روايات

رواية ظلمات الفصل الأول 1 بقلم رانيا الخولي

رواية ظلمات الفصل الأول 1 بقلم رانيا الخولي

رواية ظلمات البارت الأول

رواية ظلمات الجزء الأول

رواية ظلمات
رواية ظلمات

رواية ظلمات الحلقة الأولى

ضاق به ذرعًا، لم يعد يستطيع التحمل أكثر من ذلك ما زالت كما هي ولن تتغير، تحمل كثيرًا من أجل أولاده لكن كفى، لن يقبل على نفسه بعد الآن أن يظل شيئًا مهمشًا مجرد فيزا بنكية تسحب منه ما تريد ثم تلقي به في أحد الأدراج حتى تحتاجه مرة أخرى، لن يحدث بعد الآن.
اكتفى ظلماً من تلك المرأة التي تعيش فقط لأجل ملذاتها
تقف أمامه تنظر إليه بتحدى ظاهر ، وكأنها تعلم علم اليقين أنه سيظل تحت سطو رغباتها كى لا يُحرم من أولاده.
وكانت قسوة نظراته تنذرها بما يجول بخاطره وما ينوى فعله، ولكن شيطانها اعماها فيزداد تحديها أمامه حتى فاجأها بما لم يخطر على بالها
_ انتي طالق.

تردد صداها في أركان المنزل وسط صدمتها التي جعلت عينيها تتسع بذهول، تنظر إليه بعدم استيعاب لما قاله، اختفت نظرة القوة والتحدي التى كانت تعانده بها وتظهر محلها نظرت انكسار استطاعت اخفاءها وخرجت الكلمات من بين شفتيها فى تعثر
_ ا…أنت.. انت قولت ايه؟

اشتدت نظراته حدة كالفولاذ وبدا له كل شيء أسود، وصاح بغضب هادر:

_ أيوة طالق يا ياسمين طالق وعارف إنها المرة التالتة يعنى الأخيرة ولو مسمحولي أقولها ميت مرة مش هتكفيني بيها، أنا خلاص مبقتش قادر أتحمل عمايلك، كل مرة بتوعديني إنك هتتغيرى وإنك هتكوني أحسن من الأول، بس للأسف بترجعي أحقر من الأول، خلاص اللي بنا انتهى لحد كدة.
ارتمت على المقعد خلفها عندما شعرت بأن الدنيا تلتف من حولها
نظرت إلى أطفالها الذين وقفوا ينظرون إلى المشهد الذى يعاد أمامهم باستمرار عند اللقاء بوالدهم، فأصبح شيئاً عادياً بالنسبه لهم
كأحد أفلام الرسوم المتحركه التى هى ملجأهم الوحيد من ذلك الإهمال الذين يعانوا منه .

أما هو فقد دلف غرفته جاذبًا الحقيبة ليضع ملابسه بها بإهمال يريد أن يخرج من ذلك المنزل الذي كان شاهدًا على غلطة حياته منذ البداية، عندما تمسك بالزواج منها رغم معارضة الجميع له، وها هو الآن يعاني من نتيجة خطأه، لكن من سيعاني أكثر هي وردته التي تحمل لأجلها مرارًا وتكرارًا
يريد أن يأخذهم معه لكنه أيضًا لا يريد أن يحرمهم منها، سينتظر قليلًا حتى تستقر أوضاعه وبعدها يأخذها هي وأخيها حتى لو بالقوة، لن يتركهم لامرأة لا تبالى بأى شئٍ سواها، أغلق حقيبته وهم بحملها لكنه توقف عندما وجد صغيرته تقف عند باب الغرفة تنظر إليه بخوف وكأنها على وشك البكاء، أخرج تنهيدة قوية من صدره ونظر إليها بحنان بالغ وقال بحب:

_تعالي يا قلبي.

هزت الصغيرة رأسها بالنفي وقالت:

_ أنت خلاص هتمشي ومش هترجع تاني.

أغمض جود عينيه بيأس من حظه العسر الذي أوقعه مع تلك المرأة، فلم يمضي دقائق معدودة حتى تلاعبت بمشاعر ابنتهم، تقدم جود منها وحملها بين يديه وهو ينظر إليها بحنان بالغ قائلاً بحب:

_ قبل أي حاجة أنتِ عارفة إني بحبك انتي وياسو أكتر من الدنيا كلها صح ولا لأ.

هزت الصغيرة رأسها بالإيجاب ليتابع جود:
_خليكي بردوا عارفة ومتأكدة أن مفيش حاجة في الدنيا كلها هتمنعني عنكم، بس أنا دلوقت مسافر عشان شغلي وإن شاء الله هرجع قريب وآخدك انتى وياسو ونعيش كلنا مع بعض عند تيته سامية.

تبدلت ملامحها لسعادة بالغة وقالت:

_وماما هتكون معانا؟

حاول جود البحث عن رد لا يحزنها لكنه أراد أن يوضح الأمور أمامها كي لا تندم بعد ذلك فقال:

_لا يا قلبي أنا وماما خلاص أطلقنا ومينفعش نرجع لبعض تاني.

ردت الطفلة ببكاء مزق قلبه:

_بس أنا بحب ماما وعايزة اعيش معاكم انتوا الاتنين.

احتضنها جود بقلب ملتاع عليها وأراد أن يمتص أحزانها التي تؤرقه لكن ليس بيده شيء،
قبل جود رأسها بحب وقال:

_معلش يا حبيبتي أنا لازم أمشي دلوقت وقريب أوي هرجع ونعيش تاني مع بعض، خلي بالك من ياسو.

قبلها جود مرة أخيرة ثم حمل حقيبته وخرج من الغرفة ليجدها جالسه على المقعد تبكي بانهيار، فابتسم بتهكم وتابع سيره حتى خرج من المنزل وقد ترك قلبه مع طفليه..

*******
استيقظت من نومها بتكاسل على صوت هاتفها
الذي صدح معلنًا عن اتصال هبة أختها كي تعنفها كما تفعل كل صباح، فتحت سماعة الهاتف وتركته على المنضده وهي تقول باستياء:

_ على متخلصي الموشح بتاع كل يوم الصبح هكون دخلت الحمام وغيرت هدومي سلام.

_ هو انتي مفيش فايدة فيكي؟ انتي عارفة الساعة كام دلوقت؟ انتى………..

دلفت حلم المرحاض وتركتها تكمل موشح الصباح كما تطلق عليه ايمان وتخرج بعد قليل لتبدل ملابسها وتأخذ حقيبتها بعد أن وضعت الهاتف بها وخرجت لتجد والدتها قد أنهت تحضير الفطار فقالت:
_ صباح الخير يا ماما.

ردت والدتها بجمود:

_ صباح النور، انتي مش هتخلصي موالك انتي واختك بتاع كل صباح دة؟

زفرت إيمان بضيق وقالت:

_ موالها هي مش أنا.

_ ما أنتي اللي بتتأخري على المحل.

قلبت عينيها بملل وقالت:
_ على فكرة يا ماما المحل ده الوحيد اللي بيفتح بدري، كل المحلات اللي حوالينا بتفتح بعد الظهر وهي مش عايزة تفهم كدة.

_ استغفر الله العظيم، ربنا يهديكم، يالا افطري بسرعة وروحي.

*******

_انتي بتقولى ايه؟ يعنى ايه طلقك؟

قالتها والدة جواد عندما أخبرتها ياسمين بما حدث، وردت عليها ببكاء:

_زي ما بقولك كدة يا طنط، خناقة زي أي خناقة حصلت بنا، فجأة لقيته بيقولي انتي طالق وأنه مبقاش قادر يكمل معايا.

_ استغفر الله العظيم، طيب اقفلي دلوقت وأنا هتكلم معاه.

أغلقت أم جود الهاتف لتتصل بابنها الذي فور اتصالها علم أنها أُخبرت بما حدث فقال لها:
_ أهلا يا أمي.

صاحت به والدته:

_ بلا أهلا بلا زفت، تقدر تقولي إيه اللي عملته ده؟ أنت ناسي أنها الطلقة الثالثة يعني مفيش منها رجوع؟

زفر جود بضيق شديد وقال:

_ ماما أرجوكي أنا مش عايز كلام في الموضوع ده اللي حصل ده كان لازم أعمله من زمان، ياسمين هي زي ما هي مش بتتغير، وأنا خلاص مبقتش قادر أتحمل دلعها واستهتارها أكتر من كدة، كل مرة بتغاضى وبسامح عشان خاطر الولاد بس صدقيني أنا وصلت لمرحلة وجودها زي عدمه.

_ يا حبيبي أنا عارفة كل ده بس احنا بنقول لازم تتحمل عشان خاطر ولادك.

_ وأنا فين يا ماما؟ فين مراتي فين احتياجاتي أنا زى الأعزب بالظبط، متجوز بقالي خمس سنين ولو هنحسبها بالأوقات اللي بتقضيها معايا هتلاقيها أربع شهور، مفيش أي إحساس بالمسؤولية أغلب وقتها عند أمها عشان تسيب الولاد معاها وتخرج براحتها، مصاريفها ملهاش حدود كأنها بتنتقم مني، خلاص يا ماما إنسي مستحيل أرجع لها تاني مستحيل.

رق قلب سامية على حال ابنها وما وصل إليه من يأس وقالت

_ لا حول ولا قوة إلا بالله، والله ياابنى أنا عارفة ومقدرة اللي أنت فيه بس بردوا الولاد.

رد بتأكيد

_ الولاد هيتربوا سواء معايا ولا معاها، أنا مقدرش أحرمهم منها ولو عايزة تبعتهم يبقى كتر خيرها.

ردت سامية بحيره

_ مش عارفة أقولك إيه، انا هسيبك دلوقت لما تهدى ولما ترجع إن شاء الله هيبقى لينا كلام تاني.

أغلق جود الهاتف وألقاه بغضب على المقعد المجاور وهو يلعن ذلك الحظ الذي أوقعه في شباكها.

********

ظل طوال الطريق يفكر فيما آلت إليه الأمور، لم يكن ينوي الطلاق وخاصةً أنه فعلها مرتين من قبل وتعد هذه الطلقة الثالثة بمعنى دون رجعة، ماذا سيفعل الآن؟
هو لن يستطيع العيش بعيدًا عن أولاده، وأيضًا لن يستطيع الضغط على نفسه أكثر من ذلك بالبقاء معها، ماذا سيفعل؟ ظل على تلك الحالة حتى وصل إلى وجهته
ركن سيارته أسفل البناية التى سيقطن بها مدة وجوده فى تلك المدينة حتى ينتهى عمله . وهم بفتح الباب ليصطدم فجأة بشيء وآه أنثوية جعلته ينتفض بخوف وينظر إلى مصدر الصوت ليجد فتاة ساقطة على ركبتيها وتضع يدها على صدرها بألم، فترجل مسرعًا من السيارة واقترب منها قائلًا بقلق:

_ انتي كويسة؟

رفعت عينيها إليه بألم وأومأت قائلة:

_ آه كويسة.

همت بالنهوض لكن الألم ازداد فقال بخوف:

_ طيب اركبي معايا اوديكي المستشفى.

تحملت على نفسها ونهضت قائلة:

_ صدقني أنا كويسة، هي بس خبطة بسيطة مش مستهلة.

_ أنا آسف والله مبصتش في المراية قبل ما أفتح الباب.

حملت حقيبتها وأسرعت بالذهاب وهي تقول:

_ حصل خير، بعد إذنك.

ذهبت إيمان وتركته ينظر إلى أثرها حتى اختفت من أمامه.

دلف البناية وصعد إلى شقته
واتصل على أحد أصدقاءه وشريكه في العمل يخبره بوصوله، ثم دلف إحدى الغرف كي يرتاح قليلًا قبل أن يذهب إلى الموقع كي يباشر عمله.

*********
استيقظ جود على طرقات الباب نظر إلى ساعته فوجدها الثانية ظهرًا، نهض من فراشه بتثاقل وذهب ليفتح الباب وهو يعلم بهوية الطارق، فتح الباب دون أن ينظر إليه وعاد إلى غرفته وهو يقول بنعاس:

_ ادخل واقفل الباب وراك.

دلف حسين خلفه بعد أن أغلق الباب وقال بدهشة:

_ إيه دة أنت مجبتش العيال معاك .

ارتمى جود على الفراش بتعب وقال:

_ لأ ما خلاص.
عقد حسين حاجبيه بعدم فهم وقال:

_ يعني إيه مش فاهم، أنت مش كنت نازل عشان تجيبهم إيه اللي حصل.

أخرج جود تنهيدة عميقة من صدره وقال بهدوء:

_ أنا طلقت ياسمين.

قال حسين بصدمة:

_ إيه طلقتها؟ ومالك بتتكلم ببساطة كدة؟ أنت ناسي أنها الطلقه الثالثة يعني الأخيرة.

أومأ جود بصمت، ثم قال:

_ آه عارف، دا اللي كان لازم يحصل من زمان قبل مـ حاجة تربطني بيها وتخليني أتنازل وأتنازل لحد ما خلاص جبت آخري.

_ كل دة أنا عارفه وعارف اد إيه أنت اتحملت منها، بس بردوا كنت صابر وراضي عشان الولاد ، إيه بقى اللى خلاك تعمل كده؟

_ رفضت أنها تيجى معايا ولقيتها حاجزة هي وأصحابها أسبوع في شرم، وقال إيه كسبتها في لعبة مع أصحابها وأصرت إنها تروح.

ساد الصمت قليلًا بينهم حتى قاطعه حسين قائلًا:

_ طيب هتعمل إيه دلوقت معاها.

هز جود كتفيه بعدم مبالاه وقال:

_ ولا حاجة اللي هي عايزاه هعمله، عايزة تاخد الولاد ودي حاجة أشك فيها ماشي، عايزة تسيبهم وتعيش هي حياتها بردوا ماشي، اللي هي عايزاه، أنا خلاص كرهت كل حاجة بسببها.

حاول حسين التخفيف عن صديقه قائلًا بمرح:

_ يا سيدي ولا يهمك أنا عندي اللي تنسيك أم العيال واللي جيبينك كمان.

رفع حاجبيه بعدم تصديق ليأكد له حسين:

_ تحب تشوف بنفسك؟

رد جود برفض

_ لا يا عم متشكرين أنا ياسمين كرهتني في الستات كلهم.

_ اسمع كلامي مش هتندم، وعلى العموم هي شغالة في المحل اللي على أول الشارع واسمها ايمان، بس إيه حاجة من الآخر.

نهض جود من الفراش ليدلف إلى المرحاض قائلًا:

_ لا إيمان ولا غيرها خلاص هعتزل الستات كلها.

خرجوا من المصعد ومازال حسين يحاول إقناعه بالتعرف على تلك الفتاة، ربت جود على كتفه قبل أن يتركه ويصعد إلى سيارته قائلاً

_ ربنا يهديك يا حسين وتبطل بقى اللي أنت فيه ده.

حاول حسين إيقافه

_ خد بس هقولك.

أشار له جود بالابتعاد وقال بسخرية:

_ إلعب بعيد يا شاطر، يالا أشوفك في الموقع.

انطلق بسيارته وقد تحركت عواطفه بتلك الفتاة التي رآها صباحاًا مع كلمات حسين، وعند مروره من أمام متجرها التفت إليه دون إرادة منه فوجدها تقف مع إحدى الزبائن وابتسامة ساحرة مرتسمة على ثغرها فتفاجئ بها نفس الفتاة التي رآها في الصباح، وحقًا كما قال ستسحره وقت رؤيتها.

********

مرت الأيام وهو يمر كل يوم من أمام متجرها ويكتفي بالنظر إليها من بعيد، أراد أن يتهرب من مشاكله التي التفت حول عنقه معها فقرر التعرف عليها بأي طريقة.

دلف المتجر ليجدها جالسة على المقعد وتتحدث في الهاتف وفور رؤيته أغلقت الهاتف واقتربت منه قائلة بصوت هادئ:

_ اتفضل حضرتك.

حمحم جود بإحراج عندما لاحظ عدم تذكرها له فقال:

_ أنا عايز لبس لطفلة اربع سنين.

ردت ايمان بابتسامة ناعمة:

_ عايز حاجة معينة؟

تاه جود في عينيها التي تسحر من يراها وقال:

_ لا، بس ممكن تختاري على زوقك.

اومأت له وبدأت تعرض عليه الملابس الموجوده وهو لا يعي بشيء من حوله سوى وجودها هي.

_ أنت معايا؟

انتبه جود على سؤالها ورد بإحراج:

_ آه معاكي، أنا بس سرحت شوية، آسف.

ابتسمت إيمان بمجاملة، وقالت:

_ لا عادي، اتفضل اختار.

اختار جود بعض الملابس وهو يحاول إطالة الحديث معها ولم ترفض ذلك بل شعرت بالراحة معه وكانت تلك المقابلة هي بداية تعارفها عليه، أخبرها القليل عن حياته بأنه مطلق ولديه طفلان وقد جاء إلى هنا للعمل
لم يكتفوا بتلك المقابلة، بل تكررت مرات ومرات وبدأ جود يشعر بالميل نحوها وكذلك هي،
وعندما قصت على توأمها تلك العلاقة بينها وبينه قالت سهى:

_ أنا مش شايفة أن في مشكلة
انتي حبتيه وبتقولي إنك حاسة أنه هو كمان بيبادلك نفس الشعور، وبعدين هو معاه أولاد يعنى ده انسب واحد ليكى مش هتفرق معاه مشكلتك
ردت ايمان بحيرة:

_ بس…..
قاطعتها سهى قائلة:

_ مفيش بس ده يعتبر فرصة مش هتتكرر تاني، شاب ووسيم وبتقولي أنه غني وابن ناس يبقى عايزه إيه تاني؟

_ أولًا هو لسه مفتحنيش في جواز ولا غيره، بس أنا بفكر لو فاتحني هيعمل إيه لما يعرف الحقيقة.

_ عادي يا بنتي دي حاجة مش بإيدك، وبعدين لو هو إنسان كويس زي ما بتقولي مش هتفرق معاه وهيقدر.

_ بس تفتكري لو عرف إني مينفعش اخلف هيرضى عادي؟

_ مش عارفة بس هو معاه الولد والبنت أظن يعني مهتفرقش معاه، وعلى العموم إحنا كده بنسبق الأحداث نصبر شوية لحد ما يفاتحك في الموضوع وبعدين احكيله وهو حر بقى وافق كان بها، موافقش يبقى زيه زي غيره.

******

كان جود يراجع بعض الأوراق المتعلق بالعمل وأثناء ذلك صدح رنين هاتفه يعلن عن اتصال من طليقته، لكنه كالعادة رفض الرد عليها، فقد أخبرها في آخر مكالمة أنه لن يتحدث في الأمر حتى عودة والديها فلما إذًا تصر على الإتصال به، لا يوجد أمل للعودة وعليها أن تعي ذلك.

بعد انتهاء عمله قرر الإتصال بوالدته حتى يطلب منها التحدث مع ياسمين حتى لا تهاتفه مرة أخرى:

_ السلام عليكم إزيك يا أمي عامله إيه.

ردت والدته باشتياق:

_ وعليكم السلام يا حبيبي أنا الحمد لله كويسه المهم أنت طمني عليك عامل إيه في شغلك؟

عاد جود بظهره للوراء بتعب وقال:

_ أنا كويس الحمد لله، بتشوفي الولاد؟

_ آه ياحبيبى بشوفهم هما كويس وبيسألوا ديما عليك، على فكرة حماك وحماتك رجعوا امبارح وياسمين بتحاول توصلك عشان تعرفك بس قالت إنك مش بترد عليها وهما دلوقت خدوها هي والولاد.

أخرج جود تنهيدة عميقة من صدره وقال بهدوء:

_ خلاص إن شاء الله على آخر الأسبوع كده هرجع واخلص الموضوع.

_ يعنى مفيش أمل إنك ترجعلها؟

_ لا يا أمي مفيش من كل الجهات مفيش وانتي أكتر واحدة عارفة كدة.

_ خلاص يا ابني اللي تشوفه وربنا يهديك للي فيه الخير.

********
تفاجئت ياسمين بمرارة الطلاق الحقيقية، لم يكن الأمر كما حدث في المرتين السابقين، فقد تعامل والديها معها من قبل على أنه زعل مؤقت وستعود إليه، لكن هذه المرة مختلفة، فلا أمل للرجوع مهما حدث، فأصبح والدها شديد التعصب عليها ينفعل عليها من أصغر سبب ووالدتها التي أصبحت تجبرها على التعايش مع ذلك اللقب “مطلقة” وفرضت عليها قيود اللقب، لا يجوز لها الخروج وحدها كما كانت تفعل من قبل أجبرتها على الاحتشام في ملابسها حتى في المنزل
حتى إذا احتاجت للذهاب إلى الطبيب يذهب الاثنين معها برقابة مشددة، لا يسمح لها بالتحدث مع أحد، قارنت بين حياتها مع زوجها الذي كان دائمًا نعم الزوج، لم ترى منه سوى كل خير وهو لم يرى منها سوى العناد والتجاهل وفوق ذلك أخبرتها والدتها أنهم قرروا ترك الاولاد لوالدهم، فقالت ياسمين برجاء:

_ لأ يا ماما أرجوكي أنا مقدرش أعيش من غيرهم مستحيل.

ردت والدتها بجمود:

_ يعني إيه؟ هو يروح يتجوز ويعيش حياته وإحنا نربيلوا ولاده، مستحيل ده يحصل
وأنا قولت الكلام ده لوالدته وهي وافقت.

أسرعت إلى والدها تقبل يده وتقول بتوسل:

_ أرجوك يا بابا إلا ولادي هعمل كل اللي تطلبوه مني إلا إني أسيب ولادي.

رد والدها بتهكم:

_ وكان فين الحب ده كله وانتي مهملة في جوزك وفي بيتك وولادك اللي بتسبيهم معانا وتقضي وقتك كله خروجات وفسح، كان فين الحب ده وقت جوزك ما كان بيرجع من شغله ميلقكيش في البيت مستنياه زي أي زوجة ما بتعمل مع جوزها
جوزك كان بيقضي الإجازة وهو لوحده ولما يكلمك تخترعي أي قصة تهربي بيها عشان مترجعيش البيت للأسف دي غلطتك ولازم تدفعي تمنها
ولادك مكانهم مع أبوهم وأول ما يرجع يخدهم وهو ماشي.

اجهشت ياسمين بالبكاء وحاولت التحدث لكن والدها منعها قائلاً:
_ مش عايز أسمع أي حاجة انتي السبب في كل اللي حصلك ومتلوميش إلا نفسك، أنا سايب شغلي ومصالحي وقاعد هنا بقالي ١٥ يوم مستني وهو كل يوم يأجل معادنا، واعملي حسابك لو مجاش زي ما قال بكرة إحنا هنسيب الولاد مع والدته وهتسافري الغردقة معانا، أنا مقدرش أسيب شغلي أكتر من كدة.

تركها والديها تبكي بانهيار وهي ترى نتيجة خطأها وعدم تحملها المسؤولية، فلم يكن الزواج لها سوى تخلص من قيود والديها وأن تعيش حياتها كما تريد هي
لا بد أن تبحث عن أي تغره قد تعيدها إلى زوجها، لا بد أن تبحث عن فرصة حتى لو كانت أخيرة،
لكن كيف ذلك؟ وهو قد قام بطلاقها ثلاث مرات، قامت بمراسلة أحد المشايخ وطلبت منه أن يفتيها في أمرها
فأخبرها أن الطلاق قد تم ولا بد من وجود محلل حتى تعود له
لكن إذا وقع الطلاق في إحدى المرات وانتي في حيض أو نفاس فالطلاق حينها لا يجوز، لم تصدق ياسمين عينيها وهي ترى تلك الرسالة، إذا فالطلاق الأخير هذا لم يقع عليها، فقد كانت في فترة حيض لم تجد أحد تخبره بذلك سوى والدته فأسرعت بالإتصال بها تخبرها بفتوى الشيخ.

*******
استمرت العلاقة بينهم في تعمق حتى أنه أصبح متواجدًا معها أغلب وقته لا يفترقان إلا وقت العمل أو عودتها إلى منزلها
وفي يوم وأثناء تواجدهم على الشاطئ وهو المكان الذي يجمعهم دائما قال جود:

_ إيمان أنا لازم أرجع القاهرة بكرة مينفعش اتأخر عليهم اكتر من كده.

ظهر القلق على وجهها وقالت بخوف:

_ بس أنا خايفة لما تشوفها تحنلها زي كل مرة.

_ لأ اطمني ياسمين صفحة وانطوت عمري م هرجعلها تاني،
تردد جود كثير قبل أن يقول:

_ إيمان تقبلي تتجوزيني.

رفعت نظرها إليه بعدم استيعاب لطلبه وأرادت في تلك اللحظة أن تتناسى كل شيء وتصرخ بأعلى صوتها بالموافقه لكنها لم ترد خداعه أكثر من ذلك وقالت بتردد:

_ لو كنت طلبت مني الطلب ده من تلات سنين كنت موت من الفرحة، بس دلوقت صعب.

عقد حاجبيه بعدم فهم وقال:

_ مش فاهم إيه اللي اتغير يعني.

نظرت إليه إيمان والعبرات تتدفق بغزارة من عينيها وقالت:

_ للأسف يا جود انا مش بنت

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظلمات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *