روايات

رواية هواها محرم الفصل الخامس 5 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم الفصل الخامس 5 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم البارت الخامس

رواية هواها محرم الجزء الخامس

هواها محرم
هواها محرم

رواية هواها محرم الحلقة الخامسة

حينما قُلت أن هواها محرمٌ كنت واضحاً كشمسٍ تحرق وتنير
هواها محرمٌ على أبناء آدم جميعهم إلا أنا
سهام رائحتها ستنكسر داخل جدران قلعتي أنا
بريق نورها ونارها سيتلألأ في عيني أنا
نعومة لمستها لن تستشعرها سوى حواسي أنا
هكذا هي هواها محرمٌ على الخلقِ جميعم محللاً لي أنا .
بقلم آية العربي
❈-❈-❈
في المسجد
انتهى الجميع من صلاتهم والبعض غادر والبعض ما زالوا ماكثين في المسجد يستمعون إلى خطبة الإمام .
كان بهجت بينهم هو وابنه بينما خالد يتقلب كمن يقرصه نملاً يرغب بمغادرة المكان ، حتى الصلاة كان يؤديها بالحركات المتخبطة في محاولة منه لتتبع حركات بهجت دون قول شيء متمنياً أن ينتهي الإمام منها قبل أن يفضح أمره .
لذا بدأ يحوم حوله قائلاً :
– أستاذ بهجت خلينا نتكلم ألشان أنا مستأجل .
انقطع حبل تواصله مع الإمام ونظر له يتحدث بضيق :
– يابني اصبر لما الإمام يخلص الخطبة ، اقعد واسمع الله يهديك .
كور فمه يتأفأف ثم نظر للإمام ثم عاد لبهجت موضحاً باستياء :
– مش آرف أفهم اللي بيقوله .
تنفس بهجت بقوة يستدعي الصبر ثم ربت على كتف ابنه مازن قائلاً :
– قوم يابني يالا .
نهضوا ثلاثتهم ولكن أسرعهم كان خالد وتوجهوا إلى الخارج وما إن وطأت أقدامهم خارج المسجد حتى نظر خالد إلى بهجت متسائلاً بابتسامة مستبشرة كمن أنجز كل مهامه المطلوبة :
– أظن كدة إنت موافق على ارتباطي بخديجة ؟ .
نظر لنفسه يستعرض جلبابه ثم تابع :
– بهاول أكون ملتزم زي ما إنت طلبت .
تعمق بهجت في عينيه قليلاً رفع يده إلى ظهر خالد يحثه على السير قدماً حتى يبتعدوا عن محيط المسجد وقد قرر الشرح له باستفاضة عله يفهم جيداً تلك المرة .
توقفوا على أحد الأرصفة وتنهد بهجت ثم قال :
– افهمني يا بني علشان منتعبش بعض أكتر من كدة ، إنت شاب جاي من عالم تاني متناقض تماماً عن حياتنا ونظامنا ، إنت متعرفش حاجة عن الإسلام ومش متحمل تقعد في المسجد شوية تسمع كلام هيفيدك ، إنما بنتي غيرك ، بنتي ملتزمة وقريبة من ربنا وربنا بيحبها لأن قلبي راضي عنها ، متجيش إنت تدخل حياتها وتبوظها .
كان يتحدث بنبرة تشبه الترجي ثم رفع رأسه وحرك يده يشرح بها ويتابع ببينة :
– بنتي لو اتجوزتك هيحصل حاجة من الاتنين ، يا إما تتعب معاك يا إما يبدأ الضعف يدخل قلبها من ناحية دينها وده مش هيحصل لإني عارف أنا ربيتها إزاي ، يبقى اللي هيحصل إنها هتتعب معاك ، هتتعب جامد مش هتتحمل حياتك وأنا أب وعايز حد يريحها مش يتعبها ، وهنصحك نصيحة لله ، سيبك من الجواز دلوقتي وحاول تلتزم وتمشي صح وقتها أنا هساعدك ، متظلمش بنات الناس معاك ، إنما تقرب من بنتي مش هقبل أبداً ، هواجهك بكل قوتي ، بنتي لاء يا خالد .
نطق الأخيرة بحزم وصلابة ثم باغته بنظرة حادة قبل أن يتحرك بعدها هو وابنه يغادران وتركا هذا الواقف يتتبع أثرهما بصمتٍ تام ، بتوعد وضيق يقبض على عنقه كعدوٍ يود خنقه ، احتراق في حنجرته ود لو ينفسه فيحرق كل من أمامه ، أيظن هذا الديني أنه قادرٌ على تحديه ! ، أيظن أنه قادرٌ على حرمانه منها ؟ ، هل يمر على عقله إن كان يمتلك عقلاً أنه سيتخلى ؟
إذاً ليريه الوجه الآخر له ، ليريه وجه موراكو المظلم .
تحرك يغادر بخطوات سريعة عائداً إلى منزله الذي سيمكث فيه طوال اليوم ليخطط في طرقه وأساليبه للحصول عليها .
❈-❈-❈
في الحارة التي تقطن بها سوسن وداخل منزلها المتآكل .
تجلس أمام التلفاز تتابع فيلماً قديماً يعرض قصة تشبه قصة حياتها لذا فهي مندمجة حتى أنها لم تنتبه لنداء والدتها المجهد .
تذكرت كيف أقنعها وأوقعها في حبه وعشقه الكاذب .
التقطت دمعةً من عينها كادت تسقط وتحدثت لنفسها هامسة وانقباض حلقها يؤلمها قائلة :
– وقت دفع الحساب جه يا سمير يا عدلي ، هتدفع حساب كل اللي عملته بس الأول آخد حق ابني منك .
ارتفع صوت والدتها فانتبهت لها قائلة وهي تترجل من فوق الأريكة وتتجه نحوها :
– أيوة ياما جيتلك أهو .
دلفت إليها تردف بترقب وهي تطالع والدتها طريحة الفراش قائلة :
– مالك ياما ؟ ، في حاجة بتوجعك ؟
تحدثت والدتها بشك وهي تطالعها :
– مالك يا سوسن ؟ ، عمالة أنادي عليكي بقالي ساعة ، خديني يابنتي اقعد معاكي برا شوية بدل ما أنا متكسحة هنا ليلي زي نهاري .
رأفت لحالها وزمت شفتيها بقلة حيلة فهي يصعب تحركها لذا وقفت تتنفس وتفكر ثم نظرت لها وابتسمت بحنو قائلة :
– لا ياما مينفعش تتحركي بس أنا هجيب التلفزيون عندك هنا واقعد معاكي .
تحركت بعدها للخارج لتبدأ بتحضير ما نوت وترك ذاك الموعد غداً فهي اعتادت كل شهر الذهاب إلى مكانٍ لا أحد يعلم عنه شيئاً وربما هذا الموعد كان هو المتنفس الوحيد لإكمال حياتها طوال تلك المدة .
❈-❈-❈
في فيلا نارة
تجلس تدون في دفترها بعض الخواطر التي تدخرها لكتابها القادم وتنتظر مجيء شقيقتها .
رن هاتفها فتناوله تجيب بعدما وجدتها والدتها وقالت بنبرة لينة مترقبة :
– مساء الخير يا ماما ، عاملة ايه ؟
أجابتها آسيا بنبرة حزينة هادئة :
– أهلاً يا حبيبتي ، طمنيني عنك ؟
استشفت نارة حزنها من نبرتها فقالت بترقب :
– كويسة جداً يا ماما ، بس مال صوتك ؟
زفرت آسيا بقوة وتحدثت باستفاضة تخبر ابنتها قائلة بصدرٍ مختنق على وشك البكاء :
– مخنوقة يا نارو ، مخنوقة جداً ومايا مش بتتكلم معايا خالص ، حتى عمر معرفش عنه حاجة وموبايله مقفول ، خايفة أوي على مايا وخصوصاً إني متأكدة إنها زعلت عمر ، مش عارفة أعمل إيه معاها .
حزنت لأجل والدتها متفهمة ما تمر به تلك الأم الحنون التي تعاني مع طباع ابنتها الصغيرة ، لذا تحدثت بنبرة مطمئنة لينة حنونة دوماً استطاعت بها امتصاص حزن آسيا :
– حاولي تهدي خالص يا ماما ومتنسيش إن اللي مايا عرفته وخاصة الطريقة اللي عرفت بيها صعب جداً تتقبلها ، وعمر لازم يفهم ده كويس ، وعلى فكرة مايا كلمتني من شوية وقالت إنها جيالي .
تبخر الكثير من قلقها بالفعل وقالت بنبرة مستكينة ممتنة لتلك الابنة التي هي من روحها حتى لو لم تكن قطعة من جسدها :
– كويس جداً يا نارة أنا كنت قلقانة خالص خصوصاً إنها خرجت من غير ما تكلمني مع إني نديت عليها كتير ، حاولي تتكلمي معاها وتفهميها ليه عملنا كدة ، وياريت تعرفي منها إيه اللي حصل بينها وبين عمر ، تمام يا حبيبتي؟ .
تنهدت نارة قائلة بتريث وابتسامة لطيفة بعدما استمعت لنبرة والدتها التي لانت قليلاً :
– تمام يا ماما متقلقيش ، لو عايزة توصلي لعمر كلمي ماما لبنى ، أكيد هي هتبقى عارفة مكانه .
رن جرس منزلها فوقفت تتابع وهي تخطو نحو الباب برزانة :
– هقفل معاكي يا ماما لإن مايا وصلت ، سلام يا حبيبتي .
أغلقت معها وفتحت الباب فظهرت مايا أمامها تطالعها بعيون متفحصة كأنها تراها لأول مرة ، طوال طريقها تفكر كيف ستقابلها وهل ستتأثر نظرتهما بعد تلك الحقيقة الأشد مرارة من العلقم ، تعمل على تقبلها ولكن عقلها يرفض بل وقلبها أيضاً يرفض وينتفض كحبات ذرة تقفز في قدرها .
لاحظت نارة بعثرتها لذا أسرعت تشوش على أفكارها وهي تسحبها لتضمها بحنو بالغٍ قائلة بنبرة مرحة تبدد بها أي تساؤلات تحوم حول عقل شقيقتها :
– كل ده علشان تيجي يا مايا ؟ ، دي المسافة يادوب ساعة بس .
بادلتها مايا بحب وبدأت تنزاح بالفعل غمامة أفكارها ثم تحدثت وهي تتقدم معها لتجلسا :
– كنت سايقة بهدوء ، إنتِ عارفة إن سواقتي مش حلوة ، عاملة إيه ؟
ابتسمت لها نارة وتحدثت بحب بعدما جلستا بأريحية وهى تتحسن معدتها لتشغل أفكارها أكثر وأكثر :
– كويسة جداً الحمد لله ، أنا البيبي بخير .
علت الدهشة ملامح مايا ثم تحولت إلى ابتسامة دقيقة ثم سعادة وهي تقول بنبرة حماسية :
– حاااامل ؟ ، نارو إنتِ حااامل ؟ ، يعني أنا هبقى خالتو ؟
أومأت لها نارة بفرحة قائلة مؤكدة بحنو وعيون ترى صدق ما نطقت به :
– أيوة هتبقي أجمل خالتو .
شعت خيوط الفرحة ملامح مايا لتبدد حزنها بينما ضمت نارة كفيها بين راحتيها ثم تساءلت دون مقدمات بترقب :
– إيه اللي حصل بينك وبين عمر ؟
تفاجأت مايا من سؤال شقيقتها المباشر لذا فقد مرت سحابة التوتر من فوق ملامحها وسحبت يدها تضمها بين ساقيها ثم اعتدلت تنظر أمامها وقالت بتوتر وبنبرة حزينة كانت تغلفها منذ قليل :
– أنا قلت لأمير ييجي مع باباه علشان يطلبوا إيدي يا نارو ، هو كان قالي من فترة وأنا رفضت ، بس أنا قابلته إمبارح وقلتله إني موافقة .
لم يحتج الأمر عناء التفكير بل أدركت نارة على الفور ما حدث بينها وبين عمر وانتابها الضيق لذا قالت بنبرة لوْم لم تستطع اخفاؤها :
– إزاي يا مايا ؟ ، إزاي تعملي كدة ؟ ، إنتِ غلطانة طبعاً المرة دي ، عمر عمره ما يفكر يزعلك ولو هتلومي على حد يبقى مش عمر خالص ، عمر من الأول خالص كان عايز يصارحك وكان زعلان إنه مخبي عنك .
زادتها عليها ، منذ الأمس وقلبها يؤلمها ويعنفها بشدة على ردة فعلها لذا فقد جاءت إلى شقيقتها علها تهدأ ولكنها الآن عاجزةً ومشتتةً لا تعلم الصواب من الخطأ وكلمات شقيقتها الآن تصيب قلبها بسهام الندم والحسرة .
بدأت دموعها تتساقط والتفتت تطالع نارة بعمق ثم قالت بنبرة متحشرجة معذبة ومشتتة كورقة شجر خريفية في مهب رياح عاتية :
– أنا مش عارفة ارتاح يا نارو ، مش عارفة أكون كويسة ، أنا من غير عمر هضيع يا نارو بس كان لازم أعاقبهم على اللي عملوه فيا ، هو كان عارف من الأول ، هو وافق يدخل الفيلا ويدخل حياتي على إنه ابن صاحبتها ، كذب عليا يا نارو طول الوقت ده بيكدب هو ومامي عليا ، بيتعاملوا معايا على إني مغفلة صغيرة مش مهم تعرف أو لاء ، كانوا متخيلين إني لو عرفت هزعل شوية وارجع تاني زي الأطفال علشان كدة كان لازم اثبت لهم العكس ، هما جرحوني ، حتى لو عمر كان عايز يقولي بس هو شارك مامي في أكتر حاجة ممكن توجعني ، ياريته كان رفض من الأول خالص ، ياريته كان رفض ومدخلش حياتي ولا اتعذب معايا كدة .
قالتها بانهيار وهي تضع وجهها الباكي بين كفيها لتخفيه بيأس فأسرعت نارة تهدهدها وتربت على ظهرها بحنو قائلة وهي تزحف لتقترب منها أكتر :
– خلاص يا حبيبتي ، خلاص اهدي وهنلاقي حل .
زفرت نارة بقوة وتابعت بحيرة :
– طيب هو عمر عرف إزاي بكلامك مع أمير ده ؟
انزلت كفيها فناولتها نارة محارم ورقية انتشلتها من فوق الطاولة فأخذتهم وبدأت تكفف دموعها ووجهها ثم تحدثت بنبرة نادمة تنهش فيها كالتهام وحشٍ لجثةٍ هامدة :
– كان واقف وأنا ببلغ أمير بقراري ، كان قدامنا إحنا الاتنين .
أجهشت في بكاء حاد مجدداً وأسرعت تعانق شقيقتها التي ظلت تربت على ظهرها برغم الضيق الذي اعتلاها من ردة فعل عمر على ما حدث ، تتمنى في قرارة نفسها أن لا يترك شقيقتها ويغادر فهي تدركه جيداً .
نعم مؤكد شقيقتها أخطأت ولكن خطؤها لابد أن يغتفر إن كان يحبها ، لن تحتمل رؤية ضياع شقيقتها وتقف عاجزة هكذا ، عليها فعل شيء فهي مسئولة عنها أمام سطوة هذا الحزن البغيض الذي يسكن روحيهما فمن الؤكد أن شخصاً مثل عمر يتألم حتماً الآن .
ظلت تهدهدها وتردف بمصطلحات التعقل والأمل والدعم وبالفعل بدأت مايا تستكين نائمة في حضنها كأمٍ ثانية لها كما عهدتها دوماً .
دوماً كانت نارة بالنسبة لها هي الركن الفضفاض والملاذ الآمن من أي حزن ، دوماً قادرة على استئصال تلك العلقة التي تحجب عن صدرها أنفاسه فتجعلها أكثر انشراحاً وتفاؤل وهذا ما حدث بالفعل .
❈-❈-❈
في مقهى راقي أو يبدو كذلك للعين
يجلس طه العدلي على طاولة منشغلاً بهاتفه وحوله يجلسون بعض الأصدقاء يتحدثون عن عدة أمور .
يضع في أذنه سماعة البلوتوث ويستمع ويشاهد هذا الفيديو الذي يسخر من علامات يوم القيامة ويقوم بتمثيله ذاك الشخص الذي يتابعه مؤخراً باستمرار .
مندمجاً بعقله الذي بدأ يتقبل تلك الشبهات خاصة وأن هذا الشخص يعتمد في منشوراته على أدلة وبراهين تنسب لعلم وعلماء يؤمن بهما أكثر من إيمانه بذاته وبالكون من حوله .
بدأت لديه قناعة بأن الأديان خُلقت لتدمر العالم حقاً وتملأه بالعنف والقسوة والحروب .
وخاصة الإسلام الهمجي والداعشي والذي يقضي على كل من يجابهه .
بدأ يرى الوجه المظلم للحقيقة وأثبت له والده ذلك فهو دليلاً قطعياً وحياً أمام عينيه .
والده المسلم بجدارة والذي يؤدي فروضه على أحسن وجه .
ابتسم بسخرية مبطنة بالألم على دينٍ كهذا يدعون أنه دين الرحمة وهو في الحقيقة مجرداً من كل الرحمات ، دين يعرف بالقسوة والتجبر والعنف وعلى الجميع أن يقفوا له بالمرصاد خاصة وأنه ينتشر بسرعة كالنار في الهشيم .
لا يعلم أي عقلية تلك التي تتبع هكذا دين يحث على إذلال المرأة واحتقارها ويحث على قتل كل من يعارضه ويحث على تعنيف الأبناء وضربهم بكل تجبر وإذلال .
كيف لشخصٍ أن يختار هذا الدين بعدما كان يتمتع بحريته في كل أموره سواءً في طريقة لبسه أو شربه أو متعته أو هواياته .
لم على الانسان أن يتبع ديناً كهذا يحده عن فعل كل ملذات الحياة ؟
هذا ليس ديناً وهذه ليست عبادة تلك تراهات اخترعها بشرٌ أغبياء وعليه أن يفعل شيئاً ليساهم في القضاء عليه حتى يأتي جيلاً متفتحاً علمانياً يطهر الأرض من هذا الإسلام المذل .
هكذا كان يفكر طوال عرض المقطع أمامه حتى بات مقتنعاً بمَ يراه .
انتهى المقطع وضغط طه على التعليقات ليراها ، البعض مؤيداً مثله فبات يضغط لهم على ريأكت اللايك كدعم منه لرأيهم
والبعض الآخر معارضاً يسب ويلعن صانع المحتوى فبات يضغط أضحكني ساخراً منه ومن أسلوبه ومنه سبه الذي يثبت لهم صحة تفكيرهم ويؤكد لهم أن الإسلام دين السوء والنبذ .
لمَ لا يتقبلون الرأي الآخر بتحضر ؟ ، إن كانوا محقين فليأتوا ببرهانهم ولكنهم يلجأون للسب والقذف بدلاً من ذلك .
ظل يتجول في التعليقات حتى وجد تعليقاً من دكتور مسلم كتب فيه
( حتى وأنا مسلم وموحد بالله عز وجل يدخل لي الشيطان من منفذٍ ضئيلٍ يشبه سم الخياط ويخبرني ماذا لو كان لا حياة بعد الموت ؟
لأسرع مستعيذاً بربي منه ولكن يشغلني هذا السؤال حقاً فأعود لديني ويقيني لأن قلبي يبصر .
فكيف أنتم تثقون بمَ تقولون ولا تخافون ؟ ، هذا يؤكد لكم أن الشيطان استحوذ على كامل قناعاتكم وعقولكم ويحركها كما يريد ، هذا مرعب حقاً .
فلو تمتلكون فقط جزءاً ضئيلاً من التردد لآمنتم حتى لو كان إيمانكم خوفاً ولكن أمركم حقاً مرعب
أنتم لا تخافون فليكن بيننا وبينكم موعداً لا يخلف أبداً .
حقاً صدق الله حينما قال : فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ .
وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله )
قرأه طه وللحظة تملكه الخوف الذي قبض على صدره فظهر الشيطان في أصبعه وهو يضغط أغضبني وبلحظة حقدٍ وكراهية غلفته رد عليه مدوناً
( أي قلب أيها الصلعم تمتلكون ؟ ، أنتم بلا قلوب ، اذهب وانظر إلى داعش كيف تعامل البشر ، أنتم سرطان الأرض )
تعالت أنفاسه كأنه يركض في سباق وتجلى الغضب على ملامحه المنطفأة لذا نظر له أحد أصدقائه متسائلاً بتعجب :
– مالك يا طه فيه إيه ؟
رفع نظره إليهم وبعيون قاتمة خرجت من الجحيم قال :
– شوية **** عاملين فيها انهم أصحاب شرف وفضيلة وتلاقيهم في بيوتهم وحياتهم شبه الكلاب .
هدأه آخر قائلاً :
– يا عم فكك من الناس دي وريح دماغك وعيش ، كفاية أبوك واللي عامله فيك .
نظر له بضيق واعتدل في جلسته يردف وهو يضغط بأصابعه بعنف على عقله :
– ياعم متجبليش السيرة دي بقى وخلينا قاعدين مرتاحين شوية بدل ما أقوم واسيبكم .
ضحك أخر يهدأهم قائلاً :
– خلاص اهدوا بقى وخلونا نطلب شيشة بدل المشروب الدِلع ده .
زفر طه ونظر لهم بتهكم ثم عاد ينظر لهاتفه فوجد اشعاراً يبلغه أن الدكتور المسلم قام بالرد عليه فأسرع يفتحه ليجد الرد كالتالي :
( ربنا ينور بصيرتك قبل فوات الأوان )
قبض على الهاتف بيدٍ قويةٍ كادت تسحقه ليدسه بعد ذلك في جيبه ويجلس يسعى لعودة الهدوء له ولكن عليه فعل شيء .
لن يترك الساحة لهؤلاء ولا لوالده ليسعوا في الأرض فساداً !! .
❈-❈-❈
مساءاً في الشركة .
لم ينتهِ صقر بعد وكان يتحدث هو ومساعديه في عدة شؤونٍ خاصة بالعمل وأهمها صفقة جديدة مع رجل أعمال يعرف بجديته ووضوحه على المستوى العملي ويُشهد له بذلك .
وهذا ما استنتجه صقر بعد استخبارات جيدة عمن يتعامل معهم في الصفقات والأعمال .
رن هاتف مكتب سكرتيرته نهال فتناولته تجيب بترقب وعينيها منكبة على حاسوبها بعملية :
– اتفضل يا فندم !
تحدث يوسف برتابة قائلاً بنبرة رسمية :
– مساء الخير ، مع حضرتك المحامي يوسف العدلي ، وكنت حابب أقابل محمد بيه في موضوع مهم جداً وبعيد عن الشغل ، ياترى ينفع آخد معاد مناسب في أقرب وقت ؟.
زفرت نهال ببعض الشرود تتذكر اسم هذا اليوسف ولكن لم يمر على ذاكرتها من قبل لذا تساءلت باستفسار :
– حضرتك تعرف محمد بيه ؟ ، يعني فيه بينكوا معرفة سابقة ؟
زفر يوسف وتحدث موضحاً بهدوء من خلف مكتبه :
– لاء مافيش معرفة سابقة بس ممكن تبلغيه إني محتاج اتكلم معاه في موضوع خاص جداً .
تحدثت بعملية متجاهلة فضولها وهي تقول بهدوء :
– تمام أنا هشوف محمد بيه وأبلغك ، ممكن حضرتك تبعتلي الإيميل بتاعك علشان ابعتلك عليه ؟
أعطاها عنوانه البريدي وأغلق بينما انتظرت هي إلى أن غادر الرجلان من عند صقر ثم توقفت تتجه إلى مكتبه وطرقت الباب فسمح لها .
دلفت تتحمحم ثم قالت بترقب ورقي في وقفتها ونبرتها :
– محمد بيه في واحد اسمه يوسف العدلي بيقول إنه محامي وطلب معاد يقابلك فيه في موضوع مهم وقال أنه بعيد عن الشغل .
التمعت عيناه بمكرٍ لم يغير من ملامحه الثابتة ، فهو قبل قليل علم كل ما يود معرفته عن تلك العائلة أيضاً وانتظر مقابلتهم ولكن لحسن حظه لم يدم انتظاره طويلاً لذا تحدث بعيون ثاقبة وثباتٍ :
– تمام يا نهلة ، تقدري تديه معاد بكرة الساعة اتنين ، هكون في انتظاره هنا .
أومأت له والتفتت تغادر متعجبة بينما هو شرد في أمر تلك العائلة وما علمه عنها ، على ما يبدو أن هناك أموراً عابثةً قادمة إلى حياتهما التي بالكاد تحصل على هدوءها وهذا ما لن يسمح به .
ربما لم يتعمق في ماضي أفراد تلك العائلة ولكن بخبرته استشف أنهما أُناسٌ لا يؤتمنون على شيء لذا فليكن حاضراً بكامل تركيزه معهم ، ليفعلها فقط من أجل زوجته الغالية .
❈-❈-❈
عادت مايا إلى الفيلا بعدما قضت النهار مع شقيقتها واستكانت وبدأت تفكر بشكلٍ أرقى هاديء بعيداً عن عبثها وروعنتها .
دلفت بسيارتها بعدما فتح لها الحارس البوابة واتجهت تصفها جانباً ثم ترجلت تغلق بابها والتفتت لتلج للداخل ولكنها تسمرت حينما رأته للتو يقف مع الحارس ويتحدث إليه بملامح جادة ثابتة .
انشرح فؤادها الذي تركها وركض يعانقه باشتياق ولكن جسدها ظل ثابتاً لم يتزحزح ، تطالعه بعينيها اللتان سافرتا بنظراتهما على هيأته كاملة وهي تخشى تبخره كأن وجوده الآن حلماً إلا أنها تأكدت حينما مر سريعاً على ملامحها يطالعها بنظرةٍ مهملةٍ لا اكتراثية ويعود إلى حديثه كأنه رأى فتاة لا يعرفها من قبل .
تنفست بقوة تبحث عن الراحة القليلة التي كانت عليها منذ قليل ولكنها تبخرت بنظرته لها ، ولكن هل نظرته تلك أهون من بعده ؟ .
لم تستطع الإجابة على نفسها لذا تحركت نحو الداخل بقلبٍ ممزقٍ استطاع زرع وجعه على ملامحها مجدداً .
أما هو فبعد أن رحلت من أمامه أطلق تنهيدةً حارةً معذبةً ، اشتاق إليها وارتوى برؤيتها ورقص قلبه بسطوتها ولكن من الآن وصاعداً ستُعاقب بطريقته على كامل أفعالها الاندفاعية في حقه وحق نفسها .
❈-❈-❈
في فيلا خديجة
يجتمعون حول مائدة الطعام يتناولون وجبة العشاء بهدوء .
تحمحم بهجت وتحدث بنبرة صارمة يستعملها حديثاً وعينيه منكبة على صحنه قائلاً :
– الدكتور رؤوف كلمنى من شوية وطلب معاد ييجي يزورنا فيه يا خديجة ، وده معناه إنه عايز يطلب إيدك لابنه لإنه لمح لي بالموضوع ده امبارح في الجامعة .
توقفت عن مضع الطعام كأن قلبها لكمها بعنف ناهرها عن الراحة التي تسعى لانتشالها أمام عائلتها ثم رفعت أنظارها تطالعه بصدمة وهي ابتلعت لعابها قائلة بتوتر :
– وحضرتك رأيك إيه يا بابا ؟ .
رأت في عينيه ما تخشاه وما جعل قلبها يصرخ مستغيثاً حينما أكده لها قائلاً بثبات :
– ابن دكتور رؤوف شاب محترم وملتزم وزينا ، شاب هيفهمك وتفهميه يا خديجة ، أنا لو مش موافق مش هقولك على الموضوع ، ده أنسب حل في الوقت ده علشان البني أدم المجنون ده يبعد عنك ، على الأقل تتخطبوا وياستي تتعرفوا على بعض في الخطوبة وأنا واثق إنك هتتقبليه ، إنما أوعى تعلقي قلبك بحد بعيد عن ربنا يابنتي ، هتتعبي .
قالها وهو يستشعر خطراً قادماً من داخلها فسقط قلبها أرضاً ينتفض متألماً مدهوساً بنظرات والدها وهى تحول أنظارها بينهم لا تعلم ماذا تقول أو تفعل بينما تحدثت نسرين بحنو بعدما رأت حالتها :
– خديجة يا حبيبتي ، إدي فرصة لقلبك يتعرف على حد غيره ، هو مش مناسب لينا يا حبيبتي ، إنتِ تستحقي حد متزن وده مجنون ، هو فيه حد عاقل يطلع على الحيطان وينط في بيوت الناس شبه اللصوص علشان خاطر يثبت حبه ؟ ، بابا خايف عليكِ منه وعايز يبعدك عنه ومش هينفع غير لما ترتبطي بغيره ، وعلى فكرة بابا كلمني نسيب الفيلا وننقل على مكان تاني بسببه .
نظرت لوالدها بصدمة تلو الأخرى وتحدثت متسائلة بنبرة واهنة كادت تختفي :
– نروح فين يا بابا ؟ ، ونسيب بيتنا ليه ؟ .
تعمق في عينيها الملتعمة وتحدث بنبرة قلقة تغلفها الجدية قائلاً :
– بسببه يا خديجة ، إنتِ وأخوكِي أهم عندي من أي حاجة وفعلاً لو البني أدم ده مبعدش عننا أنا هاخدكوا ونسيب البيت ونروح نعيش في حتة بعيدة عنه وعن جنانه .
تنهدت بقوة وبات حلقها ينقبض كأن قلبها عاد ليستقر فيه مانعاً أنفاسها من التحرر ، للحظات مرت عليها كالدهر وهي ترى حزن عائلتها لذا أخفضت بصرها تردف بقبولٍ مجبر رافعة أبراج راحتهما على حطام سعادتها :
– تمام يا بابا أنا هقابل ابن الدكتور رؤوف وربنا يقدم اللي فيه الخير .
قالتها تزامناً مع سقوط إحدى دموعها في صحن حسائها لذا لم تستطع ونهضت قبل أن تأتي الأخريات وتحركت قائلة بصوتٍ أجش متحشرج :
– عن اذنكوا هروح التواليت .
أسرعت نحو الحمام وتركتهم ينظرون لبعضهم بقلة حيلة ولكن يبدو أن هذا أكثر الأمور تعقلاً ، تحدث شقيقها بحزن لأجلها قائلاً :
– لو هي مش موافقة بلاش تجبرها يا بابا ، وبعدين أنا شايف إن خالد ده بيحبها جداً .
باغته بهجت بنظرة غاضبة وهو يقول بتهكم وتهجم بعدما حصل على موافقتها :
– بيحبها جداً ؟ ، هو ده الحب من وجهة نظركوا يا مازن ؟ ، لو بيحبها يخاف عليها حتى من نفسه إنما ده بيحب نفسه وبس ، أنا مش هضحي ببنتي واروح أسلمها لواحد مش بيتقي الله بايدي .
أومأ مازن وأكمل طعامه قائلاً بأسف وأدب في حضور والده :
– تمام يا بابا أنا أسف ، بس كنت اتمنى إنها تتجوز إنسان بتحبه وبيحبها ويمكن يتغير لما يعاشر خديجة ، يمكن يبقى أحسن ؟ .
قالها مازن بتمني فاستدعى بهجت الصبر وتحدث بهدوء موضحاً :
– إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم ، هو معندوش استعداد يتغير يا مازن ، هو حابب حياته وطيشه وطريقته دي ، الله يسهله بعيد عننا وعن بنتي .
زفر مازن وأومأ وأكمل طعامه بحزن لأجل شقيقته بينما نظر بهجت إلى نسرين قائلاً بحنو مغلفاً بالجدية :
– قومي شوفيها يا نسرين لو سمحتِ .
أومأت له ونهضت لتراها حيث كانت تقف في الحمام تغسل وجهها الباكي وتجاهد لتتغلب على ألم قلبها ، عقلها يدرك صدق والدها ولكن ماذا عن هذا القلب الذي ترضخ له جميع الأعضاء طواعيةً في لحظة جنون يفعلها هذا الذي اقتحم حياتها دون سابق إنذار ، ليتها ما رأته ، ليتها تنساه .
تحدثت نسرين بحنو وهي تطرق الباب قائلة بترقب لتخرجها من سطوة أفكارها :
– خديجة ؟ ، تعالي يا حبيبتي يالا علشان تكملي أكلك .
تنفست بعمق لتدخر أكبر قدر من الأوكسجين لتقوي بها رئتيها كأنها تستعد لحرب جهاد مع هذا الفؤاد ثم قالت بصوتٍ جعلته طبيعياً :
– حاضر يا ماما اتفضلي وأنا جاية وراكِ .
❈-❈-❈
في فيلا عاطف سليمان .
دلف باتزان على غير عادة يخطو بخطواتٍ هادئة وعينيه تبحث عن ضالتها .
لقد غاب ليلة أمس متعمداً وتركها بعد ما فعله بها حتى يسيطر على غضبه منها .
دوماً كئيبة كارهة للحياة ولو أطاعته لنالت رضاه ولكنها غبية حمقاء تتسبب في غضبه وظهور الوجه المظلم منه .
حتى ليلة أمس الذي قضى أولها من الملهى الليلي المنشود وآخرها عند والدته وما هي إلا خالتها والتي تسعى بكل طاقتها دس السم في العسل فيتناوله بشهية ويعود إلى تلك المسكينة يبصق سمه ويغرز أنيابه في قلبها وروحها .
والآن ترك تلك التي دوماً تسعى للحوم حوله كحيةٍ ماكرة لتثبت له أنه رجلاً مرغوباً به ولكنه لم يرغب بها حتى وإن انجذبت لها غريزته بل يرغب بمن ترفضه حتى وهي زوجته لذا ترك المكان بأكمله وعاد مبكراً اليوم ليراها .
لم يجدها في مكانها المعتاد على تلك الأريكة اللعينة التي يبغضها لأنها تحبها أكثر منه لذا تحرك يبحث عنها أولاً في المطبخ فلم يجدها فزفر بتأفأف وصعد للأعلى ليكمل بحثه عنها في جناحهما .
كانت تجلس أمام المسبح الداخلي تطالع المياة بشرود وتلتحف محتمية من قرصات البرد بشالٍ من الصوف .
تفكر في مستقبلها كالعادة ولكن دوماً يصبح تفكيرها مبتوراً ما إن وصلت لسؤالٍ دوماً تسأله ، كيف ستتحرر من قبضتهم .
أجفلت منتفضة حينما سمعت نداؤه الصارخ باسمها فعلى ما يبدو أنه ظنها غادرت وتركته لذا اهتزت بخوفٍ جاهدت لتخفيه ونهضت تتحرك عائدة إلى بهو الفيلا قائلة ببرود ظاهري وهي تتكتف :
– في إيه بتزعق ليه ؟
التفت على أثرها يطالعها بنظرتٍ وحشية بدأت تتفلتر لتصبح هادئة حينما رآها قائلاً بنبرة صلدة :
– كنتِ فين .
زفرت وتحركت تتقدم لتجلس على تلك الأريكة كأنها تستدعي حنقه مجدداً وهي تقول مختصرة بنظرة واهنة :
– عند ال pool .
زفر مطولاً براحة ثم تقدم منها حتى توقف أمامها قائلاً بعنجهية :
– يارب تكوني عرفتي غلطك وفكرتي كويس في كلامي ، بسببك منمتش امبارح .
رفعت أنظارها تطالعه بنظرة ساخرة ولم تستطع اخفاء كرهها له وهي تقول بجمود يخفي سهماً يمزق كبريائها :
– منمتش ليه ؟ ، اللي كنت عندها معرفتش تبسطك ؟
استشف ما يريده هو منها خاصةً وأنها لا تعلم بمبيته عند والدته وظنها تغار عليه فهو دوماً يتباهى بعلاقاته أمامها لذا ابتسم وقال بجرأة لا تتناسب مع وضعيهما :
– محدش بيبسطني غيرك .
نظرت له باشمئزاز تجاهله ثم مد يده يمسك معصمها ويوقفها قائلاً بنبرة بدأت تسافر عبر سحرها عليه :
– وحشتيني .
جموداً تاماً من قبلها يقابله وهو لم يعره اهتماماً بل انحنى نحو رقبتها ويده تزيح خصلاتها وبدأ يقبلها ويقضم بشرتها ليخر جموده وهو يرتفع عند أذنها قائلاً بهمسٍ متحشرج :
– بتعذبيني ليه وتعذبي نفسك .
كانت تعتصر عينيها بقوة آلمتها وهي مستنفرة من لمساته حتى جسدها متصلب وهو يتابع همسه وشفتيه تعمل وظيفتها على وجهها :
– مافيش واحدة قدرت تعمل فيا اللي إنتِ عملتيه وبرغم كل ده بحبك .
توغلت إلى أنفها عطر أنثوي نفاذ ليختلط مع كلماته لذا وبقبضتي يدها التي ارتفعت دفعته عنها بقوة واشمئزاز تقول صارخة ملقية بخوفها عرض الحائط :
– إنت مؤرف فعلاً .
تابعت بعيون جاحظة ظناً منها أنه كان في علاقة كاملة مع إحداهن وبنبرة صارخة قالت :
– إنت إزااااي كدة ، ارجع لل **** اللي كنت معاه وابعد عني بقى .
وقف يطالعها بغضب بعدما أسقطت مشاعره أرضاً ثم عاد يستشف غيرتها المعدومة لذا تحول غضبه لابتسامة تباهي وهو يقول موضحاً بنبرة تؤلم روحها :
– هي تتمنى بس أنا لاء ، هي مش نوعي المفضل .
تقدم منها مجدداً بخطواتٍ أجفلتها حتى توقف أمامها ثم تحدث بنبرة بدت هادئة تخفي وعيداً تعلم عواقبه جيداً حين قال :
– أنا هطلع آخد شاور واستناكي فوق ، متتأخريش يا أميرة .
تحرك يغادر ويصعد الدرج وتركها تحاول سلب أنفاسها التي هربت منه وتركتها تواجه هذا المريض المهووس بمفردها .
❈-❈-❈
اليوم التالي صباحاً .
استيقظ صقر باكراً على رنين هاتفه فتململ من نومه يبتعد بهدوء عن نارة التي تعانقه ثم تناول هاتفه ليجده رقم بهجت والد خديجة .
تعجب قليلاً ولم يجبه بل أغلق الصوت واعتدل يستند على الفراش ويمسح على وجهه ثم نظر جانباً لجميلته التي تنام بعمق .
مال يقبل وجنتها بحنان خاص بها ثم ترجل من فراشه واتجه نحو الحمام ليغتسل .
بعد دقائق خرج من حمامه يتجه نحو الكومود ويلتقط هاتفه ثم اتجه خارجاً كي لا يوقظها وليرى ماذا يريد بهجت في هذا الوقت الباكر .
نزل الدرج واتجه نحو المطبخ ليحضر وجبة الفطور وهو يعاود الاتصال به فأجابه بهجت بحرج معتذراً :
– سلام عليكم يا أستاذ صقر ، معلش إني رنيت عليك بدري كدة بس الأمر مهم .
تنبه صقر جيداً ثم قال بهدوء وهو يتحرك في المطبخ جالباً الأطعمة بينما تستقر سماعة الهاتف عند أذنه :
– اتفضل يا أستاذ بهجت سامعك .
تحدث بهجت باستفاضة وقلق يراوده وجعل نومه مبدداً نظراً للهدوء المفاجئ لهذا الخالد :
– صاحبك يابني مش ناوي يجيبها البر وأنا قلقان منه ، أنا اتكلمت معاه امبارح وفهمته بهدوء إنه يبعد عن بنتي ، أنا مش عايز مشاكل ، أول امبارح نط من بلكونة بنتي ودخل أوضتها ودخلت لقيته قاعد على سريرها بياكل وبيتفرج على التليفزيون كأنه قاعد في بيته ، فكره إني هصدقه واتهم بنتي ، وأنا لولا الجيرة والدوشة كنت بلغت عنه بس كدة ميصحش أبداً ، أنا حبيت أكلمك وأقولك تبعده عن سكتنا ، النهاردة جايلي ضيوف وأنا بصراحة قلقان منه ومعنديش ثقة في تصرفاته الغير متزنة ، ياريت تكلمه وإلا مافيش قدامي غير القانون .
استمع له صقر بتفهم وحرج في آن واحد من أفعال خالد التي ربما مسبقاً تقبلها ولكن شخصيته الحالية ومدى إدراكه للأمور مختلفاً عن ذي قبل لذا فهو متفهماً لكلمات بهجت وتحدث بتريث برغم تأكده أن خالد لن يتوقف :
– تمام يا أستاذ بهجت اطمن ، أنا هتكلم معاه وهلاقي حل وبخصوص اللي عمله فأنت ليك كل الحق في أي رد فعل تاخده لو ده اتكرر مرة تانية .
كان يود لو وعده بعدم تكرار هذه الأمور الهوجاء ولكنه لا يثق في صديقه خاصة بعدما انتقل للعيش بعيداً عن تلك المنطقة وأصبح خالد ينفرد فيها دون متابعة صقر له .
تحدث بهجت بضيق من عدم سماعه ما يود قائلاً :
– اتمنى ده فعلاً ميتكررش ، وبعتذر مرة تانية لو قلقتك .
أغلق بهجت مع صقر وتوقف الآخر يزفر بقوة ثم قرر مهاتفته .
طلب رقمه وقام بالإتصال به ولكن الآخر لم يجبه ، مرةً أخرى ومجدداً لم يجبه فقط كان يتسطح على فراشه ينام بعمق بعدما شرب مقداراً لا بأس به من الكحول الذي أخذ عقله في رحلةٍ بعيدةٍ عن أرض الواقع ولكن رحلته لم تبعده عنها بل كانت رحلة خاصة بينهما فقط .
زفر صقر مجدداً بضيق وقرر زيارته ولكنه الآن عاد يكمل وجبة الفطور له ولجميلته .
❈-❈-❈
نزلت مايا متجهة إلى جامعتها ولكن أوقفتها آسيا قائلة بحنو قبل أن تغادر :
– لسة مش عايزة تتكلمي يا مايا ؟ ، هتفضلي زعلانة مني كدة كتير ؟
نظرت لوالدتها بعمق وعادت كلمات نارة تراودها ولكنها لم تكن كافية لتبدد حزنها من والدتها لذا التفتت وعاودت التحرك للخارج دون التحدث ببنت شفة ووقفت آسيا تطالعها بحزن ممزوج بالقليل من الراحة خاصة بعد عودة عُمر لعمله أمس .
وصلت إلى الحديقة ونظرت حولها تبحث عنه فلم تجده ، لثوانٍ ظلت كما هي تنظر نحو الملحق الذي من المؤكد أنه يقطنه الآن ولكنها لا تستطيع الذهاب إليه كالسابق .
زفرت بضيق واتجهت نحو سيارتها لتفتحها ولكنها لم تجد المفتاح فضيقت عيناها تتذكر أين وضعته ولكن قطع وصلة أفكارها مجيئه من خلفها يردف بنبرة جادة ثابتة وهو يفتح لها الباب الخلفي للسيارة :
– اتفضلي يا مايا هانم .
لكمة في يسارها كانت نتيجة صوته الذي تعشقه ثم التفتت فجأة تطالعه بعيون متلهفة ومتسائلة في آنٍ واحد ولكنها أحبطت حينما رأت البرود في عينيه وهو يقف كالتمثال ويتمسك بباب سيارتها منتظراً دخولها .
تعجبت من جديته المبالغ فيها وتساءلت ببلاهة وبنبرة متلعثمة بعدما تحرر لسانها أخيراً :
– مش فاهمة ؟
زفر ونظر لها ببرود قائلاً برسمية بالغة :
– اتفضلي اركبي علشان أوصلك للجامعة .
وقفت تبتلع ريقها وتطالعه لثوانٍ علّ تلك النظرة الباردة تختفي ويحل محلها نظرته الحنونة ولكن طال انتظارها حيث عاود نداءه فزفرت بضيق واستسلام واستقلت المقعد الخلفي للسيارة فأغلق الباب والتفت يستقل مكان السائق ويقود بصمتٍ وبرودٍ ظاهري ولكن قلبه يصرخ عليه مطالباً بالرحمة ولكنه قرر أن القسوة هي العلاج الأمثل .
خرجا من بوابة الفيلا في طريقهما إلى الجامعة وكلٍ منهما في أفكاره ومرا على الطريق الهادئ حيث تصطف الأشجار على جانبيه ولكن خلف شجرةٍ ما كانت تقف سوسن كعادتها لتراه وتمتع عينيها بالنظر إليه .
تراقبه خفيةً منذ أن تركته وإلى الآن وتعلم عنه الكثير ولكنها لم ترد الإفصاح يوماً عن هويتها أمامه ، بل فقط تراه بمنتهى الحذر وتعود إلى منزلها لتكن تلك جرعتها العلاجية لتقبل تلك الحياة .
شهراً بعد شهر يكبر ويشتد عوده وبرغم معاناته إلا أنها سعيدةً بمَ وصل إليه .
خاصة بعدما انتقل إلى العمل في هذه الفيلا حيث استعلمت طرقها العاطفية لتعلم أين ينتقل وأين يعيش في كل مرة يبتعد فيها عن المكان الذي تلزمه خفاءاً .
❈-❈-❈
استيقظت أميرة في فراشها تسبل بأهدابها عدة مرات وكالعادة كانت تسمع صوت المياة الدال على وجوده في الحمام .
تلك المرة لم تتحرك بل عادت تغمض لتكمل نومها وما هي إلا دقائق حتى أجفلت على صوته حينما أيقظها من غفوتها قائلاً ببرود يشبه الصقيع أسفل المحيط :
– أميرة ، يالا فوقي علشان هتيجي معايا عند ماما ، مامتك رايحالها وكلمتني علشان تشوفك هناك .
لم تعطِ أي ردة فعل بل صفحة وجهها بيضاء وهي تنهض أخيراً وتتحرك تاركة فراشها ومتجهة إلى الحمام تدلفه وتغلق بابه بهدوء أمام هذا الذي يتابعها ببرود قبل أن ينزع مئزره ويتجه يرتدي ثيابه .
❈-❈-❈
قبل أن يذهب صقر إلي شركته مر على خالد ليراه ويتحدث معه بشأن خديجة علّ الآخر يستوعب .
فتح له الحارس البوابة فتوقف بسيارته يسأله بترقب من خلال النافذة :
– خالد فين ؟
تحدث الحارس باحترام :
– موجود جوة يا محمد به ماخرجش .
أومأ له وأكمل قيادته حتى توقف أمام الفيلا الداخلية ثم ترجل من سيارته يخطو نحو الباب وطرقه وانتظر قليلاً أو ربما كثيراً حتى فتح له خالد بملامح باهتة وخطوط من السواد تسكن أسفل عينيه .
يطالعه بنصف عين ثم تركه ودلف فتبعه صقر قائلاً باستفزاز بالإيطالية :
– هذا حال من ليس له زوجة توقظه بحب .
زفر خالد بحنق واتجه يجلس مرتداً على الأريكة وتبعه صقر الذي جلس أمامه واضعاً ساقاً فوق الأخرى وهو يطالعه بتفحص ويدرك معاناته لذا زفر وقال متسائلاً :
– ماذا بعد ؟
نظر له خالد بملامح متجهمة يقول بثقة متناهية وجلافة :
– سأتزوج قريباً وحينها لن أفتح لك بابي مرةً أخرى .
ابتسم صقر واعتدل في جلسته فارداً ظهره وذراعيه وتحدث بنبرة ماكرة :
– ستفتح لي زوجتك ، ومن تلك التي تحتمل النوم بجوارك لدقائق ؟ ، أنت حركاتك مزعجة وفوضوية ، ولأقول كلمة حقٍ أنت لا تصلح للزواج .
لم يتمالك نفسه حيث قهقه بسخرية من آخر جملة قائلاً بوقاحة بعدما نجح صقر في تغيير حالته المزاجية :
– أنا لا أصلح إلا للزواج ، أنسيت ليالينا يا رجل ؟
انكمشت ملامح صقر قائلاً باندفاع يستنكر تلك الشبهة :
– تلك لياليك بمفردك ، أنا لم أمَسْ سوى زوجتي الغالية .
قالها صقر بفخر فابتسم خالد عليه ثم تحولت ابتسامته إلى ملامح شرسة وقد استشف سبب الزيارة فقال بثباتٍ بالغ :
– ولن يمسس خديجة سواي ، الأمر منتهي صقر ، لا تحاول عبثاً .
زفر صقر وعاد لجديته وهو ينزل ساقه لتجاور الأخرى ثم تحدث متكأً على ساعديه :
– حسناً أنا لا مانع لدي ، ولكن الأمور معقدة بينك وبين والدها ، لن تجني من أفعالك هذه سوى الحزن للجميع حتى أنت .
هز منكبيه بلا مبالاة قائلاً ببلادة :
– وليكن ، وليحزن الجميع مقابل أن أحصل عليها .
اكمل وهو يرفع سبابته أمام وجه صقر :
– ثم سأخيب ظنكم جميعاً حينما تجدوننا أسعد زوجين .
تجهمت ملامح صقر قائلاً بحدة واحتدام :
– هل تظن أنني لا أود ذلك ؟ ، فقط اتبع الطريقة السليمة يا خالد ، لا تخطئ في حقها وحق أهلها ، عليك أن تتفهم أنهم مختلفون عنّا .
انتفض فجأة من مكانه يتحدث بغضبٍ مستجد عليه قائلاً :
– كيف مختلفون عنا ؟ ، هل هم بشرٌ ونحن فضائيون ؟ ، أنت مزدوج المعايير صقر ، أنت بدأت تناقضني وهذا لا يروق لي .
وقف صقر يجابهه بهدوء ولكنه بدأ يعاني من عناد هذا الخالد قائلاً :
– حسناً إلى هنا وينتهي الحوار مؤقتاً ، ودعني أخبرك شيئاً قبل أن أغادر ، حالتك هذه لا تبشر بالخير ، فلتتزوجها بالطريقة التي تسعى لها ولكن اعلم جيداً أن هذا الزواج سيكون مقبرتكما .
تحرك بعدها يغادر بضيق من عناد صديقه الذي سيخسره كثيراً وتركه يصارع شياطينه التي بدأت تنتشر حوله لذا لم يتمالك نفسه ورطم الطاولة بقدمه فأطاح بها بعيداً وتهشمت محتوياتها تحت أنظاره وأنفاسه المهدرة والمتوعدة .
❈-❈-❈
انطلقت سوسن إلى وجهتها حيث وكالة العدلي للتجارة كي تبدأ في عملها كما وعدها حسن العدلي .
دلفت تلقي السلام عليهم فالتوت ملامحهم بضيق بينما تحدث أحدهم بهدوء :
– استني هنا وأنا هنادي على الحج حسن .
توقفت مكانها تجول المكان بأعينها وهي تمط شفتيها من ملامحهم بينما دلف الرجل المسن إلى المكتب ينادي حسن الذي تحرك معه للخارج يطالعها ثم قال بتروي بعد أن علم عنها ما يؤيد قراره :
– هتروحي مع السيد ع المخزن وهيوريكي هتعملي إيه هناك ، أهم حاجة تاخدي بالك كويس من العدد وتعلمي ع كل كرتونة بالعدد اللي جواها ، ماشي ؟
أومأت بحماس واضح قائلة :
– ماشي يا حج حسن ربنا يكرمك ويوسع عليك يارب .
أومأ لها وأشار للعامل المدعو سيد أن يذهب معها فأطاعه وتحرك معها نحو المخزن بينما رن هاتف حسن يعلن عن اتصالاً من ابنه يوسف فأجابه بترقب قائلاً :
– يوسف ؟ ، ها عملت إيه يابني ؟
تحدث يوسف وهو يقود في طريقه إلي شركة محمد عبدالله قائلاً بهدوء وعينيه تتابع الطريق :
– أنا في الطريق أهو يا بابا ، لسة رايح ، بس قلت أعرفك يمكن اكلمك وأنا هناك خليك جاهز .
تحدث حسن بترقب :
– تمام يابني بس خد بالك أهم حاجة يقتنع بكلامك .
أومأ يوسف مؤكداً وعينه على الطريق :
– متقلقش يا بابا هيقتنع ، يالا سلام دلوقتي .
أغلق معه وأكمل قيادته نحو الشركة حيث ينتظره صقر .
ولكن هناك زحاماً مرورياً على هذا المحور لذا تأفأف وفتح النافذة يستنشق هواءً يدعم به رئتيه .
التفت يميناً بغير هدى ولكن تجمدت نظراته حينما وجدها ترتكز برأسها على طرف النافذة وتنظر للا شيء شاردة تماماً .
انسحبت أنفاسه كأمواج على شاطيء الذكريات ولم يستطع لف وجهه عنها كأنه يتفحص ملامحها التي لم يرها منذ زمن .
أجفل حينما وجد صغيراً يقف أمامه بابتسامة لطيفة قائلاً وهو يمد له عبوة من المحارم الورقية :
– اشتري مني يا باشا .
التفت يوسف يطالعه ويتنهد بقوة ثم دس يده في جيب جاكيته يخرج بعض العملات ثم ناولها للفتى وأخذ منه المناديل فشكره الفتى على كرمه الواضح من خلال عطائه ودعا له وغادر ليصعق كما لو مسه ماساً كهربائياً وقد التقت نظراتهما مباشرةً فعلى ما يبدو أن دعاء الطفل وحركته جعلتها تنتبه لهذا الشخص الكريم الذي اشترى من الصغير دوناً عن غيره .
تخيلت رؤية أي وجهٍ إلا هو ، فهي قد يئست من رؤيته ولكن تأتي الصدف لتكن خيراً من كل الترتيبات .
وهل هناك ترتيبات أشد من ترتيبات القدر ؟
ابتلعت ريقها تحاول البحث عن أنفاسها التي كالعادة تتركها وترحل بينما قلبها يضخ بعنف ليخبرها أنه رأى شخصاً يسكنه دوماً .
انهارت كل الحصون من أمام نظرتها وشيدت حصون أشد قسوة وهي تعود لواقعها وحقيقة الأمر .
هي تجاور زوجها وهذا ابن عمها الذي جمعها معه قصة حب مبتورة بترها أهلها بقسوتهم وتجبرهم لذا لفت رأسها تنظر أمامها لتتجنب رؤيته التي لن تزيد سوى عذابها .
انقبض قلب يوسف وزفر بصعوبة وكاد يلتفت هو الآخر متجاهلاً بصعوبة هذه الصدفة ولكنه وجد عاطف يباغته بنظرة يجزم أنها سهاماً سامة يمنعها فقط عدم تجسد النظرات ، أسرع يبعد نظراته ويغلق النافذة ليظل بمفرده هو وقلبه وضيق صدره .
وكذلك أغلق عاطف النافذة وقبض بقوة على كفها بعدما لاحظ نظراتها لهذا الغريم العدو اللدود وقال بنبرة شرسة عدائية :
– إنتِ بتعملي إيه ؟ ، الكلب ده إزاي تبصيله كدة .
تغاضت عن سبه أمامها فهي في وضعٍ لا يسمح لها بالدفاع عنه إطلاقاً خاصة ويدها أصبحت تؤلمها من قبضته وقالت من بين عينيها المعتصرة الدامعة وملامحها المنكمشة بألم :
– اااااه سيب إيدي يا عاطف هتكسرها .
– تنكسر وأكسر دماغك كمان ، إنتِ اتجننتي ؟ ، بتحطي عينك في عينه وأنا قاعد جنبك ؟ .
استعملت كامل قوتها في نزع يدها من قبضته ونجحت وهي تصرخ بقهر وقلبٍ متألم :
– محصلش ، مكنتش واخدة بالي منه أصلاً وعيني جت في عينه غصب عني .
لم يتحكم في تعبيراته حيث نطق بشراسة من بين أسنانه :
– ولا تشوفيه حتى ، ولا عينك تلمحه حتى لو قدام منك ، متطلعيش أسوأ ما عندي ، متخلنيش ارتكب جريمة .
قالها بتهديد فزفرت بقوة تغمض عينيها تستدعي الصبر وهي تعلم أنه قادرٌ على تنفيذ ما يقوله لذا أومأت تقول بنبرة منكسرة حزينة :
– تمام ، أنا أسفة .
باغتها بنظرة حارقة قبل أن يلتفت بعدما تحركت السيارات ليقود بأنفاسٍ مشتعلة لن تهدأ أبداً .
❈-❈-❈
بعد أن غادرت مايا إلى جامعتها قررت آسيا الذهاب إلى نارة والاطمئنان عليها وعلى جنينها .
تجهزت وكادت تخطو نحو الخارج ولكن رنين هاتفها أوقفها لثوانٍ فدست يدها تخرجه من حقيبتها لترى المتصل ولكن تعجبت حينما وجدت رقماً غير مسجل .
زفرت وأجابت بترقب قائلة :
– ألو ؟
أجابها والد أمير الرفاعي قائلاً بلطفٍ :
– صباح الخير يا آسيا هانم ، أخبارك إيه ، معاكِ منير الرفاعي والد أمير صديق مايا في الجامعة .
تعجبت من اتصال هذا الشخص بها ثم تحدثت برتابة متسائلة :
– أهلاً وسهلاً يا أستاذ منير ، خير حصل حاجة ؟
ابتسم قليلاً ثم تحدث بتروٍ وهدوء :
– لا يا هانم بس كنا حابين نيجي نزوركم أنا وابني ونطلب إيد مايا لأمير ، أكيد إنتِ عارفة إن أمير بيحب مايا وكان مستني موافقتها ، وبمَ إنها وافقت فخلينا على الأقل نقرأ فاتحهم ؟
صدمت من حديثه وفقدت النطق لثوانٍ لا تستوعب كلماته وعن أي موافقة لذا تحدثت تكرر كلمته بتعجب قائلة :
– وافقت ؟ ، مايا وافقت على ابنك ؟
أكد لها قائلاً باستفهام وتعجب :
– أيوة يا هانم وافقت وبلغته بكدة وجه لوجه ، هو حضرتك متعرفيش ولا إيه ؟
ابتلعت لعابها وانتابها الحرج والضيق وبدأت تستنتج سبب حزن عمر لذا تنهدت بعمق ثم تحدثت بنبرة ثابتة :
– تمام يا أستاذ منير ، تقدر حضرتك تتفضل إنت وامير بكرة إن شاء الله هكون في انتظارك أنا ومحمد جوز نارة بنتي .
أومأ لها وتحدث بنبرة فرحة :
– على بركة الله يا أسيا هانم ، هنكون عندك الساعة ٨ إن شاءلله .
أغلقت معه ووقفت تفكر في أفعال ابنتها وعنادها وقد قررت تلقينها درساً قاسياً علها تستوعب قراراتها الخاطئة .
زفرت بضيق ثم عادت تتحرك للخارج وتستقل سيارتها ثم تقود متجهة إلى نارة .
❈-❈-❈
وصل يوسف إلى شركة صقر بعد عناء فكري وروحي استنزفه وكاد أن يؤخره عن موعده .
رؤيتها بعد تلك المدة وفي تلك الحالة أعادت لهيب جروح قلبه التي لم تتعافَ بعد .
خاصة وأنه بات يشك في معاناتها بعد اتصالها بشقيقته وها هو يجاهد ليتغلب على قلبه ويسحق أي صوتٍ داخله وهو يصعد عبر المصعد حيث كان صقراً في انتظاره .
دلف مكتب للسكرتيرة التي وقفت ترحب به ثم اتجهت تطرق باب المكتب فسمح لها صقر بالدخول .
دلفت تقدم يوسف برتابة قائلة بعملية :
– أستاذ يوسف يا فندم .
اعتدل صقر وتحدث بهدوء يعتلي ملامحه :
– خليه يدخل يا نهلة .
أومأت وتحركت خطوات ثم أشارت له من خلال الباب قائلة بابتسامة هادئة :
– اتفضل يا أستاذ يوسف .
أومأ لها يوسف وتنهد ثم خطا نحو المكتب واتجه على الفور نحو صقر يرحب به ويمد يده بالسلام قائلاً برتابة :
– أزيك يا محمد بيه ، مع حضرتك يوسف العدلي المحامي .
وقف صقر وبادله السلام بهدوء قائلاً بنبرة تحمل خبثاً مغلفاً بالجدية :
– أهلاً وسهلاً يا أستاذ يوسف ، اتفضل أقدر أساعدك في إيه ؟
تحمحم يوسف وترك يده بهدوء ثم جلس على المقعد الجانبي للمكتب وجلس صقر يطالعه بترقب وقد نسجت خيوط التوتر على ملامح يوسف ولكنه يحاول الاحتفاظ بثباته لذا قال بنبرة هادئة يشوبها الترقب :
– هو بصراحة الموضوع اللي أنا جايلك فيه بخصوص مدام نارة زوجة حضرتك ، نارة شفيق الدقاق ، أو نارة شريف العدلي .
لو أنه لا يعلم من هذا وماسبب زيارته لكان يوسف الآن في خبر كان خاصة وشفتيه تنطق اسمها ولكنه حافظ على ثباته وتساءل يدعي التعجب قائلاً :
– أنا اخدت بالي من لقب العيلة بس بردو مش فاهم إنت تبقى مين وإيه الموضوع اللي جاي تتكلم فيه بخصوص زوجتي ؟
تحمحم يوسف وبدأ توتره يظهر خاصة مع نظرات صقر الباردة الصلدة التي يطالعه بها كأنه يضعه تحت اختبار دقيق فقال بتروٍ شارحاً ما في جبعته :
– أنا ابن عم نارة يا محمد بيه ، ولسة عارف ده من وقت قريب ، وأنا ووالدي وأعمامي كنا بندور عليها من فترة وأول ما وصلنا معلومات عنها جمعتهم وجيت أقابل حضرتك علشان لنارة حقوق عندنا عايزين نردهالها وكمان نتعرف عليها .
لم يعجبه حجة هذا اليوسف الخائبة وأخيراً كشر عن أنيابه وتحدث بملامح تجهمية ونبرة حانقة :
– تتعرفوا عليها وتردولها حقوقها ! ، بعد ٢٦ سنة ؟ ، مش ملاحظ إنك بتتكلم بأسلوب ميصدقوش عيل صغير وبتستهين بذكائي ، الكلام ده تقوله لو بنتكوا كانت ضاعت منكوا زمان ، إنما إنتوا اللي ترفضوها وتبعتوها ملجأ يبقى فيه حساب لازم يتاخد قبل التعارف ورد الحقوق .
انفرد بساط التوتر على ملامح يوسف كاملة وابتلع لعابه ثم حاول شرح موقفه قائلاً :
– أكيد حضرتك معاك حق ولو عليا أنا مش متقبل أخطاء عيلتي بس لازم تعرف إن دي قرارات جدي وهو حاليا متوفي ووالدي وأعمامي حابين يكفروا عن ذنبهم ويردولها حقوقها ، وعفا الله عما سلف يا أستاذ محمد ، صدقني كلنا في العيلة حابين جداً نتعرف على بنت عمنا ونتمنى إنها تسامحنا ، زي ما قلتلك دي غلطة جدي زمان هو كان شايف إن والدة نارة مش مناسبة لعمي لإنه كان إنسان متدين زيادة ووالدة نارة مختلفة عنه .
أغمض عينيه ليمنع غضبه من التصاعد ، نطق اسمها ثلاث مرات إلى الآن لدرجة أنه ذكره بصقر الجارحي وتملكه ، ولكنه عاد لرشده حينما أدرك بعقلٍ يتعافى أن الماثل أمامه يتحدث عن ابنه عمه التي لم يرها أبداً .
ولكن ليأخذ الجزء الأخير من كلماته ، هل قال عفو ؟،
أي عفو يتحدث عنه وهو يعلم حقيقتهم جيداً ، يعلم كيف تركوها بل ورفضوا استلامها ، أخبرته لبنى كيف تم تسليمها إليها عن طريق رجل شرطة وكيف اعتنت بها هي وعمر الوحيد الذي يسمح له بنطق اسمها بعدما أكد له الأخير حق أخويته لها ، خاصةً أثناء خطة موته .
زفر ينظر بضيق نحو يوسف المتوتر وود لو طرده ولكنه مجبراً على التعامل معهم حتى يريح جميلته التي تتمنى التعرف على أهلها ، ليتها تعلم ما علمه ولكن أول ما يبغضه هو حزنها .
لذا عليه التمهل قليلاً حتى تنكشف الحقائق كاملة ويتبين له ما وراء بحثهم المفاجيء عنها ليرى إن كان حقاً عذاب ضمير أم ستُفتح أبواب العذاب في وجوههم .
انتهى الفصل
رأيكم
إيه أكتر مشهد عجبكم ؟
وإيه توقعاتكم بخصوص عيلة نارة ؟
وأميرة ويوسف ؟
وخالد هيعمل إيه لما العريس ييجي 🙈؟
وطه ابن سمير العدلي رايح على فين ؟
أسألة كتير اتمنى تجاوبوا عليها في الكومنتات ونتناقش
بحبكم جداً 😘😘😘

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية هواها محرم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *