليلى أنتي بخير ؟!
وبينما وهو يمرر يده على وجهها وجد ملمس بشرتها ساخن لدرجة الخطر …. فلم ينتظر إجابتها ونهض راكضا حتى أتى بمنشفة مبللة بالماء البارد وبدأ يمسح وجهها بلطف شديد.
وبدأت تهمس بصوته وتغمغم كالمخدرة … وتستفيق رويدا رويدا … نظر لها وجيه بعاطفة جامحة وقبل رأسها هامسا بألم :
_ أنا جانبك يا حبيبتي ما تقلقيش.
نظرت ليلى بعينان ذابلتان اليه، وفر منهما الدموع ثم قالت بصوتٍ واهن متقطع:

 

 

_ حصلي ايه ؟
هز وجيه رأسه بالنفي بعينان يلتمعان وقال:
_ محصلش حاجة أطمني …
وكانت ليلى تمر بحالة تشوش في ذاكرتها بسبب الخلل الذي حدث وأدى لنوبة من الصرع والهلع العنيف جعلتها تفقد ما حدث … وكيف أتت لها النوبة ولماذا !
فكثيرا ما كانت تفقد الساعات القليلة ما قبل النوبة .. وتستيقظ وتحاول استرجاع ما حدث ولكن دون فائدة .
فالنوبات الصرعية تمنع الدماغ من تسجيل الذكريات الأخيرة وتخزينها، ويمكن أن يتذكر المريض تدريجيًا وربما لا يتذكر إلا القليل بعد مرور الوقت.
شعرت ليلى بموجة أخرى من الارتعاش ولكن هذه المرة بسبب ارتفاع درجة الحرارة …. وانتبه لها وجيه فأسرع بسحب الأغطية عليها وتدفئتها جيدًا …. فهمست بألم وهي تضع يدها على رأسها :
_ دماغي بيوجعني أوي ، صداع مش طيقاه.
ربت على رأسها بحنان ثم همس لها :
_ نامي على جانبك … وهبعت اجيبلك الفطار عشان اقدر اديكي مسكن للألم ..
قالت له بقلق وخوف:
_ حد شافني وأنا بالحالة دي ؟
هز وجيه رأسه بالنفي وقال بتأكيد:
_ لأ طبعا يا ليلى ، محدش شافك نهائي ولا حد حس بحاجة اصلا …. وأنا مش هقول وكأن محصلش حاجة، وفعلا محصلش حاجة أطمني.
أطرفت عيني ليلى عليه وهي تعرف أنها بحالتها جعلته يرتعب عليها ولكنه لا يريد الافصاح … فاقتربت بجسدها الثقيل الى صدره وتمسكت به وهي تبكي بقوة … فكأنما انتظر وجيه ذلك القرب وأخذها بضمة قوية بين ذراعيه وربت على رأسها قائلا لتهدأ:
_ لو العياط هيريحك .. عيطي…بس الدموع هتصدعك أكتر للأسف.
وشهقت ليلى من البكاء دون كلمة حتى هدأت بعض الشيء واستمرت بين ذراعيه لوقتً طويل ساكنة تمامًا ….
وقد أنتهت وجية الافطار الذي تعجب فيها الجميع بعدم نزول العم وجيه وزوجته ليلى … ولكن أقرب الظنون كان يميل للاتجاه الماكر ولم يدع الجد رشدي احدًا يصعد لغرفته ابنه وجيه بل أمر بتركه وشأنه.
وشردت جيهان طيلة وقت الافطار ولم تأكل تقريبًا وذهنها يرسم جميع السيناريوهات التي تحدث الآن مع ليلى ومما آلت إليه الأمور … وصعدت غرفتها سريعا وظلت تجوب الغرفة جيئة وذهابا حتى استقرت أمام النافذة ووقفت شاردة تمامٌا بحزن شديد.
ولكن ما أخرجها من شرودها هو رؤية الطبيبة النفسية تخرج من سيارتها أمام البوابة الكبيرة وتتوجه شبه راكضة نحو المبنى ….
وهنا ابتعدت جيهان عن النافذة كأنها ترى شبحا ووضعت يدها على فمها من البكاء …. وقالت بندم حقيقي:
_ يبقى ليلى حصلها حاجة … أنا عمري ما هسامح نفسي أبدًا .
********
ووجد وجيه دقات على باب الغرفة، وكان أصعب شيء الآن ممكن يفعله أن يبتعد عنها وهي تتشبث به هكذا … ولكنه رغما ابتعد وفتح الباب ليجد حميدة تقف بعيدة عن واجهة الباب مباشرة وتحدثه ببعض الحياء:
_ الدكتورة مروة بتسأل عن أم ريميه يا عمي.
تنهد وجيه بعمق ثم قال وبدا عليه ارهاق شديد وحزن يغمر عينيه تعجبت منه حميدة :
_ خليها تطلع هنا …
دهشت حميدة وقالت للتأكد :
_ اطلعها هنا ؟!
اكد وجيه ببعض العصبية :
_ ايوة طلعيها هنا فيها ايه ! ..
اومأت حميدة بالايجاب وقالت وهي تبتعد :
_ خلاص ماشي … هروح اجيبها.
أوقفها وجيه متحكما بأعصابه قليلا :
_ لو سمحتي يا حميدة خلي حد يطلع الفطار لليلى وخليه يعمل حساب الدكتورة مروة معاها … وفنجان قهوة سادة ليا.
هزت حميدة رأسها بالايجاب مجددا وتابعت سيرها لأسفل ….
وعندما صعدت الطبيبة مروة لغرفة ليلى تركتها حميدة تقف مع وجيه أمام الغرفة وانسحبت وبداخلها ريبة مما بحدث …
قالت مروة بقلق وهي تدفع باب الغرفة:
_ هدخل أشوفها حالا يا دكتور .
ونظرت لها ليلى وهي مضجعة على جانبها الأيسر اتجاهها ، فاقتربت منها مروة ثم انحنت عليها وربتت على رأسها مبتسما وقالت:
_ أنتي بخير يا ليلى مافيش حاجة … صدقيني أنتي بخير.
وكانت ليلى تمر بحالة من الكآبة والتعاسة لشيء يعصر قلبها دون أن تعلم ما هو …. فنظرت لها الطبيبة للحظات بشك وابتعدت لخارىج الغرفة وقالت لوجيه بعصبية:
_ مين اللي وصلها للحالة دي يا دكتور ؟! …. أنا عارفة كل حاجة عن حالة ليلى وهي ما توصلش لكده غير لما تكون اتعرضت لموقف مقدرتش تتحمله.
قال وجيه بتأكيد :
_ محدش عملها حاجة وما اتكلمتش مع حد اصلا ، أنا طلعتلها عشان انزلها للفكار لقيتها كده ومكنتش شافت حد لسه !
قالت مروة بعصبية وشدة:
_ متأكد ! ….
صمت وجيه وبدأ يساوره الشكوك من عصبية مروة …. حتى قالت الأخيرة :
_ للأسف أني حتى مش هعرف اللي حصل لأن كالعادة هلاقيها ناسية آخر مواقف حصلت معاها … نوبة الصرع بتمنع المخ يسجل آخر مشاهد المريض شافها … يعني اكيد هي ناسية دلوقتي اللي وصلها لكده !
تأكد وجيه من حديثها وتذكر أن ليلى بالفعل لا تعرف ما أودى بها لتلك النوبة الشرسة … فقال بحيرة:
_ هي فعلا ناسية ، بس محدش والله كلمها ولا حتى كانت لسه نزلت من أوضتها النهاردة.
زفرت مروة بضيق شديد ثم قالت :
_ طب ممكن أقولك اقتراح هيفيدها جدا الفترة دي .. خد ليلى وبنتها المستشفى وتقعد هناك كام يوم بعيد عن هنا تمامًا …. وكمان تبقى جنب والدها ودي كانت رغبتها في الأساس يعني شيء هيدعم نفسيتها أكتر … رأيك إيه ؟
وافق وجيه على الفور وقال:
_ طالما ده في مصلحتها أنا موافق من غير تفكير ، بس الأول تفوق وتقدر توقف على رجليها …
قالت مروة :
_ هي هتاخد اليوم راقدة وتعبانة شوية … بس بكرة هتبقى احسن وهترجع عادي بالتدريج….بس خلى بالك يا دكتور أن النوبة دي بترجعني شهور في مرحلة علاجها … وأنا لسه متأكدة أن ليلى اتعرضت لشيء وصلها كده ..
ابتلع وجيه ريقه المرير وقال بأسف:
_ ايه بس اللي اتعرضتله ويكون وصلها للحالة دي ؟! … لو شوفت حد بيعاملها وحش مكنتش هرحمه ولا هيفلت من تحت ايدي بس فعلا محدش عملها حاجة !
ضيقت مروة عينيها بتفكير وشعرت أن جيهان لها علاقة بالأمر … فهي الوحيدة التي تكدر صفو حياة ليلى بالوقت الراهن .
وعندما انفردت مروة بليلى وانسحب وجيه لمكتبه مقررا الغياب اليوم من العمل …. جلست مروة قبالتها وقالت وقد رسمت ابتسامة بسيطة وأشارت للطعام الذي أتى منذ قليل:
_ لازم تفطري عشان تقدري تاخدي مسكن وتتحسني.
اعتدلت ليلى بفراشها في بطء شديد وقالت بألم وهي تحسس على جبينها:
_ راسي تقيلة أوي وصداع بشع ….
راقبتها مروة وابتلعت ذلك السؤال الملح … فقالت ليلى عندما نظرت لها وانتبهت عليها:
_ اكيد عايزة تسأليني كالعادة ايه اللي حصل عمل فيا كده ؟! …. وهرد عليكي برضو كالعادة وأقولك أني مش فاكرة حتى صحيت أمتى وعملت ايه بعدها !
دهشت الطبيبة مروة لشيء ووثبت من مقعدها محدقة عينيها بدهشة في وجه ليلى … ثم قالت :
_ يعني أنتي فاكرة أني كنت بسألك وفاكرة ردودك عليا ! …. ليلى أنتي مكنتش بتفتكري الحاجات دي في المرات اللي فاتت !
ذهنك كان مشوش جدا كل مرة وبتقعدي بالأيام تايهة على ما تبدأي تفتكري بعض الأشياء….
نظرت لها ليلى وكأنها طالت املا محلقا للأعلى …. حتى سألت مروة لتتأكد :
_ طب أنتي فاكرة حصل ايه امبارح ؟
نظرت لها ليلى لثوان ثم اخبرتها بجميع أحداث الأمس … فتنهدت مروة وتنفست الصعداء ببعض الغيظ وقالت :
_ كان البرنامج العلاجي بتاعي ماشي تمام التمام لولا اللي حصل ده …..عمومًا ما تفكريش كتير وأن شاء الله ربنا يكتبلك الشفا ..
التمعت عين ليلى بالدموع وقالت:
_ صعب عليا أعيش مع المرض ده ، افرضي في موقف لازم اتحرك فيه واعمل حة يقوم يحصلي كده ! …. أنا مش فاكرة حتى عملت ايه لما صحيت ! وإيه اللي ممكن يكون وصلني لكده !
قالت مروة بشك :
_ ليلى أنتي شوفتي جيهان النهاردة ؟ …. حاولي تفتكري .
عبس وجه ليلى بحيرة شديدة وضيق ، ثم قالت :
_ جيهان مش بتجيلي هنا خالص ومجتش غير قليل وعشان وجيه ….
فقالت مروة بتقطيبة وحيرة:
_ ودكتور وجيه اكدلي أنك ما نزلتيش اصلا ولا حد اتعامل معاكي النهاردة ولا حتى شافك …. يبقى ايه اللي حصل ؟!
تأججت الحيرة بعينان ليلى حتى قالت الطبيبة مروة بدعم :
_ هتفتكري …. بس مع الوقت، ولو ما افتكرتيش يبقى احسن ويمكن محصلش حاجة اصلا والنوبة جاتلك من غير سبب …. عموما أنا اقترحت على دكتور وجيه يجيبك المستشفى تقعدي فيها يومين بعيد عن هنا … وأنا هلازمك ليل نهار هناك …. تريحي أعصابك وترجعي تاني بألف سلامة.
قالت ليلى بتيهة :
_ أنا فعلا محتاجة اكون جنب أبويا شوية …
قالت مروة مبتسمة :
_ يبقى أفطري وخدي مسكن عشان تفوقي كده وتقدري تقومي وتحضري نفسك لكام يوم كده بعيد عن هنا ….

 

 

********
وبأحدى الشقق بالأحياء الشعبية البسيطة ….
سمعت فرحة دقات على باب منزلها الصغير ولكن تجاهلتها وأمرت شقيقها بتجاهلها أيضا… فشعرت بدقات أعلى تصدح داخل قلبها …
كانت جالسة بغرفتها ومدثرة أسفل الفراش وشقيقها بجانبها يحدثها قائلا :
_ كان يستحسن نقول لزايد أننا هنمشي من المستشفى يا فرحة بعد ما سمحولك بالخروج ! ..
أجابت فرحة وعينيها شاردتان للبعيد :
_ كتر خيره لحد كده ….
فقال حسام مزفرا بتقطيبة علت ملامحه :
_ بعد اللي عمله معانا على الأقل كان ….
هتفت فرحة بصوتها المتعب بشقيقها وقالت :
_ أنسى الموضوع ده يا حسام، أنا لا شبه ولا حياتنا شبه بعض …
قال حسام بتصريح :
_ بس حاسس أنك معجبة بيه ، وأنا شايف أنه شاري ، يبقى ليه العناد ؟! نفسي أشوفك فرحانة يا حبيبتي ومبسوطة ….
ارتفع صوت الدقات بشكل مزعج … فقال حسام وهو يقف مستندا على عصاه:
_ هروح أفتحله … اكيد هو أنا متأكد.
لم تمنعه فرحة هذه المرة وتركته يذهب …. تركته وهي تتمنى أن يكون هو زايد …. وعندما فتح حسام باب الشقة المتهالك نظر له زايد بنظرة عتاب طويلة وحادة …. فطأطأ حسام رأسه وقال بضيق:
_ عارف أنك زعلان … بس هي صممت تمشي الفجر.
قال زايد بصوتً حاد كالسيف :
_ مكنتش همنعها، بس ما اقلبش المستشفى عليها واعمل ١٠٠ مشكلة على ما عرفت أنها سابت المستشفى!، وده عشان مكنتش عايزاني أعرف أنها مشيت ! …
وهتف عاليا لكي تسمعه :
_ أنا عرضت عليكي الجواز ومجاوبتنيش واتهربتي مني، ولما حسيت بحيرتك وخوفك عرضت عليكي تشتغلي معايا في الشركة وتعرفيني أكتر … وتكوني في أمان وتحت عيني …. وبرضو مجاوبتنيش ! …. بس أنا جاي النهاردة عشان أقولك أن من الاسبوع الجاي شغلك معايا هيبدأ وخلي حد يكلمك قبلها … ومش هقبل برفضك تحت أي سبب.
ونظر زايد للصبي حسام وهو يتكأ على عكازه وقال له:
_ أسف يا حسام …. بس أنا طلبتها منك رسمي وشايف أنها مش رافضة ومعرفش ليه خايفة ! …. بعد أذنك.
غادر زايد دون حنة أن يرها ، فأغلق حسام باب الشقة في تفكير عميق …. ولولا معرفته بزايد وما فعله معهم بتلك الأيام الفائتة وطلبه الزواج منها مباشرة لما كان سيسمح له بهذا التصرف.
وعاد حسام لغرفة شقيقته ليجدها تبك وتمسح دموعها … والغريبة أن تلك الدموع رافقها ابتسامة !
#قلبي_وعيناكِ_والأيام
#رحاب_إبراهيم_حسن
تفتكروا الدكتورة مروة هتعرف اللي حصل منين ؟

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *