روايات

رواية براثن اليزيد الفصل الثالث عشر 13 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد الفصل الثالث عشر 13 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد البارت الثالث عشر

رواية براثن اليزيد الجزء الثالث عشر

براثن اليزيد
براثن اليزيد

رواية براثن اليزيد الحلقة الثالثة عشر

“الإعتراف بعد المشقة جعلها تُحلق في السماء
عاليًا كالطيور الذي تُغرد بسعادة لحصولها
على الحرية بعد السجن”

مرت بضعة أيام عليهم وهي مازالت تفكر من الذي قد يفعل بها ذلك الشيء؟ وقف عقلها وهي تحاول أن تعثر على فكرة واحدة تدلها على الفاعل ولم تجد حتى أنها فكرت بـ “إيمان” ربما تكُن هي من فعلتها ولكن جديًا وجدت أن “إيمان” من أين لها بثوبٍ راقي باهظ الثمن مثل هذا، نعم تستطيع أن تأتي بالمال ولكن ذوقها ليس راقي هكذا غير أنها محجبة إذًا كيف ستتعرف على مثل هذه المحلات؟.. وتعتقد أيضًا أنها لا تعلم محلات لمثل هذه الملابس في خارج بلدتهم فمؤكد لا يوجد بداخلها فساتين كهذه لا يرتديها سوى أشخاص في مجتمع راقي يحمل الرفاهية ولا تهمهم أن كانت الملابس محتشمة أو لا..

هي حتى تعجبت من أين لـ “يزيد” بثوب كهذا وهو لم يخرج من البلدة ربما من على إحدى المواقع؟ ولكن ليس هو، هل من الممكن أن تكن “إيمان” هي من أتت به من على إحدى المواقع؟ لا هي أيضًا ليس لها بهذه الأشياء إذًا من يكون؟ حتى أن “يسرى” فكرت معها عندما قالت لها “مروة” ما حدث بعد أن تمت الخطبة على خير ولم تجد فاعل لهذه الفعلة الدنيئة، فـ والدتها لا تستطيع فعل شيء كهذا ولا شقيقها ولا عمها، الشكوك تدور حول “إيمان” فقط ولكن أيضًا شكوك ضعيفة..

لو فقط تجد الورقة لعلمت من فعلها ولكن وكأن الأرض ابتلعتها هي والصندوق ولم تجد لهم أثر، ما كسرها حقًا هو تفكير زوجها بها لم تكن تعتقد أنه سيقول مثل هذه الكلمات المسمومة، حديثه عن ملابسها المكشوفة أهانها حقًا فأول مرة قد قال لها على تلك البلوزة ولم تعد ترتديها مرة أخرى لأجله، وفي المرة الثانية عندما انخفضت للأرض بجسدها انخفض الثوب لأسفل وأخيه يدلف من البوابة وهذا لم يكن بقصدها ثار عليها دون حق فهي لا ترتدي إلا المناسب لها وفي آخر مرة عندما كانت تهبط لأسفل بثوب قصير اعترض طريقها ولم تعترض!..

تفعل كل ما يقوله ويظن بها السوء!.، يقول أنها من افتعلت كل ذلك لترتدي ذلك الثوب المفتوح والملتصق بجسدها وهي فعلت ذلك فقط لترضيه!، غضبه وثورته عليها دائمًا ما يكونوا مصحوبين بكلماتٍ مسمومة تسمم روحها، ولكن ما حدث من نقاش بينهم بعد الخطبة أظهر إليها أنه يحاول التخفيف من حدة كلماته ولكنه إلى الآن مازال غاضبًا..

“قبل بضعة أيام”

بعد إنتهاء الخطبة على خير دلف كل فرد منهم إلى غرفته لينالوا قسطًا من الراحة، بينما هم صعدوا إلى غرفتهم دلفت هي ودلف “يزيد” من بعدها مغلقًا الباب خلفه بحدة، سريعًا ذهبت ناحية الدولاب وأخرجت ملابسها ثم تقدمت من المرحاض لتختفي بداخله حتى تبدل ثيابها..

رأها وهي تهرب منه ومن مواجهته علم ذلك جيدًا، جلس على الفراش ينتظرها حتى يتحدث معها فيما حدث قبل أن يهبطوا إلى الأسفل، نظر إلى الفستان الملقى على الفراش أمامه وتذكر كم كان رائع حقًا عليها، أليس ذلك اللون الذي يبغضه؟ ولكنه أحبه وبشدة عندما رآه يعانق جسدها ويرسمه له بدقة وقد كان وكأنه فُصل عليها هي دون الآخرين، لكن تفكيره بها جعله يفكر أيضًا إن كان حديثها صحيح وهناك من أحضره فمن سيكون؟ مؤكد أنه ليس هو، هو لم يحضر شيء إليها فهي قد اشترت ثوب لها مع يسرى وقد رأه قبل ذلك، هل ممكن أن تكون والدته من فعلتها لتحدث مشكلة بينهم؟ ولكن والدته لا تعلم بهذه الأمور أبدًا هل من الممكن أن تكون “إيمان” من فعلتها ذلك محتمل لأن “يسرى” لن تفعل ذلك أبدًا..

وجدها تخرج من المرحاض متجهة إلى الفراش دون أن تنظر إليه ولو حتى بطرف عينيها، مرتدية بيجامة بنطالها طويل وواسع أيضًا وكذلك بلوزتها ذات الأكمام الكبيرة والواسعة، نظر إليها باستغراب وتعجب من مظهرها فهذه أول مرة تفعلها وترتدي مثل هذه الأشياء حتى لم تفعلها في أول زواجهم!..

جلست على الفراش ثم استلقت في مكانها المعهود وأولته ظهرها، تحدث سائلًا إياها باندهاش:

-ايه اللي أنتِ لبساه ده؟

أجابته بحدة وتهكم ولم تتحرك من مكانها متذكرة حديثه واهانته لها:

-ده اللبس اللي بيعجبك

وقف على قدميه ثم استدار حول الفراش بحدة ليمد يده جاذبًا إياها من عليه فوقفت أمامه بتوتر بينما تحدث هو بعصبية:

-أيوه ده اللي يعجبني لما يكون في حد غيري معاكي ولا عايزاني أفرح لما ألاقيكي لابسه عريان قدام الناس؟

رفعت سبابتها أمام وجهه تحدثه بنفاذ صبر وحدة فقد قال حديث كثير لم يحاسب عليه وأعتقد أن سكوتها عنه ضعف منها:

-أنا مش بلبس عريان يا يزيد لاحظ أنك قولت كلام كتير غلط في حقي وأنا ساكته علشان بس مقدرة أنك متعصب لكن الموقف ده أنا اتحطيت فيه غصب عني وكل ده علشان خاطر بس مزعلكش وارضيك بس شوف أنتَ بتكلمني إزاي

ضحك بتهكم وسخرية فـ حديثها يثير شفقته، أفعلت ذلك لأجله غبية هل تصدق أنه يأتي إليها بمثل هذا الثوب من الأساس!..:

-هو أنتِ مصدقة نفسك بتقولي ايه؟ أنا إزاي هجبلك حاجه زي ده بأي عقل قوليلي

صرخت بوجهه بعصبية وحدة بعد أن وجدته لا يصدق حديثها وكأنها حقًا فعلت ذلك عمدًا:

-أنتَ ايه ياخي بأقسملك بالله إني لقيته هنا ومعاه ورقة مكتوب فيها أنك عايزاني ألبسه واستغربت أنك إزاي تجيب حاجه زي ده بس في الآخر لبسته علشانك.. علشان فكرت أنه أنتَ وإني المفروض مزعلكش

جز على أسنانه بحدة شديدة دفعها للخلف فوقعت على الفراش جالسة، أمسك معصمها بحدة يضغط عليه بين يديه عمدًا ثم انحنى عليها متحدثًا بفحيح في أذنها:

-قسمًا بالله صوتك ده ما يعلى عليا تاني لأي سبب من الأسباب لكون موريكي وش عمرك ما شوفته وهنسى أي حاجه بينا يا مروة هانم

ارتبكت بشدة وتسارعت أنفاسها من اقترابه وتهديده لها، تنفست بسرعة وهي تضغط على عينيها بقسوة لتحمل ألام يدها الذي يفتك بها بين يديه، لم تستطيع أن تتحمل أكثر من ذلك فتحدثت بضعف وصوت خافض للغاية قائلة:

-سيب ايدي بتوجعني

ضغط عليها بشدة وكأنه لم يستمع لحديثها، اقترب منها أكثر حيث أسند إحدى ساقيه على الفراش ومازال متقدم منها يتحدث بأذنها بهدوء شديد:

-هاخد الفستان ده وهعرف مين اللي جابه ومش عايز أسمع أي حاجه عنه تاني ده غير أني مش هعلق على هدومك تاني لأن لو ده حصل قسمًا بالله لألبسك على مزاجي وأنتِ متعرفيش مزاجي لما يجبني

تأوهت بصوتٍ مسموع أثر ضغطه على يدها الذي مالت إلى اللون الأزرق قليلًا حيث أنه يضغط عليها بشدة، نظرت إليه عن قرب بحزن وبريق الدموع بعينيها، استمعت إليه يقول بحدة متسائلًا:

-فاهمة يا مروتي؟؟!

أجابته سريعًا بلهفة وخوف حتى تتخلص من قبضة يده على يدها الذي صار ألمها لا يحتمل:

-فاهمه فاهمه خلاص

ترك يدها فمسكتها بالأخرى تدلكها وملامح وجهها تحمل بعض الألام، رفعت نظرها إليه عندما وجدته لم يتحرك من مكانه بل جعل وجهه مقابلًا لوجهها، ابتلعت ريقها لتتحدث معه ولكنه وجد نفسه لا يستطيع المقاومة أمام وجهها الذي يحمل عينين تهلك وشفتين تُميت..

التقط شفتيها بين شفتيه في قبلة دامية، بث فيها غيرته عليها وغضبه منها ومن ذلك الثوب الذي ارتدته لتهبط به أمام الجميع، عاد بها إلى الخلف لتستقر على الفراش، يقبلها بحب بعد أن أخذت قبلته مسارًا أخر ثم يديه أيضًا سارت عليها بجرأة فتململت أسفله عندما وجدت يده تمر على جسدها، أمتدت يده لتفك أزرار قميصها وقد أظلمت الرغبة عيناه ولكنها دفعته بحدة قائلة بهلع:

-لأ لأ

ووقفت على قدميها على أرضية الغرفة تلتقط أنفاسها لاهثه بسبب انقطاع الهواء عن رئتيها، وجدته ينظر إليها بتعجب من تحولها في كل مرة قربه يأخذ فيها مسارًا أخر يعتبر تقدمًا في حياتهم سويًا، سألها باستغراب وهناك طيف غضب يظهر بعينيه:

-ليه لأ؟

اردفت بتعلثم والدموع تقف حبيسة خلف جفنيها، فلم تكن تريد اقترابه بهذه الطريقة الرخيصة الذي يريدها عندما فقط يريد حتى أنهم لم يكونوا في لحظة رومانسية بل كانوا يتشاجرون:

-علشان… علشان لأ، أنتَ!، أنا.. أنا مش عايزه كده مش علشان أنتَ عايز كده يبقى اوكي تمام.. لأ مش ده القرب اللي أنا عايزاه

حديثها محق ولكن ألا ترى تغيره؟، ألا ترى حبه لها ولهفته في الإقتراب منها؟ سألها بضيق قائلًا وهو يقف على قدميه بعيد عنها قليلًا:

-أنتِ شايفه أن أنا عايز كده وخلاص مفيش أي أسباب تانية

تحدثت برجاء ولهفة ربما يقول ما تريد أن تستمع إليه:

-مش لازم أنا أشوف أنتَ ممكن تقول لو فيه حاجه تانيه هتوفر عليا وعليك كتير أوي من فهم غلط لصح… قول يا يزيد قول

انتظرت طويلًا لكي يتحدث، ترجته بعينيها ليقول ما تريد الإستماع إليه وما يرمي إليه هو الآخر ولكن طال انتظارها وطال صمته، لم يتحدث فقط نظر إليها وتعابيره هادئة لم يظهر عليه أي تأثر بحديثها، اومأت إليه برأسها بحزن وذهبت سريعًا إلى المرحاض وأغلقته خلفها لتبكي على ما حدث منذ قليل فقد ترجته لكي يقول أنه يحبها، لماذا هو صعب هكذا فحديثه ونظراته وأفعاله يقولون أنه يعشقها لما لا يريد البوح بذلك؟

أما هو فقد وجد نفسه غبيًا للغاية لما لم يتحدث ويعترف بعشقه لها فهي تشعر بذلك ولا تريد الإقتراب منه إلا عندما يكن هناك رابط قوي بينهم، ولكنه حقًا غبيًا ليضيع من بين يده فرصة كهذه..

___________________

وقفت السيارة أمام الصيدلية ثم خرج منها بهدوء ودلف إليها بعد أن خلع نظارته الشمسية عن عينيه، نظر إلى ابنة عمه الجالسة على مكتبها تتابع حاسوبها الشخصي بعينيها، حمحم بصوته لترفع رأسها تنظر إليه ولم تصدق نفسها فقد احتلت الصدمة كيانها، لم تكن تتوقع أن تراه الآن أبدًا وأين في صيدليتها!. ذاهب إليها في مكانها بالتحديد!

خرجت من صدمتها على صوته المازح عندما قال وهو يجلس:

-هتبصي كده كتير مفيش حتى اتفضل

عنفت نفسها على ذلك الغباء وقفت تنظر إليه ببلاهة متناسية نفسها:

-احم لأ طبعًا اتفضل

ابتسم بسخرية بعدما استمع لها وقال بتهكم صريح:

-بعد ايه بقى ما أنا قعدت من زمان

استدارت حول المكتب وذهبت لتجلس في مقابلته وهي تبتسم باتساع والفرحة تكاد تخرج من عينيها بسبب رؤيته هذه:

-ازيك يا تامر عامل ايه؟

أجابها وهو يتقدم للإمام بجسده ناحيتها بهدوء وابتسامة تزين ثغره:

-الحمدلله بخير أنتِ عامله ايه وعمي

-احنا بخير، بس يعني زيارة غريبة شويه

مرة أخرى يبتسم وكأنه يوزع ابتسامات مجانية، أردف قائلًا بجدية:

-كان عندي شغل قريب من هنا فقولت اعدي أسلم عليكي مايصحش ابقى هنا ومشوفكيش

يدق قلبها فرحًا بتلك الكلمات العفوية التي تخرج منه لتعمل على إسعاد قلبها وروحها وكل شيء ينبض في جسدها فتحدثت بتردد قائلة:

-لأ بقى يبقى تتغدا معانا أنا وبابا اوعى متوافقش

باستغراب تحدث متسائلًا متعجب لما لن يوافق ولما هي تبتسم هكذا ببلاهة وليست على ما يرام:

-موافقش ليه؟ موافق طبعًا

ابتسمت باتساع شديد ولكن زالت ابتسامتها عندما تحدث متسائلًا:

-مروة كويسه؟ أصلي برن عليها كتير مبتردش عليا حتى جربت أرقام غريبة

إلى الآن يفكر في شقيقتها التي تزوجت والآن تكون حياة أسرية مع زوجها في سعادة، وهو إلى الآن يقف عند نقطة أنه يحبها منذ الصغر ويريد أن يتزوجها وتصبح له، لا يرى أنها تحبه؟ لا يرى أنها ضحت من أجل شقيقتها التي لم تكن تحبه من الأساس! فعلت ذلك فقط لأنها تعلم بحبه إليها ولم تكُن تريد أن تخرب كل شيء عليهم، لم تكن تريد أن تصبح شرير القصة لذا صمتت ولكن القدر وقف إلى جوارها، تزوجت شقيقتها غيره وهو إلى الآن لا ينسى وكأنه يحارب حبها إليه وما باليد حيلة فالحب ليس منا فهو من مكان لا نستطيع الحكم عليه بل هو الذي يحكم علينا دائمًا..

تحدثت بحدة وبجدية هذه المرة تجيبه على سؤاله عن شقيقتها ولتلفت نظره إليها قليلًا ربما يكن لها نصيب به:

-سيبك من مروة بقى يا تامر مروة خلاص اتجوزت ليه مش قادر تستوعب ده وبعدين جوزها قالها متردش على أرقام غريبة علشان كان في حد بيبعتلها رسايل وبيضايقها، بص قدامك هتلاقي اللي بيفكر فيك واللي عايزك بجد أنتَ بس شيل الغشاوة اللي على عنيك وهتلاقي قدامك بالظبط اللي بيتمناك

استغرب حديثها الذي بدأته بحدة شديدة ثم انخفضت نبرتها إلى اللين والترجي وكأنه فهم ما ترمي إليه ولكن يكذب حدسه فلا يعتقد ذلك أبدًا..

___________________

وجدته يعدل ملابسه أمام المرآة والذي كانت مكونه من حُلة سوداء ولأول مرة تراه يرتديها منذ أن عرفته، منذ ذلك اليوم وهو مكفهر الوجه لا يتحدث معها إلا للضرورة أو أمام أحد حتى لا يخجلها أو يظهر عليهم الضيق، من المفترض أن تكون هي من يفعل ذلك وليس هو فقد ترجته لكي يتحدث ولم يفعل، هو الذي ابتعد وليس هي..

حاولت أن تشغل نفسها بتنظيف الغرفة حتى لا تسأله إلى أين يذهب ولكن لم تستطيع فبعد تضيع الوقت في رفع الشيء ووضعه مكانه تحدثت سائلة إياه بهدوء وهي تقف خلفه:

-هو أنتَ رايح فين؟

نظر إليها عبر المرآة بتهكم وهو يعدل ربطة عنقه متذكرًا رفضها له والذي يعلم أنها محقة به ولكن هناك شيء يزعجه، رجولته لا تسمح له بموقف كهذا معها، قال بسخرية سائلًا إياها:

-هيفرق معاكي

أجابته بثقة كبيرة بعد أن وجدته يتهكم في حديثه وتعلم لأنه منزعج منذ أن رفضته قبل بضعة أيام:

-أكيد طبعًا

نظر إليها مطولًا بهدوء مستغرب من أجابتها السريعة التي تأكد فيها أنه يفرق معها كثيرًا، أردف قائلًا بجدية وهو يستدير إليها:

-مسافر

شهقت بفزع وخوف عندما نطق تلك الكلمة الصغيرة المكونة من خمسة أحرف، وقد ظهر الهلع على ملامحها فاقتربت منه بسرعة قائلة برجاء ولهفة:

-وهتسبني لوحدي؟

لقد رأي الهلع مرتسم بوضوح على ملامحها، الدموع خلف جفنيها تهدد بالفرار، ولكنه تحدث قائلًا ببرود:

-مظنش غيابي هيفرق معاكي أوي لو قبل كده كنت قولت ماشي لكن دلوقتي لأ مظنش

دمعة خائنة فرت هاربة من عينيها وسريعًا زالتها وهي تنظر إليه بحزن وعتاب خالص تحمله إليه:

-ليه كل ده؟ علشان قولت لأ؟ مش أحسن من اللي كان هيحصل من غير رضا وقبول بينا وبعدين تعالى هنا المفروض أنا اللي أزعل مش أنتَ، ليه بتعمل كده بجد؟

انفجرت باكية أمامه بشدة بعد أن سألته لما يفعل هكذا وكأنها تنتظر تلك اللحظة منذ زمن لتبكي بكاء حاد، زفر بحنق وضيق فهو لا يود أبدًا أن يراها تبكي، لا يريد أن يضعف بهذه الطريقة المخجلة، أردف بحدة وجدية:

-متعيطيش وأنتِ بتكلميني.. أنا مسافر القاهرة ورايا شغل مستعجل هخلصه وأرجع

استدار ليذهب ناحية الباب فذهبت خلفه سريعًا تتمسك بيده بلهفة وتحدثت برجاء والدموع عالقة بـ اهدابها:

-خدني معاك طيب هقعد عند بابا وميار ومنين ما تخلص هرجع معاك، متسبنيش هنا لوحدي

نفض يده من بين يدها ونظر إليها بهدوء وفي داخله براكين ثائره بسبب هذا المظهر التي هي عليه، تحدث قائلًا ببرود:

-لأ، ده بيتي أنا مش سايبك في الشارع، ابقي اقعدي مع يسرى وأنا مش هطول على بالليل هبقى هنا

بترجي تحدثت مرة أخرى ربما يرضخ لطلبها:

-أرجوك

-قولت لأ

استدار سريعًا ليذهب وتركها في الغرفة تقف تنظر في أثره باستغراب ودهشة فقط من أجل كلمة لا تركها وذهب هكذا بعد أن تغير بشدة في معاملته إياها، هي فقط تريد أن يكون كل شيء صحيح بينهم وهو هكذا يجازيها!..

بينما هو ذهب ولم ينظر خلفه خاف من ضعف قلبه أن يستدير ويعود إليها ولا يتركها أبدًا، نظراتها ورجائها لا يعلم كيف صمد أمامهم هكذا وتركها أنها حقًا معجزة، ذهب وهو يفكر ما الذي سيفعله معها في القادم..

_______________________

عاد بعد منتصف الليل، ولج إلى الغرفة ولم تكن موجودة بها أعتقد أنها بالمرحاض، فبدل ملابسه بأخرى مريحة واستلقى على الفراش يريح ظهره بعض الوقت، وجد أنها تأخرت كثيرًا بالداخل فوقف على قدميه متقدمًا من المرحاض، وقف أمامه ودق الباب عدة مرات ولم يلقى منها ردًا هلع ووقع قلبه بين قدميه من أن يكون أصابها شيء بالداخل ففتح الباب سريعًا ولكن لم تكن موجودة، تعجب كثيرًا فأين ستذهب في هذا الوقت من الليل؟..

خرج سريعًا من الغرفة يبحث عنها في المنزل وفي حديقته ولم يجدها فصعد مرة أخرى إلى الأعلى سريعًا ليراها إن كانت في غرفة شقيقته ولكن وهو يصعد أستمع إلى صوت يأتي من غرفته فذهب إليها مرة أخرى ووجدها هي بالداخل..

أغلق الباب بحدة فاستمعت إليه ولكن لم تنظر له، تقدم منها والغضب يلوح بعينيه، أمسك يدها يديرها إليه ليسألها قائلًا:

-كنتي فين في الوقت ده؟

أجابته بهدوء شديد وابتسامة هادئة تزين شفتيها بعد أن وضعت يدها الأخرى على صدره:

-كنت هنا هكون فين يعني

جز على أسنانه بحدة شديدة وهو يراها تكذب عليه ولا يعلم أين كانت في هذا الوقت المتأخر من الليل، غير أنها تغيرت منذ الصباح إلى الآن مئة وثمانون درجة في معاملتها إياه، زفر بحنق وضيق ثم تحدث مرة أخرى محاولًا أن يبث الهدوء بداخله:

-مكنتيش موجودة في الاوضه ولا حتى تحت، كنتي فين؟

-في اوضة الرسم

نظر إليها بشك جلي قد رأته في عينيه لتبتسم بهدوء بينما هو تساءل ليرى صدقها:

-بتعملي ايه؟

رفعت لوحة من على الأريكة وضعتها أمام وجهه لتريه إياها مبتسمة بهدوء وحب تكنه له:

-كنت بعمل دي

نظر إلى اللوحة بضيق ليجد صورته بها، أنه هو حقًا لقد رسمته، رسمته بـ الألوان خصلات شعره حالكة السواد، عينيه بها لونين الأخضر والأزرق وكأنه مزيج بينهما يريح النظر إليهما، يبتسم بهدوء، ابدعت بها حقًا وكأنه هو أو كأنها صوره تم التقاطها له ليس رسمه، رفع نظره إليها مرة أخرى ووجدها هي التي تتحدث هذه المرة قائلة مُبتسمة بحب:

-ايه رأيك فيها

لم يستطيع ألا يبتسم أمام هذه الابتسامة المشرقة رغم انزعاجه من كل شيء، أجابها قائلًا بهدوء:

-جميلة تسلم ايدك

تحدثت بحماس مرة أخرى وهي تتقدم منه لتكن قريبة إليه:

-فضلت طول اليوم بظبطها علشان تطلع كده

اومأ إليها بهدوء شديد فنظرت إليه بحزن، تريثت قليلًا ثم قالت بصوت خافت ونبرة حزينة راجية وهي تعود للخلف بجسدها قليلًا بعد أن وضعت اللوحة على الأريكة:

-أنا آسفة لو كنت عملت حاجه زعلتك أنا مقصدش بس كل اللي عايزاه أننا نكون حابين وجود بعض في كل حاجه مش مجرد أننا عايزين وخلاص، حابين كل حاجه بنعملها سوا دي حياة وبيترتب عليها حاجات كتير أوي لازم نكون مرتبنلها أرجوك بلاش تعاملني كده أنتَ وجودك جنبي فارق معايا أوي.. أنا عايزه أفضل معاك على طول ومش عايزه أبعد عنك بس محتاجه شوية وقت

اقترب هو هذه المرة بعد أن استمع لحديثها الذي راق لعقله وقلبه وروحه وكل شيء به، أردف سائلًا إياها بتريث وهدوء:

-قولتي ايه؟

-محتاجه شوية وقت!

فعل حركة بأصبع يده السبابه تدل على أنه يريد الذي قبلها، فتحدث بتردد قائلًا:

-اللي قبلها

ابتلعت ما في جوفها متحدثة بخفوت والقلق والتوتر يسيطران عليها كليًا:

-إن وجودك جنبي فارق معايا وإني مش عايزه أبعد عنك وأفضل معاك على طول!

وضع يده على خصرها مقربها منه والأخرى على وجنتها، أخفض رأسه مسندًا إياه على رأسها مغمضًا العينين ففعلت المثل بعد أن وضعت يدها على خصره تحيطه بهما..

ابتلع ريقه وشعر أنه يود التحدث الآن، ذلك الوقت المناسب للبوح بما يريد، شعر أن قلبه يدق بعنف شديد وكأنه يستعد لما سيقوله فتحدث بتردد قائلًا وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة:

-مروة أنا…. أنا

صمت ولم يكمل ما بدأ به فتحدثت هي شاعرة أنه يود التحدث ولا يستطيع فدعمته بسؤالها قائلة بهدوء حانِ:

-أنتَ ايه يا يزيد قول

مرة أخرى أخذ نفس عميق كانت أنفاسها من ضمنه ثم تحدث بتوتر:

-ممكن اللي هقوله تستغربيه بس والله دي الحقيقة… مروة أنا.. أنا بحبك، بحبك ومقدرش أعيش لحظة من غيرك متبعديش عني أنا مش عايز البعد بينا

لم يستمع إلا لأنفاسها السريعة وقد شعر بيدها تنزلق من حول خصره لتستقر جانبها، ربما صُدمت من حديثه فقال مرة أخرى:

-بحبك ومش هسيبك ومش هقربلك إلا برضاكي وحبك يا مروتي..

أنفاسها تكاد تحسب، الهواء ينسحب من حولها، تشعر أنها في حالة إغماء، الكلمة هزت حصونها، لقد كانت لها أثر كبير عليها عندما استمعتها من بين شفتيه، شعور لا يوصف لا تعلم كيف توصفه ولكنها سعيدة، سعيدة لأنه أخيرًا أعترف أنه يحبها الآن فقط تستطيع أن تقول أنهم سيكونوا زوج وزوجة فهي أيضًا تحبه..

استغرب أنه لم يجد منها ردًا إلى الآن فهمس باسمها بهدوء وصوت خافت ولم تجيبه هي بالكلمات، رفعت يدها مرة أخرى تحاوط خصره وابعدت جبينها عن جبينه واضعة رأسها على موضع قلبه تحتضنه بشدة غير قادرة على الحديث ولكن كانت تريد ذلك العناق الذي يمدها بالدفء والحب القوي، الذي يشعرها بالأمان والحنان أيضًا..

هو علم أنها لا تود التحدث أو أنها لا تعلم ما الذي تقوله، لم يأتي بعقله أنها لا تحبه لأنه وجد منها الكثير والكثير ليقول أنه على الأقل هناك إعجاب منها ناحيته، لذا سينتظر اعترافها له بحبها ووقتها سيجعلها زوجته قولًا وفعلًا، ولن يتركها مهما حدث فهذه ملاكه الغالي الذي عثر عليه صدفة بدايةً وتدبير القدر نهايةً..

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!